المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الباب الأول حياة الرّسول

- ‌1- الجزيرة العربية قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌2- الإرهاصات بمولد الرسول

- ‌3- نصب الرسول

- ‌4- ولاية البيت

- ‌5- ولاية قصى البيت

- ‌6- ولاية هاشم بن عبد مناف الرفادة والسقاية

- ‌7- ولاية المطلب ثم عبد المطلب ما كان يليه هاشم

- ‌8- حفر زمزم

- ‌9- نذر عبد المطلب

- ‌10- زواج عبد الله بآمنة:

- ‌11- ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌12- حديث رضاعه صلى الله عليه وسلم

- ‌13- وفاة أمه وكفالة جده عبد المطلب له

- ‌14- موت عبد المطلب وكفالة عمه أبى طالب

- ‌15- حديث بحيرى الراهب

- ‌16- زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة

- ‌17- خلاف قريش فى بنيان الكعبة

- ‌18- علم اليهود والنصارى بمبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌19- مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌20- بدء التنزيل

- ‌21- فرض الصلاة

- ‌22- إسلام على بن أبى طالب

- ‌23- إسلام زيد بن حارثة

- ‌24- إسلام أبى بكر

- ‌25- من اسلم بدعوة أبى بكر

- ‌26- من أسلموا بعد ذلك

- ‌27- الجهر بالدعوة

- ‌28- تآمر قريش على المسلمين

- ‌29- ما لقى الرسول من قومه

- ‌30- إسلام حمزة

- ‌31- ما كان بين عتبة والرسول

- ‌32- الرسول واشراف قومه

- ‌33- أول جهر بالقرآن

- ‌34- استماع قريش إلى قراءة الرسول

- ‌35- عدوان قريش على المستضعفين من المسلمين

- ‌36- الهجرة الاولى إلى الحبشة

- ‌37- إسلام عمر بن الخطاب

- ‌38- تحالف الكفار وحديث الصحيفة

- ‌39- ما لقى الرسول من اذى قومه

- ‌40- رجوع مهاجرى الحبشة

- ‌41- ابن مظعون ورده لجوار الوليد

- ‌42- استجارة أبى سلمة بابى طالب

- ‌43- أبو بكر ورده لجوار بن الدغنة

- ‌44- نقض الصحيفة

- ‌45- إسلام الطفيل بن عمرو

- ‌46- الإسراء والمعراج

- ‌47- خروج الرسول إلى الطائف

- ‌48- عرض الرسول نفسه على قبائل مكة

- ‌49- إسلام الانصار

- ‌50- مبايعة الأنصار للرسول

- ‌51- الهجرة إلى المدينة

- ‌52- هجرة الرسول إلى المدينة

- ‌54- مسجد الرسول بالمدينة وبيته

- ‌55- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌56- حديث الآذان

- ‌57- الرسول ويهود المدينة

- ‌58- حديث المباهلة

- ‌59- من أخبار منافقى المدينة

- ‌60- غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌61- غزوة بدر

- ‌62- غزوة السويق

- ‌63- غزوة ذى أمر

- ‌64- غزوة الفرع

- ‌65- حديث بنى قينقاع

- ‌66- سرية زيد

- ‌67- مقتل كعب بن الأشرف

- ‌68- غزوة أحد

- ‌69- يوم الرجيح

- ‌70- حديث بئر معونة

- ‌71- إجلاء بنى النضير

- ‌72- غزوة ذات الرقاع

- ‌73- غزوة بدر الآخرة

- ‌74- غزوة دومة الجندل

- ‌75- ثم كانت غزوة الخندق فى شوال سنة خمس

- ‌76- غزوة بنى لحيان

- ‌77- غزوة ذى قرد

- ‌78- غزوة بنى المصطلق

- ‌79- حديث الإفك

- ‌80- حديث الحديبية

- ‌81- بيعة الرضوان

- ‌82- الهدنة

- ‌83- غزوة خيبر

- ‌84- عمرة القضاء

- ‌85- غزوة مؤتة

- ‌86- فتح مكة:

- ‌87- غزوة حنين

- ‌88- غزوة الطائف

- ‌89- غزوة تبوك

- ‌90- إسلام ثقيف

- ‌91- حج أبى بكر بالناس

- ‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع

- ‌93- حجة الوداع

- ‌94- مرضه صلى الله عليه وسلم وموته

- ‌95- زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌96- سراريه صلى الله عليه وسلم

- ‌97- أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌98- أعمامه وعمامته صلى الله عليه وسلم

- ‌99- جداته صلى الله عليه وسلم

- ‌100- أخواته صلى الله عليه وسلم

- ‌101- خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌102- مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌103- كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌104- مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

- ‌105- شعراؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌106- سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌107- دوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌108- تلخيص وتعقيب:

- ‌الباب الثانى تأريخ القرآن الكريم

- ‌1- أمية الرسول

- ‌2- نزول الوحى:

- ‌(1) - ترتيب نزول السور كما رواها ابن النديم

- ‌(أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌(2) - ترتيب نزول السور كما رواها البقاعى (أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌3- عدد المكى والمدنى:

- ‌4- عدد الآيات:

- ‌5- ترتيب الآيات

- ‌6- أسماء السور

- ‌7- ترتيب السور

- ‌وهاك جدولا يجمع الترتيب فى هذه المصاحف الخمسة:

- ‌فهذا جزء البقرة

- ‌وهذا جزء آل عمران

- ‌وهذا جزء النساء

- ‌وهذا جزء المائدة

- ‌وهذا جزء الأنعام

- ‌وهذا جزء الأعراف

- ‌وهذا جزء الأنفال

- ‌8- الحكمة فى نزول القرآن منجّما

- ‌9- نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌10- اسم كتاب الله

- ‌11- جمع القرآن

- ‌12- مصحف عثمان

- ‌13- كتب المصاحف

- ‌14- تعقيب على كتب المصاحف

- ‌15- القراءات

- ‌16- القراء

- ‌17- رأى ابن قتيبة فى القراءات

- ‌18- تعقيب على القراءات

- ‌19- رسم المصحف

- ‌20- كتابة المصحف وطبعه

- ‌21- تجزئة المصحف

- ‌22- الناسخ والمنسوخ:

- ‌23- المحكم والمشابه والحروف المقطعة فى أوائل السور

- ‌24- البسملة، والاستعاذة، والسجدة

- ‌25- كتاب المصحف

الفصل: ‌86- فتح مكة:

عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريرى صاحبيه، فقلت: عم هذا؟ فقيل لى:

مضيا، وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى.

ولما دنوا من حول المدينة، تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطونى ابن جعفر، فأتى بعبد الله، فأخذه فحمله بين يديه، وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون:

يا فرار، فررتم فى سبيل الله! فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى.

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا.

‌86- فتح مكة:

ثم إن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة، وكان الذى هاج ما بين بنى بكر وخزاعة، أن رجلا من بنى الحضرمى، خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة، عدوا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم، أنه من أحب أن يدخل فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه، ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه، فدخلت بنو بكر فى عقد قريش وعهدهم، ودخلت خزاعة فى عقد

ص: 235

رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده. فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل، من بنى بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منها ثأرا، ورفدت بنى بكر قريش بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق، بما استحلوا من خزاعة- وكانوا فى عقده وعهده- خرج عمرو بن سالم الخزاعى، أحد بنى كعب، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة- وكان ذلك مما هاج فتح مكة- فوقف عليه وهو جالس فى المسجد بين ظهرانى الناس، فقال:

يا رب إنى ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم. ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب.

ثم خرج بديل بن ورقاء فى نفر من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة،

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: كأنكم بأبى سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد فى المدة.

ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان،

ص: 236

قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشد العقد، ويزيد فى المدة، وقد رهبوا الذى صنعوا. فلما لقى أبو سفيان بديل بن ورقاء، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: تسيرت فى خزاعة فى هذا الساحل، وفى بطن هذا الوادى، قال: أو ما جئت محمدا! قال: لا. فلما راح بديل إلى مكة، قال أبو سفيان: لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففته، فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبى سفيان. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدى شر، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبى بكر، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به.

ثم خرج فدخل على علىّ بن أبى طالب رضوان الله عليه، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى عنها، وعندها الحسن بن علىّ، غلام يدب بين يديها، فقال: يا على، إنك أمس القوم بى رحما، وإنى قد جئت فى حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبا، فاشفع لى إلى رسول الله، فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر، ما نستطيع أن نكلمه فيه.

فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنة محمد، هل لك أن تأمرى بنيك هذا فيجير بين

ص: 237

الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما بلغ بنى ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:

يا أبا الحسن، إنى أرى الأمور قد اشتدت على، فانصحنى. قال: والله ما أعلم لك شيئا يغنى عنك شيئا، ولكنك سيد بنى كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عنى شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكنى لا أجد لك غير ذلك.

فقام أبو سفيان فى المسجد، فقال: أيها الناس، إنى قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره فانطلق. فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فو الله مارد علىّ شيئا، ثم جئت ابن أبى قحافة، فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت عليّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار على بشىء صنعته، فو الله ما أدرى هل يغنى ذلك شيئا أم لا؟ قالوا: ويلك! والله إن زاد الرجل على أن لعب بك، فما يغنى عنك ما قلت، قال: لا والله، ما وجدت غير ذلك.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها، وهى تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أى بنية: أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين قرينه يريد؟ قالت: لا والله ما أدرى.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجهد والتهيؤ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها.

فتجهز الناس.

ص: 238

ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب ابن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر، فى السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته فى رأسها، ثم فتلت قرونها، ثم خرجت به.

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث على بن أبى طالب والزبير ابن العوام، رضى الله عنهما، فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبى بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له فى أمرهم. فخرجا حتى أدركاها بالخليفة «1» فاستنزلاها، فالتمسا فى رحلها، فلم يجدا شيئا، فقال لها على ابن أبى طالب: إنى أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، أما والله إنى لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكنى كنت امرأ ليس لى فى القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لى بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعنى فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم.

(1) الخليفة: موضع.

ص: 239

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف على المدينة أبارهم، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفارى، وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، بين عسفان وأمج، أفطر. ثم مضى حتى نزل مرالظهران فى عشرة آلاف من المسلمين، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد.

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما هو فاعل. وخرج فى تلك الليالى أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا، أو يسمعون به. وقد كان العباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة، قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب، فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه،

فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك وابن عمتك وصهرك. قال: لا حاجة لى بهما، أما ابن عمى فهتك عرضى، وأما ابن عمتى وصهرى فهو الذى قال لى بمكة ما قال.

فلما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبى سفيان بنى له، فقال: والله ليأذنن لى أو لآخذن بيدى بنى هذا ثم لنذهبن فى الأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما.

ص: 240

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذى طوى، وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة حمراء. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذى طوى، أمر الزبير بن العوام أن يدخل فى بعض الناس من كدى، وكان الزبير على المجنبة اليسرى، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط، أسفل مكة، فى بعض الناس، وكان خالد على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب. وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين، ينصب لمكة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر، حتى نزل بأعلى مكة، وضربت له هنالك قبته.

ثم إن صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبى جهل، وسهيل بن عمرو، كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا، وقد كان حماس بن قيس بن خالد، أخو بنى بكر، يعد سلاحا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلح منه، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شىء، قال: والله إنى لأرجو أن أخدمك بعضهم. ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة. فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن (م 16- الموسوعة القرآنية- ج 1)

ص: 241

الوليد، ناوشوهم شيئا من قتال، فقتل كرز بن جابر، أحد بنى محارب بن فهر، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم، حليف بنى منقذ، وكانا فى خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه، فسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا.

وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء، من خيل خالد بن الوليد، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر رجلا، أو ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا فخرج حماس منهزما، حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقى على بابى، فقالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:

إنك لو شهدت يوم الخندمه

إذ فر صفوان وفر عكرمه

لهم نهيت «1» خلفنا وهمهمه

لم تنطقى فى اللوم أدنى كلمه

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن فى يده.

فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استدار له الناس فى المسجد، ثم

جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد، فقام إليه على بن أبى طالب ومفتاح الكعبة فى يده، فقال يا رسول الله، أجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعى له، فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء.

(1) النهيت: صوت الصدر.

ص: 242