الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعاقدوا على القيام فى الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم، فأكون أول من يتكلم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبى أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم؟
والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
قال أبو جهل، وكان فى ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق. قال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حيث كتبت. قال أبو البخترى: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به. قال المطعم بن عدى: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها، ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمر قضى بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان.
وأبو طالب جالس فى ناحية المسجد، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا «باسمك اللهم» .
45- إسلام الطفيل بن عمرو
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما يرى من قومه، ببذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش، حين منعه الله منهم، يحذرون الناس ومن قدم عليهم من العرب.
وكان الطفيل بن عمرو الدوسى يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل
الذى بين أظهرنا قد أعضل «1» بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.
قال: فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا «2» فرقا من أن يبلغنى شىء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فعدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى عند الكعبة. قال: فقمت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله: فسمعت كلاما حسنا. فقلت فى نفسى: واثكل أمى! والله إنى لرجل لبيب شاعر ما يخفى على الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لى كذا وكذا، للذى قالوا، فو الله ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنى قولك، فسمعته قولا حسنا، فأعرض علىّ أمرك. قال: فعرض علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علىّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبى الله، إنى
(1) أعضل: اشتد أمره.
(2)
السكر سف: القطن.