الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤكد هذا ما روى أن عثمان حين كان يعرض عليه المصحف غيّر «لم يتسنّ» إلى «لم يتسنّه» .
إذن فالذى يعزى إلى الحجاج فعله عزى إلى عثمان أنه فعله من قبله، ولا يمنع أن يكون هذا كله- أعنى الأحرف الثمانية- كانت مقروء مصحف عثمان، وأن الحجّاج حين نقط وشكل ميّز الرّسم وبينه، يستوحى فى ذلك من مقروئه ومقروء الناس الذين يقرءون مصحف عثمان.
وإذن فلا تغيير للحجّاج فى كتاب الله، ولم يكن ما فعل غير تبيين رسم وتمييزه، وما نظن الحجاج خرج فيما فعل على مصحف عثمان بقراءة أخرى، بل نكاد نؤيد أنه التزم فيها مقروء مصحف عثمان، وأنه لم يفعل غير التمييز والتبيين، بدليل تلك التى سقناها عن «لم يتسن» و «لم يتسنه» ، وأن الحجاج فيما فعل كان حريصا على أن يمكّن للمصحف الإمام، وأن ينفى عنه ما عساه أن يكون دخل عليه من قراءات.
15- القراءات
وقد مر بك الرأى فى القراءات السبع،
وفى قوله صلى الله عليه وسلم: «نزل القرآن على سبعة أحرف» ،
وأن المراد: على سبعة أوجه من اللّغات: متفرقة فى القرآن «1» .
ولقد روى عن عمر أنه قال: نزل القرآن بلغة مضر.
وإذا رجعنا نحصى قبائل مضر وجدناها سبع قبائل، وهى: هذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش.
كما يروى عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن، واثنان لسائر العرب.
والعجزهم: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وكان يقال لهم: عليا هوازن.
كما يروى عن أبى حاتم السّجستانى أنه قال: نزل القرآن بلغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
كما يرى السّيوطى فى «الإتقان «2» » آراء غير مسندة، منها:
(1)
أنها سبع لغات متفرقة لجميع العرب، كل حرف منها لقبيلة مشهورة.
(2)
أنها سبع لغات: أربع لعجز هوازن، وثلاث لقريش.
(1) تأويل مشكل القرآن (ص: 26) .
(2)
الإتقان (ص: 47) . [.....]
(3)
أنها سبع لغات، لغة لقريش، ولغة لليمن، ولغة لجرهم، ولغة لهوازن، ولغة لقضاعة، ولغة لتميم، ولغة لطيئ.
(4)
أنها لغة الكعبين: كعب بن عمر، وكعب بن لؤى، ولهما سبع لغات.
وهذا الخبر مسند لابن عباس من طريق آخر غير الطريق الأول الذى روى به خبره السابق.
وهذا الاختلاف فى التعيين لا يضير فى شىء، فثم لغات سبع مفرقة فى القرآن، أخبر الرسول عن جملتها ولم يخبر عن تفصيلها، وكان هذا التفصيل مكان الاجتهاد بين المجتهدين.
وليس معنى الحديث أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرقة، تقرأ قريش بلغتها، وتقرأ هذيل بلغتها، وتقرأ هوازن بلغتها، وتقرأ اليمن بلغتها.
وفى ذلك يقول أبو شامة نقلا عن بعض شيوخه: أنزل القرآن بلسان قريش، ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالهم على اختلافهم فى الألفاظ والإعراب «1» .
ويعقب ابن الجوزى على هذه الأحرف السبعة يقول: وأما وجه كونها سبعة أحرف، دون أن لم تكن أقل أو أكثر، فقال الأكثرون: إن أصول قبائل العرب تنتهى إلى سبعة، وإن اللغات الفصحى سبع، وكلاهما دعوى.
وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل المراد السّعة والتيسير، وأنه لا حرج عليهم فى قراءته بما هو فى لغات العرب، من حيث إن الله تعالى أذن لهم فى ذلك.
والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة من غير حصر «2» .
وكانت هذه اللغات علمها إلى الرسول، قد أحاطه الله بها علما، وحين يقرأ الهذلى بين يديه (عتّى حين) وهو يريد (حتّى حين)«3» يجيزه، لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها.
وحين يقرأ الأسدى بين يديه (تسود وجوه)«4» بكسر التاء في «تسود» ، و (ألم أعهد إليكم)«5» بكسر الهمزة فى «أعهد» يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يهمز التّميمى على حين لا يهمز القرشى، يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
(1) الإتقان (ص: 47) .
(2)
النشر فى القراءات العشر (25- 26) .
(3)
المؤمنون: 54- الصافات: 174 و 178- الذاريات: 47.
(4)
آل عمران: 106.
(5)
يس: 60.
وحين يقرأ قارئهم (وإذا قيل لهم)«1» و (غيض الماء)«2» بإشمام الضم مع الكسر، يجيزه لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم (هذه بضاعتنا ردت إلينا)«3» بإشمام الكسر مع الضم فى «ردت» يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم (مالك لا تأمنا)«4» بإشمام الضم مع الإدغام فى ميم «تأمنا» يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل، وتكليفه غير هذا عسير.
وحين يقرأ قارئهم «عليهم» و «فيهم» بالضم، ويقرأ قارئ آخر «عليهمو» و «فيهمو» بالصلة، يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم (قد أفلح) و «قل أوحى» و «خلو إلى» بالنّقل، يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم «موسى» و «عيسى» و «سبأ» بالإمالة يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم «خبيرا» و «بصيرا» بالتّرقيق، يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل.
وحين يقرأ قارئهم «الصلوات» و «الطلاق» بالتفخيم، يجيزه، لأنه هكذا يلفظ وهكذا يستعمل «5» .
ويفسر لك هذا ما
روى عن «عمر» قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة «الفرقان» على غير ما أقرؤها، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم أقرأ نيها، فأتيت به النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال له: اقرأ، فقرأ تلك القراءة. فقال: هكذا أنزلت، ثم قال لى: أقرأ، فقرأت. فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا منه ما تيسر «6» .
وكذلك يفسر لك هذا ما
روى عن «أبىّ» قال: دخلت المسجد أصلّى فدخل رجل فافتتح «النحل» فقرأ، فخالفنى فى القراءة. فلما انتقل قلت: من أقرأك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم جاء رجل فقام يصلّى، فقرأ وافتتح «النحل» ، فخالفنى وخالف صاحبى، فلما انتقل قلت: من أقرأك؟ قال: رسول
(1) البقرة: 11.
(2)
هود: 44.
(3)
يوسف: 65.
(4)
يوسف: 11.
(5)
تأويل مشكل القرآن (ص: 30) - النشر فى القراءات العشر (1: 29) .
(6)
المرجعان السابقان.