الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج وكلاهما، كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه، ويجذبونه بجمته، وكان ذا شعر كثير.
51- الهجرة إلى المدينة
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له فى الحرب، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل.
وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم، فهم من بين مفتون فى دينه ومن بين معذب فى أيديهم، ومن بين هارب فى البلاد فرارا منهم، منهم من بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة، وفى كل وجه. فلما عتت قريش على الله عزوجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده، ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه، أذن الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فى القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليه.
فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم فى الحرب، وبايعه هذا الحى من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عزوجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها.
فخرجوا أرسالا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه فى الخروج من مكة، والهجرة إلى المدينة.
فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش، من بنى مخزوم: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرا.
وتقول أم سلمة: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لى بعيره، ثم حملنى عليه، وحمل معى ابنى سلمة فى حجرى، ثم خرج بى يقود بعيره، فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها فى البلاد! فنزعوا خطام البعير من يده فأخذونى منه. وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبى سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنى سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسنى بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجى أبو سلمة إلى المدينة ففرق بينى وبين زوجى وبين ابنى، فكنت أخرج كل غداة أجلس بالأبطح فما أزال أبكى حتى أمسى، سنة أو قريبا منها، حتى مربى رجل من بنى عمى، أحد بنى المغيرة، فرأى ما بى فرحمنى، فقال لبنى المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة! فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها! فقالوا لى: الحقى بزوجك إن شئت. ورد بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابنى، فارتحلت بعيرى، ثم أخذت ابنى فوضعته فى حجرى، ثم خرجت أريد زوجى بالمدينة، وما معى أحد من خلق الله، فقلت أتبلغ بمن لقيت
حتى أقدم على زوجى، حتى إذا كنت بالتنعيم «1» لقيت عثمان بن طلحة بن أبى طلحة، فقال لى: إلى أين يا بنت أبى أمية؟ فقلت: أريد زوجى بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ فقلت، لا والله، إلا الله وبنى هذا. قال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معى يهوى بى، فو الله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بى، ثم استأخر عنى، حتى إذا نزلت استأخر ببعيرى، فحط عنه، ثم قيده فى الشجرة، ثم تنحى عنى إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى فقدمه فرحله، ثم استأخر عنى، وقال: اركبى، فإذا ركبت واستويت على بعيرى أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بى. فلم يزل يصنع ذلك بى حتى أقدمنى المدينة، فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك فى هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلا- فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت فى الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبى سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.
ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبى ربيعة المخزومى، حتى قدما المدينة. قال عمر بن الخطاب: اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش ابن أبى ربيعة، وهشام بن العاصى بن وائل السهمى، التناضب «2» ، وقلنا
(1) التنعيم: موضع على فرسخين من مكة.
(2)
التناضب: موضع.
أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه، فأصبحت أنا وعياش ابن أبى ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن.
فلما قدمنا المدينة نزلنا فى بنى عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل ابن هشام، والحارث بن هشام، إلى عياش بن أبى ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وقالا:
إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها. فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فو الله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر لاستظلت. فقال: أبر قسم أمى، ولى هنالك مال آخذه.
فقلت: والله إنك لتعلم أنى لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالى ولا تذهب معهما. فأبى علىّ إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك، قلت له:
أما إذا فعلت ما فعلت، فخذ ناقتى هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها.
فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل:
يابن أخى، والله لقد استغلظت بعيرى هذا، أفلا تعقبنى على ناقتك هذه؟ قال:
بلى. فأناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استوى بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن.
ثم إنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.