الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يسمع منه. ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه. فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذى ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائى أنى قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بى، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذى سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا:
سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيى فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
32- الرسول واشراف قومه
وجعل الإسلام يفشو بمكة فى قبائل قريش فى الرجال والنساء، وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين، فاجتمع أشراف قريش من كل قبيلة بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فأتهم.
فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه رأى، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، حتى جلس إليهم.
فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، وما بقى أمر قبيح إلا قد
جئته فيما بيننا وبينك، وإن كنت غير قابل منا شيئا عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا، ولا أقل ماء، ولا أشدّ عيشا منّا، فسل ربك الذى بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التى قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا.
فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: ما بهذا بعثت إليكم، إنما جئتكم من الله بما بعثنى به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم فى الدنيا والآخرة، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بينى وبينكم. قالوا: فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تتمول، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغى، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولا كما تزعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا. قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا، كما زعمت أن ربك إن شاء فعل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل.
وقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا آسفا، لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه.
فقال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإنى أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد فى صلاته فضخت به رأسه، فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
قالوا: والله لا نسلمك لشىء أبدا، فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلته إلى الشام، فكان إذا صلى جعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام يصلى، وقد غدت قريش فجلسوا فى أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل.
فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على الحجر، حتى قذف الحجر من يده. وقامت إليه رجال قريش فقالوا له:
ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته قط ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلنى.
فلما قال لهم ذلك أبو جهل، قام النضر بن الحارث، فقال: يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم فى صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر! لا والله ما هو بساحر! وقلتم: كاهن! لا والله ما هو بكاهن! وقلتم: شاعر! لا والله