الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
87- غزوة حنين
ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك بن عوف النصرى. ولما سمع بهم نبى الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى، وأمره أن يدخل فى الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم. فانطلق بن أبى حدرد، فدخل فيهم فأقام فيهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه، ثم أقبل حتى
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب، فأخبره الخبر. فقال عمر: كذب ابن أبى حدرد. فقال ابن أبى حدرد: إن كذبتنى فربما كذبت بالحق يا عمر، فقد كذبت من هو خير منى.
فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أبى حدرد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت ضالا فهداك الله يا عمر.
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا له وسلاحا، فأرسل إليه- وهو يومئذ مشرك- فقال: يا أبا أمية، أعرنا سلاحك هذا، نلق فيه عدونا غدا، فقال:
صفوان: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك، قال:
ليس بهذا بأس.
فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها، ففعل.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه، ففتح الله بهم مكة، فكانوا اثنى عشر ألفا. واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبى العيص
ابن أمية بن عبد شمس على مكة، أميرا على من تخلف عنه من الناس، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن.
ويقول جابر: لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا فى واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، فى عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادى، فكمنوا لنا فى شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، واستمر الناس راجعين، لا يلوى أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا لى، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله.
فانطلق الناس، إلا أنه قد بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما فى أنفسهم من الضغن.
ويقول العباس بن عبد المطلب: إنى لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء، وكنت امرأ جسما شديد الصوت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شىء، فقال: يا عباس، اصرخ، يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السمرة! فأجابوا: لبيك! لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثنى بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها فى عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلى سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة، استقبلوا الناس
فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: ياللأنصار! ثم خلصت أخيرا:
باللخزرج! وكانوا صبرا عند الحرب. فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون، فقال: الآن حمى الوطيس، والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حسن الإسلام حين أسلم، وهو آخذ بسير بغلته، فقال: من هذا؟ قال: أنا ابن أمك، يا رسول الله.
ولما انهزم المشركون، أتو الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك فى نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعرى، فأدرك من الناس بعض من انهزم، فناوشوه القتال، فرمى أبو عامر بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعرى، وهو ابن عمه، فقاتلهم، ففتح الله على يديه وهزمهم.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة، وقد قتلها خالد ابن الوليد والناس مزدحمون عليها، فقال: ما هذا؟ فقالوا؟ امرأة قتلها خالد ابن الوليد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا «1» .
(1) العسيف: الأجير.