الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- الإرهاصات بمولد الرسول
تلك كانت حال الجزيرة العربية من توزع دينى جر إلى توزع اجتماعى، فشخصت أبصار القلة الواعية من رجالات الجزيرة الراشدين إلى السماء تنشد العون وتستمطر الرحمة، وجمعت البلبلة الفاشية بين أربعة من هذه القلة الواعية، وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد ابن عمرو بن نقيل، ينظرون لأنفسهم ولأمتهم، فما انتهوا إلى رأى، وإذا هم أشتات حين انفضوا كما كانوا أشتاتا حين اجتمعوا، لأن الأمر كان أجل من أن يحمل عبئه غير رسول مؤيد من السماء.
وكانت الإرهاصات تشير إلى ميلاد هذا الرسول، وإلى أن هذا الرسول اسمه محمد، وأحمد، وبهما كان يسمى صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى:
النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ. [الأعراف/ 156]، ويقول تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف 6]، ويقول تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ [الأنعام 30]، ويقول تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران 93] ، فمما لا شك فيه ولا تعترضه شبهة أنه لا يجوز للخصم المخالف أن يستشهد على خصمه بما فى كتابه، وينتصر عليه بالتسمية من غير أصل ثابت عنده، أو مرجع واضح لديه، وهل الاستشهاد على هذا إلا بمنزلة الاستشهاد على المحسوس، الذى لا يكاد يقع الاختلاف فيه؟
وعلى الرغم مما دخل إلى التوراة من تحريف وتبديل فثمة فيها ما يحمل هذه الإشارة إلى محمد، ولقد جاء هذا التحريف والتبديل إلى التوراة بعد ما خرّب بختنصر بيت المقدس، وأحرق التوراة، وساق بنى إسرائيل إلى أرض بابل.
ويقال إن عزيزا أملاها فى آخر عمره على واحد من تلامذته، وكان هذا الإملاء لا شك عن حفظ فردى، وعن هذه النسخة المملاة كانت النسخ المختلفة، وكان هذا التحريف. ويستدلون على ذلك بما فى التوراة من أخبار عما كان من أمر موسى عليه السلام، وكيف كان موته، ووصيته إلى يوشع بن نون، وحزن بنى إسرائيل وبكاؤهم عليه، وهذا ونحوه لا يجوز عقلا إن يكون من كلام الله ولا من كلام موسى.
ثم إنه ثمة توراة فى أيدى السامرة تخالف تلك التى فى أيدى سائر اليهود فى التواريخ والأعياد وذكر الأنبياء، كما أنه ثمة توراة فى اليونانية تخالف التوراة العبرانية فى السنين بما يربى على ألف وأربعمائة سنة، وهذا التخالف محال إن يتصف به كتاب من عند الله.
وينقل صاحب البدء والتاريخ عن نسخة من التوراة لأبى عبد الله المازنى:
يا داود، قل لسليمان من بعدك إن الأرض لى أورثها محمدا ليست صلاتهم بالطنابير، ولا يقدسونى بالأوتار. وفيها: إن الله عز وجل يظهر من صهيون إكليلا محمودا.
والإكليل هو الرياسة والإمامة، والمحمود: محمد صلى الله عليه وسلم.
وفى التوراة العبرية، من قول الله تعالى لإبراهيم: سمعت دعاءك فى إسماعيل، هاه باركت إياه، وكثرت عدده وأنميته جدّا جدّا حتى لا تعد كثرته اثنا عشر ملكا يولد، وأظهره لأمه عظيمة.
وفيها: وجاء الرب من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران.
وساعير جبال فلسطين حيث ظهر عيسى، وفاران: مكة،
وتجد فى التوراة العربية (سفر التثنية، الإصحاح 18، الآية: 15) : يقيم لك الرب إلهك نبيّا من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون.
ولقد جاء بعد موسى عيسى، وهو من بنى إسرائيل، ومقتضى الآية أن يكون ثمة نبى مرتقب بعد عيسى، ومحمد من ولد إسماعيل، وإسماعيل أخو إسحاق، وإسحاق جد بنى إسرائيل، وإخوتهم هم بنو إسماعيل.
وتزكّى هذا الآية الثامنة عشرة من الإصحاح الخامس والعشرين، من سفر التكوين حيث تقول: وسكنوا- أى أبناء إسماعيل- من حويلة إلى شور التى إمام مصر، حينما تجىء نحو أشور أمام جميع إخوته نزل.
وكذا تزكيه الآية الثانية عشرة من الإصحاح السادس عشر، من سفر التكوين: وأمام إخوته يسكن.
وفى إنجيل يوحنا (الإصحاح: 14، الآية: 15، الإصحاح: 16، الآية: 6- 7 م) ما يشير إلى إتيان الفار قليط، ومعنى الفار قليط: الكثير الحمد، وهذا المعنى هو ما تعطيه كلمة أحمد، التى هى من أسماء النبى.
غير أن النص العربى من الإنجيل، جعل مكان الفار قليط فى الموضعين:
المعزى. ففى الموضع الأول يقول الإنجيل: ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذى من عند الأب ينبثق فهو يشهد لى.
والنص فى غير النسخة العربية، على لسان عيسى وهو يخاطب الحواريين:
أنا أذهب وسيأتيكم الفار قليط روح الحق الذى لا يتكلم من تلقاء نفسه وهو يشهد لى بما شهدت له، وما جئتكم به سرّا يأتيكم به جهرا.
وفى الموضع الثانى يقول: وأما الآن فأنا ماض إلى الذى أرسلنى وليس