المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌52- هجرة الرسول إلى المدينة - الموسوعة القرآنية - جـ ١

[إبراهيم الإبياري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الباب الأول حياة الرّسول

- ‌1- الجزيرة العربية قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌2- الإرهاصات بمولد الرسول

- ‌3- نصب الرسول

- ‌4- ولاية البيت

- ‌5- ولاية قصى البيت

- ‌6- ولاية هاشم بن عبد مناف الرفادة والسقاية

- ‌7- ولاية المطلب ثم عبد المطلب ما كان يليه هاشم

- ‌8- حفر زمزم

- ‌9- نذر عبد المطلب

- ‌10- زواج عبد الله بآمنة:

- ‌11- ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌12- حديث رضاعه صلى الله عليه وسلم

- ‌13- وفاة أمه وكفالة جده عبد المطلب له

- ‌14- موت عبد المطلب وكفالة عمه أبى طالب

- ‌15- حديث بحيرى الراهب

- ‌16- زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة

- ‌17- خلاف قريش فى بنيان الكعبة

- ‌18- علم اليهود والنصارى بمبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌19- مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌20- بدء التنزيل

- ‌21- فرض الصلاة

- ‌22- إسلام على بن أبى طالب

- ‌23- إسلام زيد بن حارثة

- ‌24- إسلام أبى بكر

- ‌25- من اسلم بدعوة أبى بكر

- ‌26- من أسلموا بعد ذلك

- ‌27- الجهر بالدعوة

- ‌28- تآمر قريش على المسلمين

- ‌29- ما لقى الرسول من قومه

- ‌30- إسلام حمزة

- ‌31- ما كان بين عتبة والرسول

- ‌32- الرسول واشراف قومه

- ‌33- أول جهر بالقرآن

- ‌34- استماع قريش إلى قراءة الرسول

- ‌35- عدوان قريش على المستضعفين من المسلمين

- ‌36- الهجرة الاولى إلى الحبشة

- ‌37- إسلام عمر بن الخطاب

- ‌38- تحالف الكفار وحديث الصحيفة

- ‌39- ما لقى الرسول من اذى قومه

- ‌40- رجوع مهاجرى الحبشة

- ‌41- ابن مظعون ورده لجوار الوليد

- ‌42- استجارة أبى سلمة بابى طالب

- ‌43- أبو بكر ورده لجوار بن الدغنة

- ‌44- نقض الصحيفة

- ‌45- إسلام الطفيل بن عمرو

- ‌46- الإسراء والمعراج

- ‌47- خروج الرسول إلى الطائف

- ‌48- عرض الرسول نفسه على قبائل مكة

- ‌49- إسلام الانصار

- ‌50- مبايعة الأنصار للرسول

- ‌51- الهجرة إلى المدينة

- ‌52- هجرة الرسول إلى المدينة

- ‌54- مسجد الرسول بالمدينة وبيته

- ‌55- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌56- حديث الآذان

- ‌57- الرسول ويهود المدينة

- ‌58- حديث المباهلة

- ‌59- من أخبار منافقى المدينة

- ‌60- غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌61- غزوة بدر

- ‌62- غزوة السويق

- ‌63- غزوة ذى أمر

- ‌64- غزوة الفرع

- ‌65- حديث بنى قينقاع

- ‌66- سرية زيد

- ‌67- مقتل كعب بن الأشرف

- ‌68- غزوة أحد

- ‌69- يوم الرجيح

- ‌70- حديث بئر معونة

- ‌71- إجلاء بنى النضير

- ‌72- غزوة ذات الرقاع

- ‌73- غزوة بدر الآخرة

- ‌74- غزوة دومة الجندل

- ‌75- ثم كانت غزوة الخندق فى شوال سنة خمس

- ‌76- غزوة بنى لحيان

- ‌77- غزوة ذى قرد

- ‌78- غزوة بنى المصطلق

- ‌79- حديث الإفك

- ‌80- حديث الحديبية

- ‌81- بيعة الرضوان

- ‌82- الهدنة

- ‌83- غزوة خيبر

- ‌84- عمرة القضاء

- ‌85- غزوة مؤتة

- ‌86- فتح مكة:

- ‌87- غزوة حنين

- ‌88- غزوة الطائف

- ‌89- غزوة تبوك

- ‌90- إسلام ثقيف

- ‌91- حج أبى بكر بالناس

- ‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع

- ‌93- حجة الوداع

- ‌94- مرضه صلى الله عليه وسلم وموته

- ‌95- زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌96- سراريه صلى الله عليه وسلم

- ‌97- أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌98- أعمامه وعمامته صلى الله عليه وسلم

- ‌99- جداته صلى الله عليه وسلم

- ‌100- أخواته صلى الله عليه وسلم

- ‌101- خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌102- مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌103- كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌104- مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

- ‌105- شعراؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌106- سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌107- دوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌108- تلخيص وتعقيب:

- ‌الباب الثانى تأريخ القرآن الكريم

- ‌1- أمية الرسول

- ‌2- نزول الوحى:

- ‌(1) - ترتيب نزول السور كما رواها ابن النديم

- ‌(أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌(2) - ترتيب نزول السور كما رواها البقاعى (أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌3- عدد المكى والمدنى:

- ‌4- عدد الآيات:

- ‌5- ترتيب الآيات

- ‌6- أسماء السور

- ‌7- ترتيب السور

- ‌وهاك جدولا يجمع الترتيب فى هذه المصاحف الخمسة:

- ‌فهذا جزء البقرة

- ‌وهذا جزء آل عمران

- ‌وهذا جزء النساء

- ‌وهذا جزء المائدة

- ‌وهذا جزء الأنعام

- ‌وهذا جزء الأعراف

- ‌وهذا جزء الأنفال

- ‌8- الحكمة فى نزول القرآن منجّما

- ‌9- نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌10- اسم كتاب الله

- ‌11- جمع القرآن

- ‌12- مصحف عثمان

- ‌13- كتب المصاحف

- ‌14- تعقيب على كتب المصاحف

- ‌15- القراءات

- ‌16- القراء

- ‌17- رأى ابن قتيبة فى القراءات

- ‌18- تعقيب على القراءات

- ‌19- رسم المصحف

- ‌20- كتابة المصحف وطبعه

- ‌21- تجزئة المصحف

- ‌22- الناسخ والمنسوخ:

- ‌23- المحكم والمشابه والحروف المقطعة فى أوائل السور

- ‌24- البسملة، والاستعاذة، والسجدة

- ‌25- كتاب المصحف

الفصل: ‌52- هجرة الرسول إلى المدينة

‌52- هجرة الرسول إلى المدينة

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له فى الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا على بن أبى طالب، وأبو بكر بن أبى قحافة الصديق رضى الله عنهما، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة،

فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا

، فيطمع أبو بكر أن يكونه.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له فى دار الندوة- وهى دار قصى بن كلاب التى كانت قريش لا تقضى أمرا إلا فيها- يتشاورون فيها ما يصنعون فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حين خافوه.

فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا.

فتشاوروا ثم قال قائل منهم: احبسوه فى الحديد، وأغلقوا عليه باباثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله، زهيرا، والنابغة، ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. ثم قال

ص: 94

قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا، فننقيه من بلادنا، فإذا أخرج عنا فو الله ما نبالى أين ذهب، ولا حيث وقع. إذا غاب عنا فرغنا منه، فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابّا جليدا نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل «1» ، فعقلناه لهم. وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له.

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه. فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بايه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلى بن أبى طالب: نم على فراشى وتسج ببردى هذا الحضرمى الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شىء تكرهه منهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام فى برده ذلك إذا نام.

وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟

قالوا: محمدا. قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد، ثم جعلوا

(1) العقل: الدية.

ص: 95

يتطلعون فيرون عليّا على الفراش متسجيا يبرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام على رضى الله عنه عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذى حدثنا.

وكان أبو بكر رضى الله عنه رجلا ذا مال، فكان حين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة،

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبا

، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعنى نفسه، حين قال له ذلك، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما فى داره، يعلفهما إعدادا لذلك.

تقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئ أن يأتى بيت أبى أحد طرفى النهار إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذى أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة، والخروج من مكة بين ظهرى قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فى ساعة كان لا يأتى فيها. فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأمر حدث.

فلما دخل صلى الله عليه وسلم تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عند أبى بكر إلا أنا وأختى أسماء بنت أبى بكر، فقال، رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج عنى من عندك،

ص: 96

فقال: يا رسول الله إنما هنا ابنتاى، وما ذاك؟ فداك أبى وأمى. فقال: إن الله قد أذن لى فى الخروج والهجرة.

فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: الصحبة.

ثم قال:

يا نبى الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا. فاستأجرا عبد الله بن أريقط، رجلا من بنى الدئل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو- وكان مشركا- يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. ولم يعلم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج، إلا على بن أبى طالب.

وأبو بكر الصديق، وآل أبى بكر، أما على، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التى كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شىء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته، صلى الله عليه وسلم.

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج، أتى أبا بكر بن أبى قحافة، فخرجا من خوخة لأبى بكر فى ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور- جبل بأسفل مكة- فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبى بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى فى الغار. وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.

وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل (م 7- الموسوعة القرآنية- ج 1)

ص: 97

أبو بكر رضى الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمس الغار، لينظر أفيه سبع أو حية، يقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار ثلاثا ومعه أبو بكر، وجعلت قريش فيه، حين فقدوه، مائة ناقة، لمن يرده عليهم. وكان عبد الله بن أبى بكر يكون فى قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر.

وكان عامر بن فهيرة، مولى أبى بكر رضى الله عنه، يرعى فى رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد الله بن أبى بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفى عليه. حتى إذا مضت الثلاث، وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الذى استأجراه ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها بسفرتها، ونسيت أن تجعل لها عصاما «1» ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام، فتحل نطاقها فتجعله عصاما، ثم علقتها به.

فكان يقال لأسماء بنت أبى بكر: ذات النطاق، لذلك.

فلما قرب أبو بكر، رضى الله عنه، الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم له أفضلهما، ثم قال: اركب، فداك أبى وأمى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى لا أركب بعيرا ليس لى. قال: فهى لك يا رسول الله بأبى أنت وأمى. قال: لا، ولكن ما الثمن الذى ابتعتها به؟ قال: كذا

(1) العصام. ما تعلق به السفرة.

ص: 98

وكذا. قال: قد أخنتها به.

قال: هى لك يا رسول الله فركبها وانطلقا، وأردف أبو بكر الصديق رضى الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه، ليخدمهما فى الطريق.

وتقول أسماء: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضى الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبى بكر؟ قلت:

لا أدرى والله أين أبى؟ فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى ثم انصرف، فمكثنا ثلاث ليال وما ندرى أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أربعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، الصديق رضى الله عنه، وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر، وعبد الله بن أريقط دليلهما.

وتقول أسماء: ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جدى أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة فى البيت الذى كان أبى يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت:

يا أبت، ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفى هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكنى أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

ص: 99

ويقول سراقة بن مالك: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن يرده عليهم. قال:

فبينا أنا جالس فى نادى قومى إذ أقبل رجل منّا، حتى وقف علينا، فقال:

والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علىّ آنفا، إنى لأراهم محمدا وأصحابه فأومأت إليه بعينى: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يتبعون ضالة لهم. قال: لعله، ثم سكت، ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتى، ثم أمرت بفرسى، فقيد لى إلى بطن الوادى، وأمرت بسلاحى، فأخرج لى من دبر حجرتى، ثم أخذت قداحى التى أستقسم بها، ثم انطلقت، فلبست لأمتى «1» ، ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذى أكره «لا يضره» ، وكنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المائة الناقة، فركبت على أثره، فبينما فرسى يشتد بى عثر بى فسقطت عنه، فقلت: ما هذا؟ ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذى أكره «لا يضره» ، فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت فى أثره، فبينما فرسى يشتد بى عثر بى فسقطت عنه، فقلت: ما هذا؟

ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذى أكره «لا يضره» فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت فى أثره، فبينما فرسى يشتد بى عثر بى فسقطت عنه فقلت: ما هذا؟ ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذى أكره «لا يضره» ، فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت فى أثره. فلما بدا لى القوم ورأيتهم، عثر بى فرسى، فذهبت يداه فى الأرض، وسقطت عنه، فعرفت حين رأيت ذلك، أنه قد منع منى، فناديت القوم فقلت: أنا سراقة بن جعشم، انظرونى أكلمكم، فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى شىء تكرهونه

فقال رسول

(1) اللأمة: الدرع والسلاح.

ص: 100

الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: قل له: وما تبتغى منا؟ فقال ذلك أبو بكر.

قلت: تكتب لى كتابا يكون آية بينى وبينك. قال: اكتب له يا أبا بكر.

ثم ألقاه إلىّ، فأخذته، فجعلته فى كنانتى، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعى الكتاب لألقاه، فرفعت يدى بالكتاب، ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك لى، أنا سراقة بن جعشم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم وفاء وبر، ادنه، فدنوت منه فأسلمت.

ويقول رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كنا نخرج إذا صلينا الصبح، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فو الله لا نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك فى أيام حارة، حتى إذا كان اليوم الذى قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، فصرخ بأعلى صوته: يا بنى قيلة «1» ، هذا جدكم قد جاء. فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فى ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضى الله عنه فى مثل سنه، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وركبه الناس- وما يعرفونه من أبى بكر- حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر وأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك.

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو ابن عوف.

(1) قيله: هم الأنصار، وقيلة إخوة كانت لهم.

ص: 101