الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسببهم من المحن والأهوال صنوفاً وألواناً، حيث لعبوا دوراً خطيراً في حوادثه السياسية وأثاروا فتناً وحروباً، كان كل من العرب والمغاربة في غنى عنها. غير أن هذه الحال لم تدم؛ فقد شاء الله أن تنجلي، وينجلي معها كل ضير وضرر على مستقبل البلاد.
فبينا الإيمان متذبذب، والشعور الديني آخذ بالضعف لبُعد العهد بالهداة المرشدين الساري اليهم نور النبوة، أمثال عقبة، وموسى. وفيما الأقوال والخلافات المذهبية رائجة، ونزغات الملحدين ووساوس أهل الضلالات متسربة إلى نفوس هذا الشعب الفطري الساذج، إذ أتى إدريس بن عبد الله، فاراً بنفسه من الرشيد الذي اضطهد شيعته الخارجين عليه، وشتتهم شذر مذر. فكان دخول هذا الفرع الزكي إلى المغرب فاتحة عصر جديد، طالما تاقت له النفوس واشرأبت إليه الأعناق.
وما وطيء ثرى البلاد المغربية، حتى وفدت عليه القبائل معلنة بمبايعته، داخلة في طاعته. فبدأ أعماله بتأسيس الدولة الإدريسية سنة 172 هـ بمعونه إسحق ابن عبد الحميد الأوربي والي مدينة وليلى، وسعي مولاه راشد. وهي أول دولة عربية مستقلة في المغرب. وبعد أن توطد له الملك، جهز الجيوش واستنفر المقاتلة، وخرج غازياً يضرب في بلاد المغرب طولاً وعرضاً، حتى دوخه جميعه، وقضى على حركات الخوارج وسكن فتنهم المندلعة اللهيب؛ فلم تقم لهم بعدها قائمة. ثم تقدم إلى تلمسان ففتحها سنة 173 هـ ودخلها، فنظر في أحوالها. وبنى بها مسجداً. ثم عاد إلى وليلى، وقد استقام له أمر المغرب، وتم له اقتطاعه من جسم الخلافة العباسية، وإزالة كل سلطة دينية أو سياسية، كانت لها عليه. وكان هذا هو ثالث الفتوح الإسلامية المهمة.
كيف انتشر الإسلام في المغرب
هكذا كان تطور الحركة الإسلامية وسيرها بالمغرب مدة قرن كامل. وهكذا كان حرص ولاة العرب شديداً على إشادة معالم الإسلام بهذا القطر، وتثبيت أركانه وإقامة دعائمه. حتى ارتكز فيه ارتكازاً قوياً، وتمكن من نفوس سكانه أيما تمكن.
فأصبح وكأنما آوي إلى وطن وسكن هما أعرف به منه بهما. فكيف تم ذلك؟ وما هي العوامل والأسباب التي سنت الوصول إلى هذه الغاية؟
إن المغاربة الذين كانوا قد اعتادوا حياة الفوضى، وألفوا التمرد والعصيان، بعد أن تمكن منهم العرب وكسروا شوكتهم، أصبحوا مقتنعين بعدم إجداء المقاومة عنهم وذهاب كل مجهوداتهم في الدفاع سدى، لما رأوه من شدة مراس العرب للحروب وطول مغالبتهم لأعدائهم. فلم يسعهم، والحالة هذه، إلا الإذعان لسطوتهم وتسليم مقاليد الأمور اليهم. فساسوهم بالحكمة والإنصاف، وأخذوهم بالعدل والمساواة، حتى أووا إلى ظل الطاعة، واخلدوا إلى السكينة والهدوء.
هنالك تذوقوا طعم السلم لأول مرة، وانصرفوا إلى إدارة شؤونهم وتدبير مصالحهم. وبدأوا يشعرون بهناءة الحياة، ويجدون لذاذتها.
ثم نظروا فيما تخلف بأيديهم من عادات الوثنية، وبقايا الديانات الأخرى المحرفة. فلم يجدوا في ذلك شفاء غلتهم ونقع أوامهم؛ فأخذوا يتطاولون بأعناقهم إلى الدين الجديد الذي جاء به الفاتحون الأقوياء ورأوه موفياً بأغراض الحياة ومآربها، ضامناً لمصالح البشر في المعاش والمعاد. فكان منه إليه خير داعية ومرشد، أنار أمامهم السبل، وأبان لهم معالم الرشد. وسرعان ما استمالهم إلى جانبه، وادخلهم في حظيرته. وكان أكثر ظاهر أنه تأثيراً عليهم ثلاثاً.
أ- يسر شريعته، وسماحته غير المحدودة. فكل تعاليمه هين سهل، يمكن الإحاطة به والقيام عليه في غير تعب ولا عناء. والإسلام كما لا يخفى، دين الفطرة الخالي من التكاليف الشاقة التي تجعله عبئاً ثقيلاً على كواهل معتنقيه. إذ ليس فيه إلا ما ينطبق على النظر والمصلحة العامة.
ب- حسن معاملته لكل من يدين به ويحتمي بحماه، فما هو إلا أن يتعلق بسبب من أسبابه، حتى يصبح عضواً عاملاً في جماعته الكبيرة، لا يميزه عن بقية أعضائها مميز، ولا يفصل بينه وبينهم فاصل. واعتبر ذلك في ابن الكاهنة المغربية