الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأندلسيين فنضجت في هذا العصر العقول، وتفتحت الأفكار، وظهر النبوغ المغربي بأجلى مظاهره في جميع ميادين العلوم، ولم يبق الشعب المغربي عالة في نهضته العلمية على سواه، بل أن أبناءه أصبحوا قدوة غيرهم في الدراسات العلمية المختلفة، وقبلة أنظار طلاب المعرفة من جميع الجهات.
المرأة المغربية:
ونختم الكلام في هذا الفصل بالإشارة إلى مساهمة المرأة المغربية في بناء صرح النهضة العلمية في هذا العصر، كما فعلت في غيره من العصور، تلك المساهمة الفعالة التي وإن أغفل الكلام عليها في كثير من المصادر التاريخية، فإنها تأبى إلا أن تعلن عن نفسها من وراء وراء. ولنعط على ذلك مثالاً في حقل العلوم الدينية السيدة أم هانئ بنت محمد العبدوسي الفقيهة الصالحة أخت الإمام الحافظ عبدالله العبدوسي. قال الشيخ زروق في كناشته: كانت فقيهة ذات علم وصلاح، طعنت في السن إلى قرب المائة، وتوفيت سنة 860، زاد ابن غازي وهي آخر فقهائهم. ومثلها أختها فاطمة، وكذلك السيدة أم البنين الفقيهة الصالحة جدة الشيخ زروق، والسيدة رحمة بنت الجنان ووالدة الشيخ ابن غازي، والسيدتان عائشة وأمة الله بنتا الحافظ ابن رشيد الذي استجاز لهما المشائخ، وست العرب بنت عبد المهيمن الحضرمي التي أجاز لها ابن رشيد.
وفي الميدان الأدبي نذكر الأديبة أم الحسن بنت أحمد الطنجالي نزيلة لوشة، وقد ترجمها لسان الدين ابن الخطيب في كتابه التاج المحلي فقال: ثالثة حمدونة وولادة، وفاضلة جمعت الأدب والمجادة، وتقلدت المحاسن قبل القلادة، وأولدت أبكار الأفكار قبل سن الولادة. نشأت في بيت أبيها، لا يدخر عنها تدريباً ولا تنبيهاً، حتى نبض إدراكها، وظهر في المعارف حراكها، ودرسها الطب ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأعراضه. . . ولما قدم أبوها من المغرب، وتكلم بخبرها المُغرِب، توجّه بعض الصدور إلى اختبارها ومطالعة أخبارها، فاستنبل أغراضها واستحسنها، واستطرف لسنها، وسألها عن الخط وهو أكسد بضاعة جلبت، وأشحّ درّة حلبت، فأنشدته من نظمها شعراً في الموضوع. وكذلك الأديبة
صفية العزفية من بيت العزفيين ولاة سبتة المعروفين، وقد مدحتها الأستاذة الأديبة الشاعرة السيدة سارة بنت أحمد الحلبي بقصيدة مطلعها:
إذا ما ذكرت الشرق طرت له شوقاً. تقول فيها:
ولكن بِمَنْ أَضْحَت وحيدة عصرها
…
نسيت من الأشواق ما جلّ أو دقّا
ومَن مثل ذات العلم والحلم والنُّهى
…
لقد سار سير الشمس معجزها الأرقى
لقد سار سير الشمس فخر صفية
…
ونوّر، إكباراً لها، الغرب، والشّرقا
وصبح جارية أحمد بن شعيب الجزناثي الفيلسوف الكاتب الشاعر، كانت تنظم الشعر، ولما ماتت حزن عليها أشد الحزن، ورثاها بمراثٍ مؤثرة تذكر في المنتخبات.
أما في الميدان العالمي فسنترجم للطبيبة عائشة بنت الجيار مكتفين بها، ونحن على يقين من أن هناك كثيرات من السيدات الفاضلات اللائي كن يشاركن في غير ما ذُكر من ضروب المعارف، ولكنّ أخبارهنّ لم تحفظ بسبب الإهمال الذي مُني به تاريخنا الأدبي سواء بالنسبة للنساء والرجال، والله ولي التوفيق.