الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغرب في وقته، وعليه كانت تدور الفتيا. وله عقب نجباء في العلم، عبد العزيز وعبد الرحمن وعبد الملك. رحل عبد الرحيم إلى الأندلس وإفريقية ولازم أبا محمد بن أبي زيد واختص به وسمع منه كتاب النوادر والمختصر وغيرهما، وسمع من دراس ابن إسماعيل وأبي محمد الأصيلي ووهب بن ميسرة الحجازي. وكانت رحلته في نحو الثمانين وثلاثمائة. أخذ عنه الناس بسبتة علماً كثيراً وتفقهوا عليه وسمعوا منه. وكان من حفاظ المذهب العالمين به. روى عنه أبو القاسم بن المأموني وغيره من فقهاء سبتة وفاس وتوفي سنة 413.
أبو عمران الفاسي
موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي نسبة إلى غفجوم، فخذ من قبيلة زناتة
. كان بيته بفاس بيتاً معروفاً مشهوراً، يعرفون ببني حاج، وله عقب، وكان فيهم نباهة. وإليه ينسب درب أبي حاج بالطالعة من المدينة المذكورة. استوطن القيروان وحصلت له بها رئاسة العلم، وتفقه بأبي الحسن القابسي، ورحل إلى قرطبة فتفقه بها عند الأصلي وسمع من أبي عثمان وعبد الوارث وأحمد بن قاسم وغيرهم. ورحل إلى المشرق وحج ودخل العراق، فسمع من الفتح بن أبي الفوارس وأبي الحسن المستملي. ودرس الأصول على القاضي أبي بكر الباقلاني، ولقي جماعة وسمع من أبي ذر. قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أحفظ الناس وأعلمهم، جمع حفظ المذهب المالكي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانيه. وكان يقرأ القرءان بالسبع ويجوده، مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم. أخذ عنه الناس من أقطار الأندلس والمغرب واستجازه من لم يلقه. وألف كتاب التعاليق على المدونة وخرج عوالي حديثه في نحو مائة ورقة. قال حاتم بن محمد: ولم ألق أحدة أوسع علماً منه ولا أكثر رواية. وذكر أن الباقلاني كان يعجبه حفظه ويقول: لو اجتمعت في مدرستي أنت وعبد الوهاب (1) - وكان إذ ذاك بالموصل - لاجتمع عندي علم مالك، أنت تحفظه وهو ينظره. وفي كتاب بيوتات فاس لابن الأحمر أن الطغاة من أهل فاس العاملين عليها
(1) القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي، من أعلام مذهب مالك (? 6? - 422) انظر ترجمته في الديباج لابن فرحون - مثلاً - ص? 59.
لمغراوة أخرجوه منها لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وهو يفيد أنه استقر بفاس بعد رجوعه من رحلته، ثم خرج منها مضطراً.
وتوفي في سنة 430 وهو ابن 65 سنة.
***
هذا في الناحية العلمية، وفي الناحية الأدبية، يمكن أن نشير إلى هذه الظاهرة العجيبة التي تتمثل في استعراب جميع قبائل الشمال المغربي، ما عدا الريف بحيث تنوسيت فيها البربرية تماماً. ويقال إن الفضل في ذلك يرجع للأدارسة الذين آووا إليها بعد خروجهم من فاس وأسسوا بها دولتهم الثانية على يد القاسم كنتون منهم، تلك الدولة التي كانت قصبتها في قلعة حجر النسر يجبل سماتة (1). ولا يبعد ذلك على النظر، فإن اكتناف هذه القبائل بمدينة سبتة وطنجة وأصيلا والبصرة، وكلها كانت مراكز حركة أدبية نشيطة، مما يقوي بواعث هذا الاستعراب. ولعل أقوى الأدلة على صحة هذا القول، هو انتشار السلالة الأدريسية في هذه القبائل انتشاراً لا يوجد له نظير في ناحية أخرى من نواحي المغرب. وهو دليل باق إلى الآن، يحملنا على القول إن تأثير الأدارسة في استعراب البربر وتطورهم الفكري أكثر مما نظن.
فاذا ذهبنا نقيس عملهم في هذا الباب بعمل أمراء نكور (2) أبناء صالح بن منصور، وقد تأسست هذه الإمارة في الريف قبل قيام الدولة الأدريسية وبقيت
(1) وقع في وهلنا لأول مرة مررنا بهذا الموقع الحصين المسمى إلى الآن بحجر النسر في قبيلة سماتة أنه المكان الذي أقام فيه الأدارسة دولتهم الثانية ولم نجد من نعتمد عليه في ذلك ونعتضد به، سوى الأوهام وكلام العوام. حتى وقفنا على ما يثبت ذلك عند النسابة ابن رحمون في كتابه شذور الذهب، فإنه جزم به في مواضع من الكتاب المذكور وقال إنه يعرف أيضاً بحجر الشرفاء وبدار القرار لقرار الأدارسة فيه عند تغلب الدول عليهم وإن كان وقع له في أحد النقول أنه في قبيلة بني زجل حول شفشاون. والأول أثبت ومثله عند النقيب الريسوني في كتاب فتح العليم الخبير. وعليه فما في دائرة المعارف الإسلامية من أن هذا الموقع غير معروف، فيه قصور.
(2)
مدينة النكور بالريف أسسها إدريس بن صالح بن منصور سنة 132. وخربها يوسف ابن تاشفين سنة 473.
إلى ما بعد انقراضها، نجد أنه لا نسبة بينهما في ذلك؛ وهذا الريف ما يزال بالبربرية لحد الآن.
وباستثناء هذه الظاهرة التي نسجلها بكل ارتياح، نرى أن الغموض يساور الناحية الأدبية في هذا العصر أكثر من الناحية العلمية. فإذا استطعنا أن نعد أفراد من العلماء ونترجم لهم ولو على سبيل الإجمال، فإننا لا نستطيع ذلك بالنسبة إلى الأدباء. وغاية ما يمكننا أن نفعله هو أن نذكر أسماء بعض هؤلاء الأدباء الذين ورد ذكرهم عرضاً في الكتب وفي المنازعات السياسية أو المذهبية بسبب بيت أو بيتين من الشعر الذي يرويه لنا هذا المؤلف أو ذاك؛ على أنه ما قيل في الموضوع.
ولعل من ألمع هذه الأسماء وأشهرها في هذا المعنى اسم إدريس الثاني ثم ولده القاسم، وعبيد الله بن يحيى بن إدريس، والحسن الحجنام، وإبراهيم المؤبل وعبدالله الكفيف الطنجي وسعيد بن هشام المصمودي وإبراهيم بن محمد الأصيلي، وإبراهيم ابن أيوب النكوري. وسوف نورد لبعضهم في الجزأين الثاني والثالث بعض الآثار.