الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
فاتحة الكتاب
هذا كتاب جمعنا فيه بين العلم والأدب والتاريخ والسياسة، ورمينا بذلك إلى تصوير الحياة الفكرية لوطننا المغرب وتطورها في العصور المختلفة من لدن قدوم الفاتح الأول إلى قريب وقتنا هذا؛ فالحركة العلمية وما طرأ عليها من نشاط وفتور في جميع العصور، مبسوطة فيه أحسن البسط، والسياسة واتجاهاتها التي كانت تتخذها بحسب طبيعة كل دولة مفصلة فيه تفصيلا مستوفى. وهكذا التاريخ بقسيمه السياسي والأدبي؛ ومنه التراجم. وقد احتوى جملة وافرة من تراجم الملوك والوزراء والقواد والفاتحين والعلماء والأدباء والفقهاء والمتصوفة وغيرهم.
والأدب لا نقول إلا أنه الروح المتغلغلة فيه، والحلة التي يبدو فيها للناس، بل نقول: إننا ما تعرضنا لغيره من الأبحاث الأخرى إلا لنربط حلقات البحث الموصل إلى اكتناه حقيقة ماضينا الأدبي، وتجليته على منصة العروس؛ ليشاهده من كان يجادل فيه، ومن ثم كان اسم هذا الكتاب (النبوغ المغربي في الأدب العربي).
وقد كثر عتب الأدباء في المغرب على إخوانهم في المشرق لتجاهلهم إياهم، وإنكار كثير منهم لكثير من مزاياهم، ولكن أعظم اللوم في هذا مردود على أولئك الذين ضيعوا أنفسهم وأهملوا ماضيهم وحاضرهم حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم، وهو معذور وحسبه أنه لم يقصر تقصيرهم، بل سعى فأخفق، ولا عيب على من بلغ جهده. ونحن نعتقد أننا بتقديم هذا الأثر الضئيل إلى الدوائر العلمية سنزيل كثيرا من التوهم والتظنن في تاريخ المغرب الأدبي، وسنرفع حجاب الخفاء عن جانب مهم من الحياة الفكرية لأهل هذا القطر. وسوف ينقضي تجني إخواننا من بحاث الشرق
على آثارنا وتحاملهم على آدابنا؛ لأن ذلك لم يكن منهم عن عمد وسوء قصد، وإنما هو ارتياء واجتهاد.
* * *
أما عن ترتيب الكلمات فإننا جعلناه على جزأين، وخصصنا الجزء الأول للبحث والاستنتاج، والثاني للآثار الأدبية، ثم الجزء الأول خمسة عصور: عصر الفتوح، ونعني بها الفتوح الأولى وفتح مولاي إدريس. وعصر الموحدين وفيه الكلام على المرابطين. وعصر المرينيين وفيه الكلام على الوطاسين. وعصر السعديين. وعصر العلويين. والجزء الثاني قسمان: قسم المنثور، وقسم المنظوم. وإنما أخرنا الآثار الأدبية إلى الجزء الثاني ولم نذكر أدبيات كل عصر معه رغبة في عدم توقف المطالع وتلهيه عن مواصلة البحث وتكوين فكرة عامة عن جميع العصور مع ما في ضم تلك الآثار بعضها إلى بعض من تأليف مجموعة أدبية نفيسة تكون وحدها دليلا ناطقا على ما للوطن العزيز من ماض أدبي حافل. هذا على كثرة ما أغفلناه منها (لأن قريشا قصرت بهم النفقة) ولولا ذلك لخرجت هذه المجموعة مضاعفة عما هي عليه.
وفضيلة هذا الكتاب في أنه ليس لقطر من أقطار العروبة اليوم نظيره، إذ أن جميع كتب الأدب وتاريخه عامة تنتظم البلاد العربية جمعاء -ما عدا المغرب بالطبع. وعمل مثل هذا لا يخفى على العارف ما يقتضيه من جهود جبارة ومشاق عظمى، وإذا تذكر -مع ذلك- أن مصادر هذا البحث الجليل هي أقل من القليل، ومع قلتها فإن كثيرا منها محفوظ في الخزائن الخاصة التي لا طمع في الوصول إليها بمجان أو مال، فإنه يكون أسبق منا إلى طلب المخارج والتماس المعاذر فيما عسى أن يكون وقع لنا من التقصير والزلل والخطأ والوهم ولا سيما مع السرعة في إخراجه للناس لشدة الحاجة إليه، وكثرة الطلب عليه، وكان يلزم أن يبقى سنين طويلة تحت التهذيب والتنقيح.
وهناك نقطة سوف لا يماري أحد من قراء هذا الكتاب في أنه امتاز بها عن كثير مما تخرجه مطابعنا في هذه الأيام وهي أنه ليس فيه حرف واحد كتب
انتصاراً للنفس أو تعريضاً بأحد تملُّقاً لشخص أياً كان، ولست أبالي بعد هذه ما يوجد فيه من عيب أو يوصف به من نقصان.
* * *
ولا أضع القلم من يدي قبل أن أتوجه بكلمة شكر وثناء إلى الأخ العالم المؤرخ الواعية السيد عبد السلام ابن سودة الذي أمدَّني بكثير من الفوائد والمعلومات، وسو غني من الخزانة السّودية القيمة كل ما لم يكن في أختها الكنونية من الأصول والمستندات. وإني أحمد الله على أن لم يجعل علي لأحد - غيره - منة في هذا الأمر، وأغناني عن «مَدَرَةِ» الخزائن الذين هم مصيبة العلم في هذا القطر، حتى المكتبة العامة بالرباط على مساس الحاجة إلى كثير مما فيها لم يقدر لي أن ارجع إليها في شيء للحجز بيني وبين السفر في غالب المدة التي كنت أشتغل فيها بهذا الكتاب.
ولا أبخس بقية الخلصاء، حظوظهم من الشكر والثناء، كالأديب السيد محمد العربي الزكاري الذي نقل الكتاب بخطه الجميل من مبيضته والأستاذ الكبير الحاج محمد بنونة الذي اعتنى بتصحيح جلّه، على كثرة شغله وكتب اسمه بالقلم الكوفي الجميل، والعلامة السيد محمد داود الذي صحح بعض الملازم أيضاً ولم يزل مهتماً بأمره منذ الأيام التي كان يصدر فيها السلام حتى لقد همَّ بطبعه على نفقته وتقديمه هدية لمشتركي مجلته لو لم يضطر إلى توقيفها بعد. والشريفين المرحوم السيد عبد السلام القصري والسيد محي الدين الريسوني والسيد محمد العرفاوي والسيد عبدالله بناني والسيد عبد السلام الطنجي والسيد محمد العربي ابن جلون، كل واحد على ما بذل من جهد أو مال في سبيل إخراج هذا الكتاب والحرص على إتمام طبعه منذ أكثر من ثلاث سنين حين قُدِّمَ إلى المطبعة - فالله تعالى يجازيهم جميعاً عن العلم والأدب خيراً.
وإني لأسجل لهم هذا الذكر الحسن هنا قياماً بالواجب الذي يحتتمه الإخلاص والمروءة والدين، فما شكر الله من لم يشكرُ الناس. نسأله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علماً وصلى الله على سيدنا محمد وأله وسلم.