المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ ــ كتاب الشركة أفصح لغاتها: كسر الشين وإسكان الراء. والثانية: فتح الشين - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ ــ كتاب الشركة أفصح لغاتها: كسر الشين وإسكان الراء. والثانية: فتح الشين

‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

ــ

كتاب الشركة

أفصح لغاتها: كسر الشين وإسكان الراء.

والثانية: فتح الشين وكسر الراء.

والثالثة: فتح الشين وسكون الراء.

وهي في اللغة: الاختلاط والامتزاج.

وفي الشرع: ثبوت الحق في الشيء الواحد لاثنين فصاعدًا على جهة الشيوع.

ومقصود الباب الشركة التي تحدث بالاختيار لقصد التصرف وتحصيل الأرباح، وليست عقدًا مستقلًا، بل هي في الحقيقة وكالة وتوكيل.

والأصل فيها: قوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} وبالضرورة كانوا مشتركين إما في عينها ملكًا، أو في منفعتها إجارة أو إعارة.

وقوله تعالى: {وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض} .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه .. خرجت من بينهما) أي: تنزع البركة من مالهما. رواه أبو داوود [3376] والحاكم [2/ 52] وقال: صحيح الإسناد.

وروى البخاري [2498] وأحمد [3/ 425]: أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما كانا شريكين، وكان السائب بن أبي السائب رضي الله عنه فيما قيل- شريكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وافتخر بعد البعثة بشركته فقال:(كان عليه الصلاة والسلام شريكي، نعم شريك لا يداري ولا يماري ولا يشاري).

ص: 7

هِيَ أَنْوَاعٌ: شِرْكَةُ الأَبْدَانِ كَشِرْكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتِلَافِهَا. وَشِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ.

ــ

و (المشاراة): الملاحاة واللجاج في الأمر، وأجمعت الأمة على جوازها.

قال: (هي أنواع) أي: أربعة، وهذا التقسيم لمطلق الشركة لا للشركة الصحيحة.

قال: (شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفين؛ ليكون بينهما كسبهما متساويًا أو متفاوتًا، مع اتفاق الصنعة أو اختلافها) كخياط ونجار وهي باطلة؛ لأنها نوع من القمار، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في الاصطياد والاحتطاب .. فإن الأئمة اتفقوا على امتناع ذلك، وجوزها أبو حنيفة مطلقًا، وحكاه صاحب (التقريب) وجهًا شاذًا.

وقال مالك: تجوز بشرط اتحاد الصنعة.

وعن أحمد روايتان كالمذهبين.

واحتج المجوزون بما روى أبو داوود [3381] عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعيد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء).

وجوابه: أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وفي معناه إشكال؛ لأن الغنيمة للغانمين وهم في بدر كلهم سواء، وإن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم .. فهو يعطيها لمن شاء، فلا دليل على صحتها، وإذا فعلا ذلك واكتسبا، فإن انفردا .. فلكل كسبه، وإلا .. فيقسم الحاصل على قدر أجرة المثل.

قال: (وشركة المفاوضة؛ ليكون بينهما كسبهما) أي: بالبدن (وعليهما ما يعرض من غرم) فهي باطلة أيضًا خلافًا لأبي حنيفة.

لنا: أنها مشتملة على أنواع من الغرر، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعرف شيئًا في الدنيا يكون باطلًا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلًا ولا أعلم القمار إلا هذا.

ص: 8

وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلٌ مِنْهُمَا بِمُؤَجِّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا .. كَانَ الْفَاضِلُ عَنِ الأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا

ــ

قال الشيخ: وقوله: (باطلًا) بغير هاء صحيح؛ لأن الباطل مصدر وما رأيت الشافعي رضي الله عنه يستعمله إلا هكذا.

وسميت مفاوضة من قولهم: تفاوضا في الحديث إذا شرعا فيه جميعًا.

وقيل: من قولهم: قوم فوضى، أي: مستوون.

وإذا فعلا ذلك .. أخذ كل منهما ربح ماله وأجرة عمله وضمن ما يختص به، وإذا استعملا لفظ المفاوضة وأرادا شركة العنان .. فالمنصوص الجواز، وهو يقوي صحة العقود بالكنايات.

قال: (وشركة الوجوه؛ بأن يشترك الوجيهان ليبتاع كل منهما بمؤجل لهما، فإذا باعا .. كان الفاضل عن الأثمان بينهما) وعبر في (الروضة) بـ (يشتري) بدل (يشترك) وهو سبق قلم.

و (الوجيه): الذي له وجاهة، وكذلك الحكم لو كان لأحدهما وجاهة فيقول لمن لا وجاهة له: أنا آخذ المال بجاهي وأنت تتصرف فيه والربح بيننا .. فهي باطلة؛

ص: 9

وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ .. وَشِرْكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا: لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى: اشْتَرَكْنَا .. لَمْ يَكْفِ فِي الأَصَحِّ،

ــ

لأنها شركة في غير مال، فبطلت كالشركة في الاحتطاب والاصطياد، ولأن ما اشتراه كل منهما ملك له وخسرانه عليه.

قال: (وهذه الأنواع باطلة)؛ لما تقدم.

قال: (وشركة العنان صحيحة) بالإجماع، وهي بالكسر العين مأخوذة من عنان فرسي الرهان؛ لأن الفارسين إذا استبقا تساوى عنان فرسيهما، فاستواؤهما كاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المالين.

وقيل: من عن الأمر إذا ظهر؛ لأن جوازها ظاهر.

قال: (ويشترط فيها: لفظ يدل على الإذن في التصرف)؛ لأن المال مشترك، وكل يتصرف في ماله ومال الآخر فاشترط الإذن منهما.

وفي (الشرح) و (الروضة): لابد من لفظ يدل على الإذن في التجارة، وعبارة الكتاب قاصرة عن ذلك.

وعن ابن سريج: إذا خلطا المالين بقصد الشركة أو ابتاعا شيئًا على قصدها .. كان كافيًا في التصرف، وبه أجاب صاحب (الإفصاح)، وهو مخرج على انعقاد البيع بالمعاطاة.

قال: (فلو اقتصر على: اشتركا .. لم يكف في الأصح)؛ لأنه يحتمل أن يكون إخبارًا عن حصول الشركة، ولا يلزم من حصولها جواز التصرف، كما في الشركة بالإرث وغيره.

والثاني: يكفي؛ لأنه يفهم منه الإذن عرفًا، ولو اقتصرا على الإذن ولم يقولا: اشتركنا .. كفى في الأصح كالقراض.

ص: 10

وَفِيهِمَا: أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ

ــ

والتحقيق: أنهما إذا قالا: اشتركنا ونويا الإذن في التصرف .. صح، وإنما الوجهان عند تجرد اللفظ عن الإرادة.

وإشارة الأخرس قائمة مقام لفظه كما تقدم، فهي وما قبلها واردان على المصنف.

ثم على الصحيح: إذا أذن كل منهما للآخر .. فذاك، وإن أذن أحدهما فقط .. تصرف المأذون له في الجميع، ولم يتصرف الآخر إلا في نصيبه.

وإذا عين جنسًا .. لم يتصرف المأذون له في غيره، سواء كان مما يعم وجوده أم لا، بخلاف القراض.

قال: (وفيهما: أهلية التوكيل والتوكل)؛ لأن كلاً منهما وكيل عن صاحبه وموكل له، هذا إذا أذن كل منهما للآخر في التصرف، فإن كان التصرف من أحدهما فقط .. اشترط فيه أهلية التوكل، وفي الإذن أهلية التوكيل، حتى يصح أن يكون الثاني أعمى دون الأول.

ودخل في إطلاق المصنف مسألتان لم يصرح بهما الرافعي.

إحداهما: المكاتب، قال في (المطلب): وينبغي أن لا يصح ذلك منه إن كان هو المأذون له؛ لما فيه من التبرع بعمله، ويصح إن كان هو الآذن.

الثانية: عقد الشركة على مال المحجور عليه.

قال: وقد يقال بمنعها؛ لاستلزامها خلط ماله قبل العقد بلا مصلحة، بل قد يؤثر نقصًا. اهـ

وإذا جوزناها .. فلابد أن يكون شريكه عدلًا يجوز إيداع المال عنده.

ص: 11

وَتَصحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ. وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ،

ــ

فرع:

تكره مشاركة الذمي، سواء كان هو المتصرف أو المسلم، كما يكره أكل طعامهم.

وقال الحسن البصري: إن كان المسلم متصرفًا .. لم يكره، وإلا .. كره، وكذلك تكره مشاركة من لا يحترز من الربا والمعاملات الفاسدة.

قال: (وتصح في كل مثلي) أما في النقدين الخالصين .. فبالإجماع، وفي المغشوش وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): الجواز.

وأما غير النقدين كالقمح والحديد ونحوهما .. فلأنه إذا اختلط بجنسه .. ارتفع عنه التمييز فأشبه النقدين.

وعلى هذا: لا يشترط التساوي في القيمة على الصحيح، فإن اختلفت كما إذا كان إردب هذا يساوي عشرة وإردب هذا يساوي خمسة .. فهما شريكان مثالثة، كذا قاله العراقيون والبغوي.

كل هذا إذا أنشأ العقد على عروض متميزة لكل واحد منهما، فلو عقداها على عروض مشتركة بإرث أو ابتياع أو غيرهما .. فتصح، سواء كانت مثلية أو متقومة.

قال: (دون المتقوم)؛ لأنه لا يتحقق الخلط فيه، وجوزها أبو الحسن الجوري في جميع العروض إذا استوت قيمتها، سواء كانت من جنس أو أجناس، وهو مذهب مالك.

قال: (وقيل: يختص بالنقد المضروب) أي: الخالص؛ لأنه موضوع للتصرف في ملك الغير طلبًا للربح فاختص بالنقد قياسًا على القراض.

وخرج بقوله: (المضروب) التبر والسبائك والحلي فلا تصح الشركة فيها.

قال: (ويشترط خلط المالين بحيث لا يتميزان)؛ ليتحقق معنى الشركة، وهذا

ص: 12

وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، هَذَا إِذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ أو شِرَاءٍ أوَ غَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ .. تَمَّتِ الشِّرْكَةُ. وَالْحِيلَةُ فِي الشِّرْكَةِ فِي الْعُرُوضِ: أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الآخَرِ وَيَاذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ.

ــ

شرط في صحة العقد فيعتبر تقدمه على قولهما: اشتركنا وعلى الإذن، فإن وقع في المجلس .. فالأصح أنه لا يكفي، وإن تأخر على المجلس .. لم يجز على الوجهين، ومال الإمام إلى تجويزه؛ لأن الشركة توكيل وتوكل.

قال: (ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس) كدراهم ودنانير (أو صفة كصحاح ومكسرة)؛ لأن التمييز حاصل، وكذا الدراهم المثقوبة أو الجديدة أو السود بغيرها، وكذلك الحنطة الحمراء بالبيضاء وما أشبه ذلك.

قال: (هذا إذا أخرجا مالين وعقدا، فإن ملكا مشتركًا بإرث أو شراء أو غيرهما وأذن كل للآخر في التجارة فيه .. تمت الشركة)؛ لحصول الغرض بذلك على وجه أكمل.

قال: (والحيلة في الشركة في العروض) أي: باقيها؛ لأن المثليات عروض.

قال: (أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف) هذه الحيلة ذكرها المزني واتفق عليها الأصحاب، والمراد حصول الإذن بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع، فكان الصواب أن يقول:(ثم يأذن) كما في (التنبيه)؛ لأن شرطه أن يتأخر عن الملك.

لكن قول المصنف وغيره: (بعض عرضه) أحسن من قول (المحرر) و (الروضة): نصف عرضه بنصف عرض الآخر؛ فإنه يجوز أن يبيع ربع عرضه بثلاثة أرباع عرض الآخر فيصير مشتركًا بينهما كذلك، غير أن لفظة (كل) في كلام المصنف لا حاجة إليها.

ثم إذا باع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر .. لا يشترط علمهما بقيمة

ص: 13

وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ.

ــ

العرضين على الأصح في زوائد (الروضة).

وكان الأحسن أن يقول: (ومن الحيلة كذا)؛ فإن منهما أن يبيع بعض عرضه لصاحبه بثمن في ذمته ثم يتقاصا، أو يأذنا في التقاص على الأظهر.

ومنها أن يشتريا السلعة بثمن واحد، ثم يدفع كل عرضه مما يخصه من الثمن، ولو كان المالان عرضًا ودراهم .. باع نصف العرض بنصف الدراهم.

قال: (ولا يشترط تساوي قدر المالين)؛ لأنه لا محذور فيه، إذ الربح والخسران على قدرهما، وخالف فيه الأنماطي فشرط التساوي محتجًا بأن الربح يحصل بالمال والعمل، فكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوي في المال لا يجوز الاختلاف في المال مع التساوي في العمل، ورد الأصحاب عليه بأن المال في الشركة أصل والعمل تبع؛ ولهذا يجوز مجهولاً.

قال: (والأصح: أنه لا يشترط العلم بقدرهما عند العقد) أي: العلم بمقدار النسبتين في المال المختلط بينهما من كونه مثلاً مناصفة أو مثالثة إذا أمكن معرفتهما بعد ذلك بمراجعة حساب أو وكيل؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما.

مثاله: أن يضع أحدهما دراهم في كفة الميزان، ويضع آخر مثلها بإزائها، ويشتركا ويتجرا من غير أن يعلما وزنها، فإنه يصح؛ لأنه لا محذور فيه كما صرح به الماوردي وغيره؛ لتراضيهما بذلك.

والوجه الثاني- ورأى ابن الرفعة القطع به-: أن ذلك يشترط، وإلا .. أدى إلى جهل كل منهما بما أذن فيه وبما أذن له فيه.

وأشار بقوله: (عند العقد) إلى أن شرط المسألة أن تمكن معرفتها بعد العقد وهو كذلك، فإن لم يكن كذلك .. بطل.

فلو كان لهما ثوبان فاشتبها .. لم يكف ذلك لعقد الشركة، فإن المالين متميزان لكن عرض لهما الاشتباه.

ص: 14

وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ، فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْضِعُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا،

ــ

قال: (ويتسلط كل منهما على التصرف بلا ضرر؛ فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش)؛ لأن الشركة في الحقيقة توكيل وتوكل، فإن خالف .. لم يصح تصرفه في نصيب شريكه، وفي نصيب نفسه قول تفريق الصفقة.

وأغرب الشيخ كمال الدين بن يونس فجوز البيع بغير نقد البلد كما في (القراض).

فرع:

قال أحدهما لصاحبه: بع بما ترى .. وجب مراعاة النظر، ولو قال: بما شئت .. كان له أن يبيع بالمحاباة قاله الروياني، وفرق بأن قوله: بما ترى تفويض إلى الرأي، والرأي: الاجتهاد، بخلاف قوله: بما شئت، وهذا يأتي في الوكيل أيضًا.

قال: (ولا يسافر به ولا يبضعه بغير إذن) الإبضاع: أن يدفعه إلى من يعمل فيه متبرعًا؛ لما في السفر والإبضاع من الخطر، ولأنه لم يرض بغير يده، وكذلك لا يشارك فيه، هذا فيما إذا اشتركا في الحضر، فإن عقدا وهما مسافران .. فالظاهر أن له السفر إلى مقصده من غير إذن، وكذا لو كانا من أهل النجعة.

وأما ركوب البحر الملح .. فلا يستفيده بمجرد الإذن في السفر بل لابد من التنصيص عليه.

قال: (ولكل فسخه متى شاء)؛ لأنه من العقود الجائزة، لأنه توكيل وتوكل كما تقدم.

قال: (وينعزلان عن التصرف بفسخهما)؛ لأن العقد قد زال، ومراد المصنف

ص: 15

فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَزَلْتُكَ، أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي .. لَمْ يَنْعَزِلِ الْعَازِلُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونهِ وَإِغْمَائِهِ

ــ

أن أحدهما إذا قال: فسخت الشركة .. انعزلا وارتفع عقدهما، ولا خلاف أن لكل منهما بعد الانعزال أن يتصرف في نصيب نفسه.

وقال ابن الرفعة: لا يجوز، وزعم أن نص الشافعي رضي الله عنه شاهد له، وأن كلام الأصحاب مشكل، ورد الشيخ عليه ذلك وصوب كلام الأصحاب.

قال: (فلو قال أحدهما: عزلتك، أو لا تتصرف في نصيبي .. لم ينعزل العازل) بل يختص العزل بالمخاطب فقط؛ لأن المتكلم لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب.

قال: (وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وإغمائه) كالوكالة، وكذا بطروء الحجر بالسفه كما قاله في (الكفاية).

ومحل الفسخ بالإغماء: إذا طال زمنه بحيث أسقط عنه فرض صلاة واحدة بمرور وقتها، فلو أغمي عليه أقل من ذلك .. لم يضره، قاله في (البحر)، ثم إن شاء الوارث .. قاسم الشريك أو أبقاه على الشركة بأن يجدد له إذنًا في التصرف كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون المال عرضًا أو نقدًا.

وصورة المسألة: أن لا يكون على الميت دين ولا هناك وصية، فإن كان عليه دين .. لم يكن له إبقاء الشركة إلا إا قضى الدين من موضع آخر.

وإن كان هناك وصية، فإن كانت لمعين كما إذا أوصى لزيد بالثلث .. تخير بين الأمرين كالوارث إن كان رشيدًا، وإن كان محجوراً عليه .. تخير وليه، وإن كانت لغير معين كالفقراء .. لم تجز إنشاء عقد الشركة إلا بعد إخراج الوصية، فإذا أخرجها .. صار المال ناقصًا، وفي الشركة في المال المتفاضل وجه الأنماطي.

فرع:

انفسخت الشركة وفي مال الشركة ديون، فاتفقا على أن يكون لكل منهما على

ص: 16

وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ .. فَسَدَ الْعَقْدُ، فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالْخُسْرَان وَالتَّلَفِ،

ــ

بعض الغرماء حصة .. لم تصح؛ لأنه بيع دين بدين، قاله في (الإستقصاء).

قال: (والربح والخسران على قدر المالين، تساويا في العمل أو تفاوتا)؛ عملًا بقضية الشركة.

قال: (فإن شرطا خلافه .. فسد العقد)؛ لأنه مخالف لموضوع الشركة وقيل: يبطل الشرط دون العقد، وقيل: إن اختص أحدهما بمزيد عمل وشرط له مزيد ربح .. صح العقد.

قال: (فيرجع كل على الآخر بأجرة عمله في ماله) أي: في مال الآخر، كما في القراض إذا فسد.

وقيل: إن الشركة إذا فسدت لا يرجع أحدهما على الآخر؛ لأن الفاسد كالصحيح في وجوب الضمان وعدمه، والشركة الصحيحة لا يرجع فيها بأجرة العمل، فكذا إن كانت فاسدة، وبهذا أفتى القفال.

قال: (وتنفذ التصرفات)؛ لأن الإذن موجود، وادعى الإمام وغيره اتفاق الأصحاب عليه، لكن حكى الماوردي وجهًا: أنها لا تنفذ، وحكى الروياني وجهًا: أن الشرط يبطل دون عقد الشركة، ولأجل نفاذ التصرف منع بعض الأصحاب إطلاق لفظ الفساد عليها.

قال: (والربح على قدر المالين)؛ لأنه ثمرتهما، كما لو كان بينهما نخل فأثمرت.

قال: (ويد الشريك يد أمانة، فيقبل قوله في الرد والخسران والتلف)؛ قياسًا على المودع والوكيل إذا أطلق أو أسنده إلى سبب خفي.

ص: 17

فَإِنِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصّدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ: هُوَ لِي، وَقَالَ الآخَرُ: مُشْتَرَكٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ .. صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ: اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي .. صُدِّقَ الْمُنْكِرُ، وَلَوِ اشْتَرَى وقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِلشِّرْكَةِ أَوْ لِنَفْسِي، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي.

ــ

قال: (فإن ادعاه) أي: التلف (بسبب ظاهر .. طولب ببينة بالسبب، ثم يصدق في التلف به) كالمودع، والمصنف ذكر المسألة هناك.

قال: (ولو قال من في يده المال: هو لي، وقال الآخر: مشترك، أو بالعكس .. صدق صاحب اليد)؛ لدلالتها على الملك.

قال: (ولو قال: اقتسمنا وصار لي .. صدق المنكر) عملًا بالأصل.

قال: (ولو اشترى وقال: اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر .. صدق المشتري)؛ لأنه أعرف بقصده وسواء ادعى أنه صرح بالشراء للشركة أو نواه، والأول يقع عند الخسران، والثاني عند الربح غالباً.

تتمة:

قال في (البويطي): لواحد بغل ولآخر رواية، فتشاركا مع ثالث ليستقي والحاصل بينهم .. فهو فاسد، ثم إن كان الماء مملوكًا للمستقي أو مباحًا وقصد به نفسه .. فهو له وعليه أجرة مثل البغل والرواية، وإن قصد الشركة .. فعلى الخلاف في النيابة في تملك المباحات، فإن جوزناه وهو الأصح .. فقيل: يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم، والصحيح: أنه يقسم بينهم بالسوية.

فعلى هذا للمستقي أن يطالب كلًا من صاحبيه بثلث أجرته، ويرجع كل من صاحبيه بثلثي أجرة ماله على صاحب وعلى المستقي، فإن استوت .. جرى التقاص، وإلا .. رجع بالتفاوت.

ولو كان لواحد بيت رحى ولآخر حجر ولآخر بغل والرابع يعمل على أن الحاصل من أجرة الطحن بنيهم .. فهو فاسد أيضًا، فإن اتفق طحن .. قسم الحاصل على أجرة أمثال ذلك.

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولو كان لواحد بذر ولآخر أرض فاشتركا مع ثالث ليزرع .. فالزرع لصاحب البذر، وعليه لصاحبيه أجرة المثل.

قال المتولي: فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شيء .. فلا شيء لهم، قال الرافعي ولا يخفى عدول كلامه عن القياس، وصوب المصنف وابن الرفعة والشيخ كالم المتولي؛ لأن منافعهم تلفت تحت أيديهم، وإنما ضمناه إذا حصل له نفع بالزرع؛ لدخول منفعتهم بواسطة ما في يده.

* * *

خاتمة

قال: سمن هذه الشاة ولك نصفها، أو هاتين على أن لك إحداهما .. لم يصح، واستحق أجرة المثل للنصف الذي سمنه للمالك، كذا أفتى به القاضي حسين، وأنهما لو اشتركا في دود القز على أن من أحدهما الورق ومن الآخر التعهد .. فالفيلج لصاحب البزر وعليه قيمة الورق وأجرة عمله.

* * *

ص: 19