المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: أَقَرَّ بِنَسَبٍ؛ ــ مهمة: قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي، فيه - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: أَقَرَّ بِنَسَبٍ؛ ــ مهمة: قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي، فيه

‌فَصْلٌ:

أَقَرَّ بِنَسَبٍ؛

ــ

مهمة:

قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي، فيه في زوائد (الروضة) وجهان عن (العدة) و (البيان) قال: ولعل الأصح أنه إقرار. اهـ

والصواب: أنه لا يلزمه شيء كما نقله الهروي عن النص، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة كما إذا قال: له علي ألف إلا أن يشاء الله.

تتمة:

قال: له علي عشرة إلا خمسة أو ستة قال المتولي- وصوبه المصنف-: لا يلزمه إلا أربعة؛ لأن الزائد مشكوك فيه فصار كقوله: خمسة أو أربعة ولا يلزمه إلا أربعة.

قال الرافعي: ويمكن أن يقال: تلزمه خمسة؛ لأنه أثبت العشرة واستثنى خمسة، واستثناء السادس مشكوك فيه، وضعفه ابن الرفعة بأن المستثنى مع المستثنى منه كالشيء الواحد ولهذا صح؛ لأنه أثبت شيئًا ثم رفعه.

قال: (فصل:

أقر بنسب) النسب: القرابة والجمع أنساب.

قال صلى الله عليه وسلم: (كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) النسب بالولادة والسبب بالزواج.

ويشترط في المقر بالنسب ما يشترط في سائر المقربين من صحة العبارة، واستلحاق السفيه تقدم في بابه، واستلحاق المرأة والعبد والكافر ذكره المصنف في (اللقيط).

ص: 123

إِنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ .. اشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ، بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَنْ يُصَدِّقَهَ الْمُسْتَلْحَقُ إِنْ كَانَ أَهْلاً لِلتَّصْدِيقِ،

ــ

قال: (إن ألحقه بنفسه) بأن قال: هذا ابني (.. شرط لصحته أن لا يكذبه الحس) بأن يكون المقر أصغر أو مساويًا أو أكبر بزمن لا يمكن أن يولد له فيه، وسيأتي ضبطه في (باب اللعان).

ومنه: أن يكون المستلحق ممسوحًا في زمن يتقدم على زمن العلوق بالمستلحق.

قال: (ولا الشرع، بأن يكون معروف النسب من غيره)؛ لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره، وسواء صدقه المستلحق أم لا، والسبب في اشتراط ذلك أن النسب الثابت من شخص لا يتصور انتقاله إلى غيره كما تنتقل الأموال.

قال: (وأن يصدقه المستلحق) أي: بفتح الحاء (إن كان أهلًا للتصديق)؛ لأن له حقًا في نسبه وهو أعرف به من غيره، وهو الذي في (الشرحين) و (الروضة) هنا.

ولم يعتبر (الحاوي الصغير) تبعًا للغزالي التصديق، بل عدم التكذيب حتى يلحقه إذا سكت وبه أجاب الرافعي في (الشهادات)، واستخراج ابن الرفعة من كلام العراقيين ما يقتضي كونها وجهين.

وخرج باشتراط كونه أهلًا للتصديق الصبي والمجنون فإن عبارتهما غير معتبرة.

قال ابن الرفعة: ويشبه أن يأتي في تكذيب المراهق الوجهان فيما إذا ادعى رقة من هو في يده فكذبه هل يثبت رقه أو لا؟

ولو قال: يد فلان ابني أو أخي أو يد هذه الأمة مستولدتي، فإن جعلنا نظيره من الطلاق عبارة عن الجملة .. كان إقرارًا بالنسب والاستيلاد، وإلا .. فلا، كذا ذكره الرافعي في (كتاب الطلاق) نقلًا عن المتولي.

ص: 124

فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ .. لَمْ يَثْبُتْ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا .. ثَبَتَ،

ــ

قال: (فإن كان بالغًا فكذبه .. لم يثبت إلا ببينة) كسائر الحقوق، وللمقر تحليفه، فإن حلف .. سقطت دعوى المستلحق، وإن نكل .. حلف المقر وثبت النسب.

ولو استلحق من نفاه غيره باللعان .. لم يصح إن ولد على فراش نكاح صحيح، فيكون هذا شرطًا آخر في الصغير والكبير وهو: أن لا يولد على فراش نكاح صحيح، فإن لحقه بوطء شبهة أو في نكاح فاسد فنفاه .. صح استلحاقه.

فرع

تصادقا ثم رجعا قال ابن أبي هريرة: يسقط النسب، وخالفه الشيخ أبو حامد فقال: لا يسقط كما لو ثبت بالفراش، ولم يصحح الشيخان شيئًا، وصحح العمراني وصاحب (الانتصار) والفارقي قول أبي حامد، وهو الصحيح.

قال: (وإن استلحق صغيرًا .. ثبت) أي: نسبه بالشروط المتقدمة، وكذلك الحكم في استلحاق المجنون؛ لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر بمال.

وأيضًا البينة على النسب تعسر، فلو لم يثبت بالاستلحاق .. لضاع كثير من الأنساب فاحتيط فيه.

واكتفي بالإمكان حتى لو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي فاستلحقه شخص .. لحقه؛ لجواز أن يكون قد سافر إليها في وقت أو تحملت بمائه أو أتت في وقت ولم تظهر.

ولا فرق في ذلك بين كونه في صحته أو مرضه، وأنه لا يتوقف على تصديق الورثة، وأنهما يتوارثان، وغير ذلك من الأحكام.

ص: 125

فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ .. لمْ يَبْطُلْ فِي الأَصَحِّ. وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيْتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ. ......

ــ

قال: (فلو بلغ وكذبه .. لم يبطل في الأصح)؛ لأنه ثبت بطريق شرعي، فكان كما لو ثبت بالبينة.

والثاني: يبطل الاستلحاق بتكذيبه؛ لأنا حكمنا به حين لم يكن أهلًا للإنكار والأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمًا، وهما كالوجهين فيمن ادعى رق صغير في يده وحكم به فبلغ وادعى الحرية.

فعلى الصحيح: قال ابن الصباغ: لو أراد المقر به تحليفه .. لم يمكن؛ لأنه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه، بخلاف العبد الصغير إذا بلغ ورام تحليف من حكم له بملكه فإنه يمكن منه؛ لأنه لو أقر بذلك لعمل به، ولو استلحق مجنونًا فأفاق وأنكر فهو على الوجهين.

قال: (ويصح أن يستلحق ميتًا صغيرًا)؛ لاعتناء الشرع بالأنساب، سواء كان له مال أم لا، ولا نظر إلى التهمة الحاصلة في ذلك، حتى لو كان قتله .. صح أن يستلحقه بعد ذلك، ولا يبالي بتهمة سقوط القصاص ولا بتهمة الميراث، والاستلحاق في المرض كهو في الصحة، وسيأتي المسألة في (باب اللعان).

ولا يكون استلحاق الصغير إقرارًا لأمه الحرة بالزوجية خلافًا لأبي حنيفة؛ لاحتمال كونه من وطء شبهة.

قال: (وكذا كبير في الأصح)؛ لأن الميت ليس بأهل للتصديق، فكان كالصغير والمجنون البالغ.

والثاني: لا يصح؛ لفوات التصديق وهو شرط، ولن التأخير إلى الموت يورث تهمة، واختار هذا جماعة.

قال: (ويرثه)؛ لأن الإرث فرع النسب فمتى ثبت الأصل ثبت الفرع، وهذه زادها على (المحرر).

ص: 126

وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا .. ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ. وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَاتِي فِي اللَّقِيطِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذا وَلَدِي .. ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَثْبُتُ الاِسْتِيلَادُ فِي الأَظْهَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَلَدِي وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي،

ــ

قال: (ولو استلحق اثنان بالغًا .. ثبت لمن صدقه)؛ لاجتماع الشروط فيه دون غيره، وسواء صارت الأم فراشًا لهما أم لا، وإن لم يصدق واحدًا عرض على القائف.

قال: (وحكم الصغير يأتي في اللقيط إن شاء الله) ومن جملة صوره أنهما إذا أقاما بينتين .. سقطتا.

فرع:

الذمي إذا نفى ولده ثم أسلم لا يحكم بإسلام المنفي؛ لأنا حكمنا بأن لا نسب بينهما فلا يتبعه في الإسلام، فلو مات المولود وصرفنا ميراثه إلى قرابته الكفار ثم استلحقه النافي .. يحكم بالنسب، وتبين أنه صار مسلمًا بإسلامه تبعًا، ويسترد ميراثه من ورثته الكفار ويصرف إليه.

قال: (ولو قال لولد أمته: هذا ولدي .. ثبت نسبه) أي: عند اجتماع شروطه.

قال: (ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر)؛ لاحتمال أنه ملكها بعد أن أولدها بنكاح أو شبهة، وهذا هو الموافق للقياس وللقواعد، ولهذا عبر عنه في (المحرر) بـ (الأقيس) وفي (الشرح الصغير) بـ (الأقوى) وفي (الروضة) و (أصلها) بـ (الأقرب إلى القياس)، وصحح مقابله أو حامد وجماعة وهو المنصوص.

قال الرافعي: ولقوة الخلاف أعرض الأكثرون عن الترجيح.

قال: (وكذا لو قال: ولدي ولدته في ملكي)؛ لاحتمال أنه أحبلها قبل الملك بنكاح، ثم ملكها فولدت في ملكه فيجري القولان.

والأظهر: أنه لا يثبت الاستيلاد.

ص: 127

فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي .. ثَبَتَ الاِسْتِيلَادُ، فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ .. لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ،

ــ

قال: (فإن قال: علقت به في ملكي .. ثبت الاستيلاد)؛ لانتفاء الاحتمال فتكون أم ولد لا محالة، كذا قاله الرافعي، ومنعه شيخنا؛ لجواز أن تكون رهنًا ثم أولدها وهو معسر فبيعت في الدين ثم اشتراها وقلنا: لا يثبت حكم الاستيلاد.

قال: (فإن كانت فراشًا له .. لحقه بالفراش) عند الإمكان (من غير استلحاق) خلافًا لأبي حنيفة.

لنا: ما روى الشيخان [خ2053 - م1457] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: يا رسول الله إن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه فانظر إلى شبهه به، وقال عبد بن زمعة: هذا ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهًا بينًا بعتبة فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر احتجبي منه يا سودة) فلم تره سودة قط).

وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته بالاحتجاب منه وإن كان أخاها شرعًا؛ لما فيه من الورع لأجل شبهه بعتبة.

ويجوز للزوج أن يمنع زوجته من الخروج لأخيها المحقق فالمشكوك فيه أولى.

واسم الابن المخاصم فيه عبد الرحمن.

فإن قيل: إقرار بعض الورثة بالنسب غير مقبول، وعبد لم يكن كل الورثة؛ لأن أخته سودة بنت زمعة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم .. فعنه جوابان:

أحدهما- وهو مقتضى كلام الشافعي رضي الله عنه: أنها كانت مقرة أيضًا، ولولا ذلك لم تؤمر بالاحتجاب؛ لأنها كانت تعلم وجوب الاحتجاب عن الأجانب، فإن آية الاحتجاب نزلت قبل ذلك.

ص: 128

وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً .. فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ وَيَكُونُ اسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلًا. وَأَمَّا إِذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي .. فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمُلْحَقِ بِهِ

ــ

والثاني: أنها لم تكن وارثة؛ لأنها أسلمت قبل موت أبيها وأخيها فأخوها كل الورثة.

وأبو حنيفة يقول: لا يلحق ولد الأمة إلا بالاستلحاق، ويدعي أن الفراش هو الزوجية، والشافعي رضي الله عنه رد ذلك بأن الحديث ورد في الأمة، والحديث إذا ورد على سب لا يمكن إخراج السبب منه، سواء أقلنا العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؛ لأنه يدل عليه من جهة كونه سبًا ومن جهة العموم فيقطع بدخوله.

وفي (البيان): إذا صارت الأمة فراشًا لرجل ومعها ولد فأقرت أنه ولد لغيره .. لم يقبل إقرارها، بل القول قول صاحب الفراش.

قال: (وإن كانت متزوجة .. فالولد للزوج)؛ لأن الفراش له (ويكون استلحاق السيد باطلًا)؛ لما سبق.

فرع:

نقل الرافعي عن (فتاوى القفال): أنه لو أقر على أبيه بالولاء فقال: هو معتق فلان .. ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقًا كما في النسب.

فرع:

أقر رجل بأنه ليس له وارث إلا أولاده هؤلاء وزوجته هذه قال ابن الصلاح: ثبت حصر ورثته فيهم بإقراره، كما يعتمد إقراره في أصل الإرث يعتمد في حصره؛ فإنه من قبيل الوصل له، وهذا هو الظاهر، وفي (فتاوى القاضي) ما يدل عليه.

قال: (وأما إذا ألحق النسب بغيره كهذا أخي أو عمي .. فيثبت نسبه من الملحق به)؛ للحديث المتقدم، ولأن الورثة يخلفون مورثهم في حقوقه والنسب منها.

ص: 129

بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيْتًا،

ــ

وليس المراد بإلحاق النسب بغيره أن يلحقه بأجنبي، بل المراد: أن يلحقه بنفسه بواسطة إلحاقه بغيره كإلحاق الأخ والعم، لكن الأخ بواسطة واحدة وهو الأب، والعم بواسطتي الأب والجد، وقد يكون بثلاثة وسائط كابن العم.

وخالف البويطي فقال: لا يجوز إقرار الأخ بأخيه عندي، وإنما ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ابن زمعة لمعرفته بفراشه.

كل هذا إذا كان الملحق به رجلًا، فإن كانت امرأة .. فلا؛ لأن اعترافها لا يقبل على الصحيح، كم ذكره المصنف في (كتاب اللقيط)، فبالأولى استلحاق وارثها.

تنبيه:

شرط المستلحق: أن لا يكون عليه ولا لغيره، فإن أقر من عليه الولاء بأخ أو أب .. لم يقبل على الأصح؛ لما فيه من الإضرار بالمولى.

وقيل: يقبل كالحر إذا كان له ابن عم فأقر بأخ، وإن أقر بنسب ابن .. قبل في الأصح؛ لأنه لا يتصور ثبوت نسبه من جهة غيره إلا ببينة، بخلاف الأب والأخ، فإنه يتصور ثبوته من جهة أبيهما.

قال: (بالشروط السابقة) أي: في إلحاقه النسب بنفسه وبما ذكره بعد هذا أيضًا.

قال: (ويشترط كون الملحق به ميتًا) فما دام حيًا ولو مجنونًا ليس لغيره الإلحاق؛ لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره.

قال في (التهذيب): فإن كان الملحق به حيًا .. فلابد من تصديقه، ولو كان بينهما اثنان أو أكثر .. فلابد من تصديق الجميع، والذي يقتضيه المذهب: أنه يعتبر

ص: 130

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا

ــ

تصديق الجد؛ لأنه الأصل الذي ثبت النسب منه.

قال: (ولا يشترط أن لا يكون نفاه في الأصح) فيجوز استلحاق من نفاه الملحق به قبل موته بلعان أو بدعوى استبراء في الأصح، كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه.

والثاني: يشترط عدم النفي، وهو المرجح عند القاضي والماوردي وصاحب (التنبيه) والبغوي؛ لأن الوارث لا يفعل إلا ما فيه حظ للموروث.

قال: (ويشترط كون المقر وارثًا حائزًا) فلا يثبت بإقرار الأجنبي والقريب الذي لا يرث لقيام مانع من كفر أو رق أو قتل؛ لأن القائم مقام المورث هو مجموع الورثة لا المستلحق وحده.

وفي (الحاوي) و (الشامل): أجمعوا على أن النسب لا يثبت بقول بعض الورثة.

وقيل: لا تشترط موافقة المعتق والزوج والزوجة؛ لأنه لا حق لهم في النسب.

ولو خلف بنتًا واحدة، فإن كانت حائرة بأن كانت معتقة .. ثبت النسب بإقرارها، وإن لم تكن حائزة فوافقها الإمام .. فالأصح في (الروضة): الثبوت، والأصح عند الماوردي والشيخ: عدمه.

ومحل الخلاف: إذا كان ذلك من الإمام على سبيل الإقرار، فإن قاله على سبيل الحكم إما لبينة قامت عنده وإما لعلمه وقلنا: يقتضي به .. كان ذلك حكمًا منه مقبولًا قطعًا وإن كان وارثًا.

ص: 131

وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ، فَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ،

ــ

ولو خلف ابنين وارثًا وغير وارث .. كفى إلحاق الوارث ولا يشترط اتفاق دين المقر والمقر به، فلو ألحق الكافر مسلمًا بمورثه الكافر أو ألحق المسلم كافرًا بمورثه المسلم .. ثبت نسبه.

قال: (والأصح: أن المستلحق لا يرث، فلا يشارك المقر في حصته) كذا بخط المصنف، ولا خلاف أن المستلحق يرث إذا أقر به الوارث الحائز، سواء كان ذلك واحدًا أو متعددًا، فلو أقر بعضهم وأنكر البعض .. فهي مسألة الكتاب والأصح فيها: أنه لا يرث؛ لأن نسبه لم يثبت قطعًا فكيف يرثه؟

والثاني- وبه قال الأئمة الثلاثة-: يرث وهو من تخريج صاحب (التقريب)، وأيده الرافعي بصورة يثبت فيها الفرع دون الأصل:

منها: لو قال أحد الابنين: فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر .. حرم على المقر نكاحها مع أنه فرع النسب الذي لم يثبت.

ومنها: لو قال أحد الشريكين في عقار لثالث: بعتك نصيبي فأنكر .. لا يثبت الشراء، وتثبت الشفعة في الأصح دون البيع.

ومنها: لو قال: لزيد على عمرو كذا وأنا ضامن فأنكر عمرو .. فالأصح أنه يطالب بالضمان.

ومنها: لو ادعى الزوج الخلع وأنكرت المرأة .. ثبتت البينوتة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل، وزاد في (المطلب) صورًا أخرى.

والمراد: أنه يرث لا من نصيب المنكر، بل يشارك المقر في حصته، وإليه أشار المصنف بقوله:(فلا يشارك) بالفاء، أي: وإن قلنا يرث شاركه، وليس هذا حكمًا زائدًا، بل بيان لحقيقة الوجه القائل بالتوريث.

قال الإمام: ومن لم يعترف بإشكال هذه المسألة ليس له في التحقيق نصيب.

هذا كله في الظاهر، أما في الباطن .. فعلى المقر إذا كان عند نفسه صادقًا أن

ص: 132

وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنَ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالإِقْرَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الآخَرُ وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إِلَاّ الْمُقِرُّ .. ثَبَتَ النَّسَبُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ .. لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ،

ــ

يعطيه نصيبه مما في يده، فإذا أقر أحد الابنين .. لزمه على الأصح أن يعطيه ثلث ما في يده؛ لأن حق الثالث بزعم المقر شائع فيما في يده ويد صاحبه، فله الثلث من هذا والثلث من ذاك.

وقيل: يعطيه النصف؛ لأن قضية الميراث التسوية.

قال: (وأن البالغ من الورثة لا ينفرد بالإقرار)؛ لأنه غير حائز.

والثاني: ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال احتياطًا له؛ لأن الظاهر من حال الكامل من الروثة أنه يعتني بالنسب ولا يجازف فيه، فأثبتنا صحته بقوله، وحكم الكامل من الورثة أنه يعتني بالنسب ولا يجازف فيه، فأثبتنا صحته بقوله، وحكم المجنون في ذلك حكم الصبي، فلو عبر بـ (الكامل) كان أشمل.

قال: (وأنه لو أقر أحد الوارثين وأنكر الآخر) أي: وحلف (ومات ولم يرثه إلا المقر .. ثبت النسب)؛ لأن جميع الميراث صار له.

والثاني: لا يثبت؛ لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل، ورجحه الروياني.

والخلاف قريب من اختلاف الأصوليين فيما إذا اختلف أهل العصر ثم مات أحد الطائفتين هل يكون قول الباقين حجة أو لا؟

واحترز بقوله: (أنكر) عما إذا أقر أحد الورثة وسكت الباقي، ثم مات الساكت ووارثه المقر أو غيره فصدقه على النسب .. فلا خلاف أنه يثبت ههنا النسب؛ لأنه لم يسبقه تكذيب من أصله.

قال: (وأنه لو أقر ابن حائز) أي: مشهور النسب لا ولاء عليه (بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر .. لم يؤثر فيه ويثبت أيضًا نسب المجهول)؛ لأن صورة المسألة: أن المقر مشهور النسب فلا يبالي بالتكذيب، والمجهول أقر به الوارث الحائز فيثبت نسبه.

والثاني: أن المقر يحتاج إلى البينة على نسبه؛ لاعترافه بنسب المجهول وإنكاره إياه.

ص: 133

وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ .. ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إِرْثَ.

ــ

والثالث: لا يثبت نسب المجهول؛ لأنه أخرج المقر عن أهلية الإلحاق بتكذيبه، ولو اتفقا وأقرا بنسب ثالث فأنكر الثالث نسب الثاني .. في سقوط نسب الثاني وجهان: أصحهما: السقوط.

قال: (وأنه لو كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق كأن أقر بابن للميت .. ثبت السنب) لإقرار الوارث الحائز به (ولا إرث)؛ لأنه لو ورث لحجب الأخ، ولو حجبه لخرج عن أهلية الإقرار، وإذا لم يصح الإقرار لم يثبت النسب ولا الإرث، فيؤدي توريثه إلى عدم توريثه، كما لو اشترى أباه في مرضه .. يعتق عليه ولا يرث.

ولو أوصى له بابنه فقبله .. عتق ولا يرث، ولو أعتق المريض أمته ثم تزوجها .. صح النكاح ولا ترث.

والثاني: لا يثبتان؛ لأنه لو ثبت النسب .. ثبت الإرث ولزم هذا المحذور.

والثالث- قاله ابن سريج واختاره صاحب (التقريب) وابن الصباغ والشيخ-: يثبتان ويحجب المقر؛ لثبوت نسبه فإنه فرعه، وكما لو أقر الابن المستغرق بأخ .. فإنه يثبت نسبه ويرث باتفاق الأصحاب.

تتمة:

قال: زيد أخي، ثم فسره بأخوة الرضاع، حكى الروياني عن والده أن الأشبه بالمذهب: أنه لا يقبل؛ لأنه خلاف الظاهر، ولهذا لو فسره بأخوة الإسلام لم يقبل.

وقال الهروي: لو أقر أن هذا وارث فلان .. لم يقبل، ولو أقر أن هذا وارثي .. قبل، قال: وهذه مسألة حسنة غريبة لا يعرفها من الفقهاء إلا من تقعد في الفقه.

* * *

ص: 134

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

في يد ثلاثة إخوة جارية معها ولد، فقال أحدهم: هي أم ولد أبينا والابن أخونا، وقال الآخر: هي أم ولدي وولدها مني، وقال الآخر: هي جاريتي وولدها عبدي، قال القاضي أبو الطيب: عتق ثلثها وثلث ولدها بإقرار الأول، وبإقرار الثاني يصير ثلث الولد حرًا؛ لاعترافه ببنوته، وثبت نسبه منه؛ إذ لا منازع له فيه، فإن بإقرار الأول وحده لا يثبت نسبه من الأب، ويصير ثلث الجارية أم ولد، ويسري العتق والاستيلاد إلى حق مدعي الملك، إن كان موسرًا .. فيغرم له قيمة ثلث الأم وقيمة ثلث الولد، وإن كان معسرًا .. لم يسر ويبقى حق مدعي الملك على الرق فيهما والله أعلم.

* * *

ص: 135