الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ .. صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِه فِي الأَصَحِّ،
ــ
بها، أو نصب على الشارع باباً ومنع الناس .. لم يضمن منافعها، فإن انتفع بها بوضع متاع أو نحوه .. لزمه أجرتها.
الثاني: غصب ثوباً ونجسه أو تنجس عنده لا يجوز له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه ذلك، فإن غسله فنقص .. ضمن النقص، ولو رده نجساً فمؤنة التطهير على الغاصب، وكذا أرش النقص اللازم منه، وتنجس المائع الذي لا يمكن تطهيره إهلاك؛ لأنه لا يمكن تطهيره، فإن جوزنا تطهيره .. فهو كالثوب.
تتمة:
إذا انتفع بمسجد بأن اتخذه مسكناً أو محزناً يضع فيه متاعه .. ضمن أجرة المثل، قال المتولي: وتكون لمصالح المسلمين كما لو أتلف مال بيت مال، وبه أفتى قاضي القضاة ابن رزين، والمعروف الذي أفتى به الغزالي والمصنف بأنها تصرف في مصالح المسجد.
وسئل الشيخ عمن هدم جدار مسجد غير مستحق الهدم ما يلزمه؟ فأجاب: تلزمه إعادته، ولا يأتي فيه ضمان الأرش كما قيل في الجدار المملوك والموقوف وقفاً غير تحرير؛ لأنهما مالان والمسجد ليس بمال، بل هو كالحر، ولذلك لا تجب أجرته بالاستيلاء عليه حتى يستوفي منفعته.
قال: (فصل):
ادعى تلفه وأنكر المالك .. صدق الغاصب بيمينه في الأصح)؛ لأنه قد يكون صادقاً ويعجز عن البينة فيتخلد حبسه عليه، ولأنه غارم.
والثاني: يصدق المالك؛ لأن الأصل البقاء، وحقه متعلق بالعين لا ببدلها.
فَإِذَا حَلَفَ .. غَرَّمَه الْمَالِكُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوِ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْضُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خَلْقِيٍّ .. صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ .. يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الأَصَحِّ،
ــ
هذا عند إطلاق دعوى التلف، فإن قيده بسبب ظاهر .. فلا يبعد أن يحبس حتى يقيم بينة بالتلف لإمكانه.
قال: (فإذا حلف .. غرمه المالك في الأصح)؛ لأنه بيمين الغاصب عجز عن الوصول إلى العين.
والثاني: لا يغرم؛ لأنه يزعم أن العين باقية وحقه متعلق بها لا ببدلها.
فرع:
قال الغاصب: رددته حياً أو مات عندك، وقال المالك: بل مات عندك، وأقام كل منهما بينة .. تعارضتا وتساقطتا وضمنه الغاصب؛ لأن الأصل بقاؤه عنده، وقدم أبو يوسف بينة المالك ومحمد بن الحسن بينة الغاصب.
قال: (ولو اختلفا في قيمته أو الثياب التي على العبد المغصوب أو في عيب خلقي .. صدق الغاصب بيمينه) أما في الأولى .. فلأن الأصل براءة ذمته، وأما في الثانية، فإذا قال الغاصب: الثياب التي على العبد لي، وقال المالك: هي لي .. فالقول قول الغاصب قطعاً؛ لأن يده على المغصوب وثيابه.
فلو كان المغصوب حراً صغيراً .. فالأصح: أن القول قولي الولي، ولا يمن عليه فينتظر بلوغ الصبي.
وأما التنازع في العيب الخلقي .. فصورتها: أن يقول الغاصب: ولد أكمه أو أعرج أو فاقد الأطراف .. فهو المصدق، لأن الأصل العدم، والمالك متمكن من إقامة بينة بما يدعيه، وقيل: يصدق المالك، وقيل: يفرق بين ما يندر وما لا يندر.
قال: (وفي عيب حادث .. يصدق المالك بيمينه في الأصح)؛ لأن الأصل والغالب دوام السلامة.
وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا، ثمَّ لَبِسَهُ فَأَبْلَاهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ .. لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهيِ قِسْط التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ. قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الآخَرَ وَقِيمَتُهُ
ــ
والثاني .. الغاصب؛ لأن الأصل براءة ذمته، وهذا هو المنصوص ورجحه الجمهور.
وصورة المسألة: أن يكون المغصوب تالفاً، فلو رد وبه عيب وقال: غصبته هكذا، وقال المالك: بل حدث العيب عندك .. فالمصدق الغاصب؛ لأن الأصل براءة الذمة عما زاد عن تلك الصفة، ثم الخلاف في المسألة قولان فكان الصواب التعبير بالأظهر.
قال: (ولو رده ناقص القيمة) أي: بسبب الرخص (.. لم يلزمه شيء)؛ لأن الفائت رغبات الناس فقط، والمغصوب باق بحاله، وقال أبو ثور: يلزمه نقص القيمة، ووافقه بعض أصحابنا، وادعى الإمام أنه منقاس.
قال: (ولو غصب ثوباً قيمته عشرة، فصارت بالرخص درهماً، ثم لبسه فأبلاه فصارت نصف درهم فرده .. لزمه خمسة، [وهي قسط التالف من أقصى القيم]؛ لأن الناقص باللبس نصف الثوب، والخمسة نصف أقصى قيمة الثوب، والنقصان الثاني وهو أربعة ونصف بالرخص فلا يضمن.
وتجب مع الخمسة المذكورة أجرة اللبس، وهذا تفريع على الجمع بين الأرش والأجرة كما سبق، فإن لم يجمع بينهما .. فالواجب أكثر الأمرين من الخمسة وأجرة المثل، قال الإمام: والصفات في هذا كالأجزاء.
قال: (قلت: ولو غصب خفين قيمتهما عشرة فتلف أحدهما ورد الآخر وقيمته
دِرْهَمَانِ، أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهمَا غَاصِبًا، أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ .. لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إِلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً .. فَكالتَّالِفِ، وَفِي قَوْلٍ: يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ
ــ
درهما، أو أتلف أحدهما غاصباً، أو في يد مالكه .. لزمه ثمانية في الأصح والله أعلم) خمسة للتالف، وثلاثة لما حصل من التفريق الحاصر عنده، أما الأولى .. فلأنه وضع يده عليهما معاً، وأصل المغصوب وصفاته مضمونة.
قال في زوائد (الروضة): وفيه وجه غريب في (التنبيه) و (التتمة): أنه يلزمه درهمان. اهـ
وحكايته عن (التتمة) وهم فالذي فيها وجه: أنه تلزمه خمسة كما إذا أتلف رجل أحدهما وآخر الآخر .. فإنه يسوى بينهما، وهو وجه ثالث في المسألة.
وصورة المسألة المقيس عليها هذا الوجه: أن يتلفا دفعة واحدة، فإن تعاقبا .. لزم الثاني ثلاثة، وفي الأول الخلاف، وأما الصورتان الأخيرتان .. ففيهما الأوجه الثلاثة، والصحيح في الكتاب نقله في زوائد (الروضة) عن الأكثرين وعليه العمل ثم قال: ووجه الخمسة صححه الإمام ونقله البغوي عن الأكثرين وهو الأقوى، واتفقوا على أنه لا يقطع بسرقة أحدهما إذا لم يبلغ وحده نصاباً وإن ضمناه إياه.
وقوله: (خفين) أي: فردتين فكل واحدة تسمى خفاً، والحكم كذلك في أحد زوجي النعل ومصراعي الباب.
قال: (ولو حدث نقص يسري إلى التلف بأن جعل الحنطة هريسة .. فكالتالف)؛ لأنه لو ترك بحاله فسد.
فعلى هذا: هل تكون الهريسة للغاصب أو للمالك كما لو نجس زيته وقلنا: لا يطهر بالغسل؟ وجهان.
قال: (وفي قوله: يرده مع أرس النقص)؛ قياساً على التعييب الذي لا يسري، وهذا الوجه اختاره الإمام والبغوي، وفي المسألة قول ثالث استحسنه في (الشرح
وَلَوْ جَنَى الْمَغْضُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالُ .. لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. غَرَّمَهُ الْمَالِكُ،
ــ
الصغير) وقطع به بعضهم: أن المالك يتخير بينهما، ورابع: يتخير الغاصب.
واحترز عما لا يسري، فإن الواجب على الغاصب إنما هو رده مع الأرش مطلقاً، وإطلاقه يفهم أنه لا فرق بين حصول النقص الساري بفعل الغاصب أو بغيره، وكان ينبغي أن يقيده بفعله، وكأنه اكتفى عنه بالمثال.
وصورة المسألة: غصب دقيقاً وسمناً وتمراً فجعله عصيدة، أو غصب ماء وزيتاً فخلطهما ونحو ذلك.
ولو تعفن الطعام في يده لطول المكث .. فقيل: هو كالهريسة، والأصح في زوائد (الروضة): أنه يتعين أخذه مع الأرش قطعاً.
قال: (ولو جنى المغصوب فتعلق برقبته مال .. لزم الغاصب تخليصه)؛ لأنه نقص حدث في يده وهو مضمون عليه.
قال: (بالأقل من قيمته والمال)؛ لأن الأقل إن كان هو القيمة .. فهو الذي دخل في ضمانه، وإن كان هو المال المتعلق بالرقبة .. فهو الذي وجب، وفي قول: بفديه بالأرش بالغاً ما بلغ، وهما كالقولين فيما يفديه السيد به.
ولا شك أن من جملة عيوب المبيع جنايات الخطأ إذا كثرت والعمد إذا لم يتب، فإن تاب .. فوجهان، وجوز ابن الرفعة إلحاق عمد الخطأ بالعمد، فيلزم الغاصب أيضاً أرش هذا العيب.
قال: (فإن تلف في يده) أي: تلف العبد الجاني في يد الغاصب (.. غرمه المالك) أي: أقصى القيم كغيره من الأعيان المضمونة.
وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتِعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إِلَى الْمَالِكِ فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ .. رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُ عَلَيْهِ عَلَى الْغاَصِبِ
ــ
قال: (وللمجني عليه تغريمه) أي: تغريم الغاصب؛ لأن جناية المغصوب مضمونة عليه.
قال: (وأن يتعلق بما أخذه المالك) أي: بقدر حقه وهو الأقل فقد يكون بعض القيمة وقد يكون كلها؛ لأن حقه كان متعلقاً بالرقبة، فيتعلق ببدلها قياساً على بدل المرهون.
وقيل: ليس له ذلك، وإنما يطالب الغاصب فقط؛ لأنهما كرجلين لكل منهما دين على ثالث، وليس للمالك مطالبة للغاصب بالأرض قبل أن يغرم الغاصب المجني عليه كما قال الإمام؛ لاحتمال الإبراء، وهو مقتضى قول المصنف:(ثم يرجع).
وقال ابن الرفعة: له ذلك كما يطالب الضامن المضمون بتخليصه.
قال شيخنا: والذي ذكره بحثاً وتشبيهاً إنما يقتضي المطالبة بالأداء للمجني عليه للمالك، وليس كلام الإمام فيه.
قال: (ثم يرجع المالك على الغاصب)؛ لأن الذي أخذه المالك لم يسلم إليه، بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب.
قال: (ولو رد) أي: الغاصب (العبد إلى المالك فبيع في الجناية .. رجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب)؛ لأن الجناية حصلت حين كان المغصوب مضموناً عليه، ثم للمسألة صور:
إحداها: أن يغصبه بعد أن جنى ثم يرده فيباع فيها .. فلا رجوع.
الثانية: أن يجني ثانياً في يد الغاصب وكل منهما يستغرقه ثم يرده فيباع ويقسم .. فيرجع بنصفه.
وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا .. أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ،
ــ
الثالثة: أن يغضبه غير جان فيجني عنده ثم يرده فيباع فيه ويقسم .. فيرجع به كله، وهي مسألة الكتاب.
قال: (ولو غصب أرضاً فنقل ترابها) أي: من غير حفر بل كشطه عن وجهها.
قال: (
…
أجبره المالك على رده أو رد مثله) ولو غرم عليه أضعاف قيمته وقد قال عليه الصلاة والسلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) أي: رد ما أخذت، ولأن التراب مثلي كما سبق، فإن تعذر .. فالنص أنا نقوم الأرض بترابها ثم بعد نقله منها يجب ما بينهما.
وقيل: يجب الأكثر من هذا ومن قيمة التراب منقولاً وحكي عن النص.
فلو كانت الأرض متنجسة بسماد تعين هذا الوجه، ولا يكلف رد مثله فيما يظهر.
قال: (وإعادة الأرض كما كانت) من انبساط وارتفاع، فإن بقي نقص .. وجب أرشه معها، هذا هو النص هنا، والنص فيمن باع أرضاً فيها أحجار فنقلها أنه تلزمه التسوية فقيل: قولان، وقيل بتقرير النصين، والفرق ضعيف.
قال: (وللناقل الرد وإن لم يطالبه المال إن كان له فيه غرض) بأن كان قد نقله إلى ملكه وأراد تفريغه، أو إلى ملك غيره، أو شارع يخاف من التعثر به الضمان، بل لو منعه المالك من ذلك .. لم يسمع لدفع الضرر عنه، كما لو توسط أرضاً مغصوبة ثم عزم على الرجوع عن الغصب .. لا يكون بخروجه آثماً وإن كان متصرفاً في أرض الغير للضرورة.
وَإِلَاّ .. فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إِذْنٍ فِي الأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا. وَإِذَا أَعَادَ الأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ .. فَلَا أَرْشَ، لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الإِعَادَةِ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ .. وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا
ــ
وإذا رد التراب إلى الأرض فمنعه المالك من بسطه .. لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطاً.
ولو قال المصنف: وإن منعه المالك .. كان أحسن، فإن له الرد أيضاً مع المنع كما صرح به الأصحاب، فيكون له الرد مع السكوت من باب أولى.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن له غرض بأن نقله إلى موات أو من أحد طرفي الأرض المغصوبة إلى الآخر.
قال: (.. فلا يرده بلا إذن في الأصح)؛ لأن تصرف في التراب والمكان بغير إذن المالك.
والثاني: له ذلك؛ لأنه رد ملكه إلى محله، فلو فعل .. كان للمالك أن يكلفه النقل على الأول لا الثاني.
قال: (ويقاس بما ذكرنا حفر البئر وطمها) فله الطم بترابه إن كان باقياً، وبمثله إن كان تالفاً على هيئته الأولى، ثم إن أمره المالك بالطم .. لزمه، وإلا .. فله أن يستقل به ليدفع عن نفسه خطر الضمان بالسقوط فيها.
وقال المزني: لا يطم إلا بإذن المالك، فإن منعه المالك وقال: رضيت باستدامة البئر .. امتنع عليه الطم في الأصح واندفع عنه الضمان.
ولو كان الغاصب طوى البئر بآلة نفسه .. فله نقلها وللمالك إجباره عليه، فإن وهبها منه .. لم يلزمه القبول في الأصح.
قال: (وإذا أعاد الأرض كما كانت ولم يبق نقص .. فلا أرش)؛ لعدم الموجب له.
قال: (لكن عليه أجرة المثل لمدة الإعادة)؛ لأنه فوتها بسبب هو فيه متعد.
قال: (وإن بقي نقص .. وجب أرشه معها) أي: مع الأجرة كما تضمن سائر صفات العين المغصوبة الفائتة.
وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ .. رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ فَقَطْ .. لَزِمَهُ الأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا .. غَرِمَ الذَّاهِبَ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ
ــ
قال: (ولو غصب زيتاً ونحوه) أي: من الأدهان (وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته .. رده ولزمه مثل الداهب على الأصح)؛ لأن له بدلا مقدراً وهو المثل فأوجبناه، كما إذا خصى العبد فزادت قيمته .. فإنه يضمن قيمته على الجديد.
والثاني – وهو قول صاحب (التخليص) -: أنه يرده ولا غرم عليه؛ لأن ما حصل به النقص حصلت به الزيادة فلم يكن سبباً في الغرامة وهو خلاف النص، بل قال الإمام: إنه ليس بشيء؛ فكان ينبغي التعبير بـ (الصحيح) لذلك.
قال: (وإن نقصت القيمة فقط .. لزمه الأرش) هذا لا خلاف فيه.
قال: (وإن نقصتا .. غرم الذاهب ورد الباقي مع أرشه إن كان نقص القيمة أكثر) هذا هو المنصوص ومعناه: أنه يرد الباقي ويغرم الذاهب مطلقاً.
ثم إن لم يكن حصل في الباقي نقص .. فلا شيء عليه مع ذلك، وإن كان حصل فيه نقص في القيمة .. فعليه الأرش.
مثال الأول: رطلان قيمتهما درهمان صارا بالإغلاء رطلا قيمته درهم .. فيرده ورطلاً.
ومثال الثاني: صاراً رطلاً قيمته نصف درهم .. فيرد الباقي ويرد معه رطلاً ونصف درهم.
ولو غصب عصيراً وأغلاه .. فقيل: كالزيت يضمن مثل الذاهب وإن لم ينقص قيمته، والأصح: لا يضمن مثل الذاهب؛ لأنه مائيته، والذاهب من الزيت زيت.
ويجري الخلاف في العصر إذا صار خلا ونقصت عينه دون قيمته، وفي الرطب إذا صار تمراً، وأجراه الماوردي في اللبن إذا صار جبناً.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ السَّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا
ــ
قال: (والأصح: أن السمن لا يجبر نقص هزال قبله)؛ لأن السمن الثاني غير الأول.
والثاني: يجبره وهو قول ابن أبي هريرة، كما لو أبق العبد ثم عاد فإنه يزول بالعود ضمان الحيلولة الواجب بالإباق.
فلو انعكس الحال بأن كانت معتدلة فسمنت في يد الغاصب سمناً مفرطاً ونقصت قيمتها .. فإنه يردها ولا شيء عليه؛ لأنه لم تنقص حقيقة ولا عرفاً.
قال: (وأن تذكر صنعة نسبها يجبر النسيان)؛ لأن العائد هو الأول، والسمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان.
والثاني: لا يجبر كالسمن، وهنا طريقة قاطعة بالانجبار وفي السمن طريقة قاطعة بعدمه.
ولا فرق في عود الصنعة بين أن يتذكر بنفسه أو بالتذكير فلذلك أطلقه المصنف.
قال: (وتعلم صنعة لا يجبر نسيان أخرى قطعاً)؛ لاختلاف الأغراض، فلو تذكرها في يد المالك .. قال في (المطلب): يشبه أن يجبر أيضاً حتى يسترد ما دفع من الأرش، ولو تعلمها .. فالمتجه: عدم الجبر فلا يسترد، وكذا لو كان يحسن سورة فنسيها وحفظ أخرى.
وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الأَرْشُ إِنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً. وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَحَلَّلَتْ، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ
ــ
وعود الحسن كعود السمن لا كتذكر الصنعة.
ولو سقطت أوراق الشجر ثم أورقت .. لم ينجبر الأول بالثاني بخلاف شعر الجارية وسنها؛ لأنها غير متقومة.
ولو زادت قيمة الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته .. فالمنصوص والمختار عند المصنف: أنه لا يضمن النقص.
قال: (ولو غصب عصيراً فتخمر ثم تخلل .. فالأصح: أن الخل للمالك)؛ لأنه عين ماله.
قال: (وعلى الغاصب الأرش إن كان الخل أنقص قيمة)؛ لحصوله تحت يده، فلو لم تنقص قيمته عن قيمته .. اقتصر عليه.
والثاني: يغرم مثل العصير.
وقال الماوردي: يغرم قيمته؛ لأنه بالتخمير كالتالف.
وعلى هذا: فالخل للمالك على الأصح؛ لأنه فرع ملكه، والخلاف جار فيما لو غصب بيضاً فصار فراخاً في يده، أو حباً فزرعه ونبت، أو بزر قز فصار قزاً.
والأصح: أن الحاصل للمالك، ولا غرم على الغاصب إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما غصبه.
قال: (ولو غصب خمراً فتخللت، أو جلد ميتة فدبغه .. فالأصح: أن الخل والجلد للمغصوب منه)؛ لأنهما فرع ملكه.
والثاني: أنهما للغاصب؛ لحصولهما عنده مما ليس بمال.
والثالث: الخل للمالك؛ لأنه حصل بلا علاج، والجلد للغاصب؛ لأن ماليته حصلت بفعله.
والرابع: عكسه؛ لأن جلد الميتة يقتني فحق المالك فيه آكد، والخمر لا يجوز اقتناؤها؛ لأن الكلام في غير المحترمة، فإن فرضت محترمة .. كانت كجلد الميتة.