المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ، أَوْ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ، أَوْ

‌فَصْلٌ:

الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ، أَوْ قَالَ: رَفَعْتُ الوَكَالَةَ، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ أَخْرَجْتُكَ مِنْهَا .. انْعَزَلَ. فَإِنْ عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِبٌ .. انْعَزَلَ فِي الْحَالِ،

ــ

يصرح بل نوى وعلم المقرض أنه وكيل .. فطريقان: الأظهر: أنه يطالب، وإن لم يعلم به المقرض .. ضمنه الوكيل قطعًا.

قال: (فصل:

الوكالة جائزة من الجانبين)؛ لأن الموكل قد يرى المصلحة في ترك ما وكل فيه أو في توكيل آخر، والوكيل قد لا يتفرغ فيكون اللزوم مضرًا بهما جميعًا.

ولا فرق بين أن يكون بصيغة الأمر أو الإذن أو التوكيل، ولا بين أن يتعلق بثالث، وبخصومة أو لا، هذا إذا لم تكن بجعل، فإن ذكرا جعلًا معلومًا ووجدت شروط الإجارة، فإن عقدا بلفظ الإجارة .. لزمت، أو الوكالة .. بني على أن العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها.

قال: (فإذا عزله الموكل في حضوره، أو قال: رفع الوكالة، أو أبطلتها، أو أخرجتك منها .. انعزل)؛ لدلالة كل من هذه الألفاظ عليه، ولأنها إما عقد جائز .. فيفسخ بالفسخ، وإما إذن .. فيبطل برجوع من منه الإذن.

قال: (فإن عزله وهو غائب .. انعزل في الحال)؛ لأنه رفع عقد لم يحتج فيه إلى الرضا، فلم يحتج إلى العلم كالطلاق، وكما لو جن الموكل فإنه ينعزل الوكيل وإن لم يعلم، وكما لو وكله في بيع عبد أو إعتاقه ثم باعه أو أعتقه الموكل فإنه ينعزل ضمنًا فهذا أولى.

وقد روى البيهقي [6/ 82]: أن أمة أمر مولاها رجلًا ببيعها، ثم أعتقها سيدها قبل أن يبيعها فقضى عمر بعتقها، ورد ثمنها وأخذ صداقها من المشتري؛ لأنه وطئها.

ص: 63

وَفِي قَوْلٍ: لَا حَتَّى يَبْلُغَه الْخَبَرُ. وَلَوْ قَالَ: عَزَلْتُ نَفْسِي أَوْ رَدَدْتُ الْوَكَالَةَ .. انْعَزَلَ. وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، وَكَذَاَ إِغْمَاءٌ فِي الأَصَحِّ،

ــ

وإذا قلنا بهذا .. فينبغي للموكل أن يشهد على العزل؛ لأنه إذا ادعى بعد التصرف أنه كان قد عزله .. لم يقبل إلا ببينة.

قال: (وفي قول: لا حتى يبلغه الخبر) كالقاضي وكالنسخ لا يلزم المكلف قبل بلوغ الخبر، وإلى هذا ذهب الأئمة الثلاثة.

والجواب عن القاضي: أنه تتعلق بأحكامه مصالح كلية وعن النسخ أن الاعتداد بالعبادة حق لله تعالى، والله تعالى قد شرط العلم في الأحكام بدليل أنه لم يكلف بالمستحيل، والعقود حق للموكل ولم يشترط العلم.

وإذا قلنا بهذا القول .. فالمعتبر خبر من تقبل روايته دون الصبي والفاسق، كذا جزم به الرافعي، ولا يبعد جريان خلاف في الصبي كروايته، وعلى المذهب لو تلف المال في يده بعد عزله .. لم يضمن.

قال: (ولو قال: عزلت نفسي أو رددت الوكالة .. انعزل) وكذا كل ما كان في معناه؛ لدلالته عليه، وقيل: إن كانت صيغة الموكل أمرًا كبع أو أعتق .. لم ينعزل.

ولقائل أن يقول: كيف ينعزل بذلك مع قولهم: لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف؛ لبقاء الإذن؟

قال: (وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت أو جنون)؛ لأن الأصل إذا لم يملك التصرف ففرعه أولى.

قال في (المطلب): والصواب: أن الموت ليس بعزل، بل انتهت الوكالة إليه كالنكاح، وقيل: إن قصر زمن الجنون بحيث لا يحوج إلى نصب القوام .. لم يؤثر، أما المطبق .. فأجمعوا على الانعزال به.

قال: (وكذا إغماء في الأصح) قياسًا على الجنون.

والثاني: لا ينعزل كالمرض، وصححه الإمام والغزالي في (الوسيط)، وصحح

ص: 64

وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ.

ــ

الأول في (الوجير) وقال القاضي حسين: إنه ظاهر المذهب.

واختار الشيخ: أن الإغماء لا يقتضي العزل ولا يسلب الولاية؛ لأنه مرض وإن طالت مدته لا يدوم.

لكن يستثنى من إطلاق المصنف: الوكيل في رمي الجمار، فإن الأصح: أنه لا ينعزل بإغماء الموكل كما تقدم.

ويحصل الانعزال أيضًا بطرآن الرق، وطرآن حجر السفه والفلس في كل تصرف لا ينفذ من السفيه والمفلس، وكذا ردة الموكل، والفسق فيما العدالة شرط فيه.

ولو وكل اثنين ثم عزل أحدهما ولم يعينه .. فوجهان.

أحدهما: أن لكل منهما أن يتصرف ما لم يعلم أنه المعزول.

وأصحهما: أنه ليس لواحد منهما أن يتصرف حتى يبين الموكل مراده.

قال: (وبخروج محل التصرف عن ملك الموكل) كما إذا باعه أو أعتقه أو وقفه؛ لاستحالة بقاء الولاية في هذه الحالة وكذا لو وكله في بيع أمة ثم زوجها .. كان عزلًا، وكذا لو أجرها وإن جوزنا بيع المستأجر؛ لأن من يريد البيع لا يؤجر غالبًا لقلة الرغبات في المستأجر.

فرع:

وكل عبده في بيع أو تصرف آخر ثم أعتقه ففي انعزاله احتمالان لصاحب (التنبيه)، وهما وجهان، وقيل: قولان ينبنيان على أنه استخدام أو توكيل:

أحدهما: ينعزل؛ لأن أمر السيد زال بعقته.

والثاني: لا ينعزل، كما لو وكل زوجته ثم طلقها، وصحح المصنف الانعزال، فعلى هذا لا يشترط القبول.

ص: 65

وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الإِخْفَاء لَيْسَ بِعَزْلٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ .. انْعَزَلَ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا، أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، أَوِ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ: بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ

ــ

ولو قال العبد عزلت نفسي .. فهو لغو.

ولو وكل عبد غيره بإذن سيده ثم عتق أو بيع .. جعله الرافعي على الخلاف، وقال المصنف: المذهب: القطع ببقاء الوكالة.

وفي طحن الحنطة الموكل في بيعها وجهان، وأما العرض على البيع وتوكيل وكيل آخر .. فلا يقتضي انعزالًا، وفي التوكيل وجه.

قال: (وإنكار الوكيل لنسيان أو لغرض في الإخفاء ليس بعزل)؛ لأنه لم يأت بلفظ يدل على العزل، فكان كما لو قيل له: ألك زوجة؟ فقال: لا، فإن زوجته لا تطلق. وفي (الجواهر): أنه المشهور في المذهب.

وقيل: ينعزل بذلك مطلقًا، وقيل: لا ينعزل مطلقًا.

وقد أطلق الرافعي في (باب التدبير) أن الأصح: ارتفاع الوكالة بالإنكار، وهو محمول على ما هنا، والأوجه الثلاثة جارية في التوكيل.

قال: (فإن تعمد ولا غرض .. انعزل)؛ لزوال المعنى المقتضي لعدم عزله، ولو أنكر وقد ادعى عليه بحق على موكله فقامت بينة بقبوله .. لم ينعزل، ولم تندفع عنه الخصومة إلا أن يعزل نفسه.

قال: (وإذا اختلفا في أصلها، أو صفتها بأن قال: وكلتني في البيع نسيئة، أو الشراء بعشرين، فقال: بل نقدًا أو بعشرة .. صدق الموكل بيمينه)؛ لأن الأصل في الأولى عدم الإذن، والأصل في الثانية عدم ما يدعيه الوكيل، والموكل أعرف بحال الإذن الصادر منه، ومن كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفة ذلك الشيء، وإنما لم يقبل قول المالك للخياط: أمرتك بقطعه على غير هذا الوجه ..

ص: 66

وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ، فَقَالَ: بَلْ بِعَشَرةٍ وَحَلَفَ: فَإِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ المُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَالَ بَعْدَهُ: اشْتَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ .. فَالْبَيعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا إِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ، وَكَذَا إِنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الأَصَحِّ،

ــ

لتضمنه إلزام الأرش للخياط، والأصل عدمه.

قال: (ولو اشترى جارية بعشرين وزعم أن الموكل أمره، فقال: بل بعشرة) أي: أذنت في عشرة (وحلف: فإن اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد أو قال بعده) أي: بعد العقد (اشتريته لفلان والمال له وصدقة البائع .. فالبيع باطل)؛ لأنه ثبت بالتسمية في الصورة الأولى، وبتصديق البائع في الثانية أن الدنانير لغير العاقد، وثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في التصرف فيها على ذلك الوجه، فيبطل البيع؛ لأن الشراء بمال الغير بغير إذنه باطل، ولا شك أن قيام البينة على ذلك ملحق بما ذكرناه.

قال: (وإن كذبه) أي: البائع بأن قال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك ولا بينة.

قال: (.. حلف على نفي العلم بالوكالة ووقع الشراء للوكيل) أي: في ظاهر الشرع، وسلم الثمن المعين للبائع، وغرم الوكيل مثله للموكل.

قال: (وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل) أي: ونواه، فإن الشراء يقع للوكيل ظاهرًا، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا فرق في وقوع العقد للوكيل بين أن يصرح بالسفارة أم لا، ولا بين أن يصدق البائع الموكل أو يكذبه.

قال: (وكذا إن سماه وكذبه البائع في الأصح) أي: كذبه في الوكالة بأن قال: سميته ولم تكن وكيلًا عنه، كما لو اقتصر على النية.

ص: 67

وَإِنْ صَدَّقَهُ .. بَطَلَ الشِّرَاءُ. وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ .. يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ: إِنْ كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَيَقُولُ هُو: اشْتَرَيْتُ؛ لِتَحِلَّ لَهُ

ــ

والثاني: أن الشراء يبطل من أصله، والوجهان هما الوجهان المتقدمان في قول المصنف:(وإن سماه فقال: البائع بعتلك، فقال: اشتريت لفلان كذا في الأصح).

قال: (وإن صدقه .. بطل الشراء)؛ لاتفاقهما على أن العقد للغير، وقد ثبت بيمين الغير أنه لم يأذن فيه.

قال: (وحيث حكم بالشراء للوكيل .. يستحب للقاضي أن يرفق بالموكل ليقول للوكيل: إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها، ويقول هو: اشتريت؛ لتحل له) ولا يضر التعليق للضرورة، وهذه الكيفية ذكرها المزني؛ لأنه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا يضر التعرض له كما لو قال: هذا عن زكاة مالي الغائب، إن كان سالمًا ثمَّ .. يجزئه، وسواء أطلق أو علق لا يجعل ذلك إقرارًا بما قاله للوكيل وتكذيبًا لنفسه.

وهذا واضح إذا اشترى في الذمة وسماه وكذبه البائع، أو لم يسمه، أما إذا اشترى بالعين وكذبه، فإن كان الوكيل صدقًا .. فالملك للموكل، وإلا .. فللبائع، فينبغي للحاكم أن يرفق بهما جميعًا، وهذا الرفق لا يجب على الحاكم، ولا يجب على البائع أن يجيبه إليه.

وقيل: لا يصح التعليق، وطريقه أن يجزم بالبيع ولا يكون مقرًا بذلك.

ولو أقام الوكيل بينة بما ادعاه .. لزم الشراء للموكل، وهل يحل له وطؤها؟ فيه وجهان.

وإن أقام الموكل بينة .. لم تسمع؛ لأنها تشهد على نفي الإذن في الشراء بعشرين، ولا سبيل إلى معرفته.

ص: 68

وَلَوْ قَالَ: أَتَيْتُ بِالتَّصَرُّفِ الْمَاذُونِ فِيهِ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ، وَفِي قَوْلٍ: الْوَكِيلُ

ــ

وإن أقر الموكل بالإذن بعد الإنكار .. حلت له قطعًا؛ لجواز نسيانه، وإذا أنكر ونكل عن الحلف فحلف الوكيل .. قال القاضي الطبري: الحكم كما لو قامت عليه بينة.

ولو اشترى جارية لموكله فقال الموكل: التي أذنت في شرائها جارية غير هذه .. فالقول قوله، فإن حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل، والحكم كما مر في المسألة قبله.

وإن أذن له في أن يقبل له نكاح امرأة فادعى أن التي قبل نكاحها له غير المأذون فيها .. بطل النكاح قطعًا، فلو كان الوكيل ضمن المهر .. غرمه، وهل يلزمه جميعه أو نصفه؟ فيه وجهان.

قال: (ولو قال: أتيت بالتصرف المأذون فيه، وأنكر الموكل .. صدق الموكل)؛ لأن الأصل عدم التصرف وبقاء الملك.

قال: (وفي قول: الوكيل)؛ لأن الموكل ق ائتمنه فعليه تصديقه، وصححه جماعة، وقال الإمام في (باب الرجعة): من أنكر هذا القول .. كان هاجمًا على خرق الإجماع.

ومحل هذا الخلاف إذا كان النزاع قبل العزل، فإن كان بعده .. لم يقبل إلا ببينة قطعًا.

فرع:

في (فتاوى البغوي): لو قال الموكل: باع وكيلي بغبن فاحش، وقال المشتري: بل بثمن المثل .. فالقول قول الموكل، فلو أقاما بينتين .. فبينة المشتري أولى؛ لأن معها زيادة علم وهو انتقال الملك.

ص: 69

وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا فِي الرَّدِّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ بِجُعْلٍ .. فَلَا. وَلَوِ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ .. صُدِّقَ الرَّسُولُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ.

ــ

قلت: لعل البغوي إنما قال هذا لأنه يرى في البيع أن القول قول مدعي الفساد، وهو خلاف الأصح المنصوص، وسيأتي نظير ذلك في خاتمة (كتاب الكتابة).

قال: (وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه)؛ لأنه أمين فيصدق في التلف، كالمودع وغيره من الأمناء، ومقصوده بقبول القول عدم الضمان، فإن الغاصب وغيره ممن يده يد ضمان يصدق أيضًا في دعوى التلف كما سيأتي في بابه.

وصورة المسألة: أن يطلق التلف، فإن أسنده إلى سبب .. فلابد من التفصيل المذكور في (الوديعة).

قال: (وكذا في الرد)؛ لأنه إن كان بغير جعل .. فقد أخذ المال لمحض غرض المالك فكان المودع، وإن كان بجعل .. فهو إنما ينتفع بالعمل في العين لا بنفس العين، وخصه في (المطلب) بما قبل العزل، أما بعده .. فلا يقبل، ومقتضى إطلاق الرافعي والمصنف و (الكفاية) عدم الفرق.

قال: (وقيل: إن كان بجعل .. فلا)؛ لأنه أخذه لغرض نفسه فأشبه المرتهن.

ويوخذ من عبارة المصنف أنها تجوز بغير جعل وبجعل، لكن يشترط أن يكون معلومًا، فإن قال: بع هذا ولك عشر ثمنه، أو من كل مئة درهم من ثمنه .. لم يصح للجهل بمبلغ الثمن وله أجرة مثله.

قال: (لو ادعى الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول .. صدق الرسول)؛ لأنه لم يأتمنه.

قال: (ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح)؛ لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه.

ص: 70

وَلَوْ قَالَ: قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَتَلِفَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ .. صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إِنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِلَاّ .. فَالْوَكِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ وَكَلَّهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَالَ: قَضَيْتُهُ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ .. صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ

ــ

والثاني: يلزمه التصديق؛ لأن يد رسوله كيده فكأنه يدعي الرد عليه، فلو اعترف الرسول بالقبض وادعى التلف في يده .. لم يلزم المالك الرجوع إليه.

قال: (ولو قال: قبضت الثمن وتلف) أي: والغرض أن له ولاية قبضه بالتنصيص أو الإطلاق (وأنكر الموكل .. صدق الموكل إن كان قبل تسليم المبيع)؛ لأن الأصل بقاء حقه.

ولو انعكست الدعوى فقال الموكل: أنت قبضت الثمن فادفعه إلي، وقال الوكيل: لم أقبضه .. صدق الوكيل، وليس للموكل طلبه من المشتري؛ لاعترافه ببراءة ذمته.

قال: (وإلا) أي: وإن كنت دعواه تلف الثمن بعد تسليم المبيع (.. فالوكيل على المذهب)؛ لأن الموكل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن، ويلزمه الضمان والوكيل ينكره، فأشبه ما إذا قال الموكل: طالبتك برد المال فامتنعت بلا عذر إلى أن تلف المال، وقال الوكيل: لم تطالبني ولم أقصر .. فإن القول قوله.

قال: (ولو وكله بقضاء دين، فقال: قضيته، وأنكر المستحق .. صدق المستحق بيمينه)؛ إذ الأصل عدم القضاء، ولأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، فإذا حلف .. طالب الموكل بحقه، وليس له مطالبة الوكيل.

قال: (والأظهر: أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة)؛ لأنه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الإشهاد عليه.

والثاني: يصدق؛ لأنه ائتمنه فأشبه ما إذا ادعى الرد عليه، فلو دفع بحضرة الأصيل .. فلا رجوع للموكل عليه في الأصح، وإن دفع في غيبته .. رجع، سواء صدقه الموكل بالدفع أم لا على الصحيح؛ لتقصيره، فلو قال: دفعت بحضرتك .. صدق الموكل بيمينه؛ لأن الأصل عدم الحضور حينئذ.

ص: 71

وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ .. يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

ولو أشهد الوكيل شهودًا فماتوا أو جنوا أو غابوا .. فلا غرم، وإن أشهد واحدًا أو مستورين .. فوجهان.

قال المتولي: والقول قوله في الإشهاد.

ولو اختلفا فقال الوكيل: دفعت بحضرتك وأنكر الموكل .. فالقول قول الموكل مع يمينه.

قال: (وقيم اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ) أي: وإيناس الرشد (.. يحتاج إلى بينة على الصحيح)؛ لقوله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} فدل على أنهم لو جحدوا احتاج إلى بينة، ولأنه لم يأتمنه، وقد صرح الغزالي في (الوسيط) في آخر (الوديعة) بوجوب الإشهاد، ويخالف الإنفاق فإنه يعسر إقامة البينة عليه.

والثاني: لا يحتاج إليه فإنه أمين فأشبه المودع، وتحمل الآية على الإرشاد.

تنبيه:

مراد المصنف بـ (قيم اليتيم): منصوب القاضي فقط، فإن الأب لا يتم معه، والجد في معناه، والوصي قد ذكره في آخر الوصية وجزم فيه بأنه لا يصدق، وإذا قبلنا قول الولي .. فلابد من يمينه، فإذا نكل .. حلف المحجور عليه وغرم.

وولي السفيه والمجنون إذا ادعى دفع المال بعد رشده كولي الطفل فيما ذكرناه، وأما الحاكم .. فالأصح: أنه كالأب والجد، ومحل هذا في القاضي العدل الأمين، أما غيره .. فلا، ومحله إذا دعاه في حال قضائه، أما بعد عزله .. فلا.

ص: 72

وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودَعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ: لَا أَرُدُّ الْمَالَ إِلَاّ بِإِشْهَادٍ فِي الأَصَحِّ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ

ــ

قال: (وليس لوكيل ولا مودع أن يقول بعد طلب المالك: لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح)؛ لأن قوله في الرد مقبول.

والثاني: له ذلك كيلا يحتاج إلى اليمين؛ فإن الأمناء يحترزون عنها ما أمكنهم.

والثالث: إن كان التأخير إلى الإشهاد يورث تعويقًا .. لم يكن له الامتناع، وإلا كان له ذلك.

والرابع: إن كان عليه بينة .. فله ذلك، وإلا .. فلا.

قال: (وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد) كالمستعير والمضارب والوكيل بجعل والشريك (ذلك) أي: التأخير إلى الإشهاد؛ لأنه يحتاج إلى بينة الأداء إن توجهت عليه بينة الأخذ، هذا إذا كانت عليه بينة، فإن لم تكن بينة .. فوجهان: أصحهما عند البغوي: أن له أن يمتنع من الأداء؛ لأن قوله في الرد غير مقبول.

والثاني: المنع؛ لأنه يمكنه أن يقول: ليس عندي شيء ويحلف عليه، وهو الذي أورده العراقيون.

تنبيهان:

أحدهما: المديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الأعيان، فله أن يمتنع من أداء الدين إلى الإشهاد، وهذه تندرج في كلام المصنف، وما أحسن قول (الحاوي الصغير): ولغير المصدق في الأداء طلب الإشهاد.

الثاني: استشكل ابن الرفعة والقمولي والشيخ جواز التأخير للغاصب؛ لأن التوبة واجبة على الفور، وهي متوقفة على الرد.

ص: 73

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَكَ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ .. فَلَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنُّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ

ــ

قال: (ولو قال رجل: وكلني المستحق بقبض ما له عندك من دين أو عين وصدقه .. فله دفعه إليه)؛ لأنه محق بزعمه.

قال: (والمذهب: أنه لا يلزمه إلا ببينة على وكالته)؛ لاحتمال إنكار الموكل الوكالة.

وقال المزني: يلزمه؛ لاعترافه باستحقاقه الأخذ.

وعبر بـ (المذهب)؛ لأن المنصوص هنا: أنه لا يجب، ونص فيما إذا ادعى أنه وارثه وصدقه أنه يجب، فقيل: قولان، والأصح: تقريرهما، والفرق ما سيأتي من اعترافه بانتقال الحق إلى الوارث.

واحترز بقوله: (وصدقه) عما إذا لم يصدقه بأن كذبه أو قال: لا أعلم، فلا يكلف الدفع إليه، فإن دفع ثم حضر المستحق وحلف على نفي الوكالة .. غرم الدافع، وكان له أن يرجع على القابض دينًا كان أو عينًا؛ لأنه لم يصرح بتصديقه وإنما اعتمد قوله.

وإذا ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد، فإن كان المقصود بالخصومة حاضرًا وصدقه .. قال الرافعي تثبت الوكالة وله مخاصمته، وقال الروياني: مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن الحاكم لا يسمع مخاصمتها؛ لما فيه من إثبات الحجة على صاحبها.

ومن قال: أنا وكيل في بيع أو نكاح ومصدقه من يعامله .. صح العقد، فلو قال بعد العقد: لم أكن وكيلًا .. لم يلتفت إليه.

ص: 74

وَلَوْ قَالَ: أَحَالَنِي عَلَيْكَ، وَصَدَّقَهُ .. وَجَبَ الدَّفْعُ في الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَارِثُهُ، وَصَدَّقَهُ .. وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال: (ولو قال: أحالني عليك، وصدقه .. وجب الدفع في الأصح)؛ لأنه اعترف بانتقال الحق إليه فأشبه الوارث.

والثاني: لا؛ لاحتمال إنكار صاحب الحق، واختاره ابن أبي عصرون.

قال: (قلت: وإن قال: أن وارثه، وصدقه .. وجب الدفع على المذهب والله أعلم)؛ لاعترافه بانتقال الحق.

قال ابن الرفعة: هذا إذا قال مع ذلك: لا وارث له غيري وبين جهة الوراثة، كما قيده القاضي حسين في (الفتاوى).

والطريق الثانية ذات قولين كما تقدم.

ولو قال: مات فلان وله عندي كذا وهذا وصية .. فهو كما لو قاله: هذا وارثه، ولو قال: أوصى له به .. فهو كإقراره بالحوالة.

تتمة:

أمره بشراء عبد لم يجز أن يشتري بعضه وإن كان بغبطة مثل أن يقول: اشتره بألف، فاشترى نصفه بأربع مئة .. لم يصح، وهذا لا خلاف فيه إذا اقتصر عليه، ولكن لو اشترى النصف الثاني بأربع مئة أخرى هل ينقلب الجميع إلى الموكل بعد انصرافه عنه؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع، وقال الإمام إن ما عداه هذيان، وقال ابن الرفعة: إنه في ذلك هاجم على أئمة المذهب، ثم شرع يوجه ذلك.

قلت: وما قاله الإمام وغيره محله إذا كان العبد لواحد، فإن كان لاثنين ووكله في شرائه .. فإنه إذا اشترى نصفًا ونصفًا ينبغي أن يصح قطعًا، ولم أر من تعرض لذلك.

* * *

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

الوكيل باستيفاء حق هل يثبته؟ وبإثباته هل يستوفي عينًا كان أو دينًا؟ فيه أوجه: أصحها: لا.

والثاني: نعم.

والثالث: يثبت ولا يستوفي، ولو كان الحق قصاصًا أو حدًا .. لم يستوفه على المذهب.

ولو أمره بالبيع مؤجلًا .. لم تلزمه المطالبة بعد الأجل، ولكن عليه بيان الغريم.

ولو قال: ادفع هذا لصانع، فقال: دفعته، فطالبته المالك ببيانه .. لزمه البيان، فإن امتنع .. صار متعديًا، حتى لو بينه بعد ذلك وكان تلف في يد الصانع .. لزمه الضمان.

* * *

ص: 76