المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ ــ كتاب الشفعة هي بضم الشين وإسكان الفاء، ومن الفقهاء من - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ ــ كتاب الشفعة هي بضم الشين وإسكان الفاء، ومن الفقهاء من

‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

ــ

كتاب الشفعة

هي بضم الشين وإسكان الفاء، ومن الفقهاء من يضمها، ولفظها مأخوذ من قولهم: شفعت كذا بكذا إذا ضممته إليه.

سميت بذلك لضم نصيب الشريك إلى نصيبه، ومنه شفع الأذان.

وقيل: من التقوية والإعانة؛ لأنه يتقوى بما يأخذه، ومنه: القرآن شافع ومشفع.

وقيل: من الزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه.

وقال ابن قتيبة: من الشفاعة؛ لأن الرجل إذا أراد أن يبيع داره .. أتاه شريكه أو جاره بشفيع يشفع إليه فيما يبيع.

وهي في الشرع: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث بسبب الشركة بالعوض الذي ملك به، ولذلك وضع الأصحاب الشفعة عقب الغصب؛ لأنها تؤخذ قهراً فكانت مستثناة من تحريم أخذ المال قهراً.

وأصلها: من الكتاب قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} .

ومن السنة: ما روى مسلم [1608/ 134] عن جابر رضي الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء .. أخذ، وإن شاء .. ترك، فإذا باع ولم يؤذنه .. فهو أحق به).

ص: 221

لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ،

ــ

ولفظ البخاري [2214] في رواية: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة).

وادعى الماوردي أن الأحاديث الواردة في الشفعة متواترة وأجمعت الأمة عليها، لكن نقل الرافعي عن جابر بن زيد من التابعين إنكارها، وبه قال الأصم وابن علية، لكن هذان لا يعتد بخلافها، ولعل ذلك لم يصح عن جابر بن زيد، ولا شك أنها على خلاف القياس ولكن شرعت لدفع الضرر.

وقال الشيخ عز الدين: إن العفو عنها أفضل إلا أن يكون المشتري نادماً أو مغبوناً.

وقال أحد: لا يجوز للشريك أن يبيع لأجنبي إلا بعد استئذان شريكه.

قال: (لا تثبت في منقول) كالثياب والحيوان وغيرهما، سواء بيع وحده أو تبعاً للأرض؛ لعدم الدليل عليه، ولعدم تأبيد الضرر فيه، والمراد: لا تثبت ابتداء.

واحتراز بذلك عن الدار إذا انهدمت بعد ثبوت الشفعة فإن نقضها يؤخذ بالشفعة، وعن البناء والشجر المتصلين بالأرض وسيذكرهما، سواء بيع المنقول منفرداً أو مضموماً إلى ثابت لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا شفعة إلا في ربع أو حائط).

وشرط المأخوذ بالشفعة: أن يكون عقاراً ثابتاً محتملاً للقسمة.

وقول المصنف: (لا تثبت) أحسن من قول (التنبيه): لا تجب.

ص: 222

بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا،

ــ

قال: (بل في أرض وما فيها من بناء وشجر تبعاً)؛ للحديث السابق لأن (الربع): المنزل الذي يربع به الإنسان ويتوطنه، و (الحائط): البستان بغراسه.

ويدخل في ذلك ما يتبعه من أبواب ورفوف مسمرة، ومسامير الدولاب الثابت، وحجر الرحى التحتاني، وفي الأعلى الوجهان، وفي الثمرة التي لم تؤبر.

واحترز بقوله: (تبعاً) عما لو باع أرضاً وفيها شجرة جافة شرط دخولها في البيع .. فإنها لا تؤخذ بالشفعة بل بالشرط.

وعما إذا باع البناء والغراس وحده كالقائم على الأرض المحتكرة والموقوفة .. فلا شفعة فيه؛ لأنه في حكم المنقول.

وعما لو باع البناء والغراس مع الأرض الحاملة لهما فقط ولم يعين الأرض المتخللة .. فأشبه الوجهين عدم ثبوت الشفعة؛ لأن الأرض هنا تابعة والمتبوع منقول.

قال الشيخ: إلا أن يكون الجدار عريضاً في أرض مرغوب فيها وبناؤه نزر يسير بالنسبة إليها .. فإنه ينبغي هنا ثبوت الشفعة؛ لأن الأرض هي المقصودة.

قال: ويحمل كلام الأصحاب على الغالب.

فرع:

لا شفعة في سواد العراق على مقتضى مذهب الشافعي، وأم الشام .. فلا خلاف في جواز الأخذ بالشفعة في أرضها؛ لأنها غير موقوفة، وأما مصر .. فمقتضى وصية

ص: 223

وَكَذَا ثَمَرةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ فِي الأَصَحِّ. وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ،

ــ

الشافعي رضي الله عنه: أنها تملك، وروى يزيد بن أبي حبيب: أنها صلح، وكذلك قال الليث، وكان له بها أراض، وكان مالك وغيره يعيبون عليه ذلك ويرون أنها كسواد العراق.

فرع:

لو كان نصف الدار وقفاً فباع صاحب الطلق نصيبه .. فالأصح لا شفعة للموقوف عليه؛ لأنه لا يملك الحصة الموقوفة فليس شريكاً، فلو كانت أثلاثاً وقف وثلثاها لاثنين فباع أحدهما نصيبه هل تثبت للآخر الشفعة؟ ينبغي أن يقال: إن جوزنا قسمة الوقف عن الملك – وهو اختيار الروياني والمصنف - .. تثبت الشفعة، وإن لم نجوز قسمة الوقف عن الملك – وهو المشهور - .. فلا شفعة؛ لعظم موقع الضرر بالمقاسمة.

قال: (وكذا ثمرة لم تؤبر في الأصح)؛ لأنه تبع الأصل في البيع فتبعه في الأخذ بالشفعة كالبناء والغراس.

والثاني: لا؛ لأنه لا يراد للتأبيد.

والثالث: إن بقي غير مؤبر إلى حالة الأخذ .. أخذه، وإلا .. فلا؛ لخروجه عن أن يكون تابعاً.

واحترز بقوله: (لم تؤبر) عما إذا كان مؤبراً عند البيع ودخل بالشرط .. فإنه لا يؤخذ؛ لانتفاء التبعية.

والزرع الذي يجز مرة بعد أخرى – كالكراث – الجزة كالثمرة والأصول كالشجر.

قال: (ولا شفعة في حجرة بنيت على سقف غير مشترك) كما إذا كان السقف لثالث أو لأحدهما وحده ثم باع أحدهما سهمه من الحجرة؛ لأنه لا قرار لها فهي كالمنقولات.

ص: 224

وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الأَصَحِّ. وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ- كَحَمَّامٍ وَرَحىً- لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (وكذا مشترك في الأصح)؛ لأن السقف الذي هو أرضها لا ثبات له في نفسه، وما لا ثبات له في نفسه، لا يفيد ثباتاً لما هو عليه.

والثاني: نعم؛ للاشتراك في أرضها وجدرانها.

قال في (المطلب): وهذا الفرع لا يعرف لغير الغزالي في (الوسيط) و (الوجيز) ولا ذكر له في غيرها.

ولو كان السفل مشتركاً بين اثنين والعلو لأحدهما فباع صاحب العلو علوه مع نصيبه من السفل .. أخذ الشريك نصف السفل، ولا يأخذ العلو؛ لأنه لا شركة له فيه، وقيل: يأخذه تبعاً.

قال: (وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة – كحمام ورحى – لا شفعة فيه في الأصح) الخلاف ينبني على المعنى المقتضى لثبوت الشفعة هل هو سوء المشاركة؟ أو مؤنة الاستقسام ومعناه ما ينشأ عن القسم من مؤنة وأفراد ما يصير إليه بالمرافق وهذا هو الأصح، فإن قلنا بالأول .. ثبتت الشفعة في كل عقار، وإن قلنا بالأصح .. لم تثبت إلا فيما يجبر الشريك فيه على القسمة.

ومراده بـ (الحمام والرحى) الصغيران كما ذكره في (باب القسمة) واكتفى بدلالة كلامه عليه وبأن الغالب فيهما عدم الانقسام.

وإنما يقسم الحمام إذا كانت بيوته كبيرة بحيث يجيء منه حمامان.

وقد سبق أن الحمام يذكر وجمعه حمامات، والرحى جمع أرح.

فرع:

شريكان في مزارع قابلة للقسمة وفيها بئر، ولا يمكن انقسام المزارع دونها، فإن باع أحدهما نصيبه .. تثبت الشفعة لشريكه إن انقسمت البئر، وإلا .. فتثبت في المزرعة، وهل تثبت في البئر؟ وجهان:

أحدهما: نعم كتبعية الشجر للأرض.

ص: 225

وَلَا شُفْعَةَ إِلَاّ لِشَرِيكٍ،

ــ

وأصحهما: لا.

وفرقوا بأن الأشجار ثابتة في محل الشفعة والبئر بعيدة عنه.

قال الشيخ: وهذا يقتضي أن تكون صورة المسألة أن لا تكون البئر في المزرعة، فإن كانت فيها .. ثبتت الشفعة في جميع الأرض أصالة، وفي بناء البئر تبعاً وإن كانت لا تنقسم؛ لأنها في محل الشفعة.

قال: (ولا شفعة إلا لشريك) سواء كان معيناً أم لا، كما إذا كان لجهة كبيت المال فباع الشريك .. فللإمام الأخذ بالشفعة إذا كان فيه مصلحة؛ لعموم الأدلة.

وكذلك إذا كان لجهة خاصة كمسجد أو رباط بحيث يجوز بيعه عند الحاجة أو المصلحة.

فإذا باع الشريك حصته .. كان للناظر فيه الأخذ بالشفعة إذا رآه مصلحة، أما الجار .. فلا شفعة له ملاصقاً كان أو غيره؛ للأحاديث السابقة، وبهذا قال مالك وأحمد وأكثر أهل الحرمين.

وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة: تثبت للجار الملاصق، وكذا المقابل إن لم يكن الطريق بينهما نافذاً.

وخرج ابن سريج قولاً: إنها تثبت للجار الملاصق دون المقابل، واختاره الروياني، وعزاه بعضهم إلى القديم.

والحق: أن جميع ذلك لم يثبت، بل هو خروج عن المذهب.

ودخل في قوله: (لشريك) الحر والمكاتب والمسلم والذمي وهو كذلك بالاتفاق.

وخرج: الموقوف عليه؛ فإنه لا يأخذ بالشفعة وإن ملكناه في الأصح لأنه ملك ناقص.

ص: 226

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا .. فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ: ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آَخَرُ إِلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إِلَى شارِعٍ،

ــ

فروع:

الأصح في زوائد (الروضة): أن قضاء الحنفي بشفعة الجوار لا ينقص؛ للأحاديث الدالة له، وإذا حكم الحنفي بها لشافعي .. ففي الحل باطناً خلاف لم يصحح الرافعي هنا ولا في (القضاء) شيئاً، والصحيح في (باب دعوى الدم والقسامة): الحل، وفي (كتاب الدعاوى) وفي (شرح المسند): وهو المعتمد.

وإذا كانت بينهما دار ومات أحدهما عن حمل فباع الآخر نصيبه .. فلا شفعة للحمل، فإن كان له وارث غير الحمل .. فله الشفعة، وإذا انفصل حياً .. لم يكن لوليه أن يأخذ شيئاً من الوارث.

وإذا باع الوصي أو القيم شقص صبي وهو شريكه .. لا شفعة له أيضاً على الأصح؛ لأنه لو تمكن منه لم يؤمن أن يسامح في الثمن، ولهذا لا يبيعه مال نفسه، أما إذا اشترى شقصاً للطفل وهو شريكه في العقار .. فله الشفعة على الأصح؛ إذ لا تهمة.

وقيل: لا؛ لأن الشراء والأخذ تعليق عهدة بالصبي من غير نفع له.

قال: (ولو باع داراً وله شريك في ممرها .. فلا شفعة له فيها)؛ لأنه لا شركة له في الدار.

وخرج ابن سريج قولاً: إنها تثبت؛ لأنه شريك في الممر وبه قال أبو حنيفة ومالك.

قال: (والصحيح: ثبوتها في الممر إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار، أو أمكن فتح باب إلى شارع)؛ لأنه لا ضرر على المشتري في الأخذ حينئذ.

وهذا إذا كان قابلاً للقسمة؛ وإلا .. فعلى الخلاف في غير المنقسم.

ص: 227

وَإِلَاّ .. فَلَا. وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ،

ــ

والثاني: إن كان في اتخاذ الممر الحادث عسر أو مؤنة لها وقع .. وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي.

قال: (وإلا .. فلا) أي: إن لم يكن للمشتري طريق آخر إلى الدار ولا أمكن فتح باب إلى شارع .. فلا تثبت الشفعة في الأصح؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري.

والثاني: تثبت الشفعة لأهل الممر، والمشتري هو الذي أضر نفسه حيث اشترى مثل هذه الدار، وهذا يصحح بيع دار لا ممر لها.

والثالث: أنه يقال لهم: إن أخذتموه على أن تمكنوا المشتري من المرور .. فلكم الأخذ، وإن أبيتم تمكينه منه .. فلا شفعة لكم جميعاً بين الحقين، وهذا يبطل بيع دار لا ممر لها.

كل هذا عند ضيق الممر، فإن اتسع وأمكن منه ممر للمشتري .. ثبت في الباقي قطعاً، وفيما لا يتأتى المرور به الأوجه.

قال: (وإنما تثبت فيما ملك بمعوضة ملكاً لازماً متأخراً عن ملك الشفيع) فلا تثبت في الشقص المملوك بغير معاوضة، وتثبت في المملوك بالمعاوضة سواء كانت محضة أو غير محضة.

واحترز عن المملوك بالإرث والهبة والوصية والفسخ فإنه لا يؤخذ بالشفعة؛ لأن الوارث لم يدخل على الشريك ضرراً، والمتهب والموصى له في معناه فإنهما ملكاً من غير عوض، فإن اقتضت الهبة الثواب .. فالأصح ثبوت الشفعة فيها، والعائد بالفسخ لا شفعة فيه.

وصورته: أن يعلم الشفيع بالبيع ولم يأخذ، ثم يحصل الفسخ فيه بعيب أو إقالة أو فلس ونحو ذلك، فإن لم يعلم بالبيع إلا بعد حصول الفسخ .. جاز أن يرد الفسخ ويأخذ بالعقد السابق.

واحترز بقوله: (متأخراً عن ملك الشفيع) عما سيأتي فيما إذا اشترى اثنان داراً أو بعضها.

ص: 228

كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَاسِ مَالِ سَلَمٍ

ــ

قال: (كمبيع) مثال لما ملك بمعاوضة محضة، وتعبيره بـ (المبيع) بالميم أصوب من تعبير (المحرر) بدونها؛ لأن الشرط الواقع في عقد البيع قد يكون في المبيع وقد يكون في الثمن المعين.

قال: (ومهر) مثال لغير المحضة؛ لأنه عوض النكاح.

وقال أبو حنيفة: لا تثبت فيه الشفعة؛ لأنه إباحة، لأن المرأة لو وطئت بشبهة .. فالمهر لها لا للزوج.

وأجاب الشيخ أو حامد بأنه إنما كان لها لأن الزوج إنما تملك منافع البضع بالاستيفاء فقط.

قال: (وعوض خلع وصلح دم)؛ لأن عوض الخلع كالمهر، والصلح عن الدم معاوضة غير محضة.

أما الصلح عن أرش الجنايات – إذا صححناه- .. فهو معاوضة محضة تثبت فيها الشفعة.

قال: (ونجوم): أي وعوض نجوم، والمراد: أنه كاتبه على نجوم وملك بعد ذلك شقصاً تصدق به عليه، أو وهب منه، أو اشتراه وعاف الشريك عن شفعته حينئذ فدفع الشقص إلى السيد عن نجومه وحيئنذ هي معاوضة محضة، وليس المقصود أن الكتابة وردت على الشقص؛ لأن عوض الكتابة لا يكون إلا منجماً.

لكن سيأتي في الكتابة أنه لا يصح الاعتياض عن النجوم في الأصح، وجزم به في الكتاب، والمذكور في (الروضة) و (المنهاج) و (أصلهما) مفرع على وجه ضعيف هناك، لكن الشيخ صحيح الصحة وعضده بنص الشافعي صريحاً وبكلام ابن الصباغ والمحاملي والماوردي، وتعجب من تصحيح الرافعي المنع كما سيأتي.

قال: (وأجرة)؛ لأنها يصح الاعتياض عنها.

قال: (ورأس مال سلم)؛ لأنه في معناه، فإن اشترى شقصاً ثم قايل البائع فإن

ص: 229

وَلَوْ شُرِطَ في الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ .. لَمْ يُؤْخَذْ بالشُّفْعةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ .. فَالأَظْهَرْ: أَنَّه وَيُؤْخَذُ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي،

ــ

جعلنا الإقالة بيعا .. فكما لو باعه، وإن جعلناها فسخا .. فكما لو رده بعيب، وسيأتي حكمهما.

وإذا جعل الشقص جعلا لمن يعمل له عملاً .. جاز أخذه بالشفعة.

ثم قوله: (ورأس مال سلم) يتعين عطفه على مبيع؛ لأن المقصود أن يكون الشقص رأس مال سلم، ولا يجوز أن يقدم:(وعوض رأس مال سلم)؛ لأن رأس مال السلم لا يعتاض عنه.

ولو قال لمستولدته: إن خدمت أولادي شهراً بعد موتي .. فلك هذا الشقص، فخدمتهم .. استحقه ولا شفعة فيه في الأصح؛ لأنه وصية.

فرع:

اشترى شقصاً وأوصى به ومات وطالب الشفيع .. فهو أولى من الموصى له، فإذا أخذ .. سقط حق الموصى له به وكان الثمن للورثة؛ لأنه أوصى بالشقص لا بعوضه، ويخالف ما لو أوصى لإنسان بعين ثم أتلفت .. فالقيمة للموصى له؛ لأن القيمة بدلها، وما يؤخذ من الشفيع ليس بدل الشقص، ولكنه بدل الثمن المبذول ولا حق للموصى له فيه.

قال: (ولو شرط في البيع الخيار لهما أو للبائع .. لم يؤخذ بالشفعة حتى ينقطع الخيار)؛ لما فيه من قطع خيار البائع، سواء حكمنا بانتقال الملك أم لا.

ولو عبر بـ (لو ثبت) .. كان أولى؛ ليشمل خيار المجلس فإنه كخيار الشرط في هذا الحكم.

وقوله: (لهما) لم يذكره في (المحرر) وحذفه أولى؛ لأن المانع ثبوته للبائع.

قوله: (وإن شرط للمشتري وحده .. فالأظهر: أنه يؤخذ إن قلنا: الملك للمشتري)؛

ص: 230

وَإِلَاّ .. فَلَا. وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ .. فَالأَظْهَرُ: إِجَابَةُ الشَّفِيعِ

ــ

لأنه لا حق فيه لغيره.

والثاني: لا يؤخذ؛ لأن المشتري لم يرض بلزوم العقد والأخذ يؤدي إلى لزومه، وقد يقال: هذا يعكر على قوله أولاً: (ملكاً لازماً) وكذا مسألة الرد بالعيب الآتية، اللهم إلا أن يقال: مراده لازماً من جهة البائع، لكن فيه تعسف.

قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا قلنا: الملك للبائع أو موقوف .. لا يؤخذ بالشفعة حتى ينقضي الخيار؛ لأنها إنما يؤخذ من المشتري، وقيل: يؤخذ لانقطاع سلطنة البائع.

فرع:

ليس القبض شرطاً في ثبوتها، بل له المطالبة فبله اتفاقاً، ولكن هل يجبر المشتري على القبض ويأخذ منه، أو يأخذ من يد البائع ويقوم قبضه مقام قبض المشتري؟ فيه وجهان.

قال: (ولو وجد المشتري بالشقص عيباً وأراد رده بالعيب وأراد الشفيع أخذه ويرضى بالعيب .. فالأظهر: إجابة الشفيع)؛ لأن حقه سابق على حق المشتري فإنه ثابت بالبيع، ولأن غرض المشتري الوصول إلى الثمن وهذا حاصل بأخذ الشفيع.

والثاني: إجابة المشتري؛ لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد، وكذلك الحكم إذا وجد البائع بالثمن المعين عيباً؛ وعلى الأظهر: لو رده قبل المطالبة .. فللشفيع إبطال الرد وأخذه في الأصح.

و (الشقص) بكسر الشين: القطعة من الشيء.

ص: 231

وَلَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا .. فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآَخَرِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي أَرْضٍ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَاخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ، بَلْ حِصِّتَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إِحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي

ــ

فرع:

تصح المقابلة بين الشفيع والمشتري بعد الأخذ كما في البيع، ولا تصح بين الشفيع والبائع.

قال: (ولو اشترى اثنان داراً أو بعضها .. فلا شفعة لأحدهما على الآخر)؛ لأنهما مستويان في وقت حصول الملك، وهذه المسألة هي التي احترز عنها بقوله:(متأخراً عن ملك الشفيع) وكان الصواب أن يقول: عن سبب ملك الشفيع.

قال: (ولو كان للمشتري شرك في أرض .. فالأصح: أن الشريك لا يأخذ كل المبيع، بل حصته) وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني؛ لأنه والمشتري شريكان فيستويان كما لو اشترى أجنبي.

وصورة المسألة: دار بين ثلاثة أثلاثاً، اشترى أحدهما نصيب صاحبه .. فيأخذ الثالث السدس فقط؛ لأنهما مستويان في الشركة، والثاني يأخذ الجميع وهو الثلث؛ لأن الشفعة تستحق عليه فلا يستحقها هو، وهذا رأي ابن سريج.

قال: (ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم حاكم)؛ لثبوته بالنص.

قال: (ولا إحضار الثمن) قياساً على البيع.

قال: (ولا حضور المشتري) كالرد بالعيب، وذهب الصعلوكي إلى أن حضور المشتري أو وكيله شرط، واستشكل في (المطلب) هذا بما سيأتي بعد من أنه لا بد

ص: 232

وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنَ الشَّفِيع كَتَمَلَّكْتُ أَوْ أَخَذْتُ بِالشُّفْعَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ: إِمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ .. مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ. وَإِمَّا رِضَا الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إِذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الأَصَحِّ

ــ

في التمليك مع اللفظ من أحد هذه الأمور ثم قال: وأقرب ما يمكن أن يحمل عليه أن مجموع الثلاثة لا يشترط وهذا بعيد مع تكرار (لا).

قال: (ويشترط لفظ من الشفيع)؛ لما سبق في البيع من عدم الاكتفاء بالمعاطاة.

قال: (كتملكت أو أخذت بالشفعة) وكذا ما أشبههما مما يدل على ذلك ولهذا قال الماوردي: الشفعة تثبت بالبيع وتستحق بالطلب وتملك بالأخذ.

قال: (ويشترط مع ذلك: إما تسليم العوض إلى المشتري، فإذا تسلمه أو ألزمه القاضي التسلم) أي: بضم اللام (.. ملك الشفيع الشقص)؛ لأنه واصل لحقه في الحالة الأولى ومقصر في الثانية.

قال: (وإما رضا المشتري بكون العوض في ذمته)؛ لأنه معاوضة والملك فيها لا يتوقف على القبض.

وقيل: لابد من القبض؛ لأن رضى المشتري بدونه وعد.

قال: (وإما قضاء القاضي له بالشفعة إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيملك به في الأصح)؛ لأن اختيار التملك قد تأكد بحكم الحاكم.

والثاني: لا يملك بذلك؛ لأنه لم يرض بذمته، وهذا هو المقابل لقول المصنف:(فيملك به في الأصح) والمراد القضاء بثبوت حق الشفعة لا بالملك.

تنبيهات:

أحدها: أهمل الرافعي والمصنف شرطاً رابعاً في (الشرح) و (الروضة) وهو: إشهاد عدلين على الطلب واختيار الشفعة، لكن الأظهر في (الوجيز) عدم

ص: 233

وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

ــ

اشتراطه، ولم يفرقوا بين أن يقدر على الحاكم أم لا.

قال في (المطلب): ولو قيد بحالة الفقد كما في مسألة هرب الجمال ونظائرها حيث تقام مقام القضاء .. لم يبعد.

الثاني: يشترط في التمليك العلم بالثمن ولا يشترط ذلك في الطلب، فلو قال الشفيع للمشتري: بكم اشتريت .. لم تبطل شفعته في الأصح، وقطع العراقيون ببطلانها.

الثالث: إذا تملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول .. لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن وإن تسلمه المشتري قبل أدائه، ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه، وإذا لم يكن الثمن حاضراً وقت التمليك .. أمهل ثلاثة أيام، فإذا انقضت ولم يحضره .. فسخ القاضي تملكه.

وقيل: إذا قصر في الأداء .. بطل حقه وإن لم يوجد رفع إلى الحاكم.

وقيل: إن المشتري يفسخ.

وقيل: يحبس الشفيع حتى يوفي الثمن.

قال: (ولا يتملك شقصاً لم يره الشفيع على المذهب) بناء على منع بيع الغائب، وليس للمشتري منعه من الرؤية.

والطريقة الثانية: القطع بالمنع؛ لأن شراء الغائب لابد فيه من الخيار، وإثباته هنا غير ممكن؛ لأنه يؤخذ قهراً، وفي (الوسيط) طريقة قاطعة بالصحة.

تتمة:

إذا استقرض من إنسان شقصاً .. فالقرض صحيح، وللشفيع أخذه بالشفعة سواء

ص: 234