الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
لَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِعُذْرٍ، كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ
ــ
تتمة:
سلم ثوباً إلى قصار ليقصره فجحده ثم أتى به مقصوراً .. استحق الأجرة إن قصره ثم جحده، وإن جحده ثم قصره .. فوجهان؛ لأنه عمل لنفسه، قال: المصنف ينبغي أن يكون أصحهما الفرق بين أن يقصد بعمله نفسه فلا أجرة له، أو يقصد عمله عن الإجارة الواجبة فيستحق الأجرة.
والأصح: أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء وحصول غرض المستأجر، كذا صححه الرافعي والمصنف في (كتاب الحج)، وهذه المسألة التي امتحن بها أبو حنيفة أبا يوسف لما انفرد عنه فأطلق الجواب فقال أبو حنيفة: الصواب التفصيل، ثم قال: يا أبا يوسف زببت قبل أن تحصرم.
قال: (فصل:
لا تنفسخ الإجارة بعذر) سواء كان من المؤجر أو المستأجر، وسواء في ذلك إجارة العين والذمة، ولا يثبت به فسخ أيضاً وبه قال مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة.
لنا: أنه لا خلل في المعقود عليه.
قال: (كتعذر وقود حمام) هو بفتح الواو وهو: الشيء الذي يوقد قال الله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} .
هذا إذا استأجره لإدارته حماما؛ لأن التعطيل ليس لأمر يرجع إلى الحمام بل لأمر خارج.
نعم؛ في (البحر): أن عدم دخول الناس الحمام المستأجر بسبب فتنة حادثة أو خراب الناحية عيب، قال: ولا كذلك الحانوت والدار فإنهما يستأجران للسكنى، وهي ممكنة على كل حال.
وَسَفَرٍ، وَمَرَضِ مُسْتاجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ.
ــ
ولا تجوز إجارة الحمام بشرط أن تكون مدة العطلة بسبب العمارة ونحوها محسوبة على المستأجر ولا على المؤجر.
ووقع في (الفتاوى): أن رجلا اكترى مركباً من عادة الناس التفرج فيها في النهر، فمنع أمير البلد التفرج .. فأجيب: لا تنفسخ الإجارة بذلك.
ورجل استأجر حانوتاً خارج البلد، فنزل العسكر على البلد وأغلق الباب وتعذر انتفاع المستأجر بالحانوت، وحيل بينه وبينه وأخذت أبوابه .. فأجاب ابن عبد السلام بأن عليه الأجرة إلى أن يفسخ، وأجاب ابن الصلاح بأنه لا تلزمه أجرة في أيام العطلة، وهو مشكل.
قال: (وسفر) أي: إذا استأجر دابة ليسافر عليها ولا يتمكن من السفر إلا مع السفر، وهم المسافرون، كصاحب وصحب، وراكب وركب، وشارب وشرب، فتعذر خروجهم في ذلك الوقت.
قال: (ومرض مستأجر دابة لسفر) كل ذلك لا يقتضي الفسخ، وكذلك إذا مرض مؤجرها وتعذر خروجه معها.
فإن قيل: المنفعة المعقود عليها تعذرت .. فالجواب أن تعذرها لمعنى خارج عن المعقود عليه لا يؤثر في العقد، وهذا في غير التعذر الشرعي كما تقدم فيما لو استأجره لقلع سن وجعه فزال الألم .. فذلك ينفسخ عند الأكثرين.
ويستثنى ما لو أجر أحد الشريكين نصيبه من الدار وقلنا: لا يجبر الشريك على المهايأة .. فله أن يفسخ الإجارة كما أفتى به القفال.
فرع:
إفلاس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة يوجب للأجير الفسخ كذا أطلقه الرافعي في (باب التلفيس)، وأفتى ابن الصلاح بأن الإجارة لا تنفسخ بالإفلاس إذا
وَلَوِ اسْتَاجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِجَةٍ .. فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْء مِنَ الأُجْرَةِ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي فِي الأَظْهرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنَ الْمُسَمَّى.
ــ
كانت الأجرة تستحق آخر كل شهر؛ لأن الأجرة قبل انقضاء الشهر لم تستحق وبعده فاتت المنفعة، وهكذا العمل في كل شهر، وحينئذ فلا يتصور فيها الفسخ، وإنما يتصور إذا كانت الإجارة كلها حالة.
قال: (ولو استأجر أرضاً للزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة .. فلي له الفسخ ولا حط شيء من الأجرة)؛ لأن الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض، فصار كما لو أكراه دكانا ليبيع البز فسرق منها بز أو احترق .. فإن الإجارة لا تنفسخ، اللهم إلا أن تفسد الأرض أو تبطل قوتها بتلك الجائحة في مدة الإجارة .. فإنها تنفسخ في المدة الباقية، ثم إن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع فهل يسترد شيئاً من الأجرة؟ فيه احتمالان للإمام.
قال: (وتنفسخ بموت الدابة والجير المعينين في المستقبل) لفوات المنفعة المعقود عليها كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل القبض.
قال: (لا الماضي في الأظهر)؛ لأنه استقر بالقبض.
والثاني: تنفسخ فيه أيضاً؛ لأن العقد واحد وقد انفسخ في جميع المدة.
وتعبيره بـ (الأظهر) يقتضي ترجيح طريقة القولين، والأصح: طريقة القطع بالمنع، ثم إن المصنف فرع على الأول.
قال: (فيستقر قسطه من المسمى) بأن يقوم المنفعة في المدتين الماضية والباقية، ويوزع المسمى على نسبة القيمة فيهما، كما يوزع الثمن على نسبة الأعيان إذا تلف بعضها قبل القبض.
ثم الاعتبار بتقويم المنفعة حالة العقد لا بما بعده كما صرح به القاضي حسين.
وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
ــ
قال: (ولا تنفسخ بموت المتعاقدين) إذا كانت إجارة ذمة؛ لأنها عقد لازم كالبيع، وعلم منه أنها لا تنفسخ بموت أحدهما من باب أولى، وقال أبو حنيفة: تنفسخ.
لنا: القياس على البيع، وعلى ما لو زوج أمته ثم مات، وإنما انفسخت بموت الأجير المعين؛ لأنه مورد العقد، فإذا مات المستأجر .. استوفى وارثه المنفعة أو الأجر وتركت العين عند المستأجر إلى انقضاء المدة.
وأصل الخلاف بين الإمامين: أن الشافعي يرى أن المستأجر ملك جميع المنفعة بالعقد فتحدث على ملكه، وأبو حنيفة يرى أنها تحدث على ملك المؤجر شيئاً فشيئاً ثم تنتقل إلى المستأجر فلذلك قال بالانفساخ وتستثنى صور:
إحداها: الأجير المعين كما تقدم.
الثانية: ما إذا أوصى بدار لزيد مدة عمر زيد وقبل الوصية وأجرها زيد ثم مات في أثناء المدة .. فإن الإجارة تنفسخ؛ لانتهاء حقه بموته، وإن كان الرافعي قد جزم في (باب الوصية) بأن الموصى له لا يؤجره.
الثالثة: الموقوف عليه إذا أجر بطريق النظر المشروط له فيما يتعلق به.
الرابعة: المقطع إذا أجر كما تقدم.
الخامسة: إذا استأجر من أبيه وأقبضه الأجرة ثم مات الأب والابن حائز .. فيسقط حكم الإجارة، فإن كان على أبيه دين .. ضارب مع الغرماء، وإن كان معه ابن آخر .. انفسخت الإجارة في حصة المستأجر ورجع نصف الأجرة في تركة أبيه.
السادسة: لو أجر عبده المعلق عتقه بصفة فوجدت مع موته أو أم ولده .. فالأصح انفساخها بموته خلافاً لما اقتضاه كلام الرافعي في (باب الوقف).
وَمْتَوَلِّي الْوَقْفِ. وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنَ الأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوِ الْوَلِيُّ صَبِيّاً مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالاِحْتِلَامِ .. فَالأَصَحُّ: انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ
ــ
فرع:
استأجر داراً أو حانوتاً بأجرة معينة ومات وعليه أجرة .. أخذت من تركته، فإن كان غرماء .. ضارب معهم المالك ولم يقدم على غيره.
قال: (ومتولي الوقف) فلا تنفسخ بموته سواء فيه الحاكم ومنصوبه والمشروط له فيه النظر مطلقاً، وكذلك الواقف إذا قلنا: له النظر؛ لأنه ناظر للجميع فلا يختص تصرفه ببعض الموقوف عليهم.
وقيل: تنفسخ، قال الرافعي: وهو كالخلاف فيما إذا أجر الولي الصبي فبلغ في المدة بالاحتلام، وقال الشيخ: ليس مثله؛ لأنه لا نظر للولي على الصبي بعد الاحتلام، وأما ناظر الوقف .. فنظره على جميع البطون، ثم محل هذا الوجه الذي حكى- على بعده- في غير الحاكم أو أمينه أو الواقف حيث كان له النظر.
قال: (ولو أجر البطن الأول مدة ومات قبل تمامها، أو الولي صبياً مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام) أي: رشيداً؛ لأنه إذا بلغ سفيها استمرت على الوجهين.
واحترز بقوله (لا يبلغ فيها بالسن) عما إذا كان ابن عشر سنين فأجره سبع سنين؛ فإنه يبطل في الزائد عند الجمهور.
قال: (.. فالأصح: انفساخها في الوقف)؛ لأن المنافع بعد موته لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة عنه.
والثاني: لا تنفسخ كما لو أجر ملكه ومات وإن لم يملك المنافع بعد موته، وصحح هذا صاحبا (الحاوي) و (المهذب)، قال الروياني: وهو القياس، والخلاف مبني على أن البطن الثاني يتلقون من الواقف أو من البطن الأول، والأصح: الأول وبه يظهر ترجيح الانفساخ.
لَا الصَّبِيِّ،
ــ
وقد استشكلت صورة الوقف؛ لأن البطن الأول إن شرط له النظر .. فهو متول وقد سبق أنه لا تنفسخ بموته، وإلا .. فلا نظر له إلا على قول ضعيف، وصورها ابن الصباغ وسليم وصاحب (الاستقصاء) بأن يكون شرط النظر لكل بطن في حصته فلا يتعلق بما بعده، لكنه يصير كولي الصبي فيلغو الفرق.
واختار الشيخ أنه تنفسخ إذا أجر بحكم الملك، أو شرط النظر له في حصته فقط، فإن أطلق النظر للموقوف عليه واقتضى الحال نظر كل في زمنه .. لم تنفسخ؛ لأنها صحت بنظر شامل فلا تبطل بنظر ثان.
فرع:
للموقوف عليه إذا كان ناظراً أن يؤجر بدون أجرة المثل، فإذا مات حينئذ .. قال ابن الرفعة: يظهر الجزم بالانفساخ.
قال: (لا الصبي)؛ لأنه كان وليا حين تصرفه، ومبنى تصرفه على المصلحة فيلزم كما لو باع له شيئاً أو اشترى.
والثاني: تنفسخ لخروج الزائد عن ولايته، وصححه ابن أبي عصرون، والذي صححه المصنف في الصبي تابع فيه (المحرر)، ونقل في (الشرحين) و (الروضة) ترجيح كل منهما عن جماعة، وقال في زوائده: إن الرافعي صحح الانفساخ في (المحرر) وهو سبق قلم.
ولا فرق في جريان الوجهين عند الجمهور بين أن يؤجر الصبي أو شيئاً من ماله، وقيل: تستمر في ماله ولا تستمر في نفسه، وإذا لم تنفسخ فلا خيار للصبي في الأصح.
وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ، لَا انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ.
ــ
تنبيهان:
أحدهما: عبارته تفهم أنه تجوز إجارة الطفل من الولي أبا كان أو جدًا أو وصيًا أو قيمًا وهو المذهب، وفيه وجه حكاه الإمام؛ لما فيه من الإذلال، وكذلك تجوز إجارة ماله لكن لا تجاوز مدة البلوغ، فإن مات الصبي في أثناء المدة .. بطلت الإجارة في نفسه دون ماله، قاله البندنيجي.
الثاني: عبر المصنف- كالجمهور- بـ (الانفساخ) وعدمه، واستبعدها جماعة؛ لأن الانفساخ يشعر بسبق الانعقاد وقالوا: الخلاف أنا هل نتبين البطلان لظهور تصرفه في غير ملكه أو لا؟ وللشيخ في ذلك بحث نفسي، وإذا عبرنا بالانفساخ .. كان من التفريق في الدوام، وإن عبرنا بالبطلان .. فمن التفريق في الابتداء.
قال: (وأنها تنفسخ بانهدام الدار)؛ لزوال الاسم وفوات النفعة.
قال: (لا انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة)؛ لبقاء اسم الأرض مع إمكان زراعتها بغير الماء المنقطع.
قال: (بل يثبت الخيار) للعيب وهو على التراخي كما صرح به الماوردي؛ لأن سببه تعذر قبض المنفعة، وذلك يتكرر بتكرر الزمان، وصحح صاحب (الاستقصاء) ثبوت الخيار في هذه الحالة.
وفي عطف المسألة على ما قبلها نظر، بل الصواب التعبير فيها بالمذهب أو الأظهر؛ لأن الشافعي نصر على أن انهدام الدار يقتضي الانفساخ، ونص على أنه إذا استأجر أرضاً للزراعة وله ما معتاد فانقطع .. أن له الفسخ، فمن الأصحاب من قرر النصين، والأصح قولان فيهما:
أحدهما: الانفساخ لفوات المقصود.
وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الخِيَارَ
ــ
والثاني: المنع لما تقدم.
واحترز بـ (الانقطاع) عما لو غرقت الأرض بماء نبع فيها أو سيل .. فإنه كانهدام الدار كما صرح به الرافعي هنا، وكلامه في (باب المبيع قبل القبض) يخالفه.
وموضع ثبوت الخيار إذا لم يبادر بسوق الماء إليها، فإن فعل .. سقط الخيار، أما مجرد الوعد بأنه يسوق الماء .. فينبغي أن لا يكتفي به كما صرح به الماوردي.
وأما لو تشعثت الدار ولم تنهدم .. فإنها لا تنفسخ، بل يثبت الخيار على التراخي كما تقدم التنبيه عليه عند قول المصنف:(ويثبت الخيار بعيبها).
فرع:
لو انهدم بيت من الدار .. انفسخ العقد فيه، وفي الباقي قولان، فإن قلنا: لا ينفسخ .. ثبت الخيار، وتعطل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل في الأبنية أو لنقص الماء في البئر ونحوه كانهدام الدار، وكذا لو استأجر قناة فانقطع ماؤها، فلو نقص .. يثبت الخيار ولم تنفسخ.
قال: (وغصب الدابة وإباق العبد يثبت الخيار)؛ لتعذر الاستيفاء فتنفسخ فيما بقي، وفيما مضى الخلاف.
هذا إذا كانت الإجارة على العين، فإن كانت على الذمة .. فلا، بل على المؤجر الإبدال، فإن امتنع .. استؤجر عليه، فإن بادر المؤجر إلى خلاصها قبل مضي مدة لمثلها أجرة .. سقط الخيار.
ومحله أيضاً إذا لم يكن بتفريط من المستأجر، فإن فرط .. لزمه المسمى، كما لو فرط في الرقبة .. فإنه يضمنها.
وَلَوْ أَكْرَى جِمَالاً وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي .. رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ،
ــ
مهمة:
مسألة (المحرر) و (المنهاج) إذا غصب العين من غير مضي المدة، أما إذا انقضت المدة .. فالذي نص عليه الشافعي والأصحاب فيها انفساخ الإجارة، وجزم في (تحرير التنبيه) بعدم الانفساخ، ثم المالك يخاصم الغاصب بحق الملك، وهل للمستأجر المخاصمة؟ فيه وجهان: الأصح: لا؛ لعدم ملك العين فأشبه المودع والمستعير والمرتهن، وجزم الرافعي في (كتاب الحج) بأن للمودع أن يخاصم، وجزم في آخر (الدعاوى) بأن للمرتهن أن يخاصم.
كل هذا إذا غصبه أجنبي، فإن غصبه المالك فطريقان:
أحدهما: كغصب الأجنبي.
والثاني: تنفسخ قطعاً، وإن كانت الغاصب المستأجر، ويتصور بأن يأخذ العين من الآجر من غير إذنه قبل إقباض الأجرة، والحكم فيه استقرار الأجرة.
فرع:
أجر عيناً ثم أقر بها .. فالأصح قبوله في العين دون المنفعة.
والثاني: يقبل فيهما ويبطل حق المستأجر وحكي عن نصه في (عيون المسائل).
والثالث: عكسه.
والرابع: إن كانت في يد المستأجر .. فلا تزال يده إلى انقضاء المدة، وإن كانت في يد المقر له .. لم تنزع.
قال: (ولو أكرى جمالاً) أي: بعينها أو في الذمة وسلمها.
قال: (وهرب وتركها عند المكتري .. راجع القاضي ليمونها من مال الجمال)، وكذلك مؤنة من يحفظها ويخدمها كما صرح به الماوردي.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً .. اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُكْتَرِي .. دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلَاّ .. جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ .. جَازَ فِي الأَظْهَرِ.
ــ
قال: (فإن لم يجد له مالاً .. اقترض عليه)؛ لأن ذلك الممكن، ولأن الحاكم هو الناظر في أموال الغائبين وقد تعين ذلك طريقاً.
والاقتراض إما من بيت المال، وإما من المكتري، أو من غيره، وهذا إذا لم يتبرع المكتري بالإنفاق، ويستوفي المكتري حقه من الجمال بمقتضى العقد.
واحترز بقوله: (تركها) عما لو أخذها معه، فإن كانت إجارة عين .. فله الفسخ، وإن كانت إجارة ذمة .. اكترى الحاكم عليه من ماله، فإن لم يكن .. اقترض عليه، فإن تعذر .. فله الفسخ.
قال: (فإن وثق) أي: القاضي (بالمكتري .. دفعه إليه) سواء اقترضه منه أم من غيره.
قال: (وإلا) أي: إن لم يثق به (.. جعله عند ثقة) لتعين ذلك طريقاً، هذا إذا لم يكن فيها فضل، فإن كان. بيع قبل القرض.
قال: (وله) أي: للقاضي (أن يبيع منها قدر النفقة)؛ للاحتياج إلى ذلك، ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجرة؛ لأنه محل ضرورة، قال الفوراني: ولا يجوز بيع جميعها خشية أن تؤكل أثمانها، وضعفه مجلي.
قال: (ولو أذن للمكتري في الإنفاق من ماله ليرجع .. جاز في الأظهر)؛ لأنه محل ضرورة كما لو استقرض منه وفدع إليه، ولأن الحاكم قد لا يجد غيره.
والثاني: المنع؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون القول قوله فيما يستحقه على غيره، بل يؤخذ المال منه ويدفع إلى أمين.
فعلى الأولى لو اختلفا في قدر ما أنفق .. فالصحيح أن القول قول المنفق إذا ادعى نفقة معتادة.
وعلى الأظهر: لو قدر له نفقة معتادة .. لم يزد عليها، فإن زاد .. كان متبرعاً بالزائد.
وَمَتَى قَبَضَ المُكْتَرِي الدَّارَ أَوِ الدَّابَّةَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ .. اسْتَقَرَّتِ الأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ، وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهِا وَمَضَتْ مُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ أَوِ الذِّمَّةِ إِذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ.
ــ
ولو أنفق المكتري بغير إذن الحاكم مع إمكانه .. لم يرجع، وإن لم يكن حاكم فأنفق وأشهد وشرط الرجوع .. رجع على الأصح.
قال: (ومتى قبض المكتري الدار أو الدابة وأمسكها حتى مضت مدة الإجارة .. استقرت الأجرة وإن لم ينتفع) سواء كانت إجارة عين أم ذمة؛ لأن المعقود عليه تلف تحت يد متملكه فلزمه بدله كالمبيع إذا تلف في يد المشتري، وهذا لا خلاف فيه كما قاله الإصطخري في (أدب القضاء).
وليس له الانتفاع بعد المدة، فإن فعل .. لزمه أجرة المثل مع المسمى.
وعبارة المصنف تفهم أنه لو عرضها عليه فامتنع ومضى زمان يمكن فهي الاستيفاء .. أن الأجرة لا تتقرر وليس كذلك، بل الحكم كذلك عندنا كما صرح به في (البحر) خلافاً لأبي حنيفة، وحاول ابن الرفعة تخريج وجه فيما إذا وضع البائع المبيع بين يدي المشتري .. أنه لا يكون إقباضا.
وسكت المصنف عما لو اكترى حراً وسلمه نفسه ولم يستعمله حتى مضت المدة، والذي عليه الأكثرون استقرار الأجرة بذلك خلافا للقفال.
قال: (وكذا لو اكترى دابة لركوب إلى موضع وقبضها ومضت مدة إمكان السير إليه)؛ لتمكنه من الانتفاع، وهذه الصورة في الإجارة المقدرة بالعمل، والتي قبلها في المقدرة بالمدة، لكن يرد عليها العرض كالتي قبلها.
قال: (وسواء فيه إجارة العين أو الذمة إذا سلم الدابة الموصوفة) لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكين.
وقوله: (فيه) أراد في المسألتين المتقدمتين المقدرة بمدة والمقدرة بعمل؛ لأن كلاً منهما قد يقع على العين وقد يقع على الذمة والحكم فيهما سواء، لكن يستثنى من
وَتَسْتَقِرُّ فِي الإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَستَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ .....
ــ
تسويته بينهما ما لو شردت الدابة من راكبها فإن نسب إلى تفريط .. ضمنها ولم يرجع بالأجرة، وإلا .. لم يضمنها.
قال الماوردي: ثم إن كانت الإجارة مقدرة بمدة ومضت والدابة شاردة .. بطلت سواء كانت معينة أو في الذمة، وإن كانت مقدرة بمسافة .. لم تبطل الإجارة؛ لبقاء المعقود عليه وإن تأخر قبضه، وللراكب الخيار بين المقدم والفسخ.
ويستثنى من إطلاقه إذا كان الامتناع لعذر في الدابة كمرضها أو لخوف في الطريق .. فلا أجرة على المستأجر؛ لأنه ممنوع من استيفاء حقه بنفسه وبغيره فافترقت إجارة العين والذمة في ذلك.
وقوله: (إذا سلم) متعلق بالذمة فقط.
قال: (وتستقر في الإجارة الفاسدة أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الصحيحة) سواء انتفع أم لا، وسواء كانت أجرة المثل أقل من المسمى أو أكثر؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، لكن يرد على إطلاقه التخلية؛ فإنها كالقبض في الصحيحة دون الفاسدة، بل يترتب الضمان فيها إلا بدخول الدار والقبض الحقيقي، وكذلك لو وضع بين يديه يكفي في الصحيحة دون الفاسدة.
ويستثنى من إيجاب أجرة المثل في الفاسدة: إذا عقد الإمام الذمة مع الكفار على سكنى الحجاز فسكنوا ومضت المدة .. فإنه يجب المسمى لتعذر إيجاب عوض المثل، فإن منفعة دار الإسلام في سنة لا يمكن أن تقابل بأجرة مثلها فتعين إيجاب المسمى، كذا قاله العبادي والهروي وشريح الروياني وغيرهم.
وكذا لو استأجر الإمام العامل بأكثر من أجرة المثل فهل تجب أجرة المثل لفساد الإجارة، أو المسمى والزيادة على الإمام في ماله؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة) في (قسم الصدقات): الأول.
واحترز بـ (الفاسدة) عن الباطلة كما لو استأجر صبي بالغاً فعمل عملاً .. فإنه لا يستحق شيئاً؛ لأنه الذي فوت على نفسه عمله، وتكون الإجارة باطلة لا فاسدة،
وَلَوْ أَكْرى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتِ .. انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ.
ــ
وكل عقد باطل يسقط فيه المسمى إلا مسألة واحدة وهي: إذا عقد الإمام الذمة مع الكفار على سكنى الحجاز، وستأتي في بابها.
قال: (ولو أكرى عيناً مدة ولم يسلمها حتى مضت .. انفسخت)؛ لفوات المعقود عليه قبل قبضه، وسواء أمسكها لاستيفاء الأجرة أم لغيره.
وقوله: (مضت) ليس بقيد، بل لو مضى بعضها .. انفسخ فيه، وفي الباقي الخلاف في تلف بعض المبيع قبل القبض، فإن قلنا: لا تنفسخ .. فللمستأجر الخيار ولا يبدل زمان بزمان.
تنبيه:
أفهمت عبارة المصنف: أنه لا يجب على المستأجر تسليم العين التي استأجره فيها، وقال الرافعي في الكلام على ما إذا استأجره لخياطة ثوب: قال الإمام: المتجه أنه لا يجب عليه ذلك، لكن تستقر عليه الأجرة إذا سلم الأجير نفسه.
قال ابن الرفعة: وهو ظاهر إذا قلنا: تستقر الأجرة بالتمكين ومضي المدة، وإلا .. فلا.
وذكر الرافعي في (المساقاة): أن من استأجر قصاراً لقصارة ثوب بعينه .. يكلف تسليمه إليه، وذكر في (باب المبيع قبل القبض) أن من استأجر صباغاً ليصبغ له ثوباً وسلمه إليه .. ليس له أن يبيعه ما لم يصبغه.
قال: (ولو لم يقدر مدة وأجر لركوب إلى موضع ولم يسلمها حتى مضت مدة السير .. فالأصح: أنها لا تنفسخ)؛ لأنها متعلقة بالمنفعة لا بالزمان ولم يتعذر استيفاؤها.
وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ،
ــ
والثاني: تنفسخ واختاره الإمام كما لو حبسها المكتري .. فعلى الأصح: لا خيار للمكتري، كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع ثم سلمه، في (الوسيط): يخير لتأخر حقه.
وقال ابن الرفعة: إنه الأوجه، وبه أجاب الماوردي؛ لأن الإجارة لا تراد للدوام فيفوت غرضه بالتأخير بخلاف الملك.
واحترز بـ (العين) عن إجارة الذمة إذا لم يسلم ما تستوفى منه المنفعة حتى مضت مدة يمكن استيفاؤها .. فلا فسخ، ولا انفساخ قطعًت؛ لأنه دين تأخر وفاؤه.
قال: (ولو أجر عبده ثم أعتقه .. فالأصح: أنه لا تنفسخ الإجارة)؛ لأنه أجر ملكه ثم طرأ ما يزيله فأشبه موته بعد الإجارة.
والثاني: تنفسخ كموت البطن الأول وضعفه الإمام، لا جرم عبر عنه في (الروضة) بالصحيح؛ لأن العتق لم يصادف إلا الرقبة مسلوبة المنافع، لاسيما إذا قلنا بالأصح وهو: أن المنفعة إنما تحدث على ملك المستأجر .. فيبطل إلحاقه بموت البطن الأول.
والذي ذكره المصنف محله في العتق المنجز، أما المعلق بصفة إذا أجره، فإن وجدت الصفة .. عتق العبد وانفسخت الإجارة، خلافاً لما اقتضاه كلام الرافعي في (باب الوقف).
ولو أجره ثم كاتبه .. لم تصح الكتابة كما جزم به المصنف في بابها وفي معنى العتق الوقف .. فيصح وقف المستأجر على المذهب كما صرح به في (الروضة) في بابه، ولا يرجع الموقوف عليه بشيء من الأجرة قولاً واحداً كما صرح به الماوردي؛ لأن الوقف مقصور على شرط واقفه.
قال: (وأنه لا خيار للعبد) أي: في فسخ الإجارة بعد العتق؛ لأن سيده تصرف في خالص ملكه فلا وجه للاعتراض عليه.
وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ
ــ
والثاني: له الخيار كما لو عتقت الأمة المزوجة برقيق، ومحل الوجهين إذا قلنا: لا تنفسخ.
قال: (والأظهر: أنه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق)؛ لأنه تصرف في منافعه حال ملكه فأشبه ما إذا زوج أمته واستقر مهرها بالدخول ثم أعتقها .. لا ترجع عليه بشيء، وهذا هو الجديد.
والثاني: يرجع بأجرة مثل تلك المدة الباقية؛ لأن المنافع تستوفى منه قهراً فصار كما لو أكرهه سيده على العمل، ومنهم من حكاهما وجهين، وكما لا يرجع عليه بالأجرة .. لا يطالبه بنفقة هذه المدة على الأصح، بل نفقته في بيت المال، وقيل: على سيده.
وعلى هذا فقيل: تجب بالغة ما بلغت، والأصح عند المصنف: الأقل منها ومن أجرة المثل.
وكما لا تنفسخ الإجارة بطروء الحرية لا تنفسخ بطروء الرق، فلو استأجر مسلم حربياً فاسترق، أو استأجر داراً في دار الحرب ثم ملكها المسلمون .. لم تنفسخ الإجارة قطعاً.
وقيل على الخلاف في الزوجة إذا سبيت، هل ينفسخ نكاحها؟ كذا قاله الشيخان في (باب السير).
فرع:
أجره ثم أعتقه ثم ظهر به عيب وفسخت الإجارة بعد العتق .. فالمنافع للعبد على الأصح، وقيل: للسيد.
ولو أجر أم ولده ومات في المدة .. عتقت، وفي بطلان الإجارة ما قيل في إيجار البطن الأول قاله الرافعي، ومقتضاه تصحيح الانفساخ، وسيأتي في (الوقف) في موت المستولدة الموقوفة ما يخالفه في تعليل المتولي.
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَاجَرَةِ لِلْمُكْتَرِي، وَلَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ فِي الأَصَحِّ،
ــ
قال: (ويصح بيع المستأجر للمكتري)؛ لأنها في يده من غير حائل فأشبه بيع المغصوب من الغاصب، ولأن الإجارة قد وردت على المنافع فلا يمنع بيع الرقبة كبيع الأمة المزوجة، وهذه متفق عليه.
وقال في (الوسيط): الظاهر الصحة، فأشعر بخلاف صرح به تلميذ محمد بن يحيى في (شرح الوسيط)، وأبو الخير سلامة بن جماعة المقدسي، وابن يونس في (شرح التعجيز).
وشرط جواز بيع المستأجر أن يعلم المشتري مقدار مدة الإجارة، فإن جهلها .. لم يصح.
فإن قيل: في صحة بيع العين المستأجرة من المستأجر إشكال؛ فإنه يصير كالمبيع المستثنى المنافع، فصار كما لو باعه الدار بشرط أن لا يسكنها شهراً .. فالجواب: أن هذا مستثنى شرعًا كما لو باع أمة حاملا بحر على رأي، بخلاف ما لو باع حاملاً واستثنى حملها.
فإن قيل: المشتري لا يبيع المبيع من البائع ولا من غيره فلما استوى البائع وغيره .. ينبغي أن يستوي المستأجر وغيره .. فالجواب: أن المانع من بيع المبيع عدم دخوله في ضمان المشتري ولا فرق فيه بين البائع والأجنبي، والمانع من بيع المستأجر حيلولة اليد وذلك غير موجود في المبيع من المستأجر.
قال: (ولا تنفسخ الإجارة في الأصح)؛ لأن الملك لا ينافيها، ولهذا يستأجر ملكه من مستأجره.
والثاني: أنها تنفسخ وهو قول ابن الحداد؛ لأنه إذا ملك الرقبة .. حدثت المنافع على ملكه، والإجارة والملك لا يجتمعان كما لو اشترى زوجته فعلى الأصح: يستوفي المنفعة بحكم الإجارة، حتى لو رد المبيع بعيب .. فله استيفاء بقية المدة.
ولو فسخ الإجارة بعيب أو تلفت العين .. رجع عليه بأجرة باقي المدة، وعلى الثاني: يسترد حصة ما بقى من الأجرة.
وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ .. جَازَ فِي الأظْهَرِ وَلَا تَنْفَسِخُ
ــ
قال: (ولو باعها لغيره .. جاز في الأظهر) سواء أذن المستأجر أم لا؛ لأن استثناء المنفعة فيه شرعي لا حسي، ولأن ثبوت العقد على المنفعة لا يمنع بيع الرقبة كالأمة المزوجة.
والثاني: المنع؛ لأن يد المستأجر مانعة من التسليم بحق فكانت أولى من يد الغاصب بالمنع.
وقال أبو حنيفة: ينعقد موقوفاً إن أجازه المستأجر .. نفذ، وإلا .. فلا.
وتستثنى من جريان الخلاف مسائل:
منها: إذا هرب الجمال وترك الجمال كما تقدم.
ومنها: إذا قال: أعتق عبدك عني على كذا فأعتقه عنه وهو مستأجر .. فإنه يصح قطعاً؛ لقوة العتق كما أفتى به القفال وارتضاه ابن الرفعة.
قال: (ولا تنفسخ) كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة وتترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدة، وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلاً، وإن كان عالماً .. فلا فسخ ولا أجرة لتلك المدة، والقولان في صحة بيع المستأجر يجريان في هبته من غيره، وفي رهنه طريقان:
إحداهما: طرد القولين.
والثانية: القطع بالبطلان، وتجوز الوصية به ووقفه.
تتمة:
أجر عيناً ثم باعها لغير المستأجر، ثم انفسخت الإجارة في المدة بما اقتضى الفسخ، فأجرة بقية المدة للبائع أو المشتري؟ فيه وجهان:
جواب ابن الحداد أنها للمشتري.
وقال أبو زيد: إنها للبائع، وبناهما المتولي على أن الفسخ إن رفع العقد من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حينه .. فتكون للبائع، أو من أصله .. فللمشتري.
ولو تقايلا الإجارة، فإن قلنا: الإقالة عقد .. عادت المنافع إلى البائع، وإن قلنا: فسخ .. فالصحيح أنها تعود إليه أيضاً؛ لأنها ترفع العقد من حينه قطعاً، وأفتى الشيخ بعودها إلى المشتري وفقاً لابن الحداد وبه قضى بدمشق.
ونظير المسألة: إذا أوصى بعبد لإنسان وبمنفعته لآخر فقبل الموصى له بالرقبة الوصية وردها الآخر، فمنفعته هل تعود إلى الموصى له بالرقبة أو إلى الوارث؟ فيه وجهان، قال ابن الرفعة: الذي يظهر: الجزم بأنها للورثة لإخراجها عن التبعية بالوصية لغير الموصى له بالرقبة.
* * *
خاتمة
استأجر رجلاً يعمل له مدة .. كان زمن الطهارة وصلاة الفرض والراتب مستثنى، ولا ينقص من الأجرة شيء، ولا فرق بين صلاة الجمعة وغيرها.
وقال ابن سريج: يجوز له ترك الجمعة بهذا السبب.
والسبوت في استئجاره اليهودي تقع مستثناة إذا اطرد عرفهم بذلك، كذا قاله الغزالي.
وقال أبو بكر الشامي: لا تستثنى ويلزم بالعمل فيها؛ لأن العبرة بشرعنا لا بما اعتقدوه.
فإن أسلم اليهودي .. ألزم بعمل يوم السبت؛ لأن الإجارة اشتملت على جميع المدة، وإنما امتنع الاستثناء لأمر عرفي مشروط باليهودية وقد زال ذلك بالإسلام،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتستثنى به بعد الإسلام أوقات الصلوات، كما لو استأجر امرأة فحاضت .. فأوقات الصلاة في زمن الحيض خرجت عن الاستثناء، ولا ينظر في ذلك إلى حال العقد، بل إلى حال الاستثناء.
وقال القاضي أبو الطيب: لا يجوز أن يشترط على المكتري سلفاً، فإن شرط ذلك .. أبطل العقد.
قال الشيخ: وأما عكس ذلك إذا شرط المكري على المكتري قرضاً ليزيد في الأجرة .. فهو أيضاً حرام؛ لأنه قرض جر منفعة، وهو الذي يسمونه التقوية.
وقال في (الأحياء): الأسواق التي ينالها السلاطين بالأموال الحرام يحرم سكناها والتجارة فيها.
وفي (فتاوى ابن الصلاح): أنه سئل عن ناظر في ملك أجره سنة بأجرة شهد الشهود أنها أجرة المثل يومئذ، ثم طرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل على ذلك .. فأجاب بأنه يتبين بطلان الإجارة والشهادة؛ فإن تقويم المنافع في مدة مستقبلة إنما تصح إذا استمرت الحال الموجودة، فأما إذا تغيرت .. فإنا نتبين أن التقويم لم يطابق، خلاف تقويم الأعيان، ثم أفتى في (كتاب الوقف) بعدم البطلان.
وأفتى الغزالي بأنه إذا جعل متاعاً في مسجد وأغلقه .. لزمه أجرة مثله.
قال المصنف: لا حاجة إلى تقييده بالإغلاق، فلو لم يغلقه .. ينبغي أن تجب عليه أجرته.
وحكى الغزالي وجهاً أن الأجرة لا تجب، فإن قلنا: تجب .. صرفت في مصالح المسلمين، وقال المصنف: تصرف في مصالح المسجد، ولو شغل جانباً منه .. وجبت أجرة ما شغل، ولو اقتصر على غلقه ومنع الصلاة فيه .. فلا أجرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفيها: إذا توجه الحبس على الأجير، إن أمكنه العمل في الحبس .. جمع بينهما، وإن تعذر، فإن كانت الإجارة على العين .. قدم حق المستأجر كما يقدم المرتهن، وأطلق البغوي في (فتاويه) القول بأنه يحبس وإن تعطل حق المستأجر.
وفي (فتاوى ابن الصلاح): لو استأجر رجلاً يقعد مكانه في الحبس مدة .. صح واستحق الأجرة؛ لأن المنافع كالأعيان وهذا استدعاء لإتلاف منافعه بعوض لغرض صحيح كما لو قال: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو طلق زوجتك وعلي ألف، وفيما قاله نظر؛ لأن الحبس عقوبة معلقة ببدن المحبوس فلا تتأتى فيه النيابة.
وفي (فتاوى البغوي): استأجره ليرعى بقرة شهراً أو سنة على أن يكون نتاجها للأجير، فرعاها ونتجت ثم سرقت وولدها .. يضمن الولد دون الأم؛ لأنه في يده بالبيع الفاسد، وهي بالإجارة الفاسدة.
* *