الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْقِرَاضِ
ــ
كتاب القراض
هو لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق، واشتقاق القراض: من القرض وهو: القطع؛ لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعة من ربحه، وقيل: مشتق من المساواة، يقال: تقارض الشاعران إذا تساويا فيما أنشداه.
واشتقاق المضاربة من الضرب في الأرض وهو: قطعها بالسفر؛ لأن أهل مكة كانوا يدفعون أموالهم للعمل يسافرون بها ابتغاء الربح، ثم لزمه هذا الاسم وإن لم يسافر العامل.
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} .
واشتهر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة في أموالها إلى الشام وأرسلت معه عبدها ميسرة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان العباس إذا دفع ماله مضاربة .. اشترط على عامله أن لا يسلك به بحراً، ولا ينزل به وادياً، ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل .. فهو ضامن، فرفع شرطة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه) رواه الدارقطني [3/ 78] لكن بإسناد ضعيف، وابن عدي [3/ 189]، وفي إسناده أبو الجارود الكوفي واسمه: زياد بن المنذر، قال ابن ميعن: كان كذاباً عدواً لله ليس يسوى فلساً، روى له الترمذي [2449] حديث (من أطعم مؤمناً على جوع ..) وإليه تنسب الطائفة الجارودية يقولون: إن علياً أفضل الصحابة، وإن الإمامة مقصورة على ولد فاطمة.
وروى مالك [2/ 687] عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه لما انصرف هو وأخوه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عبيد الله إلى غزوة نهاوند .. اجتازا بالعراق وعليها أبو موسى الأشعري فقال لهما: (إني أريد أن أصلكما بشيء، وليس عندي ما أصلكما به سوى مئة ألف من مال بيت المال، فاتجرا فيها، ثم سلما المال إلى أمير المؤمنين بالمدينة، والربح لكما) فأخذا المال واشتريا به من متاع العراق، فربحا بالمدينة ربحا كثيراً، ثم أخبرا عمر بذلك فقال:(أو أعطى كل رجل من المسلمين مثل ما أعطاكما؟ فقال: لا، فقال: إنما أعطاكما لمكانكما مني، فأديا المال والربح إلى بيت المال، فسكت عبد الله ولم يراجع أباه بشيء، وقال عبيد الله: أرأيت لو تلف هذا المال أما كان من ضماننا؟ قال: نعم، قال: فالربح لنا إذن، فأعاد عمر كلامه فراجعه عبيد الله فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً ففعل فأخذ منهما المال ونصف ربحه).
فإن قيل: كان المال قرضاً فكيف جعله قراضاً؟ .. فالجواب: أنه استطاب قلوبهما في نصف الربح، وللإمام ذلك إذا رآه مصلحة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن.
وحمله على ذلك ما فهمه من قصد أمير العراق إرفاقهما لكونهما ابني أمير المؤمنين، وقصد رعاية مصلحة بيت المال، وعليه نزل ابن سريج مشاطرة عمر لعماله؛ لأنهم كانوا يتجرون على جاه العمل بأموالهم، فنزل الجاه منزلة العامل وأخذ حصته لبيت المال.
والأصح: أن القراض مقيس على المساقاة؛ لأنها إنما جوزت للحاجة وهي موجودة في القراض.
وقيل: المساقاة مقيسة عليه، ولأجل قياس القراض على المساقاة كان تقديمها أولى على خلاف ترتيب المصنف وغيره.
وفي (سنن ابن ماجه)[2289]: عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالاً لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ: كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةٍ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ وَمغْشُوشٍ
ــ
(ثلاثة فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وخلط الشعير بالبر للبيت) لكنه ضعيف.
واختلف في حقيقة هذا العقد فقيل: أوله وكالة وآخره شركة.
وقيل: أوله وكالة وآخره جعالة.
فالأول على القول بأنه يملك الربح بالظهور، والثاني على أنه إنما يملك بالقسمة وقد جمع المصنف بين لفظي الباب فقال:
(القراض والمضاربة: أن يدفع إليه مالاً ليتجر فيه والربح مشترك) هذا حده الشرعي.
واحترز بـ (الاشتراك في الربح) عن الوكيل والعبد المأذون.
وخرج بلفظ (الدفع) ما إذا قارضه على دين .. فإنه لا يصح، سواء كان على العامل أم على غيره.
قال الشيخ: وقوله: (أن يدفع) قد يشاحح فيه، فإن القراض: العقد المقتضي للدفع لا نفس الدفع.
قال: (ويشترط لصحته: كون المال دراهم أو دنانير) أي: (خالصة)؛ لأن القراض عقد يشتمل على غرر، وإنما جاز للحاجة فاختص بما يسهل التجارة عليه ويروج غالباً وهو الأثمان، فلا يجوز في غيرهما، ويجوز أن يكون دراهم ودنانير معاً.
قال: (فلا يجوز على تبر وحلي)؛ لاختلاف قيمتها كالعروض.
و (التبر) بكسر التاء: الذهب والفضة قبل ضربهما، وقال الجوهري: لا يقال تبر إلا للذهب.
قال: (ومغشوش) أي: وإن راج وعلم قدر غشه؛ لأنه عرض ونقد، فالنقد
وَعُرُوضٍ. وَمَعْلُوماً
ــ
الذي فيه لا يجوز القراض عليه بمفرده لاختلاطه، وفي وجه: يجوز في المغشوش الذي يروج رواج الخالص كما هو الصحيح في الشركة.
قال الشيخ: وأنا اختاره وأفتي به وأحكم، فإنه لا دليل على منع القراض به، وبه قال أبو حنيفة.
وفي وجه ثان: أنه يجوز على المغشوش والفلوس.
وثالث في زوائد (الروضة): أنه يجوز على كل مثلي.
وقال محمد بن الحسن: يجوز القراض على الفلوس استحساناً.
وبنى المتولي الخلاف في المغشوشة على جواز المعاملة بها، وفيها أوجه تقدمت في (الزكاة) ثالثها: إن كان الغش معلوماً .. جاز، وإلا .. امتنع.
والرابع: تصح المعاملة بها في العين دون الذمة كالحنطة المختلطة بالشعير.
قال: (وعروض)؛ لأن منها ما لا مثل له فلا يمكن رده، والذي له مثل قد تكون قيمته حال العقد أقل من قيمته حال الرد وذلك يؤدي إلى فوز المالك بجميع الربح، وأما العامل .. فبجزء من رأس المال.
وخرج باشتراط النقدية: المنافع، كسكنى الدار؛ فإنه لا يجوز القراض عليها؛ لأنه إذا لم يجز على العرض المعين الموجود .. فعلى المنافع المعدومة أولى.
قال: (ومعلوماً) أي: قدراً وصفة، فلو قارضه على صبرة أو كف من الدراهم أو نقد في كيس مجهول القدر .. لم يصح؛ للجهل بالربح، بخلاف رأس مال السلم، فإنه يجوز أن يكون القدر مجهولاً على الأظهر كما تقدم؛ لأنه لم يوضع ليفسخ بخلاف القراض.
ولو دفع إليه ثوباً وقال: بعه وإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه .. لم يجز؛ للجهالة ولما فيه من تعليق القراض، وكلاهما مبطل له.
مُعَيَّناً، وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى إِحدَى الصُّرَّتَيْنِ.
ــ
قال: (معيناً) فلا يجوز على الصبرة المجهولة وإن جاز أن يكون ثمناً قطعاً، فلو قارض على دراهم غير معينة ثم عينها في المجلس .. قطع القاضي والإمام بالجواز كما في الصرف ورأس مال السلم، ورجحه في (الشرح الصغير)، وقطع البغوي بمنعه.
قال: (وقيل: يجوز على إحدى الصرتين) أي: المعينتين لتساويهما، فعلى هذا: يتصرف العامل في أيهما شاء، فيتعين للقراض.
وضبط المصنف بخطه (الصرتين) بتشديد الراء عقب الصاد المهملة.
وهل تشترط الرؤية إن شرطناها في البيع أو لا؟ قال الشيخ: فيه نظر، والأقرب الثاني؛ لأنه توكيل ولعل عدول (المحرر) و (المنهاج) عن التعبير بأحد الألفين إلى إحدى الصرتين لهذه الفائدة، ولكن صورها الرافعي وصاحب (المهذب) بما إذا دفعهما إليه، فإن كان شرطاً .. فليقيد به إطلاق الكتاب، لكن أطلق الماوردي أنه لا يجوز القراض على مال غائب.
فروع:
يصح أن يقارضه على المال المودع عند غيره إذا كان قد رآه، وأن يقارض الغاصب على المغصوب على الأصح.
وقال المتولي لو كان بينه وبين غيره دراهم شركة فقال لشريكه: قارضتك على
وَمُسَلَّماً إِلَى الْعَامِلِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
ــ
نصيبي منها .. صح؛ لأن الإشاعة لا تمنع صحة التصرف.
وعلى هذا لو خلط ألفين بألف لغيره ثم قال: قارضتك على أحدهما وشاركتك عل الآخر فقبل .. جاز وانفرد العامل بالتصرف في ألف القراض، ويشتركان في التصرف في باقي المال، ولا يخرج على الخلاف في جمع الصفقة الواحدة عقدين مختلفين؛ لأنهما يرجعان إلى التوكيل في التصرف.
قال: (ومسلماً إلى العامل) فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك؛ لأن مقصود القراض التوسع، وعدم التسليم ينافيه؛ لأنه قد لا يجده وقت الحاجة.
وليس المراد اشتراط تسلمه حال العقد أو في المجلس، بل أن لا يشترط عدم تسليمه كما يشير إليه قوله:
(فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك) وكذلك لا يجوز أن يشترط عليه المراجعة في التصرف مطلقاً.
ولو شرط كون المال في يد وكيل رب المال، أو أن يكون عليه مشرفاً يطلع على تصرفه ولا يرجعه .. لم يصح أيضاً على الصحيح.
قال: (ولا عمله معه)؛ لأن موضوع القراض أن يكون المال من رب المال والعمل من العامل، وليس هذا مما احترز عنه بقوله:(مسلماً إلى العامل)، بل هو شرط آخر وهو: استقلال العامل بالتصرف، وقال أبو يحيى البلخي: يجوز على طريق المعاونة والتبعية، فلو شرط عليه أن يعطيه دابته يحمل عليها .. فالمذهب جوازه.
قال: (ويجوز شرط عمل غلام المالك معه على الصحيح)؛ لأنه ملك للسيد فجاز أن يجعل تبعاً لماله، وخالف عمل المالك؛ إذ لا وجه لجعله تبعاً.
والثاني: لا يجوز؛ لأن عمله كعمل سيده وهو القياس، وموضع هذا الخلاف إذا لم يصرح بالحجر على العامل، فإن صرح فقال: على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرف دونه، أو يكون بعض المال في يده .. فسد جزماً.
وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَاب وَطَيِّهَا، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلاً يَنْسُجُهُ وَيَبِيعُهُ .. فَسَدَ الْقِرَاضُ،
ــ
والمراد بـ (غلام المالك) عبده المعلوم بالمشاهدة أو الوصف، فإن لم يكن معلوماً .. فسد العقد، وإنما عبر بالغلام لكراهة إطلاق لفظ العبد على المملوك، والظاهر أن الموصى له بمنفعته والمستأجر كذلك، ولو لم يشترط الغلام معه ولكن شرط له جزاء من الربح .. صح، وهو للمالك، نص عليه.
تنبيه:
سكوته عن بيان ذكر نوع ما يتجر فيه مشعر بأنه لا يعتبر، ويحمل الإطلاق على العرف، وهو المصحح في (الروضة)، لكن جزم الجرجاني باشتراطه.
ولو قيل: إن اطرد العرف ببلد العقد بشيء نزل الإطلاق عليه وإلا وجب التعيين .. لكان متجهاً.
قال: (ووظيفة العامل التجارة وتوابعها كنشر الثياب وطيها) وهي الاسترباح بالبيع والشراء، لا الحرفة كالطحن والخبز.
و (الوظيفة) بالظاء المشالة، والجمع: وظائف، وهي: ما يتقدر على الإنسان في كل يوم ونحوه.
واحترز بقيد (التجارة) عن المسألة الآتية وهي: الطحن والخبز ونحوهما فإن العامل فيها يسمى محترفاً.
قال: (فلو قارضه ليشتري حنطة فيطحن ويخبز، أو غزلاً فينسجه ويبيعه .. فسد القراض)، وكذلك لو اشترط عليه أن يشتري الثوب ويقصره أو يصبغه أو يخيطه ويبيعه؛ لأنها أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فلا ضرورة إلى ارتكاب جهالة مستغنى عنها.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ
ــ
قال ابن الرفعة: فلو شرط أن يستأجر من يفعل ذلك من مال القراض وحظ العامل التصرف فقط .. فتظهر الصحة، فلو قارضه على نقد بمصر لينقله إلى الشام مثلاً ويشتري به هناك بضائع ويبيعها أو ينقلها إلى مصر ويبيعها بها .. ففي صحة العقد وجهان: ذهب الأكثرون إلى الفساد؛ لأن النقل عمل مقصود وقد شرطه مع التجارة.
وعلى هذا إذا سافر وتصرف .. صح ويستحق أجرة المثل دون المشروط، وعليه حمل بعض الأصحاب معاملة أبي موسى لولدي أمير المؤمنين عمر كما تقدم.
والثاني: يصح، وبه قال طائفة من المحققين، وقيده الإمام بالأموال الكثيرة والتجارات الثقيلة.
قال: (ولا يجوز أن يشرط عليه شراء متاع معين أو نوع يندر وجوده، أو معاملة شخص)؛ لأنه تضييق يخل بمقصود القراض.
ولو شرط شراء نوع لا يندر لكنه لا يدوم كالثمار الرطبة .. فالأصح الجواز، فلو قال: إذا انقطع فتصرف في غيره .. صح قطعاً.
ولو قال قبل إدراك البطيخ مثلاً: قارضتك على أنك تتصرف فيه إذا أدرك .. ففي صحته وجهان في (تعليق القاضي حسين).
ولو شرط التصرف في سوق معين .. صح، أو حانوت .. فلا؛ للتضييق، قاله الماوردي.
والإذن في البز تناول ما يلبس من منسوج من الإبريسم والقطن والكتاب والصوف
وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَةُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا .. فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الشِّرَاءِ بَعْدَهَا .. فَلا فِي الأَصَحِّ.
ــ
دون البسط والفرش، وفي الأكسية وجهان؛ لأنها ملبوسة، لكن لا يسمى بائعها بزازاً، والأصح في زوائد (الروضة): عدم التناول.
قال: (ولا يشترط بيان مدة القراض) بخلاف المساقاة؛ لأن مقصود القراض الربح وليس له أمد ينتظر بخلاف الثمرة، ولأنهما قادران على فسخ القراض متى أراد بخلاف المساقاة.
قال: (فلو ذكر مدة ومنعه التصرف بعدها .. فسد)؛ لأنه يخل بمقصود العقد فإنه قد لا يجد راغباً في المدة فلا تحصل التجارة والربح، ومع ذلك هو مخالف لمقتضى العقد أيضاً فإن مقتضاه بعد الفسخ تنضيض رأس المال، ومنعه من التصرف بعد المدة يمنع من ذلك.
قال: (وإن منعه من الشراء بعدها .. فلا في الأصح)؛ لأن المالك متمكن من منعه من الشراء في كل وقت، فجاز أن يتعرض له في العقد بخلاف المنع من البيع.
والثاني: يفسد؛ لأن ما كان وضعه على الإطلاق كان التأقيت منافياً له كالبيع والنكاح.
وصورة المسألة- كما قال الإمام-: أن تكون المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف ساعة ونحوها، فلو قال: قارضتك سنة ولم يزد .. فالأصح المنصوص: البطلان.
فرع:
لا يجوز تعليق القراض بأن يقول: إذا جاء رأس الشهر .. فقد قارضتك؛ قياساً على غيره من العقود، فلو نجزه وعلق التصرف كقوله: قارضتك الآن ولكن لا تتصرف إلا بعد شهر .. فالأصح: البطلان.
وقيل: يصح كالوكالة، والفرق ظاهر.
وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَكَ .. فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: قَرْضٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ قَالَ: كُلُّهُ لِي .. فَقِرَاضٌ فَاسدٌ، وَقِيلَ: إِبْضَاعٌ.
ــ
قال: (ويشترط اختصاصهما بالربح) فلو قال: قارضتك على أن يكون ثلث الربح لك والثلث لي والثلث لولدي أو لأجنبي مثلاً .. فسد الشرط والعقد إلا أن يشترط على من جعل له شيئاً من الربح العمل مع العامل فيكون قراضاً مع اثنين، فلو كان المشروط له عبداً لأحدهما .. صح.
ولو قال: نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي .. صح، وذلك منه لزوجته وعد هبة.
ولو أطلق قوله: قارضتك ولم يتعرض للربح .. فالمشهور في (المطلب) و (الكفاية) فساده.
وعن ابن سريج: يصح ويحمل على المناصفة، وعلى الأول في استحقاق أجرة المثل وجهان.
قال: (واشتراكهما فيه)؛ لأن ذلك موضوع القراض.
قال: (فلو قال: على أن كل الربح لك .. فقراض فاسد)؛ اعتباراً باللفظ.
قال: (وقيل: قرض صحيح) اعتباراً بالمعنى.
قال: (وإن قال: كله لي .. فقراض فاسد، وقيل: إبضاع) أي: بضاعة جميع ربحها للمالك والعامل وكيل متبرع.
ومثار التردد أن الاعتبار بصيغ العقود أم بمعانيها، فإذا قيل: قراض فاسد فيهما .. استحق أجرة المثل في الأولى لا الثانية في الأصح، ولو قال: تصرف والربح كله لي .. فإبضاع بلا خلاف.
وَكَوْنُهُ مَعْلُوماً بِالْجُزْئِيَّةِ، فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لَكَ فِيهِ شَرِكَةٍ أَوْ نَصِيباً .. فَسَدَ، ..
ــ
و (الإبضاع): بعث المال مع من يتجر فيه متبرعاً، و (البضاعة): المال المبعوث.
قال: (وكونه معلوماً بالجزئية) كالنصف والربع والثلث، ولا يضر جهلهما بمقدار ذلك الجزء حالة العقد على الأصح.
قال: (فلو قال: على أن لك فيه شركة أو نصيباً .. فسد)؛ لجهالة العوض، وكذا لو قال: مثل ما شرطه فلان لفلان وكانا أو أحدهما جاهلين به.
ولو قال: على أن لك سدس تسع عشر الربح، فإن كان حاسباً يفهم معناه في الحال .. صح، وإلا .. فوجهان:
أحدهما: يفسد للجهل.
والأصح: الصحة؛ لأنه معلوم من الصيغة وهو جزء من منتهى الضرب.
وطريقه: أن يضرب تسعة في عشرة تبلغ تسعين، ثم يضرب التسعين في ستة تبلغ خمس مئة وأربعين، فعشرها أربعة وخمسون، وتسع أربعة وخمسين ستة، وسدسها واحد، فيكون للعامل درهم واحد وهو جزء من خمس مئة وأربعين جزءاً قال الماوردي: إلا أنا نحب لهما أن يعدلا عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف بالبديهة من أول وهلة؛ لأن هذه العبارة قد ترجع إلى الإغماض كما قال أبو نواس في وصف محبوبته جنان [من الهز]:
لها الثلثان من قلبي
…
وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى
…
وثلث الثلث للساقي
وتبقى أسهم ست
…
تقسم بين عشاقي
فانظر إلى هذا الشاعر وبلاغته وحسن عبارته كيف أغض كلامه وقسم قلبه وجعله مجزءاً على أحد وثمانين جزءاً هي مخرج تسعة في تسعة، فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين جزءاً من ذلك، وعل للساقي جزءاً، وتبقى ستة أجزاء يقسمها على من يحب.
أَوْ بَيْنَنَا .. فَالأَصَحُّ: الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِيَ النِّصْفُ .. فَسَدَ فِي الأَصَحِّ، فَلَو قَالَ: لَكَ النِّصْفُ .. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ .. فَسَدَ.
ــ
قال: (أو بيننا .. فالأصح: الصحة، ويكون نصفين) كما لو قال: هذه الدار بين زيد وعمرو.
والثاني: لا يصح كما لو قال: بعتك بألف ذهباً وفضة.
قال: (ولو قال: لي النصف .. فسد في الأصح)؛ لأنه لم يشترط شيئاً للعامل.
والثاني: يصح ويكون النصف الآخر للعامل؛ لأنه السابق إلى الفهم حملاً على موجب القراض من اشتراكهما في الربح، فبيان نصيب أحدهما يظهر الآخر كقوله تعالى:{وورثه أبواه فلأمه الثلث} فإن فيه دلالة على أن الباقي للأب.
ولو قال: لي النصف ولك الثلث .. فوجهان:
أحدهما: يفسد للجهل بحكم السدس.
والثاني: يصح، ويكون المسكوت عنه للمالك مضموماً إلى النصف.
وفي هذه المواضع كلها إذا كان بلفظ (قارضتك) وفسد فللعامل أجرة المثل إذا قال: تصرف.
قال: (فلو قال: لك النصف .. صح على الصحيح)؛ لأنه بين نصيب العامل، وما بقي للمالك بحكم الأصل.
والثاني: لا يصح؛ لأنه لم يبين ما له من المال، ولو قال: لك ربح نصف المال .. لم يصح، وقيل: يصح كقوله: لك نصف ربحه.
قال: (ولو شرط لأحدهما عشرة) أي: بفتح العين والشين (أو ربح صنف .. فسد)؛ لأنه قد لا يربح غير العشرة، أو لا يربح غير ذلك الصنف، ولو قال: ربح أحد الألفين لك وربح الآخر لي وهما مميزان .. فسد، وكذا إن لم يتميز في الأصح.