الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الإِجَارَةِ
ــ
كتاب الإجارة
المشهور كسر همزتها، وحكى الرافعي وابن سيده ضمها وصاحب (المستعذب) فتحها، وهي: إما مصدر أجر أو اسم مصدر، واشتقاقها من الأجر وهو الثواب تقول: آجرك الله، أي: أثابك، وكأن الأجرة عوض عمله كما أن الثواب عوض عمله.
وهي في الشرع: عقد على منفعة مقصودة معلومة بعوض معلوم، فخرج بالمقصودة: التافهة كاستئجار تفاحة للشم، وبمعلومة: الجعالة.
والأصل فيها: قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فئاتوهن أجورهن} .
وقوله: {قالت إحداهما يأبت استئجره} .
قال ابن مسعود: (أصح الناس فراسة ثلاثة: العزيز حيث قال لامرأته: {أكرمي مثواه}، وابنة شعيب حيث قالت: {يأبت استئجره}، وأبو بكر حيث استخلف عمر).
وفي الاستدلال بالآيتين نظر في (المهمات).
وفي (صحيح البخاري)[2144]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق استأجرا رجلاً من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط).
وروى مسلم عن ثابت بن الضحاك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة).
وروى ابن ماجه [2443] والبيهقي [6/ 120]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه).
شَرْطُهُمَا كَبَائِع وَمُشْتَرٍ.
ــ
و (أن علياً أجر نفسه من يهودي فاستقى له الماء كل دلو بتمرة حتى استقى بضعاً وأربعين دلواً).
وفي (الصحيحين) وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرة).
والحاجة تدعو إليها؛ إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت للضرورة، وأجمع عليها الصحابة والتابعون، ولا مبالاة بخلاف الفاساني والأصم وابن علية؛ فإنهم أنكروا الإجارة، وهذا القول جهل ممن قاله.
وأركانها أربعة: عاقد وصيغة وأجرة ومنفعة.
قال: (شرطهما كبائع ومشتر) من التكليف والاختيار؛ لأنها صنف من البيع، لكن أن إسلام المشتري شرط إذا كان المبيع رقيقاً مسلماً، وهنا لا يشترط فيصح من الكافر استئجار المسلم كما تقدم في أول البيع، وعلم منه أن الأعمى لا تصح إجارته كما لا يصح بيعه، لكن له أن يؤجر نفسه.
وفي (فتاوى المصنف): لو أجر السيد عبده نفسه .. لم يصح، ويجوز أن يبيعه نفسه، وتقدم في أول (البيع) أيضاً عن الماوردي والروياني: أنهما جوزاً أن يؤجر السفيه نفسه فيما ليس بمقصود من عمله كالحج؛ لأنه لما جاز أن يتطوع عن غيره .. كان له ذلك بعوض أولى، بخلاف المقصود من عمله.
وقوله: (شرطهما) كذا هو بخط المصنف مثنى أي: شرط المؤجر والمستأجر ولم يتقدم لهما ذكر ولكن الإجارة تدل عليهما، وهذا هو الركن الأول.
وَالصِّيغَةُ: أَجَّرْتُكَ هَذَا، أَوْ أَكْرَيْتُكَ، أَوْ مَلَّكْتُكَ مَنَافِعَهُ سَنَةٍ بِكَذَا، فَيَقُولُ: قَبِلْتُ أَوِ اسْتَاجَرْتُ أَوِ اكْتَرَيْتُ.
ــ
فرع:
الأصح في (باب القسمة): أن الشريكين في العقار إذا تنازعا .. يؤجر عليهما الحاكم، وفي وجه: يعرض عنهما.
قال ابن الصلاح: ومن علمائنا من زل فقال: يغلق عليهما، وقواعد الشريعة تأباه وخصوص الغلق لا يعرف لأحد، فإذا قلنا: إن الحاكم يؤجر عليهما .. فالظاهر أن الأمر في قدر المدة راجع إلى ما يراه.
قال: (والصيغة: أجرتك هذا، أو أكريتك، أو ملكتك منافعة سنة بكذا، فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت) هذا متفق عليه، وهو الركن الثاني، فأما اللفظان الأولان .. فهما أصل الباب ومجمع عليهما.
وأشار المصنف بقوله: (سنة بكذا) إلى اشتراط التأقيت وذكر الأجرة؛ لأن به تنتفي الجهالة ومقتضاه أنه يصح وإن لم يقل من الآن وهو الأصح كما سيأتي، لكن صحح في (الكفاية) اشتراطه وبه جزم العراقيون.
وبقوله: (فيقول: قبلت) إلى اشتراط القبول على الفور فلا تكفي المعاطاة خلافاً لأبي الحسن الكرجي- بالجيم- من أصحابنا فإنه قال: تنعقد بالمعاطاة، وقد صح في (شرح المهذب) بجريان الخلاف في (المعاطاة) هنا وفي (الرهن) و (الهبة).
وعلم من اشتراط الصيغة: أنه لو سكن دار رجل مدة ولم يذكر أجرة .. لم يكن للمالك مطالبته بها.
مهمة:
مقصود الإجارة المنافع، وهي مورد العقد عند جمهور أصحابنا والمالكية وأكثر
وَالأَصَحُّ: انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَ مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُكَ مَنْفَعَتَهَا.
ــ
الحنيفة، وقال أبو إسحاق منا وبعض الحنفية: إن موردها العين ليستوفي منها المنفعة؛ لأن المنافع معدومة.
قال الرافعي: ويشبه أن لا يكون خلافاً محققاً، فالأول لا يقطع النظر عن العين، والثاني لا يعني بها تملكها كملكها بالشراء بل لينتفع بها، ووافقه في (الروضة) على أن الخلاف لفظي وليس كذلك، بل له فوائد:
إحداها: الوجهان في المسألة الثانية عقبها.
الثانية: إذا لم يقبض العين المستأجرة ثم أراد إجارتها لغير مؤجرها .. ففيه خلاف مخرج على ذلك، إن قلنا: موردها العين .. لم يصح، أو المنفعة .. صح.
الثالثة: الخلاف المشهور في استئجار الكلب ينبني على ذلك.
الرابعة: إجارة حلي الذهب بالذهب لا تجوز على وجه خرجه ابن الرفعة على ذلك، واتفقوا على صحة إيجار الحر نفسه ولم يخرجوا على ذلك، ونقل أسعد الميهني عن بعض الأصحاب أن المعقود عليه شيء ملتزم في الذمة كسائر الديون.
قال: (والأصح: انعقادها بقوله: أجرتك منفعتها) ويكون ذكر المنفعة تأكيداً كقولك: بعتك عين هذه الدار، فإن البيع يصح.
والثاني: أنها لا تنعقد بذلك، وبه قطع الإمام والغزالي واختاره الشيخ؛ لأن لفظ الإجارة إنما يضاف إلى العين التي لها منفعة، والمنفعة لا منفعة لها، هذا وضع اللفظ فيلغو ما خالفه.
قال: (ومنعها بقوله: بعتك منفعتها)؛ لأن النبي موضوع لبيع الأعيان لا المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة.
والثاني: يصح؛ لأنها صنف من البيع، وهو قول ابن سريج واختاره الشيخ وقواه في (المهمات) نظراً إلى المعنى؛ فإن الإجارة بيع المنافع، وشبه الخلاف بالخلاف
وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ. وَعَلَى الذِّمَّةِ كاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةٍ أَوْ بِنَاءً.
ــ
في انعقاد السلم بلفظ البيع لكن الخلاف هناك: هل ينعقد بيعاً نظراً إلى اللفظ أو سلماً نظراً إلى المعنى؟ وهنا: هل ينعقد إجارة أو يبطل؟
فإن قيل: قوله: (ملكتك منفعتها) المشهور فيه القطع بالصحة فما الفرق بينه وبين: بعتك منفعتها؟ فالجواب أن التمليك أعم؛ لأنه يطلق على بيع الأعيان وبيع المنافع إطلاقاً واحداً، والبيع عند الإطلاق يختص بالأعيان.
قال: (وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين، وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يلزم خياطة أو بناء) قال الشيخ: ليس المراد بالعين هنا ما تقدم فيه الخلاف بين أبي إسحاق وغيره، وإنما المراد أن تكون مرتبطة بالعين، والمراد بالعين المتقدمة المورد، وإنما ذكر المصنف ذلك توطئة لما يترتب عليه من الأحكام الآتية.
وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين؛ لأنه لا يثبت في الذمة، ولهذا لا يسلم فيه، وإجارة الدابة قد تكون على العين كأجرتك هذه الدابة، وقد تكون على الذمة كأجرتك دابة صفتها كذا وكذا، وكذا الشخص كأجرتك هذا العبد أو عبداً صفته كذا.
وإجارة الذمة قد تكون بلفظ الإجارة كما ذكرناه، وقد تكون بغيره كقوله: ألزمت ذمتك خياطة أو بناء بهذه الدراهم، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في خياطة كذا، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في دابة صفتها كذا تحملني إلى موضع كذا، أو في عبد صفته كذا يبني لي كذا، ولابد في هاتين الصورتين من ذكر الحمل أو البناء ونحوهما؛ لتنفصل عن حقيقة السلم في الأعيان إلى السلم في المنافع، والسلم في المنافع جائز.
تنبيه:
المعروف بعد المعطوف بـ (أو) وجوب إفراد الضمير، وأجابوا عن قوله تعالى:
وَلَوْ قاَلَ: اسْتَاجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ كَذَا .. فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: ذِمَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ: تَسْلِيمُ الأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ،
ــ
{إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما} بأن ذلك جائز عند إرادة التنويع، فكان الصواب أن يقول المصنف: أو (شخص معين).
قال: (ولو قال: استأجرتك لتعمل كذا .. فإجارة عين) للإضافة إلى المخاطب كما لو قال: استأجرت هذه الدابة.
قال: (وقيل: ذمة)؛ لأن المقصود حصول العمل من جهة المخاطب فكأنه قال: استحقيت عليك كذا.
وعلى هذا: إنما يكون عيناً إذا قال: استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا، هذا إذا أتى بلفظ الإجارة، فإن قال: ألزمتك لتعمل لي كذا .. فيحتمل أن يقال: إنه إجارة عين وهو الأقرب، ويحتمل أن يقال: إنه إجارة ذمة.
وإن قال: ألزمت ذمتك أن تعمل لي كذا .. فهنا يبعد القول بأنه إجارة عين؛ للتصريح بالذمة.
قال: (ويشترط في إجارة الذمة: تسليم الأجرة في المجلس) كرأس مال السلم؛ لأنها سلم في المنافع، فإذا عقدت بلفظ الإجارة .. ففيها وجهان مشهوران بناء على أن النظر في العقود إلى ألفاظها أو معانيها، والأصح عند الأكثرين- كما صرح به في (التصحيح) -: النظر إلى المعنى، فيشترط تسليم الأجرة في المجلس، ويمتنع تأجيلها والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها، وإن عقدت بلفظ الإجارة .. فالمشهور القطع بهذه الأحكام.
قال: (وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك) أي: التسليم في المجلس، سواء كانت معينة أم في الذمة كبيع العين.
وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّاجِيلُ إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ .. تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً .. مُلِكَتْ فِي الْحَالِ.
ــ
والمراد: أنه لا يشترط ذلك في صحتها، وإلا .. فتسليم الأجرة لازم في مكان العقد إذا لم يعين غيره.
قال: (ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة) كالثمن، واحترز عما إذا كانت معينة .. فإن الأعيان لا تؤجل.
قال: (وإن أطلقت .. تعجلت) كالثمن في البيع المطلق.
قال: (وإن كانت معينة .. ملكت في الحال) كما يملك المستأجر المنفعة بنفس العقد، وهل يملكها ملكاً مستقراً أو مراعي؟ قولان أصحهما: الثاني كما تقدم في (كتاب الزكاة) ومعناه: أنه كلما مضى جزء من الزمان على السلامة .. بان أن ملك المؤجر استقر على ملك ما قبل ذلك.
وقال أبو حنيفة: يملكها شيئاً فشيئاً إلا أن المطالبة كل لحظة تعسر، فكلما مضى يوم طلبت أجرته.
وقال مالك: لا يستحق الأجرة إلا إذا مضت المدة بتمامها، هذا في ملكها، أما في استقرارها .. فلا تستقر إلا باستيفاء المنافع أو تفويتها كما ذكره المصنف في آخر الباب.
فرع:
أجر ناظر الوقف سنين وأخذ الأجرة .. لا يجوز له أن يدفع جميعها للبطن الأول، وإنما يعطي بقدر ما مضى من الزمان، فإن دفع أكثر منه فمات الآخذ .. ضمن الناظر تلك الزيادة للبطن الثاني، قاله القفال في (الفتاوى).
وقياسه: أن الموقوف عليه إذا أجر .. لا يتصرف في جميع الأجرة لتوقع انتقالها لغيره بموته.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الأُجْرَةِ مَعْلُومَةً، فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ،
ــ
وقال ابن الرفعة: للموقوف عليه أن يتصرف في جميع الريع؛ لأنه ملكه في الحال، قال: وكان بعض القضاء الفضلاء يمنعه من التصرف في جميعه، وكذلك ما يحل من أجرة الموقوف بالوفاة، قال: ويحتمل أن يمكن من ذلك بكفيل.
قال الشيخ: وينبغي التفصيل بين طويل المدة وقصيرها، فإذا طالت بحيث يبعد احتمال الموجود من أهل الوقف .. منع من التصرف، وإن قصرت المدة .. فيظهر ما قاله ابن الرفعة.
قال: (ويشترط كون الأجرة معلومة) أي: جنساً وقدراً وصفة كالثمن في البيع، هذا إذا كانت في الذمة، فإن كانت معينة مشاهدة .. كفى ذلك كالثمن.
وأما إيجار عمر أرض السواد بأجرة مجهولة .. فلما فيه من المصلحة العامة المؤبدة كما قاله الشيخ عز الدين في (القواعد)، قال: ولو أجرها مستأجرها بأجرة مجهولة .. لم يصح في الأصح؛ إذ يجوز للمصالح العامة ما لا يجوز للخاصة.
وقد تقدم في أول (البيع) قبيل قول المصنف: (ولا يصح شراء الكافر المصحف) ما يشهد لهذا.
قال: (فلا تصح بالعمارة والعلف) للجهالة، وضبط المصنف العلف بإسكان اللام وفتحها إشارة إلى البطلان في الحالين.
ولو استأجر أجيراً بكسوته ونفقته .. فسد، خلافاً لمالك وأحمد فإنهما قالا: يصح ويستحق الوسط، فلو استأجر الدابة بقدر معلوم من الشعير وضبطه بصفات السلم .. جاز، أو بالأرطال من الخبز .. انبنى على جواز السلم فيه.
وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ، وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنَّخَالَةِ،
ــ
ولو استأجر داراً بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق .. لم يجز، وكذا لو استأجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها في العمارة، قال الرافعي: ثم إذا صرفها في العمارة رجع بها، وقيده ابن الرفعة بما إذا قصد بذلك الرجوع، ومع ذلك عليه أجرة المثل؛ لأنها إجارة فاسدة.
ولو استأجر الدار بدراهم معلومة من غير شرط ثم أذن له في صرفها في العمارة من غير شرط .. صح.
قال ابن الرفعة: ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض؛ لوقوعه ضمناً.
ولو اختلفنا في أصل الإنفاق أو قدره .. فقولان: أظهرهما: أن القول قول المستأجر؛ لأنه ائتمنه.
وقيل: القول قول المؤجر.
قال: (ولا ليسلخ بالجلد ويطحن ببعض الدقيق أو بالنخالة)؛ للجهالة، ولأن الأجرة غير مقدور عليها في الحال، ولأنها في معنى المؤجل بأجل مجهول.
وفي (الدارقطني)[3/ 47] و (البيهقي)[5/ 339] بإسناد حسن: عن أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان) وأرجو أنه صحيح إن شاء الله تعالى.
قال أهل الغريب: قفيز الطحان: أن يطحن ببعض الدقيق.
ولو استأجر على حمل مذكاة بجلدها أو رمي ميتة بجلدها .. فسد لذلك، وكذلك إذا استأجر من يجني له الثمار بجزء منها.
قال الشافعي في (الأم) في (باب المزابنة): ولا يجوز أن يكون أجيراً على شيء هو فيه شريك وذلك كأن يقول: اطحن لي هذه الويبة ولك منها ربع أو ما أشبه
وَلَوَ اسْتَاجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقاً بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ .. جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ.
ــ
ذلك، واستعمال الشافعي هذه العبارة يدل على أنه صنفها بمصر.
قال: (ولو استأجرها لترضع رقيقاً ببعضه في الحال .. جاز على الصحيح) كما لو استأجر شريكه وشرط له زيادة من الثمرة .. فإنه يجوز كما تقدم.
وكما لو انهدم الحائط المشترك فأعاده أحدهما بالنقض المشترك بشرط أن يكون له ثلثا الملك .. فإنه يصح، ويكون النصف له بحق ملكه والسدس بعمله.
والثاني: لا يجوز؛ لأن عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر.
واحترز المصنف بقوله: (في الحال) عما إذا استأجرها ببعضه بعدم الفطام .. فإنه لا يصح قطعاً فقوله: (في الحال) متعلق ببعضه.
فرع:
قال الشيخ رحمه الله: يقع في هذا الزمان في جباة الأموال أن يجعل لهم نصف العشر مما يستخرجونه وهذا يشبه قفيز الطحان، وبعضهم يحترز فيقول: نظير نصف العشر، وإذا احترز وقال ذلك .. لا يصح أيضاً إجارة، وهل يصح جعالة؟ فيه نظر.
وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَجْوزُ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَت السِّلْعَةِ،
ــ
فائدة:
روى البيهقي [6/ 121] عن ابن عباس: (أنه كان لا يرى بأساً أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زاد فهو لك) قال: وهذا على سبيل المراضاة لا على سبيل المعاقدة وإذا قلنا بجوازه فامتنع المالك من دفعه له .. فهل يستحق أجرة المثل؛ لأنه عقد فاسد، أو لا يستحق شيئاً؛ إذ لا عقد؟ فيه نظر، والأقرب الثاني.
قال: (وكون المنفعة متقومة) ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلا .. كان تبذيراً كاستئجار التفاحة الواحدة للشم؛ لأنها لا تقصد له فإن كثر التفاح .. قال الرافعي: فالوجه الصحة؛ لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم من التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين، ورده الشيخ بأن المنفعة مقصودة في المسك بالشم بخلاف التفاح، وأشار إلى ذلك في (المهمات)، وحكى الجاجرمي في (كفايته) وجهين في جواز إجارة الرياحين للشم.
والمراد هنا بالمتقوم: ما له قيمة، لا ما يقابل المثلي، وسقوط القيمة إما لتحريمه وإما لخسته وإما لقلته، فتلخص أن شروط المنفعة خمسة: أن تكون متقومة مقدوراً عليها معلومة واقعة للمستأجر ولا يتضمن العقد عليها استيفاء عين.
قال: (فلا يجوز استئجار بياع على كلمة لا تتعب وإن روجت السلعة) كما لا يصح بيع ما لا ينتفع به لقلته كحبتي الحنطة، وقال محمد بن يحيى: هذا في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم، أما الثياب والعبيد وما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين .. فللبائع فيه مزيد نفع.
قال الشيخ: وقول الأصحاب: (كلمة لا تتعب) تشمل ما إذا كانت تلك الكلمة غير لفظ الإيجاب والقبول مما يروج السلعة، بل الظاهر أنه ليس مرادهم إلا ذلك، فإذا فرض فيها نفع بلا تعب .. فقياس ما قاله محمد بن يحيى الجواز، وصريح كلام الأصحاب المنع، وإذا ضبط ذلك بما هو مستقر القيمة دون غيرها .. فلا يطرد، وإنما هو على سبيل المثال، وضابطه النفع وعدمه كما ذكرناه، والأصحاب مصرحون بأنه مع النفي لا يصح، ولذلك قال المصنف:(وإن روجت السلعة).
واحترز بقوله: (لا تتعب) عما إذا كان يحتاج إلى أعمال كثيرة في البيع .. فيصح.
فروع:
قال الرافعي في (باب الأذان): لا تصح الإجارة على الإقامة؛ إذ لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة لمراعاة الوقت، قال: وليست صافية عن الإشكال؛ لأن في الإقامة كلفة أيضاً؛ لالتزامه حضور مكان الجماعة في الأوقات الخمس، فينبغي أن يصح لاسيما عند التبعية للأذان.
وقال القاضي: إذا استأجر على أن يعلم غلامه شيئاً من القرآن، فإن كان يحفظ من مرة أو مرتين .. لم يجز.
وفي (الإحياء): لا يجوز أخذ العوض على كلمة يقولها الطبيب بفيه على دواء انفرد بمعرفته كما لو عرف شيئاً يقطع البواسير؛ إذ لا مشقة عليه في التلفظ به،
وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ،
ــ
بخلاف ما إذا عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج السيف والمرآة بضربة واحدة .. فإن له أن يأخذ عليها عوضاً وإن كثر؛ لأن هذه الصناعات تتعب في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه كثرة التعب، وأفتى البغوي بأن الاستئجار لذلك لا يصح.
ويجوز استئجار الكتب سواء كانت قرآناً أو علماً أو شعراً أو غير ذلك، وقال أبو حنيفة: لا يجوز اسئجارها؛ لأنه استئجار للنظر المجرد فلم يجز كما لو استأجر حائطاً مزوقاً للنظر إليه.
لنا: أنها منفعة مقصودة بجواز إعارتها، وأما الحائط فإن كان عليه نقش يريد أن يتعلمه .. جاز.
قال: (وكذا دراهم ودنانير للتزيين)؛ لأنها منفعة تافهة لا تقابل بالأعواض، إنما منفعتها المقصودة صرفتها المفوت لشرط الإجارة فهي لا تتأتى مع بقاء عينها كما قيل: بئس الصاحب الدرهم والدينار؛ لا ينفعك إلا إذا فارقك، ولأن منفعتها لا تضمن بالغصب وإن طالت مدتها.
والثاني: يصح؛ لأن الصيارفة يقصدون ذلك، وهذا مراد المصنف بالتزيين، وجعل هذا الماوردي القياس، والخلاف جار في استئجارها للضرب على عيارها.
وفي استئجار الحبوب ليعاير بها مكيال وجهان، واستئجارها للتزيين ممتنع قطعاً، وقيل: على الوجهين.
وأشار بقوله: (للتزيين) إلى أنه لابد من ذكره، فإن أطلق .. لم يصح قطعاً؛ لأن تعيين الجهة في الإجارة شرط.
فروع:
أفتى ابن الصباغ بفساد إجارة الشموع للإشعال؛ إذ لا يستحق بالإجارة إفساد العين.
وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الأَصَحِّ. وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِراً عَلَى تَسْلِيمِهَا،
ــ
والأصح جواز استئجار الببغاء للاستئناس بصوتها، وكذا كل ما يستأنس بلونه كالطاووس أو صوته كالعندليب.
وعن القاضي أبي الطيب: لا يصح استئجار البستان للنظر إليه، والقياس طرد الوجهين، ولا خلاف أنه لا يجوز استئجار الفهد وسائر الجوارح المعلمة والسنور لاصطياد الفأر، وكذا الخنزير وحشرات الأرض.
ولا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ منها السمك، فإن استأجرها ليحبس فيها الماء حتى يجتمع فيها السمك .. جاز في الأصح.
واستئجار الأشجار لثمرتها باطل، ولربط الدواب ونشر الثياب عليها والوقوف في ظلها الأصح جوازه.
وقال الإمام الشافعي: تجوز إجارة الحلي والجواهر وسائر ما تلبسه النساء، فإن كان الحلي ذهباً فاكتراه بذهب أو فضة .. جاز من غير اشتراط قبض في المجلس؛ لأنه لا ربا بين الذهب ومنافع الذهب.
وتجوز إجارة الطسوس والقدور والأباريق وسائر الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء عينها إذا شرطت منفعتها المعلومة، في مدة معلومة، وكذلك القسي والنشاب والرماح.
قال: (وكلب للصيد في الأصح)؛ لأن الكلب لا قيمة لعينه فكذا منفعته، وكذلك استئجار للزرع والحراسة والماشية وغيرها مما يجوز اقتناؤه له.
والثاني: يصح، واختاره الإمام والغزالي، وقد تقدم بناء الوجهين، ومحلهما في المعلم فلا يجوز استئجار غيره قطعاً.
قال: (وكون المؤجر قادراً على تسليمها) أي: حساً وشرعاً، وهذا هو الشرط الثاني للمنفعة.
فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَىٍ لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ،
ــ
قال: (فلا يصح استئجار آبق ومغصوب) كما لا يصح بيعهما.
قال الشيخ: لكن تقدم في بيع المغصوب من قادر على انتزاعه خلاف فليكن هنا كذلك، وقد صرح به القاضي في (باب الغصب) والمتولي في (بيع الغرر).
ويؤخذ من هذا الشرط أنه لا يصح إيجار العبد المنذور عتقه والمشروط عتقه على المشتري، وقد صرح بذلك في (شرح المهذب).
وشملت القدرة على التسليم ملك الأصل وملك المنفعة ليدخل المستأجر؛ لأنه ملك المنفعة، وكذلك المقطع فإنه يؤجر كما أجاب به المصنف في (فتاويه)، قال: ولا يمنع من ذلك كون الأرض معرضة لأن يستردها السلطان منه بموت أو غيرها، كما لا يجوز للزوجة أن تؤجر العين التي هي صداقها قبل الدخول وإن كانت قد تسترد منها بفسخ النكاح، وفيما قاله نظر؛ لأن الزوجة ملكت العين بالعقد ملكاً تاماً، ولها التصرف فيها بالبيع وغيره، بخلاف الإقطاع، لا جرم خالفه ابن الفركاح وولده وجماعة من الشاميين فأفتوا بالبطلان بناء على أن المقطع لم يملك المنفعة وإنما أبيح له الانتفاع كالمستعير.
قال: (وأعمى للحفظ) المراد حفظ ما يحتاج إلى النظر؛ لاستحالة ذلك منه، وكذلك الأخرس للتعليم، فلو استؤجر على شيء يمسكه .. فالظاهر الصحة.
كل هذا في إجارة العين، أما إجارة الذمة .. فتصح؛ لأنها سلم وعلى المسلم إليه تحصيل المسلم فيه بأي طريق كان.
قال: (وأرض للزراعة لا ماء لها دائم، ولا يكفيها المطر المعتاد) وكذا ما في معناه من ثلج ونحوه وإن توقع ذلك نادراً؛ لأنها منفعة غير مقدور عليها، فلو قال المؤجر: أنا أحفر لك بئراً وأسقي أرضك منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر ..
وَيَجُوزُ إِنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ،
ــ
صحت الإجارة، قال الروياني، وقال في (المطلب): إنه الذي تظهر صحته، ونص (الأم) يشير إليه.
تنبيهان:
أحدهما: محل ما ذكره المصنف إذا صرح بالإيجار للزراعة ولم يذكر أنه لا ماء لها، فإن قال- مع قوله للزراعة-: إنه لا ماء لها .. قال الشيخ: فإطلاق أكثر الأصحاب يقتضي البطلان؛ لذكره الزراعة، وكلام الجوري صريح في الصحة.
قال: وينبغي أن يقال: إن أمكن إحداث ماء لها بحفر بئر ونحوه ولو بكلفة .. صح؛ لأن المستأجر دخل على ذلك وهو ممكن.
الثاني: احترز بقوله: (للزراعة) عما إذا استأجرها للسكنى .. فإنه يجوز سواء كانت في محل يصلح له أم لا كالمفازة، وإن كان لنا وجه: أن المسافر إذا نوى الإقامة بموضع لا يصلح للسكني .. لم ينقطع ترخيص السفر عنه إلغاء لنيته حيث نوى ما لا يمكن، ولعل الفرق أن السكنى تتأتى فيه الأرض بأي صفة كانت، وإن كان في حال مروره مع رفقة .. فلا منافاة.
قال: (ويجوز إن كان لها ماء دائم) أي: من عين أو بئر أو نهر كبير كالنيل فلو قال: أكريتك هذه الأرض البيضاء لتنتفع بها كيف شئت خلا البناء والغراس .. صح على المنصوص.
فرع:
تصح إجارة أراضي مصر للزراعة على الأصح قبل ريها إن كانت تروى من الزيادة الغالبة، وإذا استأجر الأرض بعد الريـ فإن انحسر الماء عنها .. صح، وإلا، فإن لم يرج .. لم يصح، وإن علم انحساره .. صح، وكذا إن رجي انحساره وقت الحاجة.
وَكَذَا إِنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثِّلْوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الأَصَحِّ.
ــ
قال: (وكذا إن كفاها المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة، والغالب حصولها في الأصح)؛ لأن الظاهر حصول المقصود بها.
والثاني: المنع؛ لأن السقي معجوز عنه في الحال، والماء المتوقع لا يعلم حصوله، وبتقدير حصوله لا يعلم متى يحصل.
حادثة:
سئل الشيخ عن رجل استأجر بلداً من مقطعها مدة معينة لينتفع بذلك مقبلاً ومراحاً وللزراعة إن أمكن، ثم إن بعض الأرض شرق ولم ينلها ري ولم يمكن زرعها فهل يلزمه أجرة البلد كاملة؟
أجاب: هذه العبارة جرت عادة المحققين من الوراقين يكتبونها حيلة لتصحيح الإجارة قبل الري، وأخبرني شيخنا ابن الرفعة أن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز علمها لهم، وقد فكرت في هذه العبارة مع علمي بأن القاضي تاج الدين كان متضلعاً بفقه وعلوم متعددة مجموعة إلى دين متين وهو ووالده شامة القضاة الذين ولوا بالديار المصرية رحمهم الله، والذي استقر عليه رأيي أن هذه الإجارة باطلة؛ لأن حقيقتها إيجار لثلاث منافع مشكوك فيه الثالثة منها إن خصصت الشرط بها وهو الظاهر في هذا المكان، وفي جميعها إن أعدته إلى الجميع كما هو المعروف من مذهب الشافعي، وعلى كل من التقديرين فالمعقود عليه غير معلوم؛ لأنه على تقدير عدم إمكان الزرع لا يكون معقوداً عليه، وشرط الإجارة أن تكون المنفعة التي يرد العقد عليها معلومة، وينبغي أن يتنبه الوراقون والشهود والقضاة لذلك.
وطريق تصحيح هذه الحيلة أن يقال: لينتفع المستأجر بذلك فيما شاء مقيلاً ومراحاً وللزراعة إن أمكن، وإذا قال كما قلنا .. فلا يحتاج أن يقول: إن أمكن وحذفه أولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والفرق بين هذه العبارة والعبارة الأولى: أن في هذه عموماً فهو كما لو قال: بجميع المنافع، أو لتنتفع كيف شئت .. فإنه يصح وله جميع المنافع.
وأما العبارة الأولى .. فلا عموم فيها، بل هي خاصة بثلاث منافع إحداها: وهي الزراعة لا يصح الاستئجار لها قبل الوثوق بالري، وما لا يصح الاستئجار له وحده لا يصح الاستئجار له مع غيره، فإن لم يعقله على الإمكان .. فسد كذلك، وإن علقه .. فسد لما قدمناه من جهالة المنفعة المقصودة بالعقد، ولو أفرد وعلق على الإمكان .. فسد لأمرين:
أحدهما: كون الإجارة للزراعة قبل الري.
والثاني: تعليقه على الشرط والمنفعة المقصودة لابد أن تكون منجزة ممكنة عقب العقد.
واقعة: أجر أرضاً للزراعة فعطلها المستأجر فنبت فيها عشب فلمن يكون؟
أجاب شيخنا بأنه للمالك؛ لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، إنما تملك المنافع.
واقعة أخرى:
رجل اشترى أرضاً خرساً وعمر بها أبنية ومعصرة للقصب، ووفقت ذلك على أولاده ثم مال ذلك إلى مصالح الحرمين، ثم إن شخصاً ادعى أن الأرض المذكورة وقف الحرمين، وثبت ذلك، فهل يجوز لأحد أن يؤجر الأرض المذكورة والحال أن بها الأبنية والغراس والأقصاب أو لا؟ وهل يؤمر المشتري المذكور بقطع غراسه ونقض أبنيته وطم آباره أو يبقى ذلك بأجرة المثل لأجل إبقاء العين ووقف المشترى؟
أجاب شيخنا شيخ الإسلام: لا يجوز لأحد أن يؤجر الأرض المذكورة لغير صاحب الأبنية والغراس والأقصاب وغير ذلك إن كان في إبقاء ما ذكر مصلحة الوقف
وَالاِمْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ، فَلَا يَصِحُّ الاِسْتِئْجَارُ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ،
ــ
بأخذ أجرة محققة ممن حصل منه صلاح الأرض بعد أن كانت غير منتفع بها، وكان في قلع ذلك احتمال أن تؤجر وأن لا تؤجر، ولم يمنع من بقاء الآبار والأبنية شرط الواقف فعلى الناظر الإبقاء بالأجرة وإن كان في باب الأملاك للمالك القلع؛ لأن المالك لا يتعين عليه أن يفعل لنفسه الأصلح، والناظر عليه ذلك فيما نحن فيه، فإن أورد المتعدي .. قلنا: المتعدي ظلم بتعديه، وليس لعرق ظالم حق.
فإن قيل: إن المشتري شراء فاسداً كالغاصب فللناظر القطع مجاناً .. قلنا: هذا معارض بأنه ينظر في المصلحة، والمصلحة في الإبقاء، ولا يترك المحقق للموهوم، وهذا يتقيد به إطلاقهم وهو من النفائس.
قال: (والامتناع الشرعي كالحسي، فلا يسح الاستئجار لقلع سن صحيحة)؛ لأنها متعذرة التسليم شرعاً، وكذا لقطع عضو سليم من الآدمي وغيره.
نعم؛ يستثنى ما إذا كانت مستحقة القلع كالتي تعلق بها قصاص، أما العليل الجائز الإزالة .. فالأصح جواز الاستئجار له، وكذلك قلع السن الوجعة إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة: إنه يزيله.
وإذا استأجر لقلعها فسكن الوجع أو برئ .. انفسخت الإجارة على الأصح؛ لتعذر القلع.
وعلم من كلام المصنف أنه لا يجوز الاستئجار على التصوير.
وأغرب الماوردي في (كتاب النفقات) فقال: إذا استؤجر المصور على ذلك .. لا يستحق المسمى؛ لفساد العقد، ولكن له أجرة المثل. اهـ.
قد قطع الأصحاب في الأواني بأنا إذا حرمنا اتخاذها .. لا يستحق عليها أجرة، وكذلك لا يصح استئجار المسلم لبناء كنيسة ونحوها.
وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ فِي الأَصَحِّ.
ــ
قال: (ولا حائض لخدمة مسجد) أي: إجارة عين سواء أمنت التلويث أم لا؛ لمنعها من العبور، لاقتضاء الخدمة المكث وفي معنى الحائض النفساء والمستحاضة، وفي معنى خدمة المسجد تعليم القرآن، وللإمام والغزالي في ذلك احتمال: أنه يصح وقواه الشيخ؛ لأن الخدمة في نفسها حلال وإنما المحرم المكث، فهو كالصلاة في الدار المغصوبة، فإذا فعلت .. وقع الموقع وإن عصت، وأجابا بأنه حرام فيحرم الاستئجار عليه.
وأجاب ابن الرفعة بأن الصلاة في الدار المغصوبة حصلت عندها لا بها.
قال الشيخ: وهذا مبني على قاعدة الأصوليين، والفقهاء لا يوافقون على ذلك.
نعم؛ ينبغي أن تستثنى من ذلك الذمية فإنها إذا كانت حائضاً .. تمكث في المسجد إذا أمنت التلويث كالكافر الجنب، فلو أشرفت المرأة على الحيض فهل يجوز استئجارها لكنس المسجد؟
قال القاضي: لا نص فيها، ولو منعناها .. لم يبعد.
وقال الإمام: تحتمل الصحة.
ولو استأجرها للكنس فحاضت .. انفسخ العقد إن استأجر عينها، ولو دخلت وكنست .. عصت ولا تستحق الأجرة، وإن استأجر ذمتها .. لم ينفسخ؛ لإمكان إقامة غيرها مقامها.
قال: (وكذا منكوحة) أي: منكوحة غيره (لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح)؛ لأن أوقاتها مستغرقة بحقه فلا تقدر على توفية ما التزمته.
والثاني: يجوز؛ لأن محله غير محل النكاح، إذ لا حق للزوج في خدمتها ولا في لبنها، وعلى هذا للزوج فسخه حفظاً لحقه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعن (الكافي) وجه: أنه يصح، ولا اعتراض للزوج عليها.
ويجوز استئجارها بإذن الزوج بلا خلاف، ثم ليس له منعها مما اقتضاه عقد الإجارة.
وفي سقوط نفقتها وجهان كما لو سافرت بإذنه، ولو أجرت نفسها ثم نكحت في المدة .. فالإجارة بحالها، وليس للزوج منعها من توفية ما التزمته، ولكن له أن يستمتع بها في أوقات فراغها، فإن كانت الإجارة للإرضاع .. فقيل لولي الطفل منع الزوج من وطئها؛ لئلا تحبل فينقطع اللبن.
والأصح: لا؛ لأنه متوهم لا يمنع منه الوطء المستحق.
ويجوز للزوج استئجار زوجته لكل عمل، وكذا لإرضاع ولده منها على الأصح في غير إرضاع اللبأ فإنه واجب عليها كما سيأتي في (النفقات).
ولا يخفى أن هذا في إجارة العين، فإن التزمت عملاً في الذمة .. صح وإن لم يأذن الزوج، ثم إن وجدت فرصة وعملت .. استحقت الأجرة.
ومقتضى تعليلهم أن الزوج لو كان صغيراً لا يتأتى منه الانتفاع بها .. فيظهر أنه تجوز لها إجارة عينها، وقد يقال بالمنع؛ لأنها في هذه الحالة تستحق عليه النفقة وهو الأظهر.
كل هذا في الحرة، أما الأمة .. فللسيد أن يؤجرها قطعاً بغير إذن الزوج قطعاً، وليس للزوج منعها من المستأجر، والفرق اشتغال الزوجة الحرة بحقوق الزوج نهاراً وليلاً.
وَيَجْوزُ تَاجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ الحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا. وَلَا تَجْوزُ إِجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ،
ــ
وقد أفتى الشيخ بأنه لا يجوز استئجار العكامين للحج؛ لأن الإجارة وقعت على عينهم للعمل فكيف يستأجرون بعد ذلك للحج؟ وهي مسألة عمت بها البلوى.
وقد يقال: ذلك إنما يمتنع إذا كان العمل الذي استؤجر عليه منافياً لما استؤجر عليه أولاً، وهنا لا منافاة؛ إذ يمكن أن يأتي بأعمال الحج من غير إخلال بالعمل الأول.
قال: (ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أول شهر كذا)؛ لن الدين يقبل التأجيل كما لو أسلم في شيء معلوم إلى أجل معلوم، وإن أطلق .. كان حالاً.
وقوله: (أول شهر كذا) يقتضي أنه تأجيل صحيح، وهو ما قاله الإمام والبغوي بحثاً واختاره الشيخ.
وقد تقدم في (السلم) عن جمهور الأصحاب أنه باطل؛ لأنه يقع على جميع النصف الأول، لا جزم مثل في (الشرح) و (الروضة) بغرة شهر كذا فلا اعتراض عليهما.
قال: (ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة) مثل إجارة الدار السنة المستقبلة، خلافاً للأئمة الثلاثة وسموها: الإجارة المضافة.
لنا: أن إجارة العين كبيع العين، وهو لو باعها على أن يسلمها بعد شهر .. لم يصح وكذا الإجارة.
واحترز بـ (العين) عن إجارة الذمة؛ فإنه يحتمل فيها التأجيل والتعجيل كما تقدم.
فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَاجِرِ الأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا .. جَازَ فِي الأَصَحِّ.
ــ
قال: (فلو أجر السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها .. جاز في الأصح)؛ لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد.
واعترض الغزالي بأنه قد تنفسخ الأولى فلا يتحقق الاتصال، وأجاب الرافعي بأن الشرط ظهوره فلا يقدح عروض الانفساخ، وصرح في كلامه على ألفاظ (الوجيز) بأنه لو انفسخ العقد الأول .. لم يقدح في الثاني، وأسقطه من (الروضة)، وهو فرع حسن.
والوجه الثاني: لا تجوز كما لو أجرها من غيره أو منه مدة لا تتصل بالمدة الأولى وصححه الجويني وولده والغزالي، وقال سليم والبندنيجي والروياني: إنه أقيس.
فلو أجرها لغير مستأجر الأولى .. لم يجز جزماً، لكن يستثنى ما لو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت فقد أجرتك أخرى .. فالعقد الثاني باطل على الصحيح، وقد يجاب بأنه في هذه ليس مستأجر الأولى.
تنبيهان:
أحدهما: عبارة المصنف تقتضي أنه لا فرق بين أن تكون منافع السنة الأولى باقية على ملك المستأجر أو انتقلت عنه، فلو أجر العين مدة ثم باعها في أثنائها .. لم يكن للمشتري إيجارها السنة الثانية من المستأجر الأول؛ إذ ليس بينهما معاقدة، كذا نقله الشيخان عن القفال، وتردد في الوارث هل يمكن من ذلك إذا مات المكتري والمكري؟ والظاهر الجواز؛ لأن الوارث خليفة الموروث.
والدار الموصى بمنفعتها شهراً لو أكراها مالك الرقبة للموصى له شهراً يلي الشهر الموصى له به .. لا نقل فيها، وقياس قول القفال: المنع، قال الشيخ: وهو الأفقه.
وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ: أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلاً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّاماً وَذَا أَيَّاماً وَيُبَيِّنَ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ.
ــ
الثاني: شمل إطلاقه الطلق والوقف، لكن لو شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ثلاثاً في عقد وثلاثاً في عقد قبل مضي المدة الأولى .. أفتى ابن الصلاح بعدم صحة العقد الثاني وإن فرعنا على الأصح هنا إتباعاً لشرط الواقف؛ لأن المدتين المتصلين في العقدين في معنى العقد الواحد، وخالفه ابن الأستاذ فقال: ينبغي أنه يصلح نظراً إلى ظاهر اللفظ.
فرع:
أجر عيناً مدة فأجرها المستأجر لغيره ثم إن المؤجر والمستأجر الأول تقايلا .. قال الشيخ: الظاهر صحة الإقالة ولا تنفسخ الإجارة.
والفرق بينه وبين ما لو اشترى عيناً فباعها من غيره ثم تقايل البائع والمشتري أنه لا يصح لانقطاع علق البيع بخلاف الإجارة، وسيأتي في خاتمة الباب ما يشبه هذا.
قال: (ويجوز كراء العقب في الأصح، وهو: أن يؤجر دابة رجلاً ليركبها بعض الطريق، أو رجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً ويبين البعضين، ثم يقتسمان) سواء وردت الإجارة على العين أو الذمة؛ لثبوت الاستحقاق حالاً، والتأخير الواقع من ضرورة القسمة لا يؤثر كالدار المشتركة، بخلاف ما لو استأجرها ليركبها زماناً ثم المستأجر بعده زماناً لتأخير حقه.
والثاني: لا تجوز فيهما؛ فإنها إجارة إلى آجال متفرقة منقطعة.
والثالث: تصح في الصورة الثانية دون الأولى؛ لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والرابع: تصح في إجارة الذمة لا في دابة معينة.
و (العقب) بضم العين وفتح القاف: النوبة بعد النوبة، ولأن كل واحد منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه، ونقل المصنف في (تهذيبه) عن الخليل أن العقبة مقدار فرسخين.
وروى البيهقي في (الشعب)[6/ 205] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مشى على راحلته عقبة فكأنما أعتق رقبة)، قال أبو أحمد: العقبة ستة أميال.
وإدخال الألف واللام على البعض شاذ كما تقدم.
تنبيه:
قوله: (ليركب هذا أياماً وذا أياماً) بصيغة الجمع يقتضي جواز كون النوبة ثلاثة أيام فأكثر، لكن قال الشيخان: ليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثاً والمشي ثلاثاً للمشقة، بل إن كان ثم عادة مضبوطة .. حمل عليها، وإلا .. وجب البيان ابتداء.
قال الشافعي: وينبغي أن يراعيا الإنصاف في التناوب، فلا يطول ركوب أحدهما بحيث يثقل بدن صاحبه بالتعب والإعياء، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس لأحدهما أن يركب في الليل دون النهار، وإذا اقتسما بالزمان .. فالزمن المحسوب زمن السير دون النزول، فإذا نزل أحدهما للاستراحة أو لعلف الدابة .. لم يحسب زمن نزوله من المهايأة، فإذا ارتحلا من اليوم الثاني .. كان له الركوب بقدر ذلك، ولو اختلفا فيمن يركب أولاً .. قدم بقرعة.
تتمة:
هذه المسألة والتي قبلها مستثنيان من منع الإجارة لمنفعة مستقبلة ويضاف إليهما مسائل:
منها: إذا أجر نفسه ليحج عن غيره إجارة عين قبل وقته .. فإنه يجوز بشرطين: بعد المسافة؛ لتحقق العذر في التقديم، وكونه زمن خروج أهل بلده بحيث يتهيأ للخروج عقبه.