المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالبِاً، ــ ولو حمل التاجر - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالبِاً، ــ ولو حمل التاجر

‌فَصْلٌ:

يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالبِاً،

ــ

ولو حمل التاجر شيئاً يبيعه في طريقه فباع بعضه .. قال ابن القطان: يحمل على العرف، ويمكن أن يقال: هو مثل الزاد.

قال: (فصل:

يصح عقد الإجارة مدة تبقى فيها العين غالباً) كالأجل في البيع، والمرجع في ذلك لأهل الخبرة، ولأنها تجوز إلى سنة وفاقاً وقيس عليها ما عداها.

قال الرافعي تبعاً للبغوي: فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، والدابة أكثر من عشرين، والثواب سنتين أو سنة على ما يليق به، والأرض مئة سنة فأكثر وهذا يحتاج إلى دليل.

وقال ابن كج: يجوز أن يؤجر العبد إلى تمام مئة وعشرين سنة من عمره.

وقال القاضي حسين والروياني: لا تجوز إجارة الأرض ألف سنة وإن كانت تبقى فيها؛ إذ يبعد بقاء الدنيا إليها.

والمعتبر في البقاء غلبة الظن.

وأقل مدة تصحف فيها إجارة الدار للسكنى يوم واحد، ولا يجوز أقل منه.

وأقل مدة الزراعة ما يبقى فيها الزرع غالباً، وإذا أجر أكثر من سنة .. فأصح القولين أنه لا يجب بيان قسط كل سنة من الأجرة كقسط شهور السنة.

قال في (بيع الغرر) في (شرح المهذب): وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهراً بكذا مع أنه قد يكون ثلاثين يوماً، وقد يكون تسعاً وعشرين، لكن لو أجره شهراً معيناً بثلاثين درهماً كل يوم بدرهم فجاء ذلك الشهر تسعاً وعشرين .. بطلت كما لو باع الصبرة بمئة درهم كل صاع بدرهم فخرجت أقل من مئة.

ولو قال في أثناء السنة: أجرتك هذه السنة .. انصرف إلى ما بقي منها قاله في

ص: 368

وَفِي قَوْلٍ: لَا تُزَادُ عَلَى سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: ثَلَاثِينَ.

ــ

(المهذب)، وألحق به في (الكافي) إذا قال: هذا الشهر؛ فإنه ينصرف إلى ما بقي منه.

قال: (وفي قول: لا تزاد على سنة)؛ لأن الإجارة عقد على معدوم جور للحاجة، وهي تندفع بسنة؛ لأنها مدة تضم الفصول وتتم فيها الزروع والثمار، ويكفي في رده قوله تعالى:{على أن تأجرني ثماني حجج} .

قال: (وفي قوله: ثلاثين}؛ لأنه شطر العمر الغالب، والغالب تغير الأشياء بعدها، وهل الثلاثون تقريب أو تحديد؟ وجهان: أصحهما: الأول، قاله صاحب (الانتصار) في (باب المساقاة).

وفي وجه رابع: تجوز إلى مدة لا تبقى العين فيها غالباً؛ لأن الأصل فيها الدوام، وصححه في (البسيط) وقال به الأئمة الثلاثة.

وحكم التوقف في ذلك حكم الطلق وقال القاضي والمتولي: أجمع الحكام على أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين؛ لئلا يندرس، قال الرافعي: وهذا الاصطلاح غير مطرد.

وفي (أمالي السرخسي): تمتنع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها، وحكاه الإمام وجهاً وقال: لا اتجاه له في الوقف على جهات الخير.

ويستثنى من اشتراط بيان المدة:

إجارة عمر رضي الله عنه سواد العراق، فالأصح أنه أجرها مؤبداً، واحتمل ذلك للمصلحة الكلية.

واستئجار الإمام للأذان من مال بيت المال يجوز كل شهر بدرهم من غير بيان المدة، بخلاف ما إذا كان من ماله أو كان المستأجر غيره فلابد من بيان المدة على الأصح.

واستئجار الذمي للجهاد، قاله في (الشامل) في (باب الغنيمة).

ص: 369

وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ؛ فَيُرْكِبُ ويُسْكِنُ مِثْلَهُ،

ــ

واستئجار علو دار لإجراء الماء عليه وعقد الجزية إذا قلنا: إنها عقد إجارة على إقامتهم في دار الإسلام.

قال: (وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره) كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره، فلو أجره بشرط أن يستوفي المنفعة بنفسه .. لم يصح، وقيل: يصح ويلغو الشرط، وقيل: يصحان، حكاهما ابن يونس.

وإنما تستوفي المنفعة بالمعروف، فإذا استأجر ثوباً للبس .. لبسه نهاراً وليلاً إلى وقت النوم، فإذا نام فيه ليلاً أو نقل فيه تراباً أو ألبسه دباغاً أو قصاباً ونحو ذلك ممن هو دون حاله .. وجب الضمان، وقراره على الثاني إن كان جاهلاً، وإلا .. فعلى الأول.

ولو استأجره للبسه ثلاثة أيام .. دخلت الليالي على الصحيح، وكما له أن يستوفي المنفعة بنفسه له أن يعيرها لغيره، وبه صرح في (باب العارية).

قال ابن الصباغ في كتابه (الكامل) - بالكاف-: وإذا أعارها .. فينبغي أن يكون المستأجر ضامناً لها.

قال: (فيركب ويسكن) الدار (مثله) أي: في الضخامة والنحافة والطول والقصر، وهل يشترط أن يكون مثله في معرفة الركوب؛ لأن الجهل يضر بالدابة، أو لا؛ لأن التفاوت يسير؟ الأشبه الثاني، واحتج للأول بأن الناس يتفاوتون في ذلك.

ص: 370

فَلَا يُسْكِنُ حَدَّاداً وَقَصَّاراً. وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبْدَلُ،

ــ

قال الشاعر [من البسيط]:

لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا فهم ثقال على أكتافها عنف

وإن استأجر على أن يركب بالإكاف .. لا يركب بالسرج دون عكسه.

وإذا استأجر دابة لحمل القطن .. فله حمل الصوف والوبر، أو لحمل النحاس .. فله حمل الحديد والرصاص.

وإذا استأجر دابة للحمل فأراد أن يركب من لا يزيد وزنه على وزن المحمول .. فالأصح المنع.

ولو استأجر للركوب فأراد الحمل .. فالأظهر المنع أيضاً خلافاً للقاضي حسين.

وإذا اكترى دابة ليركبها إلى بلد .. فله أن يركبها إلى مثل مسافته إلى ناحية أخرى إذا كانت مثلها في السهولة والأمن، وقيل: ليس له ذلك.

قال: (فلا يسكن حداداً وقصاراً) لزيادة الضرر، واستثنى صاحباً (العمدة) و (البيان) والجرجاني وغيرهم ما لو قال: لتسكنها وتسكن من شئت؛ للإذن كما لو قال: لتزرع ما شئت، وفيه نظر؛ لأن ذلك يراد به التوسعة لا الإذن في الإضرار، فإن خالف وأسكن القصار أو الحداد .. كان متعدياً، وتلف المنفعة في تلك المدة يلزمه الأجرة ويضمن ما نقص بالتعدي.

فرع:

استأجر داراً ليسكن وحده .. صح على الصحيح، فإذا تزوج .. كان له أن يسكنها معه، قاله ابن كج في (التجريد)، وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو ثور: لا يسكنها معه، قال الصيمري في (الإيضاح): وهو القياس.

قال: (وما يستوفى منه كدار ودابة معينة لا يبدل) كما لا يبدل المبيع، وهذا لا خلاف فيه.

ص: 371

وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالاِرْتِضَاعِ يَجْوزُ إِبْدَالُهُ فِي الأصَحِّ وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الإجَارَةِ،

ــ

واحترز بـ (المعينة) عما في الذمة فيجوز إبدالها برضى المكتري، وبغيره رضاه وجهان: أصحهما: المنع.

قال: (وما يستوفى به كثوب وصبي عين للخياطة والارتضاع يجوز إبداله في الأصح) أي: بثوب مثله وصبي في مثل حاله وإن لم يرض الأجير؛ لأنه ليس معقوداً عليه وإنما هو طريق في الاستيفاء، فأشبه الراكب والمتاع المعين للمحمل.

والثاني: لا يجوز كالمستوفى منه وهو الراجح عند العراقيين، وما صححه المصنف وافق فيه (الشرح الصغير).

وأشار بقوله: (إبداله) إلى أنه موجود وأبدل، أما لو مات الصبي أو تلف الثوب .. فالمذهب الانفساخ، وامتناع الصبي من التقام الثدي كالموت.

وقوله: (عين) صوابه عينا؛ فإن إيقاع ضمير المفرد موضع المثنى شاذ.

قال: (ويد المكتري على الدابة والثوب يد أمانة مدة الإجارة)؛ لأنه لا يمكن استيفاء حقه إلا بإثبات اليد على العين، فلا يضمن بلا تعد بالإجماع كالنخلة التي تشتري ثمرتها، بخلاف ظرف المبيع على الأصح فإنه أخذه لمنفعة نفسه، ولا ضرورة في قبض المبيع فيه، فإن حصل تعد .. فسيأتي في كلام المصنف.

تنبيه:

يؤخذ من كونها أمانة أنه يلزمه أن يدفع عنها ما يتلفها من حريق وغيره كالمودع، وقد نقل المصنف ذلك في أواخر الباب من (الروضة) عن (فتاوى الغزالي) فقال: لا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المستأجرة الحريق والنهب وغيرهما، وإنما عليه

ص: 372

وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الأَصَحِّ،

ــ

تسليم العين ورد الأجرة إن تعذر الاستيفاء، وأما المستأجر، فإذا قدر على ذلك من غير خطر .. لزمه كالمودع.

قال: (وكذا بعدها في الأصح) كما قبل انقضاء المدة؛ استصحاباً لما كان كالمودع، وبهذا قال أبو حنيفة.

والثاني- وبه قال مالك-: يضمن كالمستعير.

وبنى الرافعي الوجهين على أنه هل يلزم المستأجر الرد ومؤنته؟ وفيه وجهان: أقربهما إلى كلام الشافعي: أنه يلزمه الرد ومؤنته إن لم يكن عذر وإن لم يطالب المالك، وفي هذا البناء نظر؛ لاختلاف التصحيح.

قال الشيخ: والحق أنها بمجرد انقضاء مدة الإجارة تصير أمانة شرعية كالثوب تطيره الريح إلى داره، وأولى بالأمانة؛ لأن الثوب لم يتقدم من المالك إذن فيه، وهذا تقدم من المالك ائتمان فيه، فإن تلف عقب انقضاء مدة الإجارة من غير تمكن من الرد ولا إعلام .. فلا ضمان قطعاً، وكذا إذا أمسكها لعذر مانع من الرد فتلفت .. فلا ضمان عليه في الرد، ولا أجرة في المنفعة بعد المدة، فإن طالبه المالك بها فامتنع .. كان ضامناً قطعاً كالغاصب.

هذا كله إذا لم يجر شرط الرد، فإن شرطه .. لزمه الرد بلا خلاف.

فرع:

قال المزني في (المثور): لو استأجر لخياطة ثوب فخاط بعضه واحترق

ص: 373

وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا .. لَمْ يَضْمَنْ إِلَاّ إّذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إِصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوِ انتُفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ.

ــ

الثوب .. استحق الأجرة لما عمل، ثم إن قلنا: ينفسخ العقد بتلفه .. استحق أجرة المثل، وإلا .. قسطه من المسمى.

ولو استأجره لحمل حب إلى موضع فزلق في الطريق وانكسر الحب .. لم يستحق شيئاً من الأجرة، وفرق بأن الخياطة تظهر على الثوب فيقع العمل مسلماً بظهور أثره، والحمل لا يظهر على الحب، وهذا يدل على أنه جعل الخياطة كالعين، وعلى أن صورة المسألة إذا كان العمل في دار المستأجر أو بحضرته، وإلا .. أشكل جعله مسلماً.

قال: (ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ولم ينتفع بها .. لم يضمن)؛ لأنها في يده أمانة إذا ماتت في المدة .. فقطعاً، وكذا بعدها على الأصح.

وقوله: (ولم ينتفع بها) تبع فيه (المحرر)، والظاهر أنه لا يختص بذلك، وأنها لو ماتت في أثناء مدة الانتفاع .. كان الحكم كذلك.

قال: (إلا إذا انهدم عليها اصطبل في وقت لو انتفع بها لم يصبها الهدم) أي: والعادة جارية بالانتفاع فيه وعدم الربط، فإن انهدم في وقت جرت العادة بوضعها فيه كالليل في الشتاء .. لم يضمن.

و (الإصطبل) عجمي معرب.

قال الشيخ: ومسألة الكتاب لم أرها إلا للقاضي حسين، وتبعه الإمام والرافعي، وللنظر فيه مجال، والمتجه: أن هذا الضمان ضمان يد لا ضمان جناية، والمراد به ضمان القيمة، أما ضمان الأجرة واستقرار المنافع .. فليس مراداً هنا.

ص: 374

وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اسْتُوْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ إِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ، بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَاجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وكَذَا إِنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ،

ــ

قال: (ولو تلف المال في يد أجير بلا تعب كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه .. لم يضمن إن لم ينفرد باليد، بأن قعد المستأجر معه أو أحضره منزله)؛ لأن المال غير مسلم إليه حقيقة وإنما استعان المالك به في شغله كالوكيل، وكذلك لو حمله المتاع ومشى خلفه.

وقضية إطلاق المصنف: أنه لا فرق بين تلفه قبل العمل أو بعده وهو كذلك، وقال الفارقي: إن تلف قبل العمل .. لم يضمن بلا خلاف، هذا الذي قطع به الجمهور، وقيل: يطرد الخلاف، وقيل: يضمن إن تلف بفعله، وإلا .. فلا، ويستحق في هذه الحالة أجرة ما عمل.

وضبط المصنف (الصبغ) بفتح الصاد وهو الصواب كالقصر والطحن.

واحترز بقوله: (بلا تعد) عما إذا تعدى .. فإنه يضمن لا محالة، كما لو أسرف الخباز في الوقود أو تركه في النار حتى احترق .. فإنه يضمن قطعاً.

وعبارة المصنف ومن وافقه تفهم مشاركته للمالك في البلد، وكلام الأصحاب يقتضي أن العين في هذه الحالة في يد مالكها ولا يد للأجير عليها.

قال: (وكذا إن انفرد في أظهر الأقوال) كعامل القراض .. فإنه لا يضمن إجماعاً، وبهذا قال أحمد والمزني؛ لأنه لم يأخذه لغرضه خاصة.

وقال الربيع: الذي كان يعتقده الشافعي أن لا ضمان على الأجير، وأن القاضي يقضي بعمله، ولكن كان لا يبوح به خيفة قضاة السوء والأجراء السواء.

والثاني: يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه أخذه لمصلحة نفسه وصار كالمستعير والمستام وقال صلى الله عليه وسلم:(على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه الأربعة والحاكم [2/ 55] من رواية الحسن عن سمرة، وأعله ابن حزم

ص: 375

وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ- وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلاً فِي ذِمَّتِهِ- لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ: مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ.

ــ

بذلك، لكن صححه الترمذي والحاكم.

والمراد بـ (انفراد باليد): أن ينتفي ما يكون قبله، ثم ينقسم بعد ذلك إلى مشترك ومنفرد بتفسير آخر.

قال: (والثالث: يضمن المشترك- وهو من التزم عملاً في ذمته- لا المنفرد، وهو: من أجر نفسه مدة معينة لعمل) فالخياط والصائغ ونحوهما مشتركون بين الناس، فإذا التزم لشخص .. أمكن أن يلتزم لغيره مثله وكأنه مشترك بين الناس، بخلاف من أجر نفسه .. فإنه ليس له بعد ذلك أن يؤجرها، وهذا التفسير هو المجزوم به في (الشرح الصغير) أيضاً، والمرجح في (الكبير) و (الروضة)، وقوم فسروا المشترك بالمشارك في الرأي، فيقال له: اعمل حيث شئت.

و (المنفرد): من عين له العمل وموضعه فلا يضمن قطعاً.

فروع:

لا فرق في التلف بين أن يقع بآفة أو بفعل الأجير أو إتلاف أجنبي.

وحيث ضمناه .. اعتبرت قيمته يوم إتلافه على الأصح، ولا تقوم الصنعة لا له ولا عليه، قاله الدارمي.

وجميع ما تقدم إذا لم يتعد، فإن تعدى .. ضمن، وإذا اختلف المستأجر والأجير المشترك في رد العين .. فعلى قول الضمان: القول قول المستأجر قطعاً، وعلى قول الأمانة: فيه وجهان كالوكيل.

وإذا خاط الأجير الثوب في دكانه أو بيت نفسه .. فله حبسه لقبض الأجرة، وإن خاطه في دار المستأجر أو بحضرته .. لم يكن له ذلك.

ص: 376

وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إِلَى قَصَّارٍ لِيَقْصُرَهُ، أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً .. فَلَا أُجْرَةَ [لَهُ]، وَقِيلَ: لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذلِكَ الْعَمَل .. فَلَهُ، وَإِلَاّ .. فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ.

ــ

غريبة:

الأجير لحفظ الدكان إذا كان أخذ ما فيه .. لا ضمان عليه؛ لأنه لا يريد له على المال قاله، الماوردي.

ومنه يعلم أن الخفراء لا ضمان عليهم، وهي مسألة عزيزة النقل.

قال: (ولو دفع ثوباً إلى قصار ليقصره، أو خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر أجرة .. فلا أجرة [له])، لأنه لم يلتزم شيئاً وصار كما لو قال لغيره: أطعمني .. فأطعمه، وكذا لو قال: أسكني دارك شهراً فأسكنه .. لم يستحق عليه أجرة، لكن يستثنى ما لو دخل حماما بغير إذن .. فإن عليه الأجرة، ولا يخرج على الخلاف؛ لاستيفائه المنفعة، بخلاف ما يتلف فإن صاحب المنفعة هو الذي صرفها إلى غيره.

ويستثنى عامل المساقاة إذا عمل ما ليس بواجب عليه بإذن المالك .. فإنه يستحق الأجرة كما جزم به الشيخان هنا.

ولا يستثنى عامل الزكاة، فإن شاء الإمام .. بعثه ثم أعطاه الأجرة، وإن شاء .. سمى له؛ لأن الأجرة ثابتة له بنص القرآن فهي مسماة شرعاً، ذكرها الإمام حين البعث أم لا، وكذلك عامل القسمة بأمر الحاكم.

قال: (وقيل: له) أي: أجرة المثل، وهو قول المزني، فإنه استهلك عمله .. فلزمه ضمانه، وهذا ضعيف؛ لن القصار استهلك عمل نفسه.

قال: (وقيل: إن كان معروفاً بذلك العمل .. فله، وإلا .. فلا، وقد يستحسن) لدلالة العرف وقيامه مقام اللفظ، وصححه ابن عبد السلام، وبه أفتى الروياني،

ص: 377

وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَاجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ، أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا .. ضَمِنَ الْعَيْنَ،

ــ

وحكاه في (الحلية) عن الأكثرين.

وليس مراد المصنف بالاستحسان ما تقوله الحنفية، ولكن مراده أنه حسن لموافقة العادة، وينبغي على هذا إن كانت الأجرة معلومة .. يحمل عليها، وإلا .. وجبت أجرة المثل.

وفي وجه رابع لأبي إسحاق: إن سأله المالك العمل .. استحق، وإلا .. فلا؛ لأنه اختار فوات منافعه كما لو ضمن عن غيره بغير إذنه، واختاره ابن القفال في (التقريب).

وفي خامس: عكسه، حكاه الدارمي في (باب الآنية).

وفي سادس- أبداه الإمام في (باب العارية) -: إن كان الدافع أرفع منزلة من المدفوع إليه .. استحق، وإن كان دونه .. لم يستحق، وهو كالخلاف في الثواب في الهبة.

وتجري الأوجه في الدلال والحمال ونحوهما.

واحترز بقوله: (ولم يذكر أجرة) عما إذا قال: مجاناً .. فإنه لا يستحق قطعاً، أو ذكر الأجرة .. فإنه يستحق قطعاً إن كانت صحيحة، وإلا .. فأجرة المثل.

ولو دخل سفينة بغير إن صاحبها وسار إلى الساحل .. لزمه الأجرة إن لم يعلم صاحبها، فإن علم .. قال ابن الرفعة: لا ضمان ولا أجرة، وإن كان بالإذن ولم يجر ذكر الأجرة .. فعلى الأوجه، وحيث لا أجرة .. فالثوب أمانة في يد القصار ونحوه، وإن أوجبناها .. فضمانه كالأجير المشترك.

وتجري الأوجه فيما لو قعد بين يدي حلاق فحلق له رأسه، أو دلاك فدلكه.

قال: (ولو تعدى المستأجر بأن ضرب الدابة، أو كبحها فوق العادة، أو ركبها أثقل منه، أو أسكن حداداً أو قصاراً .. ضمن العين) لتعديه، والمراد أنها تدخل فيه

ص: 378

وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِئَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ مِئَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشْرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةٌ

ــ

ضمانة، أما الضرب المعتاد .. فله فعله، وكذلك الكبح المعتاد، فإن أفضى المعتاد إلى التلف .. لم يوجب ضماناً، بخلاف ضرب الزوج زوجته فإنه يقتضي الضمان، لأن الإنسان يمكن تأديبه بغير الضرب بخلاف البهيمة.

وقال أبو حنيفة: إذا أفضى الضرب المعتاد إلى الهلاك .. ضمن، فجعله كضرب الزوجة.

و (الكبح): الجذب باللجام لتقف ولا تجري، وهو بالباء الموحدة والحاء المهملة، ويقال: أكبحها رباعي، ويقال: بالميم بدل الباء، ويقال: بالتاء المثناة من فوق بدل الباء.

وأما إذا أركبها أثقل منه .. فقرار الضمان على الثاني إن علم، وإلا .. فعلى الأول.

فرع:

ولو تعدى في الأرض المستأجرة لزرع الحنطة فزرع الذرة .. لم يصر ضامناً للأرض غاصباً لها على الأصح في زوائد (الروضة)؛ بل تلزمه أجرة المثل للذرة فيستثنى هذا من إطلاق المصنف، وسيأتي ذكر هذا في آخر مسألة الخياط أيضاً لغرض آخر.

قال: (وكذا لو اكترى لحمل مئة رطل حنطة فحمل مئة شعيراً أو عكس)؛ لأن الحنطة أثقل فيجتمع ثقلها في موضع واحد، والشعير أخف ويأخذ من ظهر الدابة أكثر، وسواء تلفت بذلك السبب أم بغيره؛ لأن يده بعد ذلك يد عدوان.

قال: (أو لعشرة أقفزة شعير فحمل حنطة)؛ لأنها أثقل.

و (القفيز): مكيال يسع اثني عشر صاعاً.

ص: 379

دُونَ عَكْسِهِ. وَلَوِ اكْتَرَى لِمِئَةٍ فَحَمَلَ مِئَةٍ وَعشَرَةً .. لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ .. ضَمِنَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ .. ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفَ الْقِيمَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْمِئَةَ وَالْعَشَرَةَ إِلَى الْمُؤَجِّرِ، فَحَمَّلَهَا جَاهِلاً .. ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ.

ــ

قال: (دون عكسه)؛ لأن الشعير أخف ولم يزد حجمه.

قال: (ولو اكترى لمئة فحمل مئة وعشرة .. لزمه أجرة المثل للزيادة) أي: مع المسمى لتعديه بذلك.

والثاني: يلزمه أجرة المثل للجميع.

والثالث: يتخير بين المسمى وما حصل للدابة من نقص وبين أجرة المثل.

والرابع: يتخير بين المسمى وبين أجرة المثل للزيادة وبين أجرة المثل للجميع.

قال: (وإن تلفت بذلك .. ضمنها) أي: ضمان يد (إن لم يكن صاحبها معها)؛ لأنه غاصب بحمل الزيادة.

وقوله: (بذلك) يوهم أنها لو تلفت بغيره .. لم يضمنها، وليس كذلك لما ذكرناه.

قال: (فإن كان) أي: صاحبها معها (.. ضمن قسط الزيادة) مؤاخذة له بقدر الجناية، ويضمنها ضمان جناية؛ لأنها تلفت من مستحق وغيره، ولو تلفت بسبب آخر غير الحمل .. ضمنها؛ لأنه غاصب.

قال: (وفي قول: نصف القيمة) صححه الجويني؛ لأنها تلفت بمضمون وغيره فقسطت القيمة عليهما كما لو جرحه واحدة جراحة وآخر جراحات.

قال: (ولو سلم المئة والعشرة إلى الموجز، فحملها جاهلاً) أي: بالحال بأن قال له: هي مئة فظن صدفه (.. ضمن المكتري على المذهب) كما لو حمله بنفسه؛ لأنه ملجأ إلى الحمل شرعاً فيأتي فيه الخلاف السابق.

ص: 380

وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ .. فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا ضَمَانَ إِنْ تَلِفَ. وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ: أَمَرْتَني بِقَطْعِهِ قَبَاءً، فَقَالَ: بَلْ قَمِيصًا .. فَالأَظْهَرُ: تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ،

ــ

والطريق الثاني: أنه على القولين في تعارض الغرور والمباشرة، ولم يصحح الرافعي واحدة من الطريقتين، وصحح المصنف الطريقة الأولى.

واحترز بـ (الجاهل) عن العالم، فإن لم يقل له المستأجر شيئاً .. فحكمه كما سيأتي، سواء وضعه في الأرض فحمله المؤجر، أو وضعه على ظهرها فسيرها المؤجر.

قال: (ولو وزن المؤجر وحمل .. فلا أجرة للزيادة) سواء تعمد ذلك أم جهله؛ لأنه لم يأذن في نقل الزيادة، وله مطالبة المؤجر بردها إلى الموضع المنقول منه، وليس للمؤجر أن يردها دون رضاه، فلو اختلفا في قدر الزيادة أو أصلها .. فالقول قول المنكر.

قال: (ولا ضمان) أي: على المستأجر (إن تلف)؛ لأنه لم يتعد وليست له يد وله مطالبة المؤجر برد الزيادة إلى موضع المنقول منه.

فرع:

اكترى اثنان دابة وركباها، فارتدفها ثالث بغير إذنهما فتلفت .. ففيما يلزم المرتدف أوجه: أصحها عند المصنف: ثلثها.

والثاني: نصفها.

والثالث: يقسط على أوزانهم، فيلزمه حصة وزنه، وصححه ابن أبي عصرون والشيخ.

ولو سخر رجلاً على بهيمة فتلفت البهيمة في يده .. لا يضمنها؛ لأنها في يد صاحبها.

قال: (ولو أعطاه ثوباً ليخيطه فخاطه قباء وقال: أمرتني بقطعة قباء، فقال: بل قميصاً .. فالأظهر: تصديق المالك بيمينه) ومثله لو صبغه أسود فقال: إنما أمرتك بصبغة أحمر.

ص: 381

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وللأصحاب في مسألة الخياط والصبغ ستة طرق أصحها عند الرافعي والمصنف: تصديق المالك؛ لأنهما لو اختلفا في أصل الإذن .. كان القول قوله فكذا في صفته، ولأن الخياط معترف بأنه أحدث في الثوب نقصاً وادعى أنه مأذون له فيه والأصل عدمه.

ويقابل الأظهر تصديق الأجير؛ لأنهما اتفقا على إذنه في القطع، والظاهر أنه لا يتجاوز إذنه والأصل براءة ذمته.

وقيل: يقضى عليهما بالتحالف؛ لأنهما اتفقا على أصل العقد واختلفا في صفته، فالخياط يدعي الأجرة وينفي الضمان، والمالك يدعي الضمان وينفي الأجرة، ولأنهما لو اختلفا كذلك والثوب قائم .. لتحالفا، فكذا بعد قطعه.

والطريق الرابع: قولان.

والخامس: ثلاثة أقوال.

والسادس: إن جرى بينهما عقد .. تحالفا، وإلا .. فالخياط؛ لأنه يدعي الأجرة.

وإنما النزاع في الأرش، ولذلك كانت المسألة مصورة بما إذا جرى بينهما عقد أو لم يجر عقد ولكن فرعنا على إيجاب الأجرة.

قال في (المهمات): تصديق المالك مذهب أبي حنيفة والمزني، وتصديق الأجير مذهب ابن أبي ليلى ومالك وأحمد، والقول بالتحالف مذهب الشافعي المنصوص، وهو الصحيح نقلاً واستدلالاً، وعليه أكثر الأصحاب وهو الصواب.

وعلى هذا: إذا حلف أحدهما ونكل الآخر .. قضينا على مقتضى يمين الحالف، ولا خلاف أن المتآجرين إذا اختلفا في الأجرة أو المدة أو في قدر المنفعة أو في قدر المستأجر بأن قال: أكريتك هذا البيت، فقال: هذين البيتين .. يتحالفان، فإذا تحالفا .. فسخ العقد ووجبت أجرة المثل لما استوفاه.

و (البقاء) فارسي معرب، وقيل: عربي مشتق من القبو وهو: الضم.

ص: 382

وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْضِ

ــ

قال: (ولا أجرة عليه) أي: بعد حلفه؛ لأن التحالف يرفع العقد وحينئذ يصير العمل غير مأذون فيه.

قال: (وعلى الخياط أرش النقص)؛ لأن القطع موجب للضمان إلا أن يعارضه الإذن، وفي الأرض الواجب وجهان:

أحدهما: ما بين قيمه صحيحاً ومقطوعاً؛ لأنه أثبت بيمينه أنه لم يأذن في القطع، وصححه ابن أبي عصرون.

والثاني: ما بين قيمته مقطوعاً قميصاً ومقطوعاً قباء؛ لأن أصل القطع مأذون فيه، قال الشيخ: وهذا المختار ولا يتجه غيره، وعلى هذا: لو لم يكن بينهما تفاوت أو كان مقطوعاً قباء أكثر قيمة .. فلا شيء عليه.

ويبدأ بالمالك في التحالف؛ لأنه في رتبة البائع، ويجمع كل منهما في حلفه بين النفي والإثبات.

فرع:

قال للخياط: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه فقطع فلم يكف .. ضمن الأرش، وإن قال: هل يكفيني قميصا؟ فقال: نعم، فقال: اقطعه فقطعه فلم يكف .. لم يضمن.

فرع:

أتى الخياط بتوب فقال: هذا ثوبك فقال: بل غيره .. قال البندنيجي: القول قول الأجير، وكذا الحكم في كل الأجراء، فإذا حلف .. فقد اعترف بثوب وهو لا يدعيه.

ص: 383