الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقُصَارَةٍ .. فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا إِنْ أَمْكَنَ، وَأرْشَ النَّقْصِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ .. كُلِّفَ الْقَلْعَ
ــ
تتمة:
احترز بقوله: (غصب) عما إذا أعرض المالك عنها بأن أراق الخمر أو ألقى الشاة الميتة فأخذها شخص .. فالأصح في زوائد (الروضة) هنا و (أصلها) في (الصيد والذبائح): أنه ليس للمعرض الاسترداد.
قال: (فصل):
زيادة المغضوب إن كانت أثراً محضاً كقصارة .. فلا شيء للغاصب بسببها)؛ لتعديه بذلك العمل، وفارق المفلس حيث كان شريك البائع كما تقدم في بابه؛ لأنه شريك لم يتعد.
ومن صور المسألة: طحن الحنطة وخياطة الثوب بخيط منها وضرب الطين لبناً والسبائك حلياً أو دراهم وذبح الشاة وشي اللحم.
قال: (وللمالك تكليفه رده كما كان إن أمكن) فيرد اللبن طيناً والحلي سبيكة؛ لأنه متعد، فإن لم يكن كالقصارة ونحوها .. لم يكلف ذلك، بل يرده بحاله وله أرش النقص إن نقصت قيمته، فإن رضي المالك بالبقاء .. لم يكن له الرد، إلا أن يكون ضرب دراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره فيخاف التعزير.
قال: (وأرش النقص) هو منصوب عطفاً على الرد، وإنما كلفه بذلك لأنه نشأ مما فعله متعدياً.
قال: (وإن كانت عيناً كبناء وغراس .. كلف القلع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة لم تكن لأحد قبله .. فهي له، وليس لعرق ظالم حق) رواه أبو داوود والترمذي.
قال الراوي: (وقد أبصرت رجلين من بياضة يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصِبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ .. أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ؛ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ .. فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ،
ــ
عليه وسلم في أجمة لأحدهما غرس فيها وللآخر نخل، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله عنه، قال: فلقد رأيت الرجل يضرب في أصول النخل بالفؤوس وإنه لنخل عم) بضم العين المهملة وتشديد الميم أي: نخل تامة طويلة، وقيل: قديمة.
وكذلك يجب أرش النقص الحاصل من القلع، وله أيضاً القلع، وإن أراد المالك تملكه بالقيمة أو إبقاءه بأجرة .. لم تلزم الغاصب إجابته في الأصح؛ لإمكان القلع بلا غرم أرش بخلاف المستعير، وفي التسوية والأرش ما سبق في التراب.
قال: (وإن صبغ الثوب بصبغة وأمكن فصله .. أجبر عليه في الأصح) كما يملك إجباره على قلع الغراس.
والثاني: لا يجبر عليه؛ لما فيه من ضرر الغاصب، بخلاف الغراس فإنه لا يضيع بالإخراج وهذا قول ابن سريج، وصححه صاحب (التنبيه) وأقره عليه في (التصحيح)، ورجحه العراقيون، ونسبه القاضي حسين إلى عامة الأصحاب، وقال الروياني: إنه ظاهر المذهب.
وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) ترجيح لأحدهما وموضع الوجهين إذا لم يحصل بالفصل خسران بين.
أما الغاصب .. فله الفصل وإن رضي المالك بالإبقاء.
وقيل: إن حصل به نقص في الثوب .. فلا، وإن تراضيا على الإبقاء .. فهما شريكان، أو على الفصل .. فصل.
قال: (وإن لم يمكن؛ فإن لم تزد قيمته) أي: ولم تنقص (.. فلا شيء للغاصب فيه)؛ لأن ذلك حصل بفعله، كما إذا كان الثوب يساوي عشرة والصبغ.
وَإِنْ نَقَصَتْ .. لَزِمَهُ الأَرْشُ، وَإِنْ زَادَتِ .. اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ .. لَزِمَهُ وَإِنْ شَقَّ،
ــ
قال: (وإن نقصت) بأن صارت قيمة الثوب خمسة (.. لزمه الأرش) كسائر النقص الحاصل في المغصوب بفعل الغاصب.
قال: (وإن زادت) كما إذا ساوى عشرين (.. اشتركا فيه) هذا بثوبه وهذا بصبغه، وليس المراد الشركة على الشيوع، بل كل منهما يملك ما كان له قبل ذلك.
ولو صارت القيمة خمسة عشر كان النقصان على الصبغ؛ لأن الثوب هو الأصل، وإن صارت ثلاثين .. كانت الزيادة بينهما، وكان كل واحد شريكاً بخمسة عشر.
قال الرافعي: وأطلق الجمهور المسألة، وفي (الشامل) و (التتمة) إن نقص لانخفاض سعر الثياب .. فالنقص على الثوب، أو سعر الصبغ أو الصنعة .. فعلى الصبغ، وإن زاد سعر أحدهما .. فالزيادة له، أو بسبب الصنعة .. فهو بينهما، فيمكن تنزيل الإطلاق عليه. اهـ
وفي تعاليق (القاضي حسين) و (أبي الطيب) و (البندنيجي) و (سليم) كما في (الشامل) و (التتمة) وجميع ما تقرر فيما إذا لم يكن الصبغ تمويهاً، فإذا كان
…
فهو كنظيره من التزويق فليس للغاصب نزعه إلا برضا المالك، وليس للمالك إجباره عليه في الأصح كالثوب يقصر.
ولو بذلك مالك الثوب قيمة الصبغ وأراد تملكه .. لم يجبر الغاضب عليه على الأصح، وليس لأحدهما الانفراد ببيع نصيبه في الأصح.
قال: (ولو خلط المغصوب بغيره وأمكن التمييز .. لزمه وإن شق) سواء اختلط بجنسه كالحنطة الحمراء بالبيضاء أو بغيره كالحنطة بالشعير؛ لأنه يجب عليه الرد بكل ما يقدر عليه، حتى لو لم يقدر على تمييز الجميع .. وجب تمييز ما أمكن.
وقيل: إذا لحقه في ذلك مشقة كبيرة رد بدله.
وَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ، وَللْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ. وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا .. أُخْرِجَتْ،
ــ
قال: (وإن تعذر .. فالمذهب: أنه كالتالف فله تغريمه) سواء خلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ، وذلك كالزيت والشيرج؛ لأنه تعذر رده أبداً فأشبه التالف، ولأنا لو جعلناه مشتركاً .. لاحتجنا إلى البيع وقسمة الثمن.
وقيل: قولان ثانيهما: يشتركان كما لو انثالت صبرة على صبرة.
وقيل: إن خلط بالمثل .. اشتركا، وإلا .. فكالهالك.
قال الشيخ: والذي أختاره أن القول بالهلاك باطل؛ لأن فيه تمليك الغاصب مال المغصوب منه بغير رضا، بل بمجرد تعديه، ولا يحل مال المسلم إلا بطيب نفس منه، والقول بالاشتراك بمعنى الشيوع باطل أيضاً، فلم يبق إلا أن يقال: إن ملك كل واحد باق وهو مختلط بملك صاحبه، ولا يمكن فصله كالثوب والصبغ فيكونان شريكين لا على الإشاعة كما تقدم، فإن اتفقا على البيع .. باعا واقتسما الثمن على قدر الملكين.
قال: وأنا أوافق على الهلاك إذا لم تبق له قيمة كصب قليل ماء الورد في كثير من الماء.
قال: (وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط)؛ لأن الحق انتقل إلى الذمة بصيرورته كالهالك.
قال: (ولو غصب خشبة وبنى عليها .. أخرجت) ولو تلف على الغاصب بسببها أضعاف قيمتها، سواء كان المبني عليها له أم لغيره؛ لعموم ما تقدم من الأدلة، وإذا ردها .. لزمه مع ذلك أرش نقصها إن كان.
وقال أبو حنيفة: يملكها الغاصب ويغرم قيمتها، والحجر في معنى الخشبة، أما إذا تعفنت .. فلا تخرج؛ لأنه إئتلاف مال بغير فائدة، ويطالب الغاصب بقيمتها.
وَإِنْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ .. فَكَذَلِكَ إِلَاّ أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ. وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْريِمِ .. حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَلَا حَدَّ،
ــ
قال: (وإن أدرجها في سفينة .. فكذلك) أي: تخرج ما دامت لها قيمة، هذا إذا كانت على الشط، أو في البر، أو في أعلاها وهي في اللجة.
قال: (إلا أن يخاف تلف نفس أو مال معصومين) لحرمتهما، سواء كان للغاصب أم لغيره، ولا تنزع لسهولة الصبر على الشط، بخلاف ما لو أدرجها في البناء .. فإنه لا أمد له.
وقيل: إن كان المال للغاصب .. نزع كما لو أدخل ساجاً في بنائه، وصححه الإمام.
واحترز بـ (المعصومين) عن مال الحربي ونفسه.
ولو اختلطت التي فيها اللوح بسفن للغاصب ولا يوقف على اللوح إلا بنزع الجميع .. ففي نزع الجميع وجهان.
قال في زوائد (الروضة): ينبغي أن يكون أرجحهما عدم النزع.
فرع:
ولو دخل فصيل في بيت ولم يمكن إخراجه إلا بنقص البناء .. نقض، وغرم مالك الفصيل أرش النقص إن كان بتفريط منه، أولا على الأصح، وكذلك إذا أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولا يخرج إلا بكسرها.
قال: (ولو وطئ المغصوبة عالماً بالتحريم .. حد)؛ لأنه زنا، سواء كانت هي عالمة أم جاهلة.
قال: (وإن جهل .. فلا حد)؛ للشبهة، لكنه إن قال: جهلت تحريم وطء
وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إِلَاّ أَنْ تُطَاوِعَهُ .. فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إِنْ عَلِمَتْ. وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ .. لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
المغصوبة – لدخولها في ضمانه - .. لم تقبل دعواه إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة.
قال: (وفي الحالين) أي: حالتي علمه وجهله (يجب المهر إلا أن تطاوعه .. فلا يجب على الصحيح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا مهر لبغي).
والثاني: يجب المهر؛ لأن مطاوعتها لا تسقط حق سيدها.
قال: (وعليها الحد إن علمت)؛ لأنها زانية، وإن جهلت .. فلا.
و (البغي) بالتخفيف: الزنا، و (البغي) بالتشديد: الزانية، وروي الحديث بهما فاحتج أبو حنيفة ومالك برواية التخفيف فقالا: لا مهر إذا أكره أمة أو حرة على الزنا، واحتج الشافعي رضي الله عنه برواية التشديد.
قال: (ووطء المشتري من الغاصب كوطئه في الحد والمهر)؛ لاشتراكهما في الاستيلاء، فإنه تقبل دعواه ولا يشترط قرب عهد بالإسلام ولا أن ينشأ ببادية بعيدة.
قال: (فإن غرمه .. لم يرجع به على الغاصب في الأظهر)؛ لأنه المتلف وقد انتفع وباشر الإتلاف.
والثاني- وهو قديم-: أنه يرجع؛ لأن الغاصب غره، والبيع لا يقتضي ضمان المهر.
وأجريا في أرش الافتضاض إن كانت بكراً، وسيأتي في كلام المصنف في أواخر (الصداق) أن المهر يتكرر بتكرار وطء المغصوبة.
وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ .. فَالْوَلَدُ رَقيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَحُرَّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الاِنْفِصَالِ،
ــ
مهمة:
سكت المصنف عن أرش البكارة في وطء الغاصب والمشتري منه وفيه أوجه:
صحح الشيخان هنا وفي (الديات) أنه يحب مهر ثيب وأرش بكارة، وأفتى به المصنف.
والثاني: مهر بكر فقط، ويندرج فيه الأرش، وصححاه في (باب الرد بالعيب).
والثالث: مهر بكر وأرش بكارة، وبه جزماً في البيع الفاسد، والغاصب أولى فهو المختار؛ لأنه استمتع ببكر والأرش لجبر الفائت فهما سببان مختلفان.
قل: (وإن أحبل) أي: الغاصب أو المشتري منه (عالماً بالتحريم .. فالولد رقيق غير نسيب)؛ لأنه زنا، فإن انفصل حياً .. فهو مضمون على الغاصب، وإن انفصل ميتاً بجناية .. فبدله للسيد، أو بلا جناية .. ففي وجوب ضمانه وجهان: قال الرافعي هنا: ظاهر النص ضمانه، وصحح بعد ذلك بأوراق عدمه وقواه في (الشرح الصغير).
قال: (وإن جهل .. فحر نسيب) للشبهة، قال في (المطلب): والمشهور أنه انعقد حراً لا رقيقاً ثم عتق.
قال: (وعليه قيمته)؛ لتفويته رقه بظنه.
قال: (يوم الانفصال)؛ لأن التقويم قبله غير ممكن، هذا إذا انفصل حياً أو بجناية، فإن انفصل ميتاً بغير جناية .. فالمشهور أنه لا تلزمه قيمته؛ لعدم تيقن حياته، ويخالف ما لو انفصل الولد رقيقا .. فإن فيه وجهين؛ لأن الرقيق يدخل تحت اليد فجعل تبعاً للأم.
ويَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ .. لَمْ يَرْجِعْ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الأَظْهَرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الأَظْهَرِ،
ــ
قال: (ويرجع بها المشتري على الغاصب)؛ لأن الشراء لم يوجب ضمانه، كذا في (المحرر) و (الشرحين)، وفي (الروضة) بخط المصنف: لا يرجع – بزيادة (لا) - وهو سبق قلم.
وقيل: على الخلاف في المهر، وهذا بخلاف المشتري شراء فاسداً حيث تستقر عليه قيمة الولد ولا يرجع بها؛ لأن مسألة الغصب حصل فيها تغرير من الغاصب، وأما المالك البالغ .. فلم يحصل منه تغرير فافترقا.
قال: (ولو تلف المغصوب عند المشتري وغرمه .. لم يرجع) سواء في ذلك العالم والجاهل؛ لأن الشراء عقد ضمان.
وعن صاحب (التقريب) أنه يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصاً أم زادت قيمته وهو شاذ.
قال: (وكذا لو تعيب عنده في الأظهر) – وهو تخريج المزني – تسوية بين الجملة والأجزاء؛ لأن ما ضمن كله ضمن جزؤه.
والثاني – وهو نص (الأم) -: يرجع وهو مشكل، وعلله ابن سريج بأن ضمان المشتري ضمان عقد والعقد لا يوجب ضمان الأجزاء، ونازعه الرافعي وغيره في ذلك، لكنه يعتضد بما إذا طلق الزوج قبل الدخول وقد تعيب الصداق في يد المرأة .. فإنه لا يلزمها الأرش، بل يتخير بين نصفه معيباً ونصف قيمته سليماً كما سيأتي في موضعه.
كل هذا إذا تعيب لا بفعله، فإن كان بفعله .. لم يرجع قطعاً.
قال: (ولا يرجع بغرم منفعة استوفاها في الأظهر) كالسكنى والركوب واللبس، والقولان هما القولان في المهر وأرش البكارة وقد تقدم توجيههما.
وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إِذَا نُقِضَ فِي الأَصَحِّ. وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِهِ لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ .. لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا .. فَيَرْجِعُ
ــ
قال: (ويرجع بغرم ما تلف عنده) أي: من المنافع (وبأرش نقص بنائه وغراسه إذا نقص في الأصح) الخلاف عائد إلى المسألتين، فوجه الرجوع أنه لم يتلفها ولا التزم ضمانها.
والثاني: لا، تنزيلاً للتلف منزلة الإتلاف، وثمرة الشجرة ونتاج الدابة وكسب العبد كالمنفعة، قاله المتولي.
وصحح البغوي أنه لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العبد وأدى من خراج الأرض ولو غصب مسكاً أو عنبراً أو غيرهما مما يقصد شمه ومكث عنده .. لزمه أجرته، كذا في زوائد (الروضة)، وهي في (الرافعي) كذلك.
قال: (وكل ما لو غرمه المشتري يرجع به لو غرمه الغاصب .. لم يرجع به على المشتري) وذلك كقيمة الولد وأجرة المنافع الفائتة تحت يده، وكذا الكسب والثمرة والنتاج لو فرضنا أن الغاصب طولب به وغرمه .. فإنه لا يرجع بذلك على المشتري؛ لأن القرار عليه لا على المشتري.
قال: (وما لا .. فيرجع) أي: وكل ما لو غرمه المشتري .. لكان لا يرجع به على الغاصب كقيمة العين والأجزاء والمنافع التي استوفاها فإذا غرمها الغاصب .. رجع بها على المشتري، لأن القرار عليه.
فائدة:
إذا كانت (كلما) ظرفاً تكتب موصولة، كقوله: كلما رأيت زيداً فأكرمه، وكلما جئتك بررتني، وكلما سألتك أخبرتني، فإن لم تكن ظرفاً - كما في لفظ المصنف - ..
قُلْتُ: وَكُلُّ مَنِ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ .. فَكَالْمُشْتَرِي، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
فصلت فتقول: كل ما كان منك حسن، وكل ما تأتيه جميل؛ لأنها في موضع الاسم، قاله ابن قتيبة وغيره.
قال: (قلت: وكل من انبنت يده على يد الغاصب .. فكالمشتري والله أعلم) المراد في هذا الضابط الذي ذكرناه في الرجوع وعدمه لا في كل الأشياء.
وقول المصنف: (انبنت) هو بنون ثم باء ثم نون كما ضبطه بخطه، وفيه إشارة إلى أن الصورة في يد تكون نائبة عن يد الغاصب لا مستقلة كما تقدم في أول الباب حيث قال:(والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان).
فرع:
غصب فحلا وأنزاه على دابته .. فالولد للغاصب ولا شيء عليه للإنزاء، لكن إن نقص .. غرم أرش نقصه، ولو غصب شاة وأنزى عليها فحلا .. فالولد لصاحب الشاة.
تتمة:
غصب المغصوب، فأبرأ المالك الغاصب الأول عن ضمان الغصب .. قال المتولي: صح الإبراء؛ لأنه يطالب بقيمته، فهي كدين عليه، ووافقه الرافعي والمصنف، وفيه نظر لابن الرفعة والشيخ؛ لأنه إن كان بعد التلف .. فهو دين حقيقي، فلا يقال: كدين عليه، وإن كان قبله .. فهو كما لو أبق العبد من الغاصب وأبرأه من قيمته لا يصح على الصحيح، والظاهر: أنه أراد هذه، قال: وإن ملكه إياه .. برئ من الضمان وانقلب الضمان على الثاني حقاً له، وهذا ظاهر إن قدر الأول على انتزاعه، أما إذا لم يقدر .. فالظاهر: أنه لا يصح إلا أن يكتفي بأن العين هنا من ضمان المشتري، قال: وإن أذن له في استرجاعه .. فالضمان باق ما لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يسترجعه، فإذا استرجعه .. فإن كان على وجه الوديعة .. ارتفع الضمان على المذهب. وإن كان على وجه الرهن .. فلا.
ولو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان .. برئ الأول؛ لأن القرار عن الثاني والأول كالضامن، قاله القفال وغيره.
وغصب المشاع يتصور عندنا إذا كان عبد بين شريكين، فغصب رجل حصة أحدهما أو باعها .. صح في نصيب الشريك البائع، ولا يجوز في نصيب الغاصب نص عليه، لكن أشار الأصحاب إلى أن الوارثين إذا وضعا يدهما على التركة .. تكون يد كل منهما على جميعها، كذا في (الكفاية).
ولو قال: غصبنا ألفاً وكنا عشرة .. فقال محمد بن الحسن: تلزمه الألف، وقال زفر: القول قوله مع يمينه، قال في (البيان) وبه قال بعض أصحابنا؛ لأن ما قاله محتمل والأصل براءة ذمته.
* * *
خاتمة
عليه دين لرجل، فمات ولا وارث له، هل يتصدق عنه أو يدفعه إلى الحاكم؟
قال في (البحر): القياس أن يدفعه إلى الحاكم ولا يتصدق به، بخلاف اللقطة؛ فإن له التصدق بها بعد الحول؛ لأن هذا الدين صار لجماعة المسلمين والحاكم نائبهم، فإن قيل: أليس له التصدق باللقطة بعد الحول بغير إذن الحاكم؟ قلنا: هناك لا يدري أن الحق لواحد معين من المسلمين أو لجماعة، وهنا الحق للجماعة وحق القبض للإمام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: فإن دفعه إلى القاضي ثم ظهر أن له وراثاً .. لم يطلبه، وقد برئ بالدفع إلى القاضي؛ لأنه نائب الغائب.
وقال: والذي يحتمل أن يقال: إن ظهر أنه كان في بلده .. لم يبرأ بالدفع إلى القاضي، بخلاف ما لو كان في بلد آخر، ويحتمل أن يقال: لا يبرأ أصلاً؛ لأنه دفع على تقدير عدم الوارث، فكان بخلافه، قال: ولا وجه له عندي.
وفي (فتاوى القاضي حسين): لو غصب شيئاً وأطعمه ولده الصغير ثم بلغ فادعى المالك عليه .. لزمه الغرم، وهل يرجع به على الغارم؟ قولان.
* * *