المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: إِن شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .. اتُّبِعَ، ــ به عقار - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: إِن شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .. اتُّبِعَ، ــ به عقار

‌فَصْلٌ:

إِن شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .. اتُّبِعَ،

ــ

به عقار ويوقف عليه؟ وجهان في (البحر) و (الحاوي)، قال صاحب (الانتصار): أصحهما: الثاني، وبه أفتى الغزالي.

قال: (فصل:

إن شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره .. اتبع) سواء قلنا: الملك له أو للموقوف عليه، وسواء فوضه في الحياة أو أوصى به، فكل منهما معمول به بشرط أن يكون التفويض في صلب الوقف أن له ذلك؛ لأنه المتقرب بصدقه فهو أحق من يقوم بإمضائها وصرفها إلى مصارفها، وقد تقدم أول الفصل الذي قبله أن عمر رضي الله عنه كان يلي أمر صدقته، ثم جعله لحفصة، وبعدها إلى ذوي الرأي من أهلها، رواه أبو داوود.

وأسند البيهقي [6/ 79] إلى أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون عند شروطهم) فإن قال: جعلت ولاية هذا الوقف إلى فلان فإن مات فإلى فلان .. جاز قطعاً.

وقال مالك: لا يصح شرط الواقف النظر لنفسه بناء على قاعدته من اشتراط الحوز، وهو إخراج الموقوف عن يده، فعنده إذا لم يخرجه من يده حتى مات .. بطل، سواء شرط النظر لنفسه أم لا، وإن شرط النظر لنفسه .. لم يتبع، فإن أخرجه عن يده .. استمر صحيحاً.

قال الشيخ: والفرق بين الوقف والهبة والصدقة المنجزة حيث يكون بقاها في يد المالك إلى الموت مبطلاً: أن المقصود منهما تمليك العين للموهوب له والمتصدق عليه، ولا يبقى لأحد فيها تعلق فلابد من القبض، وأما الوقف .. فحق الموقوف عليه في العين ناقص؛ لمشاركة البطن الثاني له إما في الحال وإما في المآل فلم يشترط القبض.

ص: 519

وَإِلَاّ .. فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ

ــ

قال ويرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه شرط النظر في وقفه أن يليه ذوو الرأي والأسنان من أولاده وأولاد أولاده، فاختصم بعض أولاده وعلي بن الحسين ابن ابنه فيه إلى عبد الملك بن مروان، فقضى به لعلي بن الحسين؛ لأنه رأى أنه أولى من عمه وأنشد أبيات ابن الحقيق [من السريع]:

إنا إذا مالت دواعي الهوى .... وأنصت السامع للقائل

واختلج القوم بألبابهم .... نقضي بحكم عادل فاضل

لا يجعل الباطل حقاً لا .... يلفظ دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا .... فيخمل الدهر مع الخامل

قال: (وإلا) أي: وإن لم يشرط شيئاً (.. فالنظر للقاضي على المذهب)؛ لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه ومن بعده، فصاحب النظر العام أولى بالنظر فيه.

وقيل: الواقف؛ لأن النظر والتصرف كان إليه، فإذا لم يصرفه عن نفسه .. كان على ما كان، ويتأيد بأن الأضحية المنذورة وإن زال الملك عنها .. فالتصرف فيها بالذبح، والتفرقة للناذر دون الحاكم.

وقيل: النظر للموقوف عليه؛ لأن النفع والفائدة له، كذا أطلق جماعة هذه الأوجه الثلاثة، وبناها بعضهم على أقوال الملك، فإن قلنا: إنه للواقف .. فالنظر له، وإن قلنا: لله تعالى .. فللحاكم، وإن قلنا: للموقوف عليه .. فله.

وذكر كثيرون أن النظر في حالة السكون للواقف من غير حكاية خلاف ولا بناء، فهذه ثلاثة طرق.

قال الرافعي: والذي يقتضي كلام المعظم الفتوى به أن يقال: إن كان الوقف على جهة عامة .. فالتولي للحاكم كما في الوقف على المسجد والرباط، وإن كان على شخص معين .. فكذلك إن جعلنا الملك لله تعالى، وإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه .. فالتولية كذلك.

قال ابن الرفعة: وهذا في الوقف الذي لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه كالمقبرة والمسجد والرباط .. فالذي يقتضيه كلام الجمهور: أن النظر في ذلك

ص: 520

وَشَرْطُ النَّاظِرِ: الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ وَالاِهْتِدَاءُ إِلَى التَّصَرُّفِ.

ــ

للإمام، وأن الواقف فيه كغيره من الناس، واستخرج من كلام الأصحاب وجهين في أن واقف المسجد أولى بإمامته والأذان فيه أم لا؟ قال: وهما يقربان من أن المعتق أحق بحضانة عتيقة وكفالته إذا لم يكن له قريب أم لا؟ وفيه خلاف.

وفي (الأحكام السلطانية) للماوردي: أن تولية الإمامة في مساجد المحال للواقف، وكذا نصب المدرسي فيها، والمساجد الكبار كالجوامع ومساجد الشوارع التولية فيها للسلطان؛ لأن ذلك من الأمور العظام فاختصت بنظره.

ووقع في (الفتاوى): أن رجلا وقف وقفاً وجعل نظره للحاكم، وكان إذ ذاك شافعياً، ثم أحدث الملك الظاهر بيبرس في سنة ثلاث وستين وست مئة القضاة الأربع وتوفي الشافعي الموجود حالة الوقف فهل يختص النظر بالقاضي الشافعي بعده؟ أجاب جماعة من أئمة ذلك العصر بأنه يختص به الشافعي.

ووقع بعد تولية القضاة الأربع فتوى فيمن شرط النظر لزيد ثم لحاكم المسلمين بدمشق، فأفتى الشيخ برهان الدين الفزاري بأنه لا يختص النظر المشروط للحاكم بمعين، ونوزع في ذلك، وأجاز الشيخ اختصاص الشافعي بالنظر في الأوقاف التي شرطت للحاكم التي سكت عن شرط نظرها للحاكم، وهو متوجه.

قال: (وشرط الناظر: العدالة والكفاية والاهتداء إلى التصرف)؛ لأنه ولاية على الغير فاشترط فيها ذلك كالوصي والقيم، ولا فرق في ذلك بين الجهات العامة والأشخاص المعينين.

وفي وجه: لا تشترط العدالة إذا كان الوقف على معينين ولا طفل فيهم، فإن خان .. حملوه على السداد.

والمراد بـ (الكفاية): حسن التصرف، وهي مغنية عن قوله:(والاهتداء إلى التصرف)؛ لأن من لا يهتدي إلى التصرف لا يوصف بالكفاية، ولهذا لم يذكره في

ص: 521

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(الشرحين) ولا في (الروضة)، وكذلك المصنف اقتصر في (باب الوصية) على اشتراط العدالة والاهتداء إلى التصرف، لكن نقل المصنف في مسودة له على (المهذب) عن الأصحاب: أن شرط الناظر: العدالة والكفاية؛ وهي الاهتداء إلى التصرف، وهذه العبارة هي الصواب، حتى لو وفوض إلى موصوف بالأمانة والكفاية فاختلت إحداهما .. انتزع الحاكم الوقف منه.

ثم إن المصنف أطلق (العدالة)، وينبغي في منصوب الحاكم اعتبار العدالة الباطنة، وفي منصوب الواقف أن يكتفى بالعدالة الظاهرة كما في الأب.

فروع:

قال الرافعي: وقبول المتولي للنظر ينبغي أن يأتي فيه ما في قبول الوكيل الوكالة والموقوف عليه المعين، ولو كان لشخص النظر على أماكن فأثبت أهليته في مكان .. ثبت في باقي الأماكن من حيث الأمانة، ولا يثبت من حيث الكفاية إلا أن تثبت أهليته في سائر الوقف، قاله ابن الصلاح، وهو ظاهر إذا كان الباقي فوق ما أثبت أهليته فيه أو مثله بكثرة مصارفه وأعماله، فإن كان قليلاً .. فلا.

ولو فسق الناظر ثم عاد عدلاً .. عادت ولاديته إن كانت له بشرط الواقف، وإلا .. فلا، كذا أفتى به المصنف، وقال الإمام: هو كفسق الوصي، ومقتضاه: عدم عود الولاية.

ولو فوض النظر إلى متصف بالعدالة والكفاية فاختلت إحداهما ونزع الحاكم الوقف منه .. قال ابن الرفعة: يشبه أن ينزعه لمن يستحق النظر بعده؛ تنزيلاً لخروجه عن

ص: 522

وَوَظِيفَتُهُ: الْعِمَارَةُ وَالإِجَارِةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا، فَإِنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ بَعْضَ هّذِهِ الأُمُورِ .. لَمْ يَتَعَدَّهُ

ــ

الأهلية منزلة الموت كما تنتقل ولاية النكاح إلى الأبعد بفسق الأقرب، فإن عادة الأهلية .. عادت الولاية.

قال: (ووظيفته: العمارة والإجارة وتصحيل الغلة وقسمتها)، لأن ذلك المعهود من مثله.

وزاد في (الشرحين) و (الروضة): حفظ الأصول والغلات على الاحتياط، ولاشك أن هذه الستة من وظيفته.

وأفهم كلام المصنف: أنه ليس له التولية والعزل.

قال الشيخ: وكان بعض الفقهاء في هذا الزمان يتعلق بذلك في أنه ليس إليه التولية والعزل، وأن تولية المدرس وعزله وغيره من أرباب الوظائف ليس إليه، وعندي: أن له ذلك، لكن للحاكم الاعتراض عليه إذا فعل من ذلك ما لا ينبغي.

وجزم الشيخ عز الدين بأن المدرس هو الذي ينزل الفقهاء ويقرر جامكيتهم؛ لأنه أعرف بأحوالهم ومراتبهم، قال: وليس ذلك للناظر.

قال في (المهمات): وسكت عن الصوفية، وفي إلحاقهم بالفقهاء نظر.

قال: (فإن فوض إليه بعض هذه الأمور .. لم يتعده) كالوكيل، فلو شرط لواحد العمارة ولواحد تحصيل الريع ولواحد القسمة .. لم يتعد كل واحد ما شرط له، ولو جعل النظر لاثنين .. لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه.

ولو قال: وقفت على أولادي على أن يكون النظر لعدلين منهم فلم يكن فيهم إلا عدل واحد .. ضم الحاكم إليه عدلاً آخر.

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

إذا شرط الواقف للمتولي شيئاً من الغلة .. جاز وكان ذلك أجرة عمله، وإن لم يشرط شيئاً .. ففي استحقاقه أجرة عمله الخلاف فيما لو استعمل إنساناً ولم يذكر له أجرة.

وليس للمتولي أن يأخذ من مال الوقف شيئاً على أن يضمنه، ولو فعل .. ضمن، ولا يجوز له ضم الضمان إلى مال الوقف.

واقترض مال الوقف حكمه حكم اقتراض مال الصبي، وإذا شرط النظر للأفضل فالأفضل أو للأرشد فالأرشد من بنيه .. كان لأفضلهم من حين استحقاق النظر، فلو تجدد بعد ذلك من أهله أفضل .. لم يصر النظر إليه كما ذكره في (المطلب).

قال: ولو تغير حال الأفضل حين الاستحقاق فصار مفضولاً .. انتقل النظر إلى من هو أفضل منه.

ولو جعل النظر لأفضل ولده هل يختص بالذكور دون الإناث؛ لأنهم أفضل منهم أو يكون لأفضل النوعين؟ فيه وجهان في (الحاوي)، وأفتى ابن الصلاح بالثاني وهو الصواب، وأفتى بأنه لو شرط النظر للأرشد من أولاده فأثبت كل منهم أنه الأرشد .. اشتركوا في النظر من غير استقلال إذا وجدت الأهلية في جميعهم، فإن وجدت في بعضهم .. اختص بذلك؛ لأن البينات تعارضت في الأرشد وتساقطت، وبقي أصل الرشد فاشتركوا في ذلك.

وإذا ادعى متولي الوقف صرف ريعه إلى المستحقين، فإن كانوا معينين .. فالقول قولهم، ولهم مطالبته بالحساب، وإن كانوا غير معينين فهل للإمام مطالبته بالحساب؟ وجهان حكاهما شريح في (أدب القضاء).

ص: 524

وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُ مَنْ وَلَاّهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ،

ــ

حادثة:

قال الواقف: جعلت النظر لفلان، وله أن يفوض النظر إلى من أراد، ففوض النظر إلى شخص، فهل يزول نظر المفوض أو يكون المفوض إليه وكيلاً عن المفوض؟ وفائدة ذلك أنه لو مات المفوض إليه هل يكون النظر باقياً للناظر الأصلي أو لا؟

أجاب فقهاء الشام عن آخرهم بأن المفوض إليه هو الناظر، وأن التفويض بمثابة التمليك، وكأنه ملك ذلك، وأجاب الشيخ بأنه كالوكيل، وأن النظر لم يزل عن المفوض وهو القياس، فإذا مات المفوض إليه .. بقي المفوض على ما كان عليه.

لكن في (فتاوي المصنف): إذا شرط الواقف النظر لإنسان وجعل له أن يسند إلى من يشاء، وكذلك مسند بعد مسند فأسنده إلى إنسان فهل للمسند عزل المسند إليه أو لا؟ وهل يعود النظر إلى المسند أو لا؟ ولو أسند المسند إليه إلى ثالث فهل للأول عزله أو لا؟

أجاب: ليس للمسند عزل المسند إليه، ولا مشاركته، ولا يعود النظر إليه بعد موته، وليس له ولا للثاني عزل الثالث الذي أسند إليه الثاني.

قال: (وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره) كما يعزل الموكل الوكيل، وقيل:

ليس له العزل؛ لأن ملكه قد زال فلا تبقى له ولاية عليه.

وإطلاق المصنف يقتضي: جواز العزل بسبب وغير سبب، وفي زوائد (الروضة) قبل (باب القسمة) عن الماوردي: أنه إذا أراد الأمر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب .. جاز، أو بغير سبب .. لا يجوز، وإذا كان هذا في النظر العام .. ففي النظر الخاص المقتضي للاحتياط أولى.

ص: 525

إِلَاّ أَنْ يَشْرِطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ

ــ

وفي تصوير المسألة إشكال؛ لأنها إن كانت فيما إذا كان النظر للواقف ونصب غيره نائباً عنه .. فلا ينبغي أن يقع فيه خلاف؛ لأنه سفير محض، وإن كان مع السكوت عنه .. فلا ولاية للواقف في هذه الحالة، بل هي للقاضي.

قال: (إلا أن يشرط نظره حال الوقف) فهذا ليس للواقف عزله؛ لأنه تغيير لما شرطه، كما ليس لغيره ذلك.

وصورة الشرط: أن يقول: وقفت وشرطت التفويض له، كذا قاله البغوي، ونقل الرافعي عنه وقفها بشرط أن تكون التولية لفلان، وليس بمطابق، بل هذه الصيغة مفسدة لأصل الوقف لأجل التعليق؛ فإنه قد يقبل التولية وقد يقبل.

فرع:

عزل ناظر الوقف المشروط له النظر نفسه .. قال الشيخ: الذي أراه أنه لا ينعزل لكنه لا يجب عليه، ويجوز له الامتناع ورفع الأمر إلى القاضي ليقيم مقامه غيره، أو الواقف إن كان حياً وقلنا: له ذلك، قال: ولم أر للأصحاب خلافاً في ذلك.

وفي (فتاوى ابن الصلاح) ما يوهم خلاف ذلك، وهو مؤول، وقد تقدم في (باب القراض) شيء يتعلق بهذا.

ص: 526

وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتِ الأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة .. لم ينفسخ العقد في الأصح)؛ لجريانه بالغبطة في وقته، فأشبه ما إذا باع مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق، أو ظهر طالب بالزيادة.

والثاني: ينفسخ؛ لأنه تبين وقوعه على خلاف الغبطة في المستقبل، ومال إليه ابن الصلاح، وبه جزم الإصطخري في (أدب القضاء).

والثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دونها .. لم يتأثر العقد، وإن زادت الإجارة على سنة .. فالزيادة عليها مردودة، وبه جزم الدارمي، ووجهوه بأن السنة فيها تتكامل الفصول وتتغير الأغراض.

وحيث قلنا بالانفساخ .. قال ابن الرفعة: يحكم به بنفس الزيادة، قال: وكلام الإمام مصرح بأنه يتوقف على إنشاء فسخ.

ومحل الخلاف عند الإمام والغزالي: إذا تغيرت الأجرة بكثرة الطالبين، فإن وجد زبون يزيد على أجرة المثل .. فلا أثر له، وغيره فرضه كما في الكتاب.

واحترز المصنف بـ (الناظر) عما لو أجر الموقوف عليه بحق الملك وجوزناه، فإنه لا يتأثر العقد بالزيادة قطعاً كما لو أجر الطلق، وكذلك القيم إذا أجر مال الطفل ثم حصلت الزيادة، قاله الإمام، وهو الذي يشعر به كلام الرافعي.

وتعبيره بـ (الأصح) يقتضي قوة الخلاف، وهو قد وهاه في (فتاويه) جداً فقال: وأما ما يفعله بعض الجهال من متولي الأوقاف من قبول الزيادة إذا بلغت الثلث وفسخهم بذلك .. فباطل لا أصل له، وإنما الوجه الضعيف: أنه يجوز الفسخ مطلقاً.

تتمة في مسائل منثورة تتعلق بالباب:

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحداها: إذا وقف على الطالبيين وجوزناه .. صرف إلى ثلاثة، ويجوز أن يكون أحدهم من أولاد علي والثاني من أولاد جعفر والثالث من أولاد عقيل، ولو وقف على أولاد علي وأولاد عقيل وأولاد جعفر .. فلابد من الصرف إلى ثلاثة من كل صنف.

الثانية: وقف على عمارة مسجد .. لا يجوز صرف الغلة إلى النقش والتزويق، قال في (المهمات): لكنه إن تعدى وفعله .. لم يغرم شيئاً كما جزم به البغوي في (فتاويه) فتفطن له، هذه عبارته، والذي نقطع به تغريمه كغيره مما لا يجوز إذا فعله، وقال في (البحر) و (الحاوي) و (العدة): ولا يجوز صرف شيء منه إلى الإمام والمؤذن، ويجوز صرف أجرة القيم منه؛ لأنه يحفظ العمارة، وكذلك يجوز أن يشتري منه سلم لسطحه ومكانس يكنس بها ونحو ذلك مما يحفظ عمارته، ويشترى منه البواري لا الدهن في الأصح، وقال البغوي: لا يجوز أن يشترى منه الدهن ولا الحصر، وإن وقف على مصالح المسجد .. جاز شراء ذلك منه، والقياس: جواز الصرف إلى الإمام والمؤذن أيضاً، وكذا لو وقف على مسجد وأطلق

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الأصح عند الغزالي وغيره، قال الرافعي: ويشبه أن يجوز بناء المنارة من الموقوف على عمارته.

ويستحب للقضاة تجديد سجلات الأوقاف التي في ديوانهم كلما مضى زمن يخاف منه موت الشهود.

الثالثة: لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته، فلا تجعل الدار بستاناً ولا حماماً ولا بالعكس، إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة.

وفي (فتاوى القفال): أنه يجوز أن يجعل حانوت القصارين للخبازين، فكأنه احتمل تغيير النوع دون الجنس.

قال المتولي: فإن خربت البقعة وأراد من له النظر أن يعمر .. فله أن يردها إلى ما كانت، فإن أراد أن يردها إلى صفة أخرى .. لم يجز، ومن هنا يعلم: أن ما جرت به العادة من تحكير الأرض الموقوفة إذا انهدم بناؤها ليبني عليها المستحكر ما شاء .. حرام، وإنما يجوز مثل المنهدم، وبه صرح ابن الرفعة فقال: ولا يجوز أن يؤجر ليبني فيها غير ما كانت عليه.

وسئل بن الصلاح عن فتح باب جديد في الرباط اقتضته المصلحة مضافاً إلى القديم .. فأجاب بأن ذلك إن استلزم تغيير شيء من الموقوف عن هيئته إلى هيئة أخرى غير مجانسة لها بأن يفتحه إلى أرض وقف بستان- مثلاً- فيستلزم تغيير محل الاستطراق .. لم يجز، وإن لم يستلزم شيئاً من ذلك .. فلا بأس به عند اقتضاء المصلحة، واستدل له بخبر الكعبة.

وفي (المطلب): أن المصلحة إذا اقتضت تغيير بناء بعض الموقوف لزيادة

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ريعه .. جاز وإن لم ينص الواقف عليه، ونقل ذلك عن الشيخ تقي الدين القشيري وغيره من علماء عصره.

الرابعة: لا تجوز قسمة العقار الموقوف بين أرباب الوقف، وقال ابن القطان: إن قلنا: القسمة إفراز .. جاز، فإذا انقرض البطن الأول .. انتقضت القسمة.

وتجوز لأهل الوقف المهايأة، قاله ابن كج.

الخامسة: لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه من غير تعد .. فلا ضمان عليه.

قال المصنف: ومن ذلك الكيزان المسبلة على أحواض الماء والأنهر ونحوها، فلا ضمان على من تلف في يده شيء منها بلا تعد، فإن تعدى .. ضمن، ومن التعدي استعماله في غير ما وقف له.

السادسة: الوقف على الفقهاء هل يختص بفقراء بلد الوقف؟ فيه الخلاف المذكور فيما لو أوصى للفقراء، والأصح: أنه لا يجوز أن يدفع منه على فقيرة لها زوج يمونها، ولا إلى مكفي بنفقة قريب ونحوه.

السابعة: قال الرافعي: يجوز للإمام أن يقرض ناظر الوقف من بيت المال، أو يأذن له في الاستقراض أو الإنفاق على العمار من مال نفسه بشرط الرجوع، قال: وليس له الاستقراض دون إذن الإمام.

قال الشيخ: وكان بعض مشايخنا يستشكله ويقول: لم لا يجوز له أن يستقرض بغير إذن الإمام إذا دعت الحاجة إلى الاستقراض؟ قال: والذي ظهر لي في توجيهه أنه إثبات دين في رقبة الوقف متعلق بسائر البطون فلا يستقل به الناظر؛ لأنه إنما له النظر مدة حياته، فاحتيج إلى إذن من له النظر العام وهو الحاكم، فالحق ما قاله الرافعي.

الثامنة: إذا فضل من ريع الوقف مال .. هل للناظر أن يتجر فيه؟ أجاب الشيخ بجواز ذلك إذا كان لمسجد؛ لأنه كالحر، بخلاف غيره.

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التاسعة: سئل أبو عبد الله الحناطي عن شجرة نبتت في المقبرة هل للناس الأكل من ثمارها؟ فقال: قيل: يجوز، والأولى عندي صرفها إلى مصالح المقبرة، واختار المصنف الأول.

وعن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع في ثمارها؟ فقال: إن جعلها للمسجد .. لم يجز أكلها إلا بعوض ويصرف إلى مصالح المسجد، وإن غرسها مسبلة للأكل .. جاز أكلها بلا عوض، وإن جهلت .. رجع إلى العادة في ذلك.

وفي زوائد (الروضة) في (كتاب الصلاة): ينبغي أن لا تعرس الأشجار في المسجد، فإن غرست .. قطعها الإمام.

وفي (فتاوى القاضي حسين) في (كتاب الصلاة) لا يجوز غرسها فيه، وجزم في (كتاب الاعتكاف) بالكراهة، وأنه إذا غرسها .. لا يجوز نقلها؛ لأنها صارت ملكاً للمسجد.

وقال البغوي: تقطع وتكون ملكاً لمن غرسها، فإن ملكها للمسجد وقبلها له قيمه .. صارت ملكاً للمسجد.

قال: وإذا نبت في المسجد حشيش له قيمة .. لم تجز أخذه إلا بعوض.

العاشرة: لو قف على دهن السراج للمسجد .. جاز وضعه في جميع الليل؛ لأنه أنشط للمصلين، قال المصنف: إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما، فإن كان المسجد مغلقاً ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله .. لم يسرج؛ لأنه إضاعة مال.

* * *

ص: 531

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

قال الشيخ: قال لي ابن الرفعة: أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقف لتكون في مكان معين من مدرسة الصاحبية بمصر؛ لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة، قال الشيخ: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم تكن فيه جمعة لا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه كما يفعل بالجامع الأزهر وغيره لا يصح وقفه، ويجب إخراجه من المسجد؛ لما تقدم من استحقاق تلك البقعة لغير هذه الجهة، والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

* * *

ص: 532