المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: تُضْمَنُ نَفْسُ الرِّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، ــ المالك، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: تُضْمَنُ نَفْسُ الرِّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، ــ المالك،

‌فَصْلٌ:

تُضْمَنُ نَفْسُ الرِّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ،

ــ

المالك، وعلى الثاني: لا يبرأ.

ولو لم يطعمه الغاصب ولكن أكله المالك ظانًا أنه طعام الغاصب .. برئ وجهًا واحدًا.

ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله بالدفع .. لم يبرأ الغاصب، سواء علم أنه عبده أم لا؛ لأن الإتلاف بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه، ولهذا لو كان العبد لغيره .. لم يضمنه كما تقدم، وقيل: يبرأ عند العلم، وهو ضعيف.

تتمة:

إذا قال الغاصب للمالك: أعتق هذا العبد، فأعتقه جاهلًا .. نفذ وبرئ الغاصب على الأصح، وبه قطع المتولي.

ولو زوج الغاصب الجارية المغصوبة من مالكها فتزوجها جاهلًا بالحال فتلفت عنده .. لم يبرأ، كما لو أودعها عند فتلفت، ولو استولدها .. نفذ الاستيلاد قطعًا وبرئ الغاصب.

قال: (فصل:

تضمن نفس الرقيق بقيمته) كما تضمن نفس الحر بالدية وإن زادت على دية حر.

وقال أبو حنيفة: إذا زادت قيمته على الدية لا يضمن الزائد.

وقال أحمد: الواجب فيه المثل الصوري.

قال: (تلف أو أتلف تحت يد عادية) بتخفيف الياء بمعنى متعدية، وهذا الحكم لا يختلف الأصحاب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركًا له في

ص: 177

وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنَ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتَهِ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إِنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ .. فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ: تَتَقَدَّرُ مِنَ الرَّقِيقِ. وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ

ــ

عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد .. قوم عليه).

وجه الاستدلال: أنه لو كان يضمن بالمثل .. لضمن مثل الحصة، ولو عبر بـ (يد ضامنه) .. لشمل المستعير والمستام وغيرهما، لكن الباب لما كان معقودًا للتعدي عبر بالعادية، وقدم الكلام في ضمان الآدمي لشرفه، وخصه بالرقيق؛ لأن ضمان الحر يأتي في (باب الجنايات).

قال: (وأبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر بما نقص من قيمته) سواء تلف تحت يد ضامنة أم أتلف بغير حق وذلك كنحول الجسد وذهاب البكارة وجرح الفخذ ونحوها، ولا خلاف فيه، فلو لم تنتقص القيمة كالسمن المفرط إذا نقص .. لم يلزم به شيء.

قال: (وكذا المقدر إن تلفت) وذلك كاليد والرجل والعين ونحوها إن تلفت بآفة سماوية؛ لأن التقدير إنما ورد في الجناية، فخص بموردها؛ لأنه خلاف الأصل، وقيل: يجب أكثر الأمرين، وقيل: نصف القيمة كالجناية.

قال: (وإن أتلفت) وقيل: نصف القيمة كالجناية.

قال: (وإن أتلفت) أي: بجناية مضمونة (.. فكذا في القديم) أي: يجب نصف ما نقص من القيمة أيضًا كسائر الأموال.

قال: (وعلى الجديد: تتقدر من الرقيق. والقيمة فيه كالدية في الحر، ففي يده) أي: المحترمة المضمونة (نصف قيمته) سواء زادت على الأرش أو نقصت؛ لأنه أخذ شبهًا من البهيمة من حيث إنه يضمن بوضع اليد، ومن الحر من حيث إنه يضمن بالقصاص وتجب به الكفارة وتقام عليه الحدود.

وإذا دار فرع بين أصلين .. أجري عليه حكم أكثرهما شبهًا به، وهو الحر فيما نحن فيه.

ص: 178

وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ: مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ،

ــ

قال الشافعي رضي الله عنه: وبقول سعيد بن المسيب أقول: جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته في كل قليل وكثير.

كل هذا إذا لم ينقص نصف القيمة عن أرش ما نقص من القيمة، فإن نقص .. وجب أرش النقص.

وحاصله يجب فيما أتلف بالجناية من الأبعاض أكثر الأمرين من أرش النقص والمقدر، وستأتي المسألة قبيل (باب موجبات الدية) إن شاء الله تعالى.

والمكاتب والمدبر وأم الولد في ذلك كالقن.

واحترز بالمضمونة عما لو وجب قطعها في الحرابة فإنها مهدرة، وكذا يد المرتد.

قال: (وسائر الحيوان) أي: باقيه يضمن (بالقيمة) وهذا لا خلاف فيه عندنا، فتضمن أعضاؤه بما نقص من قيمته.

وأوجب أبو حنيفة في عين الدابة ربع قيمتها؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك، وهذا إن صح يحمل على أن الربع كان قدر النقص.

وأوجب مالك في قطع ذنب حمار ذي الهيئة وذنب بغلته تمام القيمة، ويأخذ المتلف العين؛ لأنها لا تصلح له بعد ذلك.

قال الفوراني: الحيوان يخالف الجماد في حكم واحد وهو: أنه لا يضمن إلا بعد الاندمال، والجماد يضمن في الحال وإن كان ساريًا.

قال: (وغيره) أي: غير الحيوان من الأموال (مثلي ومتقوم)؛ لأنه إن كان له مثل .. فهو المثلي، وإلا .. فالمتقوم وهو بكسر الواو كما تقدم.

قال: (والأصح: أن المثلي: ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه) فخرج المعدود والمذروع، وخرج بما جاز السلم فيه المعجونات والجواهر الكبار ومعروض النار وغيرها، ويقابل الأصح أوجه:

ص: 179

كَمَاءٍ

ــ

أحدها: إسقاط، وجاز فيه السلم، ونقض بالمعجونات.

والثاني: يزاد على ما في الكتاب، وجاز بيع بعضه ببعض، ونقض بالفواكه الرطبة واللحم الطري.

والثالث: ما ينقسم بين الشريكين بلا تقويم، ونقض بالأرض المتساوية الأجزاء فإنها تنقسم كذلك وليست مثالية.

والرابع: ما لا تختلف أجزاء النوع منه في القيمة وربما قيل: في الجرم والقيمة.

فرع:

في (فتاوى القفال): أن بزر القز لا مثل له ولا يجوز السلم فيه؛ لأن أهل الصنعة لا يعرفون أن هذا البزر يكون نسجه أبيض أو أحمر فهو كالسلم في الجواهر.

تنبيه:

يرد على ضابط المصنف القمح المختلط بالشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه كما ذكره صاحب (التنبيه) في (باب القرض) مع أن الواجب على متلفه إخراج القدر المحقق من الجنسين.

قال: (كماء) أي: خالص غير مشوب، وهذا لا خلاف فيه، وإنما مثل به لأنه قد يتوهم أنه غير مثلي؛ لأنه في العادة لا يكال ولا يوزن، وهل الملح مثلي كالعذب؟ لا نص فيه.

ص: 180

وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَنِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ

ــ

قال شريح الروياني وغيره: إنما يكون الماء والجمد من المثليات إذا لم يخالطهما تراب.

وفي (المطلب) في (باب الإجارة): أن الماء الحر متقوم؛ لدخول النار فيه ودرجات حموه لا تنضبط، وهذا يطرق غيره من المائعات إذا حميت بالنار.

قال: (وتراب) أي: خالص، هذا هو المعروف، وفيه وجه بعيد لا وجه له، وكذلك الرمل، أما القمامات التي تجمع في الحمامات ونحوها .. ففي (المطلب): أنه لا يتعلق بها ضمان عند التلف؛ لأنها محتقرة.

قال: (ونحاس) وهو بضم النون وحكى ابن خالويه كسرها، والحديد ونحوه كالنحاس، وفي النحاس أيضًا وجه بعيد لا وجه له.

قال: (وتبر) وهو بكسر التاء: الذهب غير المضروب، وبعضهم يطلقه على الفضة أيضًا، وقال الكسائي: يطلق على النحاس والحديد.

قال: (ومسك وكافور)؛ لأنهما ينضبطان بالصفة، وفي هذه أيضًا وجه بعيد.

قال: (وقطن) أي: بعد إخراج الحب، أما قبله .. فيظهر القطع بأنه متقوم كما قاله في (المطلب)، والعزل مثلي على المشهور.

قال الشيخ: ومن ذهب إلى خلافه .. لم يبعد؛ لأن أجزاءه مختلفة، لكنه يجوز السلم فيه، فلذلك كان الأصح أنه مثلي، وأما الصفوف .. فقال الشافعي رضي الله عنه: يضمن بالمثل إن كان له مثل، وهذا توقف منه في أنه مثلي أم لا، وحكى في (البحر) قولين.

ص: 181

وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لَا غَالِيَةٍ وَمعْجُونٍ. فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ

ــ

قال: (وعنب) وكذلك الرطب ونحوهما من الفواكه مثلية على الأصح.

والثاني: لا، تفريعًا على اعتبار بيع بعضها ببعض وهو ممتنع، والمصحح هنا هو الأصح في (الروضة)، وصحح في (شرح المهذب) في (زكاة المعشرات): أن الرطب والعنب متقومان.

قال: (ودقيق)؛ لأنه يضبط بصفات السلم، وكذا النخالة كما أفتى به ابن الصلاح، وهذه تقدمت في (باب السلم).

ولو اختلفا فقال المالك: المغصوب مثلي، وقال الغاصب: لا مثل له .. رجع فيه إلى اجتهاد الحاكم.

قال: (لا غالية ومعجون)؛ لأنهما متقومان لما فيهما من التركيب.

والحبوب الجافة السليمة والتمر غير المكنوز والزبيب والأدهان والألبان والخلول الخالصة مثلية قطعًا، وكذلك الدراهم والدنانير الخالصة على الصواب، والمغشوشة إن جوزنا التعامل بها .. فمثلية، وإلا .. فلا.

قال البغوي: والآخر عندي مثلي، وذكر الماوردي أن الزيتون متقوم، ولعله على طريقه من يجعل الرطب والعنب كذلك، وفي اللحم في (روضة شريح) و (البحر) أوجه: ثالثها: اليابس مثلي، والرطب متقوم.

والأصح: جواز أخذ القيمة عن المثلي بالتراضي.

قال: (فيضمن المثلي بمثله)؛ لأنه أقرب إلى التالف من القيمة، ولأن المثل كالنص والقيمة كالاجتهاد، ولا يصار إلى الاجتهاد إلا عند فقد النص.

هذا إذا كان للمثلي حينئذ قيمة، أما إذا أتلف الماء في المفازة واجتمعا على

ص: 182

تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ،

ــ

شاطئ نهر، أو أتلف الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء .. فإنه تلزمه القيمة هناك.

قال: (تلف أو أتلف) زاد في (المحرر): (تحت يد عادية) فحذفه المصنف لدلالة ما تقدم عليه، فورد عليه المستعير والمستام فإنهما يضمنان المثلي بالقيمة فكان الأحسن ذكره هنا وحذفه هناك، وقد يجاب بأن كلامه في الغصب دون غيره.

فروع:

الأول: غصب حنطة فطحنها وتلف الدقيق عنده، أو جعله خبزًا وأكله. قال العراقيون: يضمن المثل، والأشهر: ما قطع به البغوي أن المتقوم إن كان أكثر قيمة .. غرمها، وإلا .. فالمثل، وعن القاضي حسين: يغرم أكثر القيم، وليس للمالك مطالبته بالمثل.

فعلى هذا: إذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء فتلفت عنده، ثم طالبه المالك في الرخص هل يغرم المثل أو القيمة؟ لم يصح إطلاق الجواب بواحد منهما بل الصواب أن يقال: إن تلفت وهي حنطة .. غرم المثل، وإن صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت .. فالقيمة.

وكان القاضي قد لقن المسألة الرئيس أبا علي المنيعي ليغالط بها فقهاء مرو، ويغلط من أطلق الجواب منهم.

والمنيعي هو: حسان بن سعيد بن حسان من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه، كان في أول أمره تاجرًا، ثم صار مشارًا إليه عند السلاطين، أنفق جملة مستكثرة على بناء المساجد والربط وأنواع الخيرات منها: جامع مرو الذي كان إمام الحرمين خطيبه، وكان كثير التواضع، روى الحديث عن البغوي وغيره، توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربع مئة.

ص: 183

فَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَالْقِيمَةُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ

ــ

الثاني: لو تغير المثلي إلى مثلي آخر كالسمسم يصير شيرجًا ثم تلف عنده .. قال العراقيون والغزالي: يضمنه المالك بما شاء منهما، وقال البغوي: إن كانت قيمة أحدهما أكثر .. غرم مثله، وإلا .. فيتخير المالك.

الثالث: إذا لزمه المثل .. لزمه تحصيله إن وجده بثمن المثل، فإن لم يجده إلا بزيادة .. فوجهان: أصحهما عند البغوي والروياني: يلزمه المثل.

والأصح عند الغزالي والشاشي والمصنف: لا يلزمه تحصيله؛ لأن الموجود بأكثر من ثمنه كالمعدوم كالرقبة وماء الطهارة.

قال: (فإن تعذر) أي: في البلد وحواليه كما في انقطاع المسلم فيه، كذا قاله الرافعي ونازعه فيه ابن الرفعة.

قال: (.. فالقيمة) أي: قيمة المثل؛ لأنه حينئذ يشبه ما لا مثل له، وقيل: قيمة المغصوب.

فلو وجد المثل بعد أخذ القيمة .. فليس لأحدهما ردها وطلبه في الأصح.

وإذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل فهل يلزمه تحصيله؟ وجهان: رجح كلًا مرجحون، ففي (التنبيه): العدول إلى القيمة، وصححه المصنف كرقبة الكفارة وماء الطهارة، وممن رجح تكليفه المثل: البغوي والجرجاني والروياني في غير (البحر)، وابن أبي عصرون، وهو المختار قياسًا على العين؛ فإنه يجب ردها وإن غرم فيه أضعاف قيمتها، وفرق الأولون بأنه تعدى في العين دون المثل.

قال: (والأصح: أن المعتبر أقصى قيمة) هو بفتح الياء وكسر الميم جمع قيمة بسكون الياء.

ص: 184

مِنْ يَوْمِ الْغَضْبِ إِلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْضُوبَ الْمِثْلِيَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ .. فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ،

ــ

قال: (من يوم الغصب إلى تعذر المثل)؛ لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب، فإذا لم يفعل .. غرم أقصى قيمة المدتين، كما أن المتقومات تضمن بالأقصى لهذا المعنى.

ويقابل الأصح عشرة أوجه: قيمة يوم التلف، قيمة يوم فقد المثل، قيمة يوم الطلب، وبه قال أبو حنيفة، فإن الإعواز حينئذ يتحقق، ونسبة القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إلى الأكثرين، وقيل: قيمة يوم الأداء، وقيل: الأكثر من الغصب إلى الأداء، وقيل: الأكثر من الغضب إلى التلف، وقيل: الأكثر من التلف إلى فقد المثل، وقيل: الأكثر من التلف إلى الطلب، وقيل: الأكثر من فقد المثل إلى الطلب، وقيل: إن انقطع من الدنيا .. فيوم فقد المثل، أو من بلده .. فيوم الحكم.

وعبر بعضهم فيما تقدم عن الطلب بالحكم وصوبه الشيخ.

أما إذا كان المثلي مفقوداً عن التلف .. فأوجه ثمانية وهي: الأقصى من الغصب إلى التلف وهو قياس الأصح، الأقصى من الغصب إلى الأداء، قيمة يوم الطلب، قيمة يوم الأداء المفصل، فتحرر أن الوجوب يتعلق بالعين ما دامت باقية وبنوعيها وهو أعم منها إذا تلفت وبماليتها وهي القيمة إذا تعذر المثل.

ولو قال المستحق: لا آخذ القيمة وأنتظر وجود المثل .. قال في (البيان): له ذلك.

قال في (الروضة): ويحتمل أن يأتي فيه الخلاف في صاحب الحق إذا امتنع من قبضه هل يجبر ويمكن الفرق؟ ولو لم يأخذها حتى وجد المثل .. تعين قطعاً.

قال: (لو نقل المغصوب المثلي إلى بلد آخر) أي: يعلمه المالك (.. فللمالك أن يكلفه رده) كما كان وهذا لا خلاف فيه عندنا إذا علم مكانه؛ لعموم قوله)

ص: 185

وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا رَدَّهُ .. رَدَّهَا

ــ

صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).

وأفهم قوله: (إلى آخره) أنه إذا نقله إلى دار أخرى بالبلد أنه لا يرهق إلى القيمة للحيلولة إذا أمكن إحضاره في الحال، فإن تعذر أو تأخر .. أرهقه إليها، وإلا .. فالقيمة فقط، وقد سبق ذلك عند قوله:(وعلى الغاصب الرد) فإن هذه بعض تلك الأحوال؛ لأن تلك أعم من المثلي والمتقوم، وقد تقدم هناك وجه في المحتاج إلى مؤنة كثيرة، أما إذا جهل موضعه .. فلا يؤمر بالرد؛ لامتناعه.

قال: (وأن يطالبه بالقيمة في الحال) وإن كان مثليا؛ لأنه أحال بينه وبين ملكه، فأوجبنا القيمة لتسد مسد العين فيطالب بالقيمة للحيلولة، وإن كان قد كلف ردها .. فهما حقان واجبان في الحال عند العلم بموضع المغصوب.

ومعنى الحيلولة: أن المأخوذ بقيمة العين بسبب الحيلولة.

والصحيح المشهور: أن المغصوب منه يملكها، وإلا .. لما سدت مسد العين، وهي ملك قرض خلافاً للقفال، قالوا: وهي أقصى القيم من الغصب إلى الطلب، ولو بذلها الغاصب .. لم يلزم المالك قبولها؛ لأنها ليست حقاً ثابتاً في الذمة حتى يجبر على قبوله أو الإبراء منه، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ.

ثم ضمان الحيلولة ثابت في كل مغصوب تعذر رده، وينبغي إذا زادت القيمة بعد ذلك أن يطالب بالزائد، وينبغي وجوب المثل في المثلي، وكلامهم كالصريح في القيمة مطلقاً؛ لأن ذلك إنما يكون في الضمان الذي يقطع العلقة، وضمان الحيلولة إنما هو ليسد مسده في مدة الحيلولة.

قال: (فإذا رده .. ردها) أي: وجوباً؛ لأنه إنما أخذها للحيلولة وقد زالت، هذا إذا كان على مسافة بعيدة لا يمكن رده إلا بزمن طويل، فإن كان المغصوب منه على مسافة قريبة .. لم يطالب بالقيمة، بل برد المغصوب.

قال في (المهذب): ويسترجعه بزوائد المتصلة، وفيه نظر من حيث إن البدل

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القيمة وهي الدراهم والدنانير ولا زيادة لها، فيجوز أن يرد إذا اعتاض عن القيمة شاة مثلاً فيردها مع زوائدها.

قال الشيخ: ورأيت في حاشية تمثيله ببلد يتعاملون فيه بالحيوان، وتردد الجويني في جواز إبدال النقد بغيره، والأقوى في (الروضة): المنع.

فروع:

إذا اتفقنا على ترك التراد .. فلابد من بيع بشروطه، فلو ظهر على المالك دين مستغرق .. فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها؛ لأن هذا عين ماله، وهذا أولى من المفلس؛ لأن هناك يحتاج إلى اختيار، وهنا بمجرد عود المغصوب يستقر الملك في القيمة.

والأشهر في (الرافعي): أنه ليس للغاصب حبس المغصوب ليسترد القيمة وإن كانت الدراهم المبذولة للحيلولة بعينها باقية في يد المالك.

وتردد الشيخ أبو محمد في أنه هل يجوز له إمساكها وغرامة مثلها؟ قال المصنف والشيخ: الأقوى: أنه لا يجوز، كما أن للمقرض استرداد عينه وهذا أولى.

وزوائد المغصوب قبل دفع القيمة مضمونة على الغاصب قطعاً، وبعد دفعها وجهان: أصحهما: أنها مضمونة أيضاً.

وإذا غصب أم ولد فأبقت من يده .. غرم قيمتها للحيلولة، فإذا مات السيد عتقت واسترد الغاصب ما أخذ منه أو بدله.

ص: 187

فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ .. طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ .. غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً. وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ .. فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ، وَإِلَاّ .. فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ، بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ

ــ

قال: (فإن تلف في البلد المنقول إليه .. طالبه بالمثل في أي البلدين شاء) كالعين، وكذا في أي موضع شاء من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين، بل لو أعاده الغاصب إلى بلده فتلف فيه .. فالتخيير بحاله.

قال: (فإن فقد المثل .. غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة)؛ لأنه كان تجوز له المطالبة بالمثل فيهما.

فعلى هذا: إذا غرمه قيمة البلد المنقول إليه فاختلفت القيمة بالنسبة إلى يوم الغصب ويوم التلف ويوم المطالبة .. فتجري الأوجه العشرة المتقدمة.

قال: (ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف) أي: والمغصوب مثلي والمثل موجود، وكذا إن ظفر بالمتلف الذي ليس بغاصب.

قال: (.. فالصحيح: أنه إن كان لا مؤنة لنقله كالنقد) أي: اليسير (.. فله مطالبته بالمثل، وإلا .. فلا مطالبة بالمثل)؛ لما فيه من الضرر، بل يرغمه قيمة بلد التلف قطعاً للنزاع، وهذا قول الأكثرين ويقابله وجهان:

أحدهما: له طلب المثل مطلقاً.

والثاني: إن لم تزد قيمة ذلك البلد على بلد التلف .. طالبة بالمثل، وإلا .. فبالقيمة، صرح به جماعة ونقل عن النص، قال الشيخ: وهو أولى لكن قال الإمام: إن الأئمة لم يفصلوا.

قال الشيخ: وحمل إطلاق الأئمة على التفصيل متعين.

قال: (بل يغرمه قيمة بلد التلف)؛ لأنه قد تعذر على المالك الرجوع إلى المثل قياساً على الانقطاع، وهذا إذا لم ينتقل المغصوب عن موضعه، وإلا .. فقيمة أكثر البقاع كما تقدم.

ص: 188

وَأَمَّا الْمُتَقَوَّمُ .. فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيْمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، وَفِي الإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسَرَايَةٍ .. فَالْوَاجِبُ: الأَقْصَى أَيْضًا. وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ

ــ

قال: (وأما المتقوم .. فيضمن بأقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف)؛ لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالزيادة، فلما لم يرد في تلك الحالة .. ضمن بدله.

فإن كانت الزيادة في العبد أو الأمة بسبب الغناء وفي الكبش بسبب النطاح والديك بالهراش .. فالنص: أنه لا يضمن ما زاد بسبب ذلك.

أما القبالة .. فتجب فيها قيمة الكاغد وأجرة الكاتب كما سيأتي في آخر (الوديعة) إن شاء الله تعالى.

قال: (وفي الإتلاف بلا غصب بقيمة يوم التلف)؛ لأن ضمان الزائد في المغصوب إنما كان لتعديه وهنا لا عدوان.

قال: (فإن جنى وتلف بسراية .. فالواجب: الأقصى أيضاً)؛ لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية .. فلأن نعتبره في نفس الإتلاف أولى.

مثاله: جنى على بهيمة وقيمتها مئة، وهلكت وقيمة مثلها خمسون: تلزمه مئة، فلو لم يهلك المغصوب لكن أبق العبد. أو ضلت الدابة أو ضاع الثوب .. فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال للحيلولة، والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة.

قال: (ولا تضمن الخمر) سواء كانت لمسلم أم ذمي، وسواء أراقها حيث تجوز إراقتها أم لا؛ لأنها محرمة ولا قيمة لمحرم، لأن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء .. حرم عليهم ثمنه. رواه أبو داوود [3482].

والخنزير كالخمر، وكذا حكم كل نبيذ مسكر وكل نجس العين؛ لعدم المالية، وأوجب أبو حنيفة ضمان خمور أهل الذمة، وفي الخمرة المحترمة وجه: أنها طاهرة فعلى هذا: تضمن.

وقال في (الدقائق): إن الحشيشة مسكرة، فعلى هذا: يتجه إلحاقها

ص: 189

وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إِلَاّ أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إِنْ بَقِيَتِ الْعَيْنُ، وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إِذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ

ــ

بالخمر، وفي ضمان المتنجس من الزيت والماء وجهان.

قال: (ولا تراق على ذمي)؛ لأنا أقررناهم على الانتفاع بها، ومن تعرض لذلك أو اعتراض عليهم فيها .. زجر، فإن عاد .. أدب وإن كان إذا أتلفها لا يضمنها.

قال: (إلا أن يظهر شربها أو بيعها) ولو من مثله فحينئذ تراق؛ لأنه تعدى بذلك، وكذا حكم إظهار هبتها وعرضها للبيع ونحو ذلك، فكان الصواب التعبير بـ (الإظهار) كقوله في (الجزية):(ويمنعون من إظهار خمر وخنزير).

وضابط الإظهار: أن يكون بحيث يطلعون عليهم من غير تجسس، وهل المعاهد والمستأمن في ذلك كالحربي؟ فيه نظر.

قال: (وترد عليه إن بقيت العين)؛ لما سبق من تقريرهم عليها، وفي وجه حكاه الإمام عن المحققين: تجب التخلية فقط، وهو قوي.

وعلى الأصح: على الغاصب مؤنة الرد كما صرح به في (المحرر).

وأشار بقوله: (إن بقيت العين) إلى أنها إن تلفت .. لم تضمن.

قال: (وكذا المحترمة إذا غصبت من مسلم)؛ لأن له إمساكها لتصير خلا، وفسر الرافعي هنا المحترمة بالتي عصرت من غير قصد الخمرية، وفسرها في (الرهن بالتالي عصرت بقصد الخلية وبين العبارتين فرق.

وفي (الكفاية) عن العراقيين: تراق محترمة كانت أو غيرها، ولا يحسن قول المصنف في (التصحيح): الصواب وجوب رد المحترمة.

ص: 190

وَالأَصْنَامُ وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّالِيفِ،

ــ

أما غير المحترمة .. فتراق على المسلم، وفي وجه غريب: ترد عليه ليطفئ بها ناراً أو يبل بها طيناً ونحوه.

وحيث جازت الإراقة لا يجوز كسر الأواني إلا أن لا يقدر عليها إلا به كالرمي بالحجارة، وكذا لو كانت في قوارير ضيقة الرؤوس ولو اشتغل بإراقتها أدركته الفساق ومنعوه، فلو لم يخف ذلك لكن كان يضيع فيه زمانه ويبطل شغله .. فله كسرها، قاله في (الإحياء).

وللإمام كسر الظروف التي تجعل فيها الخمر زجراً وتأديباً دون الآحاد.

قال: (والأصنام وآلات الملاهي لا يجب في إبطالها شيء)؛ لأنها محرمة الاستعمال، وصنعتها محرمة والمحرم لا بدل له.

روى الشيخان [خ 2222 - م155/ 243] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينزلن عيسى ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير).

وكذلك حكم أواني الذهب والفضة والصلبان، سواء كسرها مسلم أو ذمي، ومتى أظهر الذمي الصليب ونحوه .. كسرناه.

والصحيح: أنه لا فرق في ذلك بين أن يشترط عليهم في عقد الذمة أم لا.

روى البيهقي [6/ 101] عن أبي حصين رضي الله عنه: أن رجلاً كسر طنبوراً لرجل فرفعه إلى شريح .. فلم يضمنه.

قال: (والأصح: أنها لا تكسر الكسر الفاحش، بل تفصل لتعود كما قبل التأليف) وضابطه أن يزول الاسم ويعسر العود حتى إذا أراد اتخاذ آلة محرمة من مفصلها .. لنال الصانع التعب الذي يناله في ابتداء الاتخاذ.

والثاني: أنها ترض حتى تنتهي إلى حد لا يمكن أن تتخذ آلة محرمة ولا غيرها.

ص: 191

فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ .. أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ.

ــ

والثالث: تفصل بحيث لا يصلح معه الاستعمال المحرم، حتى إذا رفع وجه البربط وبقي على صورة قصعة .. كفى، ولم يكتف أحد من الأصحاب بقلع الأوتار مع ترك الآلات، لأنها منفصلة عن الآلة في حكم المجاورة لها.

نعم؛ لو وجد الآلة بدون وتر .. ففي إزالة تلك الصورة احتمال لابن الرفعة.

وقال في (البسيط) أجمعوا على أنه لا يجوز إحراقها؛ لأن رضاضها متمول ومن اقتصر في إبطالها على الحد المشروع فيه .. لا شيء عليه، ومن جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة على الحد المشروع فيه وبين قيمتها على الحد الذي أتى به.

قال: (فإن عجز المنكر عن رعاية هذا الحد بمنع صاحب المنكر .. أبطله كيف تيسر)؛ للحاجة إلى ذلك، ولأن صاحبه مفرط، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: في حفظي أن الكافر ليس ذلك.

فرع:

المرأة والعبد والفاسق والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة سائر المنكرات، ويثاب الصبي عليه كما يثاب البالغ، ولكن إنما تجب إزالته على المكلف، وليس لأحد منع الصبي من إنكار المنكر فإنه وإن لم يكن مكلفاً .. فهو من أهل القرب وليس من أهل الولايات.

فرع:

أتلف ديكاً هراشاً أو كبشاً نطاحاً وجبت قيمته غير هارش وناطح؛ لأن الزيادة

ص: 192

وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَاديَةٍ، وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إِلَاّ بِالتَّفْوِيتِ،

ــ

بسبب الوصف المحرم، وكذا أفتى به القاضي حسين، وكذلك لا يضمن ما زاد بسبب الغناء في العبد والأمة على النص خلافاً للروياني وسيأتي آخر الفصل.

قال: (وتضمن منفعة الدار والعبد ونحوهما بالتفويت والفوات في يد عادية) أو مترتبة عليها؛ لأن المنافع متقومة فكانت مضمونة بالغصب كالأعيان، فالتفويت: الاستعمال، والفوات: أن تضيع المنفعة من غير انتفاع كإغلاق الدار، فلو كان للعبد صناعات .. ضمن أعلاها لا كلها.

ولو كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة .. فالصحيح: أنه يضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه.

والثاني: كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل، فإن كانت أكثر .. ضمنها بالأكثر في جميع المدة.

والثالث: بالأكثر في جميع المدة، وهو ضعيف.

وأشار بقوله: (ونحوهما) إلى كل عين يصح استئجارها، فالمنفعة المحرمة التي لا يجوز عقد الإجارة عليها كالمعازف لا تضمن، واحترز بذلك عما لا يصح كالخنزير والكلب إذا قلنا: لا يصح استئجاره، فإنه لا أجرة له، ولو اصطاد به شيئاً كان كما لو غصب شبكة أو قوساً فاصطاد بهما.

وقيل: للمالك كصيد العبد المغصوب.

قال: (ولا تضمن منفعة البضع) وهو الفرج (إلا بالتفويت) أي بالوطء فيضمنه بمهر المثل، ولا يضمن بالفوات تحت اليد حرة كانت أو أمة؛ لأن اليد لا تثبت عليها، ولهذا يزوج السيد المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها؛ لأن يد الغاصب حائلة وإن كانت عنده، ولأن منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق، وسائر المنافع

ص: 193

وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ .. وَجَبَ الأَرْشُ مَعَ الأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الأَصَحِّ

ــ

تستحق استحقاق ملك تام؛ لأن المستأجر يؤجر ويعير بخلاف الزوج، وأيضاً منفعة البضع إنما يقصد بها الألفة وهذا المعنى لا يضمن باليد، ولأن المهر لا يزيد بطول المدة ويمكن استدراكه بالعقد والأموال بعكس ذلك.

قال: (وكذا منفعة بدن الحر في الأصح) أي: لا تضمن بالفوات إذا حبسه وعطله ولم يستوف منفعته؛ لأنه لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت في يده.

والثاني: أنها تضمن بالفوات؛ لأنها تتقوم بالعقد الفاسد فأشبهت منافع الأموال، أما ضمانها بالتفويت .. فلا خلاف فيه.

فلو استولى على حر كبير أو صغير مدة .. لم يضمن ثيابه في الأصح، كذا صححه الرافعي في (كتاب السرقة).

قال: (وإذا نقص المغصوب بغير استعمال) كمرض ونحوه (.. وجب الأرش مع الأجرة) للنقص والفوات، وتجب أجرته سليماً قبل حدوث النقصان.

قال: (وكذا لو نقص به) أي: بالاستعمال (بأن بلي الثوب في الأصح) كما لو حصل النقصان بسبب آخر.

والثاني: لا يجب إلا أكثر الأمرين من الأجرة والأرش؛ لأن النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل الاستعمال، بالأجرة فلا يجب له ضمان آخر، والقائل بالأول يقول: الأجرة ليست في مقابلة الاستعمال، بل في مقابلة الفوات.

فرعان:

أحدهما: ما ثبت فيه الانتفاع لعامة المسلمين كالشوارع وأراضي عرفات والأراضي الموقوفة على الموتى إذا استولى شخص عليها ومنع الناس منها ولم ينتفع

ص: 194