المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ ــ قال: - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ ــ قال:

‌فَصْلٌ:

لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ

ــ

قال: (فصل:

لا تصح إجارة مسلم لجهاد) سواء استأجره الإمام أم غيره؛ لأنه إن تعين عليه .. فلا يجوز أن يستأجر له، وإن لم يتعين عليه ابتداء، فإذا حضر الصف .. تعين وما تعين على الإنسان لا يجوز أخذ أجرة عليها كما لا يأخذ الصرورة الأجرة على الحج.

وقد يقال: لم لا يصح استئجار المسلم؛ لأن الواجب عليه أن لا يولي لا أن يقاتل؟

والعبد في ذلك كالحر، وقال بعض شارحي (التنبيه): إن العبد إذا حضر الصف لا يتعين عليه، فعلى هذا: يستأجر، أما الذمي .. فيجوز للإمام استئجاره لذلك على المذهب، ولا يصح من غيره استئجاره على الأصح.

وجواز استئجار الذمي مشكل على القول بخطابه بالفروع، لاسيما وقد قال الإمام: إنه إذا حضر الصف .. لا يجوز له الانصراف.

قال: (ولا عبادة تجب لها نية)؛ إذ القصد امتحان المكلف بها، فلا يجوز على الإمامة ولو لصلاة التراويح؛ لأنه مصل لنفسه ونفعه يعود إليه، وقيل: يجوز لتأدي الشعار به كالأذان.

أما التي لا يجب لها نية كالأذان .. فيصح الاستئجار عليها في الأصح، ولو قال: لا تشرع فيها النية .. كان أحسن؛ لأن المصنف نقل في (كتاب الحج) عن الماوردي أنه لو استأجره لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لم يصح.

وأما الجعالة عليها، فإن كان على مجرد الوقوف عند القبر ومشاهدته .. لم يصح؛ لأنه لا تدخله النيابة، وإن كان على الدعاء عند زيارته .. جاز؛ لأن الدعاء مما تدخله النيابة، ولا يضر الجهل بنفس الدعاء.

ص: 353

إِلَاّ الْحِجُّ وَتَفْرِقَةُ زَكاةٍ. وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيْتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ،

ــ

فائدة:

كان شيخنا رحمه الله يقول: ظن بعضهم أن الجامكية على الإمام والطلب ونحوهما من باب الإجارة، حتى لا يستحق شيئاً من أخل ببعضها وظائفها وليس كذلك، بل هو من باب الإرصاد والإرزاق المبني على الإحسان والمسامحة، بخلاف الإجارة فإنها من باب المعاوضة، ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء، ويجوز إرزاقه من بيت المال بالإجماع.

وإنما امتنع أخذ الأجرة على هذا لأنه فعل العبادة لغرض دنيوي وهو يمنع من مشروعيتها، وستأتي هذه المسألة في (باب الجعالة).

قال: (إلا الحج) وكذلك العمرة؛ لما تقدم في موضعه، وفي الجزم باستثناء الحج إشكال؛ لأنه إذا وصل الميقات وأراد مجاوزته .. وجب عليه الإحرام على وجه، فعلى هذا يكون كالجهاد.

قال: (وتفرقة زكاة) بالإجماع، وكذلك النذور والكفارات.

والضابط: أن كل ما تدخله النيابة .. يجوز الاستئجار عليه، وما لا .. فلا، وقد تقدم الكلام في (الوكالة)، وكذلك الصوم عن الميت وذبح الهدي والضحايا وركعت الطواف فإنها تقع عن المحجوج عنه على الأصح تبعاً للحج.

قال: (وتصح لتجهيز ميت ودفنه)؛ إذ الأجير غير مقصود بفعله، وفصله عما قبله لعدم اشتراط النية فيه فهو نوع آخر، فإن شرطنا النية في الغسل .. جاز أيضاً.

قال: (وتعليم القرآن)؛ لما روى البخاري [5737]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله) ولأن نشره وتعليمه من فروض الكفايات، بل يجوز أخذ الأجرة على تعليم (الفاتحة) لمتعين عليه على الأصح كما لو تعين على شخص غسل الميت وتجهيزه.

والمراد: إذا استأجره لتعليم سورة خاصة، فلو استأجره للتصدي للإقراء .. لم

ص: 354

وَلِحَضَانَةِ وَإِرْضَاعٍ مَعاً، وَلأَحَدِهِمَا فَقَطْ،

ــ

يجز كالاستئجار للتدريس والقضاء والإعادة، إلا أن يستأجر لتعليم مسألة أو مسائل معلومة .. فهو جائز قطعاً.

واحتج للمنع بقوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار) قال الذهبي: إسناده صحيح، ولا يكون شيء من الكتمان أبلغ من أخذ أجرة عليه.

ويجوز الاستئجار للأذان على الأصح، وهل الأجرة لرفع الصوت أو لرعاية الوقت أو للجيعلتين أو للجميع؟ فيه أوجه: أصحها الأخير.

وفي جواز الاستئجار للمباحات وجهان بناء على جواز التوكيل فيها، وقضيته تصحيح الصحة.

قال: (ولحضانة وإرضاع معاً) وهذه لا خلاف فيه، ويدل له قوله تعالى:{فإن أرضعن لكم فئاتهن أجورهن} ، ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، ولا يخفى أن ذلك في غير اللبأ فإنه واجب على الأم كما تقرر.

قال: (ولأحدهما فقط)؛ لأن كلاً على حدته مقصود يقابل بالأعواض، فإذا استأجر للحضانة .. تناول ما ذكره المصنف من حفظ إلا آخره.

وفي فتاوى القفال) حكاية قول: إنه لا يصح أن يستأجر المسلم يهودية لرضاع ولده ويخلي بينه وبينها، لأنهما ربما تخلفت عن تعهده.

فروع:

قال الرافعي: على المرضعة أن تأكل وتشرب ما يكثر اللبن، وللمكتري تكليفها ذلك.

ص: 355

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبعُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ،

ــ

قال ابن الرفعة: فيه نظر، إنما يمنعها أن تتعاطى ما يضر بالبن كما قاله الماوردي، وقال الروياني: إذا أجرت نفسها إجارة عين لرضاع ثم بان أنها مزوجة .. كان للمستأجر الخيار.

قلت: الظاهر: أن هذا مقيد بما إذا كان الزوج حاضراً يمنعها، أما إذا كان غائباً غيبة بعيدة لا يتوقع قدومه في المدة، أو طفلاً لا يتوقع استمتاعه فيها، أو ممسوحاً .. فلا خيار.

وذكر أنها لو أجرت نفسها ثم أقرت بزوج .. لم تصدق في حق المكتري، ولو نكحت ثم ذكرت أنها كانت أجرت نفسها لرضاع .. لم تصدق في حق الزوج.

وإذا لم يقبل الصبي ثديها فهل له الفسخ بذلك؟ وجهان في (تعليق القاضي حسين).

ويجب تعيين الصبي لاختلاف الغرض باختلافه، وتعيين موضوع الإرضاع أهو بيته أم بيته، ويجب في الاستئجار له التقدير بالمدة؛ إذ لا سبيل إلى تقدير مرات الرضاع.

قال: (والأصح: أنه لا يستتبع أحدهما الآخر)؛ لأنهما منفعتان يجوز إفراد كل منهما بالإجارة، فأشبهتا سائر المنافع إذا استأجر لأحدهما وسكت عن الآخر.

والثاني: أن كلاً منهما يستتبع الآخر؛ لأنه لا يتولاهما في العادة إلا امرأة واحدة.

والثالث: أن الاستئجار للإرضاع يستتبع الحضانة، ولا عكس؛ لئلا تبقى الإجارة في مقابلة العين خاصة.

والرابع: عكسه، حكاه في (المطلب).

كل هذا إذا أطلق، فإن استأجر لأحدهما ونفى الآخر .. فالأصح الجواز.

ص: 356

وَالْحَضَانَةُ: حِفْظُ الصَّبِيِّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَاسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا. وَلَوِ اسْتَاجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ الَّبَنُ .. فَالْمَذْهَبُ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ.

ــ

قال: (والحضانة: حفظ الصبي وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها) هذه حقيقة الحضانة عرفاً، وأصلها من الحضن وهو: ما دون الإبط إلى الكشخ؛ لأن الحاضنة تجعل الطفل هناك.

و (الدهن) بفتح الدال الفعل، أما الدهن بالضم .. فحكى الرافعي وجهين في الفروع آخر الباب أنه على الأب، أو تتبع به العادة.

قال: (ولو استأجر لهما فانقطع اللبن .. فالمذهب: انفساخ العقد في الإرضاع دون الحضانة)؛ لفوات المعقود عليه.

والثاني: لا ينفسخ ولكن يتخير؛ لأن انقطاعه عيب، ولو أتى باللبن من موضع آخر ولم يتضرر الولد .. جاز، وهذا الخلاف بنبني على أن المعقود عليه هل هو اللبن والحضانة تابعة أو العكس؟ فعلى الأول: ينفسخ العقد بانقطاعه، وعلى الثاني: لا ينفسخ؛ لأن الإجارة وضعت للمنافع والأعيان تبع لها.

وقال الرافعي: لم يفرقوا بين أن يصرح بالجمع بينهما وبين أن يذكر أحدهما ويحكم بالاستتباع، وحسن أن يفرق؛ ففي (التصريح) يقطع بأنهما مقصودان، وعند ذكر أحدهما هو المقصود والآخر تابع، وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (الأصح) كما فعل في (الروضة).

فرع:

استؤجرت للإرضاع فدفعته إلى خادمتها فأرضعته، إن شرط عليها إرضاعه بنفسها .. فلا شيء لها، وإن أطلق .. استحقت، وإن كانت تسقيه لبن الغنم وتطعمه

ص: 357

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي (الْشَّرْحِ) الرُّجُوعَ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِنِ اضْطَرَبَتْ .. وجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَاّ .. فَتَبْطُلُ الإِجَارَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ــ

شيئاً .. قال ابن كج: لا شيء لها؛ لأنها لم ترضعه.

قال: (والأصح: أنه لا يجب حبر وخيط وكحل على وراق وخياط وكحال)؛ لأن الأعيان لا تستحق بالإجارة، وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة، وكذلك الماء في استئجار البئر، لكن في (الأحياء) يتسامح بحبر الوراق وخيط الخياط؛ لأنهما لا يقصدان على حيالهما.

و (الحبر) بكسر الحاء فقط: المداد، سمي بذلك لأنه تحبر به الكتب، أي: تحسن.

وفي حديث أبي موسى: (لو علمت أنك تسمع لقراءتي .. لحبرتها لك تحبيراً) يريد تحسين الصوت وتحزينه يقال: حبرت الشيء تحبيراً حسنته.

و (الوراق): الناسخ الذي يورق ويكتب، وكان ينبغي إبدال الأصح بالمذهب؛ فإن المسألة ذات طرق ثلاثة.

قال: (قلت: صحح الرافعي في (الشرح) الرجوع فيه إلى العادة)؛ لأنه لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة.

قال: (فإن اضطربت .. وجب البيان، وإلا .. فتبطل الإجارة والله أعلم).

ظاهر هذه العبارة: أن المصنف لم يصحح شيئاً، بل ذكر اختلاف تصحيح الرافعي في كتابه، وقد يقال: إنه مرجح للأول؛ لأنه حكى شيئاً ولم يصححه فدل على أن اختياره الأول، وقد يقال: إنه مرجح للثاني؛ لأنه كالاستدراك، ويؤيده أنه في (الروضة) لما ذكر تصحيح الثاني .. لم يعقبه بما في (المحور).

ص: 358