المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَصَحِّ   ‌ ‌فَصْلٌ: لِكُلٍّ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَصَحِّ   ‌ ‌فَصْلٌ: لِكُلٍّ

فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَصَحِّ

‌فَصْلٌ:

لِكُلٍّ فَسْخُهُ،

ــ

تنبيه:

ما ذكره من صورة الغصب والسرقة هو فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف، فإن أخذ .. استمر القراض فيه كما كان، والمخاصم المالك فقط إن لم يكن في المال ربح، وهما جميعاً إن كان فيه ربح.

وقيل: للعامل المخاصمة مطلقاً حفظاً للمال.

قال: (فإن تلف قبل تصرفه .. فمن رأس المال في الأصح) كما إذا دفع ألفين فتلف منهما ألف؛ لأن العقد لم يتأكد بالعمل.

والثاني: من الربح؛ لأنه قد صار مال قراض بقبضه.

تتمة:

احترز المصنف بتلف البعض عن تلف الجميع، فإن كان بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده .. ارتفع القراض، وكذا إن أتلفه المالك، وإن أتلف أجنبي جميعه أو بعضه، فإن أخذ منه بدله .. استمر القراض، وإن أتلفه العامل .. قال الإمام: يرتفع القراض وقال المتولي: لا يرتفع؛ لقيام البدل مقامه، وأبداه الرافعي بحثاً.

وبقي ما إذا تلف بعد التصرف فيه بالشراء دون البيع، كما إذا اشترى بألفين عبدين فتلف أحدهما .. فالمذهب أنه يتلف من الربح أيضاً، وقيل: من رأس المال.

قال: (فصل:

لكل فسخه) متى شاء؛ لأنه في الابتداء وكالة، وفي الانتهاء إما شركة إذا ملكنا العامل بالظهور وإما جعالة إذا لم نملكه به، وكلها عقود جائزة.

ص: 280

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ .. وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الاِسْتِيفَاءُ إِذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَتَنْضِيضُ رَاسِ الْمَالِ إِنْ كَانَ عَرْضاً،

ــ

وللفسخ ألفاظ سبق بعضها في الوكالة، ويقوم مقام قول المالك:(فسخت) قوله: (لا تتصرف)، وكذا استرجاعه المال منه.

ولو حبس العامل ومنعه التصرف أو قال: لا قراض بيننا أو باع ما اشتراه العامل .. لم ينعزل في أشبه الوجهين، وفي (الروضة) من زوائده: ينبغي أن يكون الأصح انعزاله بالإنكار، وصحح في (المهمات) الفرق بين أن يكون له غرض أو لا، قال: والواقع في (الروضة) لا اعتماد عليه.

قال: (ولو مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه .. انفسخ) كالوكالة، وقد تقدم في الوكالة خلاف يعود هنا، وأن الشيخ اختار أن الإغماء لا يوجب العزل ولا يسلب الولايات وذكره هنا أيضاً.

وإذا كان الميت المالك .. فللعامل البيع واستيفاء الديون بغير إذن الوارث، بخلاف ما إذا مات العامل .. فإنه لا يملك وارثه والاستيفاء دون إذن المالك؛ لأنه لم يرض بتصرفه.

قال: (ويلزم العامل الاستيفاء إذا فسخ أحدهما) ليرد كما أخذ، ومقتضى إطلاقه أنه يجب عليه استيفاء رأس المال فقط، لكن صرح في (المرشد) بأنه يلزمه تنضيض جميع الدين.

وصورة المسألة: أن يكون المالك قد أذن له في المعاملة بالدين، فإذا انفسخ القراض وهناك دين .. لزم العامل أن يتقاضاه لينض سواء كان هناك ربح أم لا، وعند عدم الربح وجه غريب في (رفع التمويه).

قال (وتنضيض رأس المال إن كان) أي: ما بيده عند الفسخ (عرضاً) فيصيره نقداً من غير جنس المال، أو من

ص: 281

وَقِيلَ: لَا يَلْزَمْهُ التَّنْضِيضُ إِنُ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ. وَلَوِ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ .. رَجَعَ رَاسُ الْمَالِ إِلَى الْبَاقِي.

ــ

جنسه ولكنه من غير نوعه كالصحاح والمكسرة.

قال: (وقيل: لا يلزمه التنضيض إن لم يكن ربح)؛ لأن الغرض من البيع أن يظهر الربح فيصل العامل إلى حقه منه، وقد زال هذا المعنى.

وأفهمت عبارته أنه لا يلزمه تنضيض الجميع.

قال الإمام: والذي قطع به المحققون أن الذي يلزمه تنضضه قدر رأس المال، وأما الزائد عليه .. فهو كعرض مشترك لا يكلف أحدهما بيعه، وبهذا جزم في (الشرخ الصغير).

قال في (المطلب): إلا أن يكون بيع بعضه ينقص القيمة كالعبد، فالذي يظهر وجوب بيع الجميع فراراً من التشقيص.

وأطلق الرافعي استيفاء الدين، وظاهره التعميم وبه صرح ابن أبي عصرون ومال إليه في (المطلب)، وفي الفرق عسر، وإنما يلزم العامل البيع إذا طلبه المالك، وليس للعامل تأخير البيع إلى موسم رواج المتاع؛ لأن حق المالك معجل خلافاً لمالك.

ولو قال العامل للمالك: تركت حقي لك فلا تكلفني بالبيع .. لم تلزمه إجابته في أقرب الوجهين.

قال: (ولو استرد المالك بعضه قبل ظهور ربح وخسران .. رجع رأس المال إلى الباقي) كالتلف بآفة، فلو كان مئة فاسترد عشرة .. صار رأس المال تسعين؛ لأنه لم يبق في يده غيره.

ص: 282

وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ .. فَالْمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحاً وَرَاسَ مَالٍ؛ مِثَالُهُ: رَاسُ الْمَالِ مِئَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ .. فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ، فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ سُدسُهُ مِنَ الرِّبْحِ، فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ، وَبَاقيِهِ مِنْ رَاسِ الْمَالِ. وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الْخُسْرَانِ .. فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي، فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ مِثَالُهُ: الْمَالُ مِئَةٌ وَالْخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ .. فَرُبُعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ، وَيَعُودُ رَاسُ الْمَالَ إِلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ.

ــ

قال: (وإن استرد بعد الربح .. فالمسترد شائع ربحاً ورأس مال)؛ لعدم التمييز، وذلك على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال، ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحسب الشرط، ولا يسقط بالخسران الحاصل بعده.

قال: (مثاله: رأس المال مئة والربح عشرون واسترد عشرين .. فالربح سدس المال، فيكون المسترد سدسه من الربح، فيستقر للعامل المشروط منه، وباقية من رأس المال) فلا يجبر بما يحصل بعد ذلك من الخسران، فيستقر للعامل في مثالنا درهم وثلثان إن شرط له نصف الربح؛ لأن ما جعلناه ربحاً- وهو سدس العشرين- ثلاثة وثلث فيستقر له نصفها وهو درهم وثلثان حتى لا يسقط بالخسران الواقع بعده، فلو انحط بانخفاض السعر بعد ذلك إلى ثمانين .. أخذ العامل ما قلناه، والباقي- وهو ثمانية وسبعون وثلث- للمالك.

قال: (وإن استرد بعد الخسران .. فالخسران موزع على المسترد والباقي، فلا يلزم جبر حصة المسترد لو ربح بعد ذلك؛ لأنه لو رد الجميع بعد الخسران .. لم يلزمه شيء، ويصير رأس المال الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران.

قال: (مثاله: المال مئة والخسران عشرون ثم استرد عشرين .. فربع العشرين حصة المسترد، ويعود رأس المال إلى خمسة وسبعين)؛ لأن الخسران يوزع على الثمانين لكل عشرين خمسة، فتحط العشرون المستردة وحصتها من الخسران وهو خمسة، فلو ربح بعد ذلك خمسة فبلغ ثمانين .. لم يأخذ المالك الجميع بل للعامل منها درهمان ونصف.

ص: 283

وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إِلَاّ كَذَا، أَوِ اشْتَرَيْتُ هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْلِي، أَوْ لَمْ تَنْتَهِنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا، وَفِي قَدْرِ رَاسِ الْمَالِ،

ــ

قال: (ويصدق العامل بيمينه في قوله: لم أربح، أو لم أربح إلا كذا) عملاً بالأصل، فلو أقر بالربح ثم قال: غلطت في الحساب فلم أربح إلا كذا، أو لم أربح شيئاً، أو كذبت خوفاً من أن ينزع المالك المال مني .. لم يقبل؛ لأنه أقر بحق لغيره، لكنه إن ذكر شبهة محتملة .. فله تحليف المالك أنه لا يعلم ذلك، وإلا .. فوجهان.

ولو قال: خسرت بعد الربح الذي أخبرت به .. قبل منه عند الاحتمال بأن حدث كساد، فإن لم يحتمل .. لم يقبل.

قال: (أو اشتريت هذا للقراض أولى)؛ لأنه أخبر بقصده، وهذا يكون عند ظهور الربح تارة والخسران أخرى.

فرع: أقام بينة على أنه اشتراه بمال القراض .. ففي الحكم بها وجهان في (الروضة) و (أصلها) بلا تصحيح، الصحيح منهما: عدم الحكم، وعلى هذا: ترد العين إلى البائع، ويعاد الثمن إلى مال القراض.

وجزم في (المطلب) بالحكم بالبينة، وهو غريب لم يقل به سوى الإمام.

قال: (أولم تنهني عن شراء كذا)؛ لأن الأصل عدم النهي.

قال: (وفي قدر رأس المال)؛ لأن الأصل عدم دفع الزيادة، هذا إذا لم يكن ربح، وكذا إن كان على الصحيح، وفيه وجه: أن المصدق المالك، وهما مبنيان

ص: 284

وَدَعْوَى التَّلَفِ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الأَصَحِّ، وَلَوِ اخْتَلَفَاَ فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ .. تَحَالَفَا، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. ......

ــ

على أن العامل شريك فيصدق، أو وكيل فيصدق المالك.

وفي وجه ثالث: أنهما يتحالفان، فإن اختلفا في جنس رأس المال .. صدق المالك ولا أجرة للعامل.

قال: (ودعوى التلف) كالمودع والوكيل، فإن ذلك السبب .. فعلى التفصيل في الوديعة.

قال: (وكذا دعوى الرد في الأصح)؛ لأنه أمين فأشبه المودع.

والثاني: لا؛ لأنه قبض العين لغرض نفسه فأشبه المرتهن والمستأجر، وفرق الأولون بأن العامل أخذ العين لمنفعة المالك، وهو إنما انتفع بالعمل في العين لا بالعين بخلاف المرتهن والمستأجر.

قال: (ولو اختلفا في المشروط له .. تحالفاً)؛ لأنهما اختلفا في عوض العقد مع اتفاقهما على مسمى صحيح فأشبها المتبايعين والمتآجرين.

قال: (وله أجرة المثل)؛ لأن مقتضى التحالف رجوع كل من العوضين لصاحبه، فإن تعذر .. فقيمته، وقد رجع المال وربحه للمالك فقياسه رجوع العامل للعمل لكنه تعذر فأوجبنا أجرة مثله.

وقيل: إن زادت على ما ادعاه العامل .. لم تجب الزيادة.

ثم إذا تحالفا .. فظاهر كلام المصنف يشعر بأن العقد ينفسخ بذلك، وفي زوائد (الروضة): أن حكمه حكم البيع، وهو القياس.

فرع:

تلف المال فادعى المالك القرض والأخذ القراض .. فالمصدق الآخذ، أفتى به البغوي وابن الصلاح؛ لأنهما اتفقا على جواز التصرف، والأصل: عدم الضمان.

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولو أقاما بينتين .. ففي المقدم منهما وجهان في زوائد (الروضة).

تتمة:

قارض إنساناً على ألف، فتصرف فيها فخسر مئة ونض المال في يده تسع مئة، فخاف من المالك أن يراه ناقصاً فيسترجع منه المال فاستقرض من غيره مئة وأضافها إلى المال، ثم عرضه على المالك كاملاً رجاء أن يقره في يده فيرد القرض إلى مالكه، ففسخ المالك العقد واسترد الألف .. نقل المتولي عن الشافعي أنه نقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن للمقرض أن يسترجع المئة من رب المال.

قال الشافعي: وهذا غلط؛ لأن العامل ملكها بالقرض واعترف أن جميع المال حق المالك وسلمه إليه، فإذا رجع فيه .. لم يقبل رجوعه، والمقرض لم يعطه شيئاً فلا مطالبة له عليه.

* * *

خاتمة

مات العامل ولم نجد مال القراض بعينه في تركته .. أفتى ابن الصلاح وفاقاً لصاحبي (البيان) و (الشامل) بأنه يضمن، ولا شك أنه أولى بالتضمين من المودع؛ لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض، وصرح الخوارزمي بعكس ما قاله ابن الصلاح وغيره.

وقال الشيخ: إن وجد في التركة ما يمكن أن يكون اشترى بمال القراض .. يوفى

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القراض منه مقدماً على الديون، وإن لم يوجد ما يحتمل .. فلا ضمان، وتختص التركة بالغرماء والورثة، والمسألتان في غاية الإشكال؛ لتعارض الأمانة ووجوب الأداء وبراءة الذمة وبقاء المال، وللشيخ رحمه الله في المسألة تصانيف شهيرة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 287