المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: قَوْلُهُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ، ــ فيه - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: قَوْلُهُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ، ــ فيه

‌فَصْلٌ:

قَوْلُهُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ،

ــ

فيه وجهان، قال الشيخ: وينبغي أن يكون أصحهما: أنه للآخر، لكن هل هو منقطع الوسط أو منقطع الآخر؟ لا تظهر لذلك فائدة علمية.

قال: (فصل):

عقده لبيان أحكام الوقف الصحيح، وهي لفظية ومعنوية، فذكر في هذا الفصل اللفظية وفي الذي بعده المعنوية، والأصل فيها: أن شروط الواقف شرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف ويناقضه، وعلى ذلك جرت أوقاف الصحابة، فعمر شرط في الأرض التي وقفها أن لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، وأن تليها حفصة في حياتها وبعدها ذوو الرأي من أهلها، رواه أبو داوود [2871]، وفاطمة وقفت لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفقراء بني هاشم وبني المطلب، رواه الشافعي في (مسنده)[1/ 309].

قال: (قوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية بين الكل) في أصل الإعطاء والمقدار باتفاق الأصحاب؛ لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الأحكام.

وقال ابن الرفعة: ينبغي إذا قيل: الواو للترتيب .. أن يقدم الأولاد على أولاد الأولاد، ولم يذكروه.

وأدخل المصنف الألف واللام على (كل)، والجمهور على منعه، وأجازه الأخفش والفارسي، واستعمله الزجاجي في (الجمل).

ص: 492

وَكَذَا لَوْ زَادَ: مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ بَطْناً بَعْدَ بَطْنٍ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلْوا، أَوْ عَلَى

ــ

قال: (وكذا لو زاد: ما تناسلوا) فيقتضي التسوية بين الجميع كقوله وإن سفلوا، وإن قال: وقفت على نسلي .. استغنى عن قوله: (ما تناسلوا)، وهذا أيضاً لا خلاف فيه، والضمير في (تناسلوا) للأولاد؛ أي: هم وأنسالهم على سبيل المجاز؛ ليفيده فائدة زائدة.

قال: (أو بطنا بعد بطن) فحكمه التسوية بين الجميع حملاً على التعميم، هذا هو الصحيح عند الشيخين تبعاً للفوراني والبغوي، ونقلاً عن أبي طاهر الزيادي أن قوله:(بطناً بعد بطن) يقتضي الترتيب كما لو قال: الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب، وقطع به الإمام والغزالي والماوردي والبندنيجي ومجلي وصاحب (التعجيز) وجمهور الأصحاب، وأيضاً الرافعي والمصنف قد جزما في:(الأعلى فالأعلى) بأنه للترتيب، وعلى هذا: هنا هو ترتيب بين البطنين فقط، فإذا انقرض الأول .. كان للثاني، ثم ليس لأولادهم شيء، بل إن ذكر مصرفاً آخر .. صرف إليه، وإلا .. كان منقطع الآخر، كذا نبه عليه الشيخ، وهو حسن.

ولو قال: نسلاً بعد نسل .. فهو كقوله: بطناً بعد بطن، فلو جمع بين اللفظين فقال: بطناً بعد بطن ونسلاً بعد نسل .. ففيه وجهان:

أحدهما- أفتى به الأستاذ أبو طاهر الزيادي والقاضي حسين-: أنه للترتيب، وهو الظاهر.

والثاني: أنه ليس للترتيب، قاله أبو عاصم العبادي والفوراني، وجعلا معناه معنى ما تناسلوا، ولم يذكر الشيخان هذه الصورة.

وانتصب قوله: (بطنا) على الحال؛ أي: مترتبين كقوله ادخلوا الأول فالأول.

وقوله: (بعد بطن) ظرف لمحذوف؛ أي: كائناً بعد بطن.

قال: (ولو قال: على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا، أو على

ص: 493

أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الأَعْلَى فالأَعْلَى أَوِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ .. فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ. وَلَا يَدْخُلُ أُوْلَادُ الأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الأَوْلَادِ فِي الأَصَحِّ.

ــ

أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى أو الأول فالأول .. فهو للترتيب)؛ لدلالة اللفظ عليه بـ (ثم) في الأولى، وبتصريحه به في الثانية، قال في (الروضة): ومراعاة الترتيب لا تنتهي عند البطن الثالث والرابع، بل يعتبر الترتيب في جميع البطون، فلا يصرف إلى بطن وهناك أحد من بطن أقرب منه، صرح به البغوي وغيره.

وفي الأولى وجه ضعيف بعيد: أنه لمطلق الجمع، وهل يقسم بين الأولاد كالإرث أو يسوى بين الذكر والأنثى كالهبة؟ الأقرب: الثاني.

وضبط المصنف (الأول فالأول) بكسر اللام، ويجوز فيه الفتح أيضا: فالكسر: إما على البدل وإما على إضمار فعل؛ أي: وقفته على الأول فالأول، والفتح: إما على الحال، والألف واللام قيل: زائدة، وقيل: معرفة، وإما على أنه شبه بالمفعول.

قال: (ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح)؛ لأن اسم الولد حقيقة لا يطلق إلا على أولاد الصلب، ولهذا ينتظم أن يقال: ليس هذا ولده وإنما هو ولد ولده.

والثاني: يدخل؛ لقوله تعالى: {يبني ءادم} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن ابني هذا سيد).

والثالث: يدخل أولاد البنين دون أولاد البنات؛ لصحة الانتساب، ولذلك قال

ص: 494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب).

ومأخذ الخلاف: أن إطلاق لفظ الولد عليهم هل هو حقيقة أو مجاز؟ والأصح: الثاني.

فإن قيل: كان ينبغي ترجيح الدخول على قاعدة الشافعي في حمل اللفظ على حقيقته ومجازه كما سيأتي في الوقف على الموالي حيث حمل اللفظ على الأعلى والأسفل .. فالجواب: أن ذلك حيث لا تترجح الحقيقة، وهنا ترجحت بالاشتهار.

وهذا الخلاف عند الإطلاق، فإن أراد الجمع .. دخل أولاد الأولاد قطعاً، فإن لم يكن له إلا أولا أولاد .. استحقوا؛ صيانة للكلام عن الإلغاء، وأجرى صاحب (التعجيز) فيه الخلاف المتقدم.

وقد يقترن باللفظ ما يقتضي الجزم بخروجهم كقوله: وقفت على أولادي لصلبي أو على أولادي، فإذا انقرضوا .. فلأحفادي الثلث، والباقي للفقراء.

ولو وقف على أولاده وأولاد أولاده .. في دخول أولاد الأولاد الخلاف.

ولو قال: على أولادي وليس له إلا ولد واحد .. اختص به على المذهب.

وأجرى في (المطلب) في (باب ما يحرم من النكاح) الخلاف فيما إذا قال: على أمهاتي، هل يتناول الجدات؟

ولو كان أحدهم حملاً عند الوقف هل يدخل حتى يوقف له شيء؟ حكى المتولي وجهين.

أحدهما: نعم كما في الميراث، ويستحقون الغلة لمدة الحمل، واختاره الشيخ؛ لأن الولد هو المتولد عنه، وهذا المعنى حاصل له وهو حمل.

وأصحهما: لا؛ لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولداً.

ص: 495

وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقْبِ وَأَوْلَادِ الأَوْلَادِ إِلَاّ أَنْ يَقُولَ: عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيَّ مِنْهُمْ.

ــ

قال: (ويدخل أولاد البناء في الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد) خلافاً لمالك وأحمد وأصحاب أبي حنيفة.

لنا: قوله تعالى في إبراهيم: {ومن ذريته داود وسليمن} ، إلى أن ذكر عيسى ولبس هو إلا ولد البنت، والنسل والعقب في معنى الذرية، وأما أولاد الأولاد .. فلأن البنات أولاده فأولادهن أولاد الأولاد حقيقة.

و (العقب) يكسر القاف وسكونها: ولد الرجل الذي يأتي بعده.

قال: (إلا أن يقول: على من ينتسب إلي منهم) فلا يدخل أولاد البنات؛ لعدم انتسابهم إليه، بل إلى آبائهم، قال تعالى:{ادعوهم لأبآئهم} .

وقيل: يدخلون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ابن بنته الحسن: (إن ابني هذا سيد) رواه البخاري، وجوابه: أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم بدليل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} .

وسواء كان الواقف رجلا أو امرأة، ولا يدفع هذا قولهم في (كتاب النكاح): إنه لا مشاركة بين الأم والابن في النسب، فلو قال: على الذين ينتسبون إلي بأمهاتهم .. لم يكن لأولاد البنين شيء.

فروع:

المستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملاً عند الوقف هل يدخل حتى يوقف له شيء؟ فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولداً.

والوقف على الأولاد يدخل فيه البنون والبنات والخناثى، وعلى البنين أو على البنات لا يدخل فيه المشكل، وعلى البنين والبنات يدخل فيه المشكل على الأصح.

ص: 496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصحيح: أن الولد المنفي باللعان لا يستحق شيئاً؛ لانقطاع نسبه وخروجه عن كونه ولداً، فلو استلحقه بعد نفيه .. دخل في الوقف قطعاً.

ولو وقف على عترته: قال ابن الأعرابي وثعلب: هم ذريته، وقال القتيبي: عشيرته، وهما وجهان لأصحابنا أصحهما: الثاني.

قال الرافعي: وقد روي ذلك عن زيد ابن أرقم، واختار المصنف أن يدخل في ذلك ذريته وعشيرته الأدنون.

ولو قال: على عشيرتي .. فهو كقوله: على قرابتي، وسيأتي ذلك في (الوصية)، وقال المتولي: قبيلته أو عشيرته لا يدخل فيهم إلا قرابة الأب، ثم من حدث منهم بعد الوقف .. يشارك الموجودين عند الوقف على الصحيح.

ولو وقف على بني تميم- وصححناه- فالأصح دخول نسائهم، وقيل: لا، كالوقف على بني زيد، ولو وقف على أهل بيته .. صرف إلى أقاربه رجالاً ونساء على الأصح، وعياله: من في نفقته سوى الوالد والولد.

حادثة:

رجل وقف دوراً ونخلاً بالمدينة الشريفة على أولاده وهم: محمد ويوسف وأحمد وعائشة وفاطمة، وكانوا حين الوقف خمسة موجودين لم يسهم منهم حالة الوقف فاطمة، ثم قال: وعلى أولادهم وأولاد أولادهم، ثم ذكر مصرفاً مؤبدًا، فمات الأولاد الخمسة وبقي أولادهم هل يدخل أولاد فاطمة التي لم تسم في الوقف معهم أو لا لأن أمهم لم تذكر؟

أجاب فيها فقهاء العصر بعدم الدخول؛ لأن تسمية الأولاد بعد إضافتهم إليه تخصيص بعد تعميم، فكأنه قال: أولادي هؤلاء ثم أولادهم وهكذا.

ومذهب أحمد: أن أولاد البنت التي لم تذكر يدخلون في الوقف دون أمهم، واختار القاضي منهم أنها تدخل أيضاً؛ لأن قوله:(أولادي) يستغرق الجميع،

ص: 497

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ .. قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ

ــ

وذكر البعض تأكيد لا يخرج شيئاً من العموم الأول.

قال: (ولو وقف على مواليه وله معتق ومعتق .. قسم بينهما)؛ لتناول الاسم لهما، قال تعالى:{يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً} ، ويحكى هذا عن أبي حنيفة، وهذا منصوص (البويطي)، وهو مقتضى ما ذكره الأصوليون عن الشافعي: أن المشترك عنده كالعام، وهو اختيار ابن القطان وصححه القاضي أبو الطيب وصاحب (التنبيه) والجرجاني والروياني والمتولي والفوزاني والقفال الكبير وغيرهم، ونقله الشيخ شرف الدين البارزي عن الأكثرين.

قال: (وقيل: يبطل)؛ لما في اللفظ من الإجمال والإبهام وامتناع حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، واستبعده الإمام، وصححه الغزالي وابن أبي عصرون؛ لأن المولى يطلق على الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والدافع والجار وابن العم والخليفة والعقيد والصهر والعبد والمنعم عليه، فهذه خمسة عشر معنى.

ومأخذ الوجهين: أن المشترك هل هو عام أو مجمل؟ والمنصوص الأول، لكنه نص في (الأم) في (باب التدبير) في التعليق على رؤية العين على أن اللفظ المشترك لا يراد به جميع معانيه، ولا يحمل عند الإطلاق عليها، فصرح بمنع الحمل والاستعمال، فتصحيح الصحة في الوقف على الموالي وحمله عليهما مخالف لذلك، و (المحرر) لم يصحح شيئاً منهما، بل قال: رجح كلاً مرجحون، وكذلك لم يصحح في (الشرحين) شيئاً، وأقر المصنف صاحب (التنبيه) على تصحيح القسمة، وصححه في زوائد (الروضة) تبعاً له.

والثالث: أنه يختص بالأعلى؛ لأنه أنعم عليه بالإعتاق فكان أحق بالمكافأة.

والرابع: أنه للعتيق؛ لاطراد العادة بإحسان السادة إلى العتقاء.

والخامس: يوقف حتى يصطلحوا، وليس بشيء، واستشكل الرافعي في (الوصية) محل الخلاف بأن اللافظ إن قصد أحدهما .. وجب حمل اللفظ عليه

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قطعًا، وإن لم يقصد واحداً منهما .. فلا يتجه إلا القسمة أو الإبطال.

وإذا وقف على مواليه وليس له إلا أحدهما .. حمل عليه باتفاق الأصحاب، فلو حدث له الآخر بعد ذلك .. فيظهر: أنه يدخل كما لو وقف على الإخوة فحدث أخ، ولا يدخل فيهم من يعتق بموته كالمستولدة والمدبر على الأصح؛ لأنهما ليسا من الموالي لا حال الوقف ولا حال الموت، ولو كان له واحد من جهة واثنان من جهة .. صرف للجميع، قاله في (الكفاية) نقلا عن (المحيط)، لكن يبقى النظر في أنه هل يصرف نصفين بينهما أو ثلثاً وثلثين.

ولو وقف على مولاه بالإفراد .. قال الإمام: لا يتجه الاشتراك وتنقدح مراجعه الواقف، والقاضي الطبري وابن الصباغ ذكرا الأوجه الثلاثة الأول في صورة الإفراد أيضاً.

فروع:

قال: وقفت على أولادي، فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء ..

ص: 499

وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا

ــ

فهذا وقف منقطع الوسط على الصحيح وحكمه ما سبق؛ لأنه لم يجعل لأولاده الأولاد شيئاً، وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق الفقراء، وقيل: يستحقون بعد انقراض أولاد الصلب.

ولو قال: وقفت على سكان موضع كذا فغاب بعضهم سنة ولم يبع دره ولا استبدل داراً .. لم يبطل حقه، ذكره العبادي.

ولو وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثم من بعده على الفقراء .. فهو وقف منقطع؛ لأن الفقراء إنما يستحقون بعد انقراضه، واستحقاقه مشروط بشرط قد يتخلف.

قال: (والصفة المتقدمة على جمل معطوفة تعتبر في الكل كوقفته على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي، وكذا المتأخرة عليها) فتشترط الحاجة في الأحفاد والأخوة، تقدمت الصفة أو تأخرت؛ لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع المتعلقات كالصفة والشرط والغاية والاستثناء.

والأصل في ذلك: قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا} ، اتفق الشافعي وأبو حنيفة على أن الحد لا يسقط بتوبته؛ لأنه حق آدمي، واتفق على أن اسم الفسق يسقط بالتوبة، واختلفا في قبول الشهادة: فأبو حنيفة لا يقبلها؛ لأن الاستثناء عنده إنما يرجع إلى الجملة الأخيرة، والشافعي يقبلها بعد التوبة؛ لأنه يرى أنه يعود إلى الجميع، خرجنا عنه في الحد بدليل، فيبقى فيما عداه على مقتضى اللفظ، واختار الشيخ: أنه لا فرق في العطف بين الواو وغيرها، ورأى الإمام تقييد ذلك بقيدين:

أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، فإن كان بثم أو بالفاء .. اختصت الصفات بالجملة الأخيرة، وتبعه على هذا ابن الحاجب والآمدي.

والثاني: أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلل كما لو قال: وقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين،

ص: 500

وَالاِسْتِثْنَاءُ إِذَا عُطِفَ بِوَاوٍ، كَقَوْلِهِ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ، أَوْ إِلَاّ أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ

ــ

وإن لم يعقب فنصيبه للذي في درجته، فإن انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم .. فالاستثناء يختص بالإخوة.

ولم يذكر الأصحاب حكم العطف بـ (لكن) وبـ (بل) وبـ (أو)، وذكر النحاة المسألة ولم يخصوها بالجمل، بل فرضوها في المفردات، والفقهاء لا فرق عندهم بين الجمل والمفردات، بل الحكم كذلك في الضمير أيضا، فإذا ذكر أموراً ثم عقبها بضمير .. عاد إلى الجميع.

وسكت المصنف وغيره عن حكم المتوسطة، والأشبه: اختصاصها بما وليته، ويدل له ما نقله الشيخان في أوائل (الأيمان) عن ابن كج: أنه لو قال: عبدي حر إن شاء الله وامرأتي طالق ونوى صرف الاستثناء إليهما .. صح، فأفهم: أنه إذا لم ينو .. لم يحمل عليهما، وإذا كان هذا في الشرط الذي صدر له الكلام .. فالصفة أولى، والمسألة مبسوطة في كتب الأصول.

قال: (والاستثناء) أي: وكذلك الاستثناء يعتبر في الجميع.

قال: (إذا عطف بواو كقوله على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أو إلا أن يفسق بعضهم) لما تقدم، هكذا جزم به الشيخان ههنا وحكيا في الباب الرابع من الطلاق فيه خلافا، ورجحا العود إلى الأخير، ولم يتعرضا هنا لضابط المحتاج، وضبطه القفال بالذي تحل له الصدقة الواجبة.

و (الأحفاد) جمع حافد وهو: ولد الولد قال تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} ، سموا بذلك؛ لإعانتهم لجدهم، يقال: رجل محفود إذا كان له خدام وأعوان، وأصله: الإسراع، ومنه وإليه نسعى ونحفد؛ أي: نسرع إلى طاعتك وعبادتك.

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

الأول: الوقف على الإخوة يشمل الأخوات، كذا قاله الماوردي، وبه أفتى الشيخ وفقهاء الشام ومصر، وهو المعتمد.

ووقع في (الشرح الكبير) في آخر (الوصية) الجزم بعدم دخولهن في اسم الإخوة، ويدل للأول إجماع الصحابة على أن الأم تحجب الأخوات كما تحجب بالأخوة.

الثاني: أفتى قاضي القضاة ابن رزين بأنه لا يجوز نصب مدرسين في مدرسة، وأن من وقف على زيد والأشراف المقيمين بالبلد الفلاني فأقام زيد بتلك البلد وكان شريفا .. استحق معهم مضافا لما له، قال: لأن تخصيصه المقيمين يقتضي استيعابهم- قال- وبهذا فارق ما لو وصى لزيد بدينار وللفقراء بشيء آخر وكان زيد فقيراً، حيث لا يأخذ معهم؛ لأن الوصية للفقراء لم تثبت له استحقاقا خاصا، وللوصي حرمانه وإعطاء غيره.

الثالث: قال الشيخ: ووقع السؤال قديما عما يقع في كتب الأوقاف من قولهم:

ص: 502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صرف ذلك إلى أهل الوقف، والصواب: أنهم المتناولون حينئذ، فالمحجوب ليس من أهله وإن كان يسمى موقوفاً عليه.

تتمة:

تراعى شروط الواقف في مقادير الاستحقاق وصفات المستحقين وزمان الاستحقاق، وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بصفة، فإذا وقف على أولاده وشرط التسوية بين الذكر والأنثى أو التفضيل .. اتبع، وكذا لو وقف على العلماء بشرط كونهم على مذهب معين، أو على الفقراء بشرط الغربة أو الشيخوخة .. اتبع، ولو قال: على بني الفقراء أو بناتي الأرامل، فمن استغنى منهم أو تزوج .. خرج عن الاستحقاق، فإن عاد الوصف .. عاد الاستحقاق.

قال المصنف: وينبغي أن يقال: إن كان الطلاق بائناً أو فارق بفسخ أو وفاة أن تستحق في حال العدة؛ لنها ليست بزوجة وإن كان رجعياً .. فلا.

وقال العبادي: لو وقف على أمهات أولاده إلا من تزوجت منهن، فتزوجت واحدة .. خرجت، ولا يعود استحقاقها بطلاقها، وصححه الروياني في نظيره من الزوجات فيما إذا قال: وقفت على زوجاتي ما لم تتزوجن، والفرق من حيث اللفظ: أنه أثبت الاستحقاق لبناته الأرامل وبالطلاق صارت أرملة، وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج وبالطلاق لا تخرج عن كونها تزوجت، ومن حيث المعنى: أن غرضه أن تفي له أم ولده ولا يخلفه عليها أحد فمن تزوجت .. لم تف.

وفي (سنن البيهقي): أن الزبير جعل دوره صدقة.

قال: وللمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج .. فلا شيء لها.

قال الأصمعي: المردودة المطلقة.

وقال الشيخ عزب الدين: العرف المطرد بمنزلة المشروط فينزل الوقف عليه، فإذا

ص: 503