الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الإِقْرَارَ
ــ
كتاب الإقرار
في اللغة: الإثبات، من قولهم: قر الشيء يقر قرارًا إذا ثبت.
وفي الشرع: إخبار عن وجوب حق عليه بسبب سابق، فإن كان بحق له على غيره .. فهو الدعوى، وإن كان بحق لغيره على غيره .. فهو الشهادة، هذا إذا كان خاصًا، فإن اقتضى شرعًا عامًا، فإن كان عن أمر محسوس .. فهو الرواية، وإن كان عن حكم شرعي .. فهو الفتوى، ويسمى الإقرار اعترافًا.
والأصل في الباب: قوله تعالى: {قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا} .
وقوله: {* يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار.
واستدل في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا الحق ولو على أنفسكم) وهو ثابت في (الأجزاء) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولفظه: (وجدت في قائم سيف النبي صلى الله عليه وسلم رقعة فيها: صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك).
وفي أحاديث (الشهاب): قل الحق ولو كان مرًا.
وفي (الصحيحين): (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت .. فارجمها).
ورجم صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية بإقرارهما.
وأجمعت الأمة على المؤاخذة بالإقرار الصحيح، ودل عليه القياس أيضًا؛ لأن
يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ،
ــ
الإقرار أبعد عن التهمة من الشهادة، ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة.
ولو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعي عليه .. حكم بالإقرار وبطلت الشهادة.
قال: (يصح من مطلق التصرف) رجلًا كان أو امرأة، مسلمًا كان أو كافرًا، عدلًا أو فاسقًا؛ للأدلة السابقة.
وشملت عبارته السكران وهو كذلك على الأصح، لكن يستثنى المكره كما سيأتي.
والأصل: أن من قدر على الإنشاء .. قدر على الإقرار، ومن لا .. فلا.
واستثنى من طرده الوكيل بالبيع وقبض الثمن، إذا أقر بذلك وكذبه الموكل .. لا يصدق الوكيل على الأصح مع قدرته على الإنشاء.
وولي الثيب ينشئ نكاحها ولا يقر به، ومن عكسه: إقرار المرأة بالنكاح، والمجهول الحرية أو الرق بالنسب، والمفلس ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع، والوارث بدين على مورثه.
وإقرار المريض بأنه كان قد وهب وارثه كذا، فإن زيد فيه من قدر على إنشاء يستقل به أو يؤاخذ به .. فلا استثناء.
قال الشيخ عز الدين: قولهم: من ملك الإنشاء ملك الإقرار هذا بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن .. فبالعكس.
قال: (وإقرار الصبي والمجنون لاغ) كتصرفها، سواء المراهق وغيره، أذن الولي أم لا يأذن وإن كانت عبارته معتبرة في اختيار أحد أبويه، وفي دعواه استعجال الإنبات بالدواء، وفي الإذن في دخول الدار، وحمل الهدية.
نعم؛ يستثنى إقرار المميز بالتدبير والوصية والإسلام إذا صححنا ذلك منه.
فَإِنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالاِحْتِلَامِ مَعَ الإِمْكَانِ .. صُدِّقَ وَلَا يُحَلَّفُ،
ــ
والمغمى عليه وزائل العقل بما يعذر فيه كالمجنون، أما الخنثى المشكل .. فقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز إقراره حتى يستكمل خمس عشرة سنة، وقد تقدم في (باب الحجر) أن الأصحاب أولوا هذا النص، قال الشيخ: وتأويله مشكل.
قال: (فإن ادعى البلوغ بالاحتلام مع الإمكان .. صدق ولا يحلف)؛ لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته.
والمراد بـ (الاحتلام): خروج المني على أي صفة كان في يقظة أو منام كما تقدم.
قال أبو زيد والغزالي: ولا يحلف؛ لأنه إن كان صادقًا .. فلا حاجة إلى اليمين، وإن كان كاذبًا .. فيمينه غير منعقدة لكن جزم الرافعي في (باب النكول) وفاقًا لابن القاص بأن ولد المرتزق إذا ادعى البلوغ بالاحتلام وطلب إثبات اسمه في الديوان .. لابد من يمينه إذا اتهم، ومثله إذا حضر المراهق الوقعة فادعى الاحتلام وطلب السهم .. يعطى إن حلف، وإلا .. فوجهان: أصحهما: لا يعطى.
وقد تقدم في (باب الحجر) أن الكتابي إذا ادعى أنه إنما أنبت بالاستعجال .. لا يقبل قوله في دفع الجزية عنه.
ثم إذا لم يحلف وبلغ مبلغًا يقطع فيه ببلوغه .. قال الإمام الظاهر أيضًا أنه لا يحلف؛ لانتهاء الخصومة، وعدم الإجابة إلى التحليف إنما يتصور إذا كان له خصم يدعي صباه لغرض ما من بطلان تصرف أو غيره.
ولو أقر ثم ادعى أنه صغير .. لم يحلف أيضًا، ودعوى الجارية الحيض كدعواه الاحتلام.
وَإِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ. وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إِقْرَارِهِمَا. وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ،
ــ
قال: (وإن ادعاه بالسن .. طولب ببينة)؛ لإمكانها، وقيل: لا يطالب بها لعسرها، فإن كان غريبًا خامل الذكر .. ففيه ثلاثة احتمالات للإمام:
أظهرها: أنه يطالب بالبينة.
والثاني: يلحق بدعوى الاحتلام.
والثالث: يعتبر الإنبات.
ولو أطلق الإقرار بالبلوغ ولم يعين نوعًا .. ففي قبوله وجهان.
ولو قال: كنت وقت الإقرار صبيًا وأنا بالغ الآن .. فإنه يحلف، وكذا إذا قال: كنت مجنونًا وعرف له حال جنون في الأصح.
قال: (والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) في بابي (الحجر) و (التفليس)، لكن لم يتقدم حكم إقرار السفيه بالنكاح، وقد جزم الرافعي هنا بأن إقراره به باطل، وقال: إن بطلانه يشكل بقبول إقرار المرأة به، وفي (التهذيب) أنه لا يقبل كالمرأة.
قال: (ويقبل إقرار الرقيق بموجب عقوبة) سواء كانت لله أو لآدمي.
و (موجب) بكسر الجيم، أي: ما يوجبها، وذلك كالقصاص في النفس أو الطرف أو المنفعة، وكذلك القذف والزنا والسرقة وشرب الخمر؛ لبعده عن التهمة ويقام عليه موجب ذلك.
قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم في قبول ذلك خلافًا عن أحمد ممن أرضى،
وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ .. تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ،
ــ
وقد أمرت عائشة رضي الله عها بعبد أقر بسرقة فقطع، ومقطع علي رضي الله عنه عبدًا بإقراره ولم ينكر ذلك أحد، ونقل الأصحاب عن المزني: أنه لا يقبل إقراره بالحد والقصاص، ورده الأصحاب بقوله صلى الله عليه وسلم:(من يبد لنا صفحته نقم عليه حد الله).
ثم ولي القصاص مخير إن شاء اقتص وإن شاء عفا، وأم الولد والمدبر كالقن، والمبعض سيأتي حكمه قريبًا.
والمكاتب يقبل إقراره في البدن والمال كالحر، ويؤديه مما في يده، فإن عجز نفسه ولا مال معه .. فديون معاملاته يؤديها بعد عتقه، وأروش جناياته في رقبته تؤدى من ثمنه.
وإذا أقر العبد بسرقة توجب القطع .. قبل في القطع، وفي المال أربعة أوجه:
أصحها: لا يقبل.
والثاني: يقبل.
والثالث: يقبل إن كان المال باقيًا.
والرابع: يقبل إن كان تالفًا.
قال: (ولو أقر بدين جناية لا توجب عقوبة وكذبه السيد .. تعلق بذمته دون رقبته)؛ لأن الحجر عليه لحق السيد، فعمل بمقتضاه في متعلق حقه وهو الرقبة والكسب، ولأن العبد متهم فيتبع به إذا عتق؛ إذ لا حق للسيد في ماله حينئذ، وقيل: فيه القولان.
ولا خلاف أنه لا يتعلق برقبته للتهمة، فإن صدقه السيد تعلق .. بها، فيباع إلا أن
وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَاذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُقْبَلُ إِنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ
ــ
يفديه السيد، وإذا بيع فبقي شيء من الدين .. فالأظهر: أنه لا يتبع به إذا عتق.
قال: (وإن أقر بدين معاملة .. لم يقبل على السيد إن لم يكن مأذونًا له في التجارة) بل يتعلق بذمته، يتبع به إذا عتق، ولا فرق بين أن يكذبه السيد أو يصدقه؛ لتقصير من يعامله، بخلاف الجناية.
قال: (ويقبل إن كان) أي: مأذونًا له لقدرته على إنشائه، اللهم إلا أن يكون مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض؛ فإن الإقرار به لا يقبل على السيد.
ولو اشترى المأذون شراء فاسدًا .. لم يؤد من كسبه على الصحيح؛ لأن الإذن إنما يتناول الصحيح فقط، فيكون كغير المأذون يشتري بغير إذن، قاله البغوي.
قال: (ويؤدي من كسبه وما في يده)؛ لأنه قادر على إنشائه كما تقدم في (باب العبد المأذون).
وما أطلقه المصنف من القول في المأذون محله إذا لم يحجر السيد عليه، فإن حجر عليه فأقره بعد الحجر بدين معاملة أضافه إلى حال الإذن .. لم يقبل على الصحيح؛ لانتفاء القدرة على الإنشاء، ولا يقاس على المفلس، فإنه يصح إقراره في حق الغرماء على الإظهر كما تقدم؛ لأنه يقتضي من ماله ويطالب به بعد فك الحجر، والفك حاصل قطعًا، بخلاف العبد فلو أطلق العبد الإقرار بالدين .. لم ينزل على دين المعاملة في الأصح، كذا أطلقه الشيخان، وهو ظاهر إذا تعذرت المراجعة، وإلا فيراجع، كنظيره من المفلس.
والمبعض إذا أقر بدين جناية .. لم يقبل فيما يتعلق بسيده، إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه، وعليه قضاؤه مما في يده.
وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ
ــ
وإقرار السيد على عبده بدين الجناية مقبول، إلا أنه إذا بيع وبقي شيء .. لم يطالب به بعد العتق إلا أن يصدقه.
قال: (ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي) ويكن من رأس المال عينًا كان المقر به أم دينًا، قال الغزالي: بالإجماع، وفي (التلخيص) و (النهاية) قول: إنه من الثلث.
قال: (وكذا لوارث على المذهب)؛ لعموم الأدلة المتقدمة، ولأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها العاصي.
والظاهر: أنه لا يقر إلا بتحقيق، وفي قول: لا يصح؛ لأنه متهم في حرمانه بعض الورثة.
والأصح: طريقة القولين، وقيل: يقبل قطعًا.
واختار الروياني مذهب مالك أن الحاكم يجتهد، فإن اتهم .. لم يصح، وإلا .. فيصح.
وشملت عبارة المصنف ما إذا أقر أنه كان وهب وارثه في الصحة وأقبضه، والأصح في زوائد (الروضة): الصحة، وفي (الحاوي الصغير): البطلان، ويجري الخلاف فيما إذا أقرت المرأة أنها كانت أبرأت الزوج من صداقها في الصحة، قاله القاضي حسين.
ولو أقر أنه كان وقف هذا الشيء في صحته على فقراء أهله، وليسوا وارثين .. صح الوقف وكان من رأس المال، والاعتبار في كون المقر له وارثًا بحال الموت لا بحالة الإقرار على الأشهر كالوصية، ولا نظر إلى الحالة المتخللة بينهما بالاتفاق.
ولو أقر لوارثه وأجنبي .. خرج على قولي تفريق الصفقة.
فرع:
إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول، فلو أقر بعضهم بدين وأنكر البعض .. فقولان:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القديم: أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به، وإلا .. فتصرف جميع حصته إليه؛ لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين.
والجديد: لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة.
فعلى هذا: لو مات المنكر وورثه المقر .. لزمه الآن جميع المقر به على الأصح؛ لحصول جميع التركة في يده.
ويتفرع على القولين: لو شهد بعض الورثة بدين على المورث إن قلنا لا يلزمه بالإقرار إلا حصته .. قبلت شهادته، وإلا .. فلا؛ لأنه متهم، وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله.
وإذا مات عن ابنين فأقر أحدهما أن أباه أوصى لزيد بعشرة .. فهو كما لو أقر عليه بدين، فعلى القديم: يتعلق كل العشرة بثلث نصيبه، وعلى الجديد: يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه.
ولو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله وأنكر الآخر .. فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده، فلو أقر أنه أوصى بعين من أعيان أمواله، فإن لم يقسما التركة .. فنصيب المقر من تلك العين يصرف إلى الموصى له والباقي للمنكر، وإن اقتسماها، فإن كانت تلك العين في يد المقر .. لزمه دفعها إلى المقر له، وإن كانت في يد المنكر .. فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر؛ لأنه فوته عليه بالقسمة.
حادثة:
رجل أقر لبعض ورثته بدين ومات الوارث محجور عليه، فادعى وليه بالدين وطلب بقية الورثة يمينه وهو بالغ- أعني المقر له- فهل يلزمه يمين؟ وهل للحاكم أن يحكم من غير يمينه؟ وإذا نكل هل يكون المبلغ له؟
أجاب الشيخ: نعم يلزم المقر له اليمين، وليس للحاكم أن يقضي له من غير
وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِوَاحِدٍ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لآخَرَ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ. [وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لآِخَرِ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ فِي الأَصَحِّ]. وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ مُكْرَهٍ.
ــ
يمينه، فإذا نكل .. وقل الحكم إلى أن ينفك الحجر عنه.
فإذا انفك .. حلف بقية الورثة اليمين المردودة، ولا يحلفون في مدة الحجر؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار، وإقرار المحجور عليه بالمال لا يقبل.
قال: (ولو أقر في صحته لواحد بدين، وفي مرضه لآخر .. لم يقدم الأول) بل يقسم بينهما بالنسبة كما لو ثبتا بالبينة.
وقوله: (لآخر) يجوز أن يقرأ بـ (الباء) أي: بدين آخر، وحكى في (البيان) قولًا شاذًا: إنه يقدم دين الصحة.
[قال: (ولو أقر في صحته أو مرضه وأقر وارثه بعد موته لآخر .. لم يقدم الأول في الأصح)].
وقال: (ولا يصح إقرار مكره) بما أكره عليه؛ لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمن} ، والكفر أعظم الذنوب وسقط أثره بالإكراه فغيره من باب أولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فروع:
أحدها: ضرب ليقر، فأقر في حال الضرب .. لم يصح، وإن ضرب ليصدق فأقر .. صح؛ لأن الصدق لم ينحصر في الإقرار، كذا قاله المصنف.
قال الشيخ: قوله: إنما ضرب ليصدق صحيح، ولكن إذا انحصر الصدق في ذلك .. صار مكرهًا عليه، وهو صورة المسألة، قال: وخطر لي أن يقال: الإكراه إنما أبطل حكم الإقرار؛ لأنه قد يقر كاذبًا، وفي الإكراه على الصدق لا يتأتى ذلك.
الثاني: أقر أو باع أو تصرف تصرفًا آخر ثم قال: كنت مكرهًا، فإن قاله متصلًا بإقراره .. فهي مسألة تبعيض الإقرار، وإن قاله منفصلًا ولا قرينة على إكراهه .. لم يقبل عند الأكثرين.
ويستثنى منه: إذا شهد عليه بأنه تلفظ بالردة فادعى أنه كان مكروهًا .. فإنه يقبل فإن كانت قرينة مثل كونه محبوسًا بغير حق أو مقيدًا أو موكلًا به .. قبل قوله، صرح به جميع الأصحاب إلا الماوردي فإنه أطلق عدم القبول في هذه الحالة أيضًا.
كل هذا إذا أطلقت البينة الشهادة، فإن قيدت بأنه غير مكره .. فقال الإمام: لا يقبل قول المشهود عليه وإن ظهرت أمارات على صدقه، فإن الشهادة لا يعارضها أمارات. الثالث: الصحيح المنصوص: سماع الشهادة بالإقرار مطلقة من غير تعرض لبلوغ أو حرية أو عقل أو طواعية، وما يذكر في الوثائق من التعرض لذلك احتياط، عن صاحب (التقريب) خلاف في جميع ذلك عند الاحتمال.
فعلى الصحيح: للقاضي أن يسأل الشاهد، فإن فصل .. فذاك، وإن امتنع، فإن
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: لِهَذِهِ الدَّابَةِ عَلَيَّ كَذَاَ .. فَلَغْوٌ، فَلَوْ قَالَ: بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا .. وَجَبَ، وَلَوْ قَالَ: لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ .. لَزِمَهُ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ .. فَلَغْوٌ ......
ــ
كان امتناعًا لا يورث ريبة .. أمضى القاضي القضاء، وإن ارتاب .. توقف.
ويجوز للقاضي ترك السؤال إن علم أن الشاهد خبير بشرائط الشهادة فطنًا، وإن تمارى في أمره .. قال الإمام: لابد من الاستفصال في الشرائط، وأما تعيين الزمان والمكان .. فلا يجب على الشاهد تعيينه بلا خلاف.
قال: (ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به)؛ لأن الإقرار بدونه كذب.
قال: (فلو قال: لهذه الدابة عليَّ كذا .. فلغو)؛ لأنها لا تملك شيئًا ولا تستحقه، وفي قول مخرج: إنه يصح.
قال: (فلو قال: بسببها لمالكها .. وجب) حملًا على أنه جنى عليها أو اكتراها، فهو إقرار للمالك لا لها، وقد تكون هي السبب.
وقيل: لا يصح إلا أن يبين السبب، لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة، والمراد: مالكها حالة الإقرار.
ولو لم يذكر المالك بل قال: علي بسبب هذه الدابة ألف درهم .. حمله الأصحاب على الالتزام لمن هو مالك في الحال، قال الإمام: وفيه نظر.
قال: (ولو قال: لحمل هند كذا) أي: علي أو عندي (بإرث أو وصية .. لزمه)؛ لأن ما قاله ممكن والخصم في ذلك ولي الحمل.
وأشار بقوله: (هند) إلى أنه لابد من تعيينها؛ لأن إبهامها يلزم منه إبهام المقر له.
قال: (وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه .. فلغو)؛ للقطع بكذبه، كما إذا قال: له علي ألف أقرضنيها، كذا جزم به الرافعي في (المحرر).
وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ .. تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الأَصَحِّ،
ــ
وحكى في (الشرح) في المسألة ثلاثة طرق، صحح منها الصحة، وعللها بأنه عقب الإقرار بما هو غير مقبول، فأشبه قوله: علي ألف لا يلزمني، فلذلك استدركه عليه في (الروضة) بقوله: الأصح البطلان، كما قطع به في (المحرر)، وفرق بينه وبين قوله: ألف من ثمن خمر بأن بيع الخمر معتاد، بخلاف معاملة الأجنة.
قال: (وإن أطلق .. صح في الأظهر) حملاً للكلام على الجهة الممكنة.
والثاني: لا يصح؛ لأن المال في الغالب إنما يجب بالمعاملة، وهي مستحيلة في الحمل.
قال: (وإن كذب المقر له المقر .. ترك المال في يده في الأصح)؛ لدلالتها على المالك ظاهرًا، والإقرار عارضه التكذيب فسقط، كذا علله الرافعي، ومقتضاه أن يقر في يده لنفسه لا لغيره، وبه صرح في (المهذب).
والثاني: يحفظه القاضي إلى أن يظهر مالكه؛ لأنه كالمال الضائع.
والثالث: يجبر المقر له على قبوله، وهذا بعيد.
تنبيهات:
أحدها: موضع الخلاف إذا قال: هذا لزيد، أما إذا قال للقاضي: في يدي مال لا أعرف مالكه أو ليس هو لي .. فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه، وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه أيضًا.
الثاني: قال ابن الرفعة والشيخ: محل الخلاف فيما إذا كان المقر به عينًا، فإن كان دينًا .. فالمشهور: أنه لا يؤخذ منه. قال ابن الرفعة: وأجراه ابن يونس في الدين، ولم أره لغيره.
قال الشيخ جمال الدين: وهذا غريب، فقد ذكره الرافعي قبيل الركن الثالث.