المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، ــ أحدهما: أن - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، ــ أحدهما: أن

‌فَصْلٌ:

الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ،

ــ

أحدهما: أن يكرر العزل فيقول: عزلتك عزلتك، فإنه ينعزل بالأولى ويعود وينعزل بالثانية ولا يعود.

والثاني: أن يعلق العزل على عود الوكالة فيقول: كلما عدت وكيلي فأنت معزول، فإذا صدر هذا التعليق .. انعزل؛ لأن تعليق العزل صار معارضًا لتعليق الوكالة، والعزل معتضد بالأصل وهو الحجر في حق الغير فقدمناه.

وإن كان بصيغة تقتضي التكرار نحو (كلما) .. فله طريق واحد وهو: أن يعلق العزل، فلا يفيد التكرار؛ لأنه كلما عزله عاد وكيلًا.

واستشكل الشيخ هذا بأنه تعليق قبل لملك؛ إذ لا يملك العزل قبل الوكالة التي لم تصدر منه فهو كقوله: إن ملكت عبدًا فهو حر.

وأيضًا ما تقدم من الحيلة في عزله قد خصه الرافعي بالوجه الضعيف، وهو تصحيح الوكالة المعلقة، وصاحب (الحاوي الصغير) فرع على هذا الوجه الضعيف أيضًا، فإنه قال: وإن أدارها .. أدار العزل، أو كرر .. لا، في (كلما) يعني: أن له في الصيغ التي لا تقتضي التكرار طريقين: التكرار للعزل وإدارته في (كلما) فهو تفريع على الضعيف.

قال: (فصل:

الوكيل بالبيع مطلقًا ليس له البيع بغير نقد البلد)، لدلالة القرينة العرفية عليه، وهل المراد بلد البيع أو التوكيل؟ الظاهر: أن المراد الأول.

ص: 42

وَلَا بِنَسِيئَةٍ، وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ: مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا

ــ

ولو لم ينص له على بلد .. وجب بيعه في بلد التوكيل، إلا أن تقتضي قرينة غير ذلك.

ولو كان بالبلد نقدان .. لزم البيع بأغلبهما، فإن استويا في المعاملة .. باع بأنفعهما للموكل، فإن استويا .. تخير.

وقيل: يشترط البيان، أما إذا كان غرض الموكل الاسترباح لا غير كما يعتاده التجار في بضائعهم، إذا جرت العادة بالمبادلة بالسلع دون البيع بالنقد .. فالأشبه جوازه، لاسيما إذا كان نقد تلك البلد لا يروج بغير، ولا شك في جوازه في ناحية لا أثمان فيه كبعض بلاد الخطا والترك.

والفلوس وإن راجت رواج النقود لها حكم العروض لا يجوز البيع بها.

قال: (ولا بنسيئة) وإن كان قدر ثمن المثل؛ لأن الإطلاق يقتضي الحلول.

قال: (ولا بغبن فاحش، وهو: ما لا يحتمل غالبًا) كالوصي والوكيل بالشراء أيضًا ليس له أن يشتري بالغبن الفاحش، أما اليسير .. فيغتفر كالدرهم من العشرة، والصواب: الرجوع في ذلك إلى العرف.

واحترز بقوله: (مطلقًا) عما إذا نص عليه الموكل فإنه يجوز؛ لأن المنع كان لأجله فزال بإذنه.

وقوله: (ليس له) صريح في المنع، فلو فعل .. بطل على المذهب، وفي قول: يصح موقوفًا على إجازة الموكل.

وجوز أبو حنيفة جميع ذلك إقامة للوكيل مقام الموكل.

لنا: القياس على ما سلمه وهو الوصي والوكيل بالشراء.

فرع:

لو باع بثمن المثل وثم راغب بزيادة .. لم يصح، ولو وجد الراغب في زمن

ص: 43

فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ .. ضَمِنَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ لَهُ الأَجَلَ .. فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ

ــ

الخيار .. فالأصح: أنه يلزمه الفسخ، فإن لم يفعل .. انفسخ.

قال: (فلو باع على أحد هذه الأنواع وسلم المبيع .. ضمن)؛ لأنه متعد بالتسليم، وكيفية ضمانه على ما سبق في عدل الرهن، وإن لم يسلم .. لم يضمن؛ لعدم تعديه، ثم إذا سلم وكان باقيًا .. استرده، وله بيعه بالإذن السابق، وإن تلف .. كان للمالك أن يغرم من شاء منهما، والقرار على المشتري.

قال: (فإن وكله للبيع مؤجلًا وقدر له الأجل .. فذاك) أي: فيجوز أن يبيعه إلى ذلك الأجل، ولا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان إن نص على المشتري؛ لظهور قصد المحاباة.

قال: (وإن أطلق .. صح في الأصح)؛ لصحة اللفظ.

والثاني: يبطل التوكيل؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الآجال.

قال: (وحمل على المتعارف في مثله) حملًا للمطلق على المعهود، وسكوت المصنف عما إذا لم يكن عرف يوهم البطلان حيث لا عرف، وليس كذلك، بل يراعي الأنفع للموكل.

وقيل: يؤجل بما شاء.

وقيل: لا يزيد على سنة؛ لأنه الأجل الشرعي في الزكاة والدية والجزية وغيرها.

ويلزمه إذا باع بمؤجل بيان الغريم حتى لا يكون مضيعًا لحق الموكل، فإن امتنع .. كان متعديًا، وإن نسيه أو اشتبه عليه .. ففيه كلام يأتي في (الوديعة) إن شاء الله تعالى.

والظاهر: أنه يجب عليه الإشهاد؛ صيانة لحق موكله، خصوصًا إذا طال الأجل، وسيأتي في تتمة الفصل ماله تعلق بهذا.

ص: 44

وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ،

ــ

فرع:

إذا باع بمؤجل حيث يجوز السلم .. صح على المذهب، وإذا حل الأجل .. لم يكن له قبض الثمن إلا بإذن جديد.

قال: (ولا يبيع لنفسه وولده الصغير)؛ لأنه حريص بطبعه على الاسترخاص لهما، وغرض الموكل الاجتهاد في الزيادة، فيتنافى الغرضان.

وقيل: إن نص له الموكل على ذلك .. جاز، وإلا .. فلا.

وقيل: يبيع لنفسه مطلقًا.

وعلى الصحيح: لو صرح بالإذن بالبيع من نفسه .. قال ابن سريج: يصح، وقال الأكثرون: لا يصح.

وكذلك لو صرح بالإذن في البيع لولده الصغير، فلو نص له على البيع من نفسه وقدر الثمن ونهاه عن الزيادة .. فقال ابن الرفعة: ينبغي أن يجوز؛ لعدم التهمة، وحكم الشراء في جميع ذلك كالبيع.

قال: (والأصح: أن له أن يبيع لأبيه وابنه البالغ) وكذا سائر أصوله وفروعه ومكاتبه، كما يجوز أن يبيع من صديقه، وكما يجوز للعم أن يزوج موليته من ابنه البالغ إذا أطلقت الإذن وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج.

والثاني: لا؛ لأنه متهم، فأشبه ما إذا فوض إليه الإمام أن يولي القضاء من شاء، فإنه لا يجوز له أن يفوضه إلى أصله ولا إلى فرعه كما قاله الرافعي في (كتاب القضاء)، ولعل الفرق أن لنا هنا مردًا ظاهرًا.

ص: 45

وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعٍ، وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ .. ضَمِنَ. وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءٍ .. لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا،

ــ

وهو ثمن المثل، أما إذا صرح له بالبيع منهما .. فيجوز بلا خلاف.

والمراد بأبيه وابنه: المستقلان؛ لئلا يرد السفيه والبالغ المجنون، فإنهما كالصغير.

قال: (وأن الوكيل بالبيع) أي: الناجز (له قبض الثمن وتسليم المبيع) فإنهما من توابع البيع، فالإذن في اليبع إذن فيهما.

والثاني: لا؛ لعدم الإذن فيهما، وقيل: له تسليم المبيع دون قبض الثمن.

أما الوكيل بالشراء .. فسيأتي في كلام المصنف القطع بأن له تسليم الثمن.

ويستثنى من موضع الخلاف:

ما إذا كان الثمن مؤجلًا .. فإنه لا يقبضه قطعًا.

وما إذا كان قبضه شرطًا في صحة العقد .. فله قبضه قطعًا، وذلك في الصرف والسلم.

وما إذا منعه من قبضه .. فليس له قبضه قطعًا، وإن نهاه عن التسليم .. امتنع على الأصح.

قال: (ولا يسلمه حتى يقبض الثمن)؛ للخطر الظاهر في التسليم قبله.

قال: (فإن خالف .. ضمن)؛ لتقصيره، هذا إذا سلمه مختارًا، فلو ألزمه الحاكم بتسليم المبيع قبل قبض الثمن، وكان الحاكم يرى ذلك مذهبًا بدليل أو تقليد .. فلا ضمان، وإن ألزمه جهلًا أو عدوانًا، أو أكرهه المشتري أو غيره على تسليمه .. فيظهر أنه كتسليم الوديعة كرهًا فيضمن على الأصح.

قال: (وإذا وكله في شراء .. لا يشتري معيبًا) أي: أنه لا يجوز له شراؤه إذا علم

ص: 46

فإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ .. وقَعَ عَنِ الْمُوَكِّلِ إِنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ .. لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إِنْ عَلِمَهُ،

ــ

بعيبه؛ لأن عليه نصح موكله، اللهم إلا أن يكون غرض الموكل التجارة، فإنه يصح كعامل القراض وشريك التجارة والعبد المأذون له فيها؛ لأن الغرض الربح، وقد يكون الربح في المعيب أكثر منه في غيره، لاسيما العيب الخفيف.

قال: (فإن اشتراه في الذمة وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به .. وقع عن الموكل إن جهل العيب)؛ لأنه يمكن استدراكه بالرد فلا ضرر عليه فيه، ولا ينسب الوكيل إلى مخالفة لجهله؛ لأن الواجب عليه أن يشتري ما ظن سلامته، لا ما هو سليم في نفس الأمر، أما إذا قال: اشتر لي عبدًا سليمًا. فالوجه أن لا يقع للموكل إذا اشترى معيبًا علم عيبه أو جهله؛ لأنه غير المأذون فيه.

وقوله: (في الذمة) قد يوهم أنه إذا اشترى بعين مال الموكل لا يقع له وليس كذلك، بل يقع له أيضًا إذا أوقعناه له هناك، لكن ليس للوكيل الرد في الأصح، وإنما أتى بهذا القيد؛ ليحترز به عما يقتضيه كلامه بعد من الرد.

قال: (وإن علمه .. فلا في الأصح) أي: وإن ساوى ما اشتراه به؛ لأن الإطلاق يقتضي سليمًا.

والثاني: يقع عنه؛ لعدم النقصان في المالية.

والثالث: إن كان للتجارة .. وقع له، وإن كان للقنية .. فلا، واستحسنه الإمام.

والرابع: إن كان العيب يمنع الإجزاء في الكفارة والمبيع رقيق .. لم يقع، وإلا .. وقع.

قال الإمام: وصاحب هذا الوجه يستثنى الكفر، فإنه يمنع الإجزاء في الكفارة ويجوز للوكيل شراؤه.

قال: (فإن لم يساوه .. لم يقع عنه) أي: عن الموكل (إن علمه)؛ لأنه يورطه في الغرم مع العلم، فهو مخالف.

ص: 47

وَإِنْ جَهِلَهُ .. وقَعَ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا وقَعَ عَنِ الْمُوَكِّلِ .. فَلِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرِّدُّ. وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إِذْنٍ إِنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وُكِّلَ فِيهِ،

ــ

قال: (وإن جهله .. وقع في الأصح) أي: للموكل، كما لو اشتراه بنفسه جاهلًا.

والثاني- وصححه الإمام-: لا يقع؛ لأن مجرد الغبن الفاحش يمنع الوقوع عن الموكل مع السلامة فمع العيب أولى، وأجاب الأصحاب بأن الغبن الفاحش لا يثبت الخيار، وهنا يثبت الخيار بالعيب فلا ضرر.

قال: (وإذا وقع عن الموكل .. فلكل من الوكيل والموكل الرد) أما الموكل في حالة الجهل .. فلا خلاف فيه؛ لأنه المالك، والضرر لاحق به، وأما الوكيل .. فلأنا لو لم نجوز له ذلك .. لكان المالك ربما لا يرضى به، وحينئذ يتعذر الرد؛ لأنه على الفور، وعن ابن سريج أنه لا يملك الرد إلا بإذن موكله.

والعيب الطارئ قبل القبض حكمه حكم العيب المقارن.

ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين التوكيل في شراء معين أو موصوف؛ لأن الظاهر أنه إنما يريده بشرط السلامة.

ولو رضي الموكل بالعيب سقط خيار الوكيل إجماعًا، ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل ورضاه وتقصيره.

وإذا أراد الوكيل الرد بالعيب فقال البائع: أخر حتى يحضر الموكل .. لم تلزمه إجابته، وإذا رد فحضر الموكل ورضي .. احتاج إلى استئناف شراء، وإن لم يرد حتى حضر الموكل .. فللموكل الرد إن كان قد سماه، أو صدقه البائع على نيته.

قال: (وليس لوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وكل فيه)؛ لأنه إنما رضى به وهو كالوصي ليس له أن يوصي لكن قال الجوري: لو وكله في قبض دين فقبضه وأرسله مع بعض غلمانه إلى موكله .. لم يضمن، أو مع غيرهم ضمن.

ص: 48

وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ .. فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنِ الإِتْيَانِ بكُلِّهِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ: وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ، فَفَعَلَ .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ،

ــ

فائدة:

قال الشيخ: قولهم: (ليس لوكيل أن يوكل بلا إذن) هذا إذا قال: وكلتك أن تبيع، أما إذا قال: في بيعه .. فيشمل بيعه توكيله، ففرق بين صريح الفعل و (أن) والفعل؛ لأن (أن) والفعل تدل على الحدوث وهو معنى تصديقي، بخلاف المصدر الصرح؛ فدلالته على المعنى التصوري فقط، ويؤيده تفرقة الفقهاء في بابي (العارية) و (الإجارة) بين مالك المنفعة وأن ينتفع.

قال: (وإن لم يتأت لكونه لا يحسنه أو لا يليق به .. فله التوكيل) أي: على الأصح عملًا بالعرف؛ إذ المقصود الاستنابة.

وقيل: لا؛ لقصور اللفظ.

قال: (ولو كثر وعجز عن الإتيان بكله .. فالمذهب: أنه يوكل فيما زاد على الممكن)؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك.

والثاني: لا يوكل في الممكن، وفي الزائد وجهان.

والثالث: إطلاق الوجهين، أما الممكن .. ففيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأنه لا ضرورة إليه، وحيث وكل في صورة سكوت الموكل ينبغي أن يوكل عن موكله، فلو وكل عن نفسه .. ففيه وجهان، قال المصنف: الأصح: أنه لا يجوز.

ولو وكله في تصرف يطيقه فعجز عنه لمرض أو سفر .. لم يكن له التوكيل فيه، وقال الجوري: ينبغي أن يأتي فيه الخلاف السابق فيما إذا كان التصرف لا يطيقه.

قال: (ولو أذن في التوكيل وقال: وكل عن نفسك، ففعل .. فالثاني وكيل الوكيل)؛ لأنه مقتضى الإذن.

فعلى هذا: ينعزل بعزل الوكيل الأول إياه، وبموت الأول وجنونه.

ص: 49

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: عَنِّي .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ .. يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا

ــ

وقيل: إنه وكيل الموكل، وكأنه قال: أقم غيرك مقامك، فلا ينعزل بعزل الأول له وانعزاله.

قال: (والأصح: أنه ينعزل بعزله وانعزاله) هذا من ثمرة كونه وكيل الوكيل.

وقيل: لا ينعزل إلا بعزل موكله وهو الوكيل.

قال: (وإن قال: عني .. فالثاني وكيل الموكل)؛ لأن الموكل أذن بهذا الشرط.

قال: (وكذا لو أطلق في الأصح)؛ لأنه تصرف تعاطاه بإذن الموكل فوجب أن يقع عنه.

والثاني: أنه وكيل الوكيل؛ لأن المقصود من الوكيل المعاونة وتسهيل الأمر، ولو وكله في تصرف وقال: افعل ما شئت .. لم يكن ذلك إذنًا في التوكيل في الأصح المنصوص، وكذا الحكم فيما لو قال: كل ما تصنعه جائز، وهل يتضمن ذلك الإذن بالبيع نسيئة أو بغير نقد البلد؟ لم أره مصرحًا به، والأقرب المنع.

قال: (قلت: وفي هاتين الصورتين) وهما إذا قال: عني أو أطلق (لا يعزل أحدهما الآخر، ولا ينعزل بانعزاله) أما الأولى .. فقطعًا، وأما الثانية .. فعلى الأصح؛ لأنه ليس وكيلًا عنه، ولو سكت المصنف عن هذا .. لعلم من التفريغ الذي قرره، ولكنه أراد زيادة إيضاح.

قال: (وحيث جوزنا للوكيل التوكيل .. يشترط أن يوكل أمينًا) رعاية لمصلحة الموكل.

وفي (البحر) في (كتاب الوصية) وجه: أنه يجوز أن يوكل فاسقًا، ولو وكل

ص: 50

إِلَاّ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ .. لَمْ يَمْلِكِ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

خائنًا .. لم ينعزل؛ لأنه قول لا أثر له إلا أن يسلم المال إليه ففيه الخلاف الآتي في انعزاله بالتعدي، وظاهر كلامه: عدم جواز توكيل الخائن وإن كان الموكل عين الثمن والمبيع منه؛ لأنها استنابه عن الغير وهو أحد احتمالي صاحب (المطلب).

قال: (إلا أن يعين الموكل غيره) فيتبع تعيينه.

والمراد: إلا أن يعين الموكل عن نفسه غير الأمين، أما إذا عين الولي ونحوه لوكيله غير الأمين .. فإنه لا يجوز للوكيل توكيله قطعًا، ولا توكيل غيره؛ لأنه لم يأذن فيه.

وظاهر كلامه: أنه لو قال: وكل من شئت لا يوكل غير الأمين؛ لأنه إنما استثنى المعين والتعميم. ليس بتعيين، لكن قالوا في النكاح: إنها لو قالت: زوجني ممن شئت .. جاز تزويجها من الأكفاء وغيرهم على الصحيح، فقياسه ههنا: الجواز من الأمين وغيره، ويمكن الفرق بأن المقصود الأعظم من الأموال الحفظ وحسن التصرف، فإذا لم يكن الوكيل أهلًا .. كان تضييعًا محضًا، فتبعد إرادته، أو حمل الإطلاق عليه، بخلاف الكفاءة؛ فإنها صفة كمال، فقد يتسامح بتركها، وقد يكون غير الكفء أصلح لها من وجوه، وحينئذ فلا يصح الإلحاق.

قال: (ولو وكل أمينًا ففسق .. لم يملك الوكيل عزله في الأصح والله أعلم)؛ لأنه أذن له في التوكيل دون العزل.

والثاني: نعم؛ لأن الإذن في التوكيل يقتضي توكيل الأمناء، فإذا فسق .. لم يجز استعماله فيملك عزله ولم يصح الرافعي في المسألة شيئًا.

وقال في زوائد (الروضة): أقيسهما المنع، ثم يتعين أن يتصور ذلك بما إذا قال: وكل عني وبه صور في (الوسيط)، وفي معناه الإطلاق، وحينئذ فمنع العزل واضح؛ لأنه ليس وكيلًا له.

ص: 51