المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٥

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ

‌فَصْلٌ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ: دَارِي، أَوْ ثَوْبِي، أَوْ دَيْنِي الذَّي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍ و

فَهُوَ لَغْوٌ،

ــ

تتمة:

أفتى الشيخ برهان الدين المراغي مدرس الفلكية بدمشق في امرأة أشهد على نفسها أن هذا الرجل ابن عمها وصدقها: أن العصوبة تثبت ويرثها إذا ماتت، وهي مسألة تعم بها البلوى، لاسيما إذا كان المقر به غائبًا، فكثيرً ما يقر مريض بأن له وارثًا غائبًا إما ابن عم أو أخوة فيضع وكيل بيت المال يده على المال مدعيًا أن بيت المال لا يندفع بهذه الدعوى، وأفتى الشيخ باندفاع وكيل بيت المال بذلك، وحفظ هذا المال بمجرد هذا الإقرار حتى يحضر الغائب، قال:(وفي (فتاوى القاضي) و (شيخه القفال) و (ابن الصلاح): ما يرشد إلى ذلك.

قال: (فصل:

يشترط في المقر به) وهو ما جازت المطالبة به (أن لا يكون ملكًا للمقر)؛ لأن الإقرار ليس مزيلاً للملك، بل إخبار عن كونه مملوكًا للمقر له، فلابد من تقدم المخبر عنه على الخبر.

قال: (فلو قال: داري، أو ثوبي، أو ديني الذي على زيد لعمرو .. فهو لغو)؛ لأنه جملة واحدة أولها مناقض لآخرها، وعلم من عبارته صحة الإقرار بالدين، فإذا قال: الدين الذي لي على زيد لعمرو واسمي في الكتاب عارية .. صح؛ لاحتمال أنه وكيله، لكن يستثنى من ذلك الصداق وبدل الخلع وأرش الجناية على الحر، فلا

ص: 95

وَلَوْ قَالَ: هَذَا لِفُلَانٍ وَكَانَ مِلْكِي إِلَى أَنْ أَقْرَرْتُ .. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إِقْرَارٌ وَآخِرُهُ لَغْوٌ. ولْيَكُنِ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لَيُسَلَّمَ بِالإِقْرَارِ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ.

ــ

يصح الإقرار بها عقب ثبوتها، كما نقله الرافعي عن صاحب (التلخيص) وأقره.

وأورد على حصره: المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطء الشبهة وأجرة بدن الحر فلا يصح الإقرار بها أيضًا.

قال: (ولو قال: هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت .. فأول كلامه إقرار وآخره لغو)؛ لمناقضته الأول، فيطرح آخر ويؤاخذ بأوله، ولو عكس فقال: هذه الدار ملكي هذه الدار لفلان .. صح الإقرار أيضًا.

ولو أقر ثم شهدت بينة أنه لم يزل ملكه إلى أن أقر .. لم يصح الإقرار، كما قاله الهروي وغيره، وكذلك الحكم في الدين أيضًا إذا قال: ديني الذي على زيد لعمرو .. فهو باطل.

قال: (وليكن المقر به في يد المقر ليسلم بالإقرار إلى المقر له) المراد: أنه يشترط في الحكم بالإقرار كون المقر به في يد المقر حسًا أو شرعًا، فإنه حينئذ يسلم للمقر له.

ويستثنى من هذه القاعدة: ما إذا باع الحاكم مال الغائب بسبب اقتضاه، ثم قدم وادعى أنه كان تصرف فيه قبل بيع الحاكم .. فإنه يقبل منه، كما سيأتي قبيل (كتاب الصداق) عن النص.

ويشترط في اليد الاستقلال، فلو كانت يده نائبة عن غيره بأن أقر بمال تحت يده ليتيم أو جهة وقف .. لم يصح إقراره، وكذلك المفلس فإن العين وإن كانت في يده لكنها ليست في ولايته، فلا يصح إقراره بها.

ص: 96

فَلَوْ أَقَرَّ ولَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ .. عُمِلَ بِمُقْتَضَى الإِقْرَارِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَد غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ .. حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ قَالَ: هُوَ حُرُّ الأَصْلِ .. فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ .. فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ

ــ

قال: (فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار .. عمل بمقتضى الإقرار)؛ لأن الشرط قد وجد فآخذناه بإقراره.

قال: (ولو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه .. حكم بحريته) مؤاخذة له بإقراره السابق، ويصح الشراء في هذه الصورة تنزيلًا للعقد على قول من صدقه الشارع وهو البائع وإن اعتقد المشتري حريته استنفاذًا له من الظلم، كما لو اشترى المسلم أسيرًا من مشرك .. يصح الشراء وإن كان حراً استنفاذًا له لا تمليكًا.

قال: (ثم إن كان قال: هو حر الأصل .. فشراؤه افتداء) أي: من جهة المشتري؛ لأن اعترافه بحريته مانع من جعله بيعًا من جهته، وهذا لا خلاف فيه، وكذا إن قال: أعتقه فلان والبائع اشتراه منه.

قال: (وإن قال: أعتقه) أي: البائع ويسترقه ظلمًا، ويوجد في بعض النسخ: أعتقه على الخطاب، والذي بخط المصنف على الغيبة.

قال: (.. فافتداء من جهته وبيع من جهة البائع على المذهب)؛ لاعترافه بحريته، وامتناع شراء الحر.

والثاني: أنه بيع من الجانبين.

والثالث: أنه افتداء من الجانبين، قال الرافعي: وهذا الثالث مما ينبو عنه الطبع.

قال: (فيثبت فيه الخياران للبائع فقط) بناء على أنه بيع من جهته، فلو ظهر بالعبد عيب .. لم يكن له رده، لكن له الأرش على قولنا: شراء، وليس له على قولنا: افتداء.

ولو قال: هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد، ثم اشتراه منه .. صح في الأصح استنقاذًا لملك الغير كما يستنقذ الحر.

ص: 97

وَيَصِحُّ الإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَى شَيْءٌ .. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَرَّهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ سِرْجِينٍ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ،

..

ــ

قال: (ويصح الإقرار بالمجهول) إما من بعض الوجوه كقوله: له علي ثوب، أو من كلها كقوله: له علي شيء؛ لأن الإقرار إخبار عن حق سابق، والشيء يخبر عنه مبينًا ومجملًا وغير معين، إما لثبوته مجهولًا بوصية ونحوها، وإما لغير ذلك.

ولو عبر المصنف بـ (المجمل) كما في (الشرح) و (الروضة) .. كان أحسن، فإن الإقرار بالمبهم كأحد العبدين صحيح ودخوله في المجمل أظهر من دخوله في المجهول.

قال: (فإذا قال: له علي شيء .. قبل تفسيره بكل ما يتمول وإن قل)؛ لأن اسم الشيء صادق عليه، وبدأ بلفظ (شيء)؛ لأنها أعلم النكرات فإنها تصدق على كل موجود، ولا خلاف في قبول تفسيرها بما يتمول؛ لصدق الاسم وحصول المقصود الأعظم من الأقارير وهو المال.

قال في (الجواهر): وضابط ما يتمول: ما سد مسدًا، ووقع موقعًا يحصل به جلب نفع أو دفع ضر كفلس ورغيف وتمرة لها قيمة.

وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه أنه لابد من اليمين، فيحلف أن ما له عليه شيء سوى ما فسره، فإن نكل قيل للمدعي: سم ما شئت، فإذا سمى فإن حلف المقر .. برئ، وإلا .. حلف المدعي واستحق.

قال: (ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنسه كحبة حنطة، أو بما يحل اقتناؤه ككلب معلم أو سرجين .. قبل في الأصح)؛ لأنه شيء يحرم أخذه وعلى من أخذه رده، ونظير الكلب المعلم: القابل للتعليم وجلد الميتة القابل للدبغ والخمرة المحترمة.

أما الأول .. فلأنه لا قيمة له، فلا يصح التزامه بكلمة (علي).

وأما الثاني .. فلأنه ليس بمال، وصاحب هذا الوجه يقول: لا تصح الدعوى به.

ص: 98

ــ

هذا كله إذا كان الإقرار بصيغة: له علي، فإن قال: له في ذمتي، ثم فسره بحبة حنطة أو بكلب أو خنزير .. فلا يجري هذا الخلاف؛ لأن هذه الأشياء لا تثبت في الذمة.

و (السرجين): الزبل، عجمي معرب، ويقال بالقاف بدل الجيم، وحكى في (المحكم) فيه فتح السين أيضًا، لكن قال القاضي عياض وغيره: ليس في الكلام فعليل بالفتح.

فرع:

مات المقر بالشيء قبل البيان .. طولب به الوارث، فإن امتنع .. فقولان:

أحدهما: يوقف مما ترك أقل متمول.

والأظهر: يوقف الجميع؛ لأنه مرتهن بالدين.

واستشكل في (المطلب) القولين معًا؛ لأن التفسير بالاختصاصات مقبول.

نعم؛ يتجه الخلاف إذا قال: له علي مال، وألحق الهروي جنونه بموته، فإذا غاب المقر .. حكى الهروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: يبين المدعي مقدارًا ويحلف أن له ذلك، وأنه أراده بإقراره، وحينئذ يعطيه الحاكم له، ولو فسره بحق الشفعة .. قبل، وكذا بالقصاص والوديعة على الصحيح.

وقيل: لا؛ لأنهما في يده لا عليه.

ص: 99

وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَام. وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ .. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ،

ــ

وفي التفسير بحد القذف وجهان: أصحهما في (التنبيه) وزاوائد (الروضة): القبول.

قال: (ولا يقبل بما لا يقتنى كخنزير وكلب لا نفع فيه) من صيد أو حفظ ماشية أو زرع أو درب؛ لأن قوله: علي يقتضي ثبوت حق، وما لا يقتنى ليس فيه حق ولا اختصاص ولا يلزم رده، وفيه وجه.

أما لو قال: له عندي شيء أو غصبت منه شيئًا .. فيقبل تفسيره بما لا يقتنى، بخلاف: علي، فلو غصب من ذمي خمرًا أو خنزيرًا .. وجب رده عليه إذا لم يكن قد تظاهر بذلك، وحينئذ فالقياس قبول تفسيره له بذلك.

قال: (ولا بعيادة ورد سلام)؛ لبعد ذلك عن الفهم، ولأنه لا مطالبة بهما، والإقرار في العادة إنما يكون بما يطلب.

نعم؛ تفسير الحق بهما، واستشكله الرافعي بأن الحق أخص من الشيء، فيبعد قبول تفسيره الأخص بما لا يقبل به تفسيره الأعم.

واعترض في (المهمات) على الرافعي بأن أهل العرف يطلقون لفظ الحق على هذه الأمور فيقولون: لفلان علي حق، ويريدون خدمته وسعيهم إلى بابه وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس

) وذكر من جملتها عيادة المريض ورد السلام.

قال: (ولو أقر بمال أو مال عظيم أو كبير أو كثير .. قبل تفسيره بما قل منه)؛ لصدق الاسم، والأصل براءة الذمة عن الزيادة، وأما عند وصفه بالعظم أو الكثرة ونحوهما كخطير وجليل ونفيس .. فلاحتمال أن يريد ذلك بالنسبة إلى الفقير أو الشحيح، أو باعتباره كفر مستحله وعقاب غاصبه، وكذا لو قال: عظيم جدًا أو عظيم

ص: 100

وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الأَصَحِّ، لَا بِكَلْبٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَهُ كَذَا .. كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ

..

ــ

ألف مرة أو صغيرة أو صغير جدًا أو له عندي مال وافر أو تافه؛ لقوله تعالى: {فما متع الحيوة الدنيا في الأخرة إلا قليل} ، {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حسبين} .

قال الشافعي رحمه الله: أصل ما أبني عليه في الأقارير أن ألزم اليقين وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة.

وعن أبي حنيفة: لا يقبل في تفسير العظيم والكثير أقل من عشرة دراهم، ووافقنا في الخطير والجليل والنفيس.

وقال مالك: لا يقبل في جميع ذلك أقل مما تقطع فيه اليد.

وقال الليث بن سعد: يلزم في قوله: علي مال كثير اثنان وسبعون درهمًا؛ لأن الله تعالى قال: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} ، وعدد غزواته وسراياه اثنان وسبعون، وهذا قول محمد بن نصر.

وقال ابن سعد: الغزوات التي غزاها بنفسه سبعة وعشرون والسرايا ستة وخمسون، فهي ثلاثة وثمانون.

وذكر ابن السمعاني في ترجمة العسكري: أن المتوكل اعتل فنذر إن شفي أن يتصدق بدنانير كثيرة، فسأل أبا الحسن علي بن محمد بن موسى العسكري عن ذلك فقال: تصدق بثلاثة وثمانين دينارًا.

قال: (وكذا بالمستولدة في الأصح)؛ لأنها لو أتلفها متلف ضمنها ضمان الأموال.

والثاني: لا؛ لخروجها عن اسم المال المطلق، ولو قال: رقيقي أحرار .. لم تدخل على وجه.

قال: (لا بكلب وجلد ميتة)؛ لمباينته اسم المال.

قال: (وقوله: له كذا .. كقوله: شيء)؛ لإبهامها، وهي في الأصل مركبة من (كاف) التشبيه واسم الإشارة ثم نقلت فصارت يكنى بها عن عدد وغيره، ويجوز

ص: 101

وَقَوْلُهُ: شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا .. كَمَا لَوْ يُكَرِّرْ. وَلَوْ قَالَ: شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا .. وَجَبَ شَيْئَانِ. وَلَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ .. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا- بِالنَّصْبِ- وَجَبَ دِرْهَمَانِ،

.

ــ

استعمالها في النوعين مفردة ومركبة ومعطوفة.

قال: (وقوله: شيء شيء أو كذا كذا .. كما لو لم يكرر)؛ لأن الثاني ظاهر في احتمال إرادة التأكيد.

قال: (ولو قال: شيء وشيء أو كذا وكذا .. وجب شيئان)؛ للعطف، سواء كانا متفقين أو مختلفين؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.

قال: (ولو قال: كذا درهمًا أو رفع الدرهم أو جره .. لزمه درهم)؛ لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم، والنصب فيه جائز على التمييز، والرفع على أنه عطف بيان أو بدل، والجر وإن كان لحنًا عند البصريين فلا أثر له في الإقرار.

وإيجاب الدرهم مع الرفع لا خلاف فيه، وأما مع النصب .. فخالف فيه أبو إسحاق المروزي فأوجب على العارف باللغة عشرين درهمًا؛ لأنه أقل عدد يميز بمفرد منصوب وأما مع الجر .. فخالف فيه بعضهم فأوجب فيه بعض درهم حملًا لـ (كذا) على البعض وصححه في (التنبيه) و (الشامل) واختاره الشيخ.

وقوله: (كذا درهم) بالسكون كالمخفوض فيأتي فيه الوجهان.

قال: (والمذهب: أنه لو قال: كذا وكذا درهمًا- بالنصب- وجب درهمان)؛ لأن التمييز وصف، والوصف المتعقب لشيئين يعود إليهما عند الشافعي رضي الله عنه.

والقول الثاني: يلزمه درهم واحد، وهو اختيار المزني والشيخ؛ لجواز تفسيره اللفظين معًا بالدرهم فيكون المراد: من كل واحد نصف درهم.

والثالث: يلزمه درهم وشيء، أما الدرهم .. فلتفسير الجملة الثانية، وأما الشيء .. فللأول الباقي على إبهامه، هذه الطريقة المشهورة.

والثانية: القطع بالأول.

ص: 102

وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ .. فَدِرْهَمٌ. وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ .. فَدِرْهَمٌ فِي الأَحْوَالِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ أَلْفٌ ودِرْهَمٌ .. قُبِلَ تَفْسِيرُ الأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ

..

ــ

والطريقة الثالثة: القطع بالثاني.

وقيل: إن أطلق .. فدرهما، وإن نوى عوده إليهما .. فدرهم، و (ثم) في جميع ما تقدم كـ (الواو).

قال: (وأنه لو رفع الدرهم أو جره .. فدرهم) أما الرفع .. فلأن قوله: (له علي كذا) كلام تام، وقوله:(وكذا درهم) معناه: أن كذا الذي أقررت به درهم، فتكون الواو قد عطفت جملة على جملة.

وأما الجر .. فلما كان لحنًا رجعنا إلى ما يفهم منه عرفًا وهو اليقين فلزم درهم.

قال الرافعي: ويمكن أن يخرج فيه مما سبق أنه يلزمه شيء وبعض درهم، أو لا يلزمه إلا بعض درهم. اهـ

وجزم القاضي أبو الطيب بوجوب بعض درهم كما حاوله الرافعي.

وقيل: يجب درهمان، صرح به الماوردي، ولم ينقل الرافعي في المسألة خلافًا، إنما جزم بوجوب درهم ثم ذكر البحث السابق.

قال: (ولو حذف الواو .. فدرهم في الأحوال) أي: الرفع والنصب والجر؛ لاحتمال إرادة تأكيد الأول بالثاني.

وقال أبو إسحاق: إن كان عالماً بالعربية .. لزمه أحد عشر درهمًا؛ لأنه قل عدد مركب يفسر بمنصوب.

وقد تحصلنا على اثنتي عشرة مسألة؛ لأن (كذا) إما مفردة أو مركبة أو معطوفة، و (الدرهم) إما أن يرفع، أو ينصب، أو يجر، أو يسكن، ثلاثة في أربعة، والواجب في الجميع: درهم، إلا مع العطف والنصب .. فدرهمان.

قال: (ولو قال: له ألف ودرهم .. قبل تفسير الألف بغير الدراهم) فالدرهم

ص: 103

وَلَوْ قَالَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا .. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ [عَلَى الصَّحِيحِ]. وَلَوْ قَالَ: الدِّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْتُ بِهَا نَاقِصِةُ الْوَزْنِ؛ فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ .. فَالصَّحِيحُ: قَبُولُهُ إِنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلاً، وَمَنْعُهُ إِنْ فَصَلَهُ عَنِ الإِقْرَارِ،

ــ

مبين ويرجع في تفسيره الألف إليه؛ لأن العطف إنما وضع للزيادة، ولم يوضع للتفسير؛ لأنه مبهم.

وقال أبو حنيفة وأبو ثور: تكون الألف من جنس المعطوف، وطردًا ذلك في كل معطوف مكيل أو موزون أو معدود.

لنا: القياس على عكسه، وهو درهم وألف فإنهما سلما أن الألف باق على إبهامه.

ولو قال له: علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما .. فله تفسير الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم وكأنه قال: ألف مما قيمة الألف منه درهم.

قال: (ولو قال: خمسة وعشرون درهمًا .. فالجميع دراهم [على الصحيح])؛ لأن التمييز كالوصف، وهو يعود إلى الجميع عندنا.

والثاني: أن الخمسة مبهمة؛ لوقوعها معطوفًا عليها والعشرون مفسرة بالدرهم، وضعف هذا بأنه يلزم عليه أنه لو قال: بعتك الثوب بمئة وخمسين درهمًا .. لا يصح، ولم يقل به أحد. ولو قال: خمسة عشر درهمًا .. فالجميع دراهم جزمًا. ولو قال عشرة دراهم ونصف .. ففي كون النصف مجملًا وجهان.

ولو قال عشرة ونصف درهم .. فالعشرة مجملة يرجع في تفسيرها إليه.

قال: (ولو قال: الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن؛ فإن كانت دراهم البلد تامة الوزن .. فالصحيح: قبوله إن ذكره متصلًا) كما لو استثنى (ومنعه إن فصله عن الإقرار)؛ لأن لفظ الدراهم صريح فيه وضعًا وعرفًا.

والثاني: يقبل؛ لأن اللفظ يحتمله، والأصل براءة الذمة، قال في (الروضة) وهو شاذ.

ثم إذا ادعى النقصان وصدقناه .. رجع إليه في التفسير، فإن تعذر نزل على أقل درهم.

ص: 104

وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةٍ .. قُبِلَ إِنْ وَصَلَهُ، وَكَذَا إِنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ. وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ

ــ

ومراده بالبلد: بلد الإقرار.

قال: (وإن كانت ناقصة .. قبل إن وصله)؛ لأن اللفظ والعرف يصرفانه إليه.

قال: (وكذا إن فصله في النص) حملًا على المعهود واعتبارًا بعرف البلد كالمعاملات.

وفي وجه: لا يقبل حملًا له على عرف الإسلام كما أن نصب الزكاة لا تختلف البلاد، وهذا الوجه قواه في (الروضة)، وهو يقول في خطبة هذا الكتاب: إنه يقابل النص بوجه ضعيف أو قول مخرج.

قال: (والتفسير بالمغشوشة كهو بالناقصة)؛ لأن نقرتها تنقص عن الخالصة، فيأتي فيه الخلاف والتفصيل المتقدم.

فروع:

لو فسر الدراهم بسكة غير سكة البلد .. قبل خلافًا للمزني، وكذا لو فسره بجنس رديء ويخالف البيع، فإنه يحمل على سكة البلد؛ لأن الغالب في المعاملة قصد ما يروج في البلد، والإقرار إخبار عن سابق، ولو فسره بالفلوس .. لم يقبل بالاتفاق سواء فصل أو وصل ولو غلب التعامل بها في البلد.

ولو قال: دريهم أو دريهمات .. فهو كدرهم صغير أو دراهم صغار، فيأتي في التفسير بالنقص التفصيل المتقدم.

ولو قال: علي دراهم .. لزمه ثلاثة، ولا يقبل تفسيره بأقل منها، وفيه وجه: أنه يقبل بدرهمين بناء على أنهما أقل الجمل، ولو فسر بأكثر من ثلاثة .. قل، ولو وقع التفسير بعد الحجر عليه بمرض أو سفه .. فكما لو وقع قبله.

ص: 105

وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ .. لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ .. لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ،

ــ

ولو قال: أقل أعداد الدراهم فدرهمان.

قال: (ولو قال: علي من درهم إلى عشرة .. لزمه تسعة في الأصح) إدخالًا للطرف الأول؛ لأنه مبدأ الالتزام.

والثاني: تلزمه ثمانية.

والثالث: تلزمه عشرة واختاره الشيخ، والمسألة تقدمت في (الضمان) والحكم فيه وفي الإقرار والإبراء والنذر واليمين والوصية والطلاق ينبغي أن يكون واحدًا.

ولو قال: له علي ما بين الدرهم إلى العشرة .. فالصحيح المنصوص: لزوم ثمانية.

وقيل: تلزمه تسعة ونقله في (المفتاح) عن النص.

وقيل: عشرة، قاله القفال.

وحكى الرافعي في (الوصية) فيما إذا قال: أعطوه ما بين درهم إلى عشرة وجهًا: أنه إذا أراد الحساب .. أعطي خمسة وخمسين، فإن لم يرد شيئاً .. أعطي ثمانية وإلا .. فثمانية ولا شك في طرده في الإقرار. اهـ

وهذا إنما يأتي على إدخال الطرفين.

قال: (ولو قال: درهم في عشرة؛ فإن أراد المعية .. لزمه أحد عشر)؛ لأنه الحاصل من الواحد والعشرة، وذكر النحاة من جملة معاني (في) المصاحبة وهي المعية كقوله تعالى:{فخرج على قومه في زينته} ، {ادخلوا في أمم} .

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل: (

وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم

).

ص: 106

أَوِ الْحِسَابَ .. فَعَشَرَةٌ، وَإِلَاّ .. فَدِرْهَمٌ.

ــ

ثم إن ما ذكره المصنف تبعًا للرافعي وعبر عنه في (التصحيح) بالصواب، استشكله الشيخ بأنه لو قال: درهم مع درهم .. لزمه درهم، وعللوه باحتمال أنه قد يريد درهم مع درهم لي، فإذا أوجبوا عليه درهمًا مع التصريح بالمعية .. فمع نيتها أولى، وبتقدير لزوم أحد عشر ينبغي أن يلزمه درهم، ويرجع في تفسيره العشرة إليه، فلتحمل مسألة الكتاب على ما إذا قال: مع عشرة دراهم له، ولا إشكال حينئذ.

قال: (أو الحساب .. فعشرة)؛ لأن الواحد في العشرة بعشرة، هذا إذا كان يعرف الحساب، فإن كان لا يعرفه .. ففي (الكفاية) أنه يشبه أن يلزمه درهم واحد وإن قال: أردت ما يريد الحساب، وهو قياس ما يأتي تصحيحه في (الطلاق).

قال: (وإلا .. فدرهم) أي: إذا لم يرد المعية ولا الحساب سواء أطلق أو أراد الظرفية؛ لأنه المتحقق، وفي قول: يحمل عند الإطلاق على موجب الحساب وهو عشرة؛ لأنه أظهر في الاستعمال.

تتمة:

قال: له علي اثنا عشر درهمًا وسدس (بالرفع) أو وسدس (بالخفض) .. لزمه اثنا عشر وزيادة سدس، وأما إذا قال: وسدسًا (بالنصب) .. فالأصح كذلك، ولا يضره اللحن إن لم يكن نحويًا، وإن كان نحويًا .. لزمه أربعة عشر درهمًا كأنه قال: اثنا عشر درهمًا واثنا عشر سدسًا.

وقال بعض الفقهاء: تلزمه سبعة دراهم كأنه قال: اثنا عشر من الدراهم والأسداس، كقول القائل: رأيت اثني عشر رجلًا وامرأة تنزيلًا على النصف في كل منهما.

وقال المتولي: يقبل تفسيره بسبعة دراهم وخمسة أسداس درهم، ولا تلزمه زيادة

ص: 107