الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
إِنْ اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ .. أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوَّمٍ .. فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ،
ــ
قلنا: المقرض يملك بالقبض أم بالتصرف؛ لأنا وإن قلنا: يملك بالتصرف .. فإنا نحكم بانتقال الملك إليه قبل التصرف، ووجهه أنه شقص ملكه بعوض فصار كما لو ملكه بالعقد.
قال: (فصل):
إن اشترى بمثلي) كالنقدين والحبوب (.. أخذه الشفيع بمثله)؛ لأنه لا جائز أن يأخذه بما يختاره هو من القدر لما فيه من الضرر بالمشتري، ولا بما يختاره المشتري؛ لما فهي من الضرر بالشفيع، ولا بقيمة الشقص؛ لأنها قد تكون أقل من الثمن فيتضرر المشتري وقد تكون أكثر فيتضرر الشفيع، فيتعين الأخذ بالثمن؛ لأنه الأعدل والأقرب إلى حقه إلا ما حط عنه قبل اللزوم على الأصح، فلو حط الجميع قبل اللزوم .. فلا شفعة على الأصح؛ لانقضاء البيع.
فإن قدر المثل بمعياره الشرعي .. فذاك، أو بغيره بأن اشترى بألف رطل حنطة مثلاً فهل يأخذ بمثله كيلاً أو وزناً؟ صحح الشيخان في (باب القرض) الثاني، وادعى ابن الرفعة أن الجمهور على الأول.
وإذا كان المثل منقطعاً وقت الأخذ .. عدل إلى القيمة كالغصب.
قال: (أو بمتقوم) كعبد وفرس (.. فبقيمته)؛ لأنها مثل في المعنى، ولو ملك الشفيع المثل نفسه قبل الإطلاع ثم اطلع وأراد الأخذ .. قال في (المطلب): يظهر أن يقال: يتعين الأخذ به، لاسيما إذا كان متقوماً؛ لأن العدول عنه إنما كان للتعذر، قال: وقد يقال بخلافه؛ لما فيه من التضييق، والشفعة شرعت للرفق.
قال: (يوم البيع)؛ لأنه وقت وجوب الشفعة، ولأن ما زاد زاد في ملك البائع.
قال: (وقيل: يوم استقراره بانقطاع الخيار)؛ لأنه وقت استقرار الثمن إن قلنا:
أَوْ بِمُؤَجَّلٍ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَاخُذَ فِي الْحَالِ، أَوْ يَصْبِرَ إِلَى الْمَحِلِّ وَيَاخُذَ
ــ
الملك لا ينتقل إلا به، وهو الأصح.
وقيل: بأقل قيمة من العقد إلى قبض البائع الثمن، فلو اختلفنا في قدر القيمة في ذلك الوقت .. صدق المشتري بيمينه، قاله الروياني.
قال: (أو بمؤجل .. فالأظهر: أنه يتخير بين أن يعجل ويأخذ في الحال، أو يصبر إلى المحل ويأخذ)؛ لأنا إن جوزنا له الأخذ بالمؤجل .. أضررنا بالمشتري؛ لأن الذمم تختلف، وإن ألزمناه الأخذ في الحال بنظيره من الحال .. أضررنا بالشفيع؛ لأن الأجل يقابله قسط من الثمن، فكان ما قلناه دافعاً للضررين وجامعاً بين الحقين.
والثاني: يأخذ بقدره مؤجلاً تنزيلاً للشفيع منزلة المشتري.
والثالث: يأخذه بعوض يساوي الثمن مؤجلاً؛ لتعذر أخذه بحال ومؤجل، فيتعين هذا؛ لأنه أقرب إلى العدل، وهذا هو الأقرب في (الوسيط) والأعدل في (النهاية)، فإذا قلنا بالأول .. لم يبطل حقه بالتأخير؛ لأنه تأخير بعذر، وإذا قلنا بالأول فهل يجب إعلام المشتري بالطلب؟ فيه وجهان: أشهرهما في (الشرحين): عدم الوجوب، وانعكس التصحيح على المصنف فصحح في (أصل الروضة) الوجوب.
ولو حل الثمن على المشتري بموته .. لم يتعجل الأخذ على الشفيع، بل هو على خيرته.
ولو اختار الصبر إلى حلول الأجل ثم عن له أن يعجل ويأخذ .. قال في (المطلب): يظهر أن له ذلك وجهاً واحداً.
وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ .. أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنِ الْقِيمَةِ، وَيؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ
ــ
ولو كان الثمن منجماً .. قال الماوردي: حكمه كالمؤجل، فللشفيع عند حلول النجم الأول تأخير الأخذ إلى حلول الجميع وتعجيل كل الثمن، ولا يجوز له عند حلول البعض أن يعطيه ويأخذ ما يقابله؛ لما فيه من تفريق الصفقة على المشتري.
قال: (ولو بيع شقص وغيره .. أخذه بحصته من القيمة)؛ لوجود سبب الأخذ في الشقص دون غيره، ولا خيار للمشتري وإن تفرقت صفقته؛ لدخوله فيها عالماً بالحال، وطريق الأخذ أن يوزع الثمن عليهما باعتبار قيمتهما يوم البيع ويأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن، فإذا كانت قيمة الشقص مئة وقيمة المضموم إليه خمسين .. أخذ الشقص بثلثي الثمن، فإذا اشتراهما بثلاث مئة مثلاً .. أخذه بمئتين أو بمئة .. أخذه بستة وستين وثلثين.
وفي المسألة وجه: أنه يأخذ الشقص بجميع الثمن، حكاه الرافعي في (كتاب التفليس).
قال الإمام: وهو قريب من خرق الإجماع.
ووجه آخر في (المطلب): أنه يأخذهما معاً أو يتركهما معاً.
قال: (ويؤخذ الممهور بمهر مثلها)؛ لأن البعض متقوم وقيمته مهر المثل.
قال: (وكذا بدل الخلع) كما إذا خالعها على شقص .. فالاعتبار بمهرها يوم النكاح ويوم الخلع، وحكى المتولي وجهاً: أنه يأخذه بقيمة الشقص.
ولو متع المطلقة شقصاً .. أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر؛ لأن المتعة هي التي وجبت بالطلاق والشقص عوض عنها.
وإذا صالح عليه من الدم .. أخذه الشفيع بقيمة الدية يوم الجناية، وفي
وَلَوِ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ .. امْتَنَعَ الأَخْذُ، فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَلَ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ .. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا .. لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الأَصَحِّ
ــ
(الإجازة) بأجرة المثل، وما أعطاه المكاتب عوضاً عن النجوم يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو قيمتها.
قال: (ولو اشترى بجزاف وتلف .. وامتنع الأخذ)؛ لأن عدم العلم بالثمن يلحقه بالمعدوم فصار كالمملوك بالهبة، ولو كان غائباً .. لم يكلف البائع إحضاره ولا الإخبار عن قدره، وكذا لو اشترى بمتقوم جهلت قيمته كفص ضاع أو اختلط بغيره .. تعذر الأخذ أيضاً، وعبارة المصنف لا تشمله فكان ينبغي أن يقول:(بجزاف أو مجهول).
والجزاف تقدم في (باب الربا) أنه مثلث الجيم.
قال: (فإن عين الشفيع قدراً وقال المشتري: لم يكن معلوم القدر .. حلف على نفي العلم) أي: بذلك المقدار المدعى به؛ لأن الأصل عدم علمه به، ولا يحلف أنه اشتراه بثمن مجهول؛ لأنه قد يعلم بعد الشراء، وقيل: لا يقنع منه بذلك بل يحلف على البت، فإن أصر .. يجعل كالنكول ويحلف الشفيع.
وقوله: نسيت المقدار على هذا الخلاف.
قال: (ولو ادعى علمه) أي: علم المشتري بمقدار الثمن فطالبه ببيانه (ولم يتعين قدراً .. لم تسمع دعواه في الأصح) أي: حتى يعين قدراً فيحلفه المشتري حينئذ أنه لا يعرف؛ لأنه لم يدع حقاً له.
والثاني: أنها تسمع؛ لأنه- وإن لم يكن حقاً- ينفع في الحق، ونقله المتولي عن عامة الأصحاب، والرافعي نقل الأول عن (تصحيح البغوي) خاصة وهو المنصوص.
وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقّاً: فَإِنْ كَانَ مُعَيَّناً .. بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ، وَإِلَاّ .. أبْدِلَ وَبقِيَا. فَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقّاً .. لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إِنْ جَهِلَ، وَكَذَا إِنْ عَلِمَ فِي الأَصَحِّ
ــ
أما إذا ادعى استحقاق الشفعة ولم يعين قدراً ولا وقتاً .. فمقتضى كلامهم: أنها لا تسمع جزماً.
ولو قامت بينة أن الثمن كان ألفاً وكفاً من الدراهم دون المئة يقيناً وقال الشفيع: أنا أعطي ألفاً ومئة .. أفتى الغزالي بأن له الأخذ بذلك، لكن لا يحل للمشتري قبض تمام المئة، وتوقف ابن أبي الدم في قبول هذه الشهادة وبحث مع العزالي فيها.
قال: (وإذا ظهر الثمن مستحقاً: فإن كان معيناً .. بطل البيع والشفعة) لعدم انتقال الملك سواء كان نقداً أو عرضاً، لأن النقد عندنا يتعين بالعقد كالعرض خلافاً لأبي حنيفة.
قال: (وإلا .. أبدل وبقيا) أي: البيع والشفعة بحالهما؛ لأن إعطاءه عما في الذمة لم يقع الموقع، فكان وجوده كعدمه، وللبائع استرداد الشقص وحبسه إلى أن يقبض الثمن.
وخروج الدراهم نحاساً كخروجها مستحقة.
ولو خرج الثمن رديئاً ورضي به البائع .. لم يلزم المشتري الرضا بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد.
قال: (فإن دفع الشفيع مستحقاً .. لم تبطل شفعته إن جهل) أي: استحقاق المدفوع؛ لأنه معذور، ويصدق بيمينه؛ لأنه أمر باطن، وهذا لا خلاف فيه.
قال: (وكذا إن علم في الأصح)؛ لأنه لم يقصر في الطلب والأخذ.
والثاني: تبطل شفعته؛ لأنه أخذه بما لا يجوز الأخذ به كترك الشفعة مع القدرة عليها، لأنه لا يملك بهذا الأخذ.
وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ- كَبَيْع وَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ- صَحِيحٌ. وَلِلشَّفِيع نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ- كَالْوَقْفِ- وَأَخْذُهُ، وَيَتَخَيِّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ- كَبَيْعٍ- بَيْنَ أَنْ يَاخُذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ وَياخُذَ بِالأَوَّلِ
ــ
والثالث: إن تملكه بعينه .. بطلت، وإن قال: تملكته بألف مثلاً، ثم أعطى ذلك المستحق .. لم تبطل، وإذا أبقينا حقه عالماً كان أو جاهلاً .. فهل نتبين أنه لم يملك بأداء الثمن المستحق، أو نقول: ملكه والثمن دين عليه؟ وجهان: المفهوم من كلام الجمهور الأول، وتظهر فائدة الوجهين في الفوائد كالأجرة والثمرة.
قال: (وتصرف المشتري في الشقص- كبيع وإجارة ووقف- صحيح) كتصرف الولد في العين الموهوبة، والزوجة في الصداق قبل الدخول، والبائع في ثمن العين المعيبة.
وقال ابن سريج: لا يصح كالمرهون والجاني، وكتصرف الورثة في التركة قبل وفاء الدين.
قال: (وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه- كالوقف- وأخذه)؛ لأن حقه سابق على هذا التصرف، وحكم جعله مسجداً كالوقف صرح به ابن الصباغ.
ويؤخذ منه: صحة وقف المشاع مسجداً، وبه أفتى ابن الصلاح كما سيأتي في بابه.
قال: (ويتخير فيما فيه شفعة- كبيع- بين أن يأخذ بالبيع الثاني أو ينقضه ويأخذ بالأول)؛ لأن كلاً منهما صحيح، وربما كان الثمن في أحدهما أقل أو من جنس هو عليه أيسر.
وقيل: ليس له نقض شيء من تصرفات المشتري، بل تتجدد له الشفعة إن كان التصرف الثاني يثبتها كالبيع.
وقيل: لا نقض ولا تجديد.
وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ .. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَاَ لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاَءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكاً؛ فَإِنِ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ .. فَالأَصَحُّ: ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إِلَى الْبَائِعِ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ،
ــ
وقيل: لا ينقض الوقف وينقض ما عداه.
والمراد بالنقض: إبطاله بالأخذ لا أنه يحتاج إلى لفظ قبله.
قال: (ولو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن .. صدق المشتري) أي: بيمينه؛ لأنه أعلم بما باشره من الشفيع، والأصل بقاء ملكه، فإذا حلف .. تخير المشتري بين الأخذ به، وكذا لو كان الثمن عرضاً فتلف واختلفا في قيمته.
هذا إذا لم تكن بينة، فإذا أقام أحدهما بينة .. قضي بها، ويقبل رجل وامرأتان وشاهد ويمين.
قال: (وكذا لو أنكر الشراء) بأن قال: ورثته أو اتهبته (أو كون الطالب شريكاً)؛ لأن الأصل عدمها، ويحلف على نفي العلم بشركته لا على نفي شركته، فإن نكل .. حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة.
قال: (فإن اعترف الشريك البيع .. فالأصح: ثبوت الشفعة)؛ لأن إقراره يتضمن ثبوت حق المشتري وحق الشفع، فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري، كما لا يبطل حق المشتري بإنكار الشفيع.
والثاني: لا تثبت؛ لأن الشفيع يأخذ من المشتري، فإذا لم يثبت الشراء .. لم يثبت ما يترتب عليه.
والثالث: إن اعترف بقبض الثمن .. لم تثبت؛ لأن الشفيع لا يأخذ إلا بالثمن، ولا يمكن صرفه إلى المشتري ولا إلى البائع، وإن لم يعترف بقبضه .. ثبتت.
قال: (ويسلم الثمن إلى البائع إن لم يعترف بقبضه)؛ لأنه تلقى الملك منه، لكن في كيفية تسليمه وجهان:
وَإِنِ اعْتَرَفَ: فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَاخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ؟ .. فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الإِقْرَارِ نَظِيرُهُ. وَلَوِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ .. أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ: عَلَى الرُّؤُوسِ
ــ
أصحهما: أن الشفيع يسلمه بنفسه إليه ويقبضه منه، ويملك بذلك ولا يحتاج إلى حاكم.
والثاني: ينصب القاضي أميناً يقبض الثمن من الشفيع للمشتري، قال صاحب (الذخائر): ويحتمل أن يقال للبائع: إما أن تقبض وإما أن تبرئ.
قال: (وإن اعترف) أي: البائع بقبض الثمن (فهل يترك في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه؟ .. فيه خلاف سبق في الإقرار نظيره) وتقدم أنه يقر في يد المقر على الأصح.
قال ابن الرفعة: وهذا يقتضي حصول الملك للشفيع والقدرة على التصرف في الشقص، وهو يخالف ما تقدم من توقف التصرف على تسليم الثمن لأجل حق الحبس، قال: والذي يظهر: الوجه الثاني القائل بأخذ القاضي الثمن.
وقول المصنف: (أم يأخذه) الصواب أو يأخذه؛ لأن (أم) بعد (الهمزة) و (أو) بعد (هل)، وسيأتي مثل هذا في (الوصايا) إن شاء الله تعالى.
قال: (ولو استحق الشفعة جمع .. أخذوا على قدر الحصص) وبه قال مالك وأحمد؛ لأن الشفعة من مرافق الملك فتقدر بقدر الملك ككسب العبد والنتاج والثمار، وكما لو قال مالكان لعبد آبق- وملكهما فيه مختلف- لرجل: إن رددته .. فلك دينار، فإنه يأخذه على قدر حصتي الملك لا على التسوية.
قال: (وفي قول: على الرؤوس)؛ لأن الشارع أناطها باسم الشركة وهو في الجميع سواء، لأنها تشبه أجرة الكاتب إذا كتب الصك لشركاء مختلفي الحصص، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة، وهو مذهب الشافعي فإنه صرح في (الأم)
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لآِخَرَ .. فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، ....
ــ
باختياره ونص عليه في (المختصر) أيضاً، واختاره المزني وابن الرفعة والشيخ. ونظير المسألة: ما لو استؤجر لحمل شيء مشترك متفاوت، وإذا استؤجر لقسمة مال مختلف كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
فرعان:
أحدهما: مات الشفيع عن ابن وزوجة .. ورثا حق الشفعة، وفي كيفية إرثهما طرق:
أصحها: على قدر الميراث.
والثاني: القطع بالتسوية.
والثالث: على القولين.
والخلاف يلتفت إلى أن ورثة الشفيع هل يأخذون لأنفسهم أو للمورث ثم يتلقون عنه؟ فإن قلنا: يأخذون لأنفسهم .. عاد القولان، وإن قلنا: للميت .. قطعنا بالأخذ على قدر الميراث.
الثاني: مات مالك الدار عن ابنين، ثم مات أحدهما وله ابنان، ثم باع أحد الابنين نصيبه فقولان:
القديم: أن الأخ يختص بالشفعة؛ لأن ملكه أقرب إلى ملك أخيه.
والجديد: الصحيح أن الأخ والعم يشتركان؛ لأن النظر في الشفعة إلى الملك لا إلى سببه، وعلى هذا هل يأخذان بالسوية أو على قدر الحصص؟ فيه القولان.
قال: (ولو باع أحد الشريكين نصف حصته لرجل ثم باقيها لآخر .. فالشفعة في النصف الأول للشريك القديم)؛ لأنه ليس معه في حالة بيعه شريك إلا البائع، والبائع لا يتصور أن يأخذ ما باعه بالشفعة.
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ عَفَا عَنِ النِّصْفِ الأَوَّلِ .. شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَاّ .. فَلَا. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ .. سَقَطَ حَقُّهُ، وَيُخَيَّرُ الآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ،
ــ
قال: (والأصح: أنه إن عفا) أي: الشريك القديم (عن النصف الأول .. شاركه المشتري الأول في النصف الثاني)؛ لأن ملكه قد سبق الصفقة الثانية واستقر بعفو الشريك القديم عنه، فكان للمشتري الأول مقاسمة الشريك القديم في الشفعة كسائر الشركاء.
والثاني: يختص به الشريك الأول.
والثالث: يشترك فيه الأول والثاني.
قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يعف الشريك القديم عن النصف الذي اشتراه الأول بل أخذه منه .. لم يشارك الأول القديم لزوال ملكه.
وصورة المسألة: دار بين زيد وعمرو نصفين، باع زيد نصف حصته- وهو الربع- لبكر، ثم الربع الباقي لخالد .. فلا خلاف أن الشفعة لعمرو فيما اشتراه بكر، ولا مشاركة لخالد فيه؛ لتأخر ملكه، وأما الذي اشتراه خالد .. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن عمراً وبكراً يشتركان فيه لاشتراكهما في الملك.
والثاني يختص به عمرو لسبقه.
والثالث- وهو الأصح المذكور في الكتاب-: أن عمراً يختص به إن لم يكن عفا عن الأول، وإن كان قد عفا .. شاركه بكر فيه؛ لأن بعفوه استقر ملك بكر، وإذا لم يعف وأخذ .. زال ملك بكر.
قال: (والأصح: أنه لو عفا أحد شفيعين .. سقط حقه) قياساً على سائر الحقوق المالية.
قال: (ويخير الآخر بين أخذ الجميع وتركه) كالمنفرد (وليس له الاقتصار على حصته)؛ لأن أخذ البعض إضرار.
والثاني: يسقط حقهما جميعاً كالقصاص.
وَأَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ .. سَقَطَ كُلُّهُ. وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ .. فَلَهُ أَخْذُ الْجَميعِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ .. شَارَكَهُ،
ــ
والثالث: لا يسقط حق واحد منهما تغليباً للثبوت.
والرابع: يسقط حق العافي ولصاحبه القسط فقط؛ لأنه الذي أسقط الضرر عن نفسه.
هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء، فو ثبتت لواحد فمات عن ابنين فعفا أحدهما فهل هو كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها أو كثبوتها لاثنين عفا أحدهما؟ وجهان: أصحهما: الثاني.
ولو كان للشقص شفيعان فمات كل عن ابنين، فعفا أحدهما عن حقه .. فقيل: يسقط الجميع.
وقيل: يبقى الجميع للأربعة.
وقيل: يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران.
والرابع: يسقط حق العافي إلى الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثاً.
والخامس: يستقر حق العافي للمشتري ويأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص.
والسادس: ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط.
قال المصنف: قلت: أصحها الرابع.
قال: (وأن الواحد إذا أسقط بعض حقه .. سقط كله) كالقصاص إذا عفا المستحق عن بعضه.
والثاني: لا يسقط شيء؛ لتعذر التبعيض كما لو عفا عن بعض حد القذف.
والثالث: يسقط ما أسقطه ويبقى الباقي؛ لأنه حق مالي قابل للانقسام.
قال: (ولو حضر أحد شفيعين .. فله أخذ الجميع في الحال، فإذا حضر الغائب .. شاركه)؛ لأن الحق لكل منهما على الكمال، فلو أراد الحاضر أن يأخذ حصته فقط، فإن لم يوافقه المشتري .. لم يكن له ذلك قطعاً؛ لضرر التفريق، وإن وافقه .. فالمتجه المنع أيضاً.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الأَخْذِ إِلَى قُدُومِ الْغَائِبِ. وَلَوِ اشْتَرَيَا شِقْصاً .. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا أَحَدِهِمَا. وَلَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنَ اثْنَيْنِ .. فَلَهُ أخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الأَصَحِّ
ــ
فلو كانوا ثلاثة فحضر واحد .. أخذ الجميع، ثم حضر آخر .. أخذ منه النصف بثمن المثل، وإذا حضر الثالث .. أخذ من كل منهما ثلث ما بيده، وله أن يأخذ من أحدهما فقط كما للشفيع أخذ نصيب أحد المشترين كما سيأتي.
ولو قال الحاضر: لا آخذ إلا قدر حصتي .. بطل حقه إذا قدم الغائب؛ لأن الشفعة إذا أمكن أخذها .. فالتأخير تقصير مفوت بخلاف نظيره في القسامة.
قال: (والأصح: أن له تأخير الأخذ إلى قدوم الغائب)؛ لأن له غرضاً ظاهراً في أن لا يؤخذ منه ما أخذه.
والثاني: لا؛ لتمكنه من الأخذ، وصححه الماوردي.
وإذا عفا الحاضر ثم مات الغائب فورثه الحاضر .. فله أخذ الشقص كله بالشفعة على الأصح، وما أخذه الحاضر من الفوائد استوفاه من المنافع لا يزاحمه فيه الغائب على الأصح.
قال: (ولو اشتريا شقصاً .. فللشفيع أخذ نصيبهما ونصيب أحدهما)؛ إذ لا تفريق عليه، سواء قلنا: الصفقة متحدة أم متجددة.
قال: (ولو اشترى واحد من اثنين .. فله أخذ حصته أحد البائعين في الأصح)؛ لأن الصفقة متعددة، فأشبه ما إذا باع كل واحد نصيبه من اثنين صفقة واحدة.
والثاني: لا؛ لأن المشتري ملك الجميع بصفقة واحدة فلا يفرق ملكه عليه.
فلو باع اثنان نصيبهما من اثنين .. فالصفقة نازلة منزلة أربعة عقود، فللمشتري أن يأخذ ما شاء، وقد تقدم قبيل (باب الخيار) أن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعاً وبتعدد المشتري على الأصح، وهنا عكس ذلك: القطع بالتعدد بتعدد المشتري والخلاف في تعدد البائع.
وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ
ــ
ولو وكلا وكيلاً أو وكيلين .. فقد سبق أن الاعتبار بالعاقد في الأصح.
ولو باع شقصين من دارين صفقة، فإن كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع في الآخر .. فلكل أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر في الأخذ أم لا، وإن كان شفيعهما واحداً .. جاز أيضاً على الأصح.
قال: (والأظهر: أن الشفعة على الفور)؛ لأنه حق خيار في البيع ثبت لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب، ولظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:(الشفعة لمن واثبها) أي بادرها.
والمراد بـ (الشفعة): طلبها وإن تأخر الملك، وقد قاسوا خيار الرد بالعيب في بابه على الشفعة.
واستدل صاحب (المهذب) وغيره للفور بحديث: (الشفعة كحل العقال) وهو في (سنن ابن ماجه)[2500] و (مسند البزار) بإسناد ضعيف، وقال ابن حبان: لا أصل له، وقال أبو زرعة: إنه منكر، وقال البيهقي: غير ثابت.
وإنما يكون حق الطلب على الفوز إذا علم بالبيع، فإن لم يعلم .. فحقه باق وإن مضت أعوام.
والمراد بـ (الفور): حال اطلاعه على البيع ما لم يفارقه مجلسه، فلو رفع الأمر إلى الحاكم وترك المشتري مع حضوره بالبلد .. جاز.
والقول الثاني- ونقله في (الذخائر) عن حرملة، والبندنيجي عن (سنن الطحاوي) عن خاله المزني-: أنها إلى ثلاثة أيام؛ لأنه قد يحتاج فيها إلى نظر وتأمل.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وهذا القول قلته استحساناً من غير أصل يعتمد) فيؤخذ من هذا أنه قال بالاستحسان الذي قاله أبو حنيفة.
فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْع .. فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ غَائِباً عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفاً مِنْ عَدُوٍّ .. فَلْيُوَكِّلْ إِنْ قَدَرَ، وَإِلَاّ .. فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ،.
ــ
والثالث: يمهل إلى أن تمضي مدة التدبر في مثل ذلك الشقص، ويختلف باختلاف المأخوذ.
والرابع: يمتد إلى التصريح بالإسقاط كحق القصاص.
والخامس: على التأبيد ما لم يصرح بالإبطال أو يأتي بما يدل عليه كقوله: بعه لمن شئت أو هبه له، واختاره الشيخ؛ إذ لا دليل يدل على الفور ولا على ثلاثة أيام.
وقيل: له الطلب ما لم يفارق مجلس بلوغ الخبر، حكاه في (الكفاية).
وعن مالك رواية: أنه إلى سنة.
وإذا قلنا بالتراخي .. فللمشتري- على الراجح- إلزامه بالعفو أو الأخذ.
ويستثنى من اشتراط الفور ما تقدم في الثمن المؤجل، وانتظار الشريك، وانتظار إدراك الزرع خلافاً للإمام.
وإذا توارى المشتري بالبلد أو تعزز أو غاب غيبة قريبة وامتنع من الحضور إلى الحاكم .. قضى الحاكم عليه بالشفعة كسائر أنواع القضاء على الغائب في الأموال وحقوقهم إذا اجتمعت شروط الحكم.
قال: (فإذا علم الشفيع بالبيع .. فليبادر على العادة) فلا يكلف الإسراع، بل يرجع فيه إلى العرف، فما يعد تقصيراً وتوانياً في الطلب .. يسقط الشفعة، وما لا .. فلا كالرد بالعيب.
قال: (فإن كان مريضاً أو غائباً من بلد المشتري أو خائفاً من عدو .. فليوكل إن قدر، وإلا .. فليشهد على الطلب) بحسب الطاقة، قال الروياني: ولا يكفي شاهد ليحلف معه، وقال في (المطلب): لا يبعد الاكتفاء به.
والمراد بـ (المرض): ما يمنع السعي، وإلا .. فليس بعذر كالصداع اليسير.
فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا .. بَطَلَ حَقُّهُ فِي الأَظْهَرِ. فَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ .. فَلَهُ الإِتْمَامُ ......
ــ
والمحبوس ظلماً أو بدين وهو معسر وعاجز عن النفقة كالمريض، وإن حبس بحق وهو مليء .. فهو غير معذور.
وهل المراد مطلق الغيبة أو البعيدة أو من دون مسافة العدوى؟ لا نقل فيه، والأشبه: أنه لا فرق.
وإذا كل لا يشترط في الموكل أن يعرف قدر الثمن حين التوكيل خلافاً للعبادي.
قال: (فإن ترك المقدور عليه منهما) أي: من التوكل والإشهاد (.. بطل حقه في الأظهر)؛ لأنه مقصر في الأولى ومشعر بالترك في الثانية.
والثاني: لا يبطل حقه؛ لأنه قد تلحقه بذلك منة أو مؤنة.
والثالث: إن احتاج إلى بذل أجرة .. لم يجب، وإن وجد متطوعاً .. وجب.
وأما مسألة ترك الإشهاد .. ففيها قولان: أصحهما ما ذكره.
والثاني: لا يبطل، وإنما الإشهاد لإثبات الطلب عند الحاجة، فتعبير المصنف بـ (الأظهر) صحيح في الثانية، وأما في الأولى .. فالصواب التعبير فيها بـ (الأصح).
قال: (فلو كان في صلاة أو حمام أو طعام .. فله الإتمام) ولا يكلف القطع على الصحيح؛ لأن في ذلك حرجاً ومشقة، بل يجري فيه على العادة، وفيه وجه بعيد: أن عليه قطعه حتى صلاة النافلة.
وعلى الصحيح: لا يلزمه تأخير الصلاة ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ، وكذا لو بلغه الخبر ليلاً لا يلزمه الخروج فيه في وقت لا يمكنه فيه، بل يؤخر حتى يصبح.
ولو تمكن من إشهاد جيرانه ليلاً ومؤاكله إذا كان على الطعام فلم يفعل .. ففي بطلان شفعته وجهان: أصحهما: لا تبطل.
وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ: لَمْ أُصَدِّقِ الْمُخْبِرَ .. لَمْ يُعْذَرْ إِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ
ــ
قال: (ولو أخر وقال: لم أصدق المخبر .. لم يعذر إن أخبره عدلان)؛ لأن ذلك يثبت بشهادتهما فقبول خبرهما أولى، فكان من حقه أن يعتمد عليهما، وسواء كانا ذكرين أو ذكراً وأنثيين، فلو قال: جهلت عدالتهما ومثله يخفى عليه .. قال في (المطلب): لم يبعد تصديقه.
ولو كانا عدلين عنده لا عند الحاكم .. قال الشيخ: ينبغي أن يعذر.
قال: (وكذا ثقة في الأصح) ولو عبداً أو امرأة في الأصح؛ لأن خبر الثقة مقبول.
والثاني: يعذر؛ لأن الحجة لا تقوم بالواحد.
والثالث: يعذر في العبد؛ لأن شهادة لا تقبل، بخلاف المرأة أو العدل الواحد.
قال: (ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره) كالكافر والفاسق والصبي والمغفل؛ لسقوط روايتهم قال الله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ، وفي الصبي وجه بناء على قبول روايته.
هذا إذا لم يبلغ المخبرون حداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، فإن بلغه .. بطل حقه وإن كانوا فساقاً، وجميع ذلك بالنسبة إلى الظاهر، أما بالنسبة إلى الباطن .. فالاعتبار بما وقع في نفسه من الصدق، سواء فيه خبر الكافر وغيره كما صرح به الماوردي وغيره.
وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ، فَبَانَ بِخَمْسِ مِئَةٍ .. بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ .. بَطَلَ. وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِكَ .. لَمْ تَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءَ وَجْهٌ. وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلاً بِالشُّفْعَةِ .. فَالأَصَحُّ: بُطْلَانُهَا
ــ
قال: (ولو أخبر بالبيع بألف فترك، فبان بخمس مئة .. بقي حقه)؛ لأنه لم يعرض زهداً، بل لكثرة الثمن فليس بمقصر، ولأنه قد لا يرغب بألف ويرغب بخمس مئة.
قال: (وإن بان بأكثر .. بطل)؛ لأن من لا يرغب بألف فبما كثر أولى أن لا يرغب به، ولو قيل: باع بكذا مؤجلاً فبان حالاً .. بطل حقه قطعاً كذا قاله الشيخان، وليس كذلك بل فيها وجهان، وقضية كلام الأكثرين الجزم بخلافه؛ لأنه قد يقول: البيع إلى أجل لا يخلو عن زيادة فلم أرغب فيه.
فلو بلغه البيع من زيد فبان من عمرو، أو بجنس من الثمن فبان بغيره، أو أن الشريك باع نصيبه فبان بعضه أو بالعكس فعفا .. لم يبطل حقه.
قال: (ولو لقي المشتري فسلم عليه، أو قال: بارك الله في صفقتك .. لم تبطل)؛ لأن السلام قبل الكلام، ولأنه قد يدعو ليأخذ صفقة مباركة.
قال: (وفي الدعاء وجه) أي: أنه يبطل به حق الشفعة؛ لأنه مشعر بتقرير الشقص في يده فلا ينتظم الطلب عقبه.
ولو قال: اشتريت رخيصاً .. بطلت شفعته؛ لأنه فضول، فإن قال: بكم اشتريت .. لم تبطل في الأصح، وقال العراقيون: تبطل، ولو جمع بين السلام والدعاء .. لم تبطل أيضاً.
قال: (ولو باع الشفيع حصته جاهلاً بالشفعة .. فالأصح: بطلانها) لزوال سبب الشفعة.
والثاني: هو على شفعته؛ لأنه كان شريكاً يوم البيع ولم يرض بسقوط حقه، أما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا باعها عالماً بالشفعة .. فإن شفعته تسقط بلا إشكال، ولو باع بعضها عالماً .. فثلاثة أقوال:
أظهرها: البطلان مطلقاً.
والثاني: لا مطلقاً.
والثالث- وهو الأصح في زوائد (الروضة) -: التفصيل بين العلم والجهل.
والهبة في جميع ما ذكرناه كالبيع.
تتمة:
لا يجوز للشفيع المصالحة على حق الشفعة على مال على الأصح، ثم إن كان عالماً بذلك .. بطلت شفعته، وإن اعتقد صحته .. ففي بطلانها وجهان: أولاهما عند الغزالي: لا تبطل.
ولو عرض الشفيع حصته للبيع .. لم تبطل شفعته في الأصح.
ولو أخر الطلب وقال: لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور .. فهو كما سبق في الرد بالعيب لا تقبل دعواه الجهل بأصل الخيار إلا أن يقرب عهده بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، وأنه لو قال: لم أعلم الفور .. قبل قوله؛ لأنه مما يخفى على العوام، هذا إذا كان يخفى عليه مثل ذلك.
* * *
خاتمة
الحيلة في إبطال شفعة المشاع بعد وجوبها حرام، وأما قبله .. ففيه ثلاثة أوجه:
أصحها عند المصنف: الكراهة، وإليه ذهب محمد بن الحسن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثاني: لا يكره، وإليه ذهب أبو يوسف، واختاره القزويني في (كتاب الحيل) وأبو بكر الصيرفي.
والثالث: إن كان التحيل مانعاً من الأخذ بالكلية .. لم يجز، وإن لم يكن مانعاً منه بالكلية كزيادة الثمن ونحوه .. جاز، كذا ذكره الزبيلي في (أدب القضاء)، وأما ما نقله ابن الرفعة عنه من التحريم مطلقاً .. فوهم.
نعم؛ ذهب الغزالي في (الوجيز) إلى التحريم كنظيره من الزكاة، أما شفعة الجوار .. فلا تكره الحيلة في إسقاطها قطعاً.
وللحيلة في إسقاط حق الشفعة صور:
منها: أن يبيع بأضعاف الثمن ثم يحط عن المشتري ما زاد، أو يعتاض عن ذلك قدر الثمن الذي تراضياً عليه، أو يبرئه البائع من القدر الزائد عليه غير أن فيه غرراً بعدم وفاء البائع.
ومنها: أن يشتري البائع من المشتري أولاً عرضاً يساوي ثم الشقص بأضعاف ذلك الثمن، ويعوضه الشقص عن الثمن الذي في ذمته وفيه غرر أيضاً.
ومنها: أن يبيع بعض الشقص بثمن الجميع ويهب منه الباقي وفيه غرر أيضاً.
ومنها: أن يبيع بعض الشقص بثمن الجميع ويهب منه الباقي وفيه غرر أيضاً.
ومنها: أن يشتريه بثمن مجهول المقدار ويقبضه البائع وينفقه، أو يخلطه بماله فتندفع الشفعة خلافاً لابن سريج.
ومنها- وهي أحسنها-: أن يشتري منه البناء خاصة، ثم يتهب منه نصيبه من العرصة.
قال ابن الرفعة: وعندي صورة أخرى وهي: أن يستأجر شخص الشقص مدة لا يبقى الشقص أكثر منها بأجرة يسيرة، ثم يشتري الشقص بقيمة مثله، فإن عقد الإجارة لا ينفسخ بالشراء على الأصح، ولو أخذه الشفيع لأخذه مسلوب المنفعة مدة بقائه وذلك مما ينفره.
* * *