الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أحرق ببغداد فكان سبعة عشر [ألف «1» إنسان] وثلثمائة دكان وثلثمائة وعشرين دارا؛ أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون [ألف دينار «2» ] . فلمّا وقع ذلك قال له رجل:
أيّها الوزير أريتنا قدرتك ونحن نأمل من الله أن يرينا قدرته فيك! فبعد قليل قبض عليه عزّ الدولة وصادره وعاقبه، ثم سقى ذراريح فتقرّحت مثانته وهلك فى ذى الحجة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن يحيى المزكّى. وأبو العباس. اسماعيل بن عبد الله «3» بن محمد بن ميكال.
وأبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر «4» البربهارىّ، وأبو جعفر محمد بن عبد الله البلخىّ شيخ الحنفية ببخارى في ذى الحجة، كان إمام عصره بلا مدافعة. وأبو عمر «5» محمد بن موسى بن فضالة. وأبو الحسن محمّد بن هانئ شاعر الأندلس
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإصبعان.
ذكر ولاية المعزّ العبيدى على مصر
هو أبو تميم معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الملقّب بالمعزّ لدين الله، والذي تنسب إليه القاهرة
المعزّيّة. مولده بالمهديّة في يوم الاثنين حادى عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلثمائة؛ وبويع بالخلافة في الغرب يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوّال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة بعد موت أبيه. يأتى ذكر نسبه وأقوال الناس فيه بعد أن نذكر قدومه إلى القاهرة وما وقع له مع أهلها ثم مع القرمطىّ.
وقال ابن خلكان: «وكان المعزّ قد بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور إسماعيل، ثم جدّدت له البيعة [بعد «1» وفاته] فى يوم الأحد سابع ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثلثمائة» . قلت: هو أوّل خليفة كان بمصر من بنى عبيد.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ في تاريخ الإسلام: «وهو أوّل من تملّك ديار مصر من بنى عبيد [الرافضة «2» ] المدّعين أنهم علويّون. وكان ولىّ عهد أبيه إسماعيل، فاستقل بالأمر [فى آخر «3» ] سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، وسار في نواحى إفريقيّة ليمهّد مملكته، فأذلّ العصاة واستعمل على المدن غلمانه واستخدم الجند. ثم جهّز مولاه جوهرا القائد في جيش كثيف؛ فسار فافتتح سجلماسة، وسار حتى وصل إلى البحر المحيط وصيدله من سمكه، وافتتح مدينة فاس، وأرسل بصاحبها وصاحب سبتة «4» أسيرين إلى المعزّ؛ ووطّأ له جوهر من إفريقيّة إلى البحر سوى مدينة سبتة فإنّها بقيت لبنى أميّة أصحاب الأندلس» .
وقال الشيخ شمس الدين أبو المظفّر في تاريخه مرآة الزمان: «وكان مغرّى بالنجوم (يعنى المعزّ) والنظر فيما يقتضيه الطالع؛ فنظر في مولده وطالعه فحكم له بقطع فيه، فاستشار منجّمه فيما يزيله عنه؛ فأشار عليه أن يعمل سردابا تحت
الأرض ويتوارى فيه إلى حين جواز الوقت؛ فعمل [على «1» ] ذلك، وأحضر قوّاده وكتّابه وقال لهم: إن بينى وبين الله عهدا في وعد وعدنيه و [قد «2» ] قرب أوانه، وقد جعلت نزارا ولدى ولىّ عهدى بعدى، ولقّبته العزيز بالله، واستخلفته عليكم وعلى تدبير أموركم مدّة «3» غيبتى، فالزموا الطاعة له واتركوا المخالفة واسلكوا الطريق السديدة «4» ؛ فقالوا: الأمر أمرك، ونحن عبيدك وخدمك؛ ووصّى العزيز ولده بما أراد، وجعل القائد جوهرا مدبّره والقائم بأمره بين يديه؛ ثم نزل إلى سرداب اتخذه وأقام فيه سنة؛ وكانت المغاربة إذا راوا غماما سائرا ترجّل الفارس منهم إلى الأرض، وأومأ بالسلام يشير [إلى] أن المعزّ فيه؛ ثمّ خرج المعزّ بعد ذلك وجلس للناس، فدخلوا عليه على طبقاتهم ودعوا له، فأقام على ما كان عليه» . انتهى.
وقيل: إنّه دخل مصر ومعه خمسمائة جمل موسوقة ذهبا عينا وأشياء كثيرة غير ذلك.
ولمّا أرسل المعزّ القائد جوهرا إلى مصر وفتحها وبلغه ذلك سار بنفسه إلى المهديّة في الشتاء فأخرج من قصور آبائه من الأموال خمسمائة حمل، ثم سار نحو الديار المصريّة بعد أن مهّد له جوهر القائد وبنى له القاهرة. وكان صادف مجىء
جوهر إلى مصر الغلاء والوباء، فلم يلتفت إلى ذلك وافتتحها؛ ثم افتتح الحجاز «1» والشام، وأرسل يعرّف المعزّ. وقد ذكرنا شيئا من ذلك في ترجمة جوهر القائد.
وخرج المعزّ من المغرب في سنة إحدى وستين وثلثمائة بعد أن استخلف على إفريقيّة [يوسف «2» ] بلكّين بن زيرى الصّنهاجى، وجدّ المعزّ في السير في خزائنه وجيوشه حتى دخل الإسكندريّة في شعبان سنة اثنتين وستين وثلثمائة؛ فتلقّاه قاضى مصر أبو طاهر «3» الذّهلى والأعيان، وطال حديثهم معه، وأعملهم بأنّ قصده القصد المبارك من إقامة الجهاد والحقّ وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، وأن يعمل بما أمره به جدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعظهم وطوّل حتى أبكى بعضهم وخلع على جماعة. ثمّ نزل بالجيزة وأخذ جيشه في التعدية إلى مصر ثمّ ركب هو ودخل القاهرة؛ وقد بنيت له بها دور الإمارة، ولم يدخل مدينة مصر، وكانوا قد احتفلوا وزيّنوا مصر بأحسن زينة. فلمّا دخل القصر خرّ ساجدا وصلّى ركعتين.
وقال عبد الجبّار البصرىّ: «وكان السبب في مجيئه إلى مصر؛ أنّ الرّوم كانوا قد استولوا على الشام والثغور وطرسوس وأنطاكية وأذنة [وعين «4» زربة] والمصّيصة وغيرها وفرح بمصاب المسلمين؛ وبلغه أن بنى بويه قد غلبوا على بنى العباس وأنهم لا حكم لهم معهم؛ فاشتدّ طمعه في البلاد؛ وكان له بمصر شيعة فكاتبوه يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعزّ الدنيا كلّها، ويعنون بالحجر الأسود الأستاذ كافورا الإخشيذىّ الخصىّ، وكان كافور يومئذ أمير مصر
نيابة عن ابن الإخشيذ وعن الحسن بن عبيد الله بن طغج أمير الشام، وكان الحسن قد دخل مع الشّيعة في الدعوة، وكان الحسن ضعيفا رخوا؛ ولذلك كان كافور هو المتكلّم عنه لأنّ الجند كانوا قد طمعوا فيه (أعنى الحسن) وكرهوه وكرههم؛ فقال له أبو جعفر بن نصر، وكان من دعاة المعزّ بالقاهرة: هؤلاء القوم قد طمعوا فيك، والمعزّ لك مثل الوالد، فإن شئت كاتبته ليشدّ منك ويكون من وراء ظهرك؛ فقال الحسن: إى والله قد أحرقوا قلبى!. فكتب إلى المعزّ يخبره؛ فبعث المعزّ القائد جوهرا، وهو عبد رومىّ غير خصىّ؛ فجاء جوهر إلى مصر في مائة ألف مقاتل، فدخل مصر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، حسب ما ذكرناه، وأخرج الحسن المذكور بعد أن قاتله؛ واستولى جوهر على الخزائن والأموال والذخائر. وتوجّه الحسن إلى الرملة ثم ظفر به جوهر وبعث به إلى المعزّ إلى الغرب؛ فلمّا دخل عليه الحسن قرّ به المعزّ و؟؟؟ بشّ «1» به، وقال: أنت ولدى؛ وكاتبتنى على دخول مصر وإنّما بعثت جوهرا لينصرك، ولقد لحقنى بتجهيز «2» الجيوش إلى مصر أربعة آلاف ألف [وخمسمائة «3» ألف] دينار. فظنّ الحسن أنّ الأمر كما قال المعزّ، ولم يدر أنه خدعه؛ فسعى إليه بجماعة من قوّاد مصر والأمراء وأرباب الأموال وعرّفه حال المصريّين، وكان كلّ واحد من هؤلاء الذين دلّ الحسن المعزّ عليهم مثل قارون في الغنى؛ فكتب المعزّ إلى جوهر باستئصالهم ومصادرتهم [وأن «4» يبعث بهم إليه] ثمّ حبسهم مع الحسن؛ فكان ذلك آخر العهد بهم» . فقال الذهبىّ: هذا قول منكر بل أخرج الحسن بن عبيد الله من مصر وبايع للمعزّ، ثم قدم بعد ذلك ووقعت الوحشة بينهم.
ولمّا دخل المعزّ إلى القاهرة احتجب في القصر فبعث عيونه ينقلون إليه أخبار الناس وهو متوفّر في النعم والأغذية المسمنة والأطلية التى تنقّى البشرة وتحسّن اللّون. ثمّ ظهر للناس بعد مدّة وقد لبس الحرير الأخضر وجعل على وجهه اليواقيت والجواهر تلمع كالكواكب. وزعم أنّه كان غائبا في السماء وأنّ الله رفعه إليه؛ فامتلأت قلوب العامّة والجهّال منه رعبا وخوفا، وقطع ما كان على ابن الإخشيذ في كلّ سنة من الأتاوة للقرامطة، وهى ثلثمائة ألف دينار. ولمّا بلغ القرمطىّ ذلك عظم عليه؛ لأنّ المعزّ كان يصافيه لمّا كان بالمغرب ويهاديه، فلمّا وصل إلى مصر قطع ذلك عنه. وسار القرمطىّ، واسمه الحسن بن أحمد بن أبى سعيد الحسن بن بهرام القرمطىّ، إلى بغداد وسأل الخليفة المطيع بالله العباسىّ على لسان عزّ الدولة بختيار أن يمدّه بمال ورجال ويولّيه الشام ومصر ليخرج المعزّ منها؛ فامتنع الخليفة المطيع بالله من ذلك، وقال: كلّهم قرامطة وعلى دين واحد؛ فأمّا المصريون (يعنى بنى عبيد) فأماتوا السنن وقتلوا العلماء؛ وأمّا هؤلاء (يعنى القرامطة) فقتلوا الحاجّ، وقلعوا الحجر الأسود، وفعلوا ما فعلوا. فقال عزّ الدولة بختيار للقرمطىّ: اذهب فافعل ما بدالك. وقيل: إنّ بختيار أعطاه مالا وسلاحا. فسار القرمطىّ إلى الشام ومعه أعلام سود، وأظهر أنّ الخليفة المطيع ولّاه وكتب على الأعلام اسم المطيع عبد الكريم، وتحته مكتوب" السادة الراجعون إلى الحقّ" وملك القرمطىّ الشام ولعن المعزّ هذا على منبر دمشق وأباه؛ وقال: هؤلاء من ولد القدّاح كذّابون مخترقون أعداء الإسلام، ونحن أعلم بهم؛ ومن عندنا خرج جدّهم القدّاح. ثم أقام القرمطىّ الدعوة لبنى العباس وسار إلى مصر بعساكره. ولمّا بلغ المعزّ مجيئه تهيّأ لقتالهم؛ فنزل القرمطىّ بمشتول «1» الطواحين، وحصل