الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 356]
السنة الثانية من ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر- وهى سنة ست وخمسين وثلثمائة.
فيها عملت الرافضة المأتم في يوم عاشوراء ببغداد على العادة.
وفيها مات السلطان معزّ الدولة بن بويه الآتى ذكره، وتولّى مملكة العراق من بعده ابنه عزّ الدولة بختيار «1» بن أحمد بن بويه. وفيها قبض على الملك ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ولده أبو تغلب، لأنّ أخلاقه ساءت وظلم وقتل جماعة وشتم أولاده وتزايد أمره؛ فقبص عليه ولده المذكور بمشورة [رجال] الدولة فى جمادى الأولى، وبعثه إلى القلعة ورتّب له كل ما يحتاج إليه ووسّع عليه.
وفيها توفى السلطان معزّ الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه بن فنّا خسرو بن تمام بن كوهى؛ كان أبوه بويه يصطاد السمك وكان ولده هذا ربما احتطب.
وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في محلّه في هذا الكتاب؛ مآل أمره إلى الملك. وكان قدومه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، وكان موته بالبطن، فعهد إلى ولده عزّ الدولة أبى منصور بختيار، وكان الرّفص في أيّامه ظاهرا ببغداد؛ ويقال:
إنه تاب قبل موته وتصدّق وأعتق. قلت: وجميع بنى بويه على هذا المذهب القبيح غير أنهم لا يفشون ذلك خوفا على الملك. ومات معزّ الدولة في سابع عشر شهر ربيع الآخر عن ثلاث وخمسين سنة؛ وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. وكان قد ردّ المواريث إلى ذوى الأرحام. ويقال: إنه من ذرّيّة سابور «2» ذى الأكتاف.
وهو أخو ركن الدولة الحسن، وعماد الدّولة علىّ. وكان معزّ الدولة يعرف بالأقطع؛ كان أصابته جراح طارت بيده اليسرى وبعض أصابع اليمنى. وهو عمّ عضد الدولة الآتى ذكره أيضا.
وفيها توفى علىّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم الإمام العلّامة أبو الفرج الأصبهانىّ الكاتب، مصنّف كتاب الأغانى وغيره؛ سمع الحديث وتفقّه وبرع واستوطن بغداد من صباه، وكان من أعيان أدبائها؛ كان أخباريّا نسّابة شاعرا ظاهرا بالتشيّع. قال أبو علىّ التّنوخىّ: كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأغانى والأخبار والمسندات والأنساب مالم أر قطّ مثله، ويحفظ سوى ذلك من علوم أخر، منها: اللغة والنحو والمغازى والسّير. قلت: وكتاب الأغانى في غاية الحسن.
وكان منقطعا إلى الوزير المهلّبىّ وله فيه غرر مديح، وله فيه من جملة قصيدة يهنّئه بمولود من سرّيّة:
اسعد بمولود أتاك مباركا
…
كالبدر أشرق جنح ليل مقمر
سعد لوقت سعادة جاءت به
…
أمّ حصان «1» من بنات الأصفر
متبحبح «2» فى ذروتى شرف العلا
…
بين «3» المهلّب منتماه وقيصر
شمس الضحى قرنت إلى بدر الدّجى
…
حتى إذا اجتمعا «4» أتت بالمشترى
وشعره كثير ومحاسنه مشهورة «1» . ولادته في سنة أربع وثمانين ومائتين، وهى السنة التى مات فيها البحترىّ الشاعر. ومات في يوم الأربعاء رابع عشر ذى الحجة.
وفيها توفّى سيف الدولة أبو الحسن علىّ بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنّى بن رافع بن الحارث بن غطيف بن محربة «2» بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدىّ بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو «3» ابن غنم بن تغلب التغلبىّ، ومولده في يوم الأحد سابع عشر ذى الحجة سنة ثلاث وثلثمائة، وقيل: سنة إحدى وثلثمائة. قال أبو منصور الثعالبى: «كان بنو حمدان ملوكا، و [أمراء «4» ] ؛ أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرّجاحة؛ وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم «5» . وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود؛ وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال؛ وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء» . وكان سيف الدولة ملكا شجاعا مقداما كريما شاعرا فصيحا ممدّحا.
وقصده الشعراء من الآفاق، ومدحه المتنبىّ بغرر المدائح. ومن شعر سيف الدولة فى قوس قزح:
وساق صبيح للصّبوح دعوته
…
فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم
…
فمن بين منقضّ علينا ومنفضّ
وقد نشرت أيدى الجنوب مطارفا
…
على الجود كنا والحواشى على الأرض
يطرّزها قوس السحاب بأصفر
…
على أحمر في أخضر إثر «1» مبيضّ
كأذيال خود أقبلت في غلائل
…
مصبّغة والبعض أقصر من بعض
قال ابن خلّكان: وهذا من التشبيهات الملوكيّة التى لا يكاد يحضر مثلها السوقة. ويحكى أنّ ابن عمّه أبا فراس الأمير الشاعر كان يوما بين يدى سيف الدولة في نفر من ندمائه؛ فقال لهم سيف الدولة: أيّكم يجيز قولى؟ وليس له إلّا سيّدى (يعنى ابن عمّه أبا فراس المذكور) وقال:
لك جسمى تعلّه
…
فدمى لم تحلّه
فارتجل أبو فراس وقال:
أنا إن كنت مالكا
…
فلى الأمر كلّه
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغلّ ألفى دينار في كلّ سنة.
ومن شعر سيف الدولة أيضا:
تجنّى علىّ الذنب والذنب ذنبه
…
وعاتبنى ظلما وفي شقّه العتب
وأعرض لمّا صار قلبى بكفّه
…
فهلّا جفانى حين كان لى القلب
إذا برم المولى بخدمة عبده
…
تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب
وله:
أقبّله على جزع
…
كشرب الطائر الفزع
رأى ماء فأطمعه
…
وخاف عواقب الطمع
فصادف خلسة فدنا
…
ولم يلتذّ بالجرع
وأما ما قيل في سيف الدولة من المديح فكثير يضيق هذا المحلّ عن ذكر شىء منه. وكانت وفاته يوم الجمعة في ثالث ساعة، وقيل: رابع ساعة، لخمس بقين من