المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنحر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 354]

- ‌ذكر ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 355]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 356]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 357]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن علىّ بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 358]

- ‌ذكر ولاية جوهر القائد الرومىّ المعزّىّ على مصر

- ‌ذكر دخول جوهر إلى الديار المصريّة وكيف ملكها

- ‌ذكر بناء جوهر القائد القاهرة وحاراتها

- ‌ترجمة القائد جوهر وما يتعلق به من بنيان القاهرة وغيرها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 359]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 360]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 361]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 362]

- ‌ذكر ولاية المعزّ العبيدى على مصر

- ‌ذكر ما قيل في نسب المعزّ وآبائه

- ‌ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أوّل العام من كلّ سنة

- ‌ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنّحر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 363]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 364]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 365]

- ‌ذكر ولاية العزيز نزار على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 366]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 367]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 368]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 369]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 370]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 371]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 372]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 373]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 374]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 375]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 376]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 377]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 378]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 379]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 380]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 381]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 382]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 383]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 384]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 385]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 386]

- ‌ذكر ولاية الحاكم بأمر الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 387]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 388]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 389]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 390]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 391]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 392]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 393]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 394]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 395]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 396]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 397]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 398]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 399]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 400]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 401]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 402]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 403]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 404]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 405]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 406]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 407]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 408]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 409]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 410]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 411]

- ‌ذكر ولاية الظاهر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 412]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 413]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 414]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 415]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 416]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 417]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 418]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 419]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 420]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 421]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 422]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 423]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 424]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 425]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 426]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 427]

- ‌فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 355 هـ- 427 ه

الفصل: ‌ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنحر

وكان إذا ركب في أوّل العام يكتب إلى ولاة الأعمال والنوّاب سجلات مخلّقة يذكر فيها ركوب الخليفة. وهذا كلّه سوى ركوبه في شهر رمضان إلى الخطبة، على ما سنذكر إن شاء الله تعالى.

‌ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنّحر

إذا تكمّلت عدّة شهر رمضان، وهى عندهم أبدا ثلاثون يوما، وتهيّأت الأمور، كما تقدّم ذكره، ركب الخليفة بالمظلّة «1» واليتيمة «2» ، ولباسه في هذا اليوم الثّياب البياض الموشّحة، وهى أجلّ لباسهم؛ والمظلّة أبدا زيّها تابع لزىّ ثياب الخليفة. ويخرج الخليفة من باب العيد إلى المصلّى «3» ، وعساكره وأجناده من الفرسان والرجّالة زائدة على العادة موفورة العدد، فيقفون صفّين من باب العيد إلى المصلّى. [ويكون صاحب بيت المال قد تقدّم «4» على الرسم لفرش المصلّى، فيفرش الطرّاحات على رسمها فى المحراب مطابقة؛ ويعلّق سترين يمنة ويسرة] ، على الستر الأيمن الفاتحة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وعلى الأيسر الفاتحة وهل أتاك حديث الغاشية؛ ويركز

ص: 94

فى جانبى المصلّى لواءين مشدودين على رمحين قد لبّست أنابيبهما من الفضّة، ويرخيهما. فيدخل الخليفة من شرقىّ المصلّى إلى مكان يستريح فيه قليلا، ثم يخرج محفوظا كما يخرج للجمعة، فيصلّى بالتكبيرات المسنونة والقوم من ورائه على ترتيبهم في صلاة الجمعة. ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الأخرى الغاشية؛ ثم يصعد إلى ذروة المنبر وعليها طرّاحة سامان «1» أو دبيقىّ «2» ، وباقى درجه مستور بالأبيض. ويقف الوزير أسفل المنبر ومعه قاضى القضاة وصاحب الباب [و] إسفهسالار «3» العساكر وصاحب السيف وصاحب الرّسالة وزمام القصر «4» وصاحب دفتر المجلس وصاحب المظلّة وإمام «5» الأشراف الأقارب وصاحب بيت المال وحامل الرمح ونقيب الأشراف الطالبيين.

فيشير الخليفة إلى الوزير فيصعد ويقبّل رجله بحيث يراه الناس، ثمّ يقف على يمينه. ثمّ يشير إلى القاضى فيصعد إلى سابع «6» درجة، فيشير إليه الخليفة فيخرج من كمّه درجا «7» أحضر إليه أمس من ديوان الإنشاء قد عرض على الخليفة والوزير؛ فيقرؤه معلنا؛ وأوّله البسملة ويليها «ثبت «8» بمن شرّف بصعوده المنبر الشريف فى يوم كذا من سنة كذا من عبيد أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين، بعد صعود السيّد الأجل

» ويذكر الوزير بألقابه

ص: 95

ونعوته. ومرّة يشرّف الخليفة أحدا «1» من أقارب الوزير، فيستدعيه القاضى.

ثمّ يتلو «2» ذلك ذكر القاضى [وهو القارئ «3» ] فلا يسع القاضى أن يقول نعوت نفسه بل يقول [المملوك «4» ] فلان [بن فلان «5» ] . وقرأه [مرّة «6» ] ابن [أبى «7» ] عقيل القاضى فقال «8» عن نفسه: العبد الذليل، المعترف بالصنع الجميل، فى المقام الجليل، أحمد بن عبد الرّحمن بن [أبى] عقيل. أو غير ذلك بحسب ما يكون اسم القاضى. ثمّ يستدعى من ذكرنا وقوفهم على باب المنبر، فيصعدون، وكّل له مقام يمنة أو يسرة؛ ثمّ يشير إليهم الوزير فيأخذ كلّ واحد نصيبا من اللواء الذي يحاذيه، فيسترون الخليفة ويستترون؛ ثمّ يخطب الخليفة خطبة بليغة. فإذا فرغ كشفوا ما بأيديهم من الألوية وينزلون أوّلا بأوّل القهقرى.

ثمّ ينزل الخليفة إلى مكانه الذي خرج منه، ويركب في زيّه المفخّم إلى قريب من القصر؛ فيتقدّمه الوزير، كما ذكرنا، ويدخل من باب العيد، فيجلس فى الشّباك، وقد نصب منه إلى فسقية كانت في وسط الإيوان سماط طوله عشرون قصبة، عليه من الخشكنان «9» والبستندود «10» والبرماورد «11» مثل الجبل الشاهق، وفيه «12» كلّ قطعة منها ربع قنطار فما دون ذلك إلى رطل؛ فيدخل الناس فيأكلون

ص: 96

ولا منع ولا حجر، فيمرّ ذلك بأيدى الناس وليس هذا ممّا يعتدّ به، بل يفرّق إلى الناس، ويحمل إلى دورهم. ونذكر مصروفها في ترجمة العزيز؛ فإنّه أوّل من رتّبها فى عيد الفطر خاصّة.

*** وأمّا سماط الطعام [ففى يوم عيد «1» الفطر اثنتان] أولى وثانية، وفي عيد النحر مرّة واحدة. ويعبّى السّماط في الليل، وطوله ثلثمائة ذراع في عرض سبع أذرع، وعليه من أنواع المأكل أشياء كثيرة. فيحضر إليه الوزير أوّل صلاة الفجر والخليفة جالس في الشبّاك، ومكّنت الناس منه فاحتملوا ونهبوا ما لا يأكلونه، ويبيعونه ويدّخرونه. وهذا قبل صلاة العيد. فإذا فرغ من صلاة العيد مدّ السّماط المقدّم ذكره فيؤكل، ثمّ يمدّ سماط ثان من فضّة، يقال له المدوّرة، عليها أوانى الفضّة والذهب والصّينى، فيها من الأطعمة الخاصّ ما يستحى من ذكره. والسّماط بطول القاعة؛ وهو خشب مدهون شبه الدكك اللاطية، عرضه عشر أذرع. ويحطّ في وسط السماط واحد وعشرون طبقا في كلّ طبق واحد وعشرون خروفا؛ ومن الدجاج ثلثمائة وخمسون طائرا، ومن الفراريح مثلها، ومن فراخ الحمام مثلها. وتتنوّع الحلوى أنواعا؛ ثم يمدّ بخلل تلك الأطباق أصحن خزفيّات في جنبات السّماط، فى كلّ صحن تسع دجاجات في ألوان فائقة من الحلوى، والطّباهجة «2» المفتقة بالمسك الكثير. وعدّة الصحون خمسمائة صحن، مرتّب كلّ ذلك أحسن ترتيب. ثم يؤتى بقصرين من حلوى قد عملا بدار الفطرة، زنة كلّ واحد سبعة عشر قنطارا؛ فيمضى بواحد من طريق

ص: 97

قصر الشوك «1» إلى باب الذهب، ويشقّ بالآخر من الجانب «2» الآخر، فينصبان أوّل السّماط وآخره. ثمّ يخرج الخليفة راكبا فينزل على السرير الذي عليه المدوّرة الفضّة، وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنّكين، وأربعة من خواصّ الفرّاشين.

ثمّ يستدعى الوزير فيجلس عن يمينه، والأمراء ومن دونهم [فيجلسون «3» ] على السّماط؛ فيتداول الناس السّماط، ولا يردّ أحد عنه حتّى يذهب عن آخره؛ فلا يقوم الخليفة إلّا قريب «4» الظهر. ثم يخرج الوزير ويذهب إلى داره؛ ويعمل سماط يقارب سماط الخليفة. وهكذا يقع في عيد النحر في أوّل يوم منه. انتهى الركوب في عيد الفطر.

*** وأمّا ركوب الخليفة في عيد الأضحى، فهو أيضا بالزّىّ المقدّم ذكره والصلاة كذلك، إلّا أنّ الركوب يكون في أيّام متتابعة، أوّلها يوم العيد إلى المصلى، ثمّ يركب ثانى يوم ثم ثالث يوم من باب الرّيح، وهو في «5» ركن القصر، والباب مقابل سعيد السعداء؛ وكان الموضع المذكور فضاء لا عمارة فيه؛ فيخرج الخليفة من باب الريح «6» ، فيجد الوزير واقفا فيمشى بين يديه إلى المنحر «7» ، فينحر فيه ماشاء الله أن ينحر، ويعطى الرسوم. ورسوم الأضحية كرسوم ركوب الخليفة أوّل العام،

ص: 98

ويفرّق الضحايا إلى المساجد وجوامع القاهرة وغيرها. فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التى كانت عليه، ومنديلا آخر بغير اليتيمة [و] العقد المنظوم عند ما يطلع من المنحر؛ فيشقّ الوزير بذلك القاهرة إلى باب زويلة، ويسلك على الخليج إلى باب القنطرة؛ ويدخل دار الوزارة؛ فلذلك يفضّل عيد النحر على عيد الفطر لكونه يخلع فيه على الوزير.

*** وأمّا الركوب لفتح خليج السدّ «1» عند وفاء النيل، فهو يضاهى ركوبّهم في أوّل العام. نذكر منه على سبيل الاختصار نبذة يسيرة. إذا كان ليالى الوفاء حمل إلى المقياس «2» من المطابخ نحو عشرة قناطير خبز، وعشرة خراف مشويّة، وعشر جامات حلوى، وعشر شمعات، وتوجّه القرّاء وأرباب الجوامع فيقرءون تلك الليلة بجامع المقياس «3» حتّى يكون الوفاء؛ فيهتم الخليفة لذلك ويركب ويستدعى الوزير على العادة، ويسير بالزىّ المقدّم من غير مظلّة، وينزل بالصناعة «4» ؛ ثمّ يركب

ص: 99

العشارى، ويدخل البيت المذهّب في العشارى «1» ، ومعه من شاء من المحنّكين ولا تزيد عدّتهم على أربعة نفر. ويطلع إلى العشارى خواصّ الخليفة وخواصّ الوزير؛ وهم اثنان أو ثلاثة؛ والناس كلّهم فيه قيام إلّا الوزير فإنّه يجلس. ثمّ يمرّ العشارى إلى المقياس؛ ثم تساق أشياء من التجمّل يطول شرحها من جنس ركوبه أوّل العام «2» . ثمّ يخرج بعد فراغه من تخليق «3» المقياس ويركب العشارى ويعود إلى دار الملك بمصر وتارة إلى المقس، ومن أحدهما إلى القاهرة في زىّ مهول من كثرة ما يهتمّ له من العساكر والزينة والسلاح. ويكون هذا الركوب أولى وثانية؛ فالأولى في ليلة يتوجّه القرّاء، والثانية يوم فتح الخليج. وعند ما يفتح الخليج ينشده الشعراء في المعنى. فمن ذلك:

فتح الخليج فسال منه الماء

وعلت عليه الراية البيضاء

فصفت موازده لنا فكأنّه

كفّ الإمام فعرفها الإعطاء

ص: 100

*** وأمّا ركوبهم في المواكب في يومى الاثنين والخميس وغير ذلك، فأمر عظيم. فأوّل الركوب ركوب [متولّى «1» ] دفتر المجلس بالقصر الباطن. ويتضمّن هذا الركوب الإنعام بالعطاء بأداء الرسوم والعطايا المفترقة في غرّة السنة، ثم يأتى ركوب وثالث ورابع وخامس.

*** وأمّا خزانة الكتب «2» ، فكانت في أحد مجالس البيمارستان «3» العتيق اليوم، كان فيها ما يزيد على مائة «4» ألف مجلد في سائر العلوم، يطول الأمر في عدّتها.

ص: 101

وقد اختصرنا من أمور الفاطميين نبذة كثيرة خشية الإطالة والخروج عن المقصود، وفيما ذكرناه كفاية، ويعلم به أيضا أحوالهم بالقياس «1» . وربّما يأتى ذكرهم في عدة تراجم أيضا؛ فإنّهم ثلاثة عشر خليفة بمصر، نذكرهم إن شاء الله فى هذا الكتاب كلّ واحد على حدته.

*** وأمّا خطبة الخليفة في شهر رمضان، فنذكرها من قول ابن عبد الظاهر.

قال: «وأمّا عظم الخليفة في أيّامه وما كانت قاعدته وطريقته التى رتّبها ودامت من بعده عادة لكل خليفة فشىء كثير؛ من ذلك: أنّه كان يخطب في شهر رمضان ثلاث خطب ويستريح فيه جمعة، وكانوا يسمّونها جمعة الراحة «2» . وكان إذا أراد أن يخطب يتقدّم متولّى خزانة الفرش إلى الجامع ويغلق المقصورة التى برسم الخليفة والمنظرة وأبواب مقاصيرها وبادهنج «3» المنبر ثمّ يركب متولّى بيت المال، وعلى يد كلّ واحد منهما تعليقه «4» وفرشه، وهى عدّة سجّادات مفروزة «5» منطّقة وبأعلاها سجادة لطيفة، لا تكشف إلّا عند توجّه الخليفة إلى المحراب. ثم يفرش الجامع بالحصر المحاريب «6» المفروزة ممّا يلى المحراب- وكان ذلك بجامع الأزهر قبل أن يبنى الحاكم جامعه، ثمّ صار بعد ذلك بجامع الحاكم- ثم يهيّأ للداخل للجامع مثل ذلك، ثم يطلق البخور، وتغلق أبواب الجامع ويجعل عليها الحجّاب والبوّابون؛ ولا يمكّن

ص: 102

أحد أن يدخله إلّا من هو معروف من الخواصّ والأعيان. فإذا كان حضور الخليفة إلى الجامع ضربت السلسلة من ركن الجامع إلى الوجه الذي قبالته، ولا يمكّن أحد من الترجّل «1» عندها. ثمّ يركب الخليفة، ويسلّم لكلّ واحد من مقدّمى الرّكاب فى الميمنة والميسرة أكياس الذهب والورق سوى الرسوم المستقرّة والهبات والصدقات في طول الطريق. ويخرج الخليفة من باب الذهب والمظلّة بمشدّة الجوهر على رأسه، وعلى الخليفة الطّيلسان «2» . فعند ذلك يستفتح المقرئون بالقراءة فى ركابه بغير رهجيّة «3» ، والدكاكين مزيّنة مملوءة بأوانى الذهب والفضّة؛ فيسير الخليفة إلى أن يصل إلى وجه الجامع، ووزيره بين يديه، فتحطّ السلسلة ويتمّ الخليفة راكبا إلى باب جامع الأزهر الذي تجاه درب الأتراك «4» ، فينزل ويدخل من باب الجامع إلى الدّهليز الأول الصغير ومنه إلى القاعة المعلّقة التى كانت برسم جلوسه، فيجلس فى مجلسه وترخى المقرمة «5» الحرير، ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ.

فإذا استحقّ الأذان أذّن مؤذنو القصر كلّهم على باب مجلس الخليفة ورئيس الجامع على باب المنبر وبقيّة المؤذّنين في المآذن. فعند ما يسمع قاضى القضاة الأذان يتوجّه إلى المنبر فيقبّل أوّل درجة، وبعده متولّى بيت المال ومعه المبخرة وهو يبخّر، ولم يزالا يقبّلان درجة بعد درجة إلى أن يصلا ذروة المنبر؛ فيفتح القاضى بيده التزرير ويرفع السّتر، ويتناول من متولّى بيت المال المبخرة ويبخّر هو أيضا، ثم يقبّلان الدّرج أيضا وهما نازلان. وبعد نزولهما يخرج الخليفة والمقرئون بين يديه بتلك الأصوات الشجيّة إلى أن يصل إلى المنبر ويصعد عليه. فإذا صار بأعلاه

ص: 103

أشار للوزير بالطلوع فيطلع إليه وهو يقبّل الدرج حتّى يصلّ إليه فيزر عليه القبّة، ثمّ ينزل الوزير ويقف على الدرجة الأولى ويجهر المقرئون بالقراءة، ثم يكبّر المؤذّنون ثمّ يشرع المؤذّنون في الصمت، ويخطب الخليفة؛ حتّى إذا فرغ من الخطبة طلع إليه الوزير وحلّ الأزرار فينزل الخليفة، وعن يمينه الوزير وعن يساره القاضى والداعى بين يديه- والقاضى والداعى هما اللذان يوصّلان الأذان إلى المؤذّنين- حتّى يدخل المحراب ويصلّى بالناس ويسلّم. فإذا انقضت الصلاة أخذ لنفسه راحة بالجامع بمقدار ما تعرض عليه الرسوم وتفرّق؛ وهى للنائب في الخطابة ثلاثة دنانير، وللنائب فى صلوات الخمس ثلاثة دنانير، وللمؤذّنين أربعة دنانير، ولمشارف خزانة الفرش وفرّاشها ومتولّيها لكلّ ثلاثة دنانير، ولصبيان بيت المال ديناران، ولمعبّى الفاكهة ديناران. وأمّا القرّاء فكان لهم رسوم غير ذلك. ومن حين يركب الخليفة من القصر إلى الجامع حتى يعود، الصدقات تعمّ الناس» .

قلت: وأظنّ أنّ الدينار كان غير دينار زماننا هذا؛ فإنّه قال- بعد ما ذكر لمعبّى الفاكهة دينارين-: فأمّا الفواكه التى كانت تعبى بالجامع فإنّها كانت تباع بجملة كثيرة ويتزاحم الناس على شرائها لبركاتها ويقسم ثمنها بين الإمام والمؤذّنين.

قلت: ولعلّ هذا كان رسما للمعبىّ غير ثمن الفاكهة. والله أعلم.

ودام هذا الترتيب إلى آخر وقت، إلى أيّام العاضد آخر خلفاء مصر من بنى عبيد. ونذكر أيضا في ترجمة الامر بأحكام الله من العبيديين كيفية خروج الخليفة إلى الجامع بأزيد من هذا عند ما نحكى ما كان يقع له من الوجد في خطبته، إن شاء الله تعالى.

انتهى ترجمة المعز لدين الله، رحمه الله تعالى.

ص: 104