المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أول العام من كل سنة - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 354]

- ‌ذكر ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 355]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 356]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 357]

- ‌ذكر ولاية أحمد بن علىّ بن الإخشيذ على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 358]

- ‌ذكر ولاية جوهر القائد الرومىّ المعزّىّ على مصر

- ‌ذكر دخول جوهر إلى الديار المصريّة وكيف ملكها

- ‌ذكر بناء جوهر القائد القاهرة وحاراتها

- ‌ترجمة القائد جوهر وما يتعلق به من بنيان القاهرة وغيرها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 359]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 360]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 361]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 362]

- ‌ذكر ولاية المعزّ العبيدى على مصر

- ‌ذكر ما قيل في نسب المعزّ وآبائه

- ‌ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أوّل العام من كلّ سنة

- ‌ذكر ركوب الخليفة في يومى عيد الفطر والنّحر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 363]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 364]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 365]

- ‌ذكر ولاية العزيز نزار على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 366]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 367]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 368]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 369]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 370]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 371]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 372]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 373]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 374]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 375]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 376]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 377]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 378]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 379]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 380]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 381]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 382]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 383]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 384]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 385]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 386]

- ‌ذكر ولاية الحاكم بأمر الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 387]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 388]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 389]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 390]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 391]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 392]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 393]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 394]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 395]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 396]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 397]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 398]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 399]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 400]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 401]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 402]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 403]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 404]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 405]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 406]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 407]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 408]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 409]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 410]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 411]

- ‌ذكر ولاية الظاهر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 412]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 413]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 414]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 415]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 416]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 417]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 418]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 419]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 420]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 421]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 422]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 423]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 424]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 425]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 426]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 427]

- ‌فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة 355 هـ- 427 ه

الفصل: ‌ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أول العام من كل سنة

وكان المعزّ قد أتقن فنونا من العلم والأدب. ومن شعره قوله:

لله ما صنعت بنا

تلك المحاجر في المعاجر»

أمضى وأقضى في النفو

س من الخناجر في الحناجر

ولقد تعبت ببينكم

تعب المهاجر في الهواجر

‌ذكر ركوب الخلفاء الفاطميين في أوّل العام من كلّ سنة

والمعزّ هذا هو الذي استسنّ ذلك كلّه، فكان أمره إذا كان أواخر ذى الحجّة من كلّ سنة انتصب كلّ من المستخدمين في الأماكن الآتى ذكرها لإخراج آلات الركوب:

فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الرّكاب «2» حول الخليفة، وهو الصّماصم «3» المصقولة المذهّبة، [مكان «4» السيوف] ، والدبابيس الملبّسة الكيمخت «5» الأحمر والأسود مدوّرة الرأس مضرّسة؛ ولتوت «6» رءوسها مستطيلة؛ وآلات يقال لها المستوفيات، وهى عمد حديد طول ذراعين مربّعة الشكل، لها مقابض مدوّرة فى اليد، وعدد معلومة أيضا من كلّ صنف يتسلّمها نقباؤهم؛ وستّمائة حربة بأسنّة مصقولة تحتها جلب «7» فضّة، كل اثنتين في شرّابة تعطى لثلثمائة عبد [من] السودان الشباب يقال لهم أرباب السلاح الصغير «8» ويعطى لكل منهم درقة. هذا من خزائن السلاح.

ص: 79

ثمّ يخرج من خزائن التجمّل، وهى من حقوق خزائن السلاح، القضب الفضة [برسم «1» ] تشريف الوزير وأرباب الرتب من الأمراء والعساكر من الرّجالة والمشاة، وهى رماح ملبّسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب سوى ذراعين منها، فإنّها مشدودة بالمعاجر الشرب «2» الملوّنة، وتبقى أطرفها المرقومة مسبلة كالسناجق «3» ، وبرأس كلّ رمح رمامين فضة منفوخة وأهلّة مجوّفة وفيها جلاجل لها حسّ إذا تحرّكت، وعدّتها مائة رمح.

ومن العماريّات «4» وهى شبه الكجاوات «5» مائة عماريّة ملبّسة بالديباج الأحمر والأصفر والسقلاطون «6» مبطّنة «7» مضبوطة بزنانير من حرير، وعلى دائر التربيع مناطق بكوامخ «8» فضّة مسمورة في جلد.

ويخرج للوزير لواءان على رمحين ملفوفين غير منشورين، فيسيران أمام الوزير.

ثمّ يسير للأمراء أرباب الرتب في الخدم، أوّلهم صاحب الباب «9» عشر «10» قصبات وعشر

ص: 80

عماريّات. وللإسفهسالار «1» مثل ذلك عدّة عماريّات بألوان مختلفة؛ ومن سواهما من الأمراء خمس «2» .

ثمّ يخرج من البنود الخاصّ الدّبيقىّ «3» المرقوم الملوّن برماح ملبّسة بالأنابيب، على رءوسها الرمامين والأهلة للوزير أيضا خاصّة. ودون هذه البنود مما هو حرير على رماح غير ملبّسة، رءوسها ورمامينها نحاس مجوّف مذهّب، أمام الأمراء المذكورين.

ثمّ يخرج لقوم يقال لهم السبربرية «4» سلاح، كلّ قطعة طول ثلاث أدرع برأسها طلعة مصقولة وهى من خشب القنطارية داخلة في الطلعة، وفي عقبها حديد مدوّر السّفل، فهى في كفّ حاملها الأيمن، وهو يفتلها فتلا متدارك الدوران؛ وفي يده اليسرى نشّابة كبيرة يخطر بها.

ثمّ يخرج من النّقّارات حمل خمسين «5» بغلا على خمسين بغلا، على كلّ بغل خمس مثل الكوسات يقال لها طبول. قلت: ولها حسّ مستحسن. ويسيرون في المواكب ثلاثا «6» . ثمّ يخرج لقوم متطوّعين ليس لهم جراية ولا نفقة، وعدّتهم مائة رجل،

ص: 81

لكل واحد درقة من درق اللّمط «1» واسعة وسيف؛ ويسيرون رجّالة. هذا ما يخرج من خزائن السلاح.

ثمّ يحضر حامى خزائن السروج، وهو من الأستاذين «2» المحنّكين، إليها مع مشارفها وهو من الشهود المعدّلين «3» ، فيخرج منها من «4» خاصّ الخليفة من الرّكاب المحلّى ما هو برسم ركوبه، وما يجنب في الموكب مائة سرج تشدّ على عدّة حصن. ويقال: كلّ مركب مصوغ من ذهب وفضّة، أو من ذهب منزّل فيه المينا، وروادفها وقرابيسها من نسبتها. ومنها مرصّع بحبّ اللؤلؤ الفائق. والخيل مطوّقة بأعناق الذهب وقلائد العنبر، وفي أيدى أكثرها خلاخل مسطّحة بالذهب، ومكان الجلد من السروج الديباج الأحمر والأصفر وغيرهما من الألوان المنقوشة؛ قيمة كلّ دابّة وما عليها ألف دينار. فيشرّف الوزير منها بعشرة لركوبه وأولاده ومن يشاء من أقاربه. ويتسلّم ذلك كلّه عرفاء الإصطبلات.

ص: 82

ثمّ يخرج من الخزانة أيضا لأرباب الدواوين المرتّبين في الخدم مراكب على مقدارهم، عليها من العدّة دون «1» ما تقدّم ذكرهم، وعدّتهم ثلثمائة خيل وبغال. ثم ينتدب حاجب يفرّق لأرباب الخدم كلّ واحد سيفا وقلما؛ فيحضر سحر اليوم المذكور إلى منازل أرباب الخدم بالقاهرة ومصر، ولهم رسوم من الرّكاب من دينار إلى نصف دينار إلى ثلث دينار. فإذا تكمّل ما وصفنا وتسلّمه أربابه من العرفاء يجلس «2» الخليفة في الشبّاك لعرض الخيل الخاصّ المقدّم ذكرها، ويقال له يوم عرض الخيل، فيستدعى الوزير بصاحب الرسالة، وهو من كبار الأستاذين المحنّكين، فيمضى مسرعا على حصان دهراج «3» ، فيعود ويعلم باستدعاء الوزير؛ فيخرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر والناس بين يديه مشاة، فينزل بمكان «4» لا بدهليز باب الملك الذي فيه الشباك، وعليه ستر؛ فيقف زمام «5» القصر من جانبه الأيمن وصاحب بيت المال «6» من جانبه الأيسر. فيركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء. فيترجّل الأمراء من باب القصر والوزير راكب، ويدخل من باب العيد في هذا اليوم، وينزل عند أوّل الدّهاليز الطّوال، ويمشى وحوله حاشيته وأقاربه إلى الشبّاك، فيجلس على كرسىّ جيّد ورجلاه تطأ الأرض. فعند ما يجلس يرفع الأستاذان جانبى الستر الذي «7» على الخليفة. فإذا رأى الوزير الخليفة وقف وسلّم وخدم بيده إلى الأرض خمس «8» مرّات. ثم يؤذن له في الجلوس على كرسيّه،

ص: 83

ويقرأ القرّاء آيات لائقة بذلك الحال نصف ساعة. ثم تعرض الخيول كالعرائس بأيدى شدّاديها، فيقرأ القرّاء عند تمام العرض ويرخى جنبات الستر. ويقوم الوزير فيدخل ويقبّل يد الخليفة ورجله؛ ثمّ ينصرف فيركب من مكان نزوله والأمراء فى ركابه ركبانا ومشاة إلى قريب من داره. فإذا صلّى الإمام الظهر جلس الخليفة لعرض ما يلبسه في الغد من خزائن الكسوة الخاصّة، ويكون لباسه البياض، فيعين منديلا خاصّا وبدلة. ويتسلّم المنديل شادّ التاج الشريف، ويقال له شدّ «1» الوقار، وهو من الأستاذين المحنّكين وله ميزة، فيشدّها شدّة غريبة لا يعرفها سواه، شكل الإهليلجة.

ثم يحضر إليه اليتيمة، وهى جوهرة عظيمة لا تعرف لها قيمة، فتنظم وحولها ما هو دونها من الجواهر؛ وهى موضوعة في هلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا، زنته أحد عشر مثقالا، وقيل أكثر، يقال له الحافر، فتنظم في خرقة حرير أحسن ما يمكن من الوضع، ويخاط على «2» التاج بخياطة خفيفة، فيكون ذلك بأعلى جبهة الخليفة، وبدائرها قصب الزّمرذ الذّبابىّ «3» العظيم القدر.

ثمّ يؤمر بشدّ المظلّة التى تشاكل تلك البدلة، وهى اثنا عشر شوزكا «4» ، عرض أسفل كلّ شوزك شبر وطوله ثلاث أذرع وثلث؛ وآخر الشوزك من فوق دقيق جدا. فيجتمع ما بين الشوازك في رأس عمودها دائرة «5» . والعمود من الزان ملبّس بأنابيب الذهب «6» . وفي آخر أنبوبة تلى الرأس فلكة بارزة قدر عرض إبهام. فيشدّ

ص: 84

آخر الشوازك في حلقة ذهب. وللمظلة أضلاع من خشب الخلنج «1» مربّعات مكسوّة بالذهب على عدد الشوازك خفاف بطول الشوازك. وفيها خطاطيف لطاف، وحلق يمسك بعضها بعضا تنضمّ وتنفتح، ورأسها كالرمّانة، ويعلوه أيضا رمّانة صغيرة كلها ذهب مرصّع بجوهر، ولها رفرف دائر عرضه أكثر من شبر ونصف، وتحت الرّمانة عنق مقدار ستّ «2» أصابع. فاذا أدخلت الحلقة الذهب الجامعة لآخر الشوازك في رأس العمود ركّبت عليها الرمانة ولفّت في عرضى «3» دبيقىّ مذهب، فلا يكشفها منه إلّا حاملها عند تسليمها وقت الركوب.

ثمّ يؤمر بشدّ لواءى الحمد المحتصّين بالخليفة، وهما رمحان [طويلان «4» ملبّسان بمثل أنابيب عمود المظّلّة إلى حدّ نصفهما] برأسهما لواءان حريرا أبيض مرقوما بالذهب ملفوفين على رماحهما، ويخرجان بخروج المظّلة، فيحملهما أميران.

ثمّ يخرج إحدى وعشرون راية لطيفة من حرير مرقوم، ملوّنة بكتابة «5» فى كلّ واحدة بما يخالف لونها [ونص «6» كتابتها] :(نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)

. طول كلّ راية ذراعان في ذراع ونصف، فتسلّم لواحد وعشرين رجلا.

ثمّ يخرج رمحان في رءوسهما أهلّة من ذهب في كلّ واحد سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة «7» مستديرة، يدخل فيها الريح فينفتحان فيظهر شكلهما، ويتسلمهما فارسان يسيران أمام الرايات.

ص: 85

ثمّ يخرج السيف الخاصّ، وجلبته [ذهب «1» ] مزصّعة بالجواهر، فى خريطة مرقومة بالذهب، لا يظهر سوى رأسه، فيخرج مع المظّلة، وحامله أمير، عظيم القدر، وهو أكبر حامل.

ثمّ يخرج الرمح، وهو رمح لطيف، فى غلاف منظوم من لؤلؤ، وله سنان مختصر بحلية ذهب [وله شخص مختص بحمله «2» ] . ودرقة بكوامخ ذهب وسيعة، تنسب إلى حمزة بن عبد المطّلب، في غشاء حرير، فيحملها «3» أمير مميّز له جلالة. ثمّ يعلم الناس سلوك الموكب. والموكب دورتين «4» ؛ إحداهما كبرى، وهى من باب القصر إلى باب النصر، مارّا إلى الحوض حوض «5» عزّ الملك. ثمّ ينعطف على اليسار إلى باب الفتوح إلى القصر. والأخرى هى الصغرى، إذا خرج من باب النصر سار حول السور ودخل من باب الفتوح إلى القصر. فكان إذا ركب ساروا بين يديه بغير اختلال ولا تبديل. فإذا أصبح الصبح يوم غرّة العام اجتمع أرباب الرتب من القاهرة ومصر وأرباب السيوف والأقلام، فصفّوا بين القصرين، ولم يكن فيه بناء كاليوم بل كان خلاء. ويبكّر الأمراء إلى دار الوزير؛ فيركب الوزير من غير استدعاء، ويسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره «6» ، والأمراء بين يديه ركّابا ومشاة، وأمامه بنوه وإخوته، وكلّ منهم يرخى الذؤابة بغير حنك «7» ؛ وهو في أبّهة عظيمة من الثياب الفاخرة والمنديل

ص: 86

بالحنك، متقلدا سيفا مذهّبا؛ فيدخل أهله عند القصر في أخصّ مكان لا يصل الأمراء إليه؛ ويدخل الوزير من باب القصر راكبا وحده إلى دهليز العمود، فينزل على مصطبة هناك ويمشى إلى القاعة ويجلس بها. فإذا دخلت الدّابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسىّ الذي يركب عليه الخليفة من باب المجلس أخرجت المظلّة إلى حاملها، فيكشفها بإعانة جماعة من الصقالبة «1» برسم خدمتها، فيركزها في آلة من حديد متّخذة شكل القرن المصطحب «2» ، وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد بعقبها، فيمسك العمود بحاجز فوق يده فيبقى وهو منتصب لا يضطرب فى ريح عاصف.

ثمّ يخرج السيف فيتسلّمه حامله، ويرخى له ذؤابة «3» ما دام حاملا له.

ثمّ تخرج الدواة فيتسلّمها حاملها، وهو من الأستاذين المحنّكين، وهى الدواة التى كانت من أعاجيب الزمان، وهى من الذهب، وحليتها من المرجان، تلفّ في منديل شرب بياض مذهب. وفيها يقول بعض الشعراء:

ألين لداود الحديد كرامة

فقدّره في السّرد كيف يريد

ولان «4» لك المرجان وهو حجارة

على أنّه صعب المرام شديد

ثمّ يخرج الوزير ومن معه وينضمّ إليه الأمراء، فيقف إلى جانب الدّابة، فيرفع صاحب [المجلس «5» ] السّتر، فيخرج منه الخليفة بالهيئة المشروحة قبل تاريخه: من

ص: 87

الثياب والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته، وهو محنّك مرخى الذؤابة مما يلى جانبه الأيسر، متقلّد سيفا عربيا «1» وبيده قضيب الملك، وهو طول شبر ونصف، من عود مكسوّ بالذهب المرصّع بالجوهر؛ فيسلّم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ويسلّمون على أهله وعلى الأمراء بعدهم.

ثمّ يخرجون شيئا بعد شىء إلى أن يبقى الوزير فيخرج بعدهم، ويركب ويقف قبالة باب القصر إلى أن يخرج الخليفة وحوله الأستاذون، ودابّته تمشى على بسط مفروشة خيفة أن تزلق على الرّخام. فعند ما يقرب من الباب يضرب رجل ببوق من ذهب لطيف معوجّ الرأس، يقال له العربانة «2» ، بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات، فتضرب أبواق الموكب وتنشر المظلّة، ويخرج الخليفة من الباب فيقف مقدار ما يركب الأستاذون المحنّكون وأرباب الرتب الذين كانوا بالقاعة.

ثمّ يسيرون والمظلّة على يسار الخليفة وصاحبها يبالغ ألّا يزول عنه ظلّها، وصبيان الركاب، منهم جماعة كبيرة من الشكيمتين، وجماعة أخرى في عنق الدّابة، وجماعة أخرى في ركابيه. فالأيمن مقدّم المقدّمين، وهو صاحب المقرعة التى يناولها [للخليفة ويتناولها منه «3» ] ، ويؤدّى عن الخليفة الأوامر والنواهى مدّة ركوبه.

ويسير «4» الموكب وبأوّله أخلاط بعض العسكر، ثمّ الأماثل، ثمّ أرباب المناصب، ثم أرباب الأطواق، ثمّ الأستاذون المحنّكون، ثمّ حاملا لواءى الحمد من الجانبين،

ص: 88

ثمّ حامل الدّواة، وموضعها من حاملها بينه وبين قربوس السّرج، ثمّ صاحب السيف وهما في الجانب الأيسر. وكلّ ممّن تقدّم ذكره بين «1» العشرة والعشرين من أصحابه.

وأهل الوزير من الجانب الأيمن بعد الأستاذين المحنّكين؛ ثمّ الخليفة وحوله صبيان الرّكاب المذكورة تفرقة «2» السلاح [فيهم] ، وهم ما يزيد على ألف رجل، وعليهم المناديل الطبقيّات يتقلّدون بالسيوف، وأوساطهم مشدودة بمناديل، والسلاح مشهور بأيديهم، من جانبى الخليفة كالجناحين، وبينهم فرجة لوجه الدّابة ليس فيها أحد.

وبقرب من رأس الدّابة صقلبيّان محمّلان مذبّتين، كلّ واحدة، كالنخلتين، لما يسقط من طائر وغيره؛ وهو سائر على تؤدة ورفق. وبطول «3» الموكب والى القاهرة رائح وعائد يفسح الطرقات ويسيّر الفرسان، فيلقى في عوده الإسفهسالار كذلك «4» فى حثّ الأجناد في الحركة وينكر على المزاحمين. ويلقى أيضا في عوده صاحب الباب بمن في زمرة الخليفة إلى أن يصل إلى الإسفهسالار، فيعود لترتيب الموكب، وبيد كلّ منهم دبّوس. وخلف دابة الخليفة قوم من صبيان الركاب لحفظ أعقابه، وخلفهم أيضا أخر يحمل كلّ واحد سيفا في خريطة ديباج أحمر وأصفر بشراريب، يقال لها «سيوف الدم» لضرب الأعناق. ثمّ صبيان السلاح الصغير أرباب الفرنجيات [المقدّم ذكرهم «5» ] أوّلا.

ثمّ يأتى الوزير وفي ركابه قوم من أصحابه وقوم يقال لهم صبيان الزّرد من أقوياء الأجناد، يختارهم «6» لنفسه نحو من خمسمائة رجل من جانبيه، كأنّه على قلق من

ص: 89

حراسة الخليفة، ويجتهد ألّا يغيب عن نظره «1» ، وخلفه الطّبول والصّنوج والصفافير، بحيث تدوّى منهم الدنيا في عدد كثير. ثمّ يأتى حامل الدّرقة والرمح. ثمّ طوائف «2» الراجل «3» من الركابيّة والجيوشيّة وقبلهما المصامدة، ثمّ الفرنجية، ثمّ الوزيريّة زمرة بعد زمرة في عدد وافر يزيد على أربعة آلاف نفر، ثمّ أصحاب الرايات، ثمّ طوائف العساكر من الامريّة والحافظيّة والحجريّة الكبار والحجريّة الصّغار والصّقلّيّة «4» ، ثمّ الأتراك المصطنعون «5» ، ثمّ الديلم، ثم الأكراد والغزّ المصطنعة وهم البحريّة. ويقدم هذه الفرسان عدّة وافرة من المترجّلة أرباب قسىّ اليد وقسىّ الرّجل في نيّف وخمسمائة نفر، وهم المعدّون للأساطيل، وجملتهم نحو ثلاثة آلاف وأكثر. وهؤلاء الذين ذكرناهم بعض من كلّ لا جميع عسكر الخليفة. ثمّ يدخلون من باب الفتوح ويقفون بين القصرين كما كانوا.

فإذا وصل الخليفة إلى موضع جامع الأقمر الآن وقف وقفة وانفرج الموكب، فيمرّ الموكب بالخليفة، ويسكع «6» الوزير ليظهر للناس خدمته، ويشير إليه الخليفة

ص: 90

بالسلام إشارة خفيفة؛ وهذه أعظم مكارمة تصدر عن الخليفة، وهى للوزير صاحب السيف خاصّة؛ فيسبق إذا لدخول الباب بالقصر راكبا إلى موضعه على العادة، خاصّة له، والأمراء مشاة. فيصل الخليفة إلى الباب وقد ترجّل الوزير وقبله الأستاذون المحنّكون، فيحدقون به، والوزير أمام الدّابة إلى أن ينزل الخليفة؛ فيخرج الوزير ويركب من مكانه، والأمراء في خدمته وأقاربه بين يديه، فيسيرون إلى داره فيسلّمون وينصرفون إلى أماكنهم، فيجدون قد أحضر إليهم المقرر من الخليفة، يأمر بضرب دنانير ورباعيّة ودراهم في العشر الأخير من ذى الحجة، عليها تاريخ السنة التى ركب فيها؛ فيحمل للوزير منها شىء كثير وإلى أولاده وأقاربه، ثم إلى أرباب الرتب من أرباب السيوف والأقلام، من عشرة دنانير إلى رباعىّ إلى قيراط وإلى دينار واحد، فيقبلون ذلك تبرّكا.

ولا ينقطع «1» الركوب من أوّل العام إلّا متى شاء، ولا يتعدّى ما ذكرناه في يومى السبت والثلاثاء. فإذا عزم على الركوب في هذه الأيّام أعلم بذلك، وعلامته إنفاق الأسلحة في صبيان الركاب من خزائن السلاح. وكان أكثر ركوبه إلى مصر. فإذا ركب ركب الوزير وراء الخليفة في أقلّ جمع مما تقدّم ذكره في ركوب أوّل العام. فيشقّ الخليفة القاهرة إلى جامع أحمد بن طولون إلى المشاهد «2» إلى درب «3»

ص: 91

الصّفا، ويقال له الشارع، الأعظم إلى دار الأنماط «1» إلى جامع مصر، فيجد ببابه الشريف الخطيب واقفا على مصطبة فيها محراب مفروش بحصير معلّق عليه سجادة، وفي يده مصحف، يقال: إنه بخط علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، وهو من خاصله «2» ، فيناول الشريف الخليفة المصحف فيأخذه ويقبّله ويتبارك به، ويعطيه صاحب الخريطة المقرّر «3» للصلاة ثلاثين دينارا، وهى رسمه كلّما مرّ به الخليفة، فيعطيها الشريف إلى مشارف الجامع، فيأخذ منها أربعة عشر دينارا، ويفرّق الباقى على «4» القامة والمؤذنين خاصّة.

ثمّ يسير الخليفة إلى دار «5» الملك، فينزلها والوزير معه؛ وكلّما مرّ من القصر إلى دار الملك بمسجد أعطى قيّمه دينارا. ثمّ تأتى المائدة من القصر وعدّتها خمسون

ص: 92

شدّة «1» على رءوس الفرّاشين مع صاحب المائدة، وهو أستاذ جليل إلّا أنّه ليس بمجنّك؛ وفي كلّ شدّة طيفور «2» ، فيه الأوانى الخاصّ، فيها من الأطعمة الخاصّ من كلّ نوع شهىّ وكلّ صنف من المطاعم العالية، وله روائح عبقة مسك «3» أرخية وعلى كلّ شدّة طرحة حرير تعلو الشدّة. فيحمل الخليفة إلى الوزير منها جزءا وافرا، ويعطى الأمراء ومن حضر، ثم يوصل إلى أهل مصر من ذلك كثيرا من الفضلات.

ثمّ يصلّى الخليفة العصر ويتحرّك إلى العود، والناس في الطريق جلوس لنظره. وزيّه في هذه الأيام لبس الثياب البياض المذهّبة والملوّنة، وهى العمامة، والمنديل مشدود، وشدّته مفردة عن شدّات الرعيّة وذؤابته تقرب من الجانب الأيسر؛ ويتقلّد السيف العربىّ «4» المجوهر بغير حنك ولا مظلّة ولا يتيمة، ولذلك أوقات مخصوصة، فلا يمرّ بمسجد في طريقه إلّا ويعطى قيّمه دينارا، كما جرى فى الرّواح. وينعطف من [باب «5» ] الخرق، فيدخل من بابى زويلة، ويشقّ القاهرة إلى القصر. ويكون ذلك من المحرّم إلى شهر رمضان؛ كما مرّ في أوّل العام.

ص: 93