الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 137: الترخيم
الترخيم الاصطلاحي: "حذف آخر اللفظ بطريقة معينة؛ لداع بلاغي"1. وهو ثلاثة أقسام:
ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشعرية، وترخيمه للتصغير. والباب الحالي معقود للكلام على القسمين الأولين، أما الثالث فموضع الكلام عليه:"باب التصغير"2.
القسم الأول: ترخيم المنادى.
نصح أعرابي لابنه: "عامر"؛ فكان مما قال: "يا عامِ، صداقة اللئيم ندامة"3، ومداراته سلامة...." فحذف الراء من آخر المفرد العلم المنادى.
وسمع آخر أعرابية تتغنى بمزاياها؛ فقال لها: "يا أعرابي، دعي ما أنت فيه؛ فمن حدث الناس عن نفسه بما يرضى. تحدثوا عنه بما يكره". فحذف التاء4 من آخر المنادى النكرة المقصودة
…
فالحذف على الوجه السالف نوع مما يسمى: "ترخيم نداء"، وهو:"حذف آخر المنادى المفرد العلم، أو النكرة المقصودة. وقد يقتصر الحذف على هذا أو لا يقتصر" طبقا لما سيجيء5.
1 هو: التخفيف -غالبا- أو التلميح، أو الاستهزاء. وقد يكون السبب هو الضعف الناشئ من خوف، أو هول، ونحوهما مما يحدث العجز عن إتمام النطق بالكلمة؛ فقد جاء في "المحتسب" ج2 ص257 ما نصه على لسان أهل النار في الآية الكريمة:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وقراءة من قرأها: "ما مال": "قال أبو الفتح: هذا المذهب المألوف في "الترخيم"، إلا أن فيه في هذا الموضع سرا جديدا؛ وذلك لأنهم لعظم ما هم عليه ضعفت قواهم؛ وذلت أنفسهم، وصغر كلامهم، فكان هذا من مواضع الاختصار؛ ضرورة عليه، ووقوفا دون تجاوزه إلى ما يستعمله المالك لقوله، القادر على التصرف في منطقه
…
". ا. هـ.
2 ص683.
3 أي: مؤديه للندم؛ بسبب نتائجها الضارة.
4 نداء الترخيم كثير عندهم في المنادى المختوم بتاء التأنيث، وفي بعض كلمات أخرى؛ منها: مالك، عامر، حارث، صاحب.
5 في ص105.
شروطه:
لا يصح إجراء هذا النوع من الترخيم الذي يقتضي حذف الآخر وحده أو مع شيء غيره، إلا بعد أن تجتمع في المنادى شروط عامة لا بد من تحققها فيه -سواء أكان مجردا من تاء التأنيث أم مختوما بها- وشروط خاصة بالمجرد منها. فالعامة هي:
1-
أن يكون المنادى معرفة، إما بالعلمية، وإما بالقصد والإقبال1؛ "لأن المنادى الذي يراد ترخيمه قسمان، مجرد من تاء التأنيث، ومقترن بها، فإن كان مجردا من تاء التأنيث وجب ان يكون علما؛ فيتعرف بالعلمية، وإن اقترن بالتاء وجب أن يكون علما، أو نكرة مقصودة؛ فيتعرف بالعلمية، أو بالنداء مع الإقبال، ولا يصح ترخيم النكرة المحضة، وهي النكرة غير المقصودة".
2-
ألا يكون مستغاثا مجرورا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: يا لصالح لمحمود - يا لفاطمة لأخيها. فإن حذفت اللام الداخلة عليه جاز ترخيمه؛ نحو: يا صالا2 لمحمود، يا فاطما2 لأخيها.
3-
ألا يكون مندوبا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: وامعتصم، أين أنت؟ واعبلة ما صنعت بك الأيام؟
4-
ألا يكون مضافا، ولا شبيها به3؛ كالمضاف في قولهم: يا أهل العلم، عالم ذو همة يحيى أمة - يا فتاتي أنت عنوان بلادي، وشبهه في مثل:"يا بخيلا بماله. أنت تشقى، وغيرك يسعد".
1 فسبب تعريفه أنه مفرد علم، أو نكرة مقصودة. أما بقية أقسام المنادى فلا ترخم - كما سيجيء التصريح هنا وفي الشرط الرابع.
2 و2 الألف التي في آخر المستغاث هي التي تجيء -جوازا - عند حذف لام الجر، وتفصيل الكلام عليها في ص78.
3 هذا الشرط مفهوم من مضمون الشرط الأول، ولكن ذكرناه صريحا هنا ليكون أوضح وأجلى.
5-
ألا يكون مركبا تركيب إسناد -على الأرجح-1 فلا يصح الترخيم في علم كالذي في قولهم: يا "فتح الله"، الجاه يفنى، والمجد يبقى -يا "زينب فاضلة"؛ لا تقابلي الإحسان بالجحود.
6-
ألا يكون من الألفاظ المقصورة على النداء2، فلا يصح الترخيم في مثل: يا فل، ويا فلة
…
7-
ألا يكون من الألفاظ المبنية أصالة قبل النداء؛ مثل: حَذَامِ - رَقَاش
…
علمين لمؤنثتين.
تلك هي الشروط العامة التي يجب تحققها في المنادى المراد ترخيمه بقسميه؛ "المختوم بتاء التأنيث، والمجرد منها".
أما الشروط الخاصة التي لا بد من تحققها مع العامة في القسم المجرد من تاء التأنيث، دون المختوم بها
…
فأهمها:
1-
أن يكون تعريفه بالعلمية دون غيرها، نحو:"سالم" علم رجل؛ تقول: يا سال، أذل الحرص أعناق الرجال. فلا يصح في المجرد من تاء التأنيث أن يكون نكرة مقصودة "لأن تعريفها بالقصد والإقبال، لا بالعلمية؛ نحو: يا صاحب، لمعين" أما المختوم بها فيصح أن يكون علما وأن يكون نكرة مقصودة؛ كأن تقول في نداء فتاة اسمها عائشة: يا عائش: آفة النصح أن يكون جهارا. وفي نداء مسافرة معينة: يا مسافر، تيقظي في رحلتك، فإن السلامة في اليقظة.
2-
أن يكون العلم المجرد أربعة أحرف أو أكثر؛ فلا يصح ترخيم العلم الثلاثي الخالي من تاء التأنيث مطلقا3؛ مثل "سعد" و"رجب" في قولهم: يا سعد، من أحسن إلى لئيم أساء إلى نفسه - يا رجب، النفس الصغيرة مولعة بالصغائر.
1 كما سيأتي في ص109، وفيها حكم ترخيم المركب المزجي.
2 وقد سبقت في ص68
3 أي: سواء أكان ساكن الوسط أم متحركه، ولا داعي للتفرقة بين الاثنين كما يرى بعض النحاة.
أما المختوم بتاء التأنيث فيصح ترخيمه، سواء أكان علما أم نكرة مقصودة، ثلاثيا أم أكثر. وتقول في نداء فتاة اسمها "هبة" نداء ترخيم: يا هب، إن الأماني والأحلام كالأزهار؛ ما تراكم منها قتل. وفي أخرى اسمها:"ماجدة" يا ماجد، إن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال1
…
1 فيما سبق يقول ابن مالك:
ترخيما احذف آخر المنادى
…
كيا "سعا" فهي من دعا "سعادا"
أي: احذف آخر المنادى حذف ترخيم، كمن يقول: يا سعا، وهو ينادي فتاة اسمها: سعاد. ثم قال:
وجوزنه مطلقا في كل ما
…
أنت بالها. والذي قد رخما:
بحذفها وفره بعد. واحظلا
…
ترخيم ما من هذه "الها" قد خلا
إلا "الرباعي" فما فوق. "العلم"
…
دون إضافة، وإسناد متم
يقول: جوز الترخيم في المنادى المؤنث بالهاء، "أي: بتاء التأنيث التي تصير "هاء" في الوقف" إجازة مطلقة؛ يتساوى فيها كل منادى مختوم بالتاء؛ علما أو نكرة مقصودة، ثلاثيا أو زائدا على الثلاثة. متحرك الوسط، أو ساكنه. ثم قال: إن المنادى المرخم بحذفها يوفر بعد ذلك، فلا يجوز حذف شيء من حروفه بعد حذف التاء. وعرض بعد هذا الترخيم الخالي منها؛ فقال: احظل "أي: امنع" ترخيم المنادى الخالي منها إلا إذا كان علما رباعيا فما فوقه، غير مضاف، وغير مركب تركيب إسناد متم، "أي: تركيب إسناد تام، كامل".
ويلاحظ في هذه العبارات القصور والخلط؛ لأن بعض الأشياء المحظورة السابقة -كالمنادى المضاف، والمركب تركيب إسناد- ليس محظورا في المنادى المختوم بالتاء وحده، وإنما حظره عام يشمل المجرد منها أيضا، كما شرحنا.
ما يحذف جوازا من آخر المنادى عند ترخيمه:
يجوز أن يحذف من آخر المنادى بسبب ترخيمه حرف واحد -وهو الأغلب- أو حرفان، أو كلمة، أو كلمة وحرف. وفيما يلي البيان:
أولا: يحذف منه الحرف الأخير وحده بغير شروط إلا التي سلفت.
ثانيا: يحذف منه الحرفان الأخيران1 معا بعد تحقق الشروط التي سلفت، مزيدا عليها أن يكون المنادى علما مجردا من تاء التأنيث، وأن يكون الحرف الذي قبل الأخير حرف مد2، وأن يكون زائدا لا أصليا، وأن يكون رابعا فصاعدا.
وبعبارة أخرى:
يجوز أن يحذف من المنادى العلم المرخم المجرد من تاء التأنيث الحرفان الأخيران، بشرط أن يكون السابق منهما حرف مد. زائدا، رابعا فأكثر
…
مثل: عمران، خلدون، إسماعيل
…
تقول: يا عمر، من ساء قوله ساءت معامله الناس له - يا خلد، النصح أغلى ما يباع ويوهب - يا إسماع، من خاف الله حرسته عنايته.
أما الحرف الأخير فقد يكون أصليا؛ كهمزة "أسماء" في المنادى المرخم من قول الشاعر:
يا أسم، صبرا على ما كان من حدث
…
إن الحوادث ملقي3 ومنتظر
1 يدخل في هذا من الأعلام ما كان على صورة: المثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم "ويراعى في الثلاثة التفصيل الهام الآتي في:"ا" ص108.
2 لا يسمى حرف مد إلا إذا كان حرف علة ساكنا، والحركة التي قبله تناسبه، "وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء، نحو: قام، يقوم، مقيم". وهو في هذه الحالة حرف علة، ومد، ولين. فإن كان ساكنا وقبله حركة لا تناسبه سمي: حرف علة ولين، نحو: فرعون وخير. فإن كان متحركا فهو حرف علة فقط؛ نحو: حور وهيف
…
"راجع ما سبق في رقم 2 من هامش ص58".
3 يريد: اصبري على ما يحدث؛ لأن الحوادث محتومة؛ بعضها ملقي "أي: واقع حاصل"، وبعضها منتظر وقوعه.
فكلمة: "أسم"، أصلها: أسماء، وهمزتها الأخيرة بمنزلة الأصلية؛ لأنها منقلبة عن واو أصلية1. وقد يكون زائدا كالنون في "مروان" من قول الشاعر:
يا مرو إن مطيتي محبوسة
…
ترجو الحباء2، وربها لم ييئس
ولا يصح في هذا القسم المستوفي للشروط الاقتصار على حذف الحرف الأخير وحده. وإنما يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله أيضا. إلا إن كان المنادى المرخم مختوما بتاء التأنيث؛ فتحذف وحده دون الحرف الذي قبلها. ففي مثل: "عقبناة"3 وسلحفاة، علمين، يقال: يا عفنبا، يا سلحفا بالألف فيهما.
فالترخيم يحذف آخر المنادى أمر اختياري، لا واجب، لكن إذا اخترنا الحذف في هذا القسم المستوفي للشروط وجب أن يحذف مع الآخر الحرف الذي قبله؛ لأنهما متلازمان وجودا وحذفا في غير المختوم بتاء التأنيث حيث يقتصر الحذف عليها وحدها4.
وبمراعاة الشروط السالفة يتبين أنه لا يصح في الأمثلة الآتية وأشبابهها، حذف الحرفين الأخيرين معا في نداء الترخيم:
يا مرتجاة، علما، لا يقال: يا مرتج، لوجود تاء التأنيث4.
يا جعفر. يا ثمود، يا سعيد، يا عماد
…
أعلاما، لا يقال: يا جع، يا ثم، يا سع، يا عم
…
لأن الحرف الذي قبل الأخير ليس حرف مد أو حرف مد. لكنه ليس رابعا فأكثر.
يا رحيم، يا هبيح5 -علمين- لا يقال: يا رحي، يا هبي
…
1 "أسماء" جمع، مفردة:"اسم" -مع زيادة همزة الوصل- وأصله: "سمو"؛ فواوه أصلية، تنقلب همزة عند جمعه على "أفعال".
2 العطاء.
3 هي في الأصل صفة للعقاب "إحدى الطيور الجارحة" يقال: هذه عقاب عقنباة، أي: ذات مخالب قوية.
4 و4 بخلاف التاء في مثل: "هندات" -طبقا للبيان الهام في ص108 ب.
5 أصل معناه: الغلام السمين، الممتلئ.
لأن حرف العلة "الياء" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذف الياء؛ لأنها ليست للمد.
يا قنور1 -علما- لا يقال: يا قنو؛ لأن حرف العلة "الواو" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذفه. لأنه ليس حرف مد.
يا فرعون -علما- لا يقال: يا فرع؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الواو" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الواو. لأنها ليست للمد هنا.
يا غرنيق2 -علما- لا يقال: يا غرن؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الياء" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الياء. لما سبق.
يا مختار -علما- لا يقال: يا مخت؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الياء؛ فلا بد من بقاء الألف.
يا منقاد -علما- لا يقال: يا منق؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الواو؛ فلا بد من بقاء الألف.
..........3.
1 أصل معناه: الصعب اليابس من كل شيء.
2 أصله: اسم لطائر طويل العنق من طيور الماء.
3 وفي حذف الحرف الأخير ومعه الحرف الذي قبله "وهو الذي تلاه الأخير" يقول ابن مالك:
ومع الآخر احذف الذي تلا
…
إن زيد. لينا ساكنا، مكملا
…
أربعة فصاعدا. والخلف في
…
واو وياء بهما فتح قفى
تلا: أي: تلاه الآخر.
ولينا ساكنا= يقصد به حرف المد، وقد شرحناه.
الخلف= الخلاف بين النحاة.
قفى - تبع، أي: جاء بعده حرف، والجملة الفعلية:"قفى" خبر للمبتدأ: "فتح" والجملة من المبتدأ والخبر صفة لواو
…
والجار مع مجروره "بهما".. متعلقان بالفعل: "قفى".
يريد: يحذف مع الحرف الأخير ما قبله من حرف مد رباعي. فإن كان قبل الواو فتحه -نحو: فرعون وغرنيق- فقد وقع خلاف في جواز حذفهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- يصح ترخيم ما سمي به من المثنى وجميع التصحيح بحذف زيادتيهما من آخر العلم، بشرط أن يكون ترخيمها على لغة من ينتظر1، لكيلا يقع فيهما اللبس بالمفرد؛ فتقول في نحو: محمدان ومحمدين "علمين": يا محمدَ - يا محمدِ؛ بالفتح في الأول والكسر في الثاني. وكذا في المنسوب. ويمتنع الضم في كل ما سبق؛ لكيلا يلتبس بالمفرد: وأما محمدون -ونظائره من كل علم أصله جمع مذكر سالم مرفوع بالواو- فيمتنع ترخيمه مطلقا؛ للسبب السالف2.
ب- عرفنا ما يحذف منه حرفان عند الترخيم. وهو يشمل المثنى وجميع التصحيح إذا كانت أعلاما؛ فترخم كلها بحذف الآخر ومعه ما قبله، بالشروط التي سلفت. لكن يمتنع بقاء الألف في مثل:"هندات" لأن التاء فيه ليست للتأنيث2.
ج- الحركة المجانسة لحرف العلة فيصير حرف مد بسببها، قد تكون ظاهرة؛ كالأعلام التي في الأمثلة السالفة؛ وقد تكون مقدرة في بعض الأعلام الأخرى؛ كما في جمع المقصور جمع مذكر سالما؛ نحو: يا مصطفون، ويا مصطفين، علمين
…
فنقول عند الترخيم: يا مصطفي، بحذف الواو والنون من الأول، والياء والنون من الثاني. لأن أصلهما؛ مصطفيون ومصطفيين، بضم الياء في الأول، وكسرها في الثاني. تحركة هذه الياء فيهما، وانفتح ما قبلها؛ فقبلت ألفا. وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فالحركة مجانسة؛ لأنها الضمة قبل الواو في اللفظ الأول، والكسرة قبل الياء في الثاني. فلا يضر أن تكون المجانسة تقديرا؛ لأن المجانسة التقديرية كالمجانسة اللفظية الظاهرة، ولهذا يجب حذف الواو والياء عند حذف الحرف الأخير من الكلمتين السالفتين وأشباههما؛ بشرط أن تكون كل كلمة علما.
1 الكلام عليها في ص111.
2 و2 راجع الصبان والخضري في هذا الموضع.
ثالثا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة كانت في أصلها مستقلة، ثم ركبت مع أخرى تركيب مزج1، وصارتا بمنزلة الكلمة والواحدة؛ نحو:"حمدويه، خالويه"، "رامهرمز"، "تسعة عشر
…
" إذا جعلت هذه المركبات أعلاما؛ فنقول في ندائها ترخيما، يا حمد، يا خال، يا رام، يا تسعة، ولا بد عند ترخيمها من وجود قرينة قوية تدل على أصلها؛ إذ ترخيمها لا يخلو من لبس، ولا سيما المركبات العددية المبنية على فتح الجزأين؛ نحو: تسعة عشر.
وقد منع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي "وكذا الإسنادي كما تقدم"2 بحجة أنه لم يسمع، وأنه موضع إلباس. والأخذ برأيه أحسن.
رابعا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة، ومعها حرف قبلها. ويقع هذا في لفظين من المركبات العددية؛ "هما: اثنا عشر، واثنتا عشرة"، إذا جعلا علمين3؛ فيقال: يا اثن
…
يا اثنت
…
بحذف كلمة: "عشر" أو "عشرة" والألف التي قبلهما -كما يقال هذا في ترخيمهما من غير تركيب- لأن كلمة: عشر، وعشرة، بمنزلة النون في الاسم
1 تفصيل الكلام على المركب المزجي في ج1 ص300 م23. وفي حذف عجزه؛ "أي آخره"، يقول ابن مالك:
والعجز احذف من مركب، وقل
…
ترخيم جملة، وذا عمرو نقل
يريد: حذف العجز من المركب المزجي، جائز، أما من مركب الجملة "وهو المركب الإسنادي" فقليل، وقد نقله عن العرب عمرو، "المشهور باسم: سيبويه".
2 في رقم 5 من ص103.
3 هذا شرط حتمي؛ لكيلا يلتبسا بنداء المثنى الذي ليس علما، وإنما هو عدد محض، وهو: اثنان واثنتان، ومثلهما في نداء المرخم بقية الأعداد المركبة، ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر
…
إلخ. فلا يحذف عجزها للتخريم إلا إذا كانت علما، منعا -في ظنهم- للالتباس بثلاثة، وأربعة، وبقية الأعداد المفردة.
هذا. وإذا صار الاسم المبدوء بهمزة وصل -اثني
…
واثنتي- علما فإن همزته تصير همزة قطع: يجب كتابتها والنطق بها -كما سلف في رقم3 من هامش ص38 وسيجيء لها بيان أكمل في رقم2 من هامش ص247.
المفرد؛ "أي: الخالي من التركيب وهو: اثنان واثنتان"1. فصارت هي والألف بمنزلة الحرفين الزائدين في آخر الأصل المثنى؛ إذا كان علما.
"ملاحظة": اشتد الخلاف بين النحاة الأقدمين في ترخيم الأعداد المركبة "أعلاما وغير أعلام" من ناحية جوازه وطريقته، أو عدم جوازه. والحق أن ترخيمها لا يخلو من لبس وخفاء يحملان اليوم على اجتنابه.
1 "أو المراد بالاسم المفرد: ما كان آخره نون قبلها حرف مد في نحو: مسكين، علما؛ حيث تحذف النون في الترخيم ومعها حرف المد -وتثبت الهمزتان نطقا وكتابة إذا كانا علمين.
كيفية ضبط المنادى بعد ترخيمه:
المنادى المرخم لا يكون إلا مفردا علما أو نكرة مقصودة -بتفصيلهما الذي عرضناه-1 فحكمه الأساسي هو البناء على الضم وفروعه. ولضبطه طريقتان بعد ترخيمه.
الأول: أن يلاحظ المحذوف، ويعتبر كأنه باق. ويظل ما قبله على حركته أو سكونه قبل الحذف2، ويستمر رمز البناء على الضم -وفروعه- مقصورا على الحرف الأخير المحذوف، كما كان قبل حذفه، من غير نظر لما طرأ عليه؛ ففي مثل: يا عامر
…
يا سيدة
…
يكون المنادى قبل الترخيم "عامر - سيدة" مبنيا على الضم في محل نصب، ويصير بعد الترخيم: يا عامِ، يا سيدَ، منادى مبنيا على الضم الذي على الحرف المحذوف، في محل نصب أيضا. بالرغم من كسر الميم، وفتح الدال؛ لأن كلا منهما لا يعد -بحسب هذه الطريقة- حرفا أخيرا في كلمته، يختص بعلامة البناء.
وكذلك في مثل: يا سالم - يا مسافرة، يا إفرند3؛ فالمنادى من غير ترخيم مبني على الضم في محل نصب. فإذا رخم قيل بهذه الطريقة: يا سالِ - يا مسافرَ، يا إفرنْ
…
، والمنادى مبني على الضم في محل نصب، كما كان من غير
1 في ص101، وما بعدها.
2 يستثنى من هذا مسألتان يقع فيهما تغيير؛ الأولى: ما كان مدغما في المحذوف مع وقوعه بعد حرف مد هو -في الغالب- ألف، فإنه كان له حركة في الأصل حركته بها؛ نحو:"مضار، ومحاج، علمين؛ فيقال فيهما يا مضار ويا محاج، بالكسر على اعتبارهما اسمي فاعل أصله: مضار - محاجيج، أو بالفتح على اعتبارهما اسمي مفعول. أما إن كان أصلي السكون فالأحسن تحريكه بالفتحة لقربها من السكون في الخفة؛ نحو: إسحار "بتشديد الراء، اسم لبقلة"، فيقال عند التسمية به وترخيمه: "يا إسحار" فتحذف الراء الثانية للترخيم، وتفتح الأولى، والألف في الثاني؛ لزوال سبب الحذف. "حاشية الصبان -وغيرها- في هذا الوضع".
ويلاحظ أن استثناء المسألتين السالفتين مقصور على الأخذ بالطريقة الأولى المعروضة دون الثانية.
3 الإفرند في الأصل: السيف.
حذف
…
وهكذا يظل آخر اللفظ الحالي على ما كان عليه من حركة أو سكون قبل حذف الحرف الأخير.
وتسمى هذه الطريقة: "لغة من ينوي المحذوف". وتشتهر باسم: "لغة من ينتظر". ويجب الاقتصار عليها في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس -كما سيجيء- مثل: يا علي، مرخم "علية"، علم أنثى؛ لوجوب فتح الحرف الذي قبل تاء التأنيث؛ فتكون هذه الفتحة -في الاسم المفرد الذي يجب بناء آخره على الضم- دليلا على أن هناك حرفا محذوفا ملحوظا هو التاء؛ إذ لو لم نلاحظة لقلنا:"يا علي" فيلتبس نداء المؤنث بالمذكر1.
الثانية: مراعاة الأمر الواقع؛ وذلك باعتبار أن ما حذف من اللفظ قد انفصل عنه نهائيا، وانقطعت الصلة بينهما، وكأنها لم تكن، وصار آخره الحالي -بعد حذف ما حذف- هو الذي يقع عليه العلامة. ففي المثالين السالفين يقال في نداء الترخيم:"يا سال، يا مساف". فالمنادى مبني على الضم في محل نصب. وتسمى هذه الطريقة: "لغة من لا ينوي المحذوف"2 أو: "من لا ينتظر".
1 والأفصح عند ترخيم المؤنث بالتاء وحذفها على لغة "من ينتظر" أن يزاد على آخره عند الوقف هاء السكت. بل جعلها سيبويه لازمة عند طوائف العرب التي ترخم هذا النوع. "راجع كتاب سيبويه ج2 ص330".
بقي شيء هام؛ هو أن أكثر النحاة يوجب طريقة "من ينتظر" في المرخم المؤنث عن خوف اللبس. فلم يقصرونها على المؤنث وحده؛ إن الفرار من اللبس مطلب أساسي، يجب أن يعم كل الحالات؛ ترخيما وغير ترخيم -كما سيجيء في هامش ص113.
2 وفي الطريقتين المذكورتين لضبط المنادى المرخم يقول ابن مالك في الأولى التي ينوي فيها المحذوف:
وإن نويت بعد حذف ما حدف
…
فالباقي استعمل بما فيه ألف
يريد: إن نويت ما حذف بعد حذفه، فاستعمل الباقي بعد الحذف بما ألف فيه، وعرف عنه قبل الحذف. أي: اترك الباقي على حاله المألوف فيه قبل الحذف. ويقول في الثانية التي لا ينوي فيها المحذوف:
واجعله إن لم تنو محذوفا كما
…
لو كان بالآخر وضعا تمما
أي: اجعل الباقي من المنادى المرخم بعد حذف وعد ملاحظته في النية اجعله كما لو كان قد تمم بالآخر في الوضع، فكلمة:"وضعا" منصوبة على نزع الخافض. والمقصود من هذا كله: إن لم تنو المحذوف فاجعل الآخر الحالي بعد الحذف كأنه آخر وضعي، أصل، من وضع العرب =
وتصلح الطريقتان في مثل: "عنتر" في قول الشاعر عنترة.
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها
…
قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم
وقوله:
يا عبل لا أخشى الحمام؛ وإنما
…
أخشى على عينيك وقت بكاك
فأصل الكلمتين قبل النداء: عنترة وعبلة، ثم ناداهما نداء ترخيم؛ فحذف آخرهما. فالواجب -على لغة من ينتظر- أن نترك آخرهما الحالي على ما كان عليه قبل الحذف فيظل مفتوحا كما كان؛ فنقول: عنتر - عبل
…
ويقع البناء على الضم على الحرف المحذوف. أما على لغة من لا ينتظر فيجب بناء الباقي على الضم مباشرة، وهكذا في كل النظائر الأخرى المختومة بتاء التأنيث.
ويلاحظ أن المرخم المختوم بتاء التأنيث لا تصلح له إلا طريقة: "من ينتظر" عند خوف اللبس، كما أسلفنا. فإذا أمن اللبس -بسبب اشتهار الكلمة في الاستعمال أو لسبب آخر- جاز اختيار هذه الطريقة أو تلك؛ كما في البيتين السابقين، وكما في نحو: يا فاطم -بضم الميم أو فتحها- وهي ترخيم: فاطمة، ومثلهما: همزة، "لمن يغتاب الناس" ومسلمة، علم رجل
…
= وكأنه لم يحذف شيء يليه. وعلى الأول ينتظر يقال في: "ثمود" علما "ياثمو" بحذف الدال وترك ما عدها على حاله. أما الثاني: الذي ينتظر فتقلب الواو ياء ويقال: يا ثمي؛ للسبب المبين في الشرح وفي هذا يقول ابن مالك:
فقل على الأول في ثمود: يا
…
ثمو، ويا ثمي، على الثاني بيا
ويجب الاقتصار على الرأي الأول في المرخم المختوم بالتاء إذا أوقع الأخذ بالرأي الثاني في لبس كما في ترخيم "مسلمة""بضم الميم" علم امرأة؛ فيقال: يا مسلمَ؛ ليكون فتح الميم الأخيرة في هذا المنادى الواجب بناؤه على الضم -دليلا على الحذف. أما لو قلنا: "يا مسلمُ" بغير انتظار المحذوف فإن اللبس يقع بين نداء مسلم ومسلمة.
والحق أنه يجب الفرار من اللبس، سواء أكان موضعه المنادى بتاء التأنيث، أم المجرد منها؛ أم غيرهما. ولا معنى لقصره على المختوم بالتاء -كما أشرنا في آخر هامش الصفحة السابقة- فإن لم يكن هناك احتمال لبس جاز اختيار إحدى الطريقتين كما في مسلمة "بفتح الميم، علم قائد مشهور" وفي هذا يقول ابن مالك:
والتزم الأول في كمسلمه
…
وجوز الوجهين في كمسلمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- الأخذ بطريقة "من لا ينتظر" على الوجه المشروح يقتضي -كما عرفنا- إهمال الحرف المحذوف، واعتباره كأنه لم يوجد؛ فيجري على الآخر الحالي كل الأحوال النحوية والصرفية المختصة بآخر الكلمة. ففي مثل: "ثمود - علاوة - كروان
…
وأشباهها من الأعلام التي تنادي ترخيما فيختم آخرها بعد الحذف بحرف علة؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو
…
" في مثل هذه الكلمات يبقى الآخر الحالي على ما هو عليه عند من ينتظر؛ فيبنى على الضم على الدال، والتاء، والنون المحذوفات -في محل نصب ولا يقع تغيير على الأحرف الباقية بعد الحذف.
أما على لغة من لا ينتظر فيقع على الآخر الحالي تغييرات لا مناص منها؛ أهمها: أنه سيتغير ضبطه؛ فيصير مبنيا على الضم المقدر أو الظاهر؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو. وأن توابعه ستخضع لحكم توابع المنادى المبني على ضم آخره المذكور في الكلام، وأنه سيتغير تغيرا صرفيا على حسب ما تقضي به الضوابط الصرفية من الإعلال، والصحة، والإبدال
…
وغير هذا، كرجوع حرف محذوف؛ فيقال يا ثمي، بقلب ضمة الميم كسرة، لتنقلب الواو ياء، كي لا يكون آخر الاسم واوا لازمه ساكنة قبلها ضمة؛ لأن هذا نادر في العربية1، وكي لا وتنقلب الواو في آخر الكلمتين الأخيرتين همزة وألفا، لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة في:"يا علاوة". ولتحركها وانفتاح ما قبلها: في "يا كرو"، فيقال: يا علاء - يا كرا2.. ولا يقع شيء من هذا عند اتباع الطريقة الأخرى.
1 كان هذا رأيا مقبولا في العصور الخالية، قبل انتشار الأسماء والأعلام بواو لازمة ساكنة، قبلها ضمة، أما الآن فقد عاشت كغيرها من الألفاظ المعتلة الآخر، المقصورة والمنقوصة: فوجب اتخاذ حكم لها؛ كنظائر. ولعله هنا يكون بإبقائها وعدم ترخيم المنادى الذي يحويها. أما في غير الترخيم فقد وضحناه في الجزء الأول، في المسألة الخامسة عشرة. كما وضحناه في هذا الجزء "في باب التثنية، والجمع، والنسب
…
".
2 أي: يا كروان، ومنه المثل العربي الذي يقال لمن يتكبر وحوله من هو أشرف منه يتواضع:"أطرق كرا، إن النعام في القرى" -وقد أشرنا له في ص4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ب- مع أن الطريقتين صحيحتان، والأمر في تقديم إحداهما على الأخرى متروك للمتكلم، ومراعاته المقام قد تكون "الأول وهي:"لغة من ينتظر" أنسب؛ لبعدها عن اللبس، غالبا؛ إذ حركة آخرها الحالي في أكثر الصور، لا تكون ضمة برغم استحقاق المنادى في موضعه هذا للبناء على الضم وجوبا فعدم وجود الضمة يوحي أن في اللفظ الحالي حذفا، ويرشد إلى أن الحرف الأخير الحالي ليس هو الأخير في الأصل، وإلا فأين علامة البناء؟
نعم يقع اللبس في هذه الطريقة حين يكون الحرف؛ الذي قبل المحذوف مباشرة مضموما هجائيا، نحو: قنفذ -علما- فعند ندائه نداء ترخيم على لغة من ينتظر يقول: يا "قنف" فالفاء مضمومة ضما يختلط الأمر فيه؛ أهو ضمة بناء، أم ضمة حرف هجائي ليس آخر الأحرف؟ وللمتكلم أن يتخير ما يزيل به هذا اللبس، أو يعدل عن هذه الطريقة إلى الأخرى، أو يعدل عنهما معا إذا أوقعت كل واحدة منهما في اللبس كالذي يحدث في مثل: يا فتاة.
ج- يرد في الفصيح كثيرا نداء لفظ "صاح" كقول الشاعر:
هلم "يا صاح" إلى روضة
…
يجلو بها العاني صدا1 همه
فأصل الكلمة: "صاحب" نوديت نداء ترخيم بحذف الباء. وهذا الرأي يساير قواعد الترخيم عامة؛ فهو أنسب من الرأي الذي يقول إن أصلها "صاحبي" ورخمت شذوذا بحذف ياء المتكلم والباء. إذ لا داعي للأخذ بالشاذ حين يكون المطرد ممكنا.
أما حذف الباء في غير حالة النداء فشاذ، إلا للضرورة الشعرية2
…
1 يريد: صدأ.
2 انظر المسألة التالية: ورقمها: "138".