المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 141: أسماء الأفعال - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

‌المسألة 141: أسماء الأفعال

تعريفها: "نقدم أمثلة":

في اللغة ألفاظ يدل على الواحد منها على "فعل" معين، أي: محدد بزمنه، ومعناه، وعمله -لكنه لا يقبل العلامة التي يقبلها هذا الفعل المعين، والتي تبين نوعه؛ كاللفظ:"هيهات"1 في قول الشاعر يخاطب عزيزا رحل عنه:

بعدت ديار، واحتوتك ديار

هيهات1 للنجم الرفيع قرار

فإنه يدل على الفعل الماضي: "بعد" ويقوم مقامه في أداء معناه2، وفي عمله، وزمنه، من غير أن يقبل العلامة الخاصة بالفعل الماضي، "مثل: إحدى التاءين؛ تاء التأنيث الساكنة، أو تاء الفاعل

"؛ إذ لم يرد عن العرب وجود علامة من العلامات الخاصة بالفعل الماضي في "هيهات".

وكاللفط: "آه" في قول الشاعر:

آها لها من ليال!! هل تعود كما

كانت؟ وأي ليال عاد ماضيها؟

فإنه يدل على الفعل المضارع: "أتوجع" ويقوم مقامه في معناه، وعمله، وزمنه. ولكنه لا يقبل علامة من العلامات الخاصة بالمضارع؛ لأن العرب لم تدخلها على "آه" قط.

وكاللفظ "حذار" في قول المادح:

سل عن شجاعته، وزره مسالما

وحذار، ثم حذار منه، محاربا

فإنه يدل على فعل الأمر: "احذر" من غير أن يقبل علامة الأمر؛ لأن العرب لم تدخلها على "حذار" مطلقا

والمراد من أن كل لفظ من هذه الألفاظ يدل على فعل معين محدد؛ هو:

1 و1 وفيه لغات كثيرة، أعلاها المذكورة هنا، مسايرة للوارد في القرآن الكريم. ومن لغاتها:"أيهات" وهي لغة الحجازيين.

2 انظر معنى "اسم الفعل" في الصفحة الآتية.

ص: 140

أنك لو سألت المراجع اللغوية عن القصود من لفظ: "هيهات" لكان الجواب: "هيهات، معناه: بعد" -"آها، معناه: أتوجع"- "حذار، معناه: احذر"، وهكذا نظائرها.

فكل لفظ مما سبق -ونظائره- يسمى: "اسم فعل". وهو1: اسم يدل

1 التعريف الآتي صفوة تعريفات متعددة جاوزت ستة، ولم تخل من قصور أو غموض. وهو أقرب إلى التعريف الدقيق الذي اختاره جمهورهم الاسم الفعل. ونزيده بيانا ووضوحا بما يأتي:"مما ذكرناه عند تعريف الاسم ج1 م2".

ولو وضعنا فاكهة معينة أمام إنسان لا يعرفها؛ فسأل: ما هذه؟ فأجبنا: "رمان" -مثلا- لكانت كلمة: "رمان" هي الرمز، أو العلامة، أو اللفظ الدال على تلك الفاكهة، وإن شئت فقل: إنها "اسم" يفهم منه السامع تلك الفاكهة المعينة دون غيرها. فعندنا شيئان؛ فاكهة لها أوصاف حسية خاصة بها، ولفظ معين إذا نطقنا به انصرف الذهن مباشرة إلى تلك الفاكهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنى، أو مدلول، أو مراد؛ وما معناه، أو مدلوله، أو المراد منه إلا هذه الفاكهة، وإن شئت فقل: إنه اسم، هي معناه ومسماه. وأن هذا المعنى والمسمى له اسم؛ هو: رمان. فالاسم ليس إلا رمزا، أو علامة، أو شارة يراد بها أن تدل على شيء آخر، وأن تعينه: وتميزه من غيره. وهذا الشيء الآخر هو المراد من تلك الشارة، والغرض من اتخاذها. فهو مدلولها ومرماها. أي: هو المسمى بها. ومتى ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة، وأن المسمى هو: المرموز له، المطلوب إدراكه بالعقل كان الاسم متضمنا في ذاته كل أوصاف المسمى، كالصورة التي يكتب إزاءها اسمها؛ فإذا قرئ الاسم أولا دل على الصورة ومضمونها كاملة.

مثال آخر: هبك رأيت طائرا صغير الجسم، جميل الشكل، ساحر الغناء، يتميز بأوصاف خاصة، فسألت: ما هذا الطائر؟ فقيل: "بلبل". فإن كلمة: "بلبل" رمز، أو: شارة، أو: علامة على هذا الطائر المعين. فإذا سمعتها بعد ذلك أو قرأتها، فهمت ما ترمز إليه، وما تشير له، وإن شئت فقل: فهمت معناها وما تدل عليه، أي: فهمت مدلولها ومسماها؛ لأنها الاسم الدال عليه. فكلمة: "البلبل" مدلوها الطائر المعين، وهذا الطائر المعين له اسم، هو" البلبل"، فلكل اسم مسمى، ولكل مسمى اسم، ولا ينفصل أحدهما عن صاحبه، مهما كثرت ألفاظ كل، وتعددت الكلمات الدالة عليه.

قياسا على ما سبق؛ ما الذي نفهمه حين نسمع كلمة: هيهات؟ نفهم أن مدلولها ومرماها هو الفعل "بعد" بكل خصائصه؛ من الدلالة على معنى البعد، والمضي، والعمل، مع عدم التأثر بالعوامل. فاللفظ:"هيهات" رمز، أو شارة، أو علامة -تدل على الفعل:"بعيد". أي: أن اللفظ: "هيهات" اسم، مسماه الفعل:"بعد". والفعل: "بعد" مسمى، له اسم؛ هو:"هيهات".

وإذا سئلت: ما المراد من: "آه"؟ كان الجواب: "أتوجع". فكلمة: "آه" هي الرمز، أو: العلامة، أو الاسم. أما المرموز له، أو: المسمى -فهو الفعل المضارع: "أتوجع" بكل خصائص المضارع؛ من معنى، وزمن، وعمل، مع سلامة الرمز من التأثر بالعوامل التي يتأثر بها =

ص: 141

على فعل معين، ويتضمن معناه، وزمنه، وعمله، من غير أن يقبل علامته، أو يتأثر بالعوامل1.

ما يمتاز به اسم الفعل2:

بالرغم من أن شأنه هو ما وصفنا فقد اكتسب بالاستعمال العربي القديم مزيتين ليستا للفعل الذي بمعناه.

الأولى: أن اسم الفعل أقوى من الفعل الذي بمعناه في أداء المعنى، وأقدر على إبرازه كاملا مع المبالغة فيه. فالفعل:"بعد" -مثلا- يفيد: مجرد "البعد"، ولكن اسم الفعل الذي بمعناه؛ وهو:"هيهات". يفيد البعد البعيد، أو: الشديد؛ لأن معناه الدقيق هو: بعد جدا؛ كما في قولهم: هيهات إدراك الغاية بغير العمل الناجع.

والفعل: "افتراق" يفيد: "الافتراق" المجرد؛ ولكن اسم الفعل:

= المضارع؛ كالنواصب أو الجوازم..، وكذلك:"حذار" فإنه اسم، مسماه فعل الأمر:"احذر" بما هو مختص به.

مما تقدم يتبين المراد -عند جمهرتهم- من أسماء الأفعال، وأن المقصود أنها "أسماء للأفعال"، كما أن لفظ:"الزمان" اسم للفاكهة المعينة، و"البلبل" اسم للطائر الخاص، و"الفرس" اسم للحيوان المعروف

فكذلك هذه الأسماء؛ كل واحد منها اسم "لفعل بعينه

ولما كان الاسم -كما شرحناه- يدل دلالة كاملة على مسماه، ويتضمن كل خصائص المسمى تبعا لذلك -لا بالأصالة- كان اسم الفعل متضمنا بالتبعية -لا بالأصالة- معنى فعله وزمنه، وكذا عمله، في الغالب، مع عدم التأثر بالعوامل. وكذلك يتبين أن المراد هنا من كلمة:"اسم" هو المراد منها في كل موضع آخر، ولكنه اسم في لفظه فقط؛ بدليل الإسناد إليه دائما وبدليل قبوله التنوين في حالات كثيرة، وكلاهما من علامات الاسم، وأنه ليس فعلا في لفظه! بدليل أنه لا يقبل علامة من علامات الأفعال. فحقيقة: أنه اسم في لفظه، فعل في معناه.

وبالرغم من هذا البيان الذي عرضناه لإيضاح الرأي الغالب، لا يزال يشوبه -بحق- بعض الضعف كاعتبار هذه الألفاظ أسماء عاملة، مع أنها لا موضع لها من الإعراب؛ فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مضافا، ولا مضافا إليه. ولا غير ذلك

ويخف الاعتراض، ويكاد الضعف يختفي -لو أخذنا بالرأي القائل: إنها قسم رابع مستقل من أقسام الكلمة. وأصحاب هذا الرأي يسمونه: "خالفه" بمعنى: خليفة الفعل، ونائبه، في معناه، وعمله وزمنه، وكل ما يتضمنه على الوجه المشروح هنا.

1 قلنا هذا: لأن المضارع يتأثر بعوامل النصب والجزم. وبهذا القيد يخرج المصدر النائب عن فعله؛ فلا يعد اسم فعل؛ لأنه يتأثر بالعوامل، وتخرج كذلك المشتقات.

2 متى يحسن الحكم على اللفظ بأنه اسم فعل؟ الإجابة في رقم 3 من هامش ص147.

ص: 142

"شتان" وهو بمعناه -يفيد: الافتراق الشديد1؛ لأن معناه الحقيقي هو: "افتراق جدا"

كقولهم: شتان الإحسان والإساءة، وشتان ما بين العناية والإهمال. وكقول الشاعر:

الفكر قبل القول يؤمن زيفه

شتان بين روية وبديه2

الثانية: أنه يؤدي المعنى على الوجه السالف، مع إيجاز اللفظ واختصاره، لالتزامه -في الأغلب- صورة واحدة لا تتغير بتغير المفرد، أو المثنى، أو الجمع أو التذكير، أو التأنيث؛ إلا ما كان منه متصلا بعلامة تدل على نوع معين دون غيره3؛ تقول: صه يا غلام، أو: يا غلامان، أو: يا غلمان، أو: يا فتاة، أو: يا فتاتان، أو: يا فتيات. ولو أتيت مكانه بالفعل الذي بمعناه لتغيرت حالة الفعل؛ فقلت: اسكت يا غلام، اسكتا يا غلامان، سكتوا يا غلمان، اسكتي يا فتاة، اسكتا يا فتاتان، اسكتن يا فتيات

وبسبب هاتين المزيتين كان استعمال اسم الفعل هو الأنسب حين يقتضي المقام إيجاز اللفظ واختصاره، مع وفاء المعنى، والمبالغة فيه.

أقسام أسماء الأفعال:

أ- تنقسم بحسب نوع الأفعال التي تدل عليها4، إلى ثلاثة أقسام:

1 ولا بد أن يكون الافتراق معنويا -كما سيجيء البيان في ص146- ثم انظر رقم 2 من هامش ص158، حيث بعض الحالات الخاصة باستعمال "شتان".

2 المراد: تسرع بغير أعمال فكر.

بقي السؤال عن فاعل "شتان" في هذا البيت وفي البيت الآخر الذي أوروده، وقال عنه الصبان إنه من كلام بعض المحدثين، ونصه:

جازيتموني بالوصال قطيعة

شتان بين صنيعكم وصنيعي

جاء في الخضري: "قال في شرح الشذور: "لم تستعمله العرب. وقد يخرج على إضمار "ما" موصولة ببين". ا. هـ

أي: فيكون "شتان" بمعنى: بعد، و"ما" بمعنى: المسافة". ا. هـ. كلام الخضري.

3 كأسماء الأفعال المنقولة من شبه الجملة وبعض المصادر، مثل: عليك، أمامك، رويدك، وستأتي في:"ب" ص147 وما بعدها.

4 مع ملاحظة المزيتين السالفتين لكل اسم من أسماء الأفعال، دون فعل.

ص: 143

أولها: اسم فعل أمر، وهو أكثرها ورودا في الكلام المأثور، نحو:"آمين"، بمعنى: استجب، و"صه" -بالسكون- بمعنى؛ اسكت عن الموضوع المعين الذي تتكلم فيه، و"حي""بفتح الياء المشددة، مثل: حي على الصلاة -حي على الفلاح" بمعنى: أقبل، أو: عجل

وجميع هذه الألفاظ سماعية.

ومن هذا القسم نوع قياسي مطرد -على الأصح- هو: ما كان من اسم فعل الأمر على وزن "فعال"1 مبنيا على الكسر بشرط أن يكون له فعل ثلاثي، تام، متصرف، نحو: حذار، "في البيت السالف"2 بمعنى: احذر، ونحو: نزال إلى ميدان الجهاد، وزحام في مجال الإصلاح؛ بمعنى انزل، وازحم.

ولا يصح صوغ "فعال" إذا كان فعله غير ثلاثي، كدحرج، "وشذ: دراك، من أدرك" أو: كان فعله ناقصا؛ مثل: كان، وظل، وبات: الناسخات، أو كان غير متصرف، نحو: عسى، وليس.

واسم فعل الأمر مبني دائما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا3. وقد يتعدى للمفعول به أو لا يتعدى على حسب فعله.

ومن أسماء فعل الأمر السماعية: "هيا، بمعنى: أسرع" -"ومه؛ بمعنى: انكفف4 عما أنت فيه"- "وتيد، وتيدخ، وهما بمعنى: أمهل"

1 سبق "في ص73" عند الأسماء الملازمة للنداء أن منها ما يكون على وزن: "فعال" بشروط خاصة، وسيجيء في رقم 1 من هامش ص260 بيان مناسب عن صيغة:"فعال"، وأنواعها المختلفة، وحكم كل نوع من ناحية الإعراب والبناء.

2 في ص140. وهو: سل عن شجاعته

ومثل قول الشاعر:

حذار، حذار من جشع؛ فإني

رأيت الناس أجشعها اللئام

3 استتار الفاعل وجوبا يشمل -في الرأي الأسهل- فاعل اسم فعل الأمر، وفاعل اسم فعل المضارع، المختوم كل منهما بضمير للمفرد المذكر وقوعه، والمفردة وفروعها، فيدخل اسم الفعل المنقول من ظرف المكان، ومن الجار مع مجروره -طبقا لما سيجيء في 2 و3 من هامش ص157.

4 هذا هو الأولى، وليس بمعنى:"اكفف" -كما يقول بعض النحاة- لأن "اكفف" متعد، و"مه" لا يتعدى؛ فهو ثل:"انكفف" -راجع الهمع هنا.

ص: 144

"وويهما، بمعنى: حرض، وأغر"1، "وحيهل2 بمعنى أقبل، أو عجل

"، "وهلم3 بمعنى: أقبل، وتعال"4، "وقط، بمعنى: انته

"5.

ثانيها: اسم فعل مضارع -وهو سماعي، وقليل- نحو:"أوه، بمعنى: أتألم"، وأف بمعنى: أتضجر، قوله تعالى:{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: للوالدين، "ووي، بمعنى: أعجب، وهذا أحد معانيها؛ كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 6" وقد يكون اسم الفعل: "وي" مختوما

1 فعل أمر، ماضيه: أغرى.

2 يجوز في اللام عدة لغات، منها السكون، ومنها الفتح بتنوين أو غير تنوين. والأشهر فتح هائه في كل أحوالها. "ويجوز إلحاق كاف الخطاب بآخره على الوجه المبين في رقم 9 من ص160" باعتبارها حرفا متصرفا.

3 الحجازيون وبعض العرب يلزمونه صورة لا تتغير في الإفراد والتذكير وفروعهما. وغيرهم يعدونه اسم فعل أمر أيضا، ولكن يغيرون الضمير الفاعل في آخره بحسب المعنى ومرجع الضمير.

وتجري على الألسنة عبارة: "هلم جرا" ويقول بعض النحاة في توجيهها: إن "هلم" بمعنى: "أقبل وائت" وليس المراد الإقبال والمجيء الحسيين؛ وإنما المراد الاستمرار على الشيء وملازمته. وأيضا: ليس المراد الطلب حقيقة، وإنما المراد الخبر؛ كالذي في قوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} . وأما كلمة: "جرا" فهي مصدر جره، يجرره، جرا، إذا صحبه. وليس المراد الجر الحسي، بل التعميم الذي يشمله وغيره؛ فإذا قيل:"كان ذلك عام كذا وهلم جرا"، فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأعوام استمرارا. أو استمر مستمرا "على الحال المؤكدة" وبهذا يزول إشكال عطف الخبر على الطلب وغيره من الاعتراضات. "الصبان في هذا الوضع".

4 الصحيح أن كلمتي: "تعال" - و"هات" هما فعلان للأمر؛ لقبول كل منهما العلامة الخاصة بفعل الأمر - وقد سبق البيان المناسب في ج1 م4، عند الكلام على هذا الفعل.

5 تفصيل الكلام على اسم الفعل: "قط" وما فيه من آراء واستعمالات مختلفة، مع اقترانه بالفاء أو عدم اقترانه

كل ذلك معروض ببسط مناسب في الجزء الأول - م30 موضوع: المعرف بأل عند بيت ابن مالك ونصه:

"أل" حرف تعريف أو اللام فقط

".

6 في كلمة: "وي" -في الآية الكريمة، وما يماثلها- آراء أخرى. منها: رأي "ابن عباس" وبه أخذ سيبويه فيما يقال، وملخصه، أن "وى" كلمة زائدة، يستعملها النادم؛ لإظهار ندمه، وأنها مفصولة من "كأنه". وينسب لسيبويه رأي آخر، سجله ابن جني في كتابه "المحتسب" ج2 ص155 وهو يعرض لقوله:"ويكأنه" في الآية السالفة، ونصه: =

ص: 145

بكاف الخطاب الحرفية1، ومنه قول عنترة:

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم

واسم الفعل المضارع مبني حتما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا، وهو مثل فعله في التعدي واللزوم.

ثالثها: اسم فعل ماض -وهو ساعي وقليل؛ كالسابق، ومنه:"هيهات"، وكذا:"شتان" وقد تقدما. والصحيح الفصيح في "شتان" أن يكون الافتراق خاصا بالأمور المعنوية2؛ كالعلم، والفهم والصلاح؛ تقول: شتان3 علي ومعاوية في الشجاعة، وشتان المأمون والأمين في الذكاء، وشتان الإيثاء، والأثرة4؛ فلا يقال شتان المتخاصمان عن مجلس الحكم، ولا شتان المتعاقدان عن مكان التعاقد5

= "الوجه فيه عندنا قول الخليل سيبويه، وهو: أن "وي" على قياس مذهبهما اسم سمي به الفعل "أي: اسم فعل" في الخبر؛ فكأنه اسم: "أعجب" ثم ابتدأ فقال: "كأنه لا يفلح الكافرون" وكذلك قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ؛ فـ"كأن" هنا إخبار عار من معنى التشبيه. ومعناه: أن الله يبسط الرزق لمن يشاء. و"وي" منفصلة من كأن، وعليه بيت الكتاب:

وي كأن من يكن له نشب يحـ

ـبب، ومن يفتقر يعيش عيش ضر

ومما جاءت فيه "كأن" عارية من معنى التشبيه ما -أنشدناه أبو علي:

كأني حين أمسي لا تكلمني

تيم يشتهي ما ليس موجودا

أي: أنا حين أمسى "متيم" من حالي كذا وكذا

". ا. هـ.

1 انظر رقم9 من ص160 حيث الكلام على "طاف الخطاب" التي تتصل بأنواع أسماء الأفعال.

2 لهذا إشارة في رقم1 من هامش ص143، ثم انظر رقم2 من هامش ص158؛ حيث بعض استعمالاتها.

3 ولا يكون فاعله إلا متعددا بواو العطف دون غيرها؛ وقد تفصل بينه وبين فاعله "ما" الزائدة "وستجيء إشارة لهذا في رقم2 من هامش ص158 عند الكلام على الأحكام".

4 الإيثار تقديم المرء غيره على نفسه في الانتفاع، والأثرة العكس.

5 في ص161 صورة أخرى من أسماء الأفعال المختلفة. وقد اقتصر ابن مالك في باب عنوانه: "أسماء الأفعال والأصوات" على الإشارة العابرة لما شرحناه، بقوله:

ما ناب عن فعل؛ كشتان وصه

هو اسم فعل، وكذا: أوه، ومه

والمراد من عنوان الباب هو: أسماء الأفعال، وأسماء الأصوات، لا أن الأسماء لهما معا. وقد أوضحناه معنى أسماء الأفعال التي عرضها. ثم قال:

وما بمعنى: "افعل"؛ كآمين، كعثر

وغيره -كوى وهيهات- نزر

"والمراد من: "افعل"، هو فعل الأمر. نزر= قل". أي: أن اسم الفعل الذي بمعنى فعل الأمر كثير. أما الذي بمعنى غيره -كالذي بمعنى الماضي أو المضارع- فقليل.

ص: 146

واسم الفعل الماضي مبني في كل أحواله كغيره من سائر أسماء الأفعال، ولكنه يحتاج إلى فاعل إما ظاهر، وإما ضمير مستتر جوازا، يكون للغائب في الأعم الإغلب1 -كما سيجيء- وهو بهذين يخالف النوعين الآخرين فوق مخالفته لهما في المعنى والزمن. أما تعديته ولزومه فيجري فيهما كغيره على نظام فعله.

ب- وتنقسم بحسب أصالتها في الدلالة على الفعل2 وعدم أصالتها، إلى قسمين:

أولهما: المرتجل؛ وهو: ما وضع من أول أمره اسم فعل ولم يستعمل في غيره من قبل. مثل: شتان - وي - مه

ثانيهما: المنقول؛ وهو الذي وضع في أول الأمر لمعنى ثم انتقل منه إلى اسم الفعل. والمنقول أقسام؛ فهو:

1-

إما منقول من جار مع مجروره3، مثل:"عليك"، بمعنى: تمسك أو: بمعنى: الزم، أو: بمعنى: "أعتصم" -فعل مضارع- فمن الأول قولهم: عليك بالعلم؛ فإنه جاه من لا جاه له، وعليك بالخلق

1 انظر: "ا" من ص156 ثم رقم1 من هامش ص157.

2 مع تفردها -دونه- بالمزيتين السالفتين في ص142.

3 من أمثلة اسم الفعل المنقول من جار مع مجرور أو من ظرف مكان: عليك "بمعانيه التي ذكرناها"، وأمامك، بمعنى: تقدم؛ وكذا مكانك، بمعنى: اثبت.

قال بعض النحاة -وقوله سديد- لا أدري الحاجة إلى جعل مثل هذا الظرف -مكانك- اسم فعل؟ فهلا جعلوه ظرفا على بابه، باقيا على أصله من الظرفية من غير نقله إلى اسم الفعل؛ لأن اعتباره منقولا إلى اسم الفعل إنما يحسن حين لا يمكن الجمع بين الظرف وذلك الفعل الذي بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال: اسكت صه -الزم عليك- خذ دونك.. أما إذا أمكن فلا يجوز إخراجه عن الظرف إلى اسم الفعل، فإنه يصح أن يقال: اثبت مكانك، وتقدم أمامك

في حين لا يصح أن يقال: صه اسكت كما تقدم. هذا رأيه سجله "الصبان". ونرى أنه ينطبق على الجار مع مجروره أيضا. لانطباق العلة عليهما كذلك.

وقد يقال: إن الجمع ممكن على سبيل "التوكيد" اللفظي بالمرادف. وهذا صحيح بشرط وجود قرينة على إرادة التوكيد اللفظي؛ لتحقيق غرض فيه.

ص: 147

الكريم؛ فإنه الغني الحق. أي: تمسك بالعلم - تمسك بالخلق1

وقولهم: من نزل به مكروه فعليه بالصبر؛ فهو أبعد للألم، وأجلب للأجر، أي: فليتمسك بالصبر

ومن الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، أي: الزموا شأن أنفسكم.

ومن الثالث: علي بالكفاح لبلوغ الأماني. أي: أعتصم.

ومن المنقول من الجار والمجرور: "إليك"؛ بمعنى: ابتعد وتنح؛ مثل: "إليك عني -أيها المنافق؛ فذو الوجهين لا مكان له عندي، ولا منزلة له في نفسي" وهذا هو الغالب في معناها، وقد تكون بمعنى:"خذ"، نحو: إليك الوردة، أي: خذها2

ومنه: "إلي"، بمعنى: أقبل، نحو: إلي -أيها الوفي- فإني أخوك الصادق العهد.

والأحسن في الأمثلة السالفة -وأشباهها- إعراب الجار ومجروره معا، اسم فعل مبني، لا محل له من الإعراب3.

2-

وإما منقول من ظرف مكان4؛ مثل: "أمامك"؛ بمعنى تقدم.

1 ومثل قول القطامي:

عليك بالقصد فيما أنت فاعله

إن التخلق يأتي دونه الخلق

2 فهو بهذا المعنى متعد. وهو بالمعنى الأول لازم، وكلاهما قياسي هنا. ولا قوة للرأي الذي ينكر المعنى الثاني. فقد أثبته "الجوهري"، وورد مسموعا في كلام من يحتج بكلامهم، ومنهم القطامي الشاعر الأموي.

3 وبهذا الإعراب الذي أشار به بعض النحاة والذي له إيضاح مفيد يأتي في "رقم 2 و3 من هامش ص157" نأمن كثيرا من الاعتراضات والمغامز التي في غيره. ولن يترتب على الأخذ به إساءة للمعنى، أو لصحة التركيب.

وإذا جاء تابع بعد اسم الفعل المنقول من جار مع مجروره فمتبوعه هو فاعل اسم الفعل؛ نحو: عليك أنت نفسك بالأعمال العظيمة. فالضمير: "أنت" توكيد للفاعل: "أنت" المستتر وجوبا. وكلمة: "نفس" توكيد له أيضا.

4 التقييد بالمكان منقول صراحة من شرح التوضيح، وهو المفهوم من كل الأمثلة -ثم انظر رقم 3 من هامش الصحفة السابقة.

ص: 148

و"وراءك"؛ بمعنى: تأخر، تقول: أمامك إن واتتك الفرصة، وساعفتك القوة. ووراءك إن كان في إدراك الفرصة غصة، وفي نيلها حسرة وندامة.

ومثل: "مكانك"، بمعنى: اثبت1، تقول لمن يحاول الهرب من أمر يمارسه: مكانك تحمد وتدرك غايتك.

ومثل: "عندك" بمعنى خذ. تقول: عندك كتابا، بمعنى: خذه2.

والأيسر اعتبار الظرف كله "بما اتصل بآخره من علامة تكلم أو خطاب أو غيبة" هو اسم الفعل3.

3-

وإما منقول من مصدر له فعل مستعمل من لفظه؛ مثل؛ "وريد""بغير تنوين" بمعنى: تمهل، وبمعنى: أمهل؛ فالأول نحو: رويد -أيها العالم- لقوم يتعلمون؛ فإن التمهل داعية افهم، والفهم داعية الاستفادة. ومثل قول الشاعر:

رويدك4، لا تعقب جميلك بالأذى

فتضحى وشمل الفضل والحمد منصدع

والثاني: نحو: رويد مدينا؛ فإن الإمهال مروءة

فكلمة: "رويد" في الأمثلة السالفة اسم فعل أمر، مبني، غير منون.

وأصل المصدر: "رويد" هو: "إرواد"، مصدر الفعل الرباعي:"أرود"، ثم صغر المصدر5:"إرواد" تصغير ترخيم؛ بحذف حروفه الزائدة؛ فصار: "رويد"6، ثم نقل بغير تنوين إلى اسم الفعل

1 فيكون لازما. وحكى الكوفيون تعديته، وأنه يقال: مكانك محمدا، أي: انتظره.

2 انظر لسان العرب -ج2 ص303- حيث الكلام على: "عند".

3 يوضح هذا ما يجيء في رقم 2 و3 من هامش ص157.

4 الكلام على هذه الكاف في رقم 9 من ص160.

5 وهذا المصدر المصغر ينصب المفعول به جوازا ولو لم ينقل إلى اسم الفعل، بالرغم من أن شرط إعمال المصدر ألا يكون مصغرا "كما في بابه ج3 ص167 م99" لأن هذا الشرط حتمي في غير المصدر:"رويد" الذي ورد به السماع عاملا وغير عامل -أما تفصيل الكلام على تصغير الترخيم ففي ص710.

6 لكلمة: "رويد" حالتان؛ أولاهما: أن تكون مصدرا معربا باقيا على مصدريته وإعرابه. والأخرى: أن تترك المصدرية والتنوين، وتنتقل إلى حالة جديدة هي:"اسم فعل الأمر" على الوجه الذي شرحناه =

ص: 149

وقد يكون اسم الفعل منقولا من مصدر ليس له فعل من لفظه، لكن له فعل من معناه، مثل كلمة:"بله" -بغير تنوين- بمعنى: اترك؛ تقول: بله مسيئا قد اعتذر، واغفر له إساءته، أي: اترك

والأصل: بله المسيء

، بمعنى: ترك المسيء، من إضافة المصدر لمفعوله. ومن الجائز أن يكون الأصل: بلها مسيئا

باستعمال كلمة: "بلها"1 مصدرا ناصبا معموله؛ قياسا على: تركا مسيئا، بمعنى تركا المسيء، ومن هذا المصدر الناصب لمفعوله انتقل لفظ "بله" ولكن بغير تنوينه -إلى اسم فعل بمعناه2

= وفي الحالة الأولى التي تظل فيها مصدرا معربا قد تكون مصدرا معربا نائبا عن فعل الأمر المحذوف. إما منونا ناصبا مفعولا به، نحو: رويدا عليا، وإما مضافا إلى المفعول به، نحو: رويد علي، فلفظ:"رويد" فيهما مصدر منصوب بفعل الأمر المحذوف، بمعنى:"أرود"، وفاعله مستتر فيه وجوبا. وكلمة:"علي" مفعول به منصوب في الأول، ومضاف إليه مجرور في الثاني.

وإما منونا غير ناصب مفعوله، نحو: رويدا يا سائق؛ فيكون نائبا عن فعل الأمر المحذوف أيضا.

ويصح استعماله مصدرا غير نائب عن فعل الأمر فينصب منونا إما حالا؛ نحو قرأت الكتاب رويدا؛ بمعنى: مرودا، أي: متمهلا، وإما نعتا لمصدر مذكور -في الغالب- نحو: تحركت سيارة رويدا، أي: سيرا رويدا "وكان المصدر هنا نعتا لمحذوف لا حالا؛ فرارا من أن يكون صاحب الحال نكرة بغير مسوغ".

وقد تقع "ما" الزائدة بعد "رويد" على الوجه الآتي في: "ا" ص151

1 ورد في حاشية الخضري تنوين "بلها" ولا أدري أهذا التنوين مسموع، أم هو افتراضي حملا على المصدر: تركا، كما أظن؟

2 إذا كان الاسم بعد كلمة: "بله" منصوبا منونا جاز أن تكون مصدرا عاملا معربا كمصدر فعلها المعنوي: "تَرَك" الذي مصدره: "تَرْك" وجاز أن تكون اسم فعل أمر مبنيا بمعنى: اتركْ، والقرائن -إن وجدت- هي التي تحدد أحد الأمرين؛ فإن كان بعدها مجرورا وجب أن تكون مصدرا مضافا -لأن الاسم لا يكون مضافا- والاسم المجرور هو المضاف إليه. فكلمة:"بله" مثل كلمة "رويد" كلتاهما تتعين مصدرا إذا كان الاسم بعدها مجرورا بالإضافة إليها، وتصلح مصدرا أو اسم فعل إذا نصبته. وتكون فتحتهما فتحة بناء إذا كانا اسمي فعل، وفتحة إعراب في غيرها.

ولهذا استعمالات أخرى تجيء في "ب".

وفي الكلام على اسم الفعل المنقول من جار مع مجروره، "مثل: عليك، إليك" أو من ظرف مكان، "مثل: دونك.. مكانك.." أو من مصدر له فعل من لفظه؛ "نحو: رويد

" أو ليس له فعل إلا من معناه؛ "مثل: بله"، يقول ابن مالك: =

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- قد تفصل "ما" الزائدة فبين اسم الفعل: "رويد" ومفعوله1، قال أعرابي لشاعر يمدحه: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك، رويد ما الشعر. فالمراد: أرود الشعر؛ كأنه قال: دع الشعر، لا حاجة بك إليه.

ب- قد تكون "بله" اسم استفهام مبنية على الفتح، بمعنى:"كيف"، وتعرب خبرا مقدما عن مبتدأ مؤخر. نحو: بله المريض؟ بمعنى: كيف المريض؟

ومما يحتمل الاستفهام، والمصدر المضاف؛ واسم فعل الأمر -كلمة "بله" في قول الشاعر2:

تذر الجماجم ضاحيا3 هاماتها

بله الأكف؛ كأنها لم تخلق

فيجوز في: "بله" أن تكون اسم فعل أمر مبني على الفتح، و"الأكف" بعده منصوب، مفعول به. ويجوز أن تكون:"بله" مصدرا منصوبا على

=

والفعل من أسمائه: "عليكا"

وهكذا "دونك"

مع "إليكا"

كذا: "رويد، بله"، ناصبين

ويعملان الخفض مصدرين

وقد تبين في البيت الثاني: أن "رويد" و"بله" قد يكونان اسمي فعل إذا نصبا ما بعدهما، وترك التفصيل الضروري لهذا النصب. وأنهما يعملان الخفض فيما بعدهما إذا بقيا على أصلهما مصدرين مضافين؛ فيجران بعدهما الاسم باعتباره "مضافا إليه". فهذا الجر دليل على بقائهما مصدرين حتما لأن اسم الفعل لا يضاف، ولا يعمل الجر مطلقا -كما سبق- أما نصبه فلا يكفي وحده للقطع بأنهما مصدران حتما، أو اسمان لفعلين حتما، إنما يصلحان للأمرين عند عدم القرينة التي تعين أحدهما دون غيره. وعدم التنوين في "رويد" هو القاطع في أنها "اسم فعل" عند نصب الاسم بها.

1 لهذا إشارة في آخر رقم 6 من هامش ص149.

2 هو كعب بن مالك، شاعر الرسول عليه السلام. والبيت من قصيدة له في وصف موقعة الأحزاب، وهولها.

3 بارزا منفصلا من مكانه.

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصدرية نائبا عن فعل الأمر، مضافا، و"الأكف" مضاف إليه مجرور. كما يجوز أن تكون "بله" اسم استفهام مبني على الفتح، خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخر.

وقد تقع "بله" اسما معربا بمعنى: "غير" كالذي في الحديث القدسي منسوبا للمولى جل شأنه: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعتن ولا خطر على قلب بشر؛ ذخرا من بله ما اطلعتم1 عليه". "أي: من غير ما اطلعتم عليه". فهي مجرورة بمن.

ج- تكون "بله" بمعنى: "أين"، طبقات لما صرح به الصبان عند ضبطه كلمة "بله"، في الحديث القدسي السالف؛ حيث قال ما نصه:"فتح "بله" وكسرها. فوجه الكسر ما ذكر2، وأما وجه الفتح فقال الرضي: إذا كانت "بله" بمعنى: "كيف" جاز أن تدخله "من"؛ حكى أبو زيد: "إن فلانا لا يطيق حمل الفهر "الحجر الصغير يملأ الكف" فمن بله أن يأتي بالصخرة"؟ أي: كيف، ومن أين؟. وعليه تتخرج هذه الرواية؛ فتكون "بله" بمعنى: "كيف" التي للاستبعاد، و"ما" مصدرية في محل رفع بالابتداء، والخبر "من بله"، والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر. ا. هـ. ثم قال الصبان: والمعنى على هذا: من كيف؟ أي: "من أين اطلاعكم على هذا الذخر -أي: المدخر. ولا يخفى ما في جعلها على هذه الرواية بمعنى "كيف" من الركاكة: ولو جعلت فيها من أول الأمر بمعنى: "أين". لكان أحسن". ا. هـ.

1 بتشديد الطاء وفتح اللام. وفي بعض الروايات: أطلعتم -بضم الهمزة، وكسر اللام.

2 في الحديث القدسي السابق، وهو أنها اسم معرب بمعنى غير مجرور.

ص: 152

أهم أحكامها:

1-

أنها سماعية جامدة؛ فيجب الاقتصار على الوارد1 منها، دون تصرف فيها؛ بزيادة عددها، أو إدخال تغيير على لفظها، وضبط حروفها، فلفظها المسموع واجب البقاء على حاله؛ لا يجوز زيادة حروفه، أو نقصها، أو استبدال حرف بآخر، أو تغيير ضبطه أو ترتيبه

إلا إن هناك نوعا واحد قياسيا؛ هو: صوغ "فعال" بالشروط التي سبق الكلام عليها2 في اسم فعل الأمر. وما عدا هذا النوع يجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد من العرب؛ فيلزم الصورة لا يختلف فيها باختلاف الإفراد، وفروعه، أو التذكير والتأنيث، أو الخطاب وغير الخطاب، إلا إذا أباح السماع الاختلاف3. أما الذي يختلف بحسب الحالات فهو فاعلها؛ فيكون مطابقا للمراد منه. فاسم الفعل:"صه" مثلا يلزم واحدة، ولكن فاعله الضمير المستتر قد يكون: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب الحالات.

2-

أنها -في الرأي الشائع- أسماء مبنية4 ليس فيها معرب، حتى ما كان منها أسماء لأفعال مضارعة. ويجب التزام حركة البناء المسموعة -طبقا لما مر في الحكم الأول- فمنها المبنية على الفتح؛ كالشائع في: شتان، وهيهات، عند كثير من القبائل. وكالأحسن في المنقول من جار يكون مجروره "كاف الخطاب" للواحد؛ مثل: عليك، وإليك

ومنها: المبنية على الكسر، مثل: كتاب - حماد - قراء، بمعنى اكتب - احمد - اقرأ

ومنها المبنية على الضم كالغالب في: مثل: آه؛ بمعنى: أتوجع

1 إلا عند السكاكي.

2 في ص144.

3 كاسم الفعل المختوم بكاف الخطاب المتصرفة، على الوجه الآتي في رقم9 من ص160.

4 يقول النحاة في تعليل بنائها: إنه الشبه لبعض الحروف التي تعمل، "مثل: ليت وأخواتها" في أنها عاملة ولا تكون معمولة. وهذا تعليل يحتاج إلى تعليل أيضا

وكلاهما يرفض ما دام غير مطابق للواقع الحق؛ الذي هو: مجرد استعمال العرب؛ إذ لا علة غير هذا. وقد أفضنا الكلام في علل البناء المنقولة، وبيان السبب في رفضها في مكانها من الجزء الأول ص55 م6.

ص: 153

ومنها المبنية على السكون؛ مثل: مه، بمعنى: انكفف1.

وقد يجوز في بعضها ضبطان أو أكثر؛ تبعا للوارد، نحو:"وي"؛ بمعنى: أعجب، فيصح "وا"؛ كما يصح:"واها" بالتنوين. ومثل: "آه"؛ فإنها يصح فيها أيضا: آه، وآها، بالتنوين فيهما.

وغاية القول: أنه يجب -في النوع السماعي- الاقتصار على نص اللفظ المسموع وصيغته، وعلى علامة بنائه الواردة معه؛ سواء أكانت واحدة أم أكثر، معها تنوين أو لا. فعند إعراب واحد منها يقال: اسم فعل لماض، أو لمضارع، أو لأمر -على حسب نوعه، مبني على الكسر، أو الفتح، أو غيرهما- لا محل له من الإعراب.

3-

أن بعضها لا يدخله التنوين مطلقا، مثل: آمين، وشتان، وباب "فعال"2 القياسي، وبعضها لا يتجرد من تنوين التنكير؛ مثل:"واها" بمعنى "أتعجب"؛ وبعضها يدخله تنوين التنكير حينا؛ لغرض معين، وقد يخلو من هذا التنوين لغرض آخر؛ مثل:"صه" فإنه اسم فعل أمر بمعنى: اسكت. فحين يكون المراد طلب السكوت عن كلام خاص معين، نقول: صه، بسكون الهاء، ومنع التنوين. وحين يكون المراد طلب الصمت عن كل كلام، تتحرك الهاء بالكسر -وجوبا- مع التنوين. فنقول:"صه". فعدم التنوين في "صه" بمثابة قولنا: اترك الكلام في هذا الموضوع المعين الخاص المعروف لنا، وتكلم في غيره. ومجيء التنوين معناه: اترك الكلام مطلقا؛ في الموضوع الخاص المعين، وفي غيره3

1 انظر رقم 4 من هامش ص144.

2 سبق الكلام عليه في ص144.

3 وجود التنوين في أسماء الأفعال دليل على أنها اسم من جهة لفظها، أما من جهة معناها فهي فعل -"كما شرحنا في هامش ص141"- وكما صرح الناظم في شرح الكافية؛ حيث قال:"لما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا، ومن قبل اللفظ أسماء، جعل لها تعريف وتنكير؛ فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده من التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منكرا".

"راجع حاشية الصبان في هذا الموضع. وقد سبق تفصيل الكلام على تنوين التنكير، وأنه خاص -في الغالب- بالأسماء المبنية ج1 ص21 م3".

وإذا كان معناها معنى الفعل فكيف يلحقها التعريف والتنكير وهما لا يلحقان الفعل مباشرة؟ أجابوا: إن تعريفها وتنكيرها راجع إلى المصدر الذي هو أصل ذلك الفعل؛ فلفظ: "صهٍ" -بالتنوين- معناه: اسكت سكوتا مطلقا؛ أي: افعل مطلق السكوت عن كل كلام؛ إذ لا تعيين في اللفظ يدل على نوع خاص محدد من السكوت. أما لفظ: "صهْ" المجرد من التنوين فمعناه: اسكت السكوت المعهود المعين عن الحديث الخاص المعروف لنا مع جواز تكلمك في غيره إن شئت، هذا تعليلهم. والتعليل الصحيح هو استعمال العرب.

ص: 154

ومثل: "إيه" اسم فعل أمر، بمعنى: زدني، فإن كان مبنيا على الكسر بغير تنوين فمعناه: زدني من حديث خاص معروف لنا، أما مع التنوين، فالمراد: زدني من حديث أي حديث، بغير تقيد بنوع معين.

من ثم كان اسم الفعل المنون نكرة، والخالي من التنوين معرفة، وما ينون حينا ولا ينون حينا آخر يجري عليه في كل حالة حكمها المناسب لها. واللغة وحدها -كما وردت عن العرب- هي الفيصل الذي له الحكم على اسم الفعل بالتنوين، أو بعدمه.

4-

أنها تعمل -غالبا- عمل الفعل الذي تدل عليه؛ فترفع مثله الفاعل حتما، وتسايره في التعدي. واللزوم، وباقي المكملات

فإن كان فعلها متعديا فهي مثله، وإن كان لازما يتعدى بحرف جر، فهي مثله أيضا. وفي الحالتين لا بد أن ترفع فاعلا. وإن احتاجت لمكملات أخرى استوفت حاجتها. فمن المتعدية كأفعالها: ما سبق1 من: "رويد، وبله: ومن: "دراك" بمعنى: أدرك، ومن: "حذار" بمعنى: احذر كالتي في قول الشاعر:

حذار بني2 البغي، لا تقربنه

حذار؛ فإن البغي وخم مراتعه

ومن اللازمة: هيهات -أف- صه

فإن كان اسم الفعل مشتركا بين أفعال مختلفة، بعضها لازم وبعضها متعد، فإنه يساير في التعدي واللزوم الفعل الذي يؤدي معناه، نحو: حيهل المائدة، بمعنى: ايت المائدة، وحيهل على فعل الخير، بمعنى: أقبل على فعل الخيرن ومنه قولهم: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، أي: فأسرعوا بذكر عمر بن الخطاب، ومثل: فإنها تكون متعدية كقوله تعالى: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}

1 في ص148 وما بعدها، وص143.

2 أي: يا بني.

ص: 155

بمعنى: قربوا وأحضروا. وتكون لازمة نحو نحو قوله تعالى: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} بمعنى اقترب وتعال.

ومن غير الغالب أني خالف اسم الفعل فعله في التعدية واللزوم مثل: آمين؛ فإنه لم يسمع من العرب متعديا بنفسه. مع أن فعله الذي بمعناه، وهو:"استجب"، قد ورد متعديا ولازما؛ اللهم استجب دعائي، أو استجب لدعائب

ومثل: "إيه" من حديثك، بمعنى زدني من حديثك؛ فاسم الفعل "إيه" لازم في هذا المثال، مع أن فعله متعد.

أما فاعل أسماء الأفعال:

أ- فقد يكون اسما ظاهرا أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكاد1 هذان يختصان باسم الفعل الماضي وحده، نحو: هيهات تحقيق الآمال بغير الأعمال، وقوله:{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 2، ونحو: السفر هيهات، أي: هو ومثل: عمرو ومعاوية في الدهاء شتان، أي: هما

ب- وقد يكون ضميرا للمخاطب مستترا وجوبا، وهذا هو الأعم الأغلب3

1 قلنا: "يكاد" لأن هناك حالة نادرة عرضها بعض النحاة في قوله تعالى سورة يوسف {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} فأعرب: هيت. اسم فعل ماض بمعنى "تهيأت" ويترتب على هذا أن يكون الفاعل ضميرا مستترا تقديره: "أنا" والجار والمجرور متعلقان باسم الفعل كما يتعلقان بفعله.

"راجع المعنى في الكلام على لام التبيين".

وقيل: إن "وهيت" اسم فعل أمر بمعنى: "أقبل" أو "تعال" والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، والمراد، إرادتي لك، أو: أقول لك، فالجار والمجرور ليسا متعلقين باسم الفعل، وعلى هذا الرأي لا يكون في الآية اسم فعل ماض، فاعله ضمير للمتكلم؛ لأن هذا غير معهود في فاعله؛ إنما المعهود فيه أن يكون اسما ظاهرا أو ضميرا للغائب مع استتاره جوازا.

"راجع المعنى في الموضع السابق وحاشية ياسين على التصريح ج2 عند الكلام على تقسيم اسم الفعل إلى مرتجل ومنقول".

2 "لما" اللام حرف جر زائد. "وما" موصولة فاعل، مجرورة بكسرة مقدرة من من ظهورها سكون البناء الأصلي، في محل رفع؛ لأنها فعل:"هيهات".

3 قلنا: "الأعم الأغلب". لأن هناك حالة نادرة في مثل قولنا: من طلب إدراك غاية فعلية بالسعي الدائب لها، وهو أسلوب مسموع قديما، ومنه قولهم:"فعليه بالصوم". أي فليتمسك بالصوم. فالضمير هنا للغائب. وهو أيضا مستتر جوازا.

لكن قال بعض النحاة: إن "عليه" هنا ليست اسم فعل، بل الجار والمجرور على حالهما خير مقدم، والباء بعدهما زائدة، داخلة على المبتدأ المجرور لفظا بها، المرفوع محلا. ولو أخذنا بهذا الرأي لصارت القاعدة مطردة، وهي أن فاعل اسمي الفعل المضارع والأمر لا يكون إلا ضميرا مستترا وجوبا. فإن شئنا أخذنا بهذا وإن شئنا استثنينا من القاعدة المطردة الحالة النادرة.

ص: 156

في اسم الفعل المضارع واسم فعل الأمر. ويشترط في هذا الضمير أن يكون مناسبا للمضارع أو للأمر الذي يقوم اسم الفعل مقامه، نحو: أف من عمل الحمقى؛ بمعنى: أتضجر؛ ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: "أنا" وهذا الضمير وحده هو الذي يصلح فاعلا للمضارع: أتضجر. ونحو: صه، بمعنى اسكت. ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، وهذا المضير وحده هو الذي يلائم فعل الأمر:"اسكت". ومثل قولهم: عليك بدينك؛ ففيه معادك، وعليك بمالك، ففيه معاشك، وعليك بالعلم؛ ففيه رفعه قدرك

، "فعليك" اسم فعل أمر؛ بمعنى: تمسك، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت. وهذا الضمير هو الفاعل المناسب لفعل الأمر: "تمسك".

ومن الأمثلة السالفة يتبين أن فاعل اسم الفعل محتم1، وأنه يماثل فاعل فعله -وأنه في الأعم الأغلب- يكون في اسم الفعل الماضي اسما ظاهرا، أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكون في اسم الفعل المضارع والأمر ضميرا مستترا وجوبا للمتكلم -أو لغيره قليلا- وللمفرد أو غيره2 على حسب فعله، ولا يكاد يصح في هذا الباب كله أن يكون الفاعل ضميرا بارزا3.

1 حاجة اسم الفعل إلى فاعل محترم دليل على اسميته؛ لأن الاسم الذي بعده "وهو الفاعل" يسمى: المسند إليه؛ فهو محتاج حتما إلى: "مسند" يكون فعلا أو اسما. ولا ثالث لهما. واسم الفعل لا يقبل علامة الفعل، فلا يصلح أن يكون فعلا مسندا. فلم يبق إلا أنه اسم مسند.

2 الأمثلة للفاعل المستتر المفرد كثيرة. أما غيره فالمفردة مثل: أيها الفتاة، عليك بالحزم في كل أمورك. ولغيرها: عليكما بالحزم

- عليكما بالحزم - عليكن بالحزم.. وتقدير الفاعل: أنت، أنتما، أنتم، أنتن. "ويتصل بهذا ما سبق في رقم 1 من ص147".

3 قد يكون في آخر اسم الفعل ما يدل على الإفراد والتذكير أو فروعها. وعلى المخاطب أو غيره. ومن الأمثلة: رويدك، رويدك، وريكما، رويدكم، رويدكن. على اعتبار:"رويد" اسم فعل أمر، بمعنى الفعل:"أمهلْ" الذي ينصب مفعولا به، والضمير بعده مفعوله. والمعنى أمهل نفسك، نفساكما، أنفسكم، أنفسكن. "راجع ما يتصل بهذا في ص149".

ومثل: عليك الجد في كل أمرك، عليكما، عليكم، عليكن. ومثل:"ها" وهاء "بالمد والقصر" بمعنى: خذ، تقول في اللفظة الأولى: هاك، هاكما، هاكم، هاكن. والفاعل في كل ما سبق ضمير مستتر حتما. =

ص: 157

والضابط الذي يجب الاعتماد عليه في هذا الشأن هو أن يوضع في مكان اسم الفعل، الفعل الذي بمعناه؛ فما يصح أن يكون فاعلا لهذا الفعل يصح أن يكون فاعلا لاسم الفعل الذي يدل عليه، ويقوم مقامه، وما لا يصلح للفعل لا يصلح لاسمه أيضا.

واعتمادا على هذا الضابط يتعين أني كون فاعل اسم الفعل، دالا على المفرد المذكر، أو المؤنث، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما -على حسب ما يناسب السياق، ففي مثل:"صه" -كما سبق- قد يكون الفاعل: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب المخاطب. وقد يكون الفاعل متعددا إذا كان الفعل يحتاج إلى فاعل متعدد، نحو شتان السابق واللاحق في البراعة، كما تقول: افترق السابق واللاحق في البراعة، لأن الافتراق في البراعة أحد الأمور المعنوية1 التي لا تتحقق إلا من اشتراك اثنين معا. أو أكثر في تحقيقها، فيجيء له اسمان مرفوعان به، أحدهما فاعل بغير واسطة، وبعده الآخر مسبوقا بواو العطف -دون غيرها- واسعة بين الفاعل المعطوف، والفاعل المعطوف عليه2.

= أما في الثانية: "هاء بالمد" فقد تلتزم صورة واحدة للجميع؛ فتقول: هاء يا على الكتاب، أو يا فاطمة، أو يا عليان، أو يا فاطمتان، أو يا عليون، أو يا فاطمات. ويصح أن يتصل بآخرها علامة الإفراد والتذكير وفروعهما، فتقول: هاء يا علي "بالبناء على الفتح" وهاء يا فاطمة "بالبناء على الكسر" وهاؤما في المثنى، وهاؤم في جمع المذكر، وهاؤن في خطاب جمع المؤنث، فالضمير "ما" و"الميم" و"النون" هو الفاعل، وهو ضمير بارز في هذه الصورة التي هي أفصح من سابقتها وعليها قوله تعالى {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} -راجع ج4 ص43 من شرح المفصل.

1 انظر ما يختص بهذا في ص142 و146.

2 وقد تقع "ما" الزائدة بعد "شتان" مباشرة وقبل الفاعل؛ كقول الأعشى:

"يصف شقاءه. وما يلقاه من العناء كل يوم. على حين يقضي "حيان" أخو جابر يومه في الرفاهة والمتعة بضروب النعم -"وحيان" هذا أحد سادات بني حنيفة، ومن أوسعهم ثروة، وأعظمهم حظوة عند ملوك الفرس.

شتان ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

فكلمة: "ما" زائدة، و"يوم" الأولى" فاعل، والثانية معطوفة عليها بالواو، فهي فاعل في المعنى كالأولى. وقد ورد في الفصيح وقوع: "ما بين" بعد شتان، ومنه قولهم: "لشتان ما بين اليزيدين في الندى".

والأسهل في هذه الصورة أن تكون "شتان" بمعنى: "بعد" وما اسم موصول. أي: بعدت المسافة بين اليزيدين، والشرط -وهو أن التفرق لا يحصل إلا من اثنين فأكثر- متحقق؛ لأنه إذا تباعد ما بينهما فقد تباعد كل واحد منهما عن الآخر، ومثل هذا قول علي رضي الله عنه:

"شتان ما بين عملين، عمل تذهب لذته، وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته، ويبقى أجره".

ص: 158

5-

جميع أسماء الأفعال ليس لها محل إعرابي مطلقا -مع أنها أسماء مبنية، عاملة، كما تقدم- فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مفعولا به، ولا مضافا ولا مضافا إليه

ولا شيئا آخر يقتضي أن تكون مبنية في محل رفع، أو في محل نصب، أو في محل جر، فهي مبنية لا محل لها من الإعراب.

6-

أن مفعولاتها -في الأعم الأغلب- لا تتقدم عليها1؛ مثل: عليك بالحق، بمعنى: تمسك بالحق، وعليك نفسك، بمعنى: الزم شأنك

ولا يصح -بناء على الأعم الأغلب- أن يقال: بالحق عليك، ونفسك عليك2

7-

أنها لا تلحقها نون التوكيد مطلقا3. ويتساوى في هذا المنع أن تكون أسماء الأفعال دالة على طلب، أو على خبر، فالأولى كأسماء فعل الأمر "صه، مه، آمين"، والثانية كأسماء الفعل الماضي أو المضارع "هيهات، شتان، أف، واها".

8-

أن اسم الفعل مع فاعله بمنزلة الجملة الفعلية؛ فلهما كل الأحكام التي تختص بالجمل الفعلية، كوقوعها خبرا، أو صفة، أو صلة، أو حالا

1 يرى الكسائي ومن شايعه جواز التقديم، مستدلا بقراءة من قرأ قوله تعالى:{كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بنصب "كتاب" على أنها مفعول به لاسم الفعل: "عليكم" بمعنى: الزموا

2 وفيما يلي كلام ابن مالك في أنها تعمل عمل الفعل الذي تنوب عنه، وفي أن بعضها نكرة -وهو المنون تنوين التنكير- وبعضها معرفة، وهو غير المنون، وفي أن معمولاتها لا تتقدم عليها.

وما لما تنوب عنه من عمل

لها. وأخر ما لذي فيه العمل

"تقدير البيت نحويا: وأخر ما العمل فيه لذي

أي: لهذه الأسماء وما من عمل لما تنوب عنه، لها. أي: وشيء وهو عمل للذي تنوب عنه لها. فما يثبت من عمل للفعل النائبة عنه يثبت لها. فكلمة "ما" الأولى بمعنى شيء، مبتدأ، وخبره الجار مع المجرور:"لها".

والبيت مع تعقيده اللفظي يتضمن أمرين: أولهما: إعمالها كفعلها، وثانيهما: تأخير معمولاتها عنها. ثم قال:

واحكم بتنكير الذي ينون

منها، وتعريف سواه بين

"بين واضح. وسبب وضوحه تجرده من التنوين الذي يدل وجوده على التنكير، ويدل عدمه على التعريف".

3 كما سيجيء في ص167.

ص: 159

و.... وكاعتبارها جملة إنشائية إن دلت على طلب، "كاسم فعل الأمر، وما كان على وزن: "فعال"

"وخبرية إن لم تدل على إنشاء "كاسم الفعل الماضي، أو المضارع

" وغير هذا من كل ما تصلح له الجملة الفعلية الضوابط والشروط الخاصة بكل حالة1

9-

أن بعضا منها تلحقه الكاف سماعا، بشرط اعتبارها حرف خطاب محض. ومما ورد به السماع:"وي" بمعنى: أعجب. "حيهل" بمعنى: أقبل2 و"النجاء" بمعنى: أسرع، و"رويد" التي بمعنى: تمهل3، فقد العرب: ويك، وحيهلك، والنجاءك، ورويدك. والكاف في الأمثلة السالفة حرف خطاب متصرف4، لا يصلح أن يكون ضميرا مفعولا به لاسم الفعل، لأن أسماء الأفعال السالفة لا تنصب مفعولا به؛ لقيامها معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون هذه الكاف ضميرا في محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، ولا تعمل الجر مطلقا؛ فلا يكون واحد منها مضافا.

1 خالف في هذا شارح المفصل فقد قال "في ج4 فقد قال "في ج4 ص25 باب أسماء الأفعال" ما نصه: "اعلم أن هذه الأسماء وإن كان فيها ضمير تستقل به فليس ذلك على حده في الفعل. ألا ترى الفعل يصير بما فيه من الضمير جملة، وليست هذه الأسماء كذلك بل هي مع ما فيها من الضمير أسماء مفردة على حده في اسم الفاعل واسم المفعول، والظرف. والذي دل على أن هذه الألفاظ أسماء مفردة إسناد الفعل إليها، قال زهير:

ولنعم حشو الدرع أنت إذا

دعيت "نزال" ولج في الذعر

فلو كانت "نزال" بما فيها من الضمير جملة ما جاز إسناد "دعيت" إليها من حيث كانت الجمل لا يصح كون شيء منها فاعلا".

قال الأعلم في البيت السابق ما نصه: "إنما أخبر عن "نزال" على طريق الحكاية. وإلا فالفعل وما كان اسما له. لا ينبغي أن يخبر عنه

". ا. هـ.

2 كما سبق في ص145 وفي رقم2 من هامشها. وفيه صور ضبطها.

3 لأن الفعل: "تمهل" لازم لا ينصب مفعولا به، فكذلك اسم الفعل الذي بمعناه، فإن الكاف بعده حرف مجرد الخطاب في الصور المختلفة، ولا يصح اعتباره مفعولا. بخلاف "رويد" الذي بمعنى "أمهل" فإنه ينصب المفعول به كالفعل الذي بمعناه. وقد سبق بعض ما يتصل به في رقم 3 من ص149: ورقم 3 من هامش ص157.

4 يتصرف على حسب المخاطب تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا، وتثنية، وجمعا الذي تقدم في ج، م19 ص215 باب الضمير.

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

نختم الباب بسرد بعض آخر من أسماء الأفعال المختلفة الأنواع، يكثر ترداده في الكلام العربي القديم، ونكتفي بضبط واحد مما له أكثر من ضبط.

ص: 161

المسألة 142: أسماء الأصوات يراد منها نوعان:

أولهما: ألفاظ توجه إلى الحيوان الأعجم، وما في حكمه -كالأطفال- إما لزجره وتخويفه، لينصرف عن شيء، وإما لحثه على أداء أمر معين بمجرد سماعه أحد هذه الألفاظ، دون حاجة إلى مزيد. فالمراد من توجيه اللفظ هو طلب الامتناع، أو طلب الأداء.

وكلا الأمرين -الانصراف عن الشيء، وأداء الأمر المعين- لا يتحقق إلا بعد تمرين، وانقضاء مدة تتكرر فيها المخاطبة باللفظ، ويتدرب فيها الحيوان وما في حكمه على إنفاذ المطلوب منه عند سماعه؛ فيدرك -بعد التكرار الذي يصاحبه التدريب- المراد من توجيه اللفظ إليه، ومن مخاطبته به، وأن هذه المراد هو الرجز، أو الحث، "بمعناها السالفين" ويكتفي في إدراك الغرض بسماع اللفظ دون زيادة عليه.

فمن أمثلة الزجر ما كان يوجهه العرب لبعض الحيوانات -وأشباهها- بسبب بغيض يراد العدول عنه، كزجرهم الإبل على البطء والتأخر، فيوجهون لها أحد الألفاظ الآتية: "هيد، هاد، ده، جه، عاه، عيه

" وقولهم لزجر الناقة: "عاج، هيج، حل

" وكقولهم لزجر الغنم: "إس، هس، هس، هج" وللكلب: "هجا، هج

" وللضأن: "سع، وح، عز، عيز

" وللخيل: "هلا، هال". وللطفل: "كخ. كخ

" وللسبع: "جاه"، وللبعل: "عدس

"

إلى غير هذا من ألفاظ الرجز عندهم، وهي كثيرة في عددها، وضبط حروف كل منها.

ومن أمثلة ما يوجه للحيوانات وأشباهها، لا بقصد زجرها؛ وإنما بقصد تكليفها أمرا كي تؤديه وتقوم بإنفاذه قول العرب للإبل؛ "جوت"، أو" "جئ"،

ص: 162

إذا أرادوا منها الذهاب للماء لتشرب، و"نخ"، إذا طلبوا منها الإناخة. و"هدع"، إذا أرادوا منها الهدوء والسكون من النفار. و"سأ، وتشؤ"، إذا أرادوا من الحمار الذهاب للماء، ليشرب. "ودج. وقوس" لدعوة الدجاج إلى الطعام والشراب

و"حاحا" للضأن، و"عاعا" للمعز؛ ليحضر الطعام

ثانيهما: ألفاظ صادرة من الحيوان الأعجم1، أو مما يشبهه كالجماد ونحوه، فيرددها الإنسان ويعيدها كما سمعها: تقليدا، ومحاكاة لأصحابها، من غير أن يقصد من وراء هذه دلالة أخرى. فقد كان العربي يسمع صوت الغراب، فيقلده قائلا:"غاق"، أو: صوت الضرب؛ فيقول محاكيا: "طاق"، أو صوت وقوع الحجارة، فيحاكيه:"طق"، أو صوت ضربة السيف فيردده:"قب"، أو صوت طي القماش، فيقول:"قاش ماش"2

إلى غير هذا من الأصوات التي كان يسمعها فيحاكيها3 دون أن يريد من المحاكاة معنى آخر.

أشهر أحكامها:

1-

أنها أسماء4 مبنية، لا محل لها من الإعراب، ما دامت أسماء تدل على

1 أما الحيوان الناطق فألفاظه ذات معان، وإلا كان كغيره.

2 قاش ماش "بكسر الشين فيهما" مركب مزجي مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، وهو من المركبات المزجية المتعددة التي تكون اسم صوت مع تركيبها المزجي.

3 وفي النوعين يقول ابن مالك في الباب الذي عنوانه: "أسماء الأفعال والأصوات":

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

"التقدير: ما به خوطب ما لا يعقل

يجعل صوتا" يريد: أن ما يشبه اسم الفعل -في أنه لا يحتاج في أداء المراد منه إلى لفظ آخر- يسمى: اسم صوت. وهذا تعريف قاصر مبتور، فوق أن تشبيه اسم الصوت باسم الفعل فيما سبق غير صحيح؛ لأن اسم الفعل لا بد له من فاعل ظاهر أو ضمير، فلا يفرد بنفسه، وقد يحتاج لمعمولات أخرى

كما سبق في بابه "ص155". ثم اقتصر في بيان أنواعه وأحكامه على بيت واحد ختم به الموضوع هو:

كذا الذي أجدى حكاية؛ كقب

والزم بنا النوعين؛ فهو قد وجب

المراد: حكاية صوت الجماد وغيره، وقب: صوت السيف. واسم الصوت بنوعيه مبني وجوبا كما يقول في بيته. وقوله يحتاج إلى تفصيل وإبانة عرضناهما.

4 يعترض بعض لنحاة على اسميتها؛ بحجة أن الاسم لا بد أن يكون له معنى مفرد، مفهوم =

ص: 163

مجرد الصوت، ولم تخرج من هذه الدلالة إلى تأدية معنى آخر. وما كان مسموعا عن العرب يجب إبقاؤه على صيغته، وحالته الواردة عنهم من غير إدخال تغيير عليه في عدد حروفه، أو في نوعها، أو ترتيبها، أو ضبطها، أو علامة بنائها.. كالأمثلة السالفة. أما المستحدث بعدهم فيلازم ما شاع فيه؛ لأن إنشاء الأصوات واستحداثها -جائز في كل عصر1، ويجري على الجديد المستحدث ما يجري من الأحكام على المسموع الوارد عن العرب؛ فيعتبر اسما واجب البناء بالعلامة التي يشيع بها النطق في عصره، وتسري عليه بقية الأحكام الأخرى الخاصة بأسماء الأصوات.

لكن هناك حالتان؛ إحداهما: يجب2 فيها إعراب أسماء الأصوات بنوعيها المسموعة عن العرب، والموضوعة المستحدثة بعدهم. والأخرى: يجوز فيها الإعراب والبناء.

أ- فيجب2 إعرابها إذا خرجت عن معانيها الأصلية التي هي الصوت المحض، وصارت اسما متمكنا يراد به: إما صاحب الصوت؛ الذي يصدر عنه الصوت والصياح مباشرة، وينسبان له أصالة دون غيره. وإما شيء آخر ليس هو الصاحب الأصيل للصوت، وإنما يوجه له الصوت والصياح توجيها يقصد منه الزجر، أو التهديد أو غيرهما

فمثال الأول: أزعجنا غاق الأسود، وفزعنا من غاق الأسود

، فكلمة:"غاق"، بالتنوين، لا يراد منها هنا أصلها، وهو: صوت الغراب، وإنما يراد

= وهذه الألفاظ لا تدل على معنى مفهوم؛ لأنها توجه إلى من لا يفهم، ويخاطب بها غير العاقل. وقد دفع هذا الاعتراض بأن المقصود بدلالة الاسم على معنى مفرد مفهوم أنه إذا أطلق فهم منه العالم بالوضع اللغوي معناه. وهذا ينطبق على أسماء الأصوات. فليس الشرط في الاسم أن يخاطب به من يعقل ليفهم معناه. وقيل إنها ملحقة بالأسماء وليست أسماء

ولا أهمية للخلاف؛ إذ الأهمية لأحكامها الآتية.

ويقولون إن سبب بنائها هو: شبهها الحروف المهملة "مثل: لا، وما، النافيتين" في أنها غير عاملة، ولا معمولة. والسبب الحق هو: مجرد استعمال العرب الأوائل -كما كررنا.

1 ومنها أصوات الحيوانات والطيور التي لم يعرفها العرب، والأصوات التي وجدت بعدهم؛ كأصوات السيارات، والطيارات، والبواخر، والآلات المختلفة، ما جد منها وما سيجد.

2 و2 تبعا للأغلب -كما سيجيء في الهامش التالي.

ص: 164

أنها اسم يدل على صاحب هذا الصوت نفسه؛ أي: على الذي ينسب له الصوت ويشتهر به، وهو:"الغراب" ذاته، لا صوته الصادر منه. فالغراب هو المسمى، و"غاق" في الجملتين اسم معرب متمكن، فاعل في الجملة الأولى، ومجرور "بمن" في الجملة الثانية.

ومثل: ما أقسى قبا. فكلمة: "قبا" -بالتنوين- اسم معرب متمكن منصوب في هذه الجملة؛ لأن المراد بها هنا: "السيف" نفسه، مع أنها في الأصل اسم صوت للسيف، مبنية على السكون، ولا تنون. لكنها اسما لصوته، مبنية غير منونه. فالمراد في الأمثلة السابقة ونظائرها هو: أزعجنا الغراب -فزعنا من الغراب- ما أقسى السيف.

ومثال الثاني: أردت هالا السريع؛ فصادفت عدسا الضخم. وأصل كلمة: "هال" اسم صوت صادر من الإنسان، يوجه إلى الفرس لزجره. وأصل كلمة:"عدس" اسم صوت صادر من الإنسان يوجه إلى البغل لزجره، فكلتا الكلمتين تركت هنا أصلها، والبناء، وصارت اسما معربا مرادا منه الحيوان الأعجم -وشبهه- مما لا يصدر عنه ذلك الصوت، إنما يوجه إليه من غيره1.

ب- ويجوز إعرابها وبناؤها إذا قصد لفظها نصا؛ مثل: فلان لا يرعوي إلا بالزجر؛ كالبغل لا يرعوي إلا إذا سمع: "عدس" أو: "عدسا" بالبناء على السكون، أو بالإعراب، والمراد: إلا إذا سمع هذه الكلمة نفسها.

3-

أنها -في أصلها- أسماء منفردة، مهملة. والمراد من انفرادها: أنها لا تحمل ضميرا، وهذا نوع من أنواع الاختلاف بينهما وبين أسماء الأفعال. والمراد من إهمالها أنها لا تتأثر بالعوامل المختلفة ولا تؤثر في غيرها، فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فعلا، ولا فاعلا، ولا مفعولا

ولا شيئا آخر يكون عاملا أو معمولا -إلا في الحالتين السالفتين: "أ، ب، بصورهما الثلاث". ومن ثم

1 بعض النحاة يجيز بناءها في الصور السالفة مراعاة لأصلها. ولكن الإعراب أوضح وأقدر على أداء المعنى؛ فيحسن الاقتصار عليه.

ص: 165

تختلف أيضا عن أسماء الأفعال؛ فهذه لا بد أن تعمل.

وخلاصة ما تقدم: أن أسماء الأصوات إذا بقيت على وضعها الأصلي اسم صوت محض، بالطريقة التي شرحناها. أما إذا قصد لفظها، أو استعملت استعمال الأسماء المتمكنة -بأن انتقلت من معناها الأصلي إلى الدلالة على صاحبها الأصيل الذي يصيح ويصوت بها، أو على من يتجه إليه النطق بها- فإنها في هذه الصور الثلاث تكون معربة إما وجوبا؛ كما في:"أ" بفرعيها، وإما جوازا كما في:"ب" فالشرط في إهمالها، وفي بنائها لزوما أن تبقى على حالتها الأولى اسم صوت مجرد، لا محل لها من الإعراب؛ فلا تكون في محل رفع، ولا نصب ولا جر، وإنما يقال فيها: اسم صوت مبني على الضم، أو الفتح، أو الكسر، أو السكون، على حسب حالة آخره.

ص: 166