الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه
.. 1
عرفنا الأقسام الاصطلاحية للعدد؛ وأنها أربعة: "مفرد، مركب، عقد، معطوف". وفيما يلي الكلام على كل منها من ناحية التذكير والتأنيث.
الأول: تذكير الأعداد المفردة وتأنيثها، ويتلخص في:
1-
أن "الواحد والاثنين" يذكران ويؤنثان مباشرة بغير حاجة إلى معدود بعدهما، أي: أن صيغتها العددية تذكر أو تؤنث؛ طبقا لمدلولها، وللمقصود منها. دون أن يكون مع الصيغة معدود "تمييز"؛ إذ لا يصح ذكر تمييز لها -كما عرفنا-2 ومن الأمثلة قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، وقوله تعالى:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} .
2-
وأن "مائة" و"ألفا" وجنسهما ثابتة الصيغة على حالتها اللفظية، تأنيثا في "مائة"، وتذكيرا في "ألف" مع أنهما يحتاجان إلى تمييز مفرد مجرور غالبا. وهذا التمييز قد يكون مذكرا أو مؤنثا على حسب الدواعي المعنوية؛ نحو: جاء مائة رجل، جاءت مئة فتاة، حضر ألف جندي، حضر ألفا طالبة. أي: أن صيغة لفظهما لا تخرج عما وضعت له في الأصل؛ فكلمة: "مئة" ملازمة للتأنيث اللفظي في كل استعمالاتها هي ومضاعفاتها، وكلمة "ألف" ملازمة للتذكير اللفظي دائما هي ومضاعفاتها، فمادتهما الهجائية ثابتة لا يدخل عليها تغيير من هذه الناحية، إلا عند إلحاق المئة بجمع3 المذكر السالم.
1 المذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية موضح في: "ج" من ص553 وكذلك ما يذكر قبله كلمة: "شهر" وما لا يذكر.
2 في ص625.
3 عند إلحاق المائة بجمع المذكر السالم يقال فيها: "مئون ومئين".
3-
وأن ثلاثة، وعشرة وما بينهما -وكذلك كلمة: بضع وبضعة-1 تلحقها تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مذكرا، وتتجرد من تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مؤنثا. فالعدد في هذا القسم مخالف للمعدود تذكيرا وتأنيثا.
ويشترط لتحقق هذه المخالفة شرطان؛ أن يكون المعدود مذكورا في الكلام، وأن يكون متأخرا عن لفظ العدد، نحو: ثلاث عيون، أربعة قلوب، خمس أصابع، ستة رءوس، سبع رقاب، ثمانية2 جلود، تسع أقدام، عشرة ظهور.. فإن لم يتحقق الشرطان معا؛ بأن كان المعدود متقدما، أو كان غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في المعنى يتجه الغرض إليه، جاز في لفظ العدد التذكير
1 وهي ملحقة بهما -طبقا لما سبق في رقم 4 من هامش ص518.
2 للعدد: "ثمان" المفرد حكم خاص بصيغته وإعرابه، حين يكون مؤنثا أو غير مؤنث. ويتلخص هذا الحكم فيما يأتي -طبقا للرأي المعول عليه:
أ- إذا كان: "ثمان" عددا مضافا ومذكرا -بسبب إضافته إلى تمييزه المؤنث- فالأفصح إثبات الياء في آخره في جميع حالاته، مع إعرابه إعراب المنقوص؛ فتقدر على يائه الضمة والكسرة، وتظهر الفتحة؛ نحو:"ثماني غوان ينشدن، وثماني فتيان يعزفن"، "سمعت ثماني غوان ينشدن، وثماني فتيات يعزفن""طربت لثماني غوان ينشدن، وثماني فتيات يعزفن". فكلمة: "ثماني
…
" في المثال الأول مرفوعة بضمة مقدرة على الياء، وفي الثاني منصوبة بالفتحة الظاهرة، وفي الثالث مجرورة بكسرة مقدرة.
فإن كان العدد: "ثمان" مؤنثا -بسبب إضافته إلى تمييزه المذكر- لزمته "الياء" وبعدها: "التاء" الدالة على التأنيث، وأعرب إعراب الأسماء الصححية، نحو: فرقة الإنشاد ثمانية رجال، شاهدت ثمانية رجال، شاهدت ثمانية رجال، أصيغت إلى ثمانية رجال.
ب- إذا كان: "ثمان" عدد مفردا، غير مضاف، والمعدود مذكر، لزمته الياء والتاء -أيضا- وأعرب إعراب الأسماء الصحيحة في كل أحواله، نحو: المسافرون من الرجال ثمانية، كان المسافرون من الرجال ثمانية، أنسب من الرجال بثمانية
…
فإن كان المعدود مؤنثا فالأكثر إعرابه إعراب المنقوص؛ نحو: اشتهر من الشاعرات ثمان، اكتفيت من الشاعرات بثمان، عرفت من الشاعرات ثمانيا، أو ثماني. بالتنوين وعدمه، فالتنوين على اعتبار كلمة:"ثمانيا" اسما منقوصا، منصرفا. وعدم التنوين على اعتباره اسما ممنوعا من الصرف يشبه:"غوان" بالحركات الظاهرة على النون مباشرة عند حذف الياء؛ كقوله الشاعر:
لها ثنايا أربع حسان
…
وأربع، فثغرها ثمان
يريد: ثنايا ثمان.
"راجع الخضري والصبان في هذا الموضع".
أما العدد ثمانية عند تركيبه مع العشرة فيجيء الكلام عليه في تأنيث الأعداد المركبة -رقم 3 من هامش ص547.
والتأنيث1؛ نحو: كتبت صحفا ثلاثا، أو ثلاثة، صافحت أربعة
…
أو أربعا2
…
والحكم على المعدود الدال على الجمع3 بأنه دال على التأنيث أو التذكير لا يكون بالنظر إلى لفظه الدال على الجمعية وما يصاحبها من التذكير أو التأنيث وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده؛ لمعرفة حالة المفرد من ناحية التذكير والتأنيث، ومراعاة هذه الحالة وحدها، عند تأنيث العدد وتذكيره، دون التفات إلى لفظ المعدود من هذه الناحية4
…
وإذا ميز العدد المفرد بتمييزين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، روعي في تأنيث لفظ العدد وتذكيره السياق5 منهما؛ نحو: أقبل سبعة رجال وفتيات، وأقبل سبع فتيات ورجال6
…
1 مع مراعاة الحكم الخاص بالعدد "ثمان" وقد سبق في رقم 2 من هامش الصفحة الماضية.
2 انظر "د" و"هـ" ص545 و546، حيث البيان والتفصيل.
3 وما الذي يراعى إن كان المعدود اسم جمع، أو اسم جنس؟ الجواب في:"ج" من ص542.
4 كما سيجيء البيان والأمثلة في ص540 إلا عند الكسائي، وبعض البغداديين؛ فيجيزون الرجوع إلى المفرد، أو مراعاة الجملة بلفظه الذي هو عليه. ورأيهم مخالف للأعم الأغلب الذي يحسن الاكتفاء به اليوم؛ منعا للتشتيت والاضطراب.
5 مما يلاحظ أن هذا مخالف لنظيره في الأعداد المركبة، وسيأتي في ص548.
6 في تأنيث العدد المفرد وتذكيره يقول ابن مالك في باب مستقل عنوانه: -"العدد"- ولم يسلك فيه الترتيب الذي سلكناه، "كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص517 وأوضحنا الأمر":
ثلاثة بالتاء قل للعشرة
…
في عد ما آحاده مذكره-1
في الضد جرد.........
…
........................-2
"التقدير: قل ثلاثة بالتاء إلى العشرة. وآحاده: جمع أحمد، بمعنى: المفرد للجمع. "أي: واحد الجمع، ومفرده".
يريد: أنث العدد، ثلاثة، وعشرة، وما بينهما إن كنت تعد جمعا مفرداته مذكرة. فالعبرة في معرفة التذكير والتأنيث في المعدود المجموع إنما تكون بالرجوع إلى مفرده، بغير نظر إلى لفظ المعدود المجموع من هذه الناحية. أما في الضد حيث يكون مفرد المعدود مؤنثا فيجب تذكير العدد. وتكملة البيت الثاني لا علاقة لها بهذه القاعدة، وإنما تتصل بحكم آخر، سيجيء".
ثم انتقل بعد ذلك للكلام على تمييز العدد؛ فقال: =
والعرب في بعض استعمالاتهم يقدمون التأنيث على التذكير، فيغلبون المؤنث على المذكر في بعض حالات قليلة، يتصل منها بموضوع العدد قولهم -مثلا: رجعت من السفر لثلاث بين يوم وليلة "أي: لثلاث محصورة بين كونها أياما، وكونها ليالي".
وضابط هذا النوع من الاستعمالات: أن يوجد عدد تمييزه مذكر ومؤنث، وكلاهما لا يعقل، وهما مفصولان من العدد بكلمة:"بين"؛ فهم يغلبون في المثال السابق -وأشباهه- الثأنيث على التذكير.
ومن تلك الحالات؛ أن يكون المعدود المذكور متأخرا في الجملة، ومؤنثا تغليبا1؛ بأن يكون معه مذكر ليس له الأهمية والتغليب2؛ نحو: قابلت تسعا بين رجل وامرأة
…
وهكذا، وقد سبق بيان لهذه المسألة عند الكلام على تعريف "التغليب" وتقسيمه، وحكمه3.
=
"في الضد جرد". والمميز اجرر
…
جمعا بلفظ. قلة في الأشهر-2
وهذا الحكم خاص بالعدد ثلاثة وعشرة وما بينهما، أما المائة والألف فقال فيه:
ومائة والألف للفرد أضف
…
ومائة بالجمع نزرا قد ردف-3
"نزرا= قليلا جدا. ردف= جاء بعده" يقول: أضف مائة والألف للمفرد، ليكون هذا المفرد المضاف إليهما هو التمييز. ثم قال: إن العدد "مائة قد يردفه "أي: يقع بعده" جمع؛ فيكون المضاف إليه جمعا، ووقوع الجمع تمييزا للمائة نزر لا يقاس عليه.
1 كأنه ليس معه مذكر.
2 كأنه غير موجود.
3 في ج1 م9 هامش ص119 عند الكلام على: "المثنى".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- قلنا1: إن الحكم على المعدود بالتذكير أو التأنيث لا يكون بمراعاة لفظه إذا كان جمعا، وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده2، وملاحظة هذا المفرد وحده أهو؛ مذكر أم مؤنث حقيقي أم مجازي3 في الحالتين؛ فعلى المفرد وحده يكون الاعتماد في هذه الناحية، ولا عبرة بالمعدود المجموع2. تقول: سمعنا غناء ثلاث غوان، بحذف التاء من العدد "ثلاث"؛ لأن المعدود جمع، مفرده:"غانية""وغانية" مؤنثة حقيقية. ومثلها: سهرنا سبع ليال؛ بحذف التاء من العدد: "سبع"؛ لأن المعدود جمع مفرده: ليلة، وهي مؤنثة مجازية. وتقول ثلاثة أدوية، بإثبات التاء في اسم العدد؛ لأن المعدود جمع، مفرده: دواء؛ وهذا مذكر. ولا عبرة بتأنيث جمعه المذكور. وتقول: خمسة غلمة؛ بإثبات التاء في اسم العدد، لأن المعدود -وإن كان جمعا للتكسير مؤنثا بالتاء- مفرده مذكر، وهو: غلام. ومثلها: خمسة فتية؛ بإثبات التاء في اسم العدد، بالرغم من أن معدوده جمع تكسير مؤنث بالتاء لأن مفرده مذكر؛ وهو فتى، والعبرة بالمفرد وحده -غالبا، كما سلف- ومثل هذا يقال: في أربعة سرادقات، وخمسة حيوانات، وستة حمامات
…
بإثبات التاء في اسم العدد، مع أن المعدود جمع مؤنث سالم، ولكن مفرد هذا الجمع المعدود مذكر "هو: سرادق، حيوان، حمام
…
" والمعول عليه عند الحكم بتأنيث العدد وتذكيره حين يكون المعدود جمعا إنما هو مفرد هذا الجمع وملاحظته دون ملاحظة صيغة الجمع وصورته اللفظية.
ب- هذا المفرد الذي يجب الرجوع إليه عند الأكثرين لمعرفة حاله من التذكير أو التأنيث الحقيقيين أو المجازيين3؛ للتوصل منه إلى تأنيث اسم العدد،
1 في ص538 و542.
2 و2 خالف في هذا الكسائي وبعض البغدادين، طبقا للبيان الذي في رقم 4 من هامش ص538.
3 و3 سبق الكلام مفصلا على أنواع المؤنث "وهي: الحقيقي، المجازي، المعنوي، اللفظي، التأويلي، الحكمي.." في ج2 ص66 م67 باب: الفاعل. وسيجيء هنا التكملة في باب: التأنيث، ص585.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو تذكيره -هذا المفرد مختلف الصور؛ فقد يكون مؤنثا لفظا ومعنى معا؛ "وهو الذي يلد ويتناسل -ولو من طريق البيض، مع اشتمال لفظه على علامة تأنيث": مثل فاطمة، مية، عائشة، ليلى، سلمى، زرقاء "علم، ومنه: زرقاء اليمامة" حمرا "علم أيضا".. وغيرها من أعلام النساء المختومة بعلامة تأنيث
…
وقد يكون مؤنثا معنى لا لفظا "وهو ما يلد ويتناسل، مع خلو لفظه من علامة تأنيث"، مثل: زينب، سعاد، هند
…
وغيرها من أعلام النساء الخالية من علامة تأنيث. وقد يكون مؤنثا مجازيا. مثل: أرض و"بطن، بمعنى: قبيلة" وغيرهما من الأسماء الدالة على مؤنث غير حقيقي1. لا يعرف إلا من طريق السماع الوارد عن العرب؛ فلا ضابط لمعرفته إلا ذلك السماع.
وقد يكون مؤنثا لفظا لا معنى، مثل: طلحة، عنترة، معاوية، حمزة، وغيرها من أعلام الذكور المشتملة على علامة تأنيث. فلفظها مؤنث، ومعناها مذكر
…
وقد يكون مذكرا لفظا ومعنى؛ "كرجل، وعلي".
وقد يكون صالحا للدلالة على المؤنث أو المذكر، مثل: شخص، نفس، حال
…
فإذا كان المفرد مؤنثا تأنيثا حقيقيا1 "وهو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض" وجب مراعاة هذا التأنيث بتذكير اسم العدد، سواء أكان التأنيث الحقيقي لفظا ومعنى معا، أم معنى أم معنى فقط. "مثل: فاطمة، زينب".
وإن كان المفرد مذكرا لفظا ومعنى وجب مراعاة هذا التذكير بتأنيث اسم العدد. وفي غير هاتين الحالتين يصح اعتبار المفرد مذكرا أو مؤنثا؛ كأن يكون مذكرا لفظا ومعناه مؤنث تأنيثا مجازيا، مثل "حرف" المراد به: كلمة. و"بطن": المراد به: "قبيلة"، و"كتاب" المراد به: ورقاته
…
وكأن يكون مؤنثا لفظا ومعناه مذكر؛ مثل: طلحة، حمزة، معاوية، وكأن يكون لفظا يصلح للدلالة على المؤنث حينا والمذكر حينا آخر كالأمثلة السالفة "شخص،
1 و1 المؤنث الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض. ولا بد أن يشتمل على علامة تأنيث ظاهرة أو مقدرة "كما سيجيء في ص585".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نفس، حال" وغيرها مما يصلح للأمرين1
…
بالرغم من أن هذه الصور يجوز فيها اعتبار المفرد مؤنثا أو مذكرا فالأحسن في المفرد إن كان علما مراعاة لفظه، وكذلك إن وجد في السياق ما يقوي جانب اللفظ. فنقول: ثلاث طلحات أو ثلاثة طلحات، والأول أحسن: مراعاة للفظ المفرد "طلحة" لأنه علم2. ونقول: ممن اشتهروا في صدر الإسلام بأعمال جليلة باقية على الزمان، سجلها التاريخ لهم: أربعة شخوص، عرفوا بالخلفاء الراشدين، ويصح أربع شخوص؛ ولكن التأنيث هنا أحس؛ لأن نسق الكلام جار على التذكير؛ ففيه: "اشتهروا، لهم، عرفوا، الراشدين"؛ وهذا الاتجاه يقوي في المفرد "وهو: شخص" ناحية التذكير، ويغلبها على ناحية التأنيث، فيستحسن تبعا لهذا تأنيث العدد.
ح- ليس من اللازم أن يكون التمييز الخاص بالأعداد: "ثلاثة، وعشرة" وما بينهما، جمعا حقيقيا في كل الحالات، وإنما اللازم -كما سبق-3 أن يكون دالا على معنى الجمعية، فيشمل الجمع الحقيقي، كما يشمل اسم الجمع؛ كقوم، ورهط، وناس، وأناس، ونساء، وعشرون، وثلاثون، وباقي العقود
…
وكذلك يشمل، اسم الجنس الجمعي4؛ كنحل، ونخل، وبط، وبقر، وكلم
…
وقد عرفنا5 أن المعدود الجمع لا يراعى لفظه من ناحية التذكير والتأنيث، وإنما الذي يراعى هو مفرده فقط، فما الذي يراعى إن كان المعدود اسم جمع. أو اسم جنس جمعي؟
1 انظر ص587 حيث الكلام على أنواع المؤنث.
2 المفهوم من حاشية ياسين على التصريح غير ذلك؛ فقد جاء بها ما نصه: "ج1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على شروط جمع المذكر السالم":
لأي شيء امتنع نحو: طلحون" وقيل: "طلحات" فأعطى حكم المؤنث، اعتبارا بلفظه؛ وقيل في العدد ثلاثة طلحات. بإلحاق عدده حرف التاء، لإعطائه حكم المذكر؛ اعتبارا بمعناه. ا. هـ.
لم يجب عن هذا، وأحال الجواب على حاشية أخرى. وسواء أكان الحكم هذا أم ذاك فالرأيان جائزان، صحيحان. وإنما الخلاف في الأحسن.
3 في ص538 و540.
4 سبق تفصيل الكلام عليه وعلى أقسام اسم الجنس في الجزء الأول "ص21 م2".
5 في ص538 و540.
يراعى لفظهما مباشرة، "أي: صيغتهما" وما هما عليه من تأنيث، أو تذكيرن أو صلاح للأمرين، ولا يراعى مفردهما إن وجد. ويعرف أمرهما من هذه الناحية بوسائل متعددة؛ لا بد أن تنتهي إلى استعمال العرب الفصحاء؛ منها: نوع الضمير العائد على كل منهما: أهو مذكر أم مؤنث؟ ومنها اسم الإشارة المستعمل مع كل؛ أو مما يستعمل مع المذكر أم مع المؤنث؟ ومنها النعت، وكذلك تأنيث الفعل
…
فكل وسيلة من هذه -وأشباهها- صالحة للدلالة على تأنيث اسم الجمع واسم الجنس الجمعي أو تذكيرهما، أو صلاحيتهما للأمرين على حسب الوارد في الكلام الصحيح المأثور. فإذا أردن أن نتبين أمر اسم جمع: "مثل رهط
…
" أهو مذكر أم مؤنث؛ نرجع إلى الكلام الفصيح؛ فنجد العرب يقولون -مثلا- الرهط أقبل، وهذا الرهط المقبل سيكون له شأن
…
ولا يقولون على الحقيقة الخالية من التأويل والمجاز: الرهط أقبلت، ولا هذه الرهط المقبلة
…
ويقولون: كان رهطنا الرواد أسرع الجنود إلى الفداء والتضحية. ولا يقولون: كانت. رهطنا الرائدات
…
أي: أنهم يذكرون: "رهطا"، من أسماء الجموع. فيتبع هذا تأنيث العدد، فنقول: ثلاثة من الرهط1.
وهم يؤنثون من أسماء الجمع: "رجلة""بمعنى بضعة رجال لا تزيد على عشرة" فيقولون: أقبلت رجلة تكشف المجاهل
…
ويتبع هذا تذكير العدد، فيقال: ثلاث من رجلة
…
2.
وهم -في أغلب الفصيح- يذكرون من أسماء الأجناس الجمعية: "البنان""والكلم"، فيقولون: بنان مخضب. ويقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، كما يقول:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ويترتب على هذا تأنيث اسم العدد؛ نحو: خمس من البنان المخضب، وسبع من الكلم الطيب
…
1 مع مجيء حرف الجر؛ "من"؛ طبقا لما تقدم في حكم تمييز العدد الذي معدوده اسم جنس، أو اسم جمع.... ص527.
2 ملاحظة: ورد في بعض المراجع النحوية التمثيل بكلمة: "قوم" لاسم الجمع الواجب التذكير. وهذا خطأ، فقد تكرر تأنيثه في القرآن الكريم.
وهم -في الأغلب أيضا- يؤنثون ويذكرون من تلك الأجناس الجمعية: البط والنخل؛ فيقولون: البط سابح في الماء، والبط سابحة في الماء. ويقول الله تعالى:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} 1، 2 كما يقول في وصف الريح التي أهلكت عادا {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 3. ويترتب على هذا صحة التذكير والتأنيث في اسم العدد؛ نحو: سبع أو سبعة من البط، وتسع، أو تسعة من النخل
…
فشأن هذا شأن المعدود الذي يدل على المذكر وعلى المؤنث حيث يصح معه في اسم العدد مراعاة هذا أو ذاك
…
4.
1 باسقات: عاليات.
2 نضيد: منسق.
3 مقطوع من أصله. وأعجاز النخل أصوله. والمراد هنا: النخل نفسه.
4 والأحسن في اسم الجنس الجمعي الأخذ بما ارتضيناه في الجزء الأول "ص21 ورقم 3 من هامشها م1" ونصه كما في الهامش:
"هذا النوع الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء المربوطة إذا وصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة- جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار: "اللفظ" لأنه جنس، أو مع "التأنيث" على تأويل معنى الجماعة، نحو قوله تعالى:{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، وقوله:{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير أو جمع مؤنث سالم؛ نحو قوله تعالى: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} ، وقوله:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}
…
ومثل الصفة الخبر، والإشارة إليه، والضمير العائد عليه -كما أسلفنا.
"وفي كل ما سبق خلاف أشار إله "الصبان" في باب: "العدد"، وقد تخيرنا أقوى الأوجه. ويؤيد ما تخيرناه ما جاء في "المصباح المنير، مادة: النخل"، ونصه الحرفي: "النخل اسم جمع -كذا يقول- الواحدة: "نخلة". وكل جمع بينه وبين واحدة الهاء -يريد تاء التأنيث المربوطة- قال: ابن السكيت: فأهل الحجاز يؤنثون أكثره؛ فيقولون: هي التمر، وهي البر، وهي النخل، وهي البقر
…
، وأهل نجد وتميم يذكرون. فيقولون: نخل كريم، وكريمة، وكرائم. وفي التنزيل:"نخل منقعر""نخل خاوية"، وأما النخيل بالياء فمؤنثة. قال أبو حاتم: لا اختلاف في ذلك". ا. هـ. كلام المصباح.
"لكن يتضح من أمثلة النص أن أهل نجد وتميم لا يقتصرون على التذكير وإنما يؤنثون أيضا. ويلاحظ أنه جعل "النخل" اسم جمع، فكيف يتفق أنه اسم جمع مع قوله السابق إن "الواحدة نخلة"؟ فهل يريد اسم جنس جمعي؟
ومما يؤيد ما تخيرناه أولا ما جاء في كتاب: "بصائر ذوي التمييز" تأليف: الفيروز آبادي صاحب: "القاموس المحيط" في البصيرة 51 ص277 ونصه عند الكلام على كلمة: "بنيان": "البنيان: واحد لا جمع له. وقال بعضهم: جمع واحدته: "بنيانة" على حد: "نخل ونخلة". وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه". ا. هـ.
"وهناك مواضع أخرى للاختلاف أشرنا إليها في الجزء الأول ص239 و289 و414"
…
انتهى المنقول من الجزء الأول من النحو الوافي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويشترط لتطبيق الحكم السالف الخاص باسم الجنس الجمعي، واسم الجمع في صورهما المختلفة ألا يتوسط بين المعدود واسم العدد نعت يدل على التأنيث فقط، أو على التذكير فقط، فإن توسط هذا النعت وجب مراعاة المعنى الذي يقتضيه، ويدل عليه، فيذكر اسم العدد أو يؤنث تبعا له؛ نحو: في الماء خمس إناث1 من البط، وعلى مقربة منها خمسة ذكور1 من البط أيضا.
ولو تأخر هذا النعت عن المعدود، أو توسط وكان لفظه مع توسطه مما يصلح نعتا للمذكر والمؤنث؛ -ككلمة: حسان؛ مثلا- لم يكن له أثر في تأنيث العدد، وتذكيره؛ فوجود النعت بصورتيه من هذه الناحية كلا وجود. فنقول: في الماء خمسة من البط إناث أو خمس من البط إناث. وخمس من البط ذكور، أو خمسة من البط ذكور. كما نقول خمسة حسان من البط، أو خمس حسان من البط؛ لأن لفظ:"حسان" المتوسط يصلح نعتا للمذكر وللمؤنث؛ فيقال: رجال حسان، ونساء حسان.
د- يشترط لتطبيق الحكم العام المتعلق بتأنيث الأعداد المفردة السالفة "3، 10 وما بينهما" وتذكيرها أن يكون المعدود المفرد مذكورا ومتأخرا عن اسم العدد، -كما عرفنا-2 ولهاتين الحالتين صور؛ منها: أن يكون المعدود محذوفا مع ملاحظته في المعنى وتعلق الغرض به؛ فيصح في اسم العدد التذكير والتأنيث؛ نحو: "ثلاث من كن فيه فهو منافق أثيم؛ الخيانة، وخلف الوعد، والكذب"، فيصح في اسم العدد هنا: التذكير والتأنيث؛ فيقال: ثلاث، أو ثلاثة؛ إما على اعتبار أن المعدود المحذوف متقدم في الأصل على العدد،
1 و1 إناث وذكور، نعتان، مؤولان بالمشتق؛ أي: مذكرة مؤنثة.
2 في ص537.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأصل: صفات ثلاث. أو صفات ثلاثة، ويعرب المعدود المحذوف على حسب حاجة الجملة، ويعرب اسم العدد بعده نعتا1 في الغالب حين يكون المحذوف مذكورا، فإذا حذف حل النعت محله في إعرابه؛ فصار مبتدأ، أو خبرا، أو غير ذلك مما كان يؤديه المعدود المحذوف
…
وإما على اعتبار المعدود المحذوف متأخرا في الأصل على العدد، والأصل هو: ثلاث صفات؛ وهذا الاعتبار يقضي بتطبيق الحكم الخاص بتذكير العدد أو تأنيثه حين يكون المعدود مذكورا ومتأخرا عنه.
فإن كان المعدود المحذوف غير ملاحظ في التقدير مطلقا، ولا يتعلق الغرض به بتاتا، وإنما المقصود هو ذكر اسم العدد المجرد فالأصح في هذه الصورة تأنيث العدد بالتاء على اعتباره علم جنس مؤنثا؛ ويمنع من الصرف ولا تدخل عليه "أل" المعرفة في الأرجح؛ نحو: ثلاثة نصف ستة، وأربعة نصف ثمانية
…
فالعدد في المثالين -وأشباههما- علم جنس، مؤنث، ممنوع من الصرف، لا تلحقه -في الأرجح- "أل" المعرفة، كما قلنا، لأنها لا تدخل على المعارف. وقد تدخل عليه "أل" التي للمح الأصل؛ وهو: الوصفية العارضة، كما دخلت في كلمة: إلهة؛ علم للشمس، وكلمة: شعوب، علم للمنية، فقالوا فيهما الإلهة، والشعوب.
هـ- إن2 كان المعدود صفة نائبة عن الموصوف "المحذوف" اعتبر حال الموصوف "المحذوف" لا حال الصفة، قال الله تعالى:{فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، مع أن المثل مذكر؛ إذ المراد بالأمثال:"الحسنات". أي: عشر حسنات أمثالها.
1 سبق "في رقم 5 من هامش ص528" أنه لا مانع في هذه الحالة من إعرابه "بدلا أو عطف بيان" إن كان المعنى عليهما. ولا مانع هنا من عدم مطابقة النعت للمنعوت في التذكير والتأنيث؛ لأن هذه الصورة مما يجوز فيه المطابقة وعدمها، فيجوز فيها أن يكون المعدود المحذوف مذكرا واسم العدد مؤنثا، ويجوز العكس؛ كما يجوز المطابقة؛ وهي الأحسن عند إمكانها، لموافقتها القاعدة العامة في حكم النعت الحقيقي أما عدم المطابقة فمسايرة لمخالفة العدد للمعدود.
وأشرنا في المراجع المذكور إلى م سبق في الجزء الثالث "باب: "النعت" م114 عند تقسيم النعت باعتبار لفظه" إلى الألفاظ الجامدة التي يصح وقوعها نعتا، ومنها:"لفظ العدد"، وتفصيل الكلام عليه.
2 ما يأتي منقول من رقم 1 من هامش ص149 ج2 من كتاب؛ المقتضب، للمبرد -باب نعم وبئس- ونقله محققه أيضا من شرح الكافية للرضي "ج2 ص139" ومن كتاب سيبويه "ج2 ص175.
الثاني: تأنيث الأعداد المركبة وتذكيرها
سبق أن الأعداد المركبة1 تنحصر في: "أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما، وما يلحق بهما من كلمة: بضع وبضعة" وأنها سميت مركبة لتركبها من جزأين امتزجا واتصلا حتى صارا بمنزلة كلمة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا لا يؤديه واحد منهما منفردا. والجزء الأول منهما يسمى: "صدر المركب" أو: النيف "وهو يشمل 1 و9 وما بينهما، وما ألحق بهما" والجزء الثاني يسمى: "عجز المركب أو: العقد"، ويقتصر على كلمة:"عشرة". ولا بد للمركبات من تمييز يكون مفردا منصوبا، وتعرب مبنية على فتح الجزأين في كل أحوالها2 -في محل رفع، أو نصب، أو جر- على حسب الجملة. ما عدا "اثنين واثنتين"؛ فيعرفان إعراب المثنى، وما عدا عجز المركب المضاف وحده2..
أما حكم الأعداء المركبة -وملحقاتها- من ناحية التأنيث والتذكير فيتخلص: في أن عجزها "وهو: عشرة" يطابق المعدود دائما، أي: يسايره في تذكيره وتأنيثه بغير تخالف. وأن صدرها: إن كان لفظه كلمة: "أحد، أو اثني، أو اثنتي
…
" يجب مخالفته للمعدود وإن كان "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وملحقاتها- وجب مخالفته للمعدود؛ كمخالفته له وهو مفرد: "أي مضاف" فالأعداد "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وكذا الملحقات- يجب مخالفتها للمعدود في التذكير والتأنيث؛ سواء أكانت تلك الأعداد مفردة أم مركبة3
…
؛ ومن الأمثلة: دخلت حديقة بها
1 في ص520.
2، 2 مع ملاحظة ما سبقت الإشارة إليه في الصورة الثانية من ص520 وهو: أن المركب المزجي العددي -غير 12- يصح بناؤه على فتح الجزأين في جميع حالاته ولو كان مضافا -مسايرة لأشهر اللغات- كما يصح إعراب عجزه على حسب حالة الجملة مع ترك صدره مفتوحا في كل الصور؛ فكأن الجزأين في هذه الصورة كلمة واحدة يجري الإعراب على آخرها دائما مع إعرابها على حسب حاجة الجملة وترك صدرها على حاله، أما غير العددي فقد يكون مبنيا على فتحهما أو غير مبني. ومن المزجي العددي. "إحدى عشرة"، وهي مبنية على فتح الجزأين أيضا، ولكن الفتح مقدر على آخر الأولى -"كما سيجيء في هامش ص551، وكما سبق في رقم 7 من هامش ص520".
3 العدد: "ثمانية" عند تركيبه مع العشرة يكون، من ناحية تذكيره وتأنيثه، كحاله قبل التركيب -وقد سبق في ص537- أنه يؤنث بالتاء مع إثبات الياء إن كان المعدود مذكرا؛ نحو: ثمانية عشر رجلا، ويجرد من التاء إن كان المعدود مؤنثا، نحو: ثماني عشرة سيدة. وفي هذه الحالة التي يتجرد فيها من التاء مع تركيبه يجوز فيه أربع لغات، إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة، وحذفها مع فتح النون أو كسرها. وعند إثبات الياء ساكنة يكون الفتح عليها مقدرا، وعند إثبات النون، مكسورة تكون الياء بعدها محذوفة التخفيف، مفتوحة بفتحة ظاهرة، أو مقدرة.
أما "ثمان" المفردة فقد تقدم الكلام على حكمها في ص527. مع الأعداد المفردة.
أحد عشر رجلا، زرعت إحدى عشرة شجرة، الشهور اثنا عشر شهرا، سنوات الدراسة نحو: اثنتي عشرة سنة، اشترك في المسرحية ثمانية عشر رجلا وأربع عشرة فتاة
…
وهكذا1..
وإن كان للعدد المركب تمييزان: أحدهما مذكر عاقل، والآخر مؤنث -عاقل أو غير عاقل- كان الاعتبار للمذكر العاقل مطلقا2؛ فيجب تأنيث صدر العدد المركب؛ مراعاة للتمييز المذكر ولو كان متأخرا، بشرط أن يكون من نوع العقلاء؛ نحو: هاجر أربعة عشر رجلا وفتاة، أو: هاجر أربعة عشرة فتاة ورجلا. فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما3، نحو: في الحديثة خمس عشرة عصفورة وبلبلا، أو خمسة عشر بلبلا وعصفورة. وهذا بشرط ألا يفصل بين العدد والتمييز فاصل -هو: كلمة: "بين". فإن فصل بينها روعي المؤنث، نحو: الحديثة خمس عشرة ما بين بلبل وعصفورة.
الثالث: تذكير العقود4: "20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90".
هذه العقود ملحقة في إعرابها بجمع المذكر السالم؛ فلا يصح أن يتصل بلفظها علامة تأنيث؛ منعا للتعارض؛ إذ يلازمها دائما علامتا جمع المذكر السالم؛
1 عرض ابن مالك تأنيث الأعداد المركبة مجملة مختلطة بغيرها من الأقسام الأخرى، وقد سجلنا أبياته في ص351 و532.
2 أي: سواء أكان متقدما أم متأخرا، مفصولا بكلمة:"بين" أم غير مفصول
…
، وهذا الحكم مخالف لنظيره في الأعداد المفردة، وقد تقدم في ص538.
3 لكن ظاهر هذا الحكم يدل على أن المذكر غير العاقل يراعى أيضا ولو كان المؤنث عاقلا. وهنا يقول الصبان استدراكا على الأشموني في حكم العدد المميز بشيئين في التركيب ما نصه: "إن القياس يقتضي تغليب العاقل؛ فتقول: أربع عشرة جملا وأمة؛ لأن وصف الأنوثة مع العقل أرجح من وصف الذكورة مع عدم العقل -أفاده الدماميني". ا. هـ. ولعل الأخذ بهذا الرأي هو الأنسب.
4 سبق -في ص522- أنها تعد من أسماء الجموع وليست جموعا حقيقية، بالرغم من إلحاقها بجمع المذكر السالم في إعرابه.
سواء أكان معدودها مذكرا أم مؤنثا، ومن الأمثلة: أقبل وفد السياح؛ فيه ثلاثون رجلا وعشرون امراة، وسيقضي الوقد أربعين يوما أو خمسين في الصيعد؛ حيث ينعم بدفء الشتاء، ويتمتع بروائع الآثار
…
ومع أن لفظها اسم جمع ملحق في إعرابه بجمع المذكر السالم -فمدلولها "وهو: المعدود، أي: التمييز" لا بد أن يكون مفردا، مذكرا أو مؤنثا على حسب الحالة.
الرابع: تأنيث الأعداد المعطوفة وتذكيرها:
الأعداد المعطوفة تستلزم ثلاثة أمور مجتمعة:
1-
أن تكون صيغها مقصورة على ألفاظ العقود.
2-
أن يكون صيغة المعطوف عليه -وهو النيف- مقصورة على لفظ من الألفاظ الأعداد المفردة الأصيلة وملحقاتها ويتعين أن يكون هذا اللفظ هو: واحد أو تسعة أو عدد محصور بينهما، أو ملحق بهما.
3-
أن تكون أداة العطف هي: "الواو" دون غيرها إذا كان المراد مطلق الجمع1. وقد سلفت الأمثلة المختلفة لهذا القسم2.
فأما من ناحية تذكيره وتأنيثه، فالمعطوف -أي: العقد- مذكر دائما؛ لأن صيغته تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وفيها علامتاه؛ فلا يصح مجيء علامة تأنيث معهما؛ منعا للتعارض والتناقض -كما سلف.
وأما المعطوف عليه "أي: النيف" فإن كانت صيغته هي لفظ: "واحد" أو "اثنين"، وجب مطابقتها للمعدود في تذكيره وتأنيثه. وإن كانت صيغته هي لفظ:"ثلاثة أو تسعة" أو عدد بينهما، أو ملحق بهما -وجب مخالفتها للمعدود؛ فتؤنث حين يكون المعدود مذكرا، وتذكر حين يكون مؤنثا. فحكم المعطوف عليه هنا "من ناحية تذكيره وتأنيثه" كحكمه في الأعداد المفردة والمركبة
…
، ومن الأمثلة: في المتجر واحد وثلاثون رجلا وإحدى وعشرون فتاة، وفي المصنع اثنان
1 أي: "إذا أريد وقوعها دفعة واحدة، وإلا فلا مانع من أن تقول: قبضت منه ثلاثة فعشرين، أو: ثم عشرين، إذا قصد الترتيب مع الفور، أو التراخي.. -دماميني". ا. هـ. صبان.
2 في ص523.
وخمسون عاملا وثنتان وثلاثون عاملة. وفيه من الغلمان أربعة وثمانون غلاما وسبع وثلاثون فتاة1
…
، ومنها قوله عليه السلام:"من فرج عن مؤمن مهموم، أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وثلاثين مغفرة".
وإن كان للعدد المعطوف تمييزان أحدهما مذكر عاقل والآخر مؤنث، وجب مراعاة المذكر العاقل مطلقا2؛ نحو: عندنا خمسة وعشرون طبيبا وطبيبة، أو: عندنا خمسة وعشرون طبيبة وطبيبا. ومثل: نقلت السيارة خمسة وعشرين حقيبة ورجلا
…
و
…
، فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما بشرط ألا يفصل فاصل بين العدد والتمييز، نحو: قرأت ثلاثة وعشرين كتابا ومجلة، أو: ثلاثا وعشرين مجلة وكتابا. فإن فصل بينهما فاصل -هو كلمة: بين-3 روعي المؤنث؛ نحو: قرأت ثلاثا وعشرين بين كتاب ومجلة؛ ومما سبق يتبين أن العدد المعطوف والمركب متماثلان في هذا الحكم4.
الخامس: تأنيث الأعداد المفردة، ذات التمييزين:
إذا كان العدد مضافا إلى تميزين روعي السابق منهما مطلقا؛ أي: سواء أكان المضاف إليه عاقلا أم غير عاقل: مذكرا أم غير مذكر؛ نحو: حضر أربعة رجال وفتيات، وانصرف خمس طالبات وطلبة. ومثل: في الحجرة سبعة مقاعد ورجال3.. و
…
1 عرض ابن مالك الأبيات الخاصة بهذا القسم مختلطة بما يخص غيره. وقد عرضناها في ص531 و532.
2 أي سواء أكان العاقل هو المتقدم أم المتأخر، مفصولا بكلمة:"بين" أم غير مفصول.
3 و3 نص على هذا: الصبان.
4 راجع الصبان في هذا الموضع عند الكلام على التنبيه الثالث من تنبيهات الأشموني عقب الكلام على العدد المركب. وقد سبق -في ص548- الحكم الخاص المركب من هذه الجهة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- مؤنث "واحد" و"أحد" الذي بمعناه: وكذا "الحادي"، هو:"واحدة، وإحدى، وحادية". فثلاث للمذكر، وثلاث للمؤنث. وتختلف مواضع استعمال الكلمات الستة. "فالواحد": يدخل في قسم الأعداد المفردة كما يدخل في قسم الأعداد المعطوفة باعتباره هو المعطوف عليه. ولا يدخل في غيرهما -غالبا.
و"الأحد" يركب مع العشرة، فيصير: أحد عشر، ويقتصر على هذا الاستعمال العددي، فلا يستعمل استعمال الأعداد المفردة، ولا يكون -في الفصيح- معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ فلا يقال: جاء أحد1، ولا سافر أحد وعشرون.
و"واحدة" تستعمل عددا مفردا، وتكون أيضا معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ ومن الأمثلة: هذه واحدة، وهذه واحدة وعشرون. ولا تركب مع العشرة إلا نادرا لا يقاس عليه.
والحادي، والحادية -يكونان مركبين مع العشرة، أو معطوفا عليهما في الأعداد المعطوفة؛ نحو: انقضت الليلة الحادية عشرة- أو الحادية والعشرون، وكذا اليوم الحادي عشر، والحادي والعشرون. ولا يكونان في غير هذين القسمين.
و"إحدى" تكون -في الأكثر- مركبة مع العشرة2، أو معطوفا عليها في الأعداد المعطوفة، نحو: في البيت إحدى عشرة غرفة، أو إحدى وعشرون غرفة، "ومن النادر أن تكون مفردة بنفسها".
ويقول اللغويون: إن أصل الحادي والحادية: هو: الواحد والواحدة. نقلت "الواو" إلى آخر الكلمة، وتأخرت الألف بعد الحاء، فصارت:"حادو"،
1 بمعنى: واحد.
2 إذا ركبت مع العشرة كانت الكلمتان مبنيتين على فتح الجزأين، وهذا الفتح مقدر على آخر "إحدى"؛ -طبقا للبيان الذي في رقم 7 من هامش ص520 رقم 2 من هامش ص547.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و"حادوة"، ثم قلبت الواو ياء على حسب مقتضيات القواعد الصرفية؛ فصارت:"حادي، وحادية"، "على وزن "عالف وعالفة". وكلاهما منقوص، والأول، تحذف ياؤه عند التنوين، دون الثاني.
أما العدد: "اثنان" فمؤنثه: اثنتان، وأو ثنتان، والألفاظ الثلاثة قد تكون مفردة أو مركبة مع عشرة، أو معطوفا عليها.
وقد سبق1 أن لفظ "واحد" و"اثنين" وفروعهما لا يحتاجان إلى تمييز، ولكنهما قد يضافان لغرض آخر من أغراض الإضافة -وهو الاستحقاق-2 فلا يسمى المضاف إليه تمييزا لهما، لأنه لم يجئ بقصد إزالة الإبهام والغموض عن نوع معدودهما، فليس شأنه معهما كشأنه مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام عن العدد قصدا، فمن الخطأ: واحد رجل، وواحدة فتاة، واثنا رجلين، وثنتا فتاتين؛ إذ يجب أن نستغني عن العدد فنقول: حضر رجلا، أو رجلان -حضرت فتاة، أو فتاتان.
فإن أريد بالمضاف إليه معنى آخر من المعاني التي تجلبها الإضافة -كالاستحقاق- ولا شأن لها بالتمييز، جاز؛ نحو: رجل الدنيا وواحدها من يعتمد على نفسه -واحدة البيت نشيطة- لكل إنسان رجلان، واثنتا المقعد عاجزتان
…
فإن الغرض من الإضافة في هذه الأمثلة وأشباهها هو الملكية، أو التخصيص، أو شيء آخر مناسب، غير إزالة الإبهام.
ب- تلخيص ما سبق من تأنيث العدد -بأقسامه المختلفة- وتذكيره، هو:
1-
أن "الواحد" و"الاثنين" يذكران ويؤنثان تبعا لمدلولهما، لا فرق في هذا بين وجودهما في الأعداد المفردة، والمركبة، والمعطوفة.
وأن المائة والألف لا تتغير صيغتهما اللفظية مطلقا؛ فالأولى مؤنثة3 دائما، والأخرى مذكرة دائما.
1 في ص525 و531.
2 الدلالة على أن المضاف إليه يستحق المضاف -كما سبق في ص527 و533.
3 إلا إذا ألحقت المائة بجمع المذكر السالم وختمت بعلامتيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2-
وأن "ثلاثة" و"تسعة" وما بينهما -وما ألحق بهما- تخالف المعدود دائما، سواء أكانت من قسم المفرد، أم قسم المركب، أم قسم المعطوف.
3-
وأن "عشرة" المفردة تخالف، معدودها دائما؛ فهي كثلاثة وتسعة وما بينهما. أما "عشرة" المركبة فتوافق معدودها تذكيرا وتأنيثا.
ج- بمناسبة الكلام على تذكير العدد وتأنيثه يعرض النحاة للمذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية، ويقررون: أن جميع أسمائها مذكرة، إلا جمادى1.
أما ذكر كلمة: "شهر" أو عدم ذكرها قبل تلك الأسماء فقد سبق تفصيله في باب: "الظرف""ج2 م78" عند الكلام على: أحكام الظرف. ومنه يعلم أن الصحيح جواز تقديم كلمة: "شهر" على كل أسماء الشهور؛ فيقال: شهر رمضان
…
شهر شوال
…
شهر صفر
…
وهكذا باقي الشهور، مع إعرابها إعراب المتضايفين غالبا.
1 راجع كتاب: "الطبقات السنية"، ج1 ص22.