المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 153: إعراب المضارع ‌ ‌مدخل … المسألة 153: إعراب المضارع "ب" جوازمه1: عوامل جزمه ثلاثة - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌المسألة 153: إعراب المضارع ‌ ‌مدخل … المسألة 153: إعراب المضارع "ب" جوازمه1: عوامل جزمه ثلاثة

‌المسألة 153: إعراب المضارع

‌مدخل

المسألة 153: إعراب المضارع

"ب" جوازمه1:

عوامل جزمه ثلاثة أنواع:

نوع يقتصر على جزم مضارع واحد في النثر وفي النظم، بلا خوف، وهو أربعة أحرف:"اللام الطلبية، لا الطلبية، لم، لما"2.

ونوع لا بد أن يجزم مضارعين معا، أو ما يحل محل كل منهما، أو محل أحدهما؛ وهو عشر أدوات، "منها: إن، إذ ما، من، ما، متى

و

" بعضها أسماء، وبعضها أحرف. وسيجيء بيانها وتفصيل الكلام عليها3. ولا يكاد يوجد خلاف في أن هذا النوع جازم.

1 سبقت "ا" -وهي نواصبه- في ص277 م148..، لم سميت هذه العوامل:"جوازم"؟ بذل الشراح وأصحاب المطولات جهدا عنيفا في عقد الصلة بين الجزم بمعناه اللغوي؛ "وهو: القطع" ومعناه النحوي "الاصطلاحي"، قائلين إن الجوازم سميت بهذا: لأنها تقطع من المضارع "أي: تحذف" حركة آخره إن كان آخره صحيحا، وتقطع الحرف كله "أي: تحذفه" إن كان الآخر حرف علة. وطال الجدل واشتد حول هذا التعليل؛ كما طال واشتد حول بعض العوامل؛ "أبسيطة هي أم مركبة" قبل استخدامها في الجزم؟ وما الأطوار التي مرت بها حتى وصلت إلى صورتها الأخيرة الجازمة؟ وأتوا في هذا الغرائب التي تستحق اليوم الرفض السريع والإهمال؛ لما في أكثرها من بحوث وهمية لا تتصل بالواقع بصلة حقة. نقلوها عن شيخهم القديم "السيرافي" أحد شراح: كتاب سيبويه" وزادوها على الأيام حتى وصلت إلينا بصورتها الغربية. وحسبنا هذه الإشارة العابرة دون الاهتمام بتسجيلها، فإنما المهم أن نعلم آثار الجوازم، وأحكامها المختلفة، وفي مقدمتها أنها لا تدخل إلا على الفعل فإن ظهر بعدها فيها، وإلا وجب تقديره -كما سنعرف- وأنها تجزم المضارع لفظا أو محلا. ومن المجزوم محلا: المضارع المختوم الآخر بنون التوكيد. مباشرة. كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص410.

وجدير بالملاحظة -كما سبق التفصيل في ج1 م15 ص186- أن الجازم يحذف حرف العلة من آخر المضارع المعتل المجزوم. لكن قد يحذف حرف العلة من آخر المضارع لمجرد التخفيف من غير جازم كقوله تعالى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي: نبغي.

2 وهناك جزم مضارع واحد في جواب الطلب وملحقاته. وقد سبق تفصيل الكلام عليه في ص387.

3 في ص421 الكلام على النوع، وفي ص440 الكلام على النوع الثالث.

ص: 405

ونوع ثالث يختلف النحاة في اعتباره جازما، وقليل منهم يعده جازما، ويقصر جزمه على الشعر دون النثر. وأدواته ثلاثة: إذا -كيفما- لو..

والجوازم بأنواعها الثلاثة لا تدخل إلى على الفعل ظاهرا، أو مقدرا1. وفيما يلي البيان:

النوع الأول 2: الأربعة التي يجزم كل منها مضارعا واحدا معانيها، وأحكامها

أولها: لام الطلب. وهي التي يطلب بها عمل شيء وفعله -تركه، ولا الكف عنه- فإن كان الطلب صادرا ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقل منه سميت:"لام الأمر"، وإن كان من أدنى لأعلى سميت:"لام الدعاء". وإن كان من مساو سميت: "لام الالتماس". وبسبب دلالتها على المعاني الثلاثة كانت تسميتها "بلام الطلب" أنسب، كما عرفنا3. ومن أمثلتها:"لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتكن صلة القرابة لديك مصونة". ومن أمثلتها: "لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتن صلة القرابة لديك مصونة". ومثل قول الحكماء: "ليكن حبك وبغضك أمما4 ولتجعل للصلح والرجوع بقية في بقية في قللك، تصلح بما ما فات".

وأشهر أحكامها:

1-

أنها تجزم المضارع5 بشرط ألا يفصل بينهما فاصل.

2-

أن الجزم بها مختلف في درجة القوة والكثرة. فيكثر دخولها على المضارع المبدوء بعلامة الغياب؛ وهي الياء للمذكر، والتاء للمؤنث، ويقل -مع صحته-

1 ملاحظة: إذا كان المضارع مجزوم الآخر بالسكون الظاهر الذي قبله حرف علة فإنه يجب حذف حرف العلة قبل هذا السكون الظاهر؛ ففي مثل: ينال، يصول، يميل

يقال: من لم يحمل المتاعب لم ينل الرغائب، لا تصل بغير سلاح الحق؛ فإنه أمضى سلاح، لا يمل كل الميل، حبا أو بغضا؛ فمن وراء الإفراط سوء العواقب.

2 انظر رقم 2 في هامس السابق.

3 في ص366 -عند الكلام على أنواع الطلب. هذا، ولا يمنع من تسميتها طلبية خروجها عنه من مضارعها إلى معنى آخر؛ كالتهديد في قوله تعالى:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وكالخبرية في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} .

4 معتدلا وسطا.

5 لفظا أو محلا؛ كالشأن في جميع الجوازم.

ص: 406

دخولها على المضارع المبدوء بحرف الخطاب1؛ أو المبدوء بحرف التكلم، وهو: الهمزة أو النون، لأن المتكلم لا يأمر نفسه إلا مجازا، وهذا -مع قلته- قياسي فصيح، كسابقه. ومن الأمثلة قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ، وقوله عليه السلام:"قوموا فلأصل لكم"2. ومثل: لأترك من أساء ولأصاحب من أحسن.

3-

أنها قد تحذف ويبقى عملها.

وحذفها إما كثير مطرد؛ وذلك إذا وقعت بعد فعل الأمر: "قل" وكان الكلام بعدها لا يصلح جوابا للأمر. بسبب فساد معنوي. أو غيره، كالآية الكريمة:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} 3 أي: ليقيموا..

وإما قليل، ولكنه جائز في الاختيار وفي الضرورة، وهو حذفها بعد مشتقات القول الأخرى التي ليست فعل الأمر:"قل"؛ نحو:

قلت لبواب لديه دارها

تأذن؛ فإني حموها4 وجارها

يريد: لتأذن5 لي بالدخول

6.

وإما قليل مقصور على حالة الضرورة الشعرية؛ وهذا حين لا يسبقها شيء من مادة القول؛ نحو:

1 لأن فعل الأمر هو المختص الأصيل في الخطاب.

2 الفاء زائدة. أو عاطفة، عطفت جملة طلبية على طلبية.

3 الأصل: ليقيموا. وحجة القائلين بحذفها هنا، وبأن المضارع ليس مجزوما في جواب الأمر:"قل" -هو: أن مجرد الأمر بالقول لا يترتب عليه إقامتهم الصلاة فعلا؛ إذ لا يلزم من القول المجرد، والنطق به بصيغة فعل الأمر، حصول الفعل المراد حقيقة، وتحقيق المأمور به..، والذي يمنع هذا الفساد المعنوي هنا هو: تقدير لام الأمر.

4 أبو زوجها.

5 وليس المضارع في البيت ساكنا لضرورة الشعر في رأي فريق؛ ففي استطاعة الشاعر أن يقول "إيذن" من غير أن ينكسر البيت، وفي استطاعته أيضا أن يقول ولا ينكسر البيت.

"تأذن إني حموها وجارها"

بضم النون وحذف الفاء بعدها

وللضرورة تفسير آخر، سبق عند الكلام عليها في ص271 "في رقم 2 من هامشها".

6 ومثله قول شاعرهم:

قالت: تدعنا بلا بعد ولا صلة

ولا صدود، ولا في حال هجران

أي: لتدعنا.

ص: 407

محمد، تفد نفسك كل نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا1

وقول الآخر2:

فلا تستطل مني بقائي ومدتي

ولكن يكن للخير منك نصيب

والأصل فيهما: لتفد، ليكن

، فحذفت اللام للضرورة الشعرية.

4-

أن تحريكها بالكسر هو الأكثر؛ إذا لم يسبقها "الواو، أو الفاء، أو ثم". وفتحها لغة إن فتح تاليها. فإن سبقها أحد الأحرف الثلاثة المذكورة جاز تسكينها وتحريكها على الوجه السالف، لكن التسكين أكثر. نحو قولهم: من ولي من أمور الناس شيئا فليراقب ربه فيما وليه، وليذكر أنه محاسب على ما يكون مه، ثم لينتظر عاقبة ما قدمت يداه..3.

ثانيها: "لا" الطلبية

وهي التي يطلب بها الكف عن شيء وعن فعله4. فإن كان الطلب موجها ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى سميت "لا الناهية"4 وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية" وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا التي للالتماس"5

ومن أمثلة الناهية قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} . وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} -أي: ولا تتفرقوا.

ومن أمثلة الدعائية قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وقول الشاعر:

1 هلاكا. والبيت لحسان.

2 يخاطب ابنه العاق الذي يتمنى لوالده الموت.

3 وبالتسكين جاء قوله تعالى: في الآية التالية -وقد سبقت لمناسبة أخرى في رقم 2 من هامش ص194 {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

4 و4 انظر ما يتصل بهذا المعنى في "ج" ص412.

5 وقد سبقت الإشارة لهذا في النواصب عند الكلام على الطلب ص366. وبيان الأفضل في تسميتها.

ص: 408

لا يبعد الله جيرانا تركتهمو

مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم

........................................

.......................................1

ومن أمثلة الالتماس قول الزميل لزميله: لا تتهافت على اللئيم فتتهم في مروءتك. ولا على الجاهل فتتهم في فطنتك. ولا تأمن العدو فيسوقك للمهالك، ولا تثق بالحسود فيجرك للعطب.

وأشهر أحكامها:

1-

أنها تجزم المضارع2 بشرطين، أولهما: ألا يفصل بينهما فاصل، إلا عند الضرورة الشعرية؛ كالتي في مثل:

وقالوا: أخانا -لا تخشع لظالم

عزيز، ولا -ذا حق قومك- تظلم3

والأصل: ولا تظلم ذا حق قومك4. وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار مع مجروره؛ لأن التوسع بشبه الجملة كثير في ألسنة العرب. ورأيه حسن؛ مثل قولك للطائش: "لا -اليوم- تعبث والقوم يجدون، ولا -عن النافع- تنصرف والعقلاء يقبلون". أي: لا تعبث اليوم

ولا تنصرف عن النافع.

ثانيها: ألا تسبقها "إن الشرطية" أو غيرها من أدوات الشرط. فإن سبقت بإحداهما صارت نافية لا تجزم5..

2-

صحة حذف مضارعها لدليل يدل عليه؛ نحو: انصح زميلك ما وجدته

1 وكذلك قول المتنبي يدعو لسيف الدولة:

فلا تنلك الليالي؛ إن أيديها

إذا ضربن كسرن النبع بالغرب

"النبع شجر صلب ينبت في قمم الجبال، تصنع منها السهام. والقسي، والغرب: نبت ضعيف ينبت على شواطئ الأنهار.

2 لفظا أو محلا؛ كالحال في سائر الجوازم.

3 حرك المضارع بالكسر لأجل القافية في أبيات القصيدة.

4 أي: يا أخانا لا تخشع؛ بمعنى: لا تخضع. ويقول العيني: "ذا حق" مفعولان، فصل بهما بين "لا، والمضارع". وقد تعقبه الصبان: فقال: "ذا مفعل، وحق منصوب على نزع الخافض، والتقدير: لا تظلم هذا في أخذ قومك منك". ا. هـ. وقد يكون الأنسب والأوضح ما قاله العيني؛ لأن الفعل: "ظلم" قد ينصب مفعولين -كما في القاموس.

5 طبقا للبيان الذي سبق في "ا" من ص398 وله إشارة في رقم 5 من ص426 ورقم 1 من هامش ص388.

ص: 409

مستريحا للنصح، منشرحا له. وإلا فلا

أي: فلا تنصحه.

ويجب حذف المضارع بعدها في حالة واحدة؛ هي: أن ينوب عن مصدر محذوف، مؤكد، دال على نهي، كقولك لمن يتكلم والخطيب يخطب: سكوتا لا كلاما، أي: اسكت سكوتا، لا تتلكم كلاما1.

3-

كثرة جزمها المضارع المبني للمعلوم إذا كان مبدوءا بالتاء أو الياء، نحو قوله تعالى:{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} . وقول الشاعر:

لا تسأل الناس عن مالي وكثرته

وسائل الناس عن حزمي وعن خلقي

وقولهم: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق؛ فإن الرزق لا يسعى للقاعد عن طلبه2.

فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم "الهمزة، أو: النون" فمن النادر الذي لا يقاس عليه أن تجزمه -في الرأي المختار- لأن المتكلم لا ينهى نفس إلا مجازا. ومن القليل المسموع قول الشاعر:

لا أعرفن ربربا3 حورا مدامعها

مردفات4 على أعقاب5 أكوار6

1 طبقا للبيان الذي سبق تفصيله في بابه المناسب "باب: "المفعول المطلق"، موضوع: "حذف عامل المصدر" ج2 م76".

2 ومثله قول الشاعر:

لا يعجبن مضيما حسن بزته

وهل يروق دفينا جودة الكفن؟

المضيم: الذليل المهين -البزة: الهيئة

والمضارع مبني على الفتح في محل جزم- فهو مجزوم محلا، كما سيجيء في رقم 3 التالي وكما في قوله:"لا تكونن على الإساءة، أقوى منك على الإحسان". وقد اجتمعت التاء والياء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} .

اتلمزوا: لا تذموا ولا تعيبوا. لا تنابزوا: لا تتنادوا بالألقاب المكروهة.

3 قطيعا من الظباء أو البقر الوحشية، والمراد: جماعة من النساء جميلات العيون كالربرب. والمضارع في هذا البيت -كما في سابقه- مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، في محل جزم؛ فهو مجزوم محلا -كما سبق هنا في رقم 2 وفي رقم 1 من هامش ص405.

4 متتابعات؛ بعضها وراء بعض.

5 جمع: عقب، وهو آخر كل شيء.

6 جمع: كور، وهو: الرحل بأدواته.

ص: 410

وقول الآخر:

إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد

لها أبدا ما دام فيها الجراضم1

أي: لا يكن ربرب أعرفه -لا تكن منا عودة بعد خروجنا2

فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم مع بنائه للمجهول جزمته بكثرة؛ نحو: لا أخرج من وطني إلا تحت ظلال السيوف أو لا تخرج من وطنا

وإنما كثر هذا لأن النهي متجه إلى غير المتكلم؛ فأصل الكلام. لا يخرجني أحد، أو لا يخرجنا أحد.. فالنهي منصرف للفاعل وهو غير المتكلم. ثم حذف الفاعل وناب عنه ضمير المتكلم؛ فصار الكلام: لا أخرج، ولا نخرج3.

1 كثير الأكل، كبير البطن، ويريد الشاعر به: معاوية بن أبي سفيان.

2 ومن المسموع الذي لا يقاس عليه قول الشاعر:

ولا أكن كقتيل العين بينكمو

ولا ذبيحة تشريق وتنحار

"وقتيل العين" -بفتح العين وسكون الياء- عند العرب من ذهب دمه هدرا. "وذبيحة التشريق" هي التي تذبح في عيد الأضحى، ويشرق بعض لحمها "أي: يخفف" ليأكله أصحابه خلال أيام العيد. "والتنحار": النحر.

3 هذا تعليل جدلي. والتعليل الحق مجرد استعمال العرب.

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- لم يشترط الكوفيون للجزم بـ"لا" أن تكون طلبية؛ فهم يصححون الجزم بعد "لا" النافية أيضا؛ بشرط أن يصح وقوع "كي" التعليلية قبلها مع استقامة المعنى؛ كالذي حكى من قول بعض العرب: "ربطت الفرس لا ينفلت" بجزم المضارع وبرفعه، فالجزم على توهم وتقدير جملة شرطية؛ أي: لأني إن لم أربطه ينفلت. وهنا يمكن وضع: "كي" قبل: "لا" من غير أن يفسد المعنى، بأن يقال: ربطت الفرس كي لا ينفلت. ومن الخير اليوم عدم الأخذ بهذه اللغة، وعدم القياس على القليل الوارد بها؛ منعا لفوضى التعبير، وما يترتب عليه -بغير داع- من اضطراب الفهم واختلافه.

أما الرفع فعلى الاستئناف.

ب- من الأساليب الصحيحة التي لها نظائر واردة في بليغ الكلام: "أحب الأصدقاء ولا تر ما المخلصون أو: ولو تر ما المخلصون

" بمعنى: "ولا سيما

" في كل ما تقدم. وقد سبق تفصيل الكلام على هذا الأسلوب؛ معنى وإعرابا1

ح- يقرر اللغويون أن "لا، النافية"، قد تفيد النهي -دون أن تجزم- إفادة أقوى من إفادة "لا، الناهية" يدل على هذا ما سجله الشراح في قوله عليه السلام2: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلام

" -برفع المضارع: "يشير"، وإثبات الياء قبل الراء، فقد قال النووي في شرحه ما نصه: "قوله: لا يشير..، نهي بلفظ الخبرن وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي". ا. هـ3.

ومن الأمثلة أيضا قوله عليه السلام4 حين نزلت الآية التي تحرم الخمر تحريما قاطعا: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبيع" برفع المضارعين. ودليل الرفع عدم حذف الياء قبل آخر الفعل: "يبيع"5.

1 في ج1 باب الموصول، عند الكلام على:"لا سيما" م28 ص287 -وتجيء إشارة لهذا في هامش ص443، والمسموع.

2 نقلا عن: "صحيح مسلم" ج8 كتاب: البر، والصلة، والآداب.

3 لأن معنى النهي هو: طلب الكف عن شيء

، فهو شخص طلب مجرد؛ لا يفيد بذاته أن الكف سيتحقق أو لا يتحقق. بخلاف النفي؛ ففيه قطع بعدم حصول الشيء، وجزم بأن المعنى لا سبيل إلى تحققه؛ لثقة المتكلم أن السامعين والمخاطبين لن يخالفوا ما يقرره.

4 رواه "مسلم" في باب تحريم الخمر، من كتاب: الأشربة.

5 لأنه معطوف على المضارع: "يشرب"؛ فلو كان المعطوف عليه مجزوما لوجب جزم المعطوف، وحذف الياء التي قبل آخره.

ص: 412

ثالثها ورابعها: "لم، ولما" الجازمتان1:

ويشتركان في أمور، منها: أن كلا منهما حرف نفي. مختص بجزم مضارع واحد، وبنفي معناه، وبقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي2، وقد تدخل همزة الاستفهام -ولا سيما التقريري-3 على هذا الحرف، فلا تغير عمله. ومن الأمثلة قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 4، وقوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقوله تعالى:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} .

ومثل: حضر الرحالة ولما تحضر رفاقه، وأقبل الناس على تهنئته، ولما يسمعوا منه وصف رحلته، ومثل: أيها الفتى، ألما تترك عبث الغلمان وقد كبرت؟ ألما تقبل على عملك والوطن ينتظر منك الجد والإخلاص؟

لما سبق يقول النحاة في كل واحد منهما عند إعرابه إنه: "حرف نفي، وجزم، وقلب". ثم هم يقررون أن المضارع بعدهما مضارع في لفظه وفي إعرابه، لكنه ماض في زمن معناه، سواء أكان مضيه متصلا بالحال أم غير متصل.

1 لا تكون "لم" في جميع استعمالاتها إلا قافية جازمة. بخلاف "لما" -كما سنذكر- فلها استعمالات متعددة؛ منها: الجزم، ومنها: أن تكون ظرفا بمعنى: "وقت، أو حين""وقد سبق الكلام عليها في باب الظرف "ج2 م79 ص285" ومنها: أن تكون حرفا بمعنى "إلا" الاستثنائية. وقد أوضحناها في باب: الاستثناء "ج2 م83 د ص336".

2 فيكون الفعل مضارعا في صورته وفي إعرابه، ولكن زمنه ماض. إلا إن كانت "لم" مسبوقة بأداة شرط للمستقبل المحض كما في الصفحة الآتية.

3 وهو: حمل المخاطب على الإقرار "أي: على الاعتراف" بالحكم الذي يعرفه فيما جرى بشأنه الاستفهام. وقد يكون إقراره إثباتا، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أو نفيا. كقوله تعالى يخاطب عيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فليس المراد حمله في كل الأحوال على الإقرار والموافقة على ما جاء منفيا بعد الهمزة؛ وإنما المراد حمله على الإقرار بالإثبات ما بعدها حين يقتضي المعنى الإثبات، ونفيه حينا آخر تبعا للمعنى أيضا. وقد يكون المراد من الاستفهام هنا: إظهار الاستبطاء، والحث على الإسراع: كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} أو التوبيخ؛ نحو قوله تعالى يخاطب الكفار يوم القيامة: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} وقد سبقت الإشارة المفيدة للاستفهام التقريري في نواصب المضارع، عند الكلام على:"فاء السببية" في رقم 1 من هامش ص257.

4 وقول الشاعر:

إذا مر بي يوم ولم أتحذ يدا

ولم أستفد علما فما ذاك من عري

ص: 413

وتنفرد كل أداة منهما بأمور؛ فما تنفرد به "لم":

1-

صحة دخول بعض أدوات الشرط عليها "مثل: إن، إذا، من، لو

" كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقول الشاعر:

إذا لم يكن فيكن ولا جنى

فأبعدكن الله من شجرات

وقول الآخر:

من لم يؤدبه الجميـ

ـل ففي عقوبته صلاحه....1

وقول المتنبي يرثي جدته:

ولو لم تكوني بنت أكرم والد

لكان أباك الضخم كونك لي أما

وإذا دخلت أداة الشرط على "لم"2 صار المضارع بعدها متجردا للزمن المستقبل المحض، وبطل تأثير "لم" في قلب زمنه للماضي. ومعنى هذا: أن "لم" تقلب زمن المضارع من الحال والاستقبال إلى الماضي بشرط ألا تسبقها إحدى الأدوات الشرطية التي تخلص زمنه للمستقبل المحض، فإن سبقته إحدى هذه الأدوات مثل: إن -من. و. ولم ينقلب زمنه للماضي، وصار التأثير في زمنه مقصورا على أداة الشرط وحدها؛ فتخلصه للمستقبل المحض. كالشأن في الأدوات الشرطية التي تجعله للمستقبل الخالص.

لكن ما الذي يجزمه إذا اجتمعت قبله أداة الشرط و"لم" معا، وكانت أداة الشرط جازمة كالتي في بعض الأمثلة السابقة، وفي قولهم: من لم يقدمه الحزم يؤخره العجز؟ 3

1 ومثله قول الآخر:

ومن لم يصن في حاجة ماء وجهه

عن الناس لم يلبس ثياب جلال

2 وقد تكون "لم" مقدرة هي ومضارعها بعد أداة الشرط، كقول الشاعر:

إذا الشعر لم يسحرك عند سماعه

فليس خليقا أن يقال له شعر

3 وفي إعراب قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} يقول الخضري "ج1 آخر باب: المعرب والمبني" عند الكلام على بيت ابن مالك: =

ص: 414

اختلف النحاة في تعيين الأداة العاملة؛ فقائل: إنها "لم"؛ لاتصالها به مباشرة، وأداة الشرط مهملة1 داخلة على جملة، وقائل: إنها أداة الشرط، لسبقها ولقوتها، فكما تؤثر في زمنه فتجعله للمستقبل الخالص تؤثر في لفظه فتجزمه كما جزمت جوابه؛ وخلصت زمنه للمستقبل. وفي هذه الحالة تقتصر "لم" على نفي معناه دون جزمه، ودون قلب زمنه للماضي. والأخذ بهذا الرأي أحسن؛ بالرغم من أن الخلاف لا قيمة له؛ لأن المضارع مجزوم على الحالين، والمعنى لا يتأثر.

2-

صحة الفصل بينها وبين مجزومها في الضرورة الشعرية فقط؛ كقول الشاعر:

فأضحت مغانيها قفارا رسومها

كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل

أي: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش.

3-

جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى وانقطع قبل الكلام بوقت قصير أو طويل2، وأن يكون مستمرا متصلا بالحال؛ "أي: بوقت الكلام" ولكن يستحيل أن يكون للمستقبل، أو متصلا به

3؛ فمثال انقطاعه قبل الكلام وعدم امتداده للحال: لم ينزل المطر3 منذ شهرنا. ومثال استمراره واتصاله بالحال وعدم انقطاعه قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ،

= "واجعل لنحو يفعلان النون

" ما نصه: "فإن لم تفعلوا" قيل: تنازع الحرفان الفعل فأعمل الثاني، وحذف نظيرها من الأول. وقيل الأصل: إن ثبت أنكم لم تفعلوا

، فمضي "لم" في عدم الفعل، واستقبال "إن" في إثبات ذلك العدم، هو على حد قوله تعالى:{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} فإن المعلق عليه إثبات القد، لا هو نفسه؛ لسبقه على وقت المحاكمة. وقيل:"لم" عملت في الفعل، وهي معه في محل جزم بإن، وجواب الشرط على كل محذوف تقديره: فاتركوا العناد

". ا. هـ.

وستجيء إشارة لهذا في "ج" من ص437، والأنسب الأخذ بما عرضناه هنا؛ لبعده من التكلف والتعقيد.

1 أي: لا عمل لها.

2 والغالب في هذا الزمن الماضي المنقطع أن يكون مقداره طويلا؛ سواء أكان انقطاعه قبل الكلام قصيرا أم طويلا. أي: أن الغالب على هذا الزمن الماضي أن يكون أوله قديما بعيدا عن نهايته؛ فالاتساع عظيم بين أوله ونهايته. أما نهايته المنقطعة فقد تكون قريبة أو بعيدة من بداية الزمن الحالي. "انظر رم 2 من هامش ص418".

3 و3 لهذا لا يصح أن يقال على سبيل الحقيقة اللغوية: لم يسافر فلان غدا.

ص: 415

وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 1، وقول الشاعر:

غاية البؤس والنعيم زوال

لم يدم في النعيم والبؤس حي

وقول الآخر في مغنية:

غنت فلم تستبق جارحة

إلا تمنت أنها أذن1

4-

صحة وقوع الاسم بعدها معمولا لفعل محذوف بعدها، يفسره شيء مذكور. كقول الشاعر:

ظننت -فقيرا- ذا غنى، ثم نلته

فلم -ذا رجاء- ألقه غير واهب

والتقدير: فلم ألق ذا رجاء -ألقه- غير واهب إياه ما يريد، وما يحتاج إليه2. والأحسن الرأي يقصر هذه الحالة على الضرورة الشعرية، ويمنع القياس عليها في النثر.

5-

امتناع حذف مضارعها -في غير الصورة السالفة- إلا في الضرورة3 كقول القائل:

احفظ وديعتك التي استودعتها

يوم الأعازب4، إن وصلت وإن لم

أي: وإن لم تصل

1 و1 قد يكون اتصاله بالحال واجبا، لأمر عقلي يقتضي ذلك؛ كما في قوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} أو لأمر لفظي "لغوي" كوجود كلمة تفيد بانضمامها إلى "لم" معنى الدوام والاستمرار؛ كما في بعض الأفعال الناسخة المنفية من أخوات "كان"؛ وهي الأفعال الأربعة التي يشترط لإعمالها أن تكون مثالية؛ مثل؛ "لم يبرح، لم يزل، لم يفتأ، لم ينفك" وعلى كل حال: المعول عليه في الاستمرار وعدمه هو: القرائن.

2 معنى البيت: كان الناس يظنونني -في حال فقري- غنيا مع أني لم أكن غنيا في الواقع. فلما منحني الله الغنى لم ألق ذا رجاء في مروتي وأمل في معاونتي، إلا حققت رجاءه وأمله؛ فمنحته من المال ما يرضيه. فكلمة:"فقيرا" حال.

3 سبق المراد من الضرورة في رقم 2 من هامش ص271.

4 يوم الأعازب، أو يوم الأغارب: يوم معهود من أيام العرب. ويقول صاحب الدرر اللوامع على "همع الهوامع""ج2 ص72" لم أقف عليه في كتب أيام العرب. والبيت منسوب للشاعر ابن هرمة..

ص: 416

6-

أن بعض العرب قد ينصب بها، وبعضا آخر قد يهملها فلا تنصب ولا تجزم، وإنما تتجرد للنفي المحض؛ فمثال النصب بها قراءة من قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1. ومثال لإهمال قول الشاعر:

لولا فوارس من ذهل وأسرتهم

يوم2 الصليفاء لم يوفون بالجار

ومن المستحسن الآن الانصراف عن هذين الرأيين، وعدم محاكاة واحد منهما؛ منعا للفوضى البيانية، الضاره.

ومما تنفرد به "لما:

1-

صحة حذف المضارع المجزوم بها، والوقوف عليها بعد حذفه، في النثر وفي الشعر؛ كقول أحد القواد الرحالين:"لما دخلت دمشق عزمت على زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، فما كدت أقترب منه حتى امتلأت نفسي هيبة، وسرت في جسدي رهبة لم أستطع منها خلاصا إلا على صوت رائدي يقول: "تقدم للدخول"

فتقدمت ولما

، وبقيت في غمرة من جلال الموت، وعبرة التاريخ؛ أردد قول الشاعر:

فجئت قبورهم بدءا3 ولما

... فناديت القبور فلم يجبنه4

1 ومن الأمثلة ما ساقه ابن جني في كتابه: "المحتسب" -ج2 ص267- حيث استشهد للنصب -كغيره- بالقراءة السالفة، ثم قال بعدها ما نصه: "قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد:

من أي يومي من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

ا. هـ.

2 الظرف: "يوم" متعلق بمحذوف خبر، تقديره: لولا فوارس موجودة يوم الصليفاء. ولا يصبح تعليقه بالفعل الذي بعده؛ لأن ما في حيز جواب "لولا" -وغيرها مما يحتاج لجواب- لا يتقدم على الجواب. و"الصليفاء" في الأصل: مصغر "الصلفاء" بمعنى: الأرض الصلبة. وهي هنا موقعة من أشهر مواقع العرب.

3 البدء: السيد.

4 الهاء التي في آخر هذا المضارع هي: "هاء السكت" الساكنة. والبيت لشاعر يتحسر على من مات من قومه، وأن موت عظمائهم قد أخلى له الطريق، كي يكون سيدا بعد موتهم، مع أنه لم ين كذلك في حياتهم. وهو معنى قريب من قول الآخر:

خلت الديار فسدت غير مسود

ومن الشقاء تفردي بالسودد

وفي ذلك البيت الأسبق مخالفة لما يلازمها من وجوب اتصال نفي منفيها بالزمن الحالي؛ طبقًا لما يجيء في رقم 2؛ وقد تكلفوا التأويل لإبعاد هذه المخالفة.

ص: 417

أي: تقدمت ولما أستفق "مثلا" فجئت قبورهم بداء ولما أكن سيدا قبل ذلك

أما المضارع المجزوم "بلم" فلا يصح حذفه إلا في الضرورة -كما سبق.

2-

وجوب امتداد الزمن المنفي بها إلى الزمن الحالي امتدادا يشملهما معا، وذلك بأن كون المعنى منفيا في الزمن الماضي وفي الزمن الحالي أيضا من غير اقتصار على أحدهما، نحو: بهرني ورد الحديقة، وأغراني بقطفه، ولما أقطفه، أي: ولما أقطفه؛ لا في الزمن الماضي "قبل الكلام"، ولا في الحال "وقت الكلام" ومثل قول الشاعر يستغيث بمن يحميه من أعدائه:

فإن أك مأكولا فكن أنت آكلي

وإلا فأدركني، ولما أمزق

يريد: أني لم أمزق في الماضي ولا في الزمن الحالي. أما "لم" فليست ملازمة لهذا إلا في بعض الحالات1 ومن ثم يصح: لم يحضر الغائب ثم حضر الآن، ولا يصح: لما يحضر الغائب ثم حضر الآن، لأن الأولى معناها لم يحضر في الزمن الماضي قبل التكلم، ثم حضر الآن في وقت التكلم، فلا تعارض بين الزمنين. أما الثانية فمعناها: لم يحضر في الماضي ولا في الحال ثم حضر الآن؛ أي: في الحال، وهذا تناقض واضح، إذ من المحال أن يثبت الحضور وينفي في زمن واحد؛ هو الحال2

3-

أن المتكلم بالمعنى المنفي بها يتوقع زوال النفي -غالبا- عن ذلك المعنى وحصوله مثبتا: أي: ينتظر تحقق المعنى وقوعه -في الغالب- على الوجه الحالي من النفي، فالذي يقول، لما تشرق الشمس،

يريد: أنها لم تشرق قبل الكلام ولا في أثنائه، لكن من المنتظر أن تشرق. ومن يقول: لما تمطر السماء، يقصد:

1 كما عرفنا في رقم 1 من هامش ص416.

2 ومما يختلف في الحرفان أيضا أن الزمن الماضي المنفي بالحرف: "لم"، طويل -على الوجه المشروح في رقم 2 من هامش ص415- أما الماضي المنفي الحرف "لما" فقصير غالبا، أي؛ ليس قديم المبدأ؛ فأوله في الغالب ليس بعيدا من آخره المتصل بالحال؛ فلا يصح أن يقال: لما يكن الرحالة مقيما هنا في العام الماضي، ويصح: لم يكن الرحالة

، على أن تقدير القصر، والطول، والقدم، والجدة متروك للعرف والمناسبة بين شيئين والموازنة بينهما. ومن العسير وضع تحديد دقيق لهذه الأزمنة.

ص: 418

أنها لم تمطر قبل التكلم، ولا في خلاله، ومن المتوقع أن تمطر1. أما المتكلم بالمعنى المنفي بالحرف "لم" فلا يتوقع رفع النفي عنه، ولا ينتظر حصوله مثبتا2

4-

أنها متنوعة المعاني والأغراض تنوعا يؤدي إلى اختلاف الأساليب على حسب تلك المعاني والأغراض. بخلاف: "لم"؛ فإنها في جميع أحوالها واستعمالاتها لا تكون إلا نافية جازمة -كما سبق3.

إلى هنا انتهت أوجه التشابه والتخالف بين: "لم""لما" وهي أوجه دقيقة تتطلب يقظة، وسلامة إدراك عند استعمال هذين الحرفين، وعند تفهم الأساليب التي تحويهما4.

1 قلنا إن التوقع هو الغالب. ومن غير الغالب مثلا: ندم إبليس ولما ينفعه ندمه. واستشفع المحكوم عليه بالقتل قصاصا ولما ينفعه استشفاعة.

2 والانتظار وعدمه هما بالنسبة للمعنى المستقبل بعدهما. أما المعنى الماضي فهما سيان في التوقع وعدمه؛ نحو: "ما لي قمت ولم تقم" أو: "لما تقم" والمراد: لم تقم أو لما تقم، مع أني كنت متوقعا منك فيما مضى القيام وهذا هو ما يشعر به التعجب من عدم قيام المخاطب. ومثال عدم التوقع أن تقول ابتداء: لم يقم الرجل.

3 البيان في رقم 1 من هامش ص413.

4 وقد عقد ابن مالك للجوازم بابا مستقلا عنوانه: "عوامل الجزم" بدأه بالكلام على الجوازم الأربعة المختصة بجزم مضارع واحد، واكتفى في الكلام عليها ببيت واحد هو:

بلا. ولام -طالبا- ضع جزما

في الفعل، هكذا بـ"لم" و"لما"

يريد: اجزم الفعل المضارع بلا وباللام إذا كنت طالبا بهما. أي: إذا استخدمتهما أداتي طلب، واجزمه أيضا بلم ولما.

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

"لما" الجازمة تختلف اختلافا واسعا عن: "لما" الظرفية التي هي ظرف -في المشهور-1 بمعنى: حين، أو: إذ، وتفيد وجود شيء لوجود آخر؛ فالثاني منهما مترتب على الأول، ومسبب عنه، ولهذا تدخل على جملتين ثاننيتهما هي المترتبة على الأولى. والغالب أن تكونا ماضيتين. نحو قوله تعالى:{فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وقد تكونان غير ماضيتين بالتفصيل المفيد الذي عرفناه في الظروف1..

وكذلك تختلف: "لما" الجازمة عن: "لما" التي بمعنى "إلا" كالتي في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2، أي: إلا عليها حافظ "في أحد المعاني

" وهذه لا تدخل -في الغالب- إلا على الجملة الاسمية؛ كالآية السالفة

، أو على الماضي لفظا لا معنى، نحو: أنشدك الله لما فعلت كذا؛ أي: إلا فعلت. والمعنى: ما أسألك إلا فعل كذا، أي: إلا أن تفعل كذا. فالماضي هنا صوري فقط؛ لأن لفظه ماضي ومعناه معنى المضارع المستقبل

1 و1 انظر رقم 3 من هامش ص292 ففيها بيان هام. وبعض النحاة يعدها حرفا. ولا غنى عن الرجوع إلى ما سبق من تفصيل الكلام عليها في باب: "الظرف"، وبيان أنواع جوابها "ج2 ص223 م79" وفي باب:"الإضافة""ج3 ص75 م94".

2 "إن" نافية، بمعنى:"ما" النافية.

ص: 420