المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع ‌ ‌المدخل … المسألة 148: إعراب الفعل المضارع 1- نواصبه: الأفعال - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع ‌ ‌المدخل … المسألة 148: إعراب الفعل المضارع 1- نواصبه: الأفعال

‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

‌المدخل

المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

1-

نواصبه:

الأفعال ثلاثة: "ماض، وأمر"، وهما مبنيان دائما. و"مضارع"، وهو معرب، إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا "نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو "نون النسوة" فيبنى على السكون. وفي غير هاتين الحالتين يكون معربا1.

وهذا الإعراب يقتضي أن تتغير علامة آخره رفعا، ونصبا، وجزما، على حسب أحواله؛ فتكون العلامة ضمة، أو ما ينوب عنها، في حالة رفعه، وتكون فتحة، أو ما ينوب عنها، في حالة نصبه بناصب قبله، وتكون سكونا أو ما ينوب عنه في حالة جزمه بجازم قبله. وعلى هذا لا يرفع المضارع إلا في حالة واحدة؛ هي التي يتجرد2 فيها من الناصب والجازم؛ فلا يسبقه شيء منها؛ سواء

1 سبق "في ج1 ص44، 50 م6" تفصيل الكلام على معنى الإعراب والبناء، وأثرهما في الأفعال.. كما سبق هنا "في ص167 م143" الكلام على نوني التوكيد، وأحكامهما، وآثارهما، واتصالهما المباشر بالمضارع، وغير المباشر، ونتيجة كل

أما نون النسوة فاتصالها به مباشر في كل حالاتها.

2 للنحاة جدل عنيف في سبب رفع المضارع؛ أو التجرد -والتجرد علامة عدمية- أم هو حلوله محل الاسم، أو الزيادة التي في أوله

أم

؟ إلى غير ذلك من آراء متعددة، لا يسلم واحد منها من اعتراضات مختلفة، ولا يقوى اعتراض منها على الثبات أمام الردود التي توجه إليه

وهذه المعركة الجدلية الشاقة لا طائل وراءها. ومن إضاعة الوقت والجهد الوقوف عندها.

أما حقيقة الأمر فهي أن العربي رفع المضارع الذي لم يسبقه ناصب ولا جازم، ونصبه أو جزمة إذا تقدمت الأداة الخاصة بهذا أو بذاك، وأن المحدثين تابعوا؟ وحاكوهم فيه، من غير أن يفكر العرب ولا المحدثون في عامل الرفع: أهو عدمي أم غير عدمي؟ ويقتضينا الجد ومتابعة ركب الحياة الحضرية بعلومها وفنونها أن نوجه الجهد -ولو كان يسيرا إلى جلائل الأمور.

إن نظرية "العامل" التي ابتكرها النحاة نظرية بارعة عظيمة، ودليل نبوغ وعبقرية؛ وطالما امتدحناها ولم ننكر من أمرها إلا التعسف -بغير داع- في تطبيقها. وهذا هو العرض المعيب في جوهرها النفيس "كما أشرنا في ص45 م6 ج1. وفصلنا الكلام فيها". ونحن نكشف عنها هذا العرض في مناسبات مختلفة؛ ليصفر جوهرها، ويخلص معدنها الثمين

ولهذا ندع الجدل هنا في سبب رفع المضارع.

ص: 277

أكان رفعه ظاهرا أم مقدرا؛ كالفعلين: "يسيء ويتلى" في قول الشاعر:

وأقتل داء رؤية العين ظالما

يسيء، ويتلى في المحافل حمده

فإن سبقه ناصب وجب نصبه، أو جازم وجب جزمه1. وهذا الباب معقود للكلام على الأدوات التي تنصبه، وكلها حروف، وهي:

"أن، لن، إذن، كي"، "لام الجحود، أود، حتى، فاء السببية، واو المعية". فهذه تسعة. وزاد بعض النحاة حرفين؛ هما: "لام التعليل"، و"ثم"؛ الملحقة2 بواو المعية، وبهما يكمل عدد النواصب أحد عشر حرفا. وكل حرف منها يخلص زمن المضارع للمستقبل المحض3.

والأربعة الأولى تنصب المضارع بنفسها مباشرة لا بحرف آخر ظاهر أو مقدر. أما بقية الأحرف فلا تنصبه بنفسها، وإنما الذي ينصبه هو:"أن" المضمرة وجوبا بين كل حرف من تلك الأحرف والمضارع.

والمذهب الكوفي يبيح توسط "كي" مضمرة أو مظهرة بين لام التعليل والمضارع، ويجعل هذا المضارع منصوبا ب"كي"، ولا "بأن" المضمرة، وسيجيء4 بيان هذا كله في موضعه المناسب من الباب.

1 يقول ابن مالك في رفع المضارع في باب عنوانه: "إعراب الفعل".

رفع مضارعا إذا يجرد

من ناصب وجازم؛ كتسعد-1

2 في المذهب الكوفي. والكلام عليها في ص385.

3 في الجزء الأول "م4 ص54". تفصيل الكلام على أنواع الزمن في المضارع.

4 في ص300.

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

إذا بنى المضارع المجرد من الناصب والجازم على الفتح "لاتصاله المباشر بنون التوكيد"، أو على السكون؛ "لاتصاله بنون النسوة" فهل يكون له محل من الإعراب؛ فيقال عنه: مبني في محل رفع؛ لأن الرفع هو الأصل الثابت له قبل أن تطرأ عليه فتحة البناء وسكونه؟

الأحسن الأخذ بالرأي القائل إنه مبني على الفتح أو على السكون في محل رفع؛ لأنه الأصل الذي تجب مراعاته عند مجيء مضارع آخر بعد الأول، تابع له "كأن يكون الثاني معطوفا على الأول، أو توكيدا لفظيا له، أو بدلا منه"؛ فيجب رفع الثاني المرجد عن الناصب والجازم؛ تبعا لمحل الأول من غير أن يتأثر ببناء الأول؛ إذ التابع لا يكتسب البناء من المتبوع.

أما إذا كان المضارع المبني غير مجرد -لوقوعه بعد ناصب أو جازم- فإنه يبني على الفتح، أو على السكون، على حسب نوع النون المتصلة بآخره، ويكون في محل نصب إن سقه ناصب، وفي محل جزم1 إن سبقه جازم. ويراعى هذا المحل في المضارع الذي يجيء بعده، تابعا له؛ "معطوفا، أو توكيدا لفظيا، أو بدلا

" لأن مراعاة المحل واجبة في هذه الصورة. ويتعين يفها أن تكون العلامة الإعرابية في التابع مماثلة للعلامة الإعرابية المحلية في المتبوع. فمثال المضارع المبني على الفتح في محل نصب: "

إذن لا أصاحبن الخائن، ولا أرافقه". فالفعل:"أصاحب" مبني على الفتح في محل نصب بالحرف: "إذن" والفعل "أرافق" معطوف عليه، معرب منصوب؛ تبعا لمحل المعطوف عليه

ومثال المضارع المبني على الفتح في محل جزم: "لا تخافن إلا ذنبك، ولا ترجون إلا ربك"، وقول الشاعر:

لا تحسبن المجد والـ

ـعلياء في كذب المظاهر

فالأفعال: تخاف، ترجو، تحسب، مبنية على الفتح في محل جزم بـ"لا الناهية"

1 كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص472.

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثال المضارع المبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، أو في محل نصب وإما في محل جزم على حسب الأداة التي قبله -قول بعض المؤرخين في وصف الأعرابيات:

اشترك كثيرات منهن في الحروب، كما تشترك فرق المتطوعات اليوم. ومع اشتراكهن لم يهملن التصون والتحفظ. وأني لهن أن يتركنه، والدين والنشأة العربية الأصيلة خير عاصم للحرائر؟

فالمضارع "يهمل" -مبني على السكون في محل جزم بالحروف "لم". والمضارع "يترك" مبني على السكون في محل نصب بالحرف: "أن".

ويجب مراعاة هذا المحل في التوابع -كما سلف؛ فيجب نصب المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل نصب، كما يجب جزم المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل جزم

، وهكذا بقية التوابع. فلإعراب المضارع إعرابا محليا أثر في توابعه وفي المعنى.

ج- لا يعتبر المضارع ساكنا إذا كان سكون آخره عارضا بسبب الوقف عليه، أو بسبب التخفيف من توالي ثلاث حركات في آخره مباشرة، أو في آخره مع ما يتصل به ويعتبر جزءا منه، كالضمير. وهذا التخفيف لغة بعض القبائل، وأوضح صوره تسكين الحرف الثاني من الأحرف الثلاثة المتوالية المتحركة. فيقولون: -يستمع- بسكون الميم في المضارع: "يستمع" مكسور الميم، ويقولون:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ؛ بسكون الراء في آخر المضارع "يأمر"؛ لوقوع الضمير المتحرك بعده، وهذا هو ما يعنينا الآن. فعند الإعراب نقول: إن المضارع مرفوع أو منصوب على حسب حالته الأصلية، ونزيد: أنه سكن للوقف، أو للتخفيف1

ومثل هذا السكون لا يراعي في التوابع.

1 سبق بيان شامل عن "سكون التخفيف"؛ في ج1 م16 ص180 عند الكلام على: "مواضع الإعراب التقديري"، وأشهر المواضع التي تقدم فيها الحركات الأصلية.

ص: 280

الأحرف الأربعة الناصبة بنفسها:

الأول: "أن" المصدرية1 المحضة الناصبة للمضارع. وعلامتها اجتماع أمرين معا: "أن تقع في كلام يدل على الشك2، أو على الرجاء والطمع""وأن يقع بعدها فعل" فهي لا تقع في كلام يدل على اليقين والتحقق، ولا في كلام يدل على الرجحان2

، ولا تدخل على غير فعل. فمثال وقوعها بعد الشك:"أي الأمرين أجدر بالعاقل؛ أن يداري السفيه أو أن يقاطعه؟ فلقد عجز الرأي الحكيم عن ترجيح أحدهما". ومثال الرجال والطمع قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ، وقول الشاعر:

المرء يأمل أن يعيـ

ـش، وطول عيش قد يضره

فأما التي تقع في كلام يدل على اليقين فهي "الخففة من الثقيلة"4 نحو: أعتقد أن سينتصر الحق، ولو تأخر انتصاره

، أي: أنه سينتصر

وأما التي تقع في كلام يدل على الرجحان "أي: الظن الغالب" فتصلح للنوعين؛ نحو: "من غره شبابه، أو ماله، أو جاهه، وظن أن يسالمه الدهر فقد عرض نفسه للمهالك".

1 "أن" حرف متعدد الأنواع، وستجيء إشارة لأنواعه ملخصة موجزة -في ص290- ومنها:"أن المصدرية". ويصح أن يقال: "أن" المصدري، أي: الحرف المصدري. كما يقال "أن" المصدرية، أي: الكلمة المصدرية؛ فالتذكير على اعتبار الحرف، والتأنيث على اعتبار الكلمة. وهذا يصدق على جميع الحروف الناصبة، وغيرها. "انظر هامش ص289 ورقم 1 من هامش ص371".

2 و2 اليقين: هو قطع المتكلم بثبوت أمر، وتحققه، سواء أكان هذا اليقين صحيحا في الواقع أم غير صحيح، وسواء أكان الثبوت والتحقق سلبا أم إيجابا. والشك هو: استواء التصديق والتكذيب في نفس المتكلم، بحيث لا يستطيع أن يصل إلى القطع والجزء بثبوت الشيء أو بنفيه؛ لعدم وجود مرجح لأحدهما. والظن أو الرجحان: هو تغلب أحد الأمرين على الآخر في قوة الدليل تغلبا لا يصل إلى حد اليقين وقد سبق الكلام على هذا، في ج2 م6 ص5 أول باب:"ظن وأخواتها".

3 أي: الأمل.

4 سبق البيان الشافي عنها في المكان الأنسب "ج1 ص515 م55 باب: إن وأخواتها" لأنها من أخوات "إن" تنصب الاسم وترفع الخبر؛ فلا تنصب المضارع. ويجيء لها بيان مناسب في ص290.

ص: 281

وإن لم يقع بعدها فعل فليست بالمصدرية التي تنصب المضارع. كقول الشاعر:

أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة؟

فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا

أي: أنه لا أخاليا.

أهم أحكامها:

1-

أنها تدخل على الماضي والمضارع باتفاق1. وإذا دخلت على الماضي لا تنصبه لفظا، ولا تقديرا، ولا محلا -لأن الماضي لا ينصب مطلقا- ولا تغير زمنه. وإنما تتركه على حاله؛ نحو: فرحت بأن عاد الحق إلى أهله.

وإذا دخلت على المضارع نصبته وجوبا؛ لفظا، أو تقديرا، أو محلا، وخلصت زمنه للاستقبال -كالشأن في كل نواصبه- كقولهم:"خير لك أن تقبل ما لا بد منه مختارا، بدل أن ترضى به قهرا واضطرارا؛ فلا تجمعن على نفسك ضعف المضطر؛ وذلة المغلوب على الأمر".

2-

أنها لا بد أن تسبك مع الجملة الفعلية -المضارعية وغير المضارعية- التي تدخل عليها سبكا خاص يؤدي إلى إيجاد مصدر مؤول، يغني عن "أن وما دخلت عليه"؛ ويعرب على حسب حاجة الجملة: "فقد يكون فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرا، أو سادا مسد المفعولين، أو غير ذلك مما يقتضيه السياق2

ومن الأمثلة قولهم: "من البر أن تصل صديق أبيك. ومن أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده"

، وقولهم:"أدرك السباق غايته، بعد أن أحسن الوسيلة إليها".

1 أما دخولها على الأمر والنهي فيجيء الكلام عليه في "الزيادة والتفصيل"، ص297.

2 سبق "في ج1 ص364 و574 م29 عند الكلام على أنواع الموصولات الحرفية" كيفية سبك المصدر المؤول، وطرائقه المختلفة، وفوائده التي لا تتحقق في المصدر الصريح، أوضحنا كل هذا بما فيه غنى وكفاية؛ لأهميته. وأوضحنا هناك -وفي ج2 باب المستثنى م81 ص255 عند الكلام على حكم المستثنى "بإلا"- أهم المواضع التي يقع فيها المصدر مؤولا بدون حرف سابك، كالتي بعد همزة التسوية أو نوع خاص من القسم.

ص: 282

3-

أنها تتصل بالفعل الذي تدخل عليه اتصالا مباشرا1، فلا يجوز الفصل بينهما بغير "لا" النافية، أو الزائدة؛ فالأولى نحو:

وإن افتقادي واحدا بعد واحد

دليل على ألا2 يدوم خليل

ونحو: ما أعجب. ألا2 يرتدع الظالم بمصير من سبقوه. والثانية نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي: لأن يعلم أهل الكتاب3

لأن المعنى هنا على زيادتها وإلا فسد.

وكذلك لا يجوز الفصل بأجنبي بني أجزاء الجملة الفعلية التي دخلت عليها "أن" المذكورة3. فإذا دخلت على جملة فعلية تشتمل -مثلا- على مضارع وفاعله، أو عليهما وما يكملهما من مفعولات وغيرها، وجب أن تتصل أجزاء هذه الجملة بعضها ببعض من غير أن يفصل بينها أجنبي وهو التي يجيء من جملة أخرى؛ ففي مثل: "سررت أن أراك نصير الفضيلة؛ لا تبغي بها بدلا ولو احتملت في سبيلها المتاعب، ولاقيت المشقات" لا يصح في كلمة أو أكثر من الكلمات التي جاءت بعد: "لو" أن تتنقل من مكانها لتفصل بين كلمتيني مما دخلت عليه "أن" السالفة4.

1 فلا يصح الفصل بينهما بالسين "كما نص التصريح عند الكلام على "لام الجحود" ولا بسواها إلا كلمة: "لا" النافية، أو الزائدة. وأجاز بعضهم الفصل بينهما بالظرف، أو بالجار مع مجروره؛ لأن شبه الجملة موضع التوسع.

2 و2 هنا: "أن" مدغمة في "لا" طبقا لقواعد رسم الحروف. والأصل: أن لا -وسيجيء الكلام على كتابتها في ص298 قسم "ب" من الزيادة.

3 و3 الجملة التي تدخل عليها "أن" تسمى: "صلة أن""كما في الجزء الأول، باب "الموصول" عند الكلام على الموصولات الحرفية. م29 ص368". وستعاد هذه الآية لمناسبة أخرى في ص285.

4 لهذا يمتنع في مثل: "عسى أن يعرف الولد فضل والديه" إعراب: "الولد" اسما لعسى؛ لأن اسم "عسى" أجنبي عن الجملة التي دخلت عليها "أن" إذ ليس منها، ولا من مكملاتها. ونظيرا هذا كلمة:"رب" في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} فلا يصح إعرابها اسم "عسى" مع إعراب "مقاما" منصوبا على الظرفية أو غيرها بالفعل؛ "يبعث". أما مع إعراب: "مقاما" مصدرا لفعل محذوف "أي: تقوم مقاما" فيجوز الأمران "وقد أوضحنا هذا في الجزء الأول ص294 م29 في باب الموصولات الحرفية، وفي باب عسى وأخواتها ص470 م50 من ذلك الجزء".

ص: 283

4-

أن معمول فعلها لا يتقدم عليها -في الرأي السديد- سواء أكان المعمول مفعول أم غير مفعول، كقول شوقي:"عليك أن تلبس الناس على أخلاقها، وليس علك ترقيع أخلاقها"1. فلا يصح: عليك، الناس، أن تلبس على أخلاقها، كما لا يصح: عليك، على أخلاقها، أن تلبس الناس2

5-

أن بعض القبائل العربية يهملها؛ فلا ينصب بها المضارع، برغم استيفائها شروط نصبه؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} برفع المضارع: "يتم" على اعتبار "أن" مصدرية مهملة. والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها، والاقتصار على الإعمال؛ حرصا على الإبانة، وبعدا على الإلباس.

6-

أنها تمتاز -ومثلها: كي عند الكوفيين- بنصبها المضارع ظاهرة، أو مضمرة3، بخلاف بقية الأدوات الأخرى التي تنصبه بنفسها؛ فإنها لا تنصبه إلا ظاهرة.

وبهذه المناسبة يذكر النحاة مواضع لإظهارها وجوبا، ومواضع لإضمارها وجوبا، ومواضع لجواز الأمرين. وفيما يلي البيان3.

أ- فيجب إظهارها في موضع واحد، وهو أن تقع بين "لام الجر" و"لا" سواء أكانت "لا" نافية أم زائدة، فمثال الأولى قول العربي: إني أنتصر للعرب، لئلا4 يطمع فينا أعداؤنا، وقول الشاعر:

وإني لأترك قبح الكلام

لئلا أجاب بما أكره

1 جمع: خلق، وهو: الثوب البالي القديم.

2 ولا صلة لهذا الحكم بصحة تقديم الخبر الذي مبتدؤه "مصدر مؤول" كالذي في قول الشاعر:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدوا له؛ ما من صداقته بد

فقد تقدم الخبر "من نكد...." على المصدر المؤول المبتدأ "أن يرى...." وهذا جائز.

3 و3 في ص402 السبب في إضمار "أن" وجوبا وجوازا.

4 هذه الهمزة هي همزة: "أن" أما نونها فمدغمة في: "لا" فلا تظهر نطقا ولا كتابة؛ طبقا لقواعد الإملاء القراءة. وسيجيء البيان في "ب" من ص298.

ص: 284

ومثال الثانية قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 1، أي: ليعلم أهل الكتاب.. -كما سبق2.

ب- ويجب إضمارها بعد واحد من ستة أحرف: "لام الجحود، أو حتى، فاء السببية، واو المعية"، وكذا بعد:"ثم" الملحقة بواو المعية، عند من يرى إلحاقها. ولإضماء أن بعد هذه الأحرف تفصيلات وشروط تجيء عند الكلام على كل منها.

ج- ويجوز إظهارها وإضمارها في موضعين:

أولهما: أن يسبقا لام الجر، ويقع بعدها المضارع مباشرة من غير أن تفصله:"لا" النافية، أو الزائدة؛ نحو: اقرأ التاريخ لتنفع بعبره ومواعظه، أو: لأن تنتع3، وقول الشاعر:

إن أخاك الحق من يسعى معك

ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا صرف زمان صدعك

بدد شمل نفسه ليجمعك

فيصح، في غير الشعر: لأن ينفعك، لأن يجمعك

ولام الجر هذه قد تكون أصلية لإفادة التعليل4 وهي التي بمعنى: "لأجل: كذا...." فما بعدها، في الأغلب، علة لما قبلها في الكلام المثبت"5، كالأمثلة السابقة.

وقد تكون أصلية لبيان العاقبة "وتسمى: "لام الصيروة" أو: "لام المآل"، وهي التي يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها، ونهاية

1 هذه الهمزة هي همزة: "أن" أما نونها فمدغمة في: "لا" فلا تظهر نطقا ولا كتابة؛ طبقا لقواعد الإملاء والقراء. وسيجيء البيان في "ب" من ص 298.

2 في ص283.

3 وكل هذا بشرط ألا يسبقها كون منفي، فإن سبقها وجب إضمار "أن" -كما سيجيء في مواضع الوجوب، ص317.

4 تختلف لام التعليل في معناها وحكمها عن لام الجحود. وسيأتي الكلام على هذا في ص317 وص321.

5 وقد تسمى: "لام""كي"، لصحة إحلال: كي الدالة على التعليل محلها. انظر ص317 و321.

ص: 285

جزائية له". كقوله تعالى عن موسى عليه السلام: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فإن فرعون وآله لم يعتنوا بموسى وبتربيته في القصر الفرعوني ليكون لهم بعد ذلك سبب عداوة وحزن

، وإنما اعتنوا بتربيته لينفعهم، أو يكون لهم بمنزلة الولد. فلم تتحقق هذه الأمينة، وتحقق بدلهما أمر آخر؛ هو العداوة والحزن، فالعداوة والحزن هما اللذان انتهى إليهما أمر التربية، وهما العاقبة "النتيجة" والمآل الذي صار إليه أمر العناية.

وقد تكون زائدة لتقوية المعنى، وهي الواقعة بين فعل متعد، ومفعوله، كقول الشاعر في الحديث عن ليلاه:

أريد لأنسى ذكرها؛ فكأنما

تمثل1 لي ليلى بكل سبيل

فالمضارع: "أريد" متعد، ومفعوله المناسب هو المصدر المنسبك من "أن" المقدرة جوازا بعد اللام، ومن الجملة المضارعة بعدها، وهذه اللام زائدة بينهما. والتقدير: أريد نسياني ذكرها2، والأصل أريد لأن أنسى.

1 أي: تتمثل، وحذفت إحدى التاءين، تخفيفا.

2 والغالب أن يكون المفعول مصدرا مؤولا، وقد يكون اسما صريحا. ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر في الرثاء:

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه

فطيب تراب القبر نم على القبر

أي: أرادوا إخفاءهم قبره، فلام الجر زائدة بين الماضي ومفعول المصدر المؤول. ومثله:

أراد الظاعنون ليحزنوني

فهاجوا صدع قلبي؛ فاستطارا

ومثله:

ومن يك ذا عظم صليب رجا به

ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره

أي: رجا كسر عود الدهر به

ومثل:

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

أي: أجار مسلما ومعاهدا.. فاللام في هذه الأمثلة وأشباهها، زائدة بين الفعل المتعدي ومفعوله الاسم الصريح كالمثال الأخير، أو المصدر المؤول كبقية الأمثلة. واعتبار هذه اللام زائدة داخلة على المفعول أفضل من اعتبار المفعول اسما محذوفا قبلها. على أن زيادتها في البيت الأخير الذي يستشهد به النحاة موضع شك؛ لما قدمناه عند الكلام عليه في باب:"حروف الجر" -ج2 م90 ص367- حيث الموضع الأنسب لتفصيل الكلام على أحوال لام الجر وأحكامها ومعانيها.

ص: 286

ويجيز الكوفيون إضمار: "كي" في كل موضع يجوز فيه إضمار: "أن" وإظهارها؛ كالحالة السالفة بأمثلتها المختلفة؛ فالموضع الصالح لإظهار "أن" ولإضمارها صالح جوازا للأمرين عندهم في "كي". ويسمون لام الجر التي قبلها: بـ"لام" التعليل" أو: بـ"لام كي" وهذا الخلاف لا أهمية له، بالرغم من كثرة استعمال "أن" الناصبة في أفصح الأساليب ظاهرة ومضمرة..

ثانيهما: أن تع بعد حرف عطف من حروف أربعة ويليه المضارع مباشرة هي: "الواو، الفاء، ثم، أو

بشرط ألا يدل هذا الحرف على معنى من المعاني التي توجب إضمار "أن"؛ "كالسببية معك "الفاء"، والمعينة مع: "الواو" و"ثم"، وكالتعليل، والغاية، والاستثناء مع: "أو"1

" وبشرط أن يكون المعطوف عليه اسما مذكورا2، جامدا محضا "أي: اسما خالصا من معنى الفعل" سواء أكان هذا الاسم المذكور الجامد مصدرا صريحا3 أم غير مصدر. أما المعطوف فهو المصدر المؤول من "أن" والجملة المضاريعة بعدها.

فمثال "الواو" إذا كان المعطول عليه مصدرا صريحا، تعت وأحصل رزقى خير من رائحة وأمد يدي للسؤال.

وقول القائل:

ولبس عباءة وتقر عيني

أحب إلي من لبس الشفوف4

ومثالها إذا كان جامدا غير مصدر: لولا النخل في الصحراء ويغذي البدوي لم يجد قوته، ولولا الآبار وتسقيه لم يجد شرابه

ومثال الفاء والمعطوف عليه مصدر صريح: إن اقتنائي الكتب فأستفيد منها، كاقتنائي الحديثة اليانعة فأنتفع بثمارها ورياحينها

1 انظر ص327، 372.

2 وهذا هو الأغلب. ولا مانع من قصيدة أحيانا. طبقا لما سيجيء في ص329.

3 غير مؤول ولا متصيد.

4 جمع: شف "مشددة الفاء، مع فتح الشين وكسرها" وهو الثوب الرقيق الذي يكشف ما تحته كالحرير الغالي ونحوه.

ص: 287

ومثال وهو وهو جامد غير مصدر: إن البحر فأفكر في عجائبه، كالقمر فأطلق خواطري وراء أسراره.

ومثال "ثم" والمعطوف عليه مصدر صريح: إن التسرع في الأمر ثم يصلح، كالإهمال فيه ثم يتدارك؛ كلاهما معيب؛ يضاعف الجهد والعناء، ويضعف الأثر.

ومثالها وهو اسم جامد غير مصدر: إن الرزوع ثم أعتمد على نفسي في رعايتها لهي من خير الوسائل للغنى، وإن المال ثم يساء التصرف فيه لهو أشد دواعي الشقاء.

ومثال "أو" والمعطوف عليه مصدر صريح: لا يرضى النابه بالتقصير أو يتداركه؛ وإنما رضا بالكمال، أو يقترب منه.

ومثالها وهو جامد غير مصدر قولك للمسافر: لن يحول البعد دون اتصالنا. فعدنا البريد والبرق أو يبادر أحدنا بزيادة أخيه

وهكذا.

فكل مضارع بعد حرف من الحروف الأربعة السالفة منصوب بأن مضمرة جوازا، ويصح إظهارها، وكل مصدر مسئول من أن -المضمرة جوازا، أو الظاهرة- وما دخلت عليه معطوف على اسم خالص قبلهان قد يكون مصدرا صريحا، أو اسما جامدا غير مصدر. ولا بد -مراعاة للأغلب- أن يكون المعطوف عليه مذكروا في الكلام؛ فلا يصح أن يكون محذوفا ولا أن يكون -في الأغلب-1 متصيدا متوهما.

فإن كان المعطوف عليه اسما غير صريح -بأن كان فيه معنى الفعل، المشتقات العاملة- لم يصح النصب، نحو: الصارخة فيتالم العاقل هي النادبة. فالفعل: "يتألم" واجب الرفع؛ لأنه معطوف على كلمة: "الصارخة" وهي اسم غير صريح إذ هي من المشتقات العاملة؛ ففيها معنى الفعل، ورائحته، وواقعة وقعه، من جهة أنها صلة "أل" الموصولة. والأصل في الصلة أن تكون جملة، فكلمة صارخة بمنزلة:"تصرخ" فكأن التقدير: "التي تصرخ"، فلما جاءت "أل"

1 قد يكون متصيدا، أحيانا -كما سبق في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وكما سيجيء في ص329.

ص: 288

الموصولة اقتضت العدول عن الفعل إلى اسم الفاعل: لأنها لا تدخل إلا على بعض المشتقات التي تصلح أن تكون صلة لها.

وإذا لم يصح العطف في المواضع السالفة لم يصح نصب المضارع تبعا لذلك، فيجب رفعه على اعتبار الواو، والفاء، وثم، حروف استئناف، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عما قبلها. وعلى اعتبار "أو" في هذا الموضع -خاصة- للاستئناف كذلك1.

1 وفي موضع الإظهار الواجب والجائز، والإضمار الواجب يقول ابن مالك في البيتين السابع والثامن:

وبين "لا"، ولام جر التزم

إظهار "أن" ناصبة. وإن عدم

-7

"لا""فأن" اعمل مظهرا أو مضمرا

.......................................-8

أي: يلزم إظهار "أن" الناصبة للمضارع إذا وقعت متوسطة بين "لا" بنوعيها ولام الجر. فإن عدمت "لا" فأعمل "أن" مظهرة أو مضمرة؛ لأن الأمرين جائزان.

ثم انتقل في الشطر الأخير إلى الكلام على مواضع إضمارها وجوبا وستأتي ص317.

وفي الموضع الثاني من مواضع إظهار "أن" الناصبة وإضمارها -جوازا، يقول ابن مالك في بيت واحد قبل البيت ختم به الباب:

وإن على اسم خالص فعل عطف

تنصبه "أن" ثابتا أو منحذف-18

-وستجيء له إشارة أخرى في ص397 حيث مكانه الذي ارتضاه ابن مالك.

يقول: إذا عطف المضارع على اسم خالص من رائحة الفعل -ومعنى أنه خالص: جموده على الوجه الذي شرحناه- نصبته "أن" ثابتة في الكلام أو محذوفة؛ "بمعنى: مقدرة" ولم يذكر شيئا عن حروف العطف التي تستعمل هنا، ولا شيئا من الشروط والتفصيلات.

ويلاحظ أنه قال: تنصبه "أن" فأرد من "أن" الكلمة، ثم عاد فقال: ثابتا أو من منحذف، يريد: منحذفًا؛ على إرادة الحرف. "أن". "انظر رقم "ا" من هامش ص281 حتى هامش ص371".

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- من المفيد سرد بقية أنواع: "أن" بإيجاز مناسب؛ لشدة الحاجة إلى فهمها، ولأنها تزيد "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وضوحا لا يكاد يتحقق إلا بعد عرض هذه الأنواع المختلفة، عرضا تتبين به وجوه المشابهة والمخالفة.

والأنواع خمسة:

1-

المصدرية المحضة الناصبة للمضارع وجوبا، وقد سبق الكلام عليها1

2-

المخففة2 من الثقيلة -وهي من أخوات "إن"- وتعرف بعلامة من أربع:

أ- أن تدخل مباشرة على فعل جامد3، أو على حرف غير "لا"؛ كقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، وقول الشاعر:

أجدك، ما تدرين أن رب ليلة

كأن دجاها من قورنك ينشر

ب- أو: تقع في كلام يدل على اليقين، والتحقق، والاعتقاد الثابت. مثل:"أيقن". ومثل: "علم ورأي" إذا أفادا اليقين والتأكد، والاعتقاد الثابت. ويدخل في هذا كل الأفعال وغيرها مما يفيد اليقين؛ مثل:"اعترف"، بمعنى: علم وأقر، وكذا:"خاف وحذر" -عند سيبويه وأصحابه- وما بمعناها إذا كان الشيء المخوف أو المحذور متيقنا. ومن الأمثلة قول الشاعر:

وإذا رأيت من الهلال نموه

أيقنت أن سيكون بدرا كاملا

ومثل: أعلم أن سيكون الجزاء على قدر العمل. وقول الشاعر ينصح:

1 في ص281.

2 المخففة من الثقيلة ثنائية لفظا، ثلاثية بحسب أصلها قبل التخفيف -وقد سبق إيضاحها في الموضع الأنسب، ج1 م55 ص610 -أما المصدرية فثنائية أصلا وحالا.

3 مثل: ليس، عسى،

و....

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا

أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار

ومثل: يفر الشريف من الإساءة والتقصير؛ مخافة أن يحاسبه الضمير. وقد اجتمع اليقين ودخولها على حرف غير الحرف "لا" في قول الشاعر:

تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا

أمين، وخوان يخال أمينا

ج- أو: تكون داخلة على جملة امسية مسبوقة بجزء من جملة -لا بجملة كاملة- فيكون المصدر المؤول من "أن" المخففة وما دخلت عليه متمما للسابقة؛ كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، فالمصدر المنسبك من "أن" وما دخلت عليه خبر المبتدأ:"آخر". وكقول الشاعر:

كفى حزنا أن لا2 حياة هنيئة

ولا عمل يرضى به الله، صالح

فالمصدر المسؤول فاعل للفعل: كفى.

د- أو: تكون داخلة على فعل مقصود به الدعاء؛ نحو: صانك الله ورعاك، وأن هيأ لك حياة سعيدة.

وأهم أحكامها:

أنها من أخوات "إن"؛ فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة قد تحتاج إلى فاصل في أغلب الأحوال.

ومن أحكامها: أنها تسبك مع معموليها فينشأ من السبك مصدر متصرف، "أي: يعرب على حسب حاجة الجملة؛ من مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو ساد مسد المفعولين

أو

".

إلى غير هذا من الأحكام والتفصيلات الهامة التي عرضناها بأمثلتها في مكانها الأنسب3.

1 ستعاد الآية لمناسبة أخرى في ص295.

2 إذا وقعت "لا" بعد أن المخففة وجب فصلها كتابة -كما سيجيء في "ب" من ص298.

3 ج1 ص616 م55، ص368 م29، ص583 م52.

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

3-

الصالحة لأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع ولأن تكون مخففة لا تنصبه؛ وهي الواقعة في كلام يدل على الرجحان؛ كأن يسبقها أحد الأفعال الآتية: "ظن، خال، علم، التي بمعنى: ظن، حسب، حجا

" فيرفع أو ينصب المضارع بعد كل فعل من هذه الأفعال -وما شابهها- على أحد الاعتبارين السالفين.

أما "أن" الواقعة في كلام يدل على الشك، أو على الطمع والرجاء والأمل فليست إلا "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وجوبا -كما أسلفنا-1 فإن أجرى الظن مجرى اليقين تأويلا، جاز الأمران، وبالنصب والرفع قرئ قوله تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} ويتركون

4-

الزائدة: وهي التي يتساوى وجودها وعدمها، من ناحية العمل؛ إذ لا عمل لها على الأصح، وإنما أثرها معنوي محض؛ هو تقوية المعنى وتأكيده؛ "كالشأن في الحروف الزائدة المهملة، طبقا للبيان الخاص بهذا في صدر الجزء الأول، عند الكلام على الحرف" وتقع -في الغالب- "بعد لما" الحينية2 كالتي في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . والتي في نحو: أجيب الصارخ لما أن يكون3 مظلوما. برفع: يكون.

1 في ص281.

2 "لما" الحينية، هي التي بمعنى: حين، ووقت. وقد سبق تفصيل الكلام عليه في باب:"الظرف" ج2 م79 ص275.

3 وقوع المضارع بعد "لما" الحينية جائز، ولكنه قليل. ولهذا الحكم بيان ذكرناه في الجزء الثاني وهو بيان مفيد، لا غنى عن الرجوع إليه؛ لأهميته، ولما حواه من سرد أنواع جواب "لما" "م79 ص235" عند الكلام على الظرف:"لما" حيث قلنا هناك:

قال الأشموني في الجزء الثالث: أول باب: "إعراب الفعل" عند الكلام على أنواع "أن.." ومنها "الزائدة"

وما نصه: "الزائدة هي التالية "لما" نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ}

ا. هـ.

كلام الأشموني:

وهنا قال الصبان: "قوله نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} وتقول: أكرمك لما أن يقوم زيد، برفع المضارع. "فارضى". ا. هـ. كلام الصبان نقلا ن الفارضي.

وهذا النص صريح في جواز دخول "لما" على المضارع قياسا إذا كان مسبوقا بأن الزائدة، والعجيب أن الصبان يأتي به هنا جليا واضحا ليكمل ما فات الأشموني ثم ينسى هذا في الجزء الرابع أول باب:"الجوازم" عند الكلام على "لما" الجازمة؛ فقد احترز الأشموني فوصفها بأنها أخت "لم" وقال هذا الاحتراز =

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو بين الكاف ومجرورها، كقول الشاعر يصف امرأة:

ويوما توافينا1 بوجه مقسم2

كأن ظبية تعطو3 إلى وارق4 السلم5

أو بين "لو" وفعل مذكور للقسم؛ كقول الشاعر:

فأقسم أن لو التفينا وأنتم

لكان لكم يوم من الشر؛ مظلم

أو بين "لو" وفعل للقسم محذوف؛ كقول الشاعر:

أما والله أن لو كنت حرا

وما بالحر أنت ولا العتيق6

ومن الزائدة أيضا -في رأي بعض النحاة- الواقعة بعد جملة مشتملة على القول وحروفه نصا؛ مثل: قلت للمتردد: أن أقدم....، عند من يصوب هذا

= لإخراج "لما الحينية" و"لما الاستثنائية" لأن هاتين لا يليهما المضارع. فيقول الصبان تعليقا على هذا وتأييدا له، ما نصه:"أي: كلامه فيما يليه المضارع، فلا حاجة إلى الاحتراز منهما". ا. هـ. فهو يكتفي بهذا، ساكتا عما قاله الأشموني من أن المضارع لا يجيء بعد "لما الحينية""ولما الاستثنائية". وهنا احتمال آخر ولكنه ضعيف؛ هو أن يكون المراد من منع دخول "لما الحينية" على المضارع هو دخولها المباشر بغير فاصل بينهما من "أن" أو غيرها.

وكما نسي هذا في باب "الجوازم" نسبة أيضا في باب "جمع التكسير" -ج4- عند الكلام على صيغة: "فعول" واطرادها؛ وبيت ابن مالك: "وبفيعول فعل، "نحو: كبد

" حيث قال الأشموني عنها في ذلك الباب: "ظاهر كلام المصنف هنا موافقة التسهيل، فإنه لم يذكر في هذا النظم غالبا إلا المطرد، ولما يذكر غيره يشيره إلى عدم اطراده غالبا بقد، أو نحو: قل

أو ندر..". ا. هـ. وهنا قال الصبان ما نصه:

"قوله: ولما يذكر غيره

إلخ". تركيب فاسد؛ لأن "لما الحينية" لا تدخل إلا على ماض. ا. هـ. كلام الصبان. وفي كلامه هذا مجال للاحتمال السالف الضعيف.

فبأي الرأيين نأخذ؟ بالأول لأنه نص صريح فيه تيسير، ولكن حظه من القوة والسمو البلاغي أقل كثيرا من الآخر الذي منعه أكثر النحاة.

1 تأتينا.

2 جميل حسن.

3 تمد عنقها وتميله.

4 وارق: أي: به أوراق.

5 السلم: شجر.

6 الشريف كريم الأصل.

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التركيب، -كما سيجئ هنا في الكلام على المفسرة1 وقد وردت زيادتها بعد "إذا" في قليل من المسموع الذي لا يقاس عليه.

5-

الجازمة. وهي لغة لإحدى القبائل العربية2؛ نحو: أواصل العمل إلى أن يكتمل، أو: أن ينته وقته. والأفضل إهمال هذه اللغة اليوم؛ منعا للخلط والإلباس.

6-

الضمير:

تكون "أن" ضميرا للمتكلم عند بعض العرب -معنى: "أنا"؛ فيقول: أن جاهدت في الله حق الجهاد؛ بمعنى: أنا جاهدت.. أما مجيئها للمخاطب مذيلة ببعض حروف تدل عل فروعه المختلفة فهو الشائع بين القبائل3؛ نحو: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن

7-

المفسرة:

وهي حرف مهمل4 والغرض منه: إفادة التبين والتفسير، مثل:"أي المفسرة" فكلاهما حرف تفسير؛ ولهذا يصح إحلال "أي" محل "أن".

ولا تكون "أن" مفسره إلا بثلاثة شروط مجتمعة:

أولها: أن تسبقها جملة مستقلة كاملة، فيها معنى القول دون حروفه.

ثانيها: أن يتأخر عنها جملة أخرى مستقلة، تتضمن معنى الأول، وتوضح المراد منها.

ثالثها: ألا تقترن "أن" بحرف جر ظاهر أو مقدر.

"ومن الشرط الثاني يتبين أن الذي يقع به التفسير هو الجملة المتأخرة: أما الحروف

1 انظر رقم 4 من هامش ص295، الآتية، ثم ص297 وفي هذه الصفحة نوع آخر من الزائدة.

2 عرض بعض النحاة لها أمثلة من الشعر، وصفها غيره بأنها لا تصلح للاستشهاد لأسباب صحيحة قوية. ولكن صحتها فساد تلك الأمثلة لا يقدحان في الأمر الواقع، وهو وجود قبيلة عربية تجزم بالحرف:"أن".

3 سبق تفصيل الكلام على هذا الضمير من نواحيه المختلفة في الباب الخاص بالضمير -ج1.

4 لا عمل له، ولا يتأثر بعامل.

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

"أن" فمجرد أداة، أو آله، أو رمز، ففي الكلام مجاز مرسل، علاقته الآلية".

فإذا استوفت الشروط الثلاثة كانت مفسرة لمفعول الفعل الذي قبلها؛ إن كان متعديا، سواء أكان المفعول ظاهرا أم مقدرا. فالظاهر كالذي في قوله تعالى، يخاطب موسى:{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} فـ"ما يوحى" هو عين "اقذفيه في اليم" معنى

، والمقدر كالذي في قوله تعالى1 في قصة نوح:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} على تقدير: أوحينا إليه شيئا؛ هو: اصنع.

ويصح أن تكون "أن" هنا زائدة، والمعنى2: أوحينا إليه لفظ: "اصنع".

وإن لم يكن الفعل متعديا فالجملة التفسيرية لا محل لها -كما سيجيء.

فإن لم يسبقها جملة كاملة كانت -في الغالب- مخففة من الثقيلة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن ما قبلها مبتدأ لا خبر له إلا "أن" وما دخلت عليه. وهذا ينافي التفسيرية؛ لأنها لمحض التفسير -لا للتكميل- فتقتضي أن يكون قبلها جملة تامة؛ كما سلف3.

وإن كان قبلها جملة تامة ولكنها مشتملة على حروف القول وجب اعتبار "أن" زائدة لا مفسرة؛ نحو: قلت له: أن افعل4 -كما سبق5 عند الكلام على "أن" الزائدة.

1 في سورة: "المؤمنون""وستعاد الآية لمناسبة أخرى في ص297".

2 انظر ص297.

3 في: ح من ص291.

4 جاء في حاشية الصبان في هذا الموضع عند الكلام على "أن" الناصبة للمضارع ما نصه: "قلت له: أن افعل -ليست مفسرة؛ لوجود حروف القول- ولا يقال مثل هذا التركيب، لعدم وجوده في كلامهم؛ لأن الجملة تقع مفعولا لصريح القول "يريد: من غير أن" وعلى تسليم أنه يقال لا تجعل "أن" فيه تفسيرية، بل زائدة. وجوز الزمخشري في قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} اعتبار "أن" مفسرة على تأويل: "قلت" بأمرت. واستحسنه في المغني. قال: وعلى هذا فمعنى شرطهم ألا يكون في الجملة التي قبلها حروف القول، أي: باقيا -على حقيقة، غير مؤول بغيره". ا. هـ. هذا، وفي الصفحة التالية ما يتمم الموضوع، ويزيده بيانا.

5 في ص293.

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن اقترنت بحرف جر ظاهر أو مقدر فهي "مصدرية"، لاختصاص حرف الجر بالدخول على الاسم، ولو كان الاسم مصدرا مؤول؛ كالمثال السابق، وهو:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} إن جعلنا التقدير: فأوحينا إليه بصنع الفك

على معنى: وأشرنا إليه "أي: عليه" بصنع الفلك. ولم نجعله على تقدير حذف المفعول والاستغناء بتقديره عن تقدير حرف جر محذوف.

بقي شيء هام؛ هو: إعراب الجملة الواقعة بعد "أن" المفسرة. قال صاحب المغني: "الجملة المفسرة لا محل لها مطلقا". ولكن الصبان في حاشيته ناقض هذا عند الكلام على "أن" المفسرة. وقال: إن الجملة المفصسرة التي لا محل لها من الإعراب هي الجملة التي ليست في معنى المفرد، كالتي في مثل:"محمد أكرمته" إذ الأصل: أكرمت محمدا أكرمته -أما التي تفسر المفعول بعد "أن"- فالظاهر أنها في محل نصب، تبعا لما فسرته؛ لأنها في معنى هذا اللفظ، فيحل المفرد محلها. ثم أيد الصبان رأيه هذا بكلام نقله عن بعض المحققين.

وإذا كان لها محل من الإعراب كالمفرد الذي تفسيره فما موقعها؟ أتكون مفعولا مثله، أم بدلا، أم عطف بيان؟

تكون بدلا أو عطف بيان؛ لأن البدل والبيان هما اللذان يسايران التفسير ويناسبانه؛ "كما سبق في بابهما ج3 ص99 م117

وص486 م123..

وشيء آخر هام أيضا:

إذا جاء بعد "أن" الصالحة للتفسير مضارع مسبوق بكلة: "لا" نحو: أشرت إليه أن يفعل، جاز رفعه على اعتبار "لا" نافية. وجزمه على اعتبارها ناهية، و"أن" في الحالتين مفسره1، وجاز نصبه على اعتبار "لا" نافية، و"أن"

1 في هذا المثال -وأشباهه- تكون الجملة بعدها مفسرة للجملة قبلها، لعدم وجود مفعول ظاهر أو مقدر تفسره؛ لأن الفعل قبلها لازم، فالجملة التي بعدها لا محل لها من الإعراب، بناء على ما سبق من كلام المغني والصبان.

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مصدرية1. فإن حذفت "لا" امتنع الجزم، وصح الرفع أو النصب.

لكن صرح الصبان بأنه يصح على الجزم بلا الناهية اعتبار "أن" مصدرية؛ اعتمادا على الرأي الأصح الذي يبيح دخولها على الأمر والنهي؛.... وقد جاء في حاشية الخضري ما نصه2:

"وصل "أن" بالماضي اتفاق، وبالأمر3 عند سيبويه، بدليل الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن قم أو لا تقعد. إذ لا يدخل إلى على الاسم، فتؤول بمصدر طلبي، أي: كتبت إليه بالأمر بالقيام؛ كما قدر الزمخشري في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} ، أي: بالأمر بالإنذار، فلا يفوت معنى الطلب. ورده الدماميني بأن كل موضع وقع فيه الأمر هو محتمل لكون "أن" فيه تفسيرية؛ بمعنى: "أي"؛ كهذه الآية، ونحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} 4 ونحو {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} . ونحو: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} ، أي: انطلقت ألسنتهم5 فكل ذلك -إن لم يقدر فيه الجار- هي فيه إما تفسيرية؛ "لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه؛ ووقوع جملة بعدها، وخولها من الجار لفظا"، ولا حاجة إلى تقديره كما يقول سيبويه -وإما زائدة؛ كالمثال: "أي

1 وتكون مصدرية مع انطباق شروط المفسرة عليها على اعتبار آخر: هو أن الفعل الذي قبلها لازم يتعدي بحرف الجر، وأن الحرف الجار محذوف، وبهذا التأويل تخرج من عداد المفسرة؛ لأن المفسرة -كما سبق- لا تقترن بحرف الجر مطلقا، "لا ظاهرا ولا مقدرا" وتدخل في عداد المصدرية، وليس في هذا التأويل تكلف؛ لأن حذف حرف الجر قياسي قبل "أنْ وأنّ" إذا كان الفعل قبلهما لازما.

2 ج1 أول باب الموصول.

3 والمراد به ما يشمل النهي أيضا -كما يتضح من التمثيل الآتي؛ لأن النهي أمر بالكف وطلب الامتناع.

4 انظر ص294. حيث الكلام على المفسرة

و..

5 ليس المراد بالانطلاق المشي، وإنما المراد: انطلاق الألسنة، كما أن المراد بالمشي هنا هو الاستمرار على الشيء، وليس المشي المعروف.

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كتبت إليه بأن قم"، أي: بهذا اللفظ. زيدت "أن" كراهة دخول الجار على الفعل ظاهرا، وإن كان في الواقع اسما، لقصد لفظه". ا. هـ.

وإذا دخلت "أن" على الماضي والأمر باعتبارها مصدرية فإنها لا تغير زمنهما، ولا يكون لهما محل تنصبه -كما جاء في المغني عن الكلام عليها- خلافا لرأي ضعيف آخر.

ب- انتهينا من الكلام على "أن" من وجهتها النحوية واللغوية وبقيت ناحية تتتصل بإظهارها أو عدم إظهارها في النطق وفي الكتابة إذا وقعت بعدها "لا". أما مع غير "لا" فتظهر في الحالتين.

1-

فيجب حذف النون فيهما إن كانت "أن" مصدرية ناصبة للمضارع المسبوق "بلا" النافية، أو:"لا" الزائدة، نحو: شاع ألا يخفق الإنسان في الوصول للكواكب، {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} والحذف هنا معناه عدم ظهورها في الكتابة وفي النطق؛ فهي مدغمة في "لا" وإدغامها يمنع ظهورها خطا ونطقا

2-

ويجب إظهارها في الكتابة، وإبرازها خطا لا نطقا إن كانت غير ناصبة للمضارع، سواء أكان بعدها اسم، أم فعل؛ نحو: تيقنت أن لا أسافر -أشهد أن لا إله إلا الله، فتظهر فيهما خطا، وتدغم في "لا" عند النطق.

ص: 298

الثاني: لن:

وهو حرف1، يفيد النفي بغير دوام ولا تأييد إلا بقرينة خارجة عنه. فإذا دخل على المضارع نفي معناه في الزمن المستقبل المحض -غالبا-2 نفيا مؤتا يقصر أو يطول من غير أن يدوم ويستمر، فمن يقول: لن أسافر، أو: لن أشرب، أو: لن أقرأ غدا، أو نحو هذا

، فإنما يريد نفي السفر -أو غيره- في قابل الأزمنة مدة معينة، يعود بعدها إلى السفر ونحوه، إن شاء، ولا يريد النفي الدائم المستمر3 في المستقبل، إلا إن وجدت قرينة مع الحرف "لن" تدل على الدوام والاستمرار.

أشهر أحكامه:

1-

أنه مختص بالمضارع، ينصبه بنفسه، ويخلص زمنه للمستقبل المحض غالبا2؛ ولهذا كان نفيه لمعنى المضارع مقصورا على المستقبل غالبا -كما تقدم- نحو قوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} .

2-

جواز تقديم معمول مضارعه عليه "أي: على "لن"؛ كقول الشاعر:

مه -عاذلي-4 فهائما لن أبرحا

بمثل أو أحسن من شمس الضحا

فكلمة: "هائما" خبر للمضارع المنصوب ب"لن"، وقد تقدمت على الناصب.

1 هو حرف غير مركب. أما ما يعرض له بعض النحاة من الكلام على أصل مادته وبنيته، "وأن أصله "لا أن" أو

أو

" فلا يصح الوقوف عنده، ولا الالتفات إليه؛ لعدم جدواه.

2 و2 لأنه قد ينفي زمنه المستقبل المتصل بالحال؛ كآية: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . فقد نفى الحال الممتد إلى المستقبل.

3 يدل على هذا قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} فلو كانت "لن" تفيد تأييد النفي في المستقبل المحض "الخالص" لوقع التعارض بينها وبين كلمة: "اليوم" في الآية؛ لأن اليوم محدد معين، وهي غير محددة ولا معينة. ولوقع التكرار المعيب في قوله تعالى:{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} فما فائدة كلمة "أبدا" التي تدل على التأييد إن كانت "لن" تدل عليه؟ أما التأييد في قل الشاعر:

إن العرانين تلقاها محسدة

ولن ترى للئام الناس حسادا

وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فبسبب قرينة خارجية، هي العلم القاطع المستمد من المشاهدة الصادقة الدائمة.

4 يا عاذلي.

ص: 299

3-

عدم الفصل بينه وبين مضارعه، إلا للضرورة الشعرية؛ كالتي في قول القائل:

لن -ما رأيت أبا يزيد مقاتلا-

أدع القتال وأشهد1 الهيجاء

والأصل: لن أدع القتال

ما رأيت أبا يزيد

وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار والمجرور؛ لأن شبه الجملة يتوسع فيه

4-

أنه قد يتضمن مع النفي الدعاء أحيانا؛ كقول الشاعر:

لن تزالوا كذلكم؛ ثم لازلـ

ـت لكم خالدا خلود الجبال

ومنه قوله تعالى على لسان موسى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} لأن أدب المتكلم مع ربه، وجهله بالغيب؛ يقتضيان أن يكون الكلام متضمنا الدعاء، لا النفي القاطع لأمر يكون في المستقبل، لا يدري المتكلم عنه شيئا؛ فكيف يقطع فيه برأي حاسم، وأنه سيظل خالدا لأعدائه خلود الجبال؟

5-

أنه -بمعناه السابق- حرف جزم عند بعض العرب القدامى2؛ فيقول قائلهم: لن أنطق لغوا، ولن أشهد زورا

، بجزم الفعلين. وليست من المناصب اليوم محاكاة هذة اللغة؛ حرصا على الإبانة، وإبعاد للخلط واللبس.

الثالث: كي

وهو حرف متعدد الأنواع؛ يعنينا منها: النوع المصدري المحض، المختص بالدخول على المضارع، وبنصبه وجوبا بنفسه مباشرة، لا "بأن" المضمرة وجوبا كما يرى بعض النحاة.

1 المضارع: "أشهد"، إما مرفوع على الاستئناف. وإما منصوب بأن المضمرة جوازا لعطفه على اسم صريح؛ هو المصدر:"قتال" -طبقا للقاعدة الخاصة بهذا، وقد سبقت في ص287- والتقدير: لن أدع القتال، وأن أشهد الهيجاء. أي: لن أدع القتال، وشهود الهيجاء

ولا يجوز عطف "أشهد" على المضارع المنصوب قبلها؛ وهو: "أدع" لئلا يفسد المعنى؛ إذ يكون المعطوف منفيا كالمعطوف عليه، فيكون التقدير: لن أدع القتال، ولن أشهد الهيجاء. وهذا غير المراد.

2 جاء هذا الحكم في كثير من المراجع النحوية بصيغة تدل على الشك في صحته؛ بدليل أن "المعنى والأسموز" اشتركا في النص الآتي: "وزعم بعضهم أنها قد تجزم". ا. هـ. وبدليل عبارة "الخضري" ونصها: "قبل: والجزم بها لغة" وساقت المراجع السالفة بين استشهادا للجزم.

ص: 300

وعلامة مصدريته الخالصة وقوعه بعد لام الجر مع عدم وقوع "أن" المصدرية بعده "في الرأي الأرجح" لا، ظاهرة ولا مضمرة؛ إلا في حالة الضرورة، أو التوكيد اللفظي؛ نحو: منحنا الله الحواص لكي نستخدمها في تحصيل العلم، وإنجاز مطالب العيش. وزودنا بالأمل الكبير؛ لكيلا يستبد بنا الياس فيحرقنا بناره.

ويشتهر هذا النوع باسم: "كي المصدرية". وهو مثل: "أن" المصدرية معنى، وعملا، وسبكا1؛ ولهذا لا يصح وقوع "أن المصدرية" بعده، إلا في حالة الضرورة أو التوكيد اللفظي -كما تقدم، وبالرغم من هذا فوجود "أن المصدرية"، بعده في هاتين الحالتين غير مستحسن.

وتشتهر لام الجر التي قبل "كي" باسم: "لا التعليل" لأن ما بعدها علة لما قبلها من كلام مثبت2.

وأهم أحكام "كي" المصدرية:

1-

وجوب نصبها المضارع بنفسها، وتخليص زمنه للمستقبل -غالبا فهي كسائر كالتي في المثال السالف-3 أو "ما" الزائدة وحدها، أو هما معا بشرط تقديم "ما". ومثال الفصل "بما" الزائدة: امنح نفسك قسطها من الراحة

1 بين الحرفين بعض فروق؛ أهمها: تصرف "أن المصدرية" مع صلتها؛ بأن يقع المصدر المؤول منهما مبتدأ، وفاعلا، ومفعولا، ومجرورا بحروف الجر المختلفة، وغير هذا من المواقع الإعرابية المتعددة. أما "كي المصدرية" فغير متصرفة؛ فالمصدر المنسبك منها ومن الجملة المضارعية بعدها لا يكون إلا مجرورا باللام.

2 وهذه "اللام" هي التي تدل وحدها على "التعليل" أما "كي" التي بعدها

فمتجردة للمصدرية ولا دخل لها بالتعليل. فإن كان الكلام قبل اللام منفيا فقد تكون على لما قبلها أو لا تكون، على حسب البيان الآتي عند عودة الكلام عليها، والموازنة بينها وبين لام الجحود، في "ب" من ص321.

3 إذا توسطت كي بين لام الجر ولا النافية وجب وصل الثلاثة في الكتابة. وإن لم توجد لام الجر فصلت "كي" عن "لا". تطبيقًا لقواعد الإملاء الحالية؛ كقول الشاعر:

وإني لأنسى السر كي لا أذيعه

فيا من رأى شيئا يصان بأن ينسى!!

"انظر رقم 3 من هامش ص305".

ص: 301

لكيما تنشط وتقوى. وقول الشاعر:

ولقد لحنت1 لكم لكيما تفهموا

ووحيت2 وحيا ليس بالمرتاب

ومثال الفصل بهما معا: لا تتعرض للشبهات لكيما لا يصيبك التجريح بحق وغير حق، وقول الشاعر:

أردت لكيما لا ترى لي عثرة

ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟

والفصل "بلا" النافية وحده لا يمنع النصب -باتفاق- أما الفصل بـ"ما" الزائدة وحدها، أو بهما معا فالراجح أنه لا يمنع أيضا.

3-

وجوب سبكها مع الجملة المضارعية3 التي بعدها مصدرا مؤولا يعرب مجرورا باللام؛ فهو مصدر غير متصرف، بخلاف المصدر المسبك من "أن المصدرية" -وما دخلت عليه فهو مصدر متصرف حتما4..

ونشير هنا إلى أسلوب فصيح شائع يقع فيه المضارع المسبوق بلام التعليل منصوبا؛ كقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فما الذي نصب المضارع: "يغفر"؟

قيل منصوب "بأن" مضمرة جوازا بعد اللام، وقيل منصوب بـ"كي" مضمرة جوازا بعدها عند الكوفيين. وقد يكون الرأي الأول هو الأنسب؛ لأن الأكثر هو إضمار "أن"، ويشيع عملها ظاهرة، ومضمرة، وجوبا5، أو جوازا..

1 أوضحت وبينت.

2 أخبرت.

3 الطرق المستعملة في سبك "المصدر المؤول"، والأسباب الداعية لاستعماله دون المصدر الصريح -موضحة تفصيلا- في ج1 م29 ص299 عند الكلام على:"الموصولات الحرفية".

4 انظر رقم 1 من هامش من الصفحة السابقة.

5 انظر "ب وح" من ص285 وص402؛ -حيث بيان السبب. وفي: "لن، وكي وأن" يقول ابن مالك:

وبلن انصبه، و"كي"، كذا "بأن"

لا بعد علم. والتي من بعد ظن

-2

فانصب بها، والرفع صحح، واعتقد

تخفيفها من "أن"؛ فهو مطرد-3

يقول: انصب المضارع بالحرف "لن"، والحرف "كي" وكذا بالحرف "أن" بشرط ألا يكون الحرف:"أن" واقعا بعد ما يفيد العلم واليقين، ما إن كانت الأداة "أن" واقعة بعد ما يفيد الظن =

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

1-

قلنا1: إن "كي" حرف متعدد الأنواع

، أشهرها النوع المصدري السالف الذي أوضحنا1، ومما يزيده بيانا وجلاء ويتمم الفائدة عرض بقية الأنواع في إيجاز مناسب:

الأنواع كلها أربعة:

أ- "كي" المصدرية المحضة المختصة بالمضارع ونصبه وجوبا. وقد سبقت1.

ب- "كي التعليلية المحضة" وهي حرف جر يفيد التعليل "أي: يفيد أن

= فانصب بها المضارع إن شئت، وصحح الرفع إن شئت، "أي: اعتبره صحيحا"، واعتقد أنها في صورة الرفع مخففة من "أن" الثقيلة التي هي من أخوات "إن". ثم بين بعد ذلك أن بعض القبائل يهمل "أن" الناصبة للمضارع وجوبا؛ حملا على أختها "ما المصدرية" فكلاهها عنده لا ينصب

قال:

وبعضهم أهمل: "أن"؛ حملا على

"ما" أختها -حيث استحقت عملا-4

"تقدير البيت: وبعضهم أهمل "أن" حيث استحقت عملا؛ حملا على أختها: "ما" المصدرية فإنها لا تعمل".

يريد: أن بعض العرب أو النحاة -يهمل "أن" في كل موضع تستحق فيه أن تنصب المضارع. وسبب إهمالها حملها على "ما" المصدرية التي لا تعمل، بالرغم من مشابهتها "أن" في المعنى.

والإهمال مقصور على "أن" المصدرية التي تستحق العمل في المضارع -كما سبق- أما غيرها من بقية أنواع "أن" كالمخففة من الثقيلة وغيرها فلا دخل لها بهذا، فلكل نوع حكمه الخاص به. وعلى هذا الأساس يجب -في بيت ابن مالك- تعليق الظرف:"حيث" بالفعل الماضي: "أهمل"؛ ليستقيم المعنى المراد.

وقبل أن يتمم الكلام على: "أن" المصدرية الناصبة، انتقل إلى:"إذن" الناصبة، ثم عاد إلى تمام الكلام على "أن" فسرد حالات إظهارها وإضمارها، جوازا ووجوبا في الحالتين؛ فقال:

وبين "لا" ولام جر التزم

...................-7

وقد شرحنا هذا البيت ونصف الذي يليه مما له علاقة بالبحث في المكان المناسب ص289.

ويعاد ذكره لمناسبة في ص312.

1 في ص 300.

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما بعده علة لما قبله من كلام مثبت1، غالبا؛ فهي بمنزلة "لام التعليل" السابقة2 معنى وعملا". ولها أربع صورة:

الأولى: أن تدخل على "ما" الاستفهامية، -للسؤال عن العلة- فتجرها؛ نحو: كيم تكثر الغابات في المناطق الاستوائية؟ بمعنى: لم تكثر الغابات..؟ ولا يصح أن تكون هنا مصدرية؛ لوجود فاصل قوي بينهما وبين المضارع، ولفساد التركيب والمعنى على المصدرية.

الثانية: أن تدخل على: "ما" المصدرية فتجر المصدر المؤول: كقول الشاعر:

إذا أنت لم تنفع فضر؛ فإنما

يرجى الفتى كيما يضر وينفع

أي: يرجى الفتى "كي" الضر والنفع؛ بمعنى: للضر والنفع3. فلا يصح -في الراجح- اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، ولأن الحرف المصدري لا يدخل على حرف مصدري -في الفصيح لا لتوكيد لفظي في بعض الحالات، أو لضرورة شعرية، وكلاهما غير مستحسن هنا

الثالثة: الداخلة على: "لام الجر" كقول الشاعر يفتخر بكرمه:

فأوقدت ناري كي ليبصر ضوءها

وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

ولا يصح اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، أما هذا المضارع المنصوب بعدها فناصبه:"أن" المضمرة جوازا بعد لام التعليل.

الرابعة: الداخلة على "أن" المضمرة وجوبا -عند البصريين؛ نحو: أخلص في عملي كي أرفع شأن وطني وهذا على اعتبار الناصب للمضارع عندهم

1 انظر رقم 2 من هامش ص301، و"ب" من ص321.

2 في ص301.

3 وقيل إن "ما" زائدة، كفتها عن العمل -تبعا لبعض الآراء- وليست مصدرية، والمصدر منسبك من "كي" الملغاة وصلتها. وعلى هذا تكون لام الجر مقدرة قبلها. وتدخل "كي" في عداد المصدرية الناصبة، ولكنها لم تنصب بسبب "ما".

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو: "أن" المصدرية المضمرة وجوبا، وليس "كي"؛ لأن الحرف المصدري، لا يدخل على نظيره ولو كان مقدرا -في فصيح الكلام إلا على الوجه السالف. وظهور "أن" هذه أحيانا بعد "كي" ضرورة على هذا الرأي البصري، كقول الشاعر:

فقالت أكل الناس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغر وتخدعا1

والكوفيون يجيزون وقوع "أن" الظاهرة -بعد "كي" في الاختيار ويجعلون الناصب عند اجتماعهما هو: "كي"؛ لسبقها. مثل: اسمع الموسيقى كي أن تهدأ أعصابك، واستمع بالغناء كي أن تنتعش

، ورأيهم هو السديد الذي يحسن الأخذ به، ويؤيد ظهور "أن" المصدرية أن إضمارها بعد "لام التعليل" جائز لا واجب عند الفريقين.

فالحرف "كي" في الصور الأربعة السالفة بمنزلة لام الجر معنى وعملا. فإن وقعت بعده لام الجر كانت مؤكدة له، وكان النصب عند البصريين بأن مضمرة وجوبا كما سبق، وإضمار "أن" هنا وجوبا عندهم هو موضع سادس يزاد على المواضع الخمسة الآتية "في ص317" التي يجب فيها الإضمار، والتي يزاد عليها:"ثم" عند الكوفيين.

ح- "كي" الصالحة للمصدرية و "للتعليلية" ولها صورتان:

الأولى: "كي" المجردة من "لام الجر" قبلها، ومن "أن" المصدرية بعدها2 نحو: صن لسانك كي تسلم من ألسنة الناس، وادخر بعض مالك كي ينفعك عند تقلب الأيام".. وقول شاعر قصير:

إذا كنت في القوم الطوال علوتهم

بعارفة، كي لا3 يقال قصير

1 البيت لجميل بن معمر، وفيه رواية أخرى تخلو من الشاهد، هي:

فقالت: أكل الناس أصبحت مانحا

لسانك هذا كي تغر وتخدعا

2 الفرق بين هذه الصورة والصورة الرابعة التي سلفت أن الرابعة لا بد فيها من دخول "كي" على "أن" المضمرة وجوبا والتي يجب ملاحظتها في الإعراب وفي المعنى.

3 الشائع في قواعد رسم الحروف فصل "لا" النافية من "كي" وجوبا إذا لم تسبقها لام الجر، فإن سبقتهما وجب وصل الثلاثة في الكتابة "انظر رقم 3 من هامش ص301".

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن قدرنا اللام قبلها "فكي" مصدريةن وإن قدرنا "أن" بعدها "فكي" تعليلية بمعنى لام الجر. والمضارع في الحالتين منصوب1.

الثانية "كي" المتوسطة بينهما؛ نحو: يغفر للصديق هفوته، لكي أن تدوم مودته، فيصح أن تكون اللام للتعليل وهي جارة، و"كي" تعليلة مؤكدة لها توكيدا لفظيا، و"أن" مصدرية ناصبة للمضارع. والمصدر المنسبك مجرور باللام.

كما يصح أن تكون "اللام" للتعليل وهي جارة أيضا، و"كي" مصدرية مؤكدة توكيدا لفظيا "بأن" المصدرية. والمضارع منصوب بـ"كي"، والمصدر المسؤول من "كي" وصلتها مجرور باللام. ويفضل النحاة الإعراب الأول لالتصاق "أن" بالمضارع مباشرة، ولأنها أقوى في نصبه، وأكثر استعمالا من "كي". ومن المغتفر هنا دخول حرف الجر أو الحرف المصدري على نظيره؛ لأنه للتوكيد اللفظي. وفي الصورتين السالفتين يجوز فصلها من المضارع "بلا" النافية فلا تمنع عملها النصب، أو: ب"ما" فتكفها عن العمل. وقيل: لا تكفها، أو بهما معا مع تقديم "ما"2؛ نحو: اتق الأذى لا تؤذى، واحذر العدوى كيما تسلم. ومثال الفصل بالحرفين معا البيت الذي سبق2 وهو:

أردت لكيما لا ترى لي عثرة

ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟

د- كي الاستفهامية؛ فتكون اسما مختصرا من كلمة: "كيف" الاستفهامية، وتؤدي معناها، وتعرب اسم استفهام مثلها. نحو: كي أنت؟ بمعنى: كيف أنت؟ ومنه قول الشاعر:

كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت

قتلاكمو، ولظى الهيجاء تضطرم؟

أي: كيف تجنحون وتميلون

؟ ولا يمكن أن تكون هذه مصدرية، لعدم وجود العلامة الخاصة بها، ولفساد المعنى على تأويل المصدر المنسبك، ولأن هذه

1 وفي مثل هذا الأسلوب يجوز تأخير المعلول؛ فيصبح: كي تعلمني جئت، سواء أكانت "كي" مصدرية ناصبة أم جارة؛ لأنها في معنى المفعول لأجله، وتقدم المفعول لأجله سائغ.

راجع الهمع، ج2، ص5.

2 و2 انظر رقم 2 من ص301.

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لها الصدارة الحتمية "مثل: كيف" مع أن المصدر المؤول قد يكون صدرا وقد يكون عجزا..

وإلى هنا انتهى الكلام على أنواع "كي" الأربعة".

2-

ما الذي نصب المضارع: "يحسبوا" في البيت القديم1 وهو:

وطرفك إما جئتنا فاحبسنه

كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر

"أي: إن زرتنا فاحبس بصرك عنا -أي: أبعده عنا- ووجهه لغيرنا؛ ليحسب الناس أنك تنظر إلى من تهواها هناك، فلا تتجه الشبهة إلينا. ويحيق بنا المكروه.

أو: امنع نظرك عنا؛ لحسبان الناس -إن نظرت إلينا- أن هواك عندنا

".

فقيل أصل الكلام: "كيما" حذفت ياء "كي" تخفيفا، واتصلت بها "ما" الزائدة، ونصبت المضارع، لأنها مصدرية قبلها لام الجر مقدرة. وقيل: إن: "كما" تنصب أحيانا بنفسها وأن معناها: "كيما"2 وقيل: "الكاف" للتعليل و"ما" مصدرية ناصبة، كما تنصب "أن".

وكل هذه آراء ضعيفة تكاد لا تختلف في الغرض منها. وأخفها الأول.

1 قال العيني: إن هذا البيت قاله لبيد العامري من قصيدة من الطويل". ا. هـ. ونسبه غيره لعمر بن أبي ربيعة، والروايات مختلفة في نص البيت وألفاظه.

2 من الأمثال العربية القديمة التي تؤيد هذا المعنى: "اترك الشر كما يتركك". ويقول أبو هلال العسكري: إن "كما" لغة في "كيما". والخلاف شكل لا أهمية له. ومن ذلك قول العرب أيضا: "لا تَظلموا الناس كما لا تُظلموا" وهذا مذهب الكوفيين -راجع شرح الرضي على الكافية ج2 ص240.

ص: 307

الرابع: إذن".

الكلام على هذه الأداة يتركز في أربعة أمور: مادتها1 -معناها، أحكامها، كتابتها.

أ- فأما مادتها فكلمة واحدة "بسيطة"، ثلاثية الحروف الهجائية، وليست مركبة من كلمتين، هما:"إذ" و"أن"، ولا من غيرها مما يتوهمه القائلون بتركيبها، وبأنها تحولت من أصلها المركب إلى أصلها الحالي2

ب- وأما معناها: فالدلالة على أمرين؛ هما: "الجواب" -وهذا يلازمها دائما في كل استعمالاتها- "والجزاء"، وهذا يلازمها في الأغلب. والمراد من دلالتها على الجواب: وقوعها في كلام يكون مترتبا على كلام قبله، ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان الكلام السابق مشتملا على استفهام مذكور، أم غير مشتمل عليه، ولكنه بمنزلة الملحوظ. فليس من اللازم أن يكون السابق مشتملا على استفهام صريح يحتاج إلى جواب، وإنما اللازم أن يترتب ويتوقف عليه كلام يجيء بعده في الجملة المشتملة على "إذن". ومن الأمثلة قول الصديق لصديقه:"سأغضي عن هفوتك". فيقول الآخر: "إذن أعتذر عنها. مخلصا شاكرا". فهذه الجملة الثانية ليست ردا على سؤال سابق مذكور، وإنما هي بمثابة جواب عن سؤال خيالي، ناشئ من الجملة الأولى؛ تقديره: -مثلا- ما رأيك؟ أو ماذا تفعل؟ أو نحو لك

أي: أن هذه الجملة المشتملة على: "إذن" جملة مترتبة على كلام سابق خال هنا من الاستفهام الصريح -دون الملحوظ- وخال من طلب الجواب، ولكنها بمنزلة الجواب عن سؤال ذهني تولد من الأولى. وكلمة:"إذن" في الجملة الثانية بمثابة الرمز الذي يحمل إلى الذين سريعا الدلالة على أن الثانية تشتمل على الإجابة.

ومثال اشتمال الكلام السابق على استفهام مذكور قول القائل: ماذا تفعل

1 أي: صيغتها -تكوينها اللفظي.

2 وقد انطوت بطون المراجع على أنواع من دعاوى التركيب، يرفضها العقل؛ لحرمانها الدليل على صحتها، أو على العرب بشيء منها. ولا داعي للإثقال بعرضها هنا. والواجب تناسيها؛ كأن لم تكن. ومن شاء الاطلاع على شيء منها فأمامه المطولات. كحاشية الصبان، وشرح المفصل، وشروح سيبويه.

ص: 308

لو صادفت بائسا؟ فتجيب: إذن أبذل طاقتي في تخفيفي بؤسه. فهذه الجملة جواب عن الاستفهام المذكور في سابقتها. ووجود كلمة: "إذن" رمز يوحي أن الإجابة مذكورة في هذه الجملة.

ولا فرق في وقوعها دالة على الجواب بين أن تكون أول جملتها، ووسطها، وآخرها، غير أنها لا تنصب المضارع إلا كانت في صدر جملتها؛ -كما سيجيء- تقول: في المثال الأول: "إذن أعتذر لك مخلصا"، أو:"أعتذر -إذًا- لك مخلصا" أو: "أعتذر لك مخلصا -إذًا".

والمراد من أنها للجزاء -غالبا- دلالتها على أن الجملة التي تحتويها تكون في الغالب مسببة عما قبلها، وتعد أثرا من آثاره؛ توجد بوجوده، وترتبط به عادة، كالمثالين السالفين، وفيهما تبدر السببية واضحة بين الاعتذار والإغضاء عن الهفوة، وكذلك بين التخفيف عن البائس ومصادفته، فكأن المجيب يقول: إن كان الأمر كما ذكرت فإني أعتذر

أو: إني أبذل طاقتي، أي: فالجزاء

1 فإن لم يوجد بين الجملتين جزاء لم يصح -في الغالب- مجيء "إذن"؛ كأن يقول الصديق: سأغضي عن الهفوة؛ فتجيب: إذا ينزل المطر، وكأن يقول قائل: سأقرأ الصحف: فيجاب: إذا تغرب الشمس؛ إلا ذ علاقة ولا ارتباط بين المعنى في الجملتين؛ فالكلام لغو.

وإنما كانت دلالتها على "الجزاء" غالبية؛ لأنها -أحيانا قليلة- لا تدل عليه إذا استغنى المقام عنه، فتتمحض للجواب وحده، كأن يقول الشرك لشريكه: أنا حبك. فيجيب: إذا أظنك صادقا؛ لأن الصدق لا يصلح هنا جزاء مناسبا للمحبة2، وأيضا فهذا الظن حالي الزمن، والجزاء لا يكون إلا مستقبلا. وبسبب الحالية في هذا المثال لم تنصب المضارع.

ح- وأما عملها فنصب المضارع بنفسها مباشرة، وتخليص زمنه للاستقبال؛

1 راجع شرح المفصل في الكلام على "إذن""ج7 ص15 وح9 ص14".

2 فدلالتها الحتمية على الجواب لا تقتضي دلالة حتمية على الجزاء، فمن الممكن الاستغناء عن ذكره في بعض الحالات؛ إذ ليس من اللازم أن يكون الجواب عن شيء مسببا عن ذلك الشيء، ومعلولا له.

ص: 309

-كسائر الأدوات الناصية له- وإنما تنصبه وجوبا إذا اجتمعت شروط أربعة1:

أولها: دلالتها على جواب حقيقي بعدها، أو ما هو بمنزلة الجواب -كما شرحنا.

ثانيها: أن يكون زمن المضارع بعدها مستقبلا محضا؛ فلا يوجد في الجملة ما يدل على أن زمنه للحال؛ لئلا يقع التعارض بين الحال، وبين ما يدل عليه الناصب من تخليص زمن المضارع بعده للمستقبل. فإن وجد ما يدل على حالية المضارع لم تكن:"إذا" ناصية، ويجب رفع المضارع، واعتبارها ملغاة العمل، كالمثال الذي سلف، وهو: أن يقول الشريك لشريكه: أنا أحبك. فيجب: إذا أظنك صادقا؛ لأن هذا الظن ليس أمرا سيتحقق في المستقبل، وإنما هو قائم حاصل وقت الإجابة؛ فزمنه حالي.

ثالثها: اتصالها بالمضارع مباشرة بغير فاصل بينهمان ويجوز الفصل بالقسم إن وجد أو "لا". النافية، أو بهما معا. فإن كان الفاصل غير ما سبق لم تنصب، ووجب رفع المضارع؛ مثل:

إذا -لا أخاف في الله لومة لائم. ومثال الفصل بهما: إذن والله لا أغضب الوالدين. وقد ورد في النصوص أمثلة قليلة وقع فيها الأعمال مع الفصل -بالنداء، أو الدعاء، أو الظرف. ولكنها لقلتها مقصورة على السماع؛ لا يباح القياس عليها.

رابعها: أن تقع في صدر2 جملتها؛ فلا يرتبط ما بعدها بما قبلها في الإعراب -بالرغم من ارتباطهما في المعنى- فإن تأخرت عن صدر جملتها إلى آخرها أهتلت، وكذلك إن وقعت حشوا بين كلماتها. فمثال التي فقدت صداراتها ووقعت في آخر الجملة:

أنصفك إذا. ومثال التي وقعت في ثنايا جملتها: إن تسرف في الملاينة إذا تتهم بالضعف

1 شرح المفصل "ج9 ص14" فقد زاد الشرط الأول الآتي، الذي جعل الشروط أربعة لا ثلاثة. ورأيه سديد.

2 هل وقوعها بعد الواو أو الفاء يزيل صدارتها؟ الجواب في ص313.

ص: 310

ويكثر وقوعها حشوا في ثلاثة مواضع:

أ- بين المبتدأ وخبره المفرد أو غير المفرد؛ نحو: الصادق -إذا- محبوب؛ والخبر هنا مفرد. ونحو: أنا -إذا- أنصر المظلوم. والخبر هنا جملة مضارعية1. و

و

ب- بين جملتي الشرط والجواب؛ سواء أكانت أداة الشرط جازمة، أم غير جازمة، نحو: إن يكثر كلامك -إذا- يسأم سامعوك. نحو: إذا أنصف الناس بعضهم بعضا -إذا- يسعدون.

ح- القسم وجوابه؛ سواء أكان القسم مذكورا؛ نحو: والله -إذا- أترك عملا لا أحسنه، وقولا لا خير فيه. أو مقدرا؛ نحو: لئن يصن المرء نفسه عن مواقف الهوان -إذا- لا يفقد إكبار الناس، واحترامهم إياه2.

1 وفي رأي "الفراء" ومن معه من الكوفيين -"كما جاء في كتابه: "معاني القرآن" ج1 ص274" أنها إذا سبقت بإن واسمها، وتلاها المضارع، يجوز إعمالها؛ فتنصبه، كما يجوز إهمالها فيرتفع؛ نحو إني إذن أحترمك أيها العادل، بنصب المضارع أو رفعه، ومن النصب قول الشاعر:

لا تتركني فيهمو شطيرا

إني إذن أهلك أو أطيرا

بنصب المضارع: "أهلك" بدليل عطف المضارع الذي بعده بالنصب تبعا للمعطوف عليه. أما غير الكوفيين فيعتبرون النصب في البيت شاذا، أو ضرورة، أو مؤولا بحذف خبر "إن" فتقع الأداة بعده في صدر جملة جديدة، وتقديره: إني لا أستطيع ذلك. أو نحو هذا التقدير. ورأي الكوفيين هنا ضعيف.

2 كان القسم هنا مقدرا، لوجود اللام الدالة عليه بعد حذفه. والأصل: والله إن يصن

وقد وقع بعدها أداة الشرط: "إن". وإذا اجتمع الشرط والقسم -وكلاهما لا بد له من جملة جوابية- يكون الجواب في الغالب المتقدم منهما، ويحذف جواب المتأخر حذفا غالبا، وقيل: حذفا واجبا. للاستغناء عنه بجواب المتقدم، فإنه يدل على الجواب المحذوف "وسيجيء بيان هذا الحذف، وتفصيل الكلام عليه في ص485". لهذا كانت الجملة من: "يفقد وفاعله" جوابا للقسم لا للشرط.

وفي "إذن" وأحكامها السابقة يقول ابن مالك:

ونصبوا "بإذن" المستقبلا

إن صدرت، والفعل بعد، موصلا-5

أو قبله اليمين. وانصب وارفعا

إذا "إذن" من بعد عطف وقعا-6

يريد: أن العرب نصبت المضارع "بإذن"، إن كان المضارع مستقبل الزمن، وكانت "إذن" مصدرة في أول جملتها، والفعل المضارع متصلا بها بغير فاصل بينهما، أو بفاصل هو القسم. واقتصر في الفاصل على القسم وحده، ولم يذكر:"لا" النافية، ولا هما معا. وكذلك لم يذكر الشرط الرابع.

ثم قال: انصب المضارع أو ارفعه، إذا كانت "إذن" واقعة بعد حرف عطف، ولم يقيد هذا =

ص: 311

د- وأما طريقة كتابتها فالأكثرون من القدامة يكتبونها ثلاثية مختومة بالنون هكذا: "إذن" سواء أكانت عاملة أم مهملة. أما خاصة المحدثين فيكتبون العاملة ثلاثية مختومة بالنون، والمهملة مختومة بالألف، لا بالنون؛ للتفرقة بين النوعين1.

وهذا حسن جدير بالاقتصار عليه، والاتفاق على الأخذ به.

إلى هذان وبعد الزيادة التي في الصفحة التالية -ينتهي الكلام على القسم الأول؛ وهو الأدوات الأربعة التي تنصب المضارع بنفسها ظاهرة. وتمتاز "أن" بأنها تنصبه ظاهرة ومضمرة وكذا "كي" عدن الكوفيين.

وننتقل بعد تلك الزيادة إلى القسم الثاني وهو الأدوات التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا.

= العاطف. ولكن النحاة قيدوه بالواو أو الفاء -كما سيجيء في الزيادة، ص313- وترك التفصيلات الهامة في كل ما سبق: ثم انتقل بعد ذلك إلى بيتين ذكرناهما في مكانهما الأنسب "ص289" هما:

وبين: "لا" و"لام جر" التزم

إظهار "أن" ناصبة. وإن عدم-7

"لا""فأن" اعمل مظهرا أو مضمرا

......................................-8

وقد سبق البيت الأول في ص289 لمناسبته هناك.

1 وهو رأي منسوب للفراء، كما جاء في كتاب:"الاقتضاب" للبطليوسي، باب:"الهجاء" ص166 وفي بعض المراجع الأخرى نسبته لغير الفراء. ولا قيمة لهذا الخلاف هنا في النسبة.

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- هل تفقد: "إذن" صدارتها بسبب تقدم الواو أو الفاء عليها؟

إذا تقدم أحد الحرفين المذكورين جاز إعمال "إذن"؛ فتنصب المضارع بعدهان وجاز إهمالها؛ فلا تنصبه، فمن اعتبر الحرفين للاستئناف كانت عنده:"إذن" في صدر جملة جديدة مستقلة بإعرابها؛ "لنها مستأنفة". فتنصب المضارع. ومن اعتبرهما لعطف المضارع وحده بدون فاعله على مضارع وحده كانت حشوا؛ فلا تنصب المضارع. وقد قرئ بهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} 1، أو: "وإذن لا يلبثوا خلافك

" واعتبارها للاستئناف، أو: لعطف مضارع وحده على مضارع وحده، حكم خاضع للسياق، ولما يقتضيه المعنى؛ فلا بد من ملاحظة هذا، ومن ملاحظة أمر هام آخر؛ هو، أن عطف الفعل المضارع وحده "أي: بدون فاعله" على الفعل المضارع وحده يختلف عن عطف الجملة المضارعية كاملة على نظيرتها المضارعية2 وغير المضارعية من ناحية الإعمال والإهمال. فعطف المضارع وحده على المضارع يوجب الإهمال؛ لأن المعطوف هنا لا يستقل بنفسه؛ فلا بد أن يتبع المعطوف عليه في إعرابه، فهو تابع له؛ فلا تكون "إذن" واقعة في صدر جملة مستقلة في إعرابها؛ نحو: لم يحضر الغائب، وإذا يسترح أهله. أي: لم يحضر الغائب ولم يسترح أهله؛ فجزم المضارع "يسترح" دليل على أنه معطوف وحده على: "يحضر" عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة؛ إذ لو كان المعطوف جملة لم يصح جزم "يسترح"؛ لعدم وجود ما يقتضي جزمه.

أما عطف الجملة المضارعية على جملة قبلها "مضارعية أو غير مضارعية، الماضوية والاسمية" فيتوقف الحكم فيه على حالة السابقة؛ ألها محل من

1 يستفزون: يزعجون ويؤلمون.

2 سبق "في ج2 ص620 م121" -إيضاح الفروق الدقيقة بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده، وعطف الجملة على الجملة ولا سيما عطف الفعلية على الفعلية.

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإعراب، أم ليس لها محل؟ فإن كان لها محل من الإعراب وجب إهمال:"إذن"؛ لوقوعها في صدر جملة تابعة في إعرابها لجملة أخرى سبقتها، وبهذه التبعية لا تكون في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب؛ نحو:"إن للطيور المهاجرة رائدا يتقدمها؛ وإذا يرشدها إلى غايتها، ويهديها السبيل". فجملة: "يتقدمها" مضارعية في محل نصب صفة لكلمة: "رائدا"، وجملة:"يرشدها" مضارعية معطوفة عليها؛ فهي في محل نصب كالمعطوف عليه؛ ويجب إهمال "إذن" فلا تنصب المضارع بعدها؛ لعدم وقوعها في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب.

وإن لم يكن للجملة الأولى محل من الإعراب -كالجملة الشرطية؛ مثلا- جاز الأعمال والإهمال؛ هو: "إن يشتهر نابغ وإذا تزداد أعباؤه، يفرح خاصته". فجملة: "يشتهر نابغ" جملة شرطية لا محل لها من الإعراب، وقد عطفت عليها بتمامها جملة:"تزداد أعباؤه"، وليس لها محل من الإعراب أيضا؛ لأنها كالمعطوف عليه؛ فيصح نصب المضارع:"تزداد" باعتبار "إذن" في صدر جملة لا محل لها من الإعراب؛ فهي بمنزلة الجملة بعد حرف العطف معطوفة على ما قبلها فهي مرتبطة به ارتباطا إعرابيا ومعنويا يجعلها في حكم غير المستقلة، ويجعل "إذن" في غير الصدارة الكاملة.

ولما تقدم يصح الاعتباران في مثل: عجائب الاختراع تزداد كل يوم، وإذا تسعد بها الناس أو تشقى. فإن عطفنا الجملة المضارعية:"تسعد، وفاعله" على المضارعية: "تزداد، وفاعله" وهي جملة في محل رفع خبر المبتدأ وجب إهمال "إذن" ورفع "تسعد". وإن عطفناها، على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ: "عجائب وخبره، وهي جملة لا محل لها من الإعراب جاز الإعمال والإهمال، فينصب المضارع أو يرفع1

1 مما جاء واضحا في حكم "إذن" الواقعة بعد "الفاء أو: الواو" قول المبرد في كتابه: "المقتضب""ج2 ص11" بعد نصه الصريح على أنه يصح الإعمال والإلغاء: "وذلك قولك: إن تأتي آتك وإذن أكرمك..، إن شئت رفعت، وإن شئت نصبت، وإن شئت جزمت. أما الجزم فعلى العطف على: "آتك"، والنصب على إعمال "إذن". والرفع على قولك: "وأنا أكرمك"، ثم دخلت "إذن". والرفع على قولك: "وأنا أكرمك"، ثم دخلت "إذن" بين الابتداء والفعل فلم تعمل". ا. هـ.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ب- قد تكون: "إذا" متضمنة معنى الشرط في الماضي؛ فيجوز إجراؤها مجرى "لو"1 في قرن جوابها باللام2، كقوله تعالى:{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ، أي: لو ركنت شيئا قليلا لأذقناك..

وقد تتضمن معنى الشرط في المستقبل؛ فيجوز قرن جوابها بالفاء؛ كقول الشاعر:

ما إن3 أتيت بشيء أنت تكرهه

إذا فلا رفعت سوطا إلي يدي

إذا فعاقبني ربي معاقبة

قرت بها عين من يأتيك بالحسد

أي: إن أتيت -في المستقبل- بشيء أنت تكرهه فلا رفعت

-فعاقبني ربي-

وما بعد الفاء في المثالين، جملة دعائية، فزمنها مستقبل.

وقد تدخل على جواب: "لو" وجواب "إن" الشرطتين؛ لتوكيده وتقويته، نحو: لو زاملتني إذا ورضيتك.

وقول الشاعر:

فلو خلد الكرام -إذا- خلدنا

ولو بقي الكرام -إذا- بقينا4

- ونحو: إن تنصف أخاك -إذا- تسلم لك مودته

1 سيجيء في م160 باب: "لو" وأقسامها وأحكامها، وكل ما يتصل بها، وبأنواع جوابها. ويشار لهذا الحكم في "ج" من الأحكام المشتركة الآتية في بابها.

2 فائدة هذه اللام موضحة تفصيل في الأحكام المشتركة الآتية في بابها.

3 "إن" هنا زائدة.

4 ومثل هذا قول شاعرهم:

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يُرمى، وليس برام؟

فلو أنها نبل -إذا- لاتقيتها

ولكنني أُرمى بغير سهام

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويقول الفراء في الآية الكريمة: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، إن مجيء اللام بعد:"إذا" يقتضي وجود: "لو" قبها مقدرة كالآية المذكورة، أو ظاهرة كقوله تعالى في آية أخرى:{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ} 1.

ح- هل يجوز إهمال "إذن" مع استيفائها كل شروط الإعمال؟ إن المستحسن غاية الاستحسان عند استيفائها الشروط هو: "الإعمال، ولا سيما اليوم؛ حيث الرغبة شديدة في اتباع الأشهر؛ توحيدا للبيان، ومنعا لفوضى التعبير؛ إلا إذا اقتضت فائدة محققة في اتباع غيره. وقد أجاب مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن السؤال السالف بعد درساة شاملةن وتحقيق واف بما نصه2: "ورد النصب بـ"إذن" في كلام العرب؛ ورودها في القرآن مفصولة بالحرف "لا" ليس يمنع عملها. وكون ورودها في القرآن "قراءة" لا يمنع الاحتجاج به؛ فالقراءات المشهورة كلها مناط احتجاج. ولكن من المعزو إلى بعض قبائل العرب إلغاء عمل "إذن" مع استيفاء شروط الإعمال. وقد نسب إلى البصريين قبول الإلغاء إلا أن ذلك موصوف بالقلة. واستنادا إلى هذا يجاز الإلغاء مع استيفاء الشروط، وإن كان الإعمال هو الأكثر في استعمال العرب". ا. هـ2

إلى هنا انتهى الكلام على القسم الأول الناصب بنفسه، ويليه القسم الثاني الناصب بأن مضمرة

1 ستجيء إشارة للحكم السالف في "ج" في الأحكام المشتركة الآتية.

2 و2 طبقا للوارد في مجلته "الجزء الخامس والعشرين، الصادر في نوفمبر سنة 1969 ص198".

ص: 316