المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 164: تمييز العدد - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة 164: تمييز العدد

‌المسألة 164: تمييز العدد

1

العدد لفظ مبهم، أي: لا يوضح بنفسه المراد منه، ولا يعين نوع مدلوله ومعدوده؛ فمن يسمع كلمة: ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة

أو غيرها من ألفاظ العدد لا يمكن أن يدرك النوع المقصود من هذا العدد، ولا أن يميزه من بين الأنواع الكثيرة المحتملة؛ أهو ثلاثة كتب، أم أفلام، أم أيامن أم دراهم، أم دنانير، أم غيرها من مئات الأشياء الأخرى

، فلو قلنا: ثلاثة كتب، أو أربعة أيام، أو خمسة شهور

أو

، لزال الإبهام وانكشف الغموض عن مدلول العدد، وصار المراد واضحا؛ بفضل الكلمة التي جاءت؛ فبينت نوعه، وميزته من غيره، أي: أنها عينت المعدود بعد أن كان مبهما مجهولا؛ ولذا يسميها النحاة: "تمييز العدد" -سواء أكانت منصوبة أم مجرورة، على التفصيل الذي سنعرفه- وهذا معنى قولهم: العدد مبهم يزيل إبهامه التمييز، "أي: المعدود".

ولهذا التمييز أحكام؛ تختلف باختلاف أقسام العدد:

أ- فالأعداد المفردة2 التي عرفناها ثلاثة أنواع:

نوع لا يستعمل -في الأغلب- مع تمييز له وهو واحد، واثنان؛ فلا يقال: جاء واحد ضيف، ولا أقبل اثنا ضيفين؛ ولا نحو هذا؛ لأن ذكر التمييز "ضيف

ضيفين

" مباشرة يغني عن ذكر العدد قبله، إذ يبين النوع مع الدلالة على الوحدة، أو على الزوجية المحددة باثنين؛ فلا حاجة إلى العدد

1 "ملاحظة": إذا ورد في النحو كلمة: "تمييز" من غير قيد كان المراد -في الأغلب- التمييز المنصوب مطلقا -للعدد أو لغير العدد- أما التمييز غير المنصوب كالذي هنا في باب العدد فلا يذكر -في الأغلب- إلا مقيدا بالجر، فيقال تمييز مجرور.

2 وهي التي قد تسمى: "مضافة" على اعتبار أن أكثرها مضاف؛ وهو ثلاثة وعشرة وما بينهما، وما ألحق بها مثل كلمتي: مائة وألف، وبضع وبضعة؛ طبقا للبيان السابق عنهما في رقم 4 من هامش ص518 دون العددين: 1 و2 مما سبقت له الإشارة في رقم 2 من هامش ص518، والتسمية غير دقيقة.

ص: 525

قبله، ولا فائدة منه. وقد يضاف هذا النوع لغرض آخر سنعرفه1.

ونوع يحتاج إلى تمييز مفرد مجرور بالإضافة؛ وهو لفظ: مئة، وألف، ومثناهما، وجمعهما. "فالمراد هو: جنس المائة والألف"2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} -يبلغ ارتفاع هرم الجيزة الأكبر نحو مائتي ذراع-3 وكقولهم عند رؤية أشباح بعيدة: هذه مئو رجل، أو مئات رجل وقوله تعالى:{وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} حراس المدينة ألفا حارس، وجيشها تسعة آلاف جندي.

ولا يصح الفصل بين هذا النوع وتمييزه في حالة الاختيار.

ونوع يحتاج إلى تمييز مجرور بالإضافة، متصل به -أيضا- ويكون في الأغلب جمع تكسير للقلة4، وهذا النوع هو:"ثلاثة، وعشرة، وما بينهما، وكذا كلمة: بضع وبضعة الملحقتين به" -طبقات لما تقدم5 عنهما- نحو: الصيف ثلاثة أشهر، فضيت خمسة أيام في الريف، وقوله تعالى:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} 6، 7

و

فالأصل في تمييز هذا النوع من العدد المفرد أن يستوفي أربعة أمور مجتمعة؛ هي: أن يكون جمعا، للتكسير، مفيدا للقلة، مجرورا بالإضافة المباشرة "أي: الخالية من الفصل"، وكل واحد من هذه الأربعة يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل:

1-

فأما كون التمييز جمعا فهو الأعم الأغلب، ليتطابق المعدود والعدد في

1 في "أ" من ص532. وانظر ص552.

2 انظر ما يتصل بها في "ب" ص533".

3 أي: نحو "136 مترا" بعد النقص الذي أصاب قمته. ويقدر، بنحو: سبعة أمتار.

4 جمع التكسير -كما سيأتي في ص627- نوعان: جمع تكسير للقلة، وهو ما كان دالا على أفراد لا تقل عن ثلاثة، ولا تزيد على عشرة. وله أوزان خاصة، منها:"أفعلة، وأفعال، وفعلة وأفعل". نحو: أجهزة، وأنهار، وصبية، وأعين. وجمع تكسير للكثرة ويدل على عدد لا يقل عن ثلاثة، وقد يزيد على العشرة، بالإيضاح الذي سيجيء في بابه -ص625 م172- وأوزانه كثيرة

5 في رقم 4 من هامش ص518.

6 صرصر: شديدة الصوت، أو شديدة البرد.

7 حسومًا: متتابعة.

ص: 526

الدلالة على التعدد الكثير، ويجب -في الأغلب- إضافة العدد إلى مفرد إن كان التمييز هو لفظ:"مائة"1، نحو: ثلاثمائة رجل -أربعمائة كتاب- خمسمئة قلم

، أو كان العدد مضافا إلى مستحقه ملكا أو انتسابا على حالة من الحالات؛ فتكون الإضافة لبيان أن العدد مملوك للمضاف إليه، أو منسوب إليه بوجه من وجوه التملك أو النسبة التي تستفاد من الإضافة2؛ نحو: هذه خمسة محمود، وتلك سبعة علي.. فقد تعرف المضاف هنا بالمضاف إليه، وتميز به؛ فلا يحتاج إلى تمييز، ولهذا لا يعتبر المضاف هنا إليه المذكور تمييزا؛ لأن العدد استغنى عن التمييز، واحتاج لمضاف إليه يحقق غرضا آخر.

وقد يغني عن الجمع ما يدل على الجمعية، ولو لم يسم جمعا في اصطلاح النحاة؛ وإنما يسمونه:"اسم جمع"؛ كقوم، ورهط3، وغيرهما من أسماء الجموع؛ وكنحل وبقر، وغيرهما مما يسمونه:"اسم الجنس الجمعي". والغالب في هذين النوعين أن يكونا مجرورين بالحرف "من" مع ظهوره في الكلام، نحو: ثلاثة من القوم فازوا، وأربعة من الرهط تقدموا، وخمس من النحل جمعت العسل، وستة من البقرة جلبت الغنى لصاحبها، أما جرهما بالإضافة فالأحسن -مع صحة القياس- الاقتصار فيه على المسموع، ومنه قوله تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} . وقوله عليه السلام: "ليس فيما دون خمس ذود4 صدقة"5.

2-

وأما كونه للتكسير فهو الأكثر ورودا في الكلام الفصيح، ويجوز أن يكون جمعا للتصحيح6 مناسبا، إذا لم يكن للكلمة جمع مستعمل للتكسير؛ نحو: خمس صلوات، وسبع سنين، أو كان لها جمع تكسير مستعمل ولكن يعدل عنه إلى التصحيح لمجاورته ما أهمل تكسيره في الكلام؛ نحو: سبع سنبلات؛

1 انظر ما يختص بطريقة كتابة "مائة" في رقم 3 من هامش ص518.

2 كما سيجيء في الزيادة ص532 وص552.

3 عدد من الرجال -خاصة- لا يزيد على عشرة في الغالب، وهو اسم جمع "واسم الجمع: لا واحد له من لفظه، مع دلالته على معنى الجمع".

4 الذود: مؤنث، وهو عدد من الإبل لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. ولفظه اسم جمع، لا يجيء منه واحد -كما سبق في3.

5 انظر "ج" من ص542.

6 هو جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم.

ص: 527

فإنه مجاور في الآية الكريمة سبع بقرات، في قوله تعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} 1، فقال لمراعاة التنسيق:"سبع سنبلات"، بدل "سنابل"؛ لمناسبة:"بقرات" التي ترك جمع تكسيرها في الآية. أو يكون لها جمع تكسير ولكنه قليل الاستعمال، نحو: ثلاث سعادات2، فهو أحسن، من ثلاث سعائد2.

ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يقع جمع التصحيح المشتق تمييزا للعدد في مثل: هنا ثلاثة صالحين، وأربعة زاهدين؛ بالإضافة. والأحسن عدم الإضافة، وإعراب هذا الجمع نعتا، ويجوز نصبه على الحال إن كان نكرة؛ بشرط إدخال التغيير اللازم على الجملة؛ لصحة كل إعراب؛ وبذا يسلم من الضعف.

ومع أن مدلول جمع التكسير الذي للقلة هو مدلول جمعي التصحيح عند سيبويه3 نجد كثرة النحاة لا ترتضي التمييز بجمعي التصحيح.

3-

وأما أنه للقلة فمراعاة للمأثور الأفصح الذي يدل على أن الكلمة التي لها جمعان جمع كثرة وجمع قلة يكون تمييز العدد بجمع قلتها هو الأعم الأغلب، فإن لم يوجد لها إلا جمع كثرة صح التمييز به بغير ضعف.

4-

وأما جره بالإضافة فهو الأعم الأكثر أيضا، ويحدث تخفيفا في العدد بحذف التنوين منه؛ لإضافته. ولا يصح الفصل بينه وبين العدد إلا بما يصح الفص لبه بين المتضايفين4.

وإنما يجب جر التمييز بشرط تأخره وإعرابه تمييزا. فلو تقدم التمييز على العدد لوجب إعراب التمييز على حسب حاجة الجملة، وإعراب العدد نعتا مؤولا له5،

1 عجاف: نحيفات، هزيلات. "المفرد: أعجف، وعجفاء، يقال ثور أعجف، وثيران عجاف، وبقرة عجفاء، وبقرات عجاف".

2 و2 جمع سعاد، علم لمؤنثة.

3 في ص627 و631 ما يوضح الحكم ويفصله.

4 سبق بيانه في آخر باب الإضافة "ج3".

5 يؤول النعت هنا لجمود. ويجوز إعرابه بدلا أو عطف بيان إن كان المعنى عليهما. دون النعت "كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص546".

هذا، وقد سبق في باب:"النعت""ج3 م114 عند الكلام على تقسيم النعت باعتبار لفظه" بيان الألفاظ الجامدة التي يصح وقوعها نعتا، ومنها:"لفظ العدد" وتفصيل الكلام عليه.

ص: 528

ففي مثل: عندي ثلاثة كتب؛ -بجر "كتب"، بالإضافة- نقول: عندي كتب ثلاثة يرفعها. ولو تأخر وأريد لداع معنوي إعرابه عطف بيان إن كان جامدا -كالأغلب في عطف البيان- أو نعتا مؤولا بالمشتق أيضا، لوجب أن يكون تابعا في إعرابه للعدد؛ نحو: عند ثلاثة أثواب، فأثواب: عطف بيان، أو نعت مؤول بمعنى: مسماة بأثواب.

هذا، ويصح في الأعداد المفردة "3 و10 وما بينهما"؛ أن تضاف إلى ضمير المعدود، ولا تحتاج لغيره، نحو: مررت بالأصدقاء ثلاثتهم

أو: خمستهم

أو: سبعتهم

بنصب العدد على الحال المؤولة؛ أي: مثلنا إياهم، أو: مخمسا، أو: مسبعا

وهكذا. ويجوز إتباع العدد لما قبله؛ فلا يعرب حالا، وإنما يعرب توكيدا معنويا؛ بمعنى: جميعهم، مع ضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد1.

والصحيح أن هذا ليس مقصورا على الأعداد المفردة؛ بل يسري على المركبة أيضا -كما سيجيء- نحو: جاء القوم خمسة عشر هم، بالبناء على فتح الجزأين في محل رفع هنا أو في محل غير الرفع في تركيب آخر، على حسب المؤكد.

وجدير بالملاحظة أن العامل في التمييز المجرور بالإضافة هو العدد المبهم "أي: المضاف" الذي جاء التمييز لإيضاحه وإزالة إبهامه، ولا بد من تقديم هذا العامل على تمييز المجرور.

ب- وباقي أقسام العدد "وهو: المركب، والعقود الاصطلاحية، والمعطوف، وكذا ما ألحق بالمركب والمعطوف عليه من كلمتي: بضع وبضعة"2 يحتاج إلى تمييز3 مفرد، منصوب غير مفصول من العدد بفاصل، نحو:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ، {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 3، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى

1 سبقت الإشارة لهذا الحكم في ج2 باب: الحال م84 ص297 وفي ج3 باب التوكيد م116 ص413.

2 طبقا للبيان الذي سبق في رقم 4 من هامش ص518.

3 و3 وقد يستغنى عن التمييز مطلقا لداع بلاغي -كما هنا، وكما سيجيء في ص532 و552.

ص: 529

إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} ، قال أحد الشعراء: هاجني منظر شائق؛ فلم أغادر مكاني حتى فاض خاطري بخمسة وأربعين بيتا في وصفه، لم أقض فيها أكثر من ضحوة. وأزعجني نعي صديق لي، فانهمر لساني برثائه، وأنشأت قصيدة بلغت اثنين وخمسين بيتا لم أقطع فيها أكثر من بضع ساعات، ثم أكملتها بعد ذلك تسعة وسبعين بيتا

ولا بد في جميع حالات التمييز المنصوب أن يتأخر عن عامله الفعل أو ما يشبهه. وقد أشرنا -قريبا- إلى أنه يجوز في العدد المركب ما جاز في العدد المفرد من الإضافة لضمير المعدود

بالتفصيل السالف.

"ملاحظ" إذا نعت تمييز العدد المركب، أو تمييز العقد، أو تمييز المعطوف، جاز في هذا النعت أن يكون مفردا؛ مراعاة للفظ المنعوت "وهو التمييز" وجاز أن يكون جمعا؛ مراعاة لمعناه الذي يراد به اسم العدد، نحو: هنا أربعة عشر خبيرا عالما، أو علماء -وعشرون طالبا ذكيا، أو أذكياء- وخمس وعشرون كاتبا ماهرا، أو مهرة

، وهكذا1. ومراعاة اللفظ أكثر. ومثل النعت غيره من بقية

1 في هذا الحكم تفصيل يشوبه غموض تنطوي عليه المراجع المتداولة، ونكتفي هنا ببعضها:

أ- من أمثلته ما جاء في الأشموني، ونصه:"يجوز في نعت هذا التمييز منهما وهنا يقول الصبان: "أي: من المركب وعشرين وبابه. وقضيته: أن تمييز غيرهما لا يجوز في نعته مراعاة المعنى"

مراعاة اللفظ؛ نحو: عندي أحد عشر درهما ظاهريا، وعشرون دينارا ناريا، ومراعاة المعنى؛ فتقول: ظاهرية وناصرية، ومنه:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغرب الأسحم

....................... ا. هـ.

..............................

ففي الحكم السابق تقييد للمنعوت بأنه تمييز للعدد المركب، وعشرين وبابه.. وليس فيه تقييد الجمع بأنه للتكسير أو للمذكر السالم.

ب- في حين يقول الرضي "ج2 ص125" إذا وصفت المميز جاز لك في الوصف اعتبار اللفظ والمعنى؛ نحو: ثلاثون رجلا ظريفا وظرفاء، ومائة رجل طويل وطال. وقول الشاعر:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

فأمثلته التي عرضها اشتملت على نوع من الأعداد ليس بالمركب ولا العشرين وبابه؛ فقد اشتملت على مائة، نعم لم يصرح بنوع الجمع ولكن المثال اقتصر على جمع التكسير.

ج- ويقول الهمع "ج1 ص254 باب "التمييز" ما نصه: "إذا جيء بنعت مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز وعلى العدد؛ نحو: عندي عشرون رجلا صالحا، أو صالح، وعشرون رجلا كراما أو كرام. فإن كان جمع سلامة تعين الحمل على العدد؛ نحو: عشرون رجلا صالحون". ا. هـ.

فبأي هذا الآراء نأخذ؟ لعل الأنسب الأخذ بما جاء في الهمع وفي كلام الرضي لأن رأيهما مردد في بعض المراجع الأخرى التي لم نذكرها. ولا مانع هنا من وصف الجمع الذي لا يعقل بالمفرد المؤنث.

ص: 530

التوابع1.

فملخص الكلام على العدد من ناحية تمييزه هو -في الأغلب:

"واحد واثنان: لا يحتاجان لتمييز"، "ثلاثة وعشرة وما بينهما، وكذا بضع وبضعة، تحتاج لجمع تكسير، للقلة، مجرور بالإضافة، وقد تضاف لضمير المعدود"، "جنس المائة والألف: يحتاج إلى مفرد مجرور"، "ما عدا ذلك؛ يجتاج لمفرد منصوب.."2.

1 كما سيجيء في "ب" من ص533.

2 في تأنيث العدد المركب يقول ابن مالك:

وأحد اذكر وصلنه بعشر

مركبا، قاصد معدود ذكر-4

وقل لدى التأنيث إحدى عشره

والشين فيها عن تميم كسره-5

يريد: أن "عشرة" إذا ركبت مع "إحدى" وجب مطابقة "العشرة" لها في التأنيث، وأن "عشرة" المؤنثة، تسكن "شينها" في أشهر اللغات، وتميم تجيز الكسر أيضا. ثم أراد أن يبين عموم الحكم الخاص "بعشرة" من ناحية تأنيثها مطابقة للمعدود، وأن هذا ليس مقصورا على "إحدى" فقال:

ومع غير أحد وإحدى

ما معهما فعلت، فافعل قصدا-6

"الفاء التي في صدر "افعل" زائدة". والتقدير: وافعل قصدا مع غير أحد وإحدى ما فعلت معهما، حيث أنثت عشرة مع "إحدى" المؤنثة، وذكرتها مع "أحد" المذكر..أي: راع المطابقة في التذكير والتأنيث مع غيرهما من الأعداد التي تركب مع العشرة كما راعيته مع: "أحد وإحدى" وزاد الأمر إيضاحا بالنص عليه مع ثلاثة وتسعة وما بينهما؛ فقال:

ولثلاثة وتسعة وما

بينهما إن ركبا ما قدما-7

وبالنص عليه أيضا في اثني واثنتي حيث يقول:

وأول عشرة اثنتي، وعشرا

اثني إذا أنثى تشا، أو ذكرا-8

يريد: أتبع المؤنثة "أي: اذكر بعدها" كلمة: "عشرة" المؤنثة. واذكر كلمة: "عشر" المذكرة =

ص: 531

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- قد يضاف العدد "المفرد" إلى غير تمييزه المبين لنوع المعدود، ولحقيقته الذاتية؛ فيضاف إلى مستحق المعدود "ومن المفرد: واحد، ومؤنثه: واحدة وحادية، وإحدى

ومنه: اثنان، ومؤنثه: ثنتان واثنتان، ومنه ثلاثة وعشرة وما بينهما. ويلحق به جنس المائة والألف

" لعدم الحاجة إلى ذكر التميز استغناء عنه، وطلبا لمضاف إليه يحقق غرضا لا يحققه التمييز، هو الدلالة على أن العدد مملوك أو منتسب للمضاف إليه، أو مرتبط به بنوع من أنواع الصلة والارتباط التي تحدثها الإضافة الجديدة، والتي لا تبين نوعا، ولا ذاتا1، وإنما تبين استحقاق المضاف إليه للمضاف بوجه من وجوه الاستحقاق2 ومن الأمثلة: واحد قومه من لا يعول في الدنيا على أحد -واحدة قومها من رفعت شأن بلدها في مجال التربية والأمومة. وكأن يقال في كتابين لمحمد: هذان اثنان محمد. وفي فتاتين من القاهرة: هاتان اثنتا القاهرة، أو ثنتا القاهرة. وفي دراهم لمحمود وعلي: هذه سبعة

= بعد "اثني" المذكرة، ثم بين: أن "اثني واثنتي" يعربان إعراب المثنى عند تركيبهما كما كانا قبل التركيب؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، وأما غيرهما فالجزءان المركبان مبنيان على الفتح في القول المألوف؛ أي: الشائع. يقول:

و"اليا" لغير الرفع، وارفع بالألف

والفتح في جزأي سواهما ألف -9

ثم انتقل إلى حكم تمييز العقود فقال:

وميز العشرين للتسعينا

بواحد كأربعين حينا-10

"الحين: الوقت" ثم إلى تمييز المركب مباشرة وأنه مثل تمييز العشرين. فقال:

وميزوا مركبا بمثل ما

ميز: "عشرون"؛ فسوينهما-11

1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 من ص526.

2 لأن من يقول: هذه "خمسة محمود" يكون عارفا "محمودا وخمسته" حتما: فلا تحتاج لتمييز وإذا قلت: "هذه عشروك" فقد خاطبت من يعرف العشرين المنسوبة إليه، ولا تقولها إلا لمن يعرف هذا، كما أنك لا تقول:"كتاب حامد" إلا لمن يعرفهما نوع معرفة.

ص: 532

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

محمود، وتسعة علي،.......... وخذ سبعتك، وحافظ على تسعتنا.

أما بقية أقسام العدد فيستغنى عن التمييز نوعان منها؛ كما سيجيء في "هـ".

ب- قلنا1: إن المراد بالمائة والألف هو جنسهما الشامل لمفردهما، ولمثناهما، ولجمعهما.. هذه الدلالة على الجمعية قد تكون بصيغة الجمع المباشر المتحقق في لفظهما؛ نحو: هذه مئو رجلا تقود أربعة آلاف جندي. وقد تكون "الجمعية" غير مباشرة؛ بأن تكون صيغة المائة: "مضافا إليه" يكتسب معنى الجمعية من "المضاف" بشرط أن يكون هذا المضاف ثلاثة، أو تسعة، أو عددا بينهما؛ نحو: قضى الرحالة ثلاثنمائة يوم في الصحراء، قطع فيها تسعمائة ميل.

وقد تكون أيضا بوقوع والألف تمييزا منصوبا مضافا، والعدد هو:"أحد عشر" أو غيره من الأعداد المركبة، نحو: في المكتبة أحد عشر مائة كتاب، واثنتا عشرة ألف مخطوطة. ومن الجائز في هذين النوعين الأخيرين اعتبار المائة والألف مفردين؛ اعتمادا على أن لفظهما الصريح مفرد، مجرد من علامة تثنية أو جمع، وأن اعتبارهما غر مفردين راجع للعدد المركب المذكور قبلهما، وهو لفظ مستقل عنهما، ولكنه احتاج إليهما ليكونا تمييزين له؛ فاعتبار المائة والألف راجع لمراعاتهما مع اسم العدد. ولن يترتب على الاعتبارين خلاف يمس تمييزهما مباشرة. وإنما الخلاف في توابع تمييزهما، كالنعت مثلا؛ أيكون مفردا تبعا للفظ تمييزهما المنعوت، أم جمعا تبعا لمعناه؟ الأمران جائزان في كل التوابع. ولكن الأحسن والأكثر هو مراعاة اللفظ؛ بأن يكون تابع تمييزهما مطابقا له في إفراده. ويسري الحكم السالف أيضا على تمييز العقود والأعداد المعطوفة كما سبق2.

ج- يصلح الألف تمييزا لكل أقسام العدد الأربعة: "المفرد، غير الواحد والاثنين، والمركب، والعقد، والمعطوف". أما المائة فلا تصلح تمييزا إلا للثلاث والتسعة وما بينهما، وإلا للأعداد المركبة، مثل: "ثلاثمائة

خمسمائة

"، "إحدى عشرة مائة

خمس عشرة مائة..". ولا تكون تمييزا للعقود، ولا

1 في "أ" من ص525.

2 في ص530، بعنوان:"ملاحظة".

ص: 533

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للأعداد المعطوفة. وغذا وقع لفظ "مائة" تمييزا للثلاثة أو التسعة أو ما بينهما فالأغلب الذي يقتصر عليه هو إفراده.

د- من الشاذ تمييز المائة -وجنسها- بمفرد منصوب؛ كقول الشاعر:

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذة والفتاء

ومن القليل تمييزها بجمع مجرور؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} على اعتبار "مائة" مضاف و"سنين" مضاف إليه. أما من ينون: "مائة" فإنه يجعل كلمة: "سنين" بدلا أو عطف بيان من "ثلاث" المضافة إلى مائة. لا تمييزا، لئلا يكون التمييز هنا شاذا من وجهين؛ هما: وقوعه جمعا، ونصبه.

هـ- ما صح في الأعداد المفردة من استغنائها من التمييز أحيانا، كما تقدم البيان في:"أ"1 يصح في قسمين آخرين؛ هما: المركب "ما عدا اثني عشر، واثنتي عشرة"، والعقود، فيصح حذف التمييز حين لا يتعلق الغرض بذكره. ومن حالات الاستغناء عنه أن يضاف العدد إلى شيء يستحقه؛ بأن يكون العدد مملوكا للمضاف إليه، أو منتسبا له بصلة من الصلات المستفادة من الإضافة الدالة على الاستحقاق، لا على بيان نوع المعدود. كأن يكون لمحمود خمسة عشر درهما فنقول: هذه خمسة عشر محمود، وكأن يكون لغرف البيت عشرون مفتاحا؛ فنقول: هذه عشرو البيت

2.

وإذ أضيف العدد المركب، "غير اثني عشر، واثنتي عشرة"، ففي إعرابه لغات3

أشهرها وأحقها بالاقتصار عليه لغتان4:

الأول: أن يبقى على ما كان عليه من فتح الجزأين في جميع مواقعه الإعرابية،

1 ص532.

2 ومن هذا قول الشاعر يهجو متغزلا:

وما أنت؟ أم مارسوم الديار؟

وستوك قد قربت تكمل

ستوك، أي: ستون سنة من عمرك، ثم انظر رقم 2 من هامش ص532.

3 أما إعراب العقود فكجمع المذكر السالم؛ فلا تتأثر عند إضافتهما إلا بحذف النون.

4 سبقت الإشارة لهما في ص521.

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا مانع من اجتماع البناء والإضافة هنا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، حافظت على خمسة عشر محمد؛ بالبناء، على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة.

الثانية: ترك الجزء الأول مفتوحا في كل الحالات كما كان، وإجراء الحركات الإعرابية على الجزء الثاني؛ باعتبار الجزأين بمنزلة كلمة واحدة ذات شطرين، يجري الإعراب على الثاني منهما مع ترك الأول على حاله، دون أن تتغير الفتحة التي في آخره، فيكون الثاني معربا؛ مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، على حسب موقعه من الجملة؛ ولا يكون مبنيا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، "و"خمسة عشر" هنا: اسم "إن"، منصوبة مباشرة، وليست مبنية على فتح الجزأين" -حافظت على خمسة عشر محمد. فخمسة عشر في الأمثلة الثلاثة غير مبنية؛ فهي بشطريها في الأول مبتدأ مرفوع مباشرة، وفي الثاني اسم "إن" منصوب مباشرة- وفي الثالث مجرور مباشرة. وما عدا هذين الرأيين ضعيف يحسن إهماله؛ ومنه: إضافة صدر المركب إلى عجزه المضاف إلى مستحق المعدود، نحو: هذه خمسة عشر محمد، وشاهدت خمسة عشر محمد، واحتفيت بخمسة عشر محمد

ومنه إضافة صدر المركب إلى عجزه من غير إضافة العجز إلى شيء؛ نحو: هذه سبعة عشر1

و لا يجوز الفصل بين العدد وتمييزه في غير الضرورة الشعرية، كقول الشاعر القديم:

على أنني بعد ما قد مشى

ثلاثون -للهجر- حولا كميلا

2

يريد: ثلاثون حولا كميلا للهجر.

1 وإلى بعض هذه الآراء يشير ابن مالك بقوله:

وإن أضيف عدد مركب

يبق البنا. وعجز "قد يعرب"-12

2 كاملا. وفي الشطر الأول من البيت رواية أخرى، هي:

وإني من بعد ما قد مضى

................................

ص: 535