الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المادة 133: الاستغاثة
…
المسألة 133: الاستغاثة
إذا وقع إنسان في شدة لا يستطيع -وحده- التغلب عليها، أو توقع أن يصيبه مكروه لا يقدر على دفعه
…
، فقد ينادي غيره لينقذه مما وقع فيه فعلا، أو ليدفع عنه المكروه الذي يتوقعه، ويخاف مجيئه
…
ومن الأمثلة: مناداة الغريق حين يُشرف على الموت؛ فيصرخ: "يا للناس للغريق". ومناداة الحارس زملاءه حين يرى جمعا من الأعداء مقبلا فيرفع صوته: "يا للحراس للأعداء". فهذه المناداة لطلب العون والمساعدة هي التي تسمى: "الاستغاثة"؛ ويقال في تعريفها إنها:
"نداء موجه إلى من يخلص من شدة واقعة بالفعل، أو يعين على دفعها قبل وقوعها".
أسلوبها وأركانه:
أسلوب الاستغاثة -على الوجه السالف- أحد أساليب النداء. ولا يتحقق الغرض منه إلا بتحقيق أركانه الثلاثة الأساسية؛ وهي: حرف النداء "يا"، وبعده -في الأغلب:"المستغاث به"؛ وهو المنادى الذي يطلب منه العون والمساعدة
…
ويسمى أيضا: "المستغاث"1، وهذا الاسم الأكثر شيوعا هنا، ثم:"المستغاث له" وهو الذي يطلب بسببه العون؛ إما لنصره وتأييده، وإما للغلب عليه، كالمثالين السالفين؛ فهو الدافع للاستغاثة؛ لمعاونته، أو لمقاومته.
من هذه الأركان الثلاثة مجتمعة. يتألف الأسلوب الخاص بالاستغاثة الاصطلاحية2، مع مراعاة الأحكام الخاصة بكل ركن منها. وتتركز هذه الأحكام فيما يأتي:
1 يقال: استغاث الصبي بوالده، أو استغاث الصبي والده؛ فالفعل يتعدى بنفسه تارة -وهذا هو الأكثر- وبالياء تارة أخرى، وهذا صحيح أيضا. فالوالد مستغاث، أو: مستغاث به.
2 هناك أساليب غير اصطلاحية؛ كأن يقول الخائف مثلا: إني أستغيث بك يا والدي -أدركني يا صديقي وخلصني- أيها النبيل ادفع عني السوء الذي ينتظرني
…
أ- ما يختص بحرف النداء:
يتعين هنا أن يكون حرف النداء هو: "يا" دون غيره من إخوته، وأن يكون مذكورا1 دائما؛ نحو: يا للأحرار للمستضعفين
…
فإن تخلف أحد هذين الشرطين لم يكن الأسلوب أسلوب استغاثة.
ب- ما يختص بالمستغاث "وهو: المنادى":
1-
الغالب على المستغاث أن تسبقه لام الجر الأصلية. ومتى وجدت كانت مبنية على الفتح وجوبا؛ نحو: يا للطبيب للمريض، وقول الشاعر2:
يا للرجال لحرة موءودة3
…
قتلت بغير جريرة وجناح3
ووجود هذه اللام ليس واجبا، إنما الواجب فتحها يحين تذكر
…
4 ويستثنى من بنائها على الفتح حالتان، يجب فيهما بناؤها على الكسر.
الأولى: أن يكون المستغاث "ياء المتكلم"، نحو: يا لي للملهوف.
والثانية: أن يكون المستغاث غير أصيل؛ وذلك بأن يكون غير مسبوق "بيا"، ولكنه "معطوف" على مستغاث آخر مسبوق بها؛ فيكتسب من السابق معنى الاستغاثة، والمراد منها. نحو: يا للوالد وللأخ للقريب المحتاج. فكلمة "الأخ" ليست مستغاثا أصيلا، لعدم وجود حرف النداء "يا" معها، ولكنها استفادت معنى
1 سبقت الإشارة لهذا في رقم5 من ص3 وفي "أ" من ص5 ويجيء في ص82.
2 البيت لشوقي من قصيدة يرثي فيها منصب "الخلافة" الإسلامية التي آلت إلى سلاطين الترك، ثم ألغوها سنة 1929 وكان لإلغائها ألم عميق إذ ذاك. ومن الأمثلة قول الآخر يعاتب:
أتتركني، وأنت أخي وصنوي؟
…
فيا للناس للأمر العجيب
3 الموءودة: هي البنت التي كانت تدفن حية عقب ولادتها، كعادة بعض الأمم القديمة، ومنهم بعض القبائل العربية الجاهلية. والجريرة الإثم والذنب، وكذلك: الجناح.
4 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه: الاستغاثة.
إذا استغيث اسم منادى خفضا
…
باللام مفتوحا، كيا للمرتضى
"ستغيث اسم: أي: استغيث به. وخفض، أي: جر".
يريد: إذا نودي اسم مستغاث به وجب خفض المنادي؛ "أي: جره" بلام مبنية على الفتح، نحو: يا للمرتضى.
الاستغاثة من "المعطوف عليه" المستغاث الأصيل الذي قبله "يا" وهو الوالد. ففي هذه الصورة -والتي قبلها- يجب كسر اللام الداخلة على المستغاث.
ويترتب على عدم ذكر "يا" مع المعطوف شيء آخر، هو صفحة ذكر لام الجر معه، وحذفها؛ نحو: يا للطبيب وللممرض للجريح، أو: والممرض للجريح.
فإن ذكرت "يا" مع المعطوف كان مستغاث أصيلا كالمعطوف عليه، ووجب فتح اللام معهما في المواضع التي جب فيها بنائها على الفتح؛ كقول الشاعر:
يا لقومي، ويا لأمثال قومي
…
لأناس عتوهم في ازدياد1
2-
جميع أنواع المنادى المستغاث، المجرور بهذه اللام الأصلية، المسبوق بالحرف:"يا"، معرب -إذا تحققت شروط ثلاثة-2 منصوب؛ فهو مجرور لفظا، منصوب محلا3. حتى المفرد العلم، والنكرة المقصودة، فإنهما يعتبران -حكما؛ بسبب هذه اللام- من قسم المنادى المضاف، الواجب النصب4، ويلحقان به، فكل؛ منهما مجرور اللفظ، منصوب المحل، "كغيره من بقية أنواع المنادى المستغاث، المسبوق بالحرف: "يا"، والمجرور باللام الأصلية". لهذا يقال في إعراب المستغاث في الأمثلة السابقة5 "وهي: للطبيب
…
يا للرجال
…
وأشباهها" اللام حرف جر أصلي، والطبيب
…
أو الرجال
…
منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الكسرة التي جلبها حرف الجر. والجر والمجرور متعلقان "بيا": لأنها نائبة عن الفعل "أدعو"
1 يقول ابن مالك في هذا:
وافتح مع المعطوف إن كررت "يا"
…
وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا
إذا تكررت "يا" بأن ذكرت مع المعطوف وجب فتح لام. وفي غير هذه الصورة يجب كسر اللام معه. وهذا يشمل ألا تذكر "يا" مع المعطوف، كما يشمل اللام الداخلة على المستغاث له إن كان اسما ظاهرا، أو ضميرا هو ياء المتكلم. ولم يعترض لوجوب فتح اللام مع الضمائر الأخرى. كما سنعرف.
2 وهي الشروط الثلاثة المذكورة بعد.
3 كيف يكون له محل من الإعراب مع أصالة اللام الجارة؟ انظر الإجابة في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية.
4 كما سبق في ص13 و26.
5 في ص78.
أو ما بمعناه"1.
وإذا جاء لهذا المنادى تابع فإنه يجوز فيه الجر، مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، -وهذا هو الرأي الأنسب الذي يحسن الأخذ به-2 تقول: يا للطبيب الرحيم
…
يا للرجال الشجعان، بجر كلمتي: الرحيم والشجعان، أو نصبهما.
أما الشروط الثلاثة التي لا بد من اجتماعها ليكون المستغاث معربا منصوبا، فهي:"أن يكون معربا في أصله قبل النداء، وأن تكون لام الجر مذكورة، وقبلها: "يا" مذكورة أيضا.
أما إن كان المستغاث مبنيا في أصله؛ نحو: يا لهذا للصالح
…
فالواجب إبقاؤه على حالة بنائه الأصلي، ويكون في محل نصب. فكلمة:"هذا" في المثال السالف منادى، مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره سكون البناء الأصلي، في محل نصب3.
1 كما عرفنا في د وهـ من ص7.
2 كما سبق في ص57
…
ليكون هذا الحكم عاما يخضع له التابع في الاستغاثة، كما يخضع في غيرها من بقية أساليب النداء.
3 الرأي الأقوى -بين آراء متعددة- أن المستغاث المجرور باللام الأصلية، المعرب قبل النداء، معرف مجرور باللام في محل نصب. وأن حرف الجر أصلي وهو مع مجروره متعلقان بحرف النداء "يا" لنيابته عن الفعل: أدعو، أو ما يشبهه -كما عرفنا أول الباب، في د وهـ من ص7، 8.
لكن كيف يكون معربا مع أن له محلا؛ والإعراب المحلي لا يكون للمعرب الأصلي -في الصحيح؟ وإذا صلح أن له محلا فما محله؟ أهو الجر باللام الجارة -وهي أصلية- أم النصب بالنداء؛ إذ لا يمكن أن يكون له محلان؟
ولا يفيد في إزالة الاعتراض اعتبار اللام حرف جر زائد لا يحتاج مع مجروره إلى تعليق؛ لأن هذا الاعتبار لا قيمة له في بعض الحالات؛ كأن يكون المستغاث المجرور باللام مبنيا في أصله قبل النداء؛ "مثل: يا لهذا للصائح -أو: يا لك للداعي
…
" إذ المنادى هنا مبني أصالة قبل النداء؛ فيتعين أن يقال في إعرابه إنه مبني على ضم مقدر. منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، وأنه في محل كذا؟ فما محله هنا؟ أو الجر، أم النصب؟ ولا يمكن أن يكون له محلان. وإذا تخيرنا أحدهما هنا وهناك فما وجه الترجيح؟
…
و
…
وبالرغم من هذا التعارض لا مفر من الأخذ بأحد الرأيين:
أ- إما الرأي السمح الذي يعرب المستغاث والمجرور باللام الأصلية الذي ليس مبنيا قبل النداء=
وأما إن كانت اللام محذوفة فيجوز أن تجيء الألف في آخر المستغاث؛ عوضا عنها، ولا يصح الجمع بين اللام والألف. ومع وجود هذه الألف يبقى المنادى دالا على الاستغاثة كما كان1 ولكنه لا يعتبر في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف "بالرغم من وجود الألف التي هي عوض عن اللام"، وإنما هو مبني على الضم المقدر2، في محل نصب؛ لأن اعتباره ملحقا بالمضاف واجب النصب متوقف على وجود اللام نفسها، لا على وجود عوض عنها بعد حذفها3.
ومن الأمثلة: يا عالما للجاهل. وقول الشاعر:
يا يزيدا لآمل نيل عز
…
وعني بعد فاقة وهوان
فعند إعراب المنادى في المثالين المذكورين: "عالما
…
يزيدا
…
" يقال: منادى، مبني على ضم مقدر على آخره "منع من ظهوره الفتحة التي
= منادى مجرور باللام في محل نصب، برغم أنه معرب، والمعرب -في غير هذا- لا يكون له محل، وأن المبني أصالة مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها سكون البناء الأصلي، أو علامة البناء الأصلي -إن كانت علامته غير السكون- في محل نصب أيضا. ولا يخلو هذا الرأي بشطريه من ضعف؛ بسبب مخالفته بعض قواعدهم العامة، ولكنه أهون مخالفة من غيره.
ب- وإما الرأي الذي يعتبر اللام حرف جر زائد، وما بعدها مجرور في اللفظ، وله محل إعرابي آخر، وهما لا يتعلقان. فالمستغاث المعرب أصالة مجرورة بها لفظا في محل نصب، وهي مبنية على الفتح إلا في الصورتين السالفتين "وهما:"المستغاث المعطوف" الذي لم تسبقه "يا" وكذا "المستغاث ياء المتكلم" فتبنى على الكسر" والمستغاث المبني أصالة -أي قبل النداء- كاسم إشارة؛ مثل: يا لهذا -يكون مجرورا بكسرة مقدرة منع من ظهورها علامة البناء الأصلي- في محل نصب. فزيادة "اللام" -لا أصالتها- هي التي توجب للمنادى إعرابا لفظيا، وآخر محليا معا. أما أصالتها فتقتضي اللفظي وحده، فإذا اقتضت معه محلا كان هذا الاقتضاء عيبا.
1 بشرط وجود قرينة تدل على الاستغاثة، وعلى أن هذه الألف للعوض وحده، وليست منقلبة عن ياء المتكلم التي سبق اللام عليها في ص58، ولا عن غيرها.
2 بسبب الفتحة الطارئة لمناسبة الألف.
3 يقول ابن مالك:
ولام ما استغيث عاقبت ألف
…
ومثله اسم ذو تعجب ألف
"أي: عاقبها ألف، بمعنى: جاءت عقبها، وحلت في مكانها بعد حذفها" وبين لهذا التعاقب موضوعين؛ هما: ما استغيث به "أي: المستغاث" والاسم المتعجب منه في أسلوب التعجب الآتي، ص86.
جاءت لمناسبة الألف"، في محل نصب1 ويجري على توابعه -في الرأي الأصح- ما يجري على توابع المنادى المبني على الضم2 من أحكام إعرابية مختلفة؛ ومنها: جواز الرفع والنصب في بعض الحالات؛ فالرفع مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله. ولا يصح مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف3.
وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف فالأحسن مجيء هاء السكت الساكنة نحو: يا عالماه
…
وتحذف عند الوصل.
فإن حذفت لام الجر بغير تعويض كان حكم المستغاث حكم غيره من أنواع المنادى التي ليست للاستغاثة، كقول الشاعر:
ألا يا قوم للعجب العجيب
…
وللغفلات تعرض للأريب
فيصح في كلمة: "قوم" أن تكون منادى منصوبا؛ لإضافته إلى ياء المتكلم المحذوفة، وبقيت الكسرة المناسبة لها دليلا عليها. "ولا بد من قرينة قال على أن النداء للاستغاثة". ويصح أن تكون مبنية على الضم "باعتبارها فكرة مقصودة" في محل نصب.
وإما إذا حذفت "يا" أو كان حرف النداء حرفا آخر غيرها، إن الجملة لا تكون من باب: الاستغاثة -كما تقدم4.
3-
كل ما يصلح أن يكون منادى يصلح أن يكون مستغاثا؛ غير أنه يجوز -هنا- الجمع بين "يا" و"أل" التي في صدر المستغاث، بشرط أن
1 إن كان المستغاث مثنى أو جمع مذكر سالما وحذفت قبلهما لام الجر فإنهما يبنيان على ما يرفعان به من ألف أو واو. ويصح مجيء الألف بعد نونهما للتعويض، فيقال: يا محمودانا، ويا محمودونا. وإذا كان المستغاث المجرور باللام مضافا؛ مثل: يا لأعوان محمود لمحمود جاز حذف اللام من المضاف وزيادة الألف في آخر المضاف إليه؛ عوضا عنها؛ فيقال: يا أعوان محموداه، فالمضاف منادى منصوب مباشرة، والمضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف، "وهي فتحة طارئة لا تلاحظ في التوابع ولا غيرها" والهاء للكست -طبقا لما سيجيء مباشرة.
2 سبق بيان أحكامها في ص40.
3 راجع رقم 1 من هامش ص42، ثم ص45.
4 في "أ" من ص78.
يكون مجرورا باللام المذكورة، لتفصل بينهما؛ كما في الأمثلة المتقدمة. فإن لم يتحقق الشرط لم يصح الجمع1.
4-
قد يحذف المستغاث، ويقع المستغاث له بعد "يا" في موضعين".
أحدهما: أسلوب مسموع يلتزم فيه الحذف - على الرأي الصحيح - وهي "يالي"، بشرط أن يكون مقتصرا على هذا الجملة المشتملة على "يا" وعلى "المستغاث له" وحده، الخالية ما يصلح أن يكون "مستغاثا به"؛ نحو: "عرفت الأحمق فاكتويت بحمقه؛ فيا لي، ويا للأخوان لي.
ثانيهما: أسلوب قياسي -وهو قليل مع قياسيته وجوازه- ويشمل كل أسلوب يكن اللبس مأمونا فيه عند الحذف؛ كقول الشاعر:
يا
…
لأناس أبوا إلا مثابرة
…
على التوغل في بغي وعدوان
والأصل: -مثلا- يا الأنصاري لأناس أبوا
…
"فالأناس" هم المستغاث لهم. ولا لبس في هذا؛ لأن ضبط اللام بالكسر -نطقا وكتابة- يمنعه، وإذا لم تضبط فالمعنى يمنعه أيضا؛ إذ لا يعقل أن يكون الأناس مستغاثا بهم. مع اتهامهم بالتوغل الدائب في البغي والعدوان؛ فمن شأنهم هذا التوغل لا يستغيث بهم أحد.
ج- ما يختص بالمستغاث له:
1-
يجب تأخيره عن المستغاث.
2-
يوجب جره بلام أصلية مكسورة دائما -كالأمثلة السابقة- إلا في حالة واحدة؛ هي: أن يكون المستغاث له ضميرا لغير ياء المتكلم فتفتح لام الجر2؛ نحو: يا للناصح لنا، ويا للمخلص لكم
…
بخلاف:
1 سبقت الإشارة لهذا، في ص38 الحالة الثالثة.
2 لوجوب فتحها دائما إذا دخلت على ضمير غير ياء المتكلم؛ سواء أكان ما بعدها مستغاثا أم غير مستغاث.
يا للرائد لي؛ لأن الضمير ياء المتكلم.
وفي جميع الصور تتعلق اللام ومجرورها النداء "يا".
3-
يجوز حذفه إن كان معلوما واللبس مأمونا؛ كقول الشاعر:
فهل من خالد إما1 هلكنا
…
وهل بالموت يا للناس عار
ولأصل: يا للناس للشامتين، أو نحو ذلك. وقول الآخر:
يا لقومي
…
من للعلا والمساعي
…
يا لقومي
…
من للندى والسماح؟
4-
يجوز -عند قيام قرينة- الاستغناء عن هذه اللام، والإتيان بكلمة:"من" التعليلية2 عوضا عنها؛ بشرط أن يكون المستغاث له مستنصرا عليه، "أي: أن يكون القصد من الاستغاثة التغلب عليه، وإضعاف أمره
…
" نحو: يا للأحرار من الخادعين المنافقين، وقول الشاعر:
يا للرجال ذوي الألباب من نفر
…
لا يبرح السفه المردي3 لهم دينا
فإن لم يكن مستنصرا عليه بأن كان مستنصرا له لم يصح مجيء "من" وتعينت اللام".
بقيت بعض أحكام عامة أهمها:
1-
جواز وقوع المستغاث به والمستغاث له ضميرين؛ نحو: يا لك لي؛ يقولها من يستغيث المخاطب لنفسه.
2-
جواز أن يكون المستغاث هو المستغاث له في المعنى؛ كقولك في النصح الرقيق لمن يهمل، واسمه علي -مثلا- يا لعلي، تريد: أدعوك لتنصف نفسك من نفسك.
1 هي: "إن" الشرطية المدغمة في: "ما" الزائدة.
2 أي: السببية. "وهي الدالة على التعليل، وبيان السبب" وإنما يصح وقوع "من" التعليلية بعد "يا لي" بشرط أن يكون ما بعدها غير مستغاث به؛ كقول الشاعر:
فيا شوق ما أبقى! ويا لي من النوى!
…
ويا دمع ما أجرى! ويا قلب ما أقسى!
3 المهلك.
3-
إذا وقع بعد "يا" اسم مجرور باللام، لا ينادى إلا مجازا؛ -لأنه لا يعقل- وليس بعده ما يصلح أن يكون مستغاثا، جاز فتح اللام وكسرها؛ نحو: يا للعجب - يا للمروءة - يا للكارثة
…
فالفتح على اعتبار الاسم مستغاثا به، مجازا "لتشبيهه بمن يستغاث به حقيقة، أي: يا عجب، أو: يا مروءة
…
أو: يا كارثة
…
احضر، أو: احضري، فهذا وقتك". والكسر على اعتبار الاسم مستغاثا له. والمستغاث محذوف. فكأنك دعوت غيره تنبهه على هذا الشيء، والأصل -مثلا: يا لقومي للعجب، أو: للمروءة أو للكارثة1
…
أما في مثل: "يا لك"2 -بكاف الخطاب: للعاقل وغيره- فاللام واجبة الفتح3 ولكن الكاف تصلح أن تكون مستغاثا به أو: مستغاثا له، على الاعتبارين السالفين.
1 وعلى هذين الاعتبارين يجوز فتح اللام وكسرها في المنادى المقصود منه التعجب، وهو الموضوع الآتي بعد هذا مباشرة -كما هو مبين في الحكم الثاني، من ص87 - والمعنى لا يختلف على اعتبار الأسلوب للاستغاثة؛ تقديرا، أو اعتباره لنداء المقصود به التعجب؛ إذ المآل المعنوي فيهما واحد، برغم اختلاف التقدير.
2 يساعد على إعراب هذا الأسلوب ما سبق في رقم 3 من هامش ص80.
3 لما أوضحناه في رقم 2 من هامش ص83.