المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

1

من المنادى ما يجب نصب لفظه، ومنه ما: يجب بناؤه على الضم، ومنه ما يصلح للأمرين. وليس للمنادى حكم آخر في حالة الاختيار، إلا في الاستغاثة -وما في حكمها- عند جر المنادى باللام، كما سنعرف في بابها2.

أ- فإن كان المنادى منصوب اللفظ وجوبا وتابعه نعت، أو عطف بيان، أو توكيد وجب نصب التابع مطلقا3؛ مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو، يا عربيا مخلصا لا تغفل مآثر قومك، وقول الشاعر:

أيا وطني العزيز رعاك ربي

وجنبك المكاره والشرورا

وقول الآخر:

يا ساريا في دجى الأهواء معتسفا4

مآل أمرك للخسران والندم

ومثل: أجيبوا داعي الله يا عربا أهل اللغة الواحدة، والروابط الوثيقة، أو: يا عربا كلكم أو كلهم5

و

1 أكثر النحاة من الخلاف المرهق، والتفريع الشاق في هذا الباب. وقد صفينا كل أحكامه وفروعه جهد الاستطاعة، مع البسط الذي لا غنى عنه أحيانا، ثم ختمناه بملخص -في ص57- لا يتجاوز أسطرا، فيه غنية للشادي، ومن لا يريد بسطا.

والتوابع أربعة معروفة، "هي: النعت، والعطف بنوعيه، والتوكيد، والبدل" وسبق إيضاحها وتفصيل الكلام عليها في آخر الجزء الثالث.

2 ص77.

3 أي: سواء أكان هذا التابع مقرونا بأل، أم غير مقرون -على الراجح فيهما- مضافا، أم غير مضاف.

4 يصح إعراب "معتسفا" نعتا، ويصح حالا؛ لوقوعها بعد نكرة موصوفة؛ هي: ساريا.

5 الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح أن يكون للغائب أو للمخاطب. وهذه قاعدة عامة، تسري على توابع المنادى المنصوب، إلا إذا كان التابع اسم إشارة، فلا يصح أن يتصل بآخره علامة خطاب. وكذلك إن كان اسم موصول بالتفصيل الهام الآتي في رقم 2 من هامش ص49.

وتطبيقا لهذه القاعدة العامة نقول: يا عربا كلكم أو كلهم، أجيبوا داعي الله -يا هارون نفسك أو نفسه خذ بيد أخيك- يا هذا الذي قمت أو قام؛ أسرع للصارخ.

ص: 40

وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل"1 فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ كالمتبوع؛ مثل: بوركت يا أبا عبيدة عامرا؛ فلقد كنت من أمهر قواد الفتح الأول، أو: بوركتما يا أبا عبيدة وخالدا

ولا داعي للتمسك بالرأي الذي يجعلهما في حكم المنادى المستقل -وهو القسم الرابع الآتي2.

فالنصب هو الحكم العام لجميع توابع المنادى المنصوب اللفظ وجوبا، مع اشتراط التجرد من "أل" في: "عطف النسق3، غير أن نصب التوابع يكون واجبا في بعضها، وجائزا مستحسنا في بعض آخر؛ طبقا للبيان السالف4..

1 وكذا المبدوء "بأل"؛ طبقات لما يأتي في نهاية البيان الذي في رقم 4 من هاشم هذه الصفحة.

2 في ص53.

3 إلا على الرأي الآتي في نهاية البيان الذي في رقم 4 من هامش هذه الصفحة.

4 يكاد النحاة يتفقون على الحالات الثلاث السالفة التي يجب فيها نصب توابع المنادى. أما التي يجوز فيها النصب -وهي حالة البدل. وعطف النسق المجرد من "أل"- فرأيهم مضطرب، وخلافهم بعيد المدى. فجمهرتهم -وهذا غريب- توجب اعتبار كل منهما بمنزلة منادى مستقل، يخضع لحكم المنادى المستقل -1- فنقول في البدل: بوركت يا أبا عبيدة عامر

ببناء كلمة: "عامر" على الضم؛ لأنها مفرد علم. ويقولون: بورتك يا أمير الجيش يا أبا عليدة؛ بنصب كلمة: "أبا" لأنها في حكم المنادى المضاف. وقد بنوا حكمهم هذا على أساس "أن البدل على نية تكرار العامل" ولما كان العامل هنا -في رأيهم- هو حرف: "يا" أو أحد أخوته كان مقدرا وملحوظا قبل البدل أيضا، فكأنها تقول:"يا عامر، ويا أبا عبيدة". فالبدل بمنزلة منادى جديد يخضع لحكم النداء؛ كما قلنا.

وهذا الكلام مردود من ناحتين "وحبذا تركه، وترك الرد عليه، والاكتفاء بالحكم السالف الذي ارتضيناه".

أولاهما: أن القاعدة التي يتمسكون بها ليست قاعدة مطردة، ولا محل اتفاق، فالذي لا يؤمن بها -لأسباب عنده قوية- لا يجد مسوغا لإعراب التابع هنا منادى مبنيا على الضم؛ إذ لا وجه لهذا الإعراب عنده.

ثانيتهما: أن اعتبار التابع منادى بحرف ملحوظ مقدر، أو بالحرف المذكور في صدر الجملة "عند من يرى هذا" سيخرج التابع من نطاق التبعية ويدخله في نطاق آخر ليس موضوع البحث؛ هو نطاق:"المنادى". لهذا تساءل بعض المحققين: كيف نقول في أمثال تلك الكلمة إنها مبنية على الضم لتبعيتها المنادى، مع أن التبعية إما أن تكون لمراعاة اللفظ أو المحل، والمنادى هنا منصوب مباشرة، ليس له محل. فكيف نعتبرها تبعا له؟

"راجع حاشية ياسين على شرح التوضيح في هذا الموضوع"

=

ص: 41

وهناك حالة يجب فيها جر التابع -في رأي النحاة- هي التي يقع فيها المتبوع "المنادى" مجرورا باللام -وهذا لا يكون إلا في الاستغاثة، وما في حكمها- نحو: يا للوالد والوالدة فالأولاد1.

= وشيء آخر أهم من الجدل السالف؛ هو ما نص عليه سيبويه -في الجزء الأول من كتابه ص304- قال للخليل: "أرأيت قول العرب: "يا أخانا زيدا أقبل". قال: عطفوه "أي: هو عطف بيان" على هذا المنصوب، فصار نصبا مثله. وهو الأصل؛ لأنه منصوب في موضوع نصب. وقال قوم: يا أخانا زيد -بالبناء على الضم- وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله، وهو قول أهل المدينة. قال هذا بمنزلة قولنا: يا زيد؛ كما كان قوله: يا زيد أخانا. بمنزلة: "يا أخانا" فيحمل وصف المضاف إذا كان منادى. ويا أخانا زيدا أكثر في كلام العرب لأنهم يردونه إلى الأصل

". ا. هـ.

ومن هذا النص الحرفي يتبين أن النصب هو الأصل، وأنه الأكثر في المسموع، وهذا هو الأهم. فلم نعدل عنه إلى غيره مما ليس له قوته، ولا كثرته، ولا وضوحه، وإن قال به قوم، أو اعتبروه عطف بيان، بلا رغم وضوح البدلية في المثال؟

ب- أما عطف النسق المجرد من "أل" فيقولون: إن حرف العطف معه بمنزلة عامل النداء فكأن حرف العطف داخل على منادى مستقل تجري عليه أحكام المستقل، فيبنى على الضم في مثل: بوركت يا أبا عبيدة وخالد؛ لأنه مفرد علم، وينصب في مثل: بوركتم يا جنود الفتح وأبا عبيدة، بنصب كلمة "أبا" معربة. فما معنى أن حرف العطف بمنزلة العامل؛ إن قلنا في كلمة:"خالد" إنها منادى، فليست إذا بمعطوفة؛ لأن العطف يقتضي نصبها. وإن قلنا نها معطوفة على ما قبلها فما قبلها منصوب. فمن أين جاء البناء على الضم؟ قد يقال: إنه على تقدير حرف النداء المحذوف: "يا" وحرف النداء مع المنادى جملة معطوفة على الجملة الندائية الأولى، فلم يعتبر التابع هنا منادى، مع أنه لو وصف بكلمة:"ابن" أو "ابنة" لم يعتبر

؟. وفي هذا كله من الحذف والتقدير والضعف من بعض النواحي ما يقتضي تفصيل الرأي الذي يبيح النصب، وهو رأي يؤيده السماع أيضا

هذا إباحة النصب واستحسانه تشمل المبدوء بأل، والمجرد منها. غير أن الأفضل في المبدوء بأل أن يكون نصبه راجعا لاعتباره معطوفا على المنادى، أو لاعتباره مفعولا به لفعل محذوف، أو منصوبا بعامل آخر يقتضي النصب. ولا يصح اعتباره منادى بحرف نداء محذوف؛ لما يترتب على هذا من الجمع بين "أل" وحرف النداء في غير المواضع التي يباح فيها الجمع. "انظر ما يتصل بالحكم السابق، في رقم 4 من ص53".

1 لا يجوز عند أصحاب هذا الرأي، إلا الجر في التابع؛ لأن المتبوع -المنادى- مجرور اللفظ بحرف جر أصلي. وإذا كان المنادى المستغاث مختوما بزيادة ألف الاستغاثة، نحو: يا عليا، ومحمودا" لم يجز في توابعه الرفع عند فريق، فلا يصح: "ومحمود" لأن المتبوع مبني على الفتح، ويجوز عند فريق آخر الرفع والنصب؛ لاعتبار المنادى مبنيا على ضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة -في محل نصب؛ فيجوز في توابعه الرفع الشكلي والنصب. وهذا الرأي أوضح وأنسب.

وسيجيء في ص45 وفي باب الاستغاثة ص81.

ص: 42

ويخيز فيه فريق من النحاة أمرين: الجر مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، وهذا الرأي أحسن -كما يجيء1 في بابها2.

ب- وإن كان المنادى مبنيا وجوبا على الضم -لفظا أو تقديرا- فتوابعه إما واجبة النصب فقط، وإما واجبة الرفع الشكلي فقط، وإما جائزة الرفع الشكلي والنصب، وإما بمنزلة المنادى المستقل، وفيما يلي بيان هذه الحالات الأربع:

1-

يجب -على الأشهر- نصب التابع؛ مراعاة لمحل هذا المنادى، "ولا يصح مراعاة لفظه" في صورة واحدة، هي: أن يكون التابع نعتا3، أو عطف بيان، أو توكيدا، بشرط أن يضاف التابع في الثلاثة إضافة محضة -وهذه تقتضي أن يكون المضاف مجردا من "أل"؛ كقولهم: يا زياد أمير العراق بالأمس، نشرت لواء الأمن، وطويت بساط الدعة- يا أهرام أهرام الجيزة، أنتن من عجائب الآثار، شمر الإخوان من يساير الزمان؛ يقبل معه ويدبر معه؛ فاحذروا هذا يا أصدقاء كلكم4.

فإن لم يتحقق الشرط خرجت التوابع المذكورة من هذا القسم ودخلت في الحالة الثالثة الآتية5 "حيث يصح فيها الرفع الصوري؛ مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله"؛ كأن يقع التابع مفردا مقرونا بأل6؛ مثل:

1 ص77.

2 وإذا علمنا بهذا الرأي صار النصب حكما عاما يشمل جمع أنواع التابع للمنادى المنصوب بالتفصيل السالف.

3 بشرط ألا يكون منعوته "المنادى" اسم إشارة، ولا كلمة:"أي" أو: آية

وإلا وجب رفع النعت صورة. لدخوله في حكم الحالة الآتية الخاصة به، وهي الثانية.

4 انظر رقم 5 من هامش ص40.

5 انظر ص52. ويتضح الرفع الصوري بما في رقم 1 من هامش ص47.

6 انظر رقم 1 من هامش ص52.

ص: 43

يا زياد الأمير، أو خاليا من "أل" ومن الإضافة المحضة1؛ مثل: يا رجل محمد -بالتنوين- أو محمدا، أو يكون مضافا إضافة غير محضة1؛ نحو: يا مسافر راكب2 السيارة، أو الراكب السيارة، حاذر عواقب الإسراع. أو يكون عطف نسق، أو بدلا، ولهذين حكمها الخاص

إلى غير هذا مما سيجيء بيانه مفصلا3

1 و1 سبق الكلام عليها مفصلا أول الجزء الثالث.

2 لا يقال في هذا المثال وأشباهه إن النعت نكرة، بسبب إضافته غير المحضة، مع أن المنعوت نكرة مقصودة؛ وهي معرفة بالقصد والإقبال مع النداء -لا يقال هذا؛ لما سبق في رقم 1 من هامش ص128؛ وفي ص29 وفي "د" ص30" من أنه يتسامح في التعريف الطارئ كتعريفها. ولهذا لا يصح أن ينعت بالمضاف المذكور إلا النكرة المقصودة.

"راجع الصبان والخضري في هذا الموضع؛ ولها بيان سابق في ج3 "باب الإضافة" عند الكلام على أثر الإضافة م93 رقم 2 من هامش ص31 وكذلك في "باب النعت" هناك عند الكلام على المطابقة م114 ص435".

3 في ص52 وإلى وجوب النصب السالف أشار ابن مالك في باب مستقل عنوانه: "فصل" قائلا:

تابع ذي الضم المضاف دون "أل"

ألزمه نصبا؛ كأزيد ذا الحيل

"المراد: "بذي الضم"، هو المنادى المبني على الضمة، وما ينوب عنها، من كل ما يكون في آخر المنادى العلم، والنكرة المقصودة، ويشمل المبني قبل النداء".

يقول: إن تابعه المضاف المجرد من "أل" يلتزم النصب، ومثل بمثال هو:"أزيد" ذا الحيل، أي: يا زيد؛ صاحب الحيل. فالمنادى: زيد، مبني على الضم، وتابعه هو "ذا" نعت منصوب بالألف وهو مضاف، و"الحيل" مضاف إليه. وقد يفهم من ظاهر البيت أن جميع توابع المنادى المبني على الضم لازمه النصب، بشرط الإضافة والخلو من "أل" وكذلك توابع المنادى الذي ليس مبنيا على الضم، وهو المنادى المنصوب اللفظ -لكن يمنع م هذا الفهم ويزيله قوله بعد ذلك مباشرة:

وما سواه ارفع أو انصب، واجعلا

كمسنقل نسقا وبدلا

فقد صرح في هذا البيت بأن حكم عطف النسق والبدل كحكم المنادى المستقل "يعربان في حالات ويبنيان في حالات" وما عداهما مما لا يدخل في نطاق البيت الأول واختصاصه يجوز رفعه ونصبه. ولما كان بيته الثاني يدل على أن عطف النسق مطلقا "مجردا من أل أو مقرونا بها" يجري عليه حكم المنادى المستقل وهذا غير صحيح إلا في المجرد -أسرع وتدارك الأمر في البيت الثالث حيث يقول:

وإن يكن مصحوب "أل" ما نسقا

ففيه وجهان: ورفع ينتقى

=

ص: 44

"وتجب الإشارة إلى أن حركة التابع المرفوع على الوجه السالف ليست حركة إعراب ولا بناء؛ ولذلك ينون إذا خلا من أل والإضافة1 و

فهي طارئة لتحقيق غرض معين، هو: المشاركة الصورية في المظهر اللفظي بين التابع والمتبوع؛ فلا تدل على شيء غير مجرد المماثلة الشكلية، ومن التساهل في التعبير أن يقال في ذلك التابع إنه مرفوع. أما الإعراب الدقيق فهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع الشكلية للفظ المنادى -كما سيجيء في القسم الثالث".

ومن النحاة من يوجب النصب في صورة ثانية2؛ هي التي يكون فيها المنادى المبني على الضم مختوما بألف الاستغاثة؛ نحو: يا جنديا وضابطا، أدركا المستغيث. فلا يجوز عنده في التابع -مهما كان نوعه، ومنه كلمة:"ضابطا" في المثال- إلا النصب مراعاة لمحل المنادى المبني على الفتح الطارئ بسبب الألف. لكن التحقيق والترجيح يقطعان بجواز النصب، وبجواز الرفع المباح في توابع المنادى المبني على الضم3.

2-

ويجب رفع التابع مراعاة شكلية للفظ ذلك المنادى في صورتين:

إحداهما: أن يكون التابع نعتا، ومنعوته -المنادى- هو كلمة:"أي" في التذكير، "وأية" في التأنيث؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ

= "ينتقى= يختار" كذلك يفهم من البيت الثاني أن الرفع والنصب جائزان في تابع المنادى إذا كان المنادى "أي" أو "أية". وهذا غير صحيح كما شرحناه في القسم الثاني الواجب رفعه. ولمنع هذا الفهم صرح بأن النعت بعدهما يجب رفعه واقترانه "بأل" وأنهما لا يوصفان إلا بمرفوع مقترن بها. وكذلك اسم الإشارة المنادى لا يكون نعته إلا مرفوعا مقترنا بها "وله تفصيلات أوضحناها في الشرح الآتي" يقول:

و"أيها" مصحوب "أل" بعد صفة

يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة

و"أي هذا""أيها الذي" ورد

ووصف: "أي" بسوى هذا يرد

وذو إشارة كأي في الصفة

إن كان تركها يفيت المعرفة

1 كما سيجيء في ص52 لأن المبني لا ينون في الغالب.

2 تقدمت الأولى في ص43.

3 راجع ما سبق في رقم 1 من هامش ص42 وما يأتي في ص81.

ص: 45

فَاسْتَمِعُوا لَهُ} ، وقوله تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . "فأي وأية" مبنيتان على الضم في محل نصب؛ لأن كلا منهما منادى، نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمه لا تفارقهما1 وكلمتا:"الناس والنفس". "وأشباههما"، نعتان متحركان بحركة مماثلة وجوبا لحركة المنادى، مراعاة لمظهره الشكلي2 فقط، مع أنه مبني، وهما صفتان معربتان، منصوبتان محلا، لا لفظا3 "أي: أنهما منصوبتان تبعا لمحل المنادى" بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادى في صورته الشكلية4؛ فالضمة التي على آخرهما هي الحركة الطارئة للمشاركة، ولا توصف بإعراب، ولا بناء -كما تقدم5.

وكما يجب الإتباع بالرفع الشكلي الصوري في صفة "أي وأية" يجب -في

1 ويجوز حذف ألفها وتحريكها إذا لم يقع بعدها اسم إشارة.

2 لهذا المظهر الشكلي بيان مفيد في ج1 م7 ص98 موضوع: أنواع الإعراب.

3 والمازني يجيز في لفظهما النصب أيضا -كما سيجيء في رقم 1 من الهامش التالي، وكذا في أشباههما مما يكون نعت:"أي أو أية" وله ما يؤيده من السماع، ومن بعض القراءات القرآنية -وإن كانت تلك القراءة شاذة- كما صرح بهذا الصبان. وشذوذها لا يمنع محاكاتها بعد أن قرئ بها القرآن.

4 وقد تكون ضمة المماثلة مقدرة؛ كقول المتنبي:

ترفق أيها المولى عليهم

فإن الرفق بالجاني عتاب

يريد: يا أيها المولى. ويكون لهذه الضمة المقدرة من الآثار في التوابع وغيرها ما يكون للظاهرة. كما أشرنا.

5 انظر ص49 وإلى هذه الصورة يشير ابن مالك بقوله السالف:

و"أيها" مصحوب "أل" بعد صفة

يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة

"بعد، الأصل: بعد كلمة: "أيها" يريد: ما كان نعتا مبدوءا بأل بعد كلمة: أيها -يلزم بالرفع، وقتصر عليه. ثم بين بعد ذلك ما يصلح نعتا لأي وأية عند النداء، مقتصرا على اسم الإشارة والموصول:

و"أي هذا""أيها الذي" ورد

ووصف أي بسوى هذا يرد

يريد: ورد عن العرب: "أي هذا، وأيها الذي"؛ فالنعت الوارد مقصور على اسم إشارة واسم الموصول المبدوء بأل. ونعت "أي" بغيرهما يرد، أي: يرفض ويستبعد.

ص: 46

الشائع- كذلك في صفة صفتهما، وفي كل تابع آخر للصفة ففي مثل:"بارك الله فيك يأيها الطبيب الرحيم"، يتعين الرفع وحده في كلمة:"الرحيم" التي هي صفة للصفة، لعدم ورود السماع بغيره، بالرغم من أن المنعوت.. الطبيب في محل نصب، فعدم ورود السماع بالنصب يقتضي امتناع نصب التابع، وعدم إباحته مطلقا، لا لفظا ولا محلا1..

1 يحتاج هذا الحكم إلى نوع من التفصيل والإيضاح الذي يزيل أثر الخلاف النحوي، واضطراب الآراء فيه، ويبين ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 3 من هامش ص46".

نقل الأشموني -وغيره- أن كلمة: "أي" إذا نوديت كانت نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه، وتؤنث أي "لفظا" لتأنيث صفتها؛ نحو: يا أيها الإنسان - يا أيها النفس

ويلزم تابعها الرفع. وليس المراد بالرفع رفع الإعراب، وإنما المراد به ضمة الإتباع التي يقصد بها مجرد المشاكلة والمماثلة لحركة المتبوع. وهذه الضمة لا توصف بإعراب، ولا بناء -كما قرره الصبان، وبسطناه من قبل- وأجاز المازني "كما في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة" في هذا التابع نصبه، قياسا على غيره من تابع أنواع المنادى المبني على الضم

ثم قال الأشموني:

إنما لزم رفع التابع لأنه المقصود بالنداء، وقد جاءت "أي" وصلة ووسيلة لنداء ما فيه "أل". وهنا قال الصبان ما نصه الحرفي:

"قوله: "إن المقصود بالنداء هو التابع" -ومع ذلك ينيغي ألا يكون محله نصبا؛ لأنه بحسب الصناعة ليس مفعولا به، بل تابع له. ويؤيد هذا قول ابن المصنف، وسيذكره الشارح "الأشموني" أيضا: إنه لو وصفت صفة "أي" تعين الرفع". ا. هـ.

ومن الكلام السابق تبين صراحة أن التابع لا يكون هنا منصوبا مطلقا، لا لفظا، ولا محلا. لكن الصبان قال بعد ذلك كلاما قويا موافقا للضوابط والأصول العامة يعترض على ما سبق، ونصه:

"أنا أقول: يرد عليه أن تابع ذي محل، له محل متبوعه. وحينئذ ينبغي أن يكون محل تابع "أي" نصبا، وأن يصح نصب نعته. ويؤيده ما قدمناه -قريبا قبل ذلك بصفحتين- عن الدماميني في: "يا زيد الظريف صاحب عمرو" أنه إ، قدر: "صاحب عمرو" نعتا للظريف، لفظ به كما يلفظ النعت؛ إن رفعا فرفع، وإن نصبا فنصب، على ما بيناه سابقا. اللهم إلا أن يكون منع نصب نعت تابع "أي" لعدم سماعه أصلا.

"نعم يصح ما بحثه من أنه ليس لتابع "أي" محل نصب، ولا يجوز نصب نعته على اعتبار أن رفع التابع هو رفع إعراب، وأن عامله فعل مقدر مبني للمجهول، والتقدير: "يدعى العاقل" كما مر لكن ما بعد "أي" على هذا التقدير ليس تابعا لأي في الحقيقة، فلا يظهر حمل كلامه على هذا مع قوله: "إنه تابع له. فتأمل". ا. هـ.

فالصبان يرى أن تابع "أي" لا بد أن يكون منصوبا محلا مثل المتبوع "أي" لأن كلمة "أي" مبنية على الضم في محل نصب" والشأن في التابع -دائما- أن يكون له محل كمحل المتبوع. وهذا كلام صحيح قوي لا يعترض الأخذ به إلا عام ورود السماع به، وللسماع الأهمية الأولى في انتزاع حكم لا يعتوره عيب أو ضعف

من أجل ذلك كان الاقتصار على رأي الأشموني -ومن وافقه- أنسب؛ مبالغة في الاحتياط؛ لأنه رأي متفق عليه؛ إذ لا يعترض عليه الصبان -أو غيره- وإنما يرى الصبان أن يزيد عليه إباحة النصب المحلي، وهذه الإباحة قد أضعفها عدم ورود السماع بها.

ص: 47

ثانيتهما: أن يكون التابع نعتا، والمنعوت -المنادى- اسم إشارة للمذكر، أو للمؤنث؛ جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء "بأل"1؛ لأن المبدوء بها لا يجوز مناداته بغير واسطة -إلا في بعض مواضع سبقت-2 نحو: يا هذا السائح، لا تتعجل في حكمك، ويا هذه السائحة لا تتعجلي

فالمنادى مبني على ضم مقدر في محل نصب؛ فيجب رفع النعت في المثالين وأشبهاههما، رفعا صوريا؛ لا يوصف بإعراب، ولا بناء -كما سبق- وإنما هو رفع جيء به مراعاة شكلية للضم المقدر في اسم الإشارة المنعوت -المنادى- ولا يصح النصب؛ لأن النعت هنا بمنزلة المنادى المفرد المقصود، لا يصح نصب لفظه نصبا مباشرا.

ووجود النعت على هذه الصورة ضروري، ليدل على المشار إليه، ويكشفه. ويجب مطابقة اسم الإشارة للمشار إليه في الإفراد والتذكير وفروعهما.

أما إن كان المراد نداء اسم الإشارة فيجوز في التابع الأمران3 -كما سيأتي في القسم الرابع.

1 وفي هذا يقول ابن مالك بيتا ألمحنا له في ص45:

وذو إشارة كأي في الصفة

إن كان تركها يفيت المعرفة

"ذو إشارة: المنادى الذي هو إشارة" يريد: أن المنادى إذا كان اسم إشارة فإنه يحتاج -كأي- إلى نعت معرفة مرفوعة مقرونة "بأل" من اسم جنس، أو اسم موصول. ولا يصح هنا أن يكون نعته اسم إشارة مثله -كما سيجيء في رقم 2 من ص50 وبين أن حاجة اسم الإشارة للنعت واجبة إن أدى ترك النعت إلى عدم معرفة المشار إليه. أما إذا لم يؤد لذلك فالنعت ليس واجبا.

2 في ص36.

3 لأن التابع سيعرب في هذه الحالة صفة، أو عطف بيان، وكلاهما مفرد، فيدخل في القسم الرابع الذي يجوز فيه الأمران.

ص: 48

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

1-

يجب إفراد "أي، وأية" عند وقوعهما منادى؛ فلا يصح أن تلحقهما علامة تثنية، أو جمع؛ سواء أكانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ نحو: يا أيها الناصح اعمل بنصحك أولا -يا أيها المتنافسان ترفعا عن الحقد- يا أيها الطلاب أنتم ذخيرة البلاد. يا أيتها الناصحة اعلمي

- يا أيتها المتنافستان - يا أيتها الطالبات اعملن

أما من جهة التأنيث والتذكير فالأفضل الذي يحسن الاقتصار عليه عند النداء -وإن كان ليس بواجب- هو أن تماثل كل منهما صفتها، فمثال التذكير ما سبق، ومثال التأنيث أيضا: يا أيتها الفتاة أنت عنوان الأسرة - يا أيتها الفتاتان أنتما عنوان الأسرة - يا أيتها الفتيات أنتن عنوان الأسرة. ويجوز في "أي" المجردة من التاء، عدم المماثلة "ولكنه ليس الأحسن" فتظل بصورة واحدة للمذكر والمؤنث، ولا يصح هذا في "أية" المختومة بالتاء، فلا بد من تأنيث صفتها المؤنثة.

ولا بد من وصف "أي وأية" عند ندائهما؛ إما باسم تابع في ضبطه لحركتهما اللفظية الظاهرة وحدها1 معرف بأل الجنسية في أصلها، وتصير بعد النداء للعهد الحضوري، وإما باسم موصول مبدوء بأل2، وإما باسم إشارة مجرد من

1 يجيز فيه بعض النحاة النصب -طبقا لما سبق في رقم 3 من هامش ص46 مراعاة للمحل كنظاره- أما الذين يمنعون النصب فحجتهم أن نصبه لم يرد في المسموع.

2 اشترط "الهمع" ج1 ص175 أن يكون الموصول مصدرا بأل، وصلته خالية من الخطاب؛ فلا يقال: يا أيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أول فصل: تابع المنادى" صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز: يا أيها الذي قام، ويا أيها الذي قمت". ا. هـ. والظاهر أن الذي منعه "الهمع" ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره أكثر النحاة ونصه:"كما نقله الصبان ج3 أول تابعا لمنادى؛ تعليقا على المثال النحوي الذي عرضه الأشموني؛ وهو: يا تميم كلهم، أو كلكم":

"الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغيبة؛ نظرا إلى كون لفظ المنادى اسما ظاهرا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب؛ نظرا إلى كون المنادى مخاطبا؛ فعلمت أنه يجوز أيضا يا زيد نفسه، أو نفسك. قاله الدماميني

". ا. هـ. ثم قال الصبان بعد ذلك: "ويجوز يا أيها الذي قام وا أيها الذي قمت". ا. هـ.

وقد أشرنا لما سبق في ج1 م19 ص184 وفي ص343 أيضا.

ص: 49

كاف الخطاب1، ويتحتم -في الرأي الأشهر والأولى- أن يكون اسم الموصول واسم الإشارة تابعين في ضبطهما لحركة المنادى الشكلية الظاهرة وحدها؛ فيكون كل منهما مبنيا في محل رفع فقط2؛ تبعا لصورة المنعوت -المنادى- نحو: يا أيها العلم الحفاق، تحية، ويا أيتها الراية العزيزة سلمت على الأيام، أو: يا أيها الذي يخفق فوق الرءوس، ويا أيتها التي ترفرفين سلمت

ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وقول الشاعر:

أيها ذا الشاكي وما بك داء

كن جميلا تر الوجود جميلا

فإن كانت "أل" ليست جنسية بأن كانت زائدة في أصلها ولكنها صارت بعد النداء للعهد كالمحمدين، أو: زائدة لازمة لأنها قارنت الوضع؛ مثل: السموءل والتسع، أو غير لازمة، مثل اليزيد، أو للمح الأصل كالحارث، أو للغلبة كالنجم

-لم يصح النعت بما دخلت عليه؛ فلا يقال: يا أيها السيف، ولا يا أيها الحرب، لرجلين اسمهما: سيف وحرب، ولا يا أيها المحمدان

أو المحمدون. وكذلك لا يقال: يا أيها ذاك العالم؛ لاشتمال الإشارة على كاف الخطاب1. وإذا وصفت "أي وأية" باسم الإشارة السالف فالأغلب وصفه أيضا باسم مقرون بأل، كالبيت المتقدم3

2-

إذا اقتضى الأمر وصف اسم الإشارة المنادى أو غير المنادى فالأغلب أن يكون الوصف معرفة مبدوءة بأل الجنسية بحسب أصلها "وتصير بعد النداء

1 و1 منعا لاشتمال الجملة الواحدة -في غير الندبة- على خطابين لشخصين مختلفين، بالإيضاح الذي سبق "في رقم 6 من هامش ص31" سواء أوجدت إضافة؛ كالمثال الذي هناك، أم لم توجد؛ كالمثال الذي هنا.

2 وبعضهم يجيز النصب، على المحل -طبقا لما سلف في رقم 1 من هامش ص94.

3 وفي الجزء الثالث م114 ص337 إشارة لهذا.

ص: 50

للعهد الحضوري"، أو: باسم موصول مبدوء "بأل"1، نحو: يا هذا المتعلم، حصن نفسك بالخلق الكريم، والطبع النبيل؛ فإن في هذا التخصين كمال الغاية، وتمام المقصد - يا هؤلاء الذين آمنوا كونوا أنصار الله

، ولا يصح أن يكون النعت اسم إشارة2.

ومن الجائز إعراب هذا الاسم المبدوء "بأل" عطف بيان؛ سواء أكان مشتقا كالمثال السالف، أم غير مشتق؛ نحو: يا هذا الرجل

لكن الأحسن إعراب المشتق نعتا، وإعراب الجامد عطف بيان.

ويقول النحاة: ليس من اللازم أن يوصف اسم الإشارة إلا إذا كان وصله لنداء ما بعده، ولم يكن هو المقصود بالنداء؛ لدليل يدل على ذلك. أما إن قصد نداء اسم الإشارة، وقدر الوقف عليه "بأن عرفه المخاطب بدون نعت، كوضع اليد عليه

" فلا يلزم نعته. ولا رفع نعت نعته3.

3-

يتردد في هذا الباب لفظ: "المنادى المبهم" يريدون به: "المنادى الذي لا يكفي في إزالة إبهامه النداء، ومجرد القصد والإقبال، وإنما يحتاج معه إلى شيء آخر يكمل تعريفه"، ويقصدون:"أي". و"أية""واسم الإشارة" لشدة احتياج كل منها إلى الصفة بعده.

أما في غير النداء فيريدون بالاسم المبهم: الإشارة، واسم الموصول4

وبعض الظروف وأسماء الزمان التي سبق الكلام عليها في بابها من الجزء الثاني.

1 انظر رقم 1 من هامش ص47 السابقة لأهميته.

2 سبق النص على هذا في رقم 1 من هامش ص48 وهناك شروط أخرى يجب تحقيقها إذا كان المنعوت اسم إشارة. وقد سبق بيانها في باب النعت "ج3 م114 ص377".

3 لأن حكم نعت النعت في هذه الحالة هو حكم النعت.

4 طبقا لما سبق في أول الموصول ج1 م26.

ص: 51

3-

ويجوز رفع التابع ونصبه في المفرد من نعت، أو عطف بيان، أو توكيد، وكذلك في النعت المضاف المقرون بأل1، وفي عطف النسق المقرون "بأل"؛ نحو: يا معاوية الحليم؛ بلغت بالحلم المدى. أو الواسع الحلم، بنصب كلمتي: الحليم، و"الواسع" مراعاة لمحل المنادى، وبضمهما مراعاة صورية شكلية للحركة اللفظية الظاهرة في المنادى من غير أن يتأثر النعت ببناء المنادى؛ فالمنادى مبني على الضم، أما النعت فمعرب شكلا، ولكن الحركة التي على آخره حركة عرضية، لا تدل على إعراب أو بناء؛ ولهذا يجب تنوين التابع إذا خلا مما يعارض التنوين كأل والإضافة، "كما سبق"2 فقد أريد منها أن تشابه حركة المنعوت في الصورة اللفظية المحضة. ويقال في إعراب النعت ما أشرنا به، وهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت للإتباع والمشاركة بين حركة النعت ومتبوعه المنادى3، ومن التسامح في التعبير أن يقال في هذا التابع مرفوع.

ومثل: يا أحمد المتنبي قتلك غرورك. برفع "المتنبي" أو نصبه على التوجيه السالف. ومثل: أنتم ذخيرة الوطن يا طلاب أجمعون، أو أجمعين، برفع كلمة: أجمعون، أو نصبها، ومثل: يا محزون والمكروب، إن حمل الهموم جنون

وفي هذه الصورة الأخيرة، لا يصح اعتبار التابع كالمنادى المستقل عند من يرى ذلك، ولا ملاحظة حرف نداء قبله؛ إذ لا يجتمع هنا حرف النداء و"أل"4

1 اقترانه "بأل" يقتضي أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع و"أل". وتكاد تنحصر هذه الإضافة في تابع واحد هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع تلك الإضافة. أما عطف البيان فالأغلب أن يكون جامدا؛ فلا تجتمع فيه الإضافة و"أل". وأما التوكيد المعنوي فألفاظه معارف -كما سبق في بابه- فلا تقترن "بأل" التي للتعريف. ومن المهم ملاحظة الفوارق بين هذا التابع الذي يجوز فيه الأمران، والتابع الذي يجب نصبه، وقد سبق في "1" ص73.

2 في ص45.

3 يتضح الرفع الصوري بما في رقم 1 من هامش ص47 ولا ينطبق الحكم السابق على النعت المنادى النكرة المقصودة إلا بشرط أن يكون طارئا بعد ندائها. أما النعت السابق على ندائها فيجعلها شبيها بالمضاف واجب النصب "كما سبق في ص28" فيتعين نصب النعت.

4 انظر ما سبق متصلا بعطف النسق ص34.

ص: 52

4-

ويعتبر التابع كالمنادى المستقل عند فريق من النحاة دون فريق1 إذا كان بدلا، أو كان عطف نسق خاليا من "أل"2؛ فيبنى كل منهما على الضم إن كان مفردا معرفة -بالعلمية أو بالقصد- وينصب إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف؛ فمثال البناء على الضم: يا جيش قادة3 وجندا أنت حمى البلاد، ببناء كلمة:"قادة" على الضم، كبنائها لو كانت منادى. وكذلك لو قلنا: يا قادة وجنود أنتم حمى البلاد؛ فتبنى كلمة: "جنود" على الضم ما دام الخطاب لمعين في الصورتين.

ومثال النصب: يا جيشُ جيشَ الوطن تيقظ، أو: يا شباب وغير الشباب، لا تقصروا في إنهاض البلاد. بنصب كلمتي "جيش" و"غير"، لإضافتهما، فهما في حكم المسبوقتين بأداة النداء

والأحسن عند مجاراة هذا الفريق الأخذ بالرأي القائل: إن عامل البناء على الضم وعامل النصب هو حرف النداء المذكور في أول الجملة4

وأفضل من كل ما سبق الاقتصار على النصب؛ مجاراة للفريق الآخر الذي لا يوافق على اعتبار البدل وعطف النسق المجرد من "أل" في حكم المنادى المستقل للأسباب التي أسلفناها5.

ج- وإن كان المنادى6 مما يصح نصبه وبناؤه على الضم فأمره محصور

1 سبق عرض الرأيين في رقم 4 من هامش ص41.

2 لأن المبدوء بأل لا ينادى إلا في مواضع سبقت في ص36.

3 على اعتبار كلمة: "قادة" بدل جزء من كل، برغم خلوها من الضمير؛ لأن المبدل منه قد استوفى كل أقسامه، أو لأن الضمير الرابط محذوف؛ أي: قادة منه وجند.

"وقد سبق تفصيل هذا في ج3 ص487 م23 باب: البدل".

4 لن يترتب على الأخذ بهذا الرأي فساد، وهو خال من كل اعتراض ينشأ عن الرأي القائل إن العامل هو الحرف:"يا" المحذوف الملحوظ، أو عامل آخر محذوف؛ كفعل أو شبهه. وقد تقدم "في رقم 4 من هامش ص41" تفصيل الرأيين، وسبب الترجيح.

5 في رقم 4 من هامش ص41.

6 هذا هو القسم الأخير من الأقسام الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها في أول ص40.

ص: 53

-غالبا- في نوعين، لكل منهما حكمه وحكم تابعه.

أولهما: المنادى الموصوف بكلمة "ابن" أو "ابنة"، وقد سبق تفصيل الكلام عليه1....

ثانيهما: المنادى المفرد الذي تكرر لفظه بشرط إضافة اللفظ الثاني المكرر: سواء أكان المنادى المفرد علما، أم اسم جنس، أم اسما مشتقا2 فمثال المكرر العلم: يا صلاح صلاح الدين الأيوبي: ما أطيب سيرتك!! وقول الشاعر:

أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا

ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى، وتمنيا

على الله في الفردوس منية عارف

ومثال اسم الجنس المكرر: يا غلام القوم كن أمينا على أسرارهم، ومثال المشتق المكرر: يا راصد راصد النجوم. ماذا رأيت من عجائب الكون؟

وحكم المنادى في مثل هذا الأسلوب جواز النصب، والبناء على الضم. وحكم التابع وجوب النصب في الحالتين؛ طبقا للبيان التالي:

1-

ففي حالة نصب الأول -أي: المنادى- يكون السبب راجعا إما: لاعتبار هذا المنادى مضافا للمضاف إليه المذكور في الكلام، والاسم الثاني المكرر مقحما3 بين المتضايفين "ويعرب توكيدا لفظيا للأول، أو مهملا زائدا"

وإما: لاعتبار المنادى، مضافا إلى محذوف يماثل المذكور؛ وأصل الكلام: يا صلاح الدين صلاح الدين بإضافتين في الأسلوب الواحد، ويكون الاسم الثاني منصوبا على هذا لرأي -توكيدا لفظيا4 أو: بدلا، أو: عطف

1 في ص18 و20 و21 بيان إعرابهما عند وقوعهما نعتا للمنادى.

2 سبب النصب على هذه الأنواع الثلاثة: أن بعض النحاة لا يوافق إلا على العلم.

3 أي: متوسطا بين شيئين متلازمين؛ وتوسطه بينهما -كما سيذكر- إما لأنه توكيد لفظي للأول، أو: لأنه زائد في رأي قوي يبيح زيادة الأسماء زيادة مطلقة لا توصف فيها بإعراب ولا بناء تبعا للبيان الذي في رقم 3 من هامش الصفحة التالية والأول أحسن؛ إذ لا خلاف في صحته.

4 لا يقال: كيف يعرب توكيدا لفظيا مع اتصاله بما لم يتصل به الأول، ومعا اختلاف نوع التعريف بينهما؛ إذ تعريف الأول بالعلمية أو بالنداء -على خلاف في ذلك؛ سبق تفصيله في رقم 2 من هامش ص11- وتعريف الثاني بالإضافة؛ لأنه لا يضاف إلا بعد تجرده من العلمية؟

لا يقال ذلك؛ لأنه يكفي في التوكيد اللفظي ظاهر التعريف وإن اختلف جهته، أو اتصل به شيء "كما سبق في باب التوكيد ج3 ص388 م16".

ص: 54

بيان، أو: مفعولا به لفعل محذوف، أو: منادى بحرف "يا" المحذوف1. ومع جواز هذه الخمسة يحسن اختيار الأنسب منها للسياق، والأوضح في أداء الغرض.

وجدير بالتنوين أننا إذا اعتبرنا الثاني مقحما بين المتضايقين، وأعربناه توكيدا لفظيا، "مسايرة للأحسن" وجب اعتبار فتحته إعراب2 كالمتبوع. أما إذا اعتبرناه زائدا3 فهو مهمل لا يعرب توكيدا. ولا بدل، ولا غيرهما، وفتحته هي فتحة مماثلة ومشابهة للأول؛ فلا توصف بأنها فتحة بناء أو إعراب، وإنما هي حركة صورية للمشاكلة المجردة

2-

وفي حالة بناء الأول على الضم -لأنه مفرد معرفة- يكون مبنيا على الضم في محل نصب، فينصب الثاني إما على اعتباره توكيدا لفظيا، أو بدلا، أو عطف بيان، مراعى في الثلاثة محل المنادى. وإما على اعتباره منادي مضافا مستقلا، أو على اعتباره مفعولا به لفعل محذوف4

1 ويجوز اعتبار الاسمين المذكورين بعد حرف النداء جزأين مركبين معا كتركيب الأعداد: ثلاثة عشر - أربعة عشر، وأخواتها؛ فيكون المنادى مجموعهما مضافا إلى ما بعد الثاني، وهذا المضاف منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة البناء الأصلي "وهي حركة فتح الجزأين" فالفتحة التي على آخر الثاني هي فتحة البناء الأصلي، وليست فتحة الإعراب الآتية للنداء. أما الفتحة التي على آخر الاسم الأول فلا شأن لها بإعراب أو بناء؛ لأنها حركة هجائية لضبط بنية الحرف الهجائي التي هي فوقه.

2 على هذا الإعراب يصح الفصل بين المتضايفين بالتوكيد اللفظي؛ لاتحاده بالأول لفظا ومعنى، وتكون فتحة التوكيد فتحة إعراب. وكان حقه أن ينون ولكن يغتفر عدم تنوينه بقصد المشاكلة بين الاسمين.

3 وإذا كان زائدا -عند من يجيز زيادة الأسماء- فالفصل به جائز بين المتضايفين، ولا يعتبر فصلا، لاتحاده بالأول لفظا ومعنى -كما سبق- وكان حقه التنوين، فترك للمشاكلة بين الاسمين، وعلى هذا فتحته فتحة إتباع للأول؛ لا توصف بإعراب ولا بناء.

4 وإلى هذا القسم "ج" يشير ابن مالك في بيت ختم به هذا الفصل:

في نحو: سعد سعد الأوس ينتصب

ثان، وضم، وافتح أولا تصب

أي: في مثل: يا سعد سعد أوس -وامنادى وتابعه علمان في المثال- يجب نصب الثاني منهما. أما أولهما فقد طالب بضمه، أو فتحه، وحكم بالإصابة في الأخذ برأيه، والقاعدة -كما تضمنها البيت غاية في الإيجاز، وتفصيلها وإيضاحها على الوجه الأنسب معروض في الشرح.

ص: 55

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

إذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا صلاح، صلاح، أو: يا سعد سعد

، جاز بناؤه على الضم؛ إما باعتباره "وهذا هو الأحسن" منادى حذف قبله حرف النداء "يا"، وإما باعتباره توكيدا لفظيا يساير -هنا- لفظ المنادى في البناء، ويجوز نصبه باعتباره توكيدا لفظيا تابعا لمحل المنادى.

ولا يصح إعرابه بدلا؛ لأن البدل والمبدل منه لا يتحدان في اللفظ إلا بشرط أن يفيد البدل زيادة في البيان والإيضاح، وكذلك لا يصح أن يكون عطف بيان؛ لأن الشيء لا يبين نفسه1

1 وإنما صح البدل والبيان في الحالة السابقة التي يكون فيها الثاني مضافا لتحقق شرطهما فيه -كما سبق في ج3 ص401 عند تعريف عطف البيان.

ص: 56

ملخص موجز يتضمن ما سبق من أحكام توابع المنادي:

جميع توابع المنادى يصح نصبها1، إلا فيما يأتي:

1-

أن يكون المتبوع -المنادى- هو لفظ "أي" أو "أية" أو اسم إشارة. فيجب في حركة نعتها مشابهتها لحركة المتبوع مشابهة صورية فقط "أو نقول بالعبارة التي فيها التسمح: يجب رفع النعت في المظهر الشكلي، بقصد مماثلة حركته لحركة المنادى -بالتفصيل الذي سبق2، نحو: يا أيتها الفتاة، من كثر كلامه كثر خطؤه. ومثل: يا هذا الغلام لا تنس شكر من أحسن إليك.

2-

أن يكون المتبوع -المنادى- مبنيا على الضم والتابع بدلا، أو عطف نسق مجردا من "أل"؛ فحكمهما حكم المنادى المستقل؛ عند فريق من النحاة. أما غيرهم فيجيز النصب -وهو الأنسب؛ ليكون حكم النصب عاما شاملا- نحو: جزيت خيرا يا عائشة زوج الرسول، فلقد كنت مرجعا وثيقا في شئون الدين -يا خديجة وعائشة كنتما خير عون للنبي صلى الله عليه وسلم.

3-

أن يكون المنادى مجرورا باللام في الاستغاثة وما يلحق بهما؛ فيجب جر التابع، وهذا هو المشهور -أو نصبه3، نحو: يا للغني الممتلئ للجائع، ويا للقادر القوي للعاجز.

1 قد يكون هذا النصب واجبا في مواضع، وجائزا في أخرى. فهو في الحالتين صحيح.

2 في رقم 2 ص45.

3 كما سيجيء في ص80.

ص: 57