الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 158:
اجتماع الشرط والقسم، وحذف جواب أحدهما:
تمهيد -جواب الشرط، وجواب القسم:
كل واحد من الشرط والقسم يستدعي جوابا خاصا به، يتميز بعلامة أو أكثر ينفرد بها دون الآخر. فجواب الشرط الجازم لا بد أن يكون مجزوما، إما لفظا؛ لأنه "فعل" مضارع، وإما محلا لأنه فعل ماض، أو لأنه من النوع الذي يجب اقترانه "بالفاء" أو "بإذا" الفجائية، وقد سبق بيان هذا كله، وتفصيله1.
أما جواب القسم فيختلف باختلاف نوعي2 القسم؛ وهما: "الاستعطافي" و "غير الاستعطافي". فإن كان القسم استعطافيا "وهو جملة طلبية يراد بها توكيد معنى جملة طلبية أخرى مشتملة على ما يثير الشعور والعاطفة، وتعتبر جواب القسم" فلا بد أن يكون جوابه جملة طلبية؛ كقول الشاعر:
بعيشك يا سلمى ارحمي ذا صبابة
…
وقول الآخر:
بربك هل نصرت الحق يوما
…
وذقت حلاوة النصر المبين؟
فالقسم هو: "بعيشك، وبربك". وكلاهما مع متعلقه -المحذوف هنا- جملة طلبية، نراها في المثال الأول تؤكد بعدها الجملة الطلبية التي تشتمل على ما يحرك الوجدان، وهي:"ارحمي". ونراها في المثال الثاني تؤكد الجملة الطلبية التي تليها، والتي تشتمل كذلك على ما يحرك الوجدان؛ وهي:"هل نصرت".
1 في رقم 6 من ص456. وفي رقم 8 من ص458.
2 سبق تفصيل الكلام على جواب القسم من نواحيه المختلفة في المبحث الخاص به عند الكلام على أحرف القسم وجوابه، وكل ما يتصل به مما لا غنى عن الرجوع إليه "وذلك في الجزء الثاني ص381 م9" وفيه أن الجواب قد يكون شبه جملة. وفيه كذلك أن الكلام قد يشتمل على جملة قسمية ظاهرها مثبت، ولكن معناها منفي، وجواب القسم فيها جملة فعلية ماضوية لفظا، مستقبلة معنى، مصدرة بإلا، أو "لما" التي بمعناها: نحو: سألتك إلا نصرت المظلوم. و.... إلى غير هذا من التفصيلات والأحكام الهامة المدونة هناك، وفي بعض الصفحات الأخرى التي أشير إليها في ذلك الجزء.
لا يكون جواب هذا النوع من القسم الاستعطافي إلا جملة إنشائية.
وإن كان القسم غير استعطافي "وهو ما جيء به لتوكيد معنى جملة خبرية، وتقوية المراد منها1" فلا بد له من جواب يكون جملة خبرية تختلف صورتها على النحو الذي سبق تفصيله في مكان أنسب2. وملخصه:
1-
إن كان الجملة الجوابية مضارعية مثبتة أكدت3 اللام4 والنون معا؛ نحو: والله لأبذلن جهدي في مساعدة المحتاج. ومن القليل الجائز الاقتصار على أحدهما، بالرغم مما يؤدي إليه هذا الاقتصار من نقص في درجة السمو البلاغي، وقوة الأسلوب.
وتسمى هذه اللام المفتوحة: "لام جواب القسم" أو: "اللام الداخلة على جواب القسم". وهي غير لام الابتداء، والفرق بينهما كبير، سبق إيضاحه5.
2-
إن كانت الجملة الجوابية ماضوية مثبتة وماضيها متصرف، فالغالب تصديرها "باللام" الجوابية، و"قد" معا؛ نحو: والله لقد فاز أهل المروءة والكرامة. ويجوز -بقلة- الاقتصار على أحدهما، أو التجرد منهما. مع ما في هذا الاقتصار من إهمال الكثير الفصيح.
فإن كان فعلها جامدا، غير "ليس" فالأكثر تصديرها باللام فقط، نحو: والله لعسى التوفيق يصحب المخلص أو: والله لنعم المخلص. فإن كان الماضي الجامد "ليس" لم يقترن بشيء؛ نحو والله ليس طول العمر بالسنوات، ولكن بجلائل الأعمال.
3-
إن كانت الجملة فعلية منفية بالحرف: "ما"، أو:"لا"، أو:"إن" وجب تجريدها من اللام، سواء أكانت ماضوية أم مضارعية؛ نحو: والله
1 ذلك أن من يقول: والله إنك لشريف المقصد، يخبر عن شرف مقصدك، ويؤكد خبره هذا بما يقويه؛ وهو: القسم.
2 باب "حروف الجر" -ج2 م9 ص382- ومن المفيد الرجوع إليه، وإلى ما فيه من الأمثلة.
3 وجوبا عند البصريين، وكثيرا عند الكوفيين. وهؤلاء يجيزون الاقتصار على أحد الحرفين. والأحسن هنا الاقتصار على الرأي البصري.
4 مفتوحة.
5 في ج1 م53 ص598 وهامشها. عند الكلام على "لام الابتداء".
ما يحتمل العزيز الضيم، والله لا يحجب ثوب الرياء ما تحته، بالله إن تحيا الأمة وأفرادها حياة العزة والقوة إلا بكرائم الأخلاق.
ومثل: والله ما احتمل عزيز ضيما والله لا حجب1 ثوب الرياء ما تحته، ولا دفع1 عن صاحبه السوء، والله إن أوجد الكون العجيب إلا الله، وإن أمسك السموات والأرض وما فيهما إلا المولى جل شأنه.
ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه أن يكون جواب القسم جملة منفية مصدرة باللام2، أو: أن تكون أداة النفي فيها "لم" ومثلها: "لن" أيضا عند فريق من النحاة3.
ومما تجب ملاحظته أن أداة النفي في جواب القسم قد تكون محذوفة، ولكنها ملحوظة يدل عليها دليل؛ كقوله تعالى:{تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، أي: لا تفتأ4
…
4-
إن كانت الجملة الجوابية اسمية مثبتة فالأغلب تأكيدها "باللام" و"إن" معا، ويصح الاكتفاء بأحدهما، ولكن الأول أبلغ، نحو:"تالله إن الخداع لممقوت، وإن صاحبه لشقي" -"تالله إن الخداع ممقوت، وإن صاحبه شقي- تالله للخداع ممقوت. ولصاحبه شقي". ومن أمثلة الاقتصار على أحدهما قول الشاعر:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني
…
إلى الجهل5 في بعض الأحايين أحوج6
1 هذه الجملة الماضوية معطوفة على السابقة الواقعة جوابا؛ فهي جواب مثلها. وهكذا نظائرها.
2 كقول القائل:
لئن غبت عن عيني
…
لما غبت عن قلبي
3 مستدلا بمثل قول أبي طالب يعلن للنبي عليه السلام مؤازرته وتأييده على قريش:
والله لن يصلوا إليك يجمعهم
…
حتى أوسد في التراب دفينا
4 سبق إيضاح هذه المسألة، ودليل الحذف فيها "في ج1 م42 ص510 باب: كان وأخواتها".
5 الغضب، وترك الحلم.
6 وهذا على اعتبار "اللام" موطئة للقسم. وجملة "إن" وما دخلت عليه جواب القسم: طبقا للإيضاح الذي سلف في ج2 م90 ص385.
ومن النادر تجردها منهما إن لم يطل1 الكلام بعد القسم؛ كقول أبي بكر في نزاع بينه وبين عمر رضي الله عنهما، "والله أنا كنت أظلم منه". فإن استطال الكلام بعد القسم حسن التجرد؛ كقول ابن مسعود:"والله الذي لا إله غيره، هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة". وقول الشاعر:
ورب السموات العلا وبروجها
…
وأرض وما فيها المقدر كائن
ولا يصح اقتران الجملة الجوابية بالحرف: "إن" إذا كانت مصدرة بحرف ناسخ من أخوات
"إن"؛ كقول بعضهم في مدح رجل: والله لكأن القلوب والألسن ريضت له؛ فما تعقد إل على وده، ولا تنطق إلا بحمده.
فإن كانت الجملة الاسمية منفية فحكمها حكم الجملة الفعلية المنفية "بما"، أو "لا"، أو "إن" من وجوب تجريدها من اللام والاقتصار في نفسها على أحد هذه الحروف الثلاثة دون غيرها -كما سبق.
من كل ما سبق يتبين أن الجواب المنفي -في جميع أحواله- لا يتطلب زيادة شيء إلا أداة النفي قبله، مع اشتراط أن تكون إحدى الأدوات الثلاث السالفة؛ سواء أكان الجواب جملة فعلية أم اسمية.
والآن نعود إلى الكلام على اجتماع الشرط والقسم والاستغناء بجواب أحدهما عن الآخر.
أ- إذا اجتمع شرط غير امتناعي2، وقسم فالأصل أن يكون لكل منهما جواب، غير أن جواب أحدهما قد يحذف اكتفاء بجواب الآخر الذي يغني عنه، ويدل عليه. ولهذا الحذف صور منها:
1-
أن يجتمع الشرط غير الامتناعي والقسم مع تأخر الشرط، وعدم وجود شيء قبلهما يحتاج إلى خبر3، وفي هذه الصورة يحذف -في الأرجح- جواب المتأخر منهما -وهو الشرط- نحو: والله من يراقب ربه في عمله لا يخاف
1 عدم إطالته: ألا يذكر بعده تابع، أو شيء آخر يتصل به.
2 الشرط الامتناعي: ما كانت أداته دالة على الامتناع؛ وهي: لو، ولولا، ولوما.
3 كالمبتدأ، وكالناسخ؛ فكلاهما يحتاج إلى خبر، أو ما يسد مسد الخبر.
شيئا. فالمضارع "يخاف" مرفوع؛ لأنه في جملة جوابية للقسم المتقدم، وليس جوابا للشرط المتأخر، المحذوف الجواب. إذ لو كان هو الجواب لتحتم جزمه1، فقيل: يخف. ومثله قول الشاعر:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
…
لقد سرني أني خطرت ببالكا
فالجملة الفعلية: "سرني" جواب للقسم الذي تدل عليه "اللام" الأولى لتصدير هذه الجملة "باللام وقد" معا، وليست جوابا للشرط المتأخر عن "لام" القسم؛ لأن الشرط لا يكون جوابه مقترنا "باللام وقد". فجوابه هنا محذوف. كحذفه في البيت السالف، وهو:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني
…
إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
فالجملة الاسمية المصدرة بالحرف الناسخ "إن" هي جواب للقسم، إلا للشرط؛ إذ لو كانت جوابا للشرط لاقترنت بالفاء.
أما عندهم تقدم الشرط فالأرجح أن يكون الجواب له وجواب القسم محذوف؛ فنقول: من يراقب ربه والله يخشه الناس. وقول أحدهم: إن يكن والله لي نصف وجه ونصف لسان - على ما بهما من قبح منظر، وسوء مخبر -يكن هذا احب من أن أكون ذا وجهين.
ومن وصفناه بأنه الأرجح في الحالتين يراه كثير من النحاة واجبا لا يصح مخالفته2
…
1 ومثل هذا يقال في المضارع المرفوع المنفي "بلا" في قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} فالمضارع -يأتون- مرفوع؛ لأنه جواب القسم، لا جواب الشرط.
2 ويقولون لا فرق في القسم بين أن يكون مذكورا، أو مقدرا. ويستدلون للمقدر بقوله تعالى:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} لأن سقوط الفاء من صدر الجملة الاسمية: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} دليل على أنها ليست جوابا للشرط؛ إذ لو كانت جوابا له لوجب اقترانا بالفاء؛ طبقًا للقاعدة الخاصة بهذا الاقتران "وقد سبق الكلام عليها في "8" من ص458" وهو تعليل واهن أمام التعليل الآخر الذي يقول إن الفاء قد تسقط قبل الجملة الاسمية وغيرها مما يحتاج إلى اقترانه بالفاء أو بما ينوب عنها.
- وقد سبقت التفصيلات الخاصة بهذا في: "ب" من ص465.
هذا، وفي رقم 1 من هامش ص458 مسألة تختص بحكم مجيء لام القسم بعد "إن الشرطية" واستحسان أو استقباح دخولها على الجواب
…
ويستثنى مما سبق أن يتأخر القسم وقبله الفاء الداخلة عليه مباشرة، فإن الجواب يكون له برغم تأخره عن الشرط؛ فنقول في المثال السالف: من يراقب ربه في عمله فوالله يخشاه الناس. فالمضارع "يخشاه" مرفوع، وهو مع فاعله جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم وجملة القسم في محل جزم جواب الشرط.
2-
إن اجتمع الشرط غير الامتناعي، وسبقهما ما يحتاج إلى خبر، فالأرجح أن يكون الجواب للشرط مطلقا، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا؛ نحو: القوانين والله من يحترمها تحرسه. أو: القوانين من يحترمها والله تحرسه؛ بجزم المضارع: "تحرس" في الصورتين، لأنه جواب للشرط، وجواب القسم محذوف فيهما.
أما غير الأرجح في كل ما تقدم "من 1، 2 ما عدا القسم المقرون بالفاء" فيعتبر الجواب للشرط غير الامتناعي في كل الحالات، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا، وسواء أكان قبلهما ما يحتاج إلى خبر أم لم يكن. ومن الأمثلة:
لئن منيت بنا عن غب معركة
…
لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل1
وقول الآخر:
لئن كان ما حدثته اليوم صادقا
…
أصم2 في نهار القيظ للشمس باديا
فالمضارعان: "تلف" و"أصم" مجزومان مباشرة في جواب "إن" الشرطية، برغم تأخرها وتقدم لام القسم عليها3
…
ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر:
أما والذي لو شاء لم يخلق النوى
…
لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي
1 "منيت بنا": أصبت بنا، وقدر عليك أن تلقانا. "غب": بعد، أو: عقب "لا تلفنا": لا تجدنا. "نتنفل": نتبرأ وننفصل.
يقول لعدوه. لو أصبت بنا بعد المعركة حين يشتد التعب والإرهاق عادة، فلن ترى منا تعبا، ولا إرهاقا، ولا تبرؤا وانفصالا من قتلانا يجعلنا ننصرف، ونترك الأخذ بثأرهم، والانتقام من أعدائهم.
2 أي: إن كان ما بلغك عني صادقا فإني أعاقب نفسي عليه بالصوم، وبالوقوف باديا للشمس "أي: كشوفا لها" في يوم القيظ، وهو اليوم الشديد الحر "وباديا حال من فاعل: أصم".
3 والبصريون يحكمون على هذا وأمثاله بالشذوذ، أو بزيادة اللام وأنها ليست للقسم فلا تحتاج لجواب. وكل هذا تكلف وابتعاد عن الواقع. وخير منه ما قاله الخضري: من أن اللام للقسم، وجوابه هو أداة الشرط وما دخلت عليه من جملتيها، وأن لهذا نظائر.
لأن وجود الفاء في الجواب دليل على أنه للشرط؛ إذ جواب القسم لا تدخله الفاء. ومثله قولهم1: لئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد.
ومما سبق نستخلص أن اجتماع الشرط غير الامتناعي والقسم يقتضي الاكتفاء بجواب واحد يكون -على الأرجح- للسابق منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور. وأنه يستثنى من هذه القاعدة حالتان:
إحداهما: يكون الجواب فيهما للقسم مع تأخره، وهي التي يكون فيها القسم مبدوءا بالفاء.
والأخرى: يكون الجواب فيها للشرط مع تأخره عن القسم؛ وهي التي يكونان فيها مسبوقين بما يحتاج إلى خبر
…
ب- فإن كان الشرط امتناعيا "وهو: لو، لولا، لوما" وتقدم، فيتعين أن يكون الجواب له، وأن يحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه. نحو: لولا رحمة المولى بعباده، والله لأهلكم بذنوبهم2.
وإن كان القسم هو المتقدم على الشرط الامتناعي، فالصحيح أن الجواب المذكور هو للشرط أيضا، وأن الشرط وجوابه جواب للقسم، لم يغن شيء عن شيء، والجوابان مذكوران، لم يحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه؛ نحو: والله لولا الله ما اهتدينا؛ فجملة: "ما اهتدينا" هي جواب "لولا". وهذه مع جوابها جواب القسم.
ويتضح مما تقدم عند اجتماع الشرط الامتناعي والقسم أن الجواب للشرط الامتناعي؛ سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا عنه.
1 وهو منسوب لعلي رضي الله عنه.
2 وفي أحكام الحذف السابقة يقول ابن مالك:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم
…
جواب ما أخرت؛ فهو ملتزم
وإن تواليا وقبل ذو خبر
…
فالشرط رجح مطلقا بلا حذر
وربما رجح بعد قسم
…
شرط بلا ذي خبر مقدم