الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 157:
الأحكام الخاصة بجملة الشرط 1، وجملة الجواب إذا كانت الأداة شرطية جازمة، أو: كانت الأداة الشرطية هي:
"إذا، أو: كيف"2:
أولا: أحكام الجملة الشرطية، "ومنها حذفها، وحذف فعلها وحده":
1-
لا بد أن تكون فعلية، ويلاحظ ما سبق3، وهو أن فعلها وحده هو الشرط؛ إذ لا يصح أن يكون الشرط جملة.
2-
وجوب الترتيب بين أجزائها، فلا يتقدم فعلها، ولا شيء من معمولاتها على أداة الشرطز ولا يتقدم -في الغالب- شيء من هذه المعمولات على فعل الشرط4.
3-
امتناع وقوع فعلها ماضي المعنى حقيقة، فلا يصح إن هطل المطر أمس يشرب النبات، وأما قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام:{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} فالقرائن تدل على أن المراد: إن يثبت أني قلته فقد علمته. يدل على هذا سياق الكلام. ونصه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
1 مما تجب ملاحظته أن الجملة الشرطية -دون الجملة الجوابية- لا يصح تسميتها إلا على حسب أصلها السابق قبل دخول الأداة الشرطية عليها، أما بعد مجيء أداة الشرط فلا تسمى جملة؛ إذ لا يكون فيها حكم مستقل بالسلب أو بالإيجاب، تنفرد به، ويقتصر عليها؛ فليس لها كيان مستقل؛ فهي لهذا لا تسمى جملة، بل لا تسمى كلاما بحسب وضعها الجديد.
"طبقا للبيان الكامل الخاص بهذا في ج1 م1 عند الكلام على الجملة وكذا ج1 م27 رقم 3 من هامش ص337".
2 تسري الأحكام الآتية على الأدتين "إذا" الشرطة، و"كيف" الشرطية، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بد من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ستذكر.
أما غيرهما من الأدوات الشرطية التي لا تجزم مطلقا "كأدوات الشرط الامتناعي، ومنها: لولا ولوما". وكذلك الأدوات التي لا تجزم في القول الأصح "مثل: لو، ولما الحينية، وأما الشرطية النائبة عن مهما" فإن لها أحكاما خاصة بشرطها وجوابها، مدونة في الباب الخاص بكل أداة -وسيأتي في ص491 و512.
3 في ص425.
4 إلا في بعض صور تكون فيها أداة الشرط معمولة لفعله. وقد سبقت في ص438.
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 1.
4-
امتناع أن يكون فعلها طلبيا أو جامدا، فلا يصح: إن أصفح عن المسيء يجتنب الإساءة، ولا: إن ليس الهواء هادئا نرغب فيه.
5-
امتناع أن يكون مبدوءا بحرف تنفيس2، أو بقسم -عند كثرة النحاة- أو بشيء له الصدارة؛ كأدوات الاستفهام في الأغلب3، والشرط
…
، أو بحرف من حروف النفي؛ مثل:"ما، لن، إن" لكن يجوز اقترانه ب"لم"، أو "لا" إن كان مضارعا واقتضى المعنى نفيه بأحدهما.
6-
وجوب جزمه لفظا إن كان مضارعا، ومحلا4 إن كان ماضيا. وجازمه في الحالتين أداة الشرط -على الصحيح- بشرط أن تكون هذه الأداة الشرطية جازمة.
أما الجملة الشرطية كاملة فلا محل لها من الإعراب إلا في حالتين:
الأولى: أن تكون أداة الشرط هي "إذا" باعتبارها جازمة، أو غير جازمة -فتكون ظرفا مضافا- في الرأي المشهور، والجملة الشرطية بعدها في محل جر، هي المضاف إليه، ومن الأمثلة قولهم: إذا انصرف الولاة عن العدل انصرفت الرعية عن الطاعة، وتقوضت دعائم الملك، وأسباب والرفاهة.
الثانية: أن تكون أداة الشرط هي المبتدأ، والجملة الشرطية هي الخبر - عند من يجعلها خبران وهو الأرجح5 كقول الشاعر:
1 انظر ما يتصل بهذا في رقم 5 من هامش ص422 وفي 1 من هامش ص423.
2 السين، أو: سوف وتسمى "سوف": حرف تسويف أيضا.
3 إلا الهمزة؛ طبقات للحكم العاشر الآتي 447.
4 انظر رقم 6 من ص456. ويظهر أثر الإعراب المحلي في التوابع؛ فمثلا: إذا عطف على الماضي المجزوم محلا فعل مضارع مماثل له في الزمن، جزم، وقد سبق تفصيل هذا في بابه المناسب "ج3 ص474 م121 باب العطف".
5 وتكون من نوع الخبر الذي لا يتمم المعنى بنفسه مباشرة مع المبتدأ، وإنما يتممه بمساعدة شيء آخر يتصل به. والجملة الشرطية لا تتممه إلا بملاحظة الجملة الجوابية المترتبة عليها، "وقد سبق بيان =
فمن يلق خيرًا
…
يحمد الناس أمره
…
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
7-
عدم حذفه بعد أداة شرطية مع بقاء فاعله1 ظاهرا وبعده الفعل المفسر للمحذوف، إلا إن كانت أداة الشرط هي "إن، أو إذا"؛ فيكثر حذفه بعد كل منهما، حتى قيل إن حذفه في تلك الصورة بوصفها السالف واجب. ولكن بقاءه -برغم قلته- جائز2. ومن القليل حذفه بعد أداة غيرهما3 إلا لضرورة الشعر.
والأحسن أن يكون المفسر فعلا ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف لم". فمن أمثلة الحذف بعد "إن" قوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 4، وقولهم: إن أحد
= هذا مفصلا في ج1 م33 أول باب: "المبتدأ والخبر""هامش ص442 وما بعدها" وقيل: جملة الجواب هي الخبر وقيل: هما معا. "كما سبق في رقم 5 من هامش ص438" هذا إن كانت أداة الشرط هي المبتدأ، فإن كان المبتدأ اسما قبلها فقد نصوا على الراجح وهو أن "المبتدأ إذا تقدم على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما وبهذه الجملة الشرطية -"بالفاء الرابطة أو: إذا"، التي تغني عنها، أو صلح لمباشرة الأداة والخبر محذوفا يدل عليه الجواب المذكور، وإلا كان خبرا والجواب محذوفا". "راجع الخضري في باب "الكلام وما يتألف منه" وتعقيبه على الصبان عند بيت ابن مالك:
"والأمر إن لم يك للنون محل
…
" وسبقت له إشارة موضحة "في ج1 م1 بهامش ص64 وفي ص477". وانظر رقم 2 من هامش ص457 فله ارتباط بهذه المسألة.
ولا يتغير الحكم السالف إن صار المبتدأ اسما لناسخ مثل قول الشاعر:
إن اللئام إذا أذللتهم صلحوا
…
على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا
1 أو نائبه: هذا إن كان الفعل تاما، فإن كان ناقصا "لأنه من النواسخ". لم يرفع فاعلا ولا نائب فاعل، وإنما يرفع اسما. فالمراد ما يرفعه الفعل من فاعل أو غيره.
2 لتعدد النصوص الواردة به والتي لا تحتاج إلى تأويل.
3 سبقت إشارة لهذا في ص425 وتفصيل المسألة في ج2 باب "الاشتغال" وملخصها: أن الاشتغال بعد أدوات الشرط، والتحضيض، والاستفهام بغير الهمزة لا يقع إلا في الشعر للضرورة. أما في النثر فلا يقع بعد تلك الأدوات إلا صريح الفعل. ويستثنى من أدوات الشرط ثلاثة يقع بعدها الاشتغال بمعناه العام "الذي يشمل الاسم السابق المرفوع" نظما ونثرا".
أولهما: أدوات الشرط التي لا تجزم؛ مثل: إذا، ولو.
ثانيها: "إن" الشرطية مع وجوب أن يكون الفعل المفسر ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط.
ثالثها: أما -راجع البيان الخاص بهذا في الموضع السابق.
4 يتردد على ألسنة بعض المتسرعين الاعتراض على حذف هذا العمل، وعلى إعراب الاسم المرفوع بعد: إن، وإذا، فاعلا -كالأسماء المرفوعة في الأمثلة المذكورة. قائلين: لم لا تكون هذه الأسماء مبتدأ، أو فاعلا للفعل الذكور بعدهما؛ لنستريح من التقدير؟ وقد أوضحنا ببيان كامل خطأ هذا في ج2 ص140 م69.
قال ما يستحق فاغبطه، وإن أحد نال ما لا يستحق فترقب أن تسلبه الأيام ما نال. وقول أحد الخلفاء لقائد جيشه المنتصر: اتقوا الله في الأسرى؛ عاملوهم برفق، وانزلوا معهم على حكم الدين". وإن فتية منهم أصلهم الهوى فاهدوهم سواء الصراطن وإن شيوخ استبد بهم ما ألفوه فترفقوا بهم إلى حين، وإن نساء لم يسلمن من الفزع، فأدخلوا السكينة على قلوبهن.
ومن أمثلة الحذف بعد "إذا" الشرطية قوله تعالى في وصف يوم القيامة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} ، وقول الشاعر:
إذا الملك الجبار صعر خده
…
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
وقول الآخر:
إذا أنت عاتبت الوضيع فإنما
…
تخط على صفح من الماء أحرفا
ومن أمثلة الحذف بعد أداة شرطية غير "إن وإذا" والمفسر غير ماض، قول الشاعر يصف غادة هيفاء:
صعدة1 نابتة في حائر2
…
أينما الريح تميلها تمل
8-
امتناع تصدير الجملة الشرطية بالحرف: "قد": فلا يصح: إن -قد- يعدل الراعي تسعد رعيته. لأن مجيء "قد" بعد فعل الشرط يقتضي3 تحقيق وقوع فعل الشرط. وتقريبه من الحال. مع أن فعل الشرط يقتضي احتمال أمرين؛ وقوع معناه وعدم وقوعه: كما يقتضي أن زمنه مستقبل محض4.
9-
امتناع وقوع الجملة الشرطية حالا -طبقا للبيان الذي سلف5.
10-
امتناع تصديرها6 بأداة شرطية، "جازمة، أو غير جازمة" قبلها
1 رمح مستو، وقناة لا عوج فيها.
2 مجتمع الماء.
3 مراعاة للاستعمال الأغلب.
4 راجع شرح التصريح ج2 باب الجوازم عند الكلام على "لما".
5 في رقم 5 من هامش ص422.
6 في الرأي الأشهر "ولهذا صلة بالحكم الخامس".
أداة استفهام مثل: "هل" الاستفهامية. لكن لا مانع أن تقع أداة الشرط بعد همزة الاستفهام1 دون غيرها.
11-
جواز حذف الجملة الشرطية "فعلها ومرفوعه معا"2 بشرط وجود قرينة تدل عليها، وألا يذكر صريحا في الكلام بعدها ما يفسرها. وقد يبقى بعد حذفها شيء قليل منها؛ مثل "لا" النافية
…
وقد تبقى الأداة أو تحذف مع الجملة الشرطية المحذوفة. ومن الأمثلة قول الشاعر:
متى.. تؤخذوا قسرا3 بظنة4 عامر
…
ولا ينج إلا في الصفاد5 أسير
يريد: متى توجدوا تؤخذوا6
…
ومن أمثلة حذفها مع بقاء "لا" النافية الداخلة عليها، قول الشاعر:
فإن تولني منك الجميل فأهله
…
وإلا فإني عاذر وشكور
وقول الآخر:
فطلقها فلست لها بكفء
…
وإلا يعل مفرقك الحسام
والأصل فيهما: وإلا تولني -وإلا تطلقها؛ فحذفت الجملة الشرطية وحدها مع بقاء الأداة، و"لا" النافية. ومثله قوله عليه اسللام في اللقطة7
…
فإن جاء صاحبها وإلا استمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمتع بها..،
1 فلا يصح: هل إن يشتد البرد تهاجر الطيور -في الرأي الأشهر- ويصح: أن يشتد؟ "راجع الصبان، ج4 عند بيت ابن مالك في أول باب: الجوازم".
"فعلين يقتضين شرط قدما
…
".
وقد سبقت إشارة لهذا في آخر رقم 3 من ص426.
2 مرفوع الفعل يشمل الفاعل، ونائبه، واسم الناسخ، وإن كان الفعل ناسخا، "كما سبق في رقم 1 هامش ص446".
3 قهرا.
4 بتهمة.
5 القيد، ونحوه، مما يقيد به الأسير، ويربط.
6 هذا البيت هو من الشواهد التي تؤيد القائلين بأن الجملة الشرطية قد تحذف ولو كانت أداة الشرط غير "إن" ولا يشترطون أن تكون "إن" وعندهم شواهد نثرية ونظمية. نعم إن الحذف بعد "إن" هو الأكبر.
7 الشيء الذي يضيع من صاحبه ويجده بعض الناس في الطريق ونحوه.
وقولهم: المرء مجزى بعمله، إن خيرا فخير..، أيك إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. فقد حذف فعل الشرط واسمه، وبقي خبره.
وجعلوا مما يصلح لأمثلة حذف الأداة وجملة الشرط قوله تعالى يخاطب المؤمنين، ويذكر انتصارهم على الكفار:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} ، والأصل: إن افتخرتم بقتلهم أفلم تقتلوهم
…
وقد دخلت الفاء على "لم" هنا - ومثله قوله تعالى في المشركين: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} 1، التقدير: إن أرادوا الولي الحق فالله هو الولي وحده. وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ، والتقدير: إن لم يتيسر أن تعبدوني في أرض، فإياي في غيرها فاعبدون.
هذه هي أهم الأحكام الخاصة بالجملة الشرطية. وستجيء2 أحكام عامة تختص بها وبالجملة الجوابية.
ثانيا: أحكام الجملة الجوابية3 للشرط الجازم؛ ومنها الحذف:
1-
أن تكون فعلية. ويصح أن تكون اسمية مقترنة "بالفاء" الزائدة للربط، أو "بإذا" الفجائية التي تحل محلها في بعض الحالات للربط4. ومن أمثلة الفعلية قول الشاعر:
لا يذهب الخير سدى
…
ومن يعن يوما يعن
ومن أمثلة الاسمية قولهم: حيثما تصنع خيرا فالجزاء خير. وقول الشاعر:
فإن تتقوا شرا فمثلكمو اتقى
…
وإن تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل
وقولهم: إن يسر المرء على سنن الهدى إذا التوفيق حليفه.
2-
لا بد من إفادتها معنى جديدا لا يفهم من جملة الشرط -كالأمثلة
1 أم: بل.
2 في ص471.
3 ويجوز أن تكون مثبتة، أو منفية بالتفصيل الآتي في ص461 و467، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه
…
ومن لا يُكرِّم نفسه لا يُكرَّم
4 وسيجيء البيان الخاص بالربط في رقم 8 من ص458.
السالفة- فلا يصح: إن تسأل عن الغائب تسأل؛ لأن هذه الجملة الجوابية لفظها ومعناها مثل الشرطية فيهما؛ فلا جديد في معنى الجواب، فإن تضمنت معنى جديدا جاز وقوعها جوابا؛ كقوله عليه السلام: "
…
لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
…
"، أي: فهجرته مقبولة، أو مباركة
…
فالجملة الجوابية أفادت مرادا جديدا بالرغم مما بينها وبين الجملة الشرطية من اشتراك لفظي
…
3-
وجب تأخيرها؛ فلا يجوز تقديمها ولا تقديم شيء من أجزائها ومعمولاتها على أداة الشرط، ولا على الجملة الشرطية. إلا في حالتين:
الأولى: أن يكون الجواب جملة مضارعية1، مضارعها مرفوع: فيجوز تقديم معمول الجواب على الأداة؛ بشرط مراعاة البيان والتفصيل الخاص2 بهذا
…
نحو: خيرا إن تستمع تستفيد.
الثانية: أن يكون المعمول هو: "إذا" الشرطية عند من يعربها ظرفا لجوابها. وكذا غيرها من الأسماء الشرطية الأخرى التي لا تكون معمولة لفعل الشرط حين يكون فعلا ناسخا. وقد سبق3 أيضا بيان هذه الحالة بصورتها.
وسوغ التقديم في الصورة الأولى أن المضارع المرفوع ليس هو الجواب في الحقيقة؛ لأن الجواب محذوف4، وتسمية المذكور جوابا تساهل لوحظ فيه الأصل5. أما في الصورة الثانية فلأنها أداة شرطية واجبة الصدارة.
1 في الشكل الظاهر لا في الحقيقة؛ إذ الحقيقة -طبقا للمشهور- أن الجملة المضارعية المذكورة في مثل هذه الصورة هي دليل الجواب، وليست بالجواب؛ لأنه محذوف -طبقا للآتي هنا، وللبيان الآتي في ص474-475.
2 وفي ص474 حكم المضارع المرفوع في جواب الشرط.
3 في ص438 وما بعدها.
4 وفي ص475 إعراب المضارع المرفوع في جواب الشرط.
5 بمناسبة حذف الجواب يعرض النحاة لحالة فعل الشرط، ولتقديم دليل الجواب عليه، والحالات التي يتعين أن تكون فيها بعض الأدوات موصولة، لا شرطية، فيقولون:"إن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو -في الأرجح- دليل الجواب، وليس بالجواب". وجاء في التسهيل والهمع ما ملخصه: إذا حذف الجواب في السعة وتقدم دليله على أداة الشرط فلا يكون فعل الشرط -في الأصح- إلا ماضيا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" -مع ملاحظة ما يأتي في الحكم الرابع- فإن سيبويه:"هذا هو الوارد من كلام العرب".
وإذًا لا يصح عنده الأخذ بالرأي الكوفي الذي يقيس المضارع على الماضي، فيجيز:"أنت كريم إن تصفح"؛ لأن في هذا قياسا لشيء على آخر يخالفه في علة القياس وسببه
…
لكن الكوفيين -إلا الفراء- يستشهدون بأمثلة فصيحة تؤيد رأيهم وتقويه -كما سيجيء في ص455- والرأي الأول أقوى وأفصح مع صحة الثاني.
وما سبق مقصور على السعة أما في الضرورة الشريعة فيصبح حذف الجواب مصنفا وفعل الشرط مضارع ومنه:
يُثني عليك وأنت أهل ثنائه
…
ولديك -إن هو يستردك- مزيد
-وسيعاد ذكر البيت واسم صاحبه لمناسبة أخرى في ص455.
فإن كان فعل الشرط المسبوق بدليل الجواب غير ماض وأداة الشرط: "ما"، أو:"من"، أو "أي" وجب في السعة "أي: في غير الضرورة الشعرية" جعلها موصولة وإعطاؤها حكم الموصول، فتقول: أعط من يعطي محمدا؛ وأحب ما يحبه
…
، وأكرم أيهم يحبك..؛ برفع المضارع، والمجيء بالعائد، واعتبار الجملة صلة لا محل لها من الإعراب، وصحة عمل العوامل التي قبل الموصول فيه. أما في الضرورة فيجوز بقاء الشرطية والجزم.
وكذلك يجب جعل تلك الأدوات موصولة إذا وقعت مع جملتها مضافا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: أتذكر إذ من يرضينا نرضيه؛ لأن أسماء الزمان لا تضاف إلى جملة مصدرة "بإن الشرطية" -"كما سبق في ج2 رقم 6 م79 هامش ص237 وفي ج32 م94 ص67"- فكذا المصدرة بما تضمن معنى "إن الشرطية" كمن؛ خلافا للزيادي حيث جوز في هاء الصورة الجزم اختيارا. أما عند غيره فقد خرجت تلك الأدوات عن الشرطية. وصارت موصولة ينطبق عليها ما ينطبق على الموصول من أحكام، ولا دخل لها بالشرط.
وكذلك يجب ما ذكر لهن مطلقا "أي: في السعة وفي الضرورة، سواء أكان بعدهن ماض أو مضارع" فيما يأتي:
أ- إذا تقدمتهن "هل" مباشرة؛ لأن "هل" لا تدخل على "إن الشرطية" فكذا ما تضمن معنى "إن" بخلاف الهمزة، فيجوز الجزم على الأصح؛ نحو: أمن يرضك ترضه؟ لدخولها على "إن" الشرطية.
ب- إذا وقعن بعد ناسخ من باب: "كان" أو: "إن"؛ لأن اسم الشرط لا يعمل فيه عامل قبله إلا حرف الجر أو المضاف؛ فإنهما قد يجران بعض أسماء الشرط "كما سبق في ص426 و438" وغير هذين العاملين لا يعمل فيه. ومن الأمثلة: كان من يرضينا نرضيه، إن من يرضينا ترضيه. وأما قول الأعشى:
إن من يدخل الكنيسة يوما
…
يلق فيها جآذرا وظباء
=
4-
امتناع حذفها إلا بشرطين:
أولهما: إن يدل دليل عليها بعد حذفها، ولا يصلح جوابا1؛ ويتحقق هذا الشرط بأن يسبقها، أو يكتنفها "أي: يحيط بها"، أو يتأخر عنها، ما لا يصلح جوابا، ولكنه يدل على الجواب المحذوف2؛ مثل: "أنت الشجاع إن قلت الحق في وجه الظالم"، أو: "أنت -إن تلطفت في القول- محبوب". فالجملة الجوابية في المثالين محذوفة؛ لوجود ما يدل عليها؛ وهو الجملة التي قبلها، أو التي تحيط بها، وكلتاهما لا تصلح جوابا. والأصل: أنت الشجاع، إن قلت الحق في وجه الظالم
= "بجزم الفعلين: يدخل ويلق" فعل تقدير ضمير الشأن، أي: إنه من يدخل.
ج- إذا وقعن بعد "ما" النافية؛ لأن "ما" النافية لا تنفي الجملة الشرطية. نحو: ما من يرمينا نرميه.
د- إذا وقعن بعد "لكن" -ساكنة النون- أما المشددة فداخله في: "ب" السابقة أو "إذا" الفجائية، نحو: لا أذهب لمن يقاطعني، لكن من يزورني أزوره، مررت بالمحسن فإذا من يستعين به يعينه. وسبب المنع هو أن أداة الشرط "اسما كانت أم حرفا" لا بد ان تكون في صدر جملة جديدة مستقلة بمعناها وبإعرابها. أما "لكن" وإذا الفجائية "فلا بد أن يسبقهما كلام يرتبط بها ما بعدهما ارتباطا معنويا، بحيث يتصل المعنيان اتصالا وثيقا.
وجاء في حاشية الصبان أن سريان الحكم على تلك الأدوات بعد: "لكن وإذا" الفجائية مشروط بشرط ألا يضمر بعدهما مبتدأ، فإن أضمر بعدهما مبتدأ جاز جزم المضارع، تقول: رأيت الشريف فإذا ما يزره يكرمه، وعلى كريم الخلق لكن من يزره يغضبه. والتقدير فيهما: "فإذا هو من
…
، لكن هو من
…
" ولم يرد لهذا الشرط ذكر في بعض المراجع الأخرى المتداولة، كالهمع
…
ولم أجد فيما رأيت أمثلة مسموعة تؤيد الأخذ به. ولهذا يحسن إهماله، والبعد عن التأويلات والتقديرات بغير ضرورة.
"راجع في كل ما سبق الهمع ج2 ص61 وما بعدها. وحاشية الصبان عند بدء الكلام على الأدوات التي تجزم فعلين
…
".
1 لأنه إذا دل عليها وهو متأخر، وكان مما يصلح جوابا أصيلا بغير ضعف وجب اعتباره الجواب مباشرة؛ إذ لا داعي للحذف أو التقدير. ويوضح هذا ما سبق وما يجيء في الصفحة التالية عند الكلام على الشرط الثاني. على الكوفيين يعتبرون الدليل المتقدم الذي يصلح جوابا هو الجواب الأصل ولا مانع عندهم أن يتقدم الجواب على أداة الشرط ويخالفون البصريين في هذا.
2 فالغالب أن تسبقه جملة، أو تكتنفه؛ "بأن يقع بين ركنيها الأساسيين". ومن أمثلة الأول الذي تسبقه جملة قول الشاعر:
لا خيل عندك تُهديها، ولا مال
…
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
وقول الآخر:
رب ليل كأنه الصبح في الحسـ
…
ـن، وإن كان أسود الطيلسان
فأنت الشجاع، أنت محبوب، إن تلطفت في القول فأنت محبوب1.
ومثال الدال عليها وهو متأخر لا يصح جوابا، قوله تعالى:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، أي: فلا تحزن؛ فقد كذبت رسل من قبلك، -كما سيجيء-2 فالدال على الجملة الجوابية قد يكون قبلها، أو بعدها، أو محيطا بها. وهو في كل حالاته لا يصلح جوابا.
ومن أمثلة حذفها لدلالة جملة سابقة الشطر الأول من قول الشاعر:
عش وحيدا إن كنت لا تقبل العذ
…
ر، وإن كنت لا تغفر زله
ومما يدل عليها: "جواب القسم" إذا كان القسم متقدما على أداة الشرطن نحو: والله إن رعيت اليتيم ليرعينك الله. فالقسم محتاج لجواب، وكذلك أداة الشرط؛ فحذف جواب المتأخر3 منهما؛ وهو الشرط، لدلالة جواب المتقدم -وهو القسم- على المحذوف. ولهذا تعتبر اللام في المثال داخلة على وجواب القسم؛ كدخولها عليه في قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، وفي قوله تعالى بلسان الكفار يهددون الرسل {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} فاللام الداخلة على أداة الشرط:"إن" هي علامة القسم، واللام المتأخرة داخلة على جوابه. أما جواب الشرط في الآيتين فمحذوف: لتأخر أداة الشرط. ويدل عليه في كل منهما جواب القسم المذكور.
ثانيهما: أن يكون فعل الشرط -في غير الضرورة الشرعية، وعند غير الكوفيين-4 ماضيا لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط؛ كالمضارع المسبوق بالحرف:"لم". فمثال الماضي لفظا ومعنى: أنت عزيز إن ترفعت عن الدنايا، أو أنت -إن ترفعت عن الدنايا- عزيز
…
وقول الشاعر:
ونحن أولو المآثر من قديم
…
وإن جحدت مآثرنا اللئام
…
5
1 انظر ما يتصل بها من اجتماع المبتدأ وأداة الشرط في رقم 5 من هامش ص445.
2 لاحظ ما أشرنا إليه هنا من الرأي الكوفي، وما سبق في رقم 5 من هامش ص550.
3 عملا بالرأي الراجح.
4 سبق رأيهم في رقم 5 من هامش ص550 وسيجيء في ص455 أنه مقبول.
5 وكذلك قول الآخر:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
…
بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
ومثال الماضي معنى لا لفظا قول الشاعر:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
…
سرور محب أو إساءة مجرم؟
فإن لم يكن فعل الشرط ماضيا بأن كان مضارعا لفظا ومعنى لم يصح -في الأرجح- حذف الجملة الجوابية1 إلا إن سد مسدها جملة أخرى بعدها2 تدل عليها، ولا يستقيم المعنى بجعلها هي الجواب؛ كقوله تعالى:{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ، والأصل: وإن تجهر بالقول فإنه غني عن جهرك، فحذف الجواب الأصلي، وسد مسدة جملة:"فإنه يعلم السر"، وهي جملة بعده شغلت مكانه، ولا يستقيم المعنى على اعتبارها الجواب الحقيقي؛ لأن الجهر بالقول لا يترتب عليه أن الله يعلم السر؛ إذ الله يعلم السر دائما؛ سواء أوجد جهر بالقول أم لم يوجد3. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ
1 لاحظ ما أشرنا إليه هنا من الرأي الكوفي، وما سبق في رقم 5 من هامش ص550.
2 فهي متأخرة في مكانها عن الجواب المحذوف، وموضعها الأصلي بعده، بالرغم من أنها تشغل مكانه ظاهرا، لا حقيقة؛ إذ مكانه خال في الواقع. وهي بهذا الإيضاح تعتبر صورة من صور الشرط الأول. إلا أن الصورة هنا واجبة التأخير، وهي تسد وتغني عن الجملة الجوابية المحذوفة. لكن كيف يصح حذف الجواب مع أن فعل الشرط مضارع، كما يبدو في الآيات التالية؟ أجابوا:"أنه لما سد شيء مسده كأنه لم يحذف" -راجع حاشية الأمير على "المغني"، ج2 موضوع حذف جملة جواب الشرط.
3 والذي دعا لهذا التقدير: أن أجل الله آت على كل حال؛ فليس الجواب مترتبا على الشرط، فهو كقوله تعالى:{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} ومثل قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} فالجواب في كل هذه الأمثلة محذوف وقد وجد ما يسد مسده، فجاز حذفه بالرغم من أن فعل الشرط مضارع. والسبب في اعتباره محذوفا واعتبار المذكور في مكانه سادا مسده أن هذا المذكور ليس مترتبا على الشرط، ولا مسببا عنه؛ كما هو الشائع في أغلب الأساليب -طبقا لما أوضحناه في رقم 1 من هامش ص422.
أما على غير هذا الاعتبار فلا حذف، والمذكور هو الجواب؛ كما سبق بيانه "في الهامش المشار إليه" من أن الشرط ملزوم والجزاء لازم له؛ سواء أكان الشرط سببا أم غير سبب. وكذلك ما قاله ابن الحاجب من أن الجزاء قسمان. وقد أوضحنا هناك
…
ويكاد الخلاف يكون لفظا؛ لاتجاهه إلى مجرد التسمية؛ أنسمي المذكور جوابا أم سادا مسد الجواب حين لا يكون مسببا عن الشرط مباشرة؟ ومما يلاحظ أن هذا الخلاف في التسمية مقصور على الحالة التي يكون فيها فعل الشرط مضارعا بعده جملة ليست مسببة عنه مباشرة.
وسيجيء في ص480 -إشارة أخرى خاصة بأداة الشرط: "إن".
فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، والأصل: وإن يكذبوك فلا تحزن، فقد كذبت رسل من قبلك1، ولا يصح أن تكون الجملة المذكورة هي الجواب؛ لأنها ليست مترتبة على ما قبلها. وكذلك قوله تعالى:{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} فالجواب المحذوف تقديره: فليبادر للعمل الصالح.
والكوفيون لا يشترطون لحذف الجواب أن يكون فعل الشرط ماضيا، بل يجيزون أن يكون مضارعا، ولذا يقولون فيما سد مسده، إنه الجواب الحقيقي، وليس بالدليل، ولا بالساد مسد الجواب، مستدلين بأمثلة كثيرة تؤيدهم، كالآيتين السالفتين، وكقول الشاعر2:
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم
…
ليعلم ربي أن بيتي واسع
فقد حذف جواب الشرط "إن" مع أن فعله مضارع؛ وهو: "تلك"، أما جملة "ليعلم X" فهي جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن"، ولا يصح -في الراجح- أن تكون هذه الجملة جوابا للشرط، لأنه متاخر هنا عن القسم، ولأن جوابه لا يكون مبدوءا باللام. وكذلك قول الشاعر:
يثني عليك، وأنت أهل ثنائه
…
ولديك إن هو يستزدك مزيد
والأصل: إن يستزدك3 -هو- يستزدك فلديك مزيد.
والأخذ برأي الكوفيين -وإن كان ليس بالأعلى هنا- أنسب وأيسر؛ بسبب الشواهد القوية الكثيرة التي تؤيدهم، وبسبب ما يراه أكثر المحققين، وهو:"أن جواب الشرط قد يكون غير مترتب على فعل الشرط" -كما أوضحناه من قبل4.
ومتى اجتمع الشرطان الخاصان بالحذف صار الحذف غالبا، وقيل إنه واجب، والأول أنسب.
1 لهذا إشارة في الصفحة السابقة، وهامشها.
2 هو الكرميت بن معروف من الشعراء المخضرمين -كما جاء في هامش كتاب: "معاني القرآن" للفراء، ص66.
3 على هذا التقدير يكون فعل الشرط مضارعا -عندهم؛ بدليل تفسيره بمضارع بعده. أما غيرهم فيجعل البيت من الشواذ -وقد سبق البيت لمناسبة أخرى ص451.
4 في رقم 6 من هامش ص421 على أن الخلاف بين الفريقين يكاد يكون لفظيا في تسمية المذكور؛ أهو جواب أم ساد مسده. كما قلنا في رقم 3 من هامش الصفحة السالفة.
هذا حكم الجملة الجوابية من ناحية حذفها حذفا غالبا، أو واجبا. أما حذفها جوازا فأشهر صوره اثنتان:
الأولى: أن تقع جملة الشرط جوابا لسؤال؛ نحو: أترشد الغريب؟ فتجيب إن رأيته، والتقدير: إن رأيته أرشده.
الثانية: إن تشعر الجملة الشرطية نفسها -دون سواها- بالجواب المحذوف؛ كقوله تعالى يخاطب الرسول في شأن المعارضين: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ، والتقدير: فإن استطعت
…
فاعل.
5-
امتناع تكرار مدلولها إذا كان مدلول الجملة الشرطية يقتضي التكرار. إلا إن اقتضى العرف التكرار، أو قامت قرينة تدل عليه. ففي مثل: إن أسافر أركب طائرة لا يكون المراد أن ركوبي الطائرة يتكرر بتكرار السفر، وإنما المراد أن سفري سيقتض ركوبي الطائرة مرة واحدة. فإذا تكرار السفر فقد يكون في الطائرة أو في غيرها
…
، بخلاف قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، فإن الجواب وهو: الأمر بغسل الوجوه والأيدي وغيرها مما يحتمه الوضوء يقتضي التكرار كل مرة، لدليل شرعي آخر؛ يوجب الوضوء قبل كل صلاة على من ليس متوضئا.
6-
جزم فعلها لفظا إن كان مضارعا، ومحلا إن كان ماضيا1؛ بشرط ألا تقترن به في الصورتين "الفاء" أو "إذا" الفجائية -وهما لمجرد الربط طبقا، لما سيأتي-2 كقول الشاعر يصف الحساد:
إن يعلموا الخير يخفوه، وإن علموا
…
شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا3
فالمضارع: "يخفوا" مجزوم بحذف النون وواو الجماعة فاعل والماضي: "أذاع" مبني على الضم لمناسبة الواو في محل جزم. ومثله الماضي: "كذب" ولا محل
1 انظر رقم 2 من "ج" ص468 ولهذا إشارة سبقت في ص422.
2 في هذه الصفحة، والتي تليها.
3 تقدم هذا البيت لمناسبة أخرى في ص424.
للجملة الفعلية الماضوية فيما سبق؛ لأن الجازم قد عمل في محل الفعل الماضي؛ فلا يؤثر بعد هذا في محل الجملة1 المشتملة على هذا الفعل.
فإن كان الجواب مقترنا "بالفاء الرابطة، أو "إذا" الفجائية التي تحل محلها -أحيانا- فإن الجازم يؤثر في مجموع الجملة، لا في الفعل وحده، ولا في غيره من أجزائهاز فتأثيره مسلط عليها كلها مجتمعة متماسكة الأجزاء -ومن بين أجزائها: الفاء، وإذا الفجائية- فتصير الجملة كلها في محل جزم بأداة الشرط2. ويظهر أثر هذا الإعراب المحلي في توابعها -كما سلف وكما سيجيء هنا. ولا يصح جزم الفعل.
7-
جواز اقترانه -لداع بلاغي- بكلمة: "إذا" الجوابية؛ لتفيده توكيدا وتقوية، بشرط أن تكون أداة الجزم، هي:"إن"؛ نحو: إن تنصر أهل البغي إذا يصبك بغيهم3.
1 ولهذا لا يصح جزمها.
2 قالوا: لأنه لو وقع في هذا الموقع فعل يقبل الجزم لجزم وعلى هذا لا يتسلط الجازم على جزء من أجزاء الجملة دون بقية أجزائها؛ كذا في المغني والكشاف. لكن قال الدماميني وأقره الشمني: "الحق أن جملة الجواب لا حل لها مطلقا، إذ كل جملة لا تقع موقع المفرد لا محل لها. ولا يقال إنها واقعة هنا موقع المفرد -وهو الفعل القابل للجزم- لأنها لم تقع موقعه وحده؛ بل موقعه منع فاعله الذي يتم به الكلام كما يتم بهذه الجملة
…
" فعلى الرأي الأول: لو كان اسم الشرط مبتدأ لكانت جملة الجواب في نحو: "من يقم فإني أكرمه" في محل جزم ورفع باعتبارين؛ هما الشرطية والخبرية؛ بناء على أن الجواب هو الخبر أيضا، وعلى الثاني في محل رفع على الخبرية فقط؛ كحالها في نحو: من يقم أكرمه اتفاقا؛ لظهور أثر أداة الشرط في المضارع الثاني.
"راجع الخضري أول الباب" ثم الصبان أيضا عند الكلام على ما يجزم فعلين:
ولا يخلو هذان الرأيان من غموض واضطراب، ونوع معارضة للحكم الذي قرره وحققوه خاصا باجتماع المبتدأ والشرط -وقد سبق في رقم 4 من هامش ص438 وانظر رقم 1 من هامش ص446 وهامش ص475 فابتعاد عن هذا كله، وفرارا من اللبس يحسن الاقتصار على الرأي الثاني عند اقتران الجواب "بالفاء" أو "إذا"، والاستثناء عن الخبر لوجود الجواب الذي يدل عليه.
3 سبق إيضاح هذا في ص315، ومنه يفهم جواز دخول "اللام" على جواب "لو، وإن" الشرطيتين -وفائدة هذه اللام موضحة تفصيلا في ص98 -وهامشها- وقد ورد اقتران جواب "إن" باللام في كلام يحتج به؛ هو قول الشاعر ابن عنمة من شعراء الأصمعيات -كما سيجيء في ص463 قال:
فإن يجزع عليه بنو أبيه
…
لقد خدعوا، وفاتهموا قليل
كما اقترن جوابها باللام في خطبة لأبي بكر رضي الله عنه وردت في الجزء الأول من كتاب =
8-
وجوب اقتران الجواب -في غير الضرورة-1 "بالفاء"، أو "إذا" الفجائية التي تخلفها في بعض المواضع الآيتة2، إذا كان الجواب نوعا من الأنواع التي لا تصلح فعل شرط. وهذه "الفاء" زائدة للربط المحض الدال على
= زهر الآداب، للحصري ص10 جاء فيها: "يا معشر الأنصار إن شئتم أن تقولوا إنا آويناكم في ظلالنا، وشاطرناكم في أموالنا، ونصرناكم بأنفسنا لقلتم
…
" "إن" في المثالين بمعنى "لو" وقد جاء في كتاب: "شفاء الغليل" للخفاجي ص176 مادة "لو" ما نصه:
"إدخال اللام في جواب "لو" ظاهر. وأما جواب "إن" فقيل إنه من خطأ المصنفين. وليس كذلك لأنها تخرج على أنها جواب "لو" مقدرة، والتقدير في قولهم: "وإلا لكان كذا
…
" "فلو كان كذا لكان كذا" ترقيا من مرتبة الشك إلى الجزم". ا. هـ.
ونرى أن هذا التعليل مرفوض؛ لعدم توضيحه طريقة "التقدير" ومكانه، والضابط الذي يحدده، ولأن الأخذ به وحده يفتح باب الفساد والفوضى في اللغة. وكان عليه أن يستدل بأمثلة مسموعة تؤيده؛ ولم نره ولا غيره عرض أمثلة من فصيح الكلام تؤيد ذلك الأسلوب إلا ما نلقناه -وفيه الكفاية.
ورأيي أن ذلك الأسلوب صحيح مع قلته، ولكن الأفضل الاكتفاء بالأكثر -انظر ما يتصل بهذا في رقم 9 ص463.
بقي شيء آخر؛ ما نوع اللام في قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أهي اللام الداخلة على جواب قسم محذوف؛ كما يصرح بهذا بعض المفسرين مجاراة للشائع بين النحاة؟
إن صح هذا الرأي كان قائما على أساس من الحذف والتقدير، والتأويل، وكان مساويا في قوته اللغوية للرأي الآخر الذي يجيز دخول اللام في جواب "إن الشرطية" أحيانا، بل إن هذا الرأي أقوى؛ لابتعاده عن التأويل في القرآن من غير داع: لكن كثرة النحاة ترتضي أنها اللام الداخلة على جواب القسم، مستندين في هذا إلى حكم خاص من أحكام "إن الشرطية"، هو: أنها إذا وقع بعدها فعل الشرط مضارعا مجزوما بها كان من المستقبح مجيء لام اليمين في جوابها؛ فلا يستحسن أن يقال؛ إن تزرني لأكرمنك؛ لأن اللام تمنع "إن" من العمل مع أنه ظهر عملها في فعل الشرط.
فإن كان فعل شرطها ماضيا ويدخل في هذا المضارع المسبوق بلم فإن عملها الجزم فيه لا يكون ظاهرا؛ فيجوز دخول لام اليمين في جوابها فيصح من غير قبح أن يقال: إن زرتني لأكرمنك. ومن الأمثلة لهذا قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . ومن الأمثلة لرفع الجواب بعد فعل الشرط الماضي قول شاعرهم:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة
…
يقوم إلا غائب مالي ولا حرم
وسيجيء هذا البيت للمناسبة في ص474، ومن الأمثلة ترك لام اليمين بعد المضارع المجزوم بها فعلا للشرط قوله تعالى:{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} -راجع كتاب سيبويه ج1 ص436.
1 انظر البيان في "ب" من ص465.
2 هو النوع السابع الآتي في ص462. وانظر معنى "إذا" في رقم 2 من هامش ص462.
التعليل؛ وليست للعطف ولا لغيره1، ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة ومجرد الربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط، كي لا تكون إحداهما مستقبلة بمعناها عن الأخرى بعد زوال الجزم الذي كان يربط بينهما. وتعرب "الفاء" و"إذا" الفجائية مع الجملة التي بعدهما في محل جزم جوابا للشرط، ولا يصح في الجملة الفعلية بعدهما أن يكون الفعل وحده هو الجواب، ولا أن يجزم -كما تقدم- وأشهر هذه الأنواع التي لا تصلح فعل شرط ما يأتي2:
الأول: الجملة الطلبية. وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء -ولو بصيغة الخبر- والاستفهام، وغيره من بقية أنواع الطلب التي سبقت3. فمثال الأمر قولهم: إذا غضبت فاسكت لتأمن زلل اللسانز وقول الشاعر:
إن ملكت النفوس فابغ رضاها
…
فلها ثورة، وفيها مضاء
ومثال النهي: من يستشرك فلا تكتم4 عنه صادق المشورة، ومن يستنصحك فلا تحجب4 عنه خالص النصح5..
ومثال الدعاء: رب: إن أدعك لما يرضيك فاستجب، وإن أتجه لما يغضبك فلترشدني للسداد. رب، إن هفوت فلا تحرمني المغفرة، وإن ضللت فلا تتركني ضالا
…
ونحو: إن يمت المجاهد فيرحمه الله،
…
6.
1 راجع الهمع والصبان، فليست "فاء السببية الجوابية" التي ينصب بعدها المضارع "بأن" المضمرة وجوبا. وليست نوعا آخر غير الزائدة المحضة.
2 سبعة، وستذكر أنواع أخرى في "ج" من الزيادة والتفصيل ص467.
ومنها المضارع المنفي بالحرف: "لا" أحيانا.
3 في ص365.
4، 4 المضارع مجزوم "بلا" الناهية، وليس جوابا مجزوما؛ لأن الجواب هو الجملة المضارعية كلها. أما المضارع المسبوق بلا النافية فيجيء حكمه في ص467 -كما سبق.
5 وقد اجتمع الأمر والنهي في قول بعض العرب: "إذا بلغت أن غنيا افتقر فصدق، وإذا بلغك أن فقيرا اغتنى فصدق، وإذا بلغك أن حيا مات فصدق. وإذا بلغك أن أحمق اكتسب عقلا ونطق حكمة فلا تصدق".
6 المضارع هنا للدعاء، فهل يصح مجيء الماضي هنا للدعاء؟ الجواب في رقم 2 ص468. ومن الأمثلة قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
ومثال الاستفهام قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} 1، ومثل: من تسنح له الفرصة فهل يتركها تفر؟ ومن تلوح له الآمال أفيقعد عن السعي وراءها؟
ومن الواجب أن تتقدم الفاء على أداة الاستفهام إن كانت الأداة غير الهمزة: "مثل: هل، أين، متى
…
" فإن كانت الأداة هي الهمزة وجب تقديمها على الفاء، وقد سبقت الأمثلة.
ومثال التمني: العافية أغلى ما في الحياة، إن وهبها الله لإنسان فليته يرعى حقها. ومثل: الربيع شباب الزمان وجماله، إن يقبل فليت الناس يغتنمون إقباله، ويسارعون إلى التمتع بمباهجة ومفاتنه
…
وهكذا بقية أنواع الطلب..
الثاني: الجملة الفعلية التي فعلها جامد؛ نحو: من يطلق لسانه بذم الناس فليس له واق من ألسنتهم. وقول الشاعر:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه
…
فليس عن شيء سواه بخزان
الثالث: الجملة الفعلية المصدرة بالحرف: "قد"2؛ نحو: من يحكم أمره فقد ضمن إصابة الهدف. ومن أساء الوسيلة فقد ضل السبيل إلى الغاية. وقول الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسن مرة
…
إلي فقد عادت لهن ذنوب
الرابع: الجملة الفعلية المصدرة بأحد حرفي التنفيس "وهما: السين، وسوف" نحو: من يحسن فسيجزى على الإحسان إحسانا. ومن يسيء فسيلقى على الإسارة شرا وخسرانا. ونحو:
إن يعدل الحاكم فسوف تستقيم له الأمور، وإن يظلم فسوف تنهار دعائم حكمه، وتدوم بعدها حسراته وآلامه.
الخامس: الجملة المصدرة بأحد أحرف النفي الثلاثة، وهي:
1 {فَلا غَالِبَ لَكُمْ} جاءت الفاء هنا لأن الجواب جملة اسمية وجاءت بعد ذلك في جواب الاستفهام.
2 انظر السبب في رقم 8 من ص447.
"ما، لن، إن"1؛ نحو: من يقصر فيما ينتظر حسن الجزاء2، ونحو قوله تعالى:{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، ونحو: من يستسلم للغضب فإن يلومن إلا نفسه على ما يصيبه. أي: فلا يلومن إلا نفسه1
…
فإن كانت أداة الشرط هي: "إذا" والنافي هو: "إن" جاز مجيء الفاء وعدم مجيئها. ومن الثاني قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} . أي: ما يتخذونك3
…
السادس: الجملة المبدوءة بكلمة لها الصدارة؛ "مثل: رب، كأن4، أداوت الشرط، أداة القسم عند كثير من النحاة"
…
نحو:
إن كان عادكمو عيد فرب فتى
…
بالشوق قد عاده من ذكركم حزن
ونحو قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} ، وقولهم: من يأكل مال اليتيم فكأنه يأكل نارا. ومثل قوله تعالى يخاطب الرسول في أمر المعارضين: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} ، ومثل: متى تعتمد أمة على أسباب القوة فوالله يخافها أعداؤها.
1 و1 انظر ما تصل بهذا رقم 1 من "ج" في الزيادة الآية والتفصيل "ص467". فقد جعل بعض النحاة "لا" و"لم" النافيتين مثل "إن" النافية. ولكنه جعل اقتران الفاء بهما جائزا، لا واجبا. أما مع "إن" فواجب.
"انظر ص467".
وإذا كانت "لا" نافية للجنس أو الواحدة وجب اقترانها بالفاء لأنها من الحروف الناسخة التي لها الصدارة؛ إذ لا تدخل إلا على جملة اسمية. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} .
2 قول الشاعر:
فإن كنت قد فارقت نجدا وأهله
…
فما عهد نجد عندنا بذميم
3 فإن كان حرف النفي هو "ما" وجب اقترانه بالفاء -كما سبق- كقول الشاعر:
إذا كانت النعمى تكدر بالأذى
…
فما هي إلا محنة وعذاب
4 أو إحدى أخواتها من الحروف الناسخة، ما عدا "أن" مفتوحة الهمزة التي معناها:"التوكيد" فليس لها الصدارة.
السابع: الجملة الاسمية كقول الشاعر:
إن يحسدوك على فضل خصصت به
…
فكل منفرد بالفضل محسود
وقول الآخر:
ومن كان منحل العزائم تابعا
…
هواه فإن الرشد منه بعيد
...............................1
…
................................
وقد تغني "إذا" الفجائية2 عن الفاء في الدخول على الجملة الاسمية بشرطين؛ أحدهما: متفق عليه، وهو أن تكون الجملة اسمية غير دالة على طلب، ولا مسبوقة بنفين ولا بناسخ؛ ومن الأمثلة:
"إن يحسدوك إذا كل منفرد بالفضل محسود
…
" بخلاف: إن يطع الولد أبويه فويح له3، وإن يعصهما فويل له3. أو: إن يعصهما فما له حظ من التوفيق، أو: إن يعصهما فإن خسرانه مبين. فالفاء واجبة في هذه الأمثلة وأشباهها. ولا يصح: "إذا".
والآخر: غير متفق عليه، وهو أن تكون أداة الشرط "عن" دون غيرها من أخواتها الشرطية. فكثرة النحاة تشترطها. نحو: إن تخلص إذا الإخلاص
1 إذا كانت الجملة الاسمية الجوابية مصدرة بحرف ناسخ: "مثل: إن، ما، لا" وجب دخول الفاء على الحرف الناسخ وحده؛ كما في هذا البيت" وكما في قول الشاعر:
إذا لم تكن نفس ابن آدم حرة
…
تحن إلى العليا فلا خير في النفس
ومن الجملة الاسمية كذلك الجزء الأخير من الآية الكريمة: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: فالإساءة لها. وقد اجتمعت الجملتان؛ الاسمية، والمصدرة بما النافية في قول الشاعر:
فإن أرحل فمعروف جهادي
…
وإن أقعد فما بي من خمول
2 معناها الدلالة على المفاجأة في الحال، ولا بد أن يسبقها كلام. وبالرغم من أنها للمفاجأة في الحال -لا تخلوه هنا- بعد أداة الشرط من دلالة تعقيب لجواب الشرط بعد فعل الشرط. والأحسن اعتبارها في كل الأساليب حرفا "وقد سبق الكلام عليها في ج1 ص492 م52 وفي الجزء الثاني باب الظرف"
…
وهل يصح أن تجتمع هي والفاء معا؟ الجواب في ص465.
3، 3 الدعاء نوع من الطلب -كما عرفنا في ص365 ثم 368 حيث البيان.
ينفعك. وقلة النحاة لا تشترطها بعينها، وإنما تعجل مثلها "إذا" الشرطية؛ مستدلين بقوله تعالى في المطر:{فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 1
…
والأحسن الأخذ برأي القلة؛ إذ تؤيدها الشواهد، ولا سيما بعض الآيات القرآنية، ولا داعي للتأويل.
هذا وقد اجتمع في البيت الآتي أكثر الأمور السابقة التي لا يصح فيها الجواب أن يكون شرطا، ويجب في كل منها اقتران الجواب بالفاء، أو بما قد يخلفها -والبيت هو:
اسمية، طلبية، وبجامد
…
وبما، وقد، وبلن، وبالتنفيس
...................................2
…
....................................
9-
ورد في المسموع القليل اقتران جواب "إن الشرطية" باللام، على اعتبار "إن الشرطية" بمنزلة "لو"3.... ومنه قول الشاعر4:
فإن يجزع عليه بنو أبيه
…
لقد خدعوا. وفاتهمو قليل
…
وقول أبي بكر رضي الله عنه في خطبة له5: "يا معشر الأنصار إن شئتم أن
1 وقوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .
2 لم يشمل البيت حالات النوع السادس التي سلفت في ص461، ولا حالات تأتي في "ج" ص467، وفي اقتران الجواب بالفاء أو بإذا الفجائية التي تخلفها في بعض الحالات يقول ابن مالك:"وسنذكر البيتين في ص476 لمناسبة أخرى هناك".
واقرن "بفا" حتما جوابا لو جعل
…
شرطا "لإن" أو غيرها لم ينجعل
وتخلف "الفاء""إذا" المفاجأة
…
كإن تجد إذا لنا مكافأة
"بفا، أي: بفاء -بالفاء" يريد: اقرن بالفاء حتما كل جواب لو جعلته فعل شرط للأداة "إن" أو لغيرها من أخواتها- لم ينجعل. أي: لم يصلح فعلا للشرط؛ لعدم انطباق الشروط عليه، ثم قال: إن هذه "الفاء" قد تختفي ويحل محلها "إذا" وساق لها مثلا، ولم يتعرض للتفصيلات والشروط المختلفة.
3 راجع البيان الخاص بهذا في رقم 3 من هامش ص457. ولا سيما ما يتصل بنوع اللام.
4 هو عبد الله بن عتمة، من الشعراء الذي يحتج بكلامهم -وله إشارة في هامش ص457- والبيت منقول من الأصمعية الثامنة.
5 الخطبة كاملة في الجزء الأول من كتاب "زهر الآداب" للحصري، ص10.
تقولوا إنا آويناكم في ظلالنا، وشاطرناكم في أموالنا، ونصرناكم بأنفسنا لقلتم"1. وتفصيل الكلام على هذين المثالين وحكم نظائرهما من كلام المحديثين موضح فيما سبق.
وقد يقترن جواب "إن" و "لو" الشرطيتين بكلمة: "إذا، الجوابية" طبقا للبيان الذي سلف2.
إلى هنا انتهت الأحكام الخاصة بالجملة الجوابية، وستجيء3 أحكام عامة تتصل بها وبالجملة الشرطية.
1 سبق تفصيل هذا الحكم لمناسبة أخرى في رقم 3 من هامش ص457.
2 في ص315 وفي رقم 7 من ص457.
3 في ص471.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- أيجوز الجمع بين "الفاء وإذا" السالفتين؟ صرح أكثر النحاة بأنه لا يجوز، وتألوا قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فقالوا إن "إذا" لمجرد التأكيد هنا، وليست للربط، والممنوع أن تكون للربط عوضا عن الفاء، إذ لا يصح الجمع بين العوض والمعوض عنه. وهذا تأويل بادي الضعف عندي؛ لأن المهم الذي يراد معرفته هو الجمع بين هذين الحرفين أحيانا؛ أصحيح هو -على قلته- سائغ الاستعمالن أم غير صحيح وغير سائغ؟ والقرآن قد جمع بينهما؛ فلم يبق مجال لمنع الجمع، وإن كان قليلا نسبيا. أما التعليل بالتأكيد أو بالربط فأمر لا أهمية له بعد الحكم بصحة الاستعمال؛ محاكاة للقرآن الكريم؛ إذ لا شك أن محاكاته جائزة بالصورة والمعنى الواردين به؛ وإن كان أحد الاستعمالين أكثر فيه من الآخر، بل هي اختيار موفق لأسمى الأساليب التي تحاكي.
على أنه قد جاء في تفسير النسفي النص الصريح على أن "الفاء" قد اجتمعت هنا مع "إذا لتأكيد الربط.
ب- هل يصح -أحيانا- الاستغناء عن هذه الفاء الرابطة، وعما يخلفها بعد حذفها؛ هو:"إذا، الفجائية"؟
أجابوا: لا يصح الاستغناء إلا في الضرورة الشعرية؛ كقول القائل:
من يفعل الحسنات الله يشكرها1
…
والشر بالشر عند الناس مثلا
وقول الآخر:
ومن لم يزل ينقاد للغي والصبا
…
سيلفى على طول السلامة نادما
1 ولا يصح في هذا البيت اعتبار "من" موصولة مبتدأ، والجملة الاسمية خبرها؛ لم يترتب على هذا من خلو الجملة الخبرية من رباط يربطها بالمبتدأ.
.........................................................................................................1
ومن النادر الذي لا يقاس عليه عندهم قوله عليه السلام في حديث اللقطة2، ".... فإن جاء صاحبها، وإلا استمتع بها
…
" ويؤولون قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} على تقدير "قسم" قبل الشرط؛ فيكون الجواب للسابق وهو القسم المقدر3؛ والأصل عندهم: ولئن أطعتموهم إنكم لمشركون. فجملة؛ "إنكم لمشركون"، جواب للقسم لا للشرط، ولم تذكر لام القسم مع أن القسم نفسه محذوف- " والأصل والله إن أطعتموهم
…
" لأن ذكر اللام بعد حذفه ليس واجبا، وإنما هو أقوى وأكثر. وبهذا التأويل يقولون في آيات أخرى تشبه الآية السالفة في رأيهم، مع أنها تخالفها يفي شيء هام، ومن هذه الآيات قوله تعالى في المشركين:{وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، ووجه المخالفة هو أن المضارع مؤكد هنا بالنون؛ فالقسم محتم ليسوغ التأكيد بها4.
وقال آخرون: إن الفاء ليست محذوفة في الآيات السالفة -وما يشبهها- وإنما هي مقدرة ملحوظة؛ فكأنما مذكورة. ولكن كثرة النحاة لا ترتضى هذا الرأي5، مع
_________
1 وكقول زهير في معلقته:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
…
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
2 سبق معناها في رقم 7 من هامش ص448 لمناسبة أخرى.
3 أما جواب الشرط فمحذوف يدل عليه جواب القسم "ولهذا صلة بما يجيء في رقم 2 من هامش ص486".
4 انظر ما يتصل بهذا الحكم اتصالا وثيقا في رقم 3 من هامش ص457.
5 جريا وراء الرأي الذي اختاره الرضي وآخرون. فقد جاء في شرحه للكافية -ج2 ص394- ما نصه: "قال بعضهم: إن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} جواب الشرط، والفاء مقدرة. ولم يقدر قسما. وهو ضعيف؛ لأن ذلك إنما يكون لضرورة الشعر، كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
…
والشر بالشر عند الناس مثلا"
ا. هـ.
ومثله أبو حيان في كتابه البحر "ج4 ص213" حيث يقول: "زعم الحوفي أن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} على حذف الفاء، أي: فإنكم، وهذا الحذف من الضرائر -أي: الضرورات- فلا يكون في القرآن وإنما الجواب محذوف. و {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} جواب قسم حذوف، والتقدير: والله إن أطعتموهم
…
". ا. هـ. والخلاف بين الرأيين شكلي -كما سيجيء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن الخلاف شكلي محض. إذ مؤداه في الرأيين التأويل بالحذف، وإن اختلفا في نوع المحذوف. والتمحل ظاهر في تأويل الآية الأولى، وفي الحكم على الحديث بالندرة، لوجود شواهد أخرى فصيحة نثرية -لا تخضع للضرورة- وغير نثرية. فالأفضل أن يقال: إن الأعم الأغلب هو عدم حذف "الفاء" و "إذا" التي قد تنوب عنها، وأنه يصح -مع القلة النسبية، لا الذاتية- الاستغناء عنهما منفردين ومجتمعين، إن كانت أداة الشرط هي:"إن"1
…
ويقول أبو حيان وفريق من النحاة إن "إذا" الشرطية قد تنفرد بخلو جوابها منهما إذا كان الجواب منفيا بإن، أو: ما، أو: لا. وجعل منه قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} -كما سبقت الإشارة لهذا2.
ج- هل يصح أن يقترن الجواب بالفاء في غير تلك المواضع التي لا يصلح فيها أن يكون فعل شرط؟
أجابوا:
1-
إن كان فعل الجواب مضارعا يصلح فعلا للشرط جاز: إما تجرده من "الفاء" مع وجوب جزمه، وإما اقترانه "بالفاء"3؛ بشرط أن يكون مثبتا أو منفيا ب"لا"، قيل: أو "لم" أيضا، "ففي "لم" خلاف"، ومتى اقترنت "الفاء" به وجب رفعه على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجملة الاسمية جواب الشرط. ولا يصح أن يكون المضارع المرفوع وحده هو الجواب: إذ لو كان الواب لوجب جزمه، والحكم بزيادة الفاء زيادة مطلقة، يراعى فيها تقدير سقوطها. لكن العرب التزمت رفعه معها؛ فدل هذا على أصالة الفاء، وأنها داخلة على مبتدأ مقدر، وليست زائدة للربط. ومن أمثلته قوله تعالى:{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} ، أي: فهو لا يخاف..
1 لأن أكثر الأمثلة المسموعة الخالية منها كانت أداة الشرط فيه هي: "إن".
2 في النوع الخامس -ص460.
3 انظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من هامش ص461.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن لم يوجد في الكلام ما يعود عليه المبتدأ الضمير كان الضمير للشأن أو للقصة، كقراءة من قرأ قوله تعالى في حكمة شهادة المرأتين:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} بكسر همزة: "إن" ورفع المضارع: "تذكر". والتقدير: فهي -أي: القصة- تذكر، ونحو: إن قام المسافر فيتبعه صديقه. أي: فهو -الحال والشأن- يتبعه صديقه "وفي هذه القراءة نوع تكلف لا داعي له".
ومن أمثلة عدم اقترانه "بالفاء" مع نفيه بالحرف "لا" ووجوب جزمه باعتبار هذا المضارع وحده جوابا للشرط مباشرة - قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فالمضارع: "تحصوا" هو جواب الشرط مجزوم بحذف النون.
2-
إن كان فعل الجواب ماضيا متصرفا، مجردا من "قد" و"ما"
…
وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء -طبقا لما تقدم- فله ثلاثة أضرب: فإن كان ماضيا لفظا ومعنى فالواجب اقترانه بالفاء على تقدير: "قد" قبله إن لم تكن ظاهرة؛ لتقربه من الحال القريب من الاستقبال؛ كقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} 1 أي فقد صدقت.
وإن كان ماضيا في لفظه مستقبلا في معناه، غير مقصود به وعد أو وعيد -امتنع اقترانه بالفاء: نحو إن قام المسافر قام زميله.
وإن قصد بالماضي الذي معناه المستقبل، وعد أو وعيد، جاز اقترانه بالفاء على تقدير:"قد"؛ إجراء له مجرى الماضي لفظا ومعنى للمبالغة في تحقق وقوعه، وأنه بمنزلة ما وقع. ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ} وجاز عدم اقترانه مراعاة للواقع وأنه مستقبل في حقيقته وليس ماضيا. ويندرج تحت الوعد والوعيد ما كان غير صريح في أحدهما ولكنه ملحوظ في الكلام، مراد
1 المضي حقيقي هنا. وقد يقال إنه مؤول بمثل التأويل الذي جرى على آية أخرى سبقت "في رقم 3 من ص444" وهي قوله تعلى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} . إذ المراد فيهما: إن يثبت في المستقبل أني قلته فقد علمته، وإن يثبت في المستقبل أن قيمصه قُد.
ومثل هذا التأويل حسن إن استقام عليه المعنى؛ فيجدر الاقتصار عليه في هذه الصورة المعينة ومنع إباحته إن لم يستقم عليه المعنى، وبهذا التقييد تمتنع الصور الأخرى الخالية من "قد" لفظا، والتي قد يقع في الوهم الخاطئ والاعتبار الفاسد واشتمالها على "قد" تقديرا مع أنها مفقودة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منه؛ فيدخل الدعاء بنوعيه "الخير والشر" فمن الدعاء بالخير قول الشاعر:
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة
…
حيث اتجهت، وديمة مدرار
ومن الدعاء بالشر
…
قول جميل يخاطب غرب البين، داعيا عليه:
فإن كان حقا ما تقول فأصبحت
…
همومك شتى، والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهمو
…
كما قد تراني بالحبيب أدور
ويدخل التخويف وبيان العواقب؛ كالذي في قول النابغة الجعدي:
الحمد لله لا شريك له
…
من لم يقلها فنفسه ظلما
أي: فظلم نفسه.
د- قد ينزل بعض الظروف منزلة الشرط فيكون مضافا لجملة بعده مباشرة، ومنصوبا لعامل في الكلام المتأخر عنها، المترتب عليها؛ كأنه جواب لها، معلق عليها؛ كتعليق الجملة الجوابية على الشرطية، ومن الأمثلة لذلك قوله تعالى في موقف الكفار من القرآن الكريم:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، وقد سبق1 تفصيل هذه المسألة، وبيان صورها المختلفة.
هـ- بمناسبة الكلام على جواب الشرط وجزمه نذكر ما يجيزه الكوفيون من جواز جزم المضارع الواقع -مباشرة- في جملة بعد جملة الصلة2، أو في جملة بعد الجملة الواقعة صفة لنكرة3، بشرط أن تكون الجملة المشتملة على المضارع المراد جزمه بمنزلة الجواب والجزاء لجملة الصلة، أو الصفة. ففي مثل: الذي يكرمني أكرمه -وكل رجل يقول الحق أحترمه- يجيزون جزم المضارعين: "أكرم"؛
1 في الجزء الثاني، باب الظرف، م79 "و" من ص257 وفي رقم 4 من هامش ص268 ثم في باب الاستثناء "ج2 م83 هامش ص331 عند شرح بيت ابن مالك:
"وحيث جرا فهما حرفان
…
" وفي باب حروف الجر، م89 رقم 2 من هامش ص409".
2 لهذه بيان في ج1 م27 ص383 باب الموصول "الكلام على صلة الموصول والرابط" وهناك قصة طريفة تؤيد هذا الحكم.
3 لهذه بيان في ج3 م114 ص463 "ز" باب النعت "بالجملة وشبه الجملة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و"أحترم" لأن جملة كل منهما -على اعتبار الجملتين بمنزلة جوابين للصلة والصفة- شبيهة بجملة الجواب للأداة الشرطية؛ كلتاهما مترتبة على الجملة التي قبلها. فلا مانع عندهم من جزم المضارع هنا كجزمه هناك.
وهذا قياس مرفوض؛ فالحجة القوية هي: "السماع عن العرب". وما عرضه الكوفيون من أمثلة قليلة. غير صالح لتأييد دعواهم، فيحسن الاقتصار على المسموع القليل، دون القياس عليه، وإنما سجلنا رأيهم هنا لنعرف به ذلك الوارد المسموع دون الموافقة على محاكاته.
أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا:
1-
ما يختص بهما من ناحية نوعهما، وكيفية إعراب فعلهما:
جملة الشرط لا بد أن تكون فعلية، وفعلها وحده هو فعل الشرط -كما عرفنا؛ سواء أكانت ماضوية أم مضارعية. فلها من هذه الناحية صورتان، أما جملة الجواب فقد تكون فعلية -ماضوية1 أو مضارعية- وقد تكون اسمية بشرط اقترانها بالفاء، أو ما يخلفها، طبقات لما سبق2.
والصور السالفة كلها صحيحة، قياسية. ولكنها -مع صحتها- مختلفة الدرجة في قوة الفصاحة والسمو البلاغيح فبعضها أقوى وأسمى من الآخر؛ تبعا لنصيبه من كثرة الاستعمال الوارد في الأساليب العالية المأثورة. وقد يختلف هذا الوارد في ضبط المضارع وإعرابه.
هذا، ويلاحظ: أن الماضي في الجملتين قد يكون ماضيا لفظا ومعنى؛ بحسب أصله قبل مجيء أداة الشرط الجازمة، فإذا جاءت جعلته ماضيا لفظا، لا معنى، لأنها تجعل زمنه مستقبلا1؛ فيظل ماضيا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير فصار بسببها مستقبلا.
كما يلاحظ أن المضارع في الجملتين قد يكون مضارعا لفظا ومعنى بحسب أصله، فإذا دخلت عليه:"لم" الجازمة تركته مضارعا لفظا لا معنى؛ لأنها تجعل زمنه ماضيا؛ فيظل مضارعا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير وصار زمنا ماضيا. وإذا سبقتهما معا أداة شرط جازمة خلصت زمنه للمستقبل المحض، بالرغم من وجود:"لم" ذلك أن أداة الشرط الجازمة لا بد أن تخلص زمن الفعل في الجملة الشرطية، وفي الجملة الجوابية للمستقبل3 الحض؛ سواء أكان هذا الفعل مضارعا أصيلا، أم كان ماضيا أصيلا "أي: ماضيا لفظا ومعنى" أم ماضيا معنى فقط دون لفظ كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" فإن صورته صورة المضارع، ولكن
1 و1 مع مراعاة ما سبق في رقم 2 من ص466.
2 في ص458.
3 راجع ما سبق متصلا بها في آخر رقم 3 من هامش ص414.
زمنه ماض، بسبب "لم" فهذه الأفعال تتجرد للزمن المستقبل وحده؛ بسبب أداة الشرط الجازمة وفيما يلي ترتيب درجاتها.
الأولى: أن يكون الفعلان مضارعين أصيلين مجزومين، لفظا1 بأداة الشرط لأن أحدهما فعل الشرط، والثاني هو فعل الجواب المباشر2؛ كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} 3 وقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} .
الثانية: أن يكون الفعلان ماضيين لفظا؛ فيبنيان لفظا ويجزما محلا - أي: أن كلا منهما مبني في لفظه؛ "كالشأن في الأفعال الماضية كلها" ولكنه في محل جزم؛ لأنه فعل الشرط، أو فعل الجواب، والأصل في فعلي الشرط والجواب أن يكونا مضارعين مجزومين لفظا؛ فكذلك يجزم ما يحل محلهما. ولما كان الماضي لا يجزم لفظا وجب جزمه محلا4. ومن الأمثلة: من أسرف في الأمل، قصر في العمل، وقول الشاعر:
ومن دعا الناس إلى ذمه
…
ذموه بالحق وبالباطل
وقول الآخر:
إن اللئام إذا أذللتهم صلحوا
…
على الهوان، وإن أكرمتهم فسدوا
1 هذان إن لم تتصل بالمضارع إحدى النونين، فإن اتصلت به إحداهما كان مبنيا في محل جزم؛ -كما في ص279.
2 أي: الذي يعتبر وحده فعل الجواب مجزوما، وهو مع فاعله جملة فعلية هي جملة الجواب؛ وليست في محل جزم. بخلاف بعض الحالات الأخرى، كالتي يكون فيها المضارع مع فاعله خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره هي الجملة الجوابية، في محل جزم -كما سيجيء في هامش ص443- ففي هذه الصورة وأمثالها لا يكون هو فعل الجملة الجوابية إذ الجملة المضارعية هنا خبر لمحذوف، وليست هي الجواب، وليس المضارع فيها مجزوما.
3 أو الآية: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} .
4 لهذا الجزم المحلي آثاره في التوابع؛ كالعطف والبدل وغيرهما. فإذا عطف عليه مضارع متحد معه في الزمن وجب جزم المضارع المعطوف. وإن أبدل منه مضارع جزم أيضا، وهكذا. وإن عطف عليه ماض كان مبنيا في اللفظ، مجزوم المحل.
ويدخل1 في هذه الدرجة: الماضي معنى دون لفظ -وهو المضارع المسبوق بالحرف "لم"؛ نحو: إن لم تتأهب للأعداء لم تتغلب عليهم -من لم يهيئ للغاية وسائلها عوقب بالخيبة في إدراكها- من قصر في الوسيلة لم يفز بتحقيق الأمل وقد سبق2 الكلام على إعراب المضارع المسبوق "بلم".
الثالثة: أن يكون فعل الشرط ماضيا -ولو معنى- وفعل الجواب مضارعا أصيلا كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} . فالماضي مبني في محل جزم، والمضارع المجرد مجزوم مباشرة. ومثل؛ من لم يغتنم الفرصة يعاقب بالحرمان، ويجوز رفع المضارع، وهذا حسنن ولكن الجزم أحسن3
…
الرابعة: أن يكون فعل الشرط مضارعا أصيلا مجزوما، وفعل الجواب ماضيا -ولو معنى- وهذه الصورة أضعف الصور؛ حتى خصها بعض النحاة بالضرورة الشعرية، ولكن الصحيح أنها ليست مقصورة على الشعر، وإنما تجوز في النثر مع قلتها. ومن أمثلتها نثرا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له". وقول عائشة عن أبيها وهي تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن أبا بكر رجل أسيف4؛ متى يقم مقامك5 رق". ومن أمثلتها شعرا قول القائل يمدح ناصره:
من يكدني6 بسيئ كنت منه
…
كالشجا بين حلقه والوريد
وقول الآخر في أعدائه:
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا
…
مني، وما يسمعوا من صالح دفنوا
…
7
1 ومثل قول الشاعر:
ومن عاتب الجهال أتعب نفسه
…
ومن لام من لا يعرف اللوم أفسدا
2 في رقم 3 من هامش ص414.
3 وسيجيء هذا الحكم في الصفحة التالية وفيها أمثلة للرفع المطلوب هنا.
4 كثير الأسف والحزن والبكاء؛ خوفا من الله.
5 تريد: متى يقم مقامك في الصلاة إماما بالناس وقت تخلفك عن الإمامة.
6 كاد، يكيد، كيدا خدع ومكر.
7 وفي نوعي الفعلين يقول ابن مالك في بيت أشرنا إليه في هامش ص424 لمناسبة هنا:
وماضيين أو مضارعين
…
تلفيهما، أو متخالفين
2-
ما يختص بهما من ناحية رفع المضارع في الجواب وجزمه:
الأصل أن يكون المضارع في الجواب مجزوما. لكن يصح جزمه ورفعه إن كان فعل الشرط ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كالمضارع المجزوم بلم، فكلا الضبطين حسن، ولكن الجزم أحسن -كما أشرنا-1 وقد سبقت أمثلة الجزم. ومن أمثلة الرفع قول الشاعر يمدح:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة
…
يقول: لا غائب مالي، ولا حرم2
وقول المتغزل:
إن رأتني تميل عني كأن لم
…
يك بيني وبينها أشياء
وقولهم: من لم يتعود الصبر تودي3 به العوادي.
فإن كان فعلا الشرط والجزاء مضارعين لفظا ومعنى وجب جزمهما إلا على رأي ضعيف يجيز رفع المضارع الوقاع جوابا في النثر وفي الظلم؛ مستدلا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} برفع المضارع "يدرك"، ويقول الشاعر:
يا أقرع بن حابس يا أقرع
…
إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقول الآخر يخاطب جمله:
فقلت: تحمل فوق طوقك إنها
…
مطبعة، من يأتها لا يضيرها4
والأفضل إهمال هذا الرأي قدر الاستطاعة، منعا للخلط واللبس، ولأن ذلك الاستدلال واه؛ فرواية القراءة المذكورة موضع شك، وبقية الأمثلة قليلة، فوق أنها مقصورة على الشعر؛ ولذا قال بعض النحاة: إنه لا يصح الرفع مطلقا إلا في الضرورة الشعرية.
1 في الصفحة السالفة.
2 لا حرم "لا ممنوع" أي يقول: مالي غير ممنوع. وقد سبق هذا البيت للمناسبة عينها في هامش ص458.
3 أي: تذهب به وتهلكه.
4 يقال إن الشاعر: أراد أن يضع فوق جمله قربة أو غرارة كبيرة مملوءة طعاما، وأن يشجعه على احتمال عبثها الثقيل، فقال له هذاك "إنها مطبعة
…
أي: إن القربة أو الغرار مملوءة، من يأخذ منها شيئا فإنه لا ينقصها".
لكن كيف نعرب المضارع المرفوع في جملة الجواب كالحالتين السالفتين؟
أ- الخبر: أن نواجه الحقيقة والأمر الواقع؛ فنقول عند وقوعه مرفوعا في الشعر وليس له معمول متقدم على الأداة: إنه جواب الشرط، مرفوع للضرورة أو على لغة ضعيفة. وعند وقوعه في النثر: إنه مرفوع، محاكاة لتلك اللغة الضعيفة، ولا داعي للتأويل المرهق، والتقدير، وافتراض الحذف، أو التقديم، أو التأخير
…
، رغبة في الوصول إلى وسيلة تخرجه من نطاق جواب الشرط المرفوع بضعف، إلى نطاق شيء آخر يبيح بغير ضعف؛ وبغير أن يكون جواب شرط. وفي هذا ما فيه من التكلف الذي لا يطابق الواقع. فوق ما يوجه إليه من اعتراضات أخرى1.
1 من أمثلة التكلف والإرهاق ما يقوله سيبويه وبعض أئمة النحاة:
أ- يقول سيبويه: إن المضارع المرفوع بعد فعل الشرط الماضي -مثل: إن رأتني تميل عني
…
، ليس هو جواب الشرط، وإنما هو دليل على الجواب، وتسميته بالجواب: تساهل، أو مجاز لدلالته على الجواب. والجواب الحقيقي محذوف، وهذا المضارع المرفوع قد تأخر مع فاعله عن موضعهما الأصلي الذي يسبق أداة الشرط. والأصل عنده: تميل عني إن رأتني تمل. فالجواب محذوف دل عليه جهلة: "تميل عني". وهذه الجملة المتقدمة على أداة الشرط قد تركت موضعها وجاءت متأخرة عن الجملة الشرطية؛ ففي الكلام أمران؛ حذف الجواب، وتأخير ما يدل عليه. وعلى هذا لا يجوز جزم ما عطف على هذا المضارع، ويجوز أن يفسر ناصبا للاسم الذي قد يكون قبل الأداة؛ مثل: محمدا إن جاء أرمه وأرعاه.
وقال الكوفيون والمبرد: إن المضارع وما يتصل به هو الجواب، ولكن على تقدير "الفاء" التي تدخل على الجواب أحيانا؛ فتقوم في إفادة الربط بين جملتي الشرط والجواب مقام جزم الفعل، ولا يجزم معها الفعل؛ استغناء بها في الربط عن الجزم -كما سبق في ص458- ويعرب هذا المضارع المرفوع مع فاعله خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره هي جواب الشرط في محل جزم. ويجب عندهم رفع المضارع في هذه الصورة؛ لأن المضارع الواقع في حيز "فاء" الربط على الصورة السالفة واجب الرفع بالرغم من أن الفاء هنا مقدرة سواء أكان فعل الشرط ماضيا، نحو قوله تعالى:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} أم مضارعا كقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} . ففي الكلام عندهم حذف الفاء وتقدير وجودها، وحذف المبتدأ، وتكوين جملة منه ومن خبره تعرب جواب الشرط، وجملة الجواب في محل جزم، فيجوز العطف عليها بالجزم، ولا يصح أن يكون لها معمول مقدم ولا أن تفسر عاملا. وهذا الرأي -برغم ما فيه- أقرب من رأي سيبويه إلى القبول.
وهناك رأي ثالث قد يكون أقربها إلى السداد -برغم ما فيه أيضا- وملخصه: أن المضارع مرفوع لا لسبب مما ذكر، ولكن لأن أداة الشرط لم يظهر لها تأثير في لفظه؛ لأنها عجزت عن التأثير في لفظ فعل الشرط الماضي فضعفت عن الوصول إلى المضارع لتؤثر في لفظه أيضا!! وهذا التعليل واضح الفساد. فما السبب في عجزها هنا وعدم عجزها حين تجزم المضارع مع فعل الشرط الماضي، مع أن فعل الشرط ماض =
ب- فإن كان له معمول متقدم على الأداة فأكثر النحاة يميل إلى رفع المضارع، وفي هذه بالصورة يكون المضارع دليل الجواب وليس جواب حقيقيا؛ نحو طعامنا إن تزرنا تأكل، فطعام -بالنصب- مفعول مقدم للمضارع:"تأكل" الذي يعتبر دليل الجواب المحذوف، ولا يصح أن يكون جوابا حقيقيا، لأن الجواب الحقيقي لا يتقدم هو ولا شيء من معمولاته على الجملة الشرطة، ولا على الأداة كما سلف1.
أما لو جعلنا كلمة "طعام" مرفوعة على اعتبارها مبتدأ فالأحسن الأخذ بالرأي الأقوى الذي استخلصناه من عدة آراء، وشرحناه
…
2..
= في الحالتين؟ ومن ثم يظهر فساد التعليل؛ -برغم ما سجله من أن الأداة عجزت عن التأثير في لفظ المضارع. وهذا نوافقه عليه- وهو فوق ذلك مقصور على إحدى الحالتين. فلا يشتمل على الآتية:
ب- ويقول سيبويه: فإن كان المضارع مرفوعا بعد فعل الشرط المضارع فإن تقدم على أداة الشرط عامل يطلب المضارع المتأخر المرفوع فالأفضل اعتبار هذا المضارع المتأخر منقولا من مكان سابق على أداة الشرط، وأنه ترك مكانه الأصلي وتأخر عنه إلى المكان الذي حل فيه بعد الجملة الشرطية، فهو دليل الجواب، وليس جوابا حقيقيا إلا من باب التساهل أو المجاز. ويجب عنده اعتبار هذا المضارع الذي تأخر من تقديم معمولا هو وفاعله للعامل المحتاج إليهما قبل أداة الشرط. في المثال السالف. "إنك إن يصرع أخوك تصرع". يكون المضارع "تصرع" مع فاعله خبر "إن"، وتكون هذه الجملة الفعلية قد تأخرت من مكانها الأصلي؛ كما سبق. وإن لم يوجد قبل أداة الشرط عامل يحتاج للمضارع المرفوع وجب تقدير الفاء، والمضارع بعدها مع فاعله خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره في محل جزم، جواب الشرط.
ويرى الكوفيون والمبرد ومن معهم تقدير الفاء هنا كما قدروها هناك "في "أ" ويتساوى عندهم أن يكون فعل الشرط ماضيا وأن يكون مضارعا. وهذا خير من رأي سيبويه.
1 راجع التفصيل في رقم 3 من ص449.
2 هنا وفي ص449 والتي بعدها. وفيما سبق من رفع المضارع في الجزاء يكتفي ابن مالك ببيت واحد لا إيضاح فيه ولا تفصيل -وقد تقدم في هامش ص424 لمناسبة هناك- هو:
وبعد ماض رفعك الجزا حسن
…
ورفعه بعجد مضارع وهن-6
ثم أردفه بيتين سبق شرحهما في مكانهما الأنسب من ص463، وهما:
واقرن "بفا" حتما جوابا لو جعل
…
شرطا لـ"إن" أو غيرها لم ينجعل-7
وتخلف "الفاء""إذا المفاجأة"
…
كإن تجد إذا لنا مكافأة-8
3-
ما يختص بهما من ناحية عطف مضارع على أحدهما:
أ- إذا وقع بعد جملة الجواب -ولو كانت اسمية؛ لأنها في محل جزم- مضارع مقرون بالواو أو الفاء، جاز فيه ثلاثة أوجه إعرابية؛ يختار منها المتكلم والمعرب ما يناسب السياق، ويساير معنى التركيب1.
أولها: اعتبار "الواو" و"الفاء" حرفي استئناف؛ فالجملة بعدهما استئنافية مستقلة في إعرابها عما قبلها، والمضارع فيها مرفوع - إن كان مجردا من ناصب وجازم، ومن نوني التوكيد - ومن الأمثلة قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ، برفع المضارع، "يغفر" بعد فاء الاستئناف، وقوله تعالى:{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، برفع المضارع:"يذر" بعد واو الاستئناف، وقول الشاعر يمدح:
فإن يهلك أبو قابوس2 يهلك
…
ربيع الناس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب3 عيش
…
أجب4 الظهر، ليس له سنام
برفع المضارع: "نأخذ" بعد واو الاستئناف.
ثانيها: اعتبار الفاء للسببية والواو للمعية -وهما عاطفان أيضا مع السببية والمعية- والمضارع بعدهما منصوب "بأن" مضمرة وجوبا "بالتفصيل الذي سبق إيضاحه عند الكلام على فاء السببية، واو المعية"5. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد نصب الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخذ.
1 كل وجه من هذه الثلاثة يقوم على اعتبار معنوي خاص به، يخالف الآخر، وواجب المتكلم والمعرب اختيار الوجه الإعرابي الذي يقوم على الاعتبار المناسب للسياق، ولما يقتضيه المعنى. ومن الخطأ الزعم أن هذه الأوجه الثلاثة تصلح لكل أسلوب، وتباح في كل تركيب بغير تفيد بهذا الاعتبار المعين الخاص، وإلا صارت اللغة فوضى بسبب محو القيود، أو إهمالها، وإهمال الاعتبارات التي تميز المعاني بعضها من بعض.
2 هو النعمان بن الحارث الأصغر.
3 ذنب، عقب.
4 مقطوع. يريد: لا ظهر له ولا سنام، لضعفه وهزاله. فلا خير فيه.
5 في ص352 375. وهامشهما. وقالوا في سببه: إن الذي سوغ وقوعهما للسببية والمعية هنا، دون أن يتحقق شرط إضمار "أن" بعدهما وجوبا؛ -وهو النفي المحض، والطلب المحض، وما ألحق =
ثالثها: اعتبارها حرفي عطف مجردين له -فلا يفيدان سببية ولا معية- والمضارع بعدهما مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرطح فإن كان جواب الشرط مضارعا مجزوما مباشرة، فالمضارع المعطوف مجزوم مثله، وإن كان فعل الجواب ماضيا فهو مجزوم محلا، والمضارع المعطوف مجزوم لفظا، مراعاة لمحل المعطوف عليه. وكذلك إن كان الجواب جملة اسمية أو فعلية: فإنها تكون في محل جزم، والمضارع المعطوف عليها مجزوم لفظا تبعا لمحلها. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد جزم الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخ، وكقول الشاعر:
ومن يتتبع -جاهدا- كل عثرة
…
يجدها؛ ولا يسلم له -الدهر- صاحب
والكوفيون يجعلون "ثم" كالواو في الأوجه الثلاثة السالفة1؛ فكلاهما إما للاستئناف، وإما للعطف الخالص، وإما للعطف مع المعية
…
ب- وإذا وقع المضارع المسبوق بأحد الأحرف السالفة بعد الجملة الشرطية مباشرة، متوسطا بينها وبين الجملة الجوابية، فأكثر النحاة يجيز فيها وجهين؛ يختار منهما المتكلم والمعرب ما يناسب السياق.
أحدهما: اعتبار هذه الأحرف للعطف المجرد، والمضارع بعدها مجزوم؛ لأنه معطوف بها على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا؛ كقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، ومثل؛ من يتكلم فيسرف
= بهما، مما شرحناه في مكانه- أن جواب الشرط قبلهما غير متحقق الوقوع؛ فمثله مثل النفي أو الطلب وملحقاتهما. فهم يريدون إرجاع النصب هنا إلى استيفائهما شرطهما من الوقوع بعد النفي أو الطلب تأويلا. ولكن السبب الحق هو الاستعمال العربي الذي نصب المضارع بعدهما مع عدم تحقق الشرط الأصلي. ومما تجب ملاحظته أن الأخذ بهذا الوجه وجعلهما للمعية والسببية إنما هو اختياري محض أمره للمتكلم يختاره، أو يختار غيره على حسب الاعتبار المناسب للسياق. لكن إذا اختارهما للسببية والمعية وجب نصب المضارع بأن، ووجب أن تكون مضمرة. فالاختيار جائز، ولكن النتيجة المترتبة على حتمية.
1 وفريق آخر يزيد على أحرف العطف السالفة حرف العطف: "أو"، ورأيه ضعيف كرأي الكوفيين هنا؛ لضعف الشواهد التي يحسن عدم القياس عليها.
يكن عرضه للزلل.... أو: ويسرف، أو: ثم يسرف. ومثل: من تكلم فيكثر -أو: يكثر، أو: ثم يكثر كان عرضه للزلل.. بجزم الأفعال المضارعة: "يصبر، يسرف، يكثر
…
" لأنها معطوفة، والمعطوف عليه مجزوم لفظا أو محلا؛ فهي تابعة له في الجزم فتجزم لفظا.
والآخر؛ النصب على اعتبار الفاء للسببية مع العطف، والواو للمعية مع العطف. وثم -عند الكوفيين- للعطف مع المعية، والمضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الثلاثة. ومن الأمثلة نصب الأفعال المضارعة السابقة كلها. وكذا نصب المضارعك "يخضع" في قول الشاعر:
ومن يقترب منا ويخضع نؤوه
…
فلا يخش ظلما ما أقام ولا هضما
أما الاستئناف فمنعه أكثر النحاة؛ بحجة أنه لا يصح الاستئناف قبل أن تستوفي أداة الشرط جملتيها "الشرطية والجوابية معا"؛ كي يتم المعنى المرتبط بأداة الشرط. ووضع الجملة الاستئنافية بين جملتي الشرط والجواب إنما هو إقحام لجملة أجنبية بين جملتين متلازمتين في المعنى.
ويرى المحققون: أن رفع المضارع المتوسط بين جملتي الشرط والجواب جائز بعد حرف مما سبق. وحجتهم أنه لا مانع من اعتبار تلك الجملة الأجنبية جملة استئنافية معترضة، وليست للاستئناف المحض. ورأيهم صحيح1، ولا ضرر في الأخذ به إن اقتضاه المعنى.
وعلى هذا يجوز في المضارع المسبوق بأحد أحرف العطف السابقة والذي تتوسط جملته بين جملتي الشرط والجواب -الأوجه الثلاثة؛ وهي الرفع على اعتبار الجملة استئنافية اعتراضية، والجزم بالعطف على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا، والنصب على اعتبار "الواو"، و"ثم" للعطف مع المعية، و"الفاء"
1 لأنه تطبيق على ما قرره النحاة من جواز وقوع الجملة المعترضة بين جملتي الشرط والجواب، واستدلوا بأمثلة من القرآن الكريم "راجع الجزء الثاني من المغني، باب الجمل التي لا محل لها من الإعراب وكذلك الصبان هنا، وحاشية ياسين على التصريح".
وقد يقال: لم امتنع على الاستئناف المحض، دون الخالي من صفة الاعتراض؟ أجابوا: أن الاستئناف المحض يشعر بتمام الكلام قبله، دون الاعتراض.
للعطف مع السببية، وأن المضارع منصوب بأن مضمرة. وجوبا بعد الثلاثة، وبهذا يكون حكمه واحدا بعد الأحرف السالفة، لا يختلف باختلاف وقوعه بعد الجملة الجوابية، أو توسطه بينهما وبين الجملة الشرطية1
…
"ملحوظة": إذا توسط المضارع بين جلمتي الشرط والجواب، ولم يسبقه أحد أحرف العطف السالفة أعرب "بدلا"، إن كان مجزوما، وأعربت جملته "حالا" -في الغالب- إن كان مرفوعا. فمثال الأول:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
…
تجد حطبا جزلا، ونارا تأججا
والثاني:
متى تأته تعشو2 إلى ضوء ناره
…
تجد خير نار عندها خير موقد
4-
ما يخص بهما من ناحية حذفهما معا:
يصح حذف الجملتين معا -في النثر والنظم- بشرط أن تقوم قرينة تدل عليهما. والأغلب عند حذفهما أن تكون أداة الشرط هي: "إن"، مثل قول الشاعر وهو يودع أحبابه:
نودعكم، ونودعكم قلوبا
…
لعل الله يجمنا. وإلا..
يريد: وإلا يجمعنا هلكنا، أو شقينا.. أو نحو ذلك مما يساير المعنى الناشيء من الجملتين المحذوفتين. ومثل قول الآخر في فتيات ينصحن أخرى اسمها: سلمى -برفض الزواج من رجل فقير معدم:
1 وفي المضارع المسبوق بالواو أو الفاء مع وقوعه بعد الجملة الجوابية يقول ابن مالك:
والفعل من بعد الجزا إن يقترن
…
"بالفا" أو "الواو" بتثليث قمن
"قمن، أي: جدير". والمراد بالتثليث الأوجه الثلاثة التي ذكرناها باعتباراتها المختلفة، ولم يذكر "ثم" في رأي الكوفيين. وانتقل إلى حكم هذا المضارع إذا توسط بين جملتي الشرط والجواب؛ فقال:
وجزم أن نصب لفعل إثر "فا"
…
أو "واو" إن بالجملتين اكتنفا
"إثر: بعد اكتنف: أحيط" يريد: أن المضارع المسبوق بأحد هذين الحرفين يتعين نصبه أو جزمه إن اكتنفه الجملتان، أي: أحاطت به جملتا الشرط والجواب. واقتصر على ما سبق دون بيان الشروط والأوجه والاعتبارات.
2 وجرد "الواو" دليل على أن الفعل غير مجزوم.
قالت بنات العم: يا سلمى وإنن1
…
كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن1
التقدير: يا سلمى: أتتزوجينه وإن كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن، أي: وإن كان فقيرا معدما أتزوجه..
ومن أمثلة حذفها بعد أداة غير "إن" قوله عليه السلام: "من فعل فقد أحسنن ومن لا فلا". التقدير: ومن لا يفعل فلا حسن منه. وكذا قول العرب: من يسلم عليك فسلم عليه، ومن لا فلان أي: ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه، وقول الشاعر:
فإن المنية من يخشها
…
فسوف تصادفه أينما
…
أي: أينما يذهب تصادفه2
…
أما حذف فعل الشرط وحده، أو الجملة الشرطية كلها دون الجوابية فقد سبق3. وكذلك سبق4 الكلام على حذف الجملة الجوابية وحدها.
1 و1 الأصل: "وإن"
…
زيد في آخره نون ساكنة جاءت لضرورة الشعر. وتسمى هذه النون بتنوين الضرورة، كما تسمى بالتنوين الغالي؛ إما لغلوه؛ أي: زيادته، وإما لغلوه، أي: نفاسته؛ بسبب قلته
…
2 فيما سبق من حذف جملة الشرط؛ أو جملة الجواب، أو هما معا، أو فعل الشرط وحده، اكتفى ابن مالك بالبيت الآتي:
والشرط يغني عن جواب قد علم
…
والعكس قد يأتي إن المعنى فهم
يريد: أن الجملة الشرطية قد تغني عن الجملة الجوابية، وتدل عليها عند حذفها. فلا مانع -في هذه الحالة- من حذف الجوابية. كما أن العكس قد يقع وهو حذف الجملة الشرطية لدلالة الجوابية عليها، وإغنائها عند حذفها. فالحذف في الصورتين جائز؛ بشرط القرينة الدالة، وأن يكون المعنى المراد مفهوما بعد الحذف: فلا لبس ولا اضطراب فيه.
3 في ص446 و448.
4 في ص452.