المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 168: كنايات العدد - النحو الوافي - جـ ٤

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه

- ‌مدخل

- ‌المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل

- ‌المسألة 130: أحكام تابع المنادى

- ‌المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى

- ‌المادة 133: الاستغاثة

- ‌المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

- ‌المسألة 135: الندبة

- ‌المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

- ‌المسألة 137: الترخيم

- ‌المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

- ‌المسألة 139: الاختصاص

- ‌المسألة 140: التحذير والإغراء

- ‌المسألة 141: أسماء الأفعال

- ‌المسألة 143: نونا التوكيد

- ‌المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

- ‌المسألة 145: ما لا ينصرف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 147:

- ‌المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

- ‌المدخل

- ‌المسألة 149:

- ‌المسألة 150:

- ‌المسألة 151:

- ‌المسألة 152:

- ‌المسألة 153: إعراب المضارع

- ‌مدخل

- ‌المسألة 154:

- ‌المسألة 155:

- ‌المسألة 156:

- ‌المسألة 157:

- ‌المسألة 158:

- ‌المسألة 159:

- ‌المسألة 160:

- ‌المسألة 161:

- ‌المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع

- ‌المسألة 163: العدد

- ‌مدخل

- ‌المسألة 164: تمييز العدد

- ‌المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

- ‌المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل

- ‌المسألة 168: كنايات العدد

- ‌المسألة 170: المقصور، والممدود

- ‌المسألة 172: جمع التكسير

- ‌مدخل

- ‌المسألة 173:

- ‌المسألة 174: أحكام عامة

- ‌المسألة 175: التصغير

- ‌المسألة 177: النسب

- ‌مدخل

- ‌المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

- ‌المسألة 179: أحكام عامة في النسب

- ‌المسألة: التصريف

- ‌مدخل

- ‌المسألة 181: الإعلان والإبدال

- ‌المسالة 184: الإعلال بالحذف

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة 168: كنايات العدد

‌المسألة 168: كنايات العدد

1

"كم، كأي، كذا

" وكنايات أخرى، "منها: كيت، وذيت

".

الأولى: "كم". وهي نوعان: "كم الاستفهامية"2، و"كم الخبرية"3.

أ- كم الاستفهامية: أداة استفهام يسأل بها عن معدود، مجهول الجنس والكمية معا. ذلك أن من يسمع كلمة:"كم" وحدها لا يدرك من هذه الكلمة حقيقة مدلولها "أي: جنسه؛ أهو كتاب، أم دينار، أم رجل، أم امرأة، أم معدل أم قلم

؟ " ولا يدرك أيضا كميته "أي: لا يعرف عدد أفراد تلك الحقيقة، ومقدارها الحسابي" أكتاب واحد، أم كتابان، أم أكثر؟ أدينار، أم ديناران أم دنانير؟ أرجل، أم رجلان، أم رجال؟ أهي امرأة أم امرأتان، أم أكثر؟ أمعدن أم اثنان، أم أكثر؟ أقلم أم قلمان، أم أكثر؟

فكلمة "كتم" وحدها مبهمة المدلول "المعدود" عند السامع في هاتين الناحيتين؛ ناحية جنسه، وكميته.

لكنه إذا سمع: "كم كتابا قرأت؟، أو: كم دينارا أنفقت؟، أو: "كم رجلا صافحت؟ أثلاثة أم أربعة؟ "، "كم قلما اشتريت؟ أقلمين أم ثلاثة"؟

،

1 أصل الكناية: التورية عن الشيء؛ بأن يعبر عنه بغير اسمه، لسبب بلاغي. وهذه الألفاظ سميت:"كتابات"؛ لأن كل واحدة منها يكنى بها عن معدود، أي: يرمز بها إلى معدود، ويراد منها ذلك المعدود؛ فهو مدلولها، وهي الرمز الدال عليه. فكما أن كلمة على، أو: صالح

هي الدالة، ومدلولها هو الذات المعينة المشخصة لكل، كذلك هذه الكنايات؛ هي الدالة، ومدلولها معدود، مبهم -كما سنعرف- فليس معينا ولا مشخصا كدلالات الأعلام السابقة

2 هي أداة استفهام -كما سيجيء- ولهذا تعد من أنواع الإنشاء الطلبي الذي سبق توضيحه في ج1 رقم 3 من هامش ص337، م27.

3 وتعتبر من أنواع الإنشاء غير الطلبي الذي سبق توضيحه في الموضع المشار إليه في رقم 2 وعلى الرغم من هذا الاعتبار تحتمل الصدق والكذب -كما سيجيء في ص576- وفي هذا نوع من التعارض في رأي بعض النحاة، دون بعض، طبقا للبيان الذي سرده "الصبان" عند كلامه على الفرق بين نوعي:"كم".

ص: 568

إذا سمع هذا فإن الإبهام يزول عنها في الناحيتين السالفتين، وتنكشف له حقيقة المعدود "المسؤول عنه" ومقداره الحسابي؛ بسبب الاسم الذي جاء بعد:"كم" -ويسميه النحاة: تمييزا- وبسبب ما وليه من بدل مقرون بالهمزة. وهذا معنى قلوهم:

"كم الاستفهامية" أداة مبهمة عند سامعها، لا بد لها من تمييز بعدها يزيل الإبهام عن إحدى ناحيتي المعدود، وهي "ناحية الجنس"، وقد يليه ما يزل الإبهام عن الناحية الأخرى؛ وهي ناحية "المقدار العددي". فالتمييز محتوم، أما ما يليه فليس بمحتوم.

أشهر أحكامها:

1-

أنها اسم استفهام له الصدارة في جملته دائما، إلا إن كان مجزورا بحرف جر أو بإضافة؛ نحو: بكم دينار تبرعت؟ ومرضى كم مستشفى ساعدت؟ والاستفهام بها قد يكون عن شيء مضى. أو لم يمض

2-

أنها مبنية على السكون دائما في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الإعراب1، نحو: كم نوتيا في هذه الباخرة؟ -وكم بحارا

1 وضع بعض النحاة لإعرابها ضابطا حسنا ينطبق عليها وعلى الخبرية؛ فقال ما ملخصه: إذا وقعت "لكم" على زمان أو مكان فهي ظرف مبنية على السكون في محل نصب. نحو: كم يوما صمت؟، كم ميلا مشيت؟. وإن وقعت على معنى مجرد "أي: حدث" فهي مفعول مطلق، مبنية على السكون في محل نصب؛ نحو: كم زيارة زرت المريض؟ وإن وقعت على ذات، وكان الفعل بعدها متعديا، لواحد أو أكثر ولم يستوف مفعوله فهي مفعول به، مبنية على السكون في محل نصب؛ نحو: كم درهما بذلت للسائل المحتاج؟ وإن سبقها حرف جر، أو مضاف فهي مبنية على السكون في محل جر؛ نحو: في كم ساعة تطوف الطائرة حول الأرض؟ وفوق كم خط من خطوط الطول تمر؟. وما عدا ذلك تكون مبتدأ -غالبا- مبنية على السكون في محل رفع. نحو: كم مهاجرا حضر؟ وكم مهاجرا سيحضر؟ ومن هذا قول الشاعر:

وكم صاحب قد جل عن قدر صاحب

فألقى له الأسباب؛ فارتفعا معا

وقد تكون معمولا لناسخ يعمل فيما قبله مثل: "كان وظن""دون، وإن" نحو: مالك؟. وقد تصلح مبتدأ أو خبر في مثل: كم مالك؟ إن كانت استفهامية.

ومما يوضح محلها الإعرابي، ويسهل إعرابها أن نفترض عدم وجودها، ونجعل التمييز يحل في مكانها ونعرف موقعه الإعرابي، ونجري عليها حكمه؛ ففي مثل: كم يوما صمت. نفترض أن أصل الكلام: يوما صمت، أو صمت يوما. "فيوما": ظرف زمان. و"إذا": نعربها ظرف زمان. مبنية على السكون في محل نصب. وفي مثل: كم ميلا مشيت

فتخيل أن الأصل: ميلا مشيت، أو: مشيت ميلا. فكلمة: "ميلا"، ظرف مكان. و"إذًا" نعربها ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب

وهكذا.

ص: 569

فنيا رأيت بها؟ وإلى كم ربان تحتاج إدارتها؟

3-

لفظها مفرد مذكر دائما. ولكن مدلولها الذي يصدق عليه معناها قد يكون غير ذلك. ومن هنا يجوز عودة الضمير عليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا للمعنى المراد منها؛ نقول في السؤال عن المفرد المذكر، كما أخا جاءك؟ وعن مثناة: كم جاءك، أو: كم جاءك؟ وعن جمعه: كم جاءك؟ أو: كم جاءوك؟.

ونقول في السؤال عن المفردة: كم طالبة نجح؟ أو: كم طالبة نجحت؟، وعن مثناها: كم نجح؟ أو: كم نجحنا؟، وعن جمعها: كم نجح؟ أو: كم نجحن؟

، بمراعاة لفظ:"كم" أو معناها في كل ما سبق1.

4-

لا بد لها من تمييز2 بعدها. والغالب أن يكون مفردا3 منصوبا بها؛ فهي العاملة فيه؛ نحو: كم طالبا يتعلمون في جامعاتنا؟ وكم بلدا عندنا يضم جامعة أو أكثر؟

ويصح أن يكون تمييزها مفردا مجرورا بمن -ظاهرة، أو مقدرة- بشرط أن تكون "كم" في الحالتين مجرورة بحرف جر ظاهر4؛ نحو: بكم طبيب نعالج المرضى في الريف؟ وإلى كم مهندس يحتاج؟ وعلى كم خبير زراعي يعتمد في زراعاته؟ ويصح: كم من طبيب

كم من مهندس

كم من خبير

فإن وجدت "من" الجارة ظاهرة، فهي ومجرورها "التمييز" متعلقان "بكم" وإن لم توجد "من" ظاهرة فهي مقدرة تجر التمييز، أو ليست مقدرة، و"كم"

1 راجع الجزء الرابع من شرح المفصل، ص132.

وقد سبق لهذا بيان تام في ج1 م19 ص240 في موضوع: "التطابق بين الضمير، ومرجعه" ومثل الضمير غيره مما يحتاج لمطابقة.

2 انظر رقم 5 من هامش الصفحة الآتية وفيه ما يتعلق بالمطابقة هنا.

3 وردت أمثلة نادرة وقع فيها التمييز جمعا منصوبا، واستشهد بها الكوفيون على صحة وقوعه جمعا. وأغلب النحاة يردها أو يؤولها، ويرفض جمعيته. والأحسن الحكم على تلك الأمثلة بالندرة التي لا يصح معها القياس. ولا داعي لتكلف التأويل.

4 لا يشترط بعض النحاة لجر تمييزها بالحرف: "من" أن تكون مجرورة بحرف جر ظاهر؛ مستدلا بقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} ، ورأيه حسن "راجع الخضري".

ص: 570

هي التي تجره؟ على اعتبارها؛ مضافة "مع بنائها"1 والتمييز بعدها "مضاف إليه" مجرور.

ويجوز أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بالهمزة، والمبدل منه هو كلمة:"كم" فيزول ما بقي من غموضها، وتنكشف الناحية الأخرى من إبهامها -كما أشرنا- نحو: كم بحارا في الباخرة؟ أعشرة أم عشرون؟

5-

وإذا كانت "كم" الاستفهامية مضافة لتمييزها فهي العاملة فيه؛ فلا يصح الفصل بينهما بجملة؛ لأن المتضايفين لا يفصل بينهما -في الأغلب- جملة. لكن يصح الفصل بأحد شبيهي الجملة؛ لأنها محل التوسع والتيسير.

أما إن كان التمييز مجرورا بـ"من" الظاهرة فيجوز الفصل بالجملة أو بغيرها؛ وكذا إن كان التمييز منصوبا. لكن يجب جر هذا التمييز بمن2 بدلا من نصبه إن كان الفاصل بينهما فعلا متعديا لم يستوف مفعوله؛ لكيلا يقع في الوهم أن هذا التمييز المنصوب ليس بتمييز، وأنه مفعول به للفعل المتعدي، فلإزالة الوهم واللبس يجب جره بمن، ففي مثل: "كم عصفورا على الشجرة؟ وكم صيادا يحوم حولها؟

نقول عند الفصل بالفعل المتعدي الذي لم يستوف مفعوله: كم ترى من عصفور على الشجرة؟ وكم تشاهد من صياد يحوم حولها؟

ومن هذا قول الشاعر:

وكم -سقت في آثاركم- من نصيحة

وقد يستفيد الظنة3 المتنصح4

6-

تمييز "كم" الاستفهامية في كل أحواله يصح حذفه إن دل عليه دليل، ولم يترتب على حذفه لبس5؛ مثل قول المستفهم: ما عدد طلاب الجامعة؟ كم في كلية الطب؟ وكم في كلية العلوم؟ يريد: كم طالبا في كلية الطب؟ وكم طالبا

1 وهذا أحد المواضع التي يصح فيها أن يكون المضاف مبنيا.

2 انظر رقم 1 من هامش ص575.

3 الاتهام والتجريح.

4 المبالغ في النصيحة لمن لا يعمل بها.

5 وهو في كل أحواله أيضا نوع من تمييز الذات "لا النسبة" الذي سبق إيضاحه وتفصيله في ج2 م88 باب: "التمييز". ومراعاة هذا التمييز فيما يحتاج للمطابقة أوضح من مراعاة لفظ "كم".

ص: 571

في كلية العلوم

1.

ب- كم الخبرية: هي أداة للإخبار عن معدود كثير، ولكنه مجهول الجنس والكمية2. ومن أمثلتها قولهم:"كم صالح بفساد آخر قد فسد"3. وما جاء في عتاب صديق لصديقه: "إني

أحفظ ودك، وأرعى عهدك، وأرسم طريقي على الوفاء لك، والصفح عن بوادرك. فكم مرة هفوت فأغضيت، وكم إساءة نالتني فغفرت، وكم إخوان أبعدتهم عنك فقربتهم منك، وأرجعتهم إليك.. فهل تنسى هذا أو تتناساه؟ ".

فكلمة: "كم" وحدها قبل وضعها في شيء من الكلام السابق، مبهمة "أي: لا تدل على حقيقة المعدود وجنسه، ولا على مقداره وكميته"؛ إذ لا يدري السامع المراد: أهو: كم يوم، أم كم رجل، أم كم إساءة

وكذلك لا يدري: أهو كثير أم قليل

، فلما ذكر الاسم المجرور بعدها أزال عنها الإبهام، وكشف الغموض عن المعدود، فبين حقيقته وجنسه، وأوضح كميته بما يدل على أنها كثيرة. فكأنه يقول: مرات كثيرة -إساءات كثيرة- إخوان كثيرون، ومثله قول الشاعر:

وكم ذنب مولده دلال

وكم بعد مولده اقتراب

1 وفيما سبق من أحوال "كم الاستفهامية" يقول ابن مالك في باب عنوانه: "كم، وكأين، وكذا"

ما نصه:

ميز في الاستفهام "كم" بمثل ما

ميزت عشرين؛ ككم شخصا سما؟

وأجز أن تجره "من" مضمرا

إن وليت "كم" حرف جر مظهرا

والأصل في البيت الثاني: "أن

" حذفت "همزة أن" للشعر، وانتقلت حركتها إلى الزاي الساكنة قبلها. "مضمرا"، أي: مضمرة. وجعلها مذكرة على نية إرادة: الحرف "من"، غير مريد: الكلمة: "من".

يريد: أنه يصح جر التمييز "بمن المضمرة جوازا إن وقعت كم" بعد حرف جر ظاهر.

2 الكمية: المقدار الحسابي، أي: ما يدل عليه العدد من أفراد -وما سبق في ص568 عن الجنس والكمية في "كم اللاستفهامية" يزيد الأمر وضوحا هنا.

3 وقول الشاعر:

كم ذكي قد عاش وهو فقير

وغبي يضفو عليه الثراء

ص: 572

فلا بد لإزالة الإبهام عنها من تمييز بعدها يوضح الأمرين؛ جنس المراد منها، ومقداره. ولا يصح أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بهمزة الاستفهام، والمبدل منه هو:"كم"؛ إذ لا دخل للاستفهام هنا مطلقا1.

وبسبب أن الإخبار بها يرمي إلى كثرة المعدود وجب أن يكون هذا الإخبار عن شيء مضى؛ لأن الذي مضى قد بان جنسه وكميته؛ فيمكن الحكم عليه بالكثرة، والإخبار بهذا الحكم، أما الذي لم يمض فمجهول الجنس والمقدار -غالبا؛ ومن ثم كان الدافع إلى استعمال "كم الخبرية" هو: الافتخار والمدح بكثرة شيء محبوب معلوم، أو: الذم بكثرة شيء معيب كذلك.

أحكامها:

1-

وجوب صدارتها في جملتها، إلا حين تكون مجرورة بحرف جر، أو بإضافة، نحو: لله أنت!! فإلى كم عمل نافع سارعت؛ فحمد الناس إسراعك. وعند كم عقبة في طريقة وقفت لتذليلها؛ فأكبر العارفون شأنك.

2-

صحة عودة الضمير إليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا لمعناها؛ مراعاة للمراد من مدلولها

2 والأفصح مراعاة تمييزها، نحو: كم رفاق نفع، أو نفعوا

ومن مراعاة التمييز قول الشاعر:

كم أناس في نعيم عمروا

في ذرا ملك تعالى فبسق3

سكت الدهر زمانا عنهمو

ثم أبكاهم دما حين نطق

3-

وجوب بنائها على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة4.

1 انظر رقم 5 من ص577، ففيها زيادة إيضاح.

2 مثل الضمير غيره مما يحتاج لمطابقة. ويوضح هذا الحكم ما سبق في نظيرتها. "رقم 3 ص570".

3 عمروا: طال عمرهم، ذرا: حماية ورعاية، بسق: ارتفع.

4 لا تختلف "كم" الخبرية في إعرابها المحلي عن "كم" الاستفهامية في إعرابها السابق: "في رقم "أ" من هامش ص569". برغم اختلاف معناهما وتمييزهما.

ص: 573

4-

وجوب الإتيان بتمييز لها يكون مفردا مجرورا، أو جمعا مجرورا1، بشرط أن يكون في الحالتين غير مفصول منها بشيء، والأفصح إفراده، ولكن الجمع صحيح غير شاذ. ومن الأمثلة قول الشاعر:

فكم نزهة فيك للحاضرين!

وكم راحة فيك للأنفس!

وقول الناثر: الأريب لا يخدع بالمظهر الزائف؛ فكم رجال حسنت مناظرهم وساءت مخابرهم! وكم رجال اقتحمتهم العيون وفي أثوابهم أبطال عظام!

فإن فصل التمييز منها، وكان مفصولا بجملة وجب نصبه ولا يجوز جره إلا في ضرورة الشعر، أو حين تكون الجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله؛ -كم سيجيء هنا؛ نحو: ما أنفس نصائح الحكماء، وأغلى أقوالهم؛ فكم أرشدنا منهم -نصحا! وكم صاننا منهم- قولا!. وقول الآخر في مدح قوم:

كم نالني منهمو فضلا على عدم

إذ لا أكاد من الإقتار2 أجتمل3

"وفاعل الفعل في الأمثلة السابقة ضمير يعود على "كم" ومفعوله الضمير ويجوز جعل التمييز فاعلا بعد رفعه"4.

1 والجر في الحالتين لأنه مضاف إليه، و"كم" هي المضاف. ويصح أن يكون الجر "بمن" المقدرة. ويجوز -دائما- إظهار "من". وإذا كان مجرورا بمن فالجار والمجرور متعلقان بكم، -كما سبق في رقم 4 من ص570- ومن الأمثلة قوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ، ومثل قول الشاعر:

بليت -وفقدان الحبيب بلية-

وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

وتمييزها في كل أحواله نوع من تمييز الذات "لا النسبة" لأنه نوع من تمييز العدد، بالرغم من أنها خبرية.

2 الفقر.

3 اجتمل الرجل الشحم: أذابه.

4 ومنه قول الشاعر حافظ إبراهيم:

أرى لرجال الغرب عزا ومنعة

وكم عز أقوام بعز لغات

وفي "كم" الخبرية يقتصر ابن مالك على بيت واحد، يبين فيه معناها، وأن تمييزها يكون كتمييز العدد:"عشرة"، أي: جمعا مجرورا، أو كتمييز المائة يكون مفردا مجرورا "وهذا هو الأوضح والأكثر، والأول ليس بشاذ" يقول:

واستعملنها مخبرا كعشره

أو مائة، ككم رجال، و: مره

ص: 574

وكذلك يجب ولا يجوز جره إلا في ضررة الشعر إن كان مفصولا بظرف، ومعه جار ومجروره؛ نحو: كم دون الوصول إلى الشهرة كفاحا! وكم لها بعد إدراكها تعبا!

فإن كان الفصل بالظرف فقط، أو بالجار مع مجروره فقط الأمان، والنصب هو الأرجح. نحو: كم دون الشهرة كفاحا! وكم لها تعبا!.. ولا يصح الفصل بغير ما سبق -على الصحيح.

وإذا فصل بين "كم" الخبرية وتمييزها بجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز بالحرف:"من"1؛ لمنع اللبس؛ إذ قد يقع في الوهم أن التمييز المنصوب ليس تمييزا، وإنما هو "مفعول به" للفعل المتعدي. فلإبعاد هذا الوهم يجب جر التمييز بمن، لا بالإضافة؛ إذ لا يصح -في الأغلب- الفصل بالجملة بين المتضايفين. كقوله تعالى عن قوم أهلكهم:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} 2، و"كم" في الآيتين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به.

ومن الجائز حذف تمييزها إذا دل عليه دليل. ولم يوقع حذفه في لبس؛ مثل: استعرضت كتبك الضاربة في علوم وفنون مختلفة؛ فما أكثرها وأعجبها!! فكم في الأدب!! وكم في التاريخ3..، ولكن حذفه وهو "مضاف إليه" قليل غير قياسي4؛

1 يقول الصبان في باب: "حروف الجر"، عند الكلام على: من، الزائدة إنها في هذه الصورة زائدة؛ معتمدا على رأي فريق من النحاة.

2 وقوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} .

وقد أوضحنا هذا في ج2 باب حروف الجر، م90 ص422، عند الكلام على:"من الزائدة".

3 ومثل قول الشاعر يتحدث عن بيته:

كم مر بي فيه عيش لست أذكره

ومر بي فيه عيش لست أنساه

وقول الآخر:

وإن نابتك نائبة فشاور

فكم حمد المشاور غب أمر

يريد: فكم يوم فكم مرة

4 لحذف المضاف إليه موضوع سبق في ج3 م96.

ص: 575

لما يترتب عليه من حذف "المضاف إليه" مع وجود المضاف وحده.

من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك الموازنة التي عقدها بعد النحاة بين نوعي: "كم" لبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما. وملخصها:

أنهما يتشابهان في خمسة أمور:

أ- أنهما كنايتان مبهمتان عن معدود، مجهول الجنس، والمقدار. "أي: مجهول الحقيقة، والكمية".

ب- مبنيتان.

ج- بناؤهما على السكون في محل رفع؛ أو نصب، أو جر، على حسب موقعهما من جملتهما؛ فهما متماثلتان في إعرابهما المحلي، مع ملاحظة أن لفظهما مفرد مذكر دائما، وأن مدلولهما قد يكون غير ذلك؛ فيراعي لفظهما، أو مدلولهما، في الضمير العائد عليهما، وفي غيره من كل ما يحتاج للمطابقة؛ ولكن مراعاة التمييز أوضح.

د- ملازمتان للصدارة في جملتهما، إلا إن سبقها حرف جر، أو: مضاف.

هـ- حاجة كل منهما إلى تمييز قد يصح حذفه عند أمن اللبس، ويفترقان في خمسة أمور كذلك:

1-

أن الخبرية تتضمن الإخبار بكثرة شيء معدود؛ فتختص بالزمن الماضي وحده. ولهذا لا يصح على الإخبار أن نقول: كم رحلة سأقوم بها أيام العطلة المقبلة! لأن التكثير والتقليل -كما سبق- لا يكونان إلا فيما عرف مقداره. وهذه المعرفة لا تحقق إلا في شيء قد مضى وانتهى. ويصح على الاستفهام أن نقول ما سبق، وغيره.

2-

أن المتكلم بالخبرية لا يتطلب جوابا من السامع؛ لأنه مخبرن غير مستخبر؛ بخلاف الاستفهامية.

3-

أن المتكلم بالخبرية، يتعرض للتصديق والتكذيب؛ لأنه مخبر، والخبر

ص: 576

عرضه لأن يصدقه السامع أو يكذبه1.

4-

أن الأغلب في تمييز استفهامية أن يكون مفردا منصوبا بها، أو مجرورا بالإضافة، أو بمن إن جرت "كم" بحرف جر ظاهر. أما تمييز الخبرية فيكون مفردا مجرورا؛ أو جمعا مجرورا2. ولا يكون منصوبا إلا في بعض حالات الفصل.

5-

أن البدل من "كم" الخبرية لا يصح اقترانه بهمزة الاستفهام3؛ لأن هذا البدل خبري كالمبدل منه "وهو: كم الخبرية" والخبر لا يصح أن يتضمن معنى الاستفهام. يقال: كم رجال حضروا الحفل!! ثمانين بل تسعين

أما الاستفهامية فيجب اقتران البدل منها بهمزة الاستفهام؛ لأن الاستفهامية تتضمن معنى الاستفهام. فيقال: كم رجال حضروا؟ أثمانين أم تسعين؟ إذا كان العدد مجهولا يريد أن يعرفه السائل.

الثانية: كأين4. وأشهر لغاتها: "كأين" -"بهمزة مفتوحة. وتشديد الياء مكسورة، فنون ساكنة"- ثم:"كائن" بسكون النون. ثم: "كأين"؛ "بهمزة ساكنة بعد الكاف، تليها ياء مكسورة، فنون ساكنة"5.

وهي بمنزلة "كم" الخبرية، ولكن تشاركها في أمور، وتخالفها في أخرى، فتشاركها في الأمور الخمسة الآتية:

1 لكن كيف يقع هذا مع أنها نوع من الإنشاء غير الطلبي؟ ظاهر الأمر وقوع تعارض.

وقد قلنا -في رقم 3 من هامش ص568- إن بعض النحاة يرى في هذا تعارضا، وإن فريقا آخر يمنع هذا التعارض، كما دونه الصبان في هذا الموضوع من الباب.

2 سبب الجر موضح في رقم 1 من هامش ص574.

3 لهذا إشارة سبقت في أول ص573.

4 أصل النون التي في آخرها هو التنوين؛ فيصح الرجوع إلى أصلها ومراعاته عند الكتابة والوقف، ولكن الأحسن إثبات نونها خطا ونطقا في جميع لغاتها، حتى عند الوقف عليها، منعا للإلباس.

5 ثم: "كيئن" -بكاف مفتوحة، فياء ساكنة فهمزة مكسورة، فنون ساكنة- ثم:"كئن" كالسابقة مع حذف الياء.

وقد أطال النحاة في إثبات أنها مركبة في الأصل. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء في معرفة ذلك الأصل المزعوم المتكلف؛ لأن الذي يعنينا الآن أنها "وهي بمعنى: كم" كلمة واحدة في إعرابها، وفي معناها، وكل أحكامها، ولا يلاحظ أصلها في شيء من ناحية تركيبه مطلقا.

ص: 577

1-

الإبهام.

2-

الدلالة على تكثير المعدود.

3-

الملازمة للصدارة.

4-

البناء على السكون محل رفع، أو نصب، على حسب موقعها، ولا تكون "كأين" في محل جر، ومن الممكن وضعها في كل مكان توضع فيه:"كم الخبرية" إلا الجر.

5-

الحاجة إلى تمييز مجرور، ولكنه يُجر هنا "بمن" ظاهرة لا بالإضافة. والجار مع مجروره متعلقان بكأين. وقد ينصب التمييز. ومن الأمثلة للمجرور، قوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} .

وقول الشاعر:

وكائن رأينا من فروع طويلة

تموت إذا لم تحيهن أصول!

ومن التمييز المنصوب قول الشاعر:

اطرد اليأس بالرجا؛ فكأين

آلما1 حم2 يسره بعد عسر!

وقول الآخر:

وكائن لنا فضلا عليكم ومنة

قديما! ولا تدرون ما من منعم

ويجوز الفصل بينها وبين تمييزها مطلقا -كما في بعض الأمثلة السالفة- فإن كان الفاصل فعلا متعديا لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز "بمن"؛ منعا من توهم أنه مفعول به في حالة نصبه، ومن الأمثلة قول الشاعر3:

وكائن ترى من صامت لك معجب

زيادته أو نقصه في التكلم

1 اسم فاعل من ألم يألم، بمعنى: تألم يتألم..

2 قدر وهيئ.

3 ومثل البيت السالف:

وكائن رأينا من فروع طويلة

ص: 578

وقول الآخر:

وكائن ترى من حال دنيا تغيرت

وحال صفا بعد اكدرار غديرها

وتخالفها في أربعة:

1-

"كم الخبرية" كلمة "بسيطة" على الأرجح. أما "كأين" فمركبة -على الأرجح أيضا- من كافة التشبيه، و "أي" المنونة. ولا أثر للتركيب ولا لمعنى جزأيه في حالتها القائمة الآن، بعد أن صارت كلمة واحدة تؤدي معنى جديدا.

2-

"كأين" لا تكون مجرورة بحرف، ولا بإضافة، ولا بغيرهما، بخلاف "كم الخبرية" فإنها تجر بالحرف وبالإضافة.

3-

إذا وقعت "كأين" مبتدأ فخبرها لا يكون إلا جملة -في الغالب الكثير-1 كبعض الأمثلة السالفة، أما "كم الخبرية" فلا يلزم أن يكون جملة.

4-

ليس لها نوع آخر يستعمل في الاستفهام، أو في غير الإخبار

5-

تمييزها المجرور هو في الغالب مجرور بمن الظاهرة. بخلاف "كم

1 جاء في حاشية "ياسين" على التصريح، -ج1 باب: المبتدأ والخبر، عند الكلام على أقسام الخبر- أن منه ما يجب أن يكون جملة: مثل خبر "كأيمن" الخبرية الواقعة مبتدأ. ولم يتعرض لبيان أنه الواجب أو الأغلب. لكن جاء في الصبان -ج4 باب: "كم"- عند الكلام على "كأين" ما نصه:

"قال في جمع الجوامع وشرحه: لا يخبر عن "كأين" إذا وقعت مبتدأ إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع؛ نحو قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ، وقوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} . لكن يرد عليه قول الشاعر:

وكائن لنا فضلا عليكم ومنة

قديما ولا، تدرون ما من منعم

فإن الخبر فيه جار مع مجروره. وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} . إن جعل الخبر الجملة الاسمية. وهي: "الله يرزقها" فإن جعل: "لا تحمل رزقها" لم ترد الآية". ا. هـ. كلام الصبان.

من كل ما سبق يتبين أن خبر "كأين" ليس مقصورا على الجملة الفعلية وجوبا، وإن كان الغالب وقوعه جملة فعلية -ولهذه المسألة إشارة في ج1 م430 عند الكلام على الخبر الجملة.

ص: 579

الخبرية" فإنه يجر بالإضافة، أو بمن المضمرة، أو الظاهرة.

الثالثة: "كذا"، وصيغتها ثابتة في كل الحالات، ولا يطرأ على حروفها تغيير ما دامت من كنايات العدد. وهي -في أصلها- مركبة من "كاف" التشبيه، و"ذا" الإشارية، وصارت بعد التركيب كلمة واحدة ثابتة، تؤدي معنى جديدا مستقلا، لا صلة له بالتشبيه ولا الإشارة إذا كان الغرض منها الإخبار عن شيء معدود1 قليل أو كثير، ففي هذه الصورة تعد كلمة من كنايات العدد المبهمة2.

وتشبه "كم الخبرية" فيما يأتي:

1-

في الإخبار.

2-

وفي الإبهام.

3-

وفي البناء على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر

"فمحلها على حسب حاجة الجملة دائما".

4-

وفي الحاجة إلى تمييز.

وتخالفها في:

1-

أنها لا تلازم الدلالة على الكثرة، فقد يكون "كذا" كناية عن معدود كثيرا أو قليل -كما تقدم- نحو: أنفقت كذا دنانير في رحلاتي، وركبت خلالها كذا وكذا سيارة وطيارة، وباخرة، وقطارا.

2-

وفي تمييزها واجب النصب بها على الأرجح3. سواء أكان مفردا

1 "كذا": صالحة للكناية عن الأعداد وعن الأعمال؛ طبقا لما نص عليه صاحب "المصباح المنير" وسيجيء النص في "ج" من ص582.

2 في الزيادة والتفصيل -ص582- بيان استعمالاتها الأخرى في غير الكنايات العددية:

3 قلنا: "على الأرجح" لأنه الكوفيين يجزون في غير تكرار ولا عطف، فيقولون: في المتجر كذا ثوب، وفي المصنع كذا عامل. فيكون التمييز مضافا إليها مجرورا، أو مجرورا بمن مقدرة. أو بدلا في رأي ثالث إذا كانت هي مجرورة. والأفضل هنا عدم الأخذ بالرأي الكوفي؛ لأنه مبني على مجرد القياس على تمييز "كم"، دون عرض أمثلة تؤيده من الكلام العربي الفصيح. ومجرد القياس في مثل هذا ضعيف مردود. وبعض النحاة "ومنهم ابن مالك" يجيز جره بمن -كما سيأتي في البيت التالي.

وفي الكلام على: "كأين، وكذا" يكتفي ابن مالك ببيت واحد، هو: =

ص: 580

أم جمعا1.

3-

وأنها لا تكون في الصدر.

4-

وأنها تتكرر -غالبا- مع عطف بالواو؛ كقول الشاعر:

عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

كذا وكذا؛ لطفا به نسي الجهد

=

ككم: "كأين" و"كذا"، وينتصب

تمييز ذين، أو: به صل: "من" تصب

يقول إن "كأين" و"كذا" مثل: "كم" -يريد: "كم" الخبرية- ولم يبين أوجه الشبه. وقد أوضحناها، ثم بين أن تمييز "كأين وكذا" منصوب. ومن الجائز عنده جره بمن، ويرى في جره إصابة وسدادا. وهو يخالف أكثر النحاة في جر تمييز "كذا" "بمن" كما سلف. إلا إن كان الضمير في "به" عائدا على تمييز:"كأين" فقط، كما يرى بعض المعربية، وهذا حسن.

1 صرح صاحب الهمع "ج2 ص256 في هذا الباب" بأن تمييز: "كذا" لا يكون إلا مفردا فقال ما نصه: "مميز "كذا" لا يكون إلا مفردا منصوبا..". ا. هـ. لكن قد يفهم من بعض المراجع الأخرى صحة وقوعه جمعا

ص: 581

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- الغالب في "كذا" التكرار مع العطف بالواو، ومن القليل1 تجردها منهما معا؛ فإن لم توجد الواو العاطفة وجب إعراب المتأخرة توكيدا لفظيا للأولى2.

ب- تأتي: "كذا" المكررة المعطوفة بالواو. وغير المكررة -كناية عن غير العدد؛ فيكنى بها عن اللفظ الواقع في التحديث عن شيء حصل، أو عن قول. سواء أكان ذلك اللفظ معرفة أم نكرة؛ كالحدث النبوي: يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا3

ويجوز أن تبقى على أصلها من التركيب من كاف التشبيه وذ الإشارية حين يقتضي المعنى بقاءها على أصلها، نحو: عرفت الأخ نافعا، والصديق كذا. ورأيت الغنى واقيا من ذل السؤال والعمل كذا. وفي هذه الصورة قد تدخل عليها "هاء التنبيه" فيقال: والصديق هكذا

والعمل هكذا.. أو: وهكذا الصديق -وهكذا العمل.

ج- في "المصباح المنير" -مادة "كذا"- ما نصه: "كذا: كناية عن مقدار الشيء وعدته4؛ فينصب ما بعده على التمييز؛ يقال اشترى الأمير كذا وكذا عبدا. ويكون كناية عن الأشياء؛ يقال: فعلت كذا، وقلت كذا. فإن قلت فعلت كذا وكذا فلتعدد الفعل. والأصل "ذا"، ثم أدخل عليها كاف التشبيه بعد زوال معنى الإشارة والتشبيه، وجعل كناية عما يراد به، وهو معرفة فلا تدخله الألف واللام". ا. هـ.

وإذا هو كناية تصلح للمقادير وللأعمال على حسب المراد.

1 كما في الخضري والتصريح.

2 الخضري.

3 قال السيوطي في الأشباه والنظائر: الذي شهد به الاستقراء، وقضى به الذوق الصحيح، أن:"كذا" المكنى بها عن غير العدد إنما يتكلم بها من يخبر عن غيره؛ فتكون من كلام المخبر لا من كلام المخبر عنه؛ فلا تقول ابتداء: مررت بدار كذا، ولا بدار كذا وكذا، بل تقول: مررت بالدار الفلانية. ويقول من يخبر عنك: قال فلان مررت بدار كذا، أو بدار كذا وكذا.

4 عدده.

ص: 582

الرابعة: كنايات أخرى. منها: "كيت

وذيت"

هاتان ليستا من كنايات العدد، وإنما يذكرها النحاة بعد تلك الكنايات للمناسبة بين النوعين في مجرد الكناية عن شيء.

وكيت وكيت -بفتح التاءين معا، وهو الأكثر، أو كسرهما معا، أو ضمهما كذلك- يكنى بهما عن القصة والخبر، أي: الحديث عن شيء حصل أو قول وقع1؛ مثل: "صنع العامل كيت وكيت، وقال كيت وكيت"1. ولا بد من تكرارهما مع فصلهما بالواو2، واعتبارهما معا "وبينهما هذه الواو المهملة" مركبا مزجيا بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، والجزءان معا مبنيان إما على الفتح، وإما على الكسر، وإما على الضم، في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. وهذا المركب المزجي -عاملا- نائب في الحقيقة عن جملة، وهذا صح أن يعمل فيه القول في نحو:"أنت قلت كيت وكيت"؛ فيكون المركب المزجي -بتمامه- هنا في محل نصب، مفعولا به للفعل "قال"

3.

وكل ما تقدم في: "كيت وكيت" يقال كاملا في: "ذيت وذيت". من غير تفريق في شيء إلا في الحرف الأول الهجائي؛ فهو "كاف" في أحد المركبين، و "ذال" في المركب الآخر، ولا خلاف في شيء بعد هذا.

1 و1 المفهوم من كلام: "الأشموني" أن الألفاظ الأربعة "كيت وكيت، ذيت وذيت" يكنى بها عن الحدث. لكن جاء في كتاب: "تقويم اللسان" لابن الجوزي "المتوفى حول سنة 798 -باب الدال، ص129" ما نصه: "تقول: قال فلان: "ذيت وذيت" والعامة تقول: "كيت وكيت" وإنما العرب تجعل "ذيت وذيت" كناية عن المقال، و"كيت وكيت" كناية عن الأفعال". ا. هـ. ثم جاء في هامش تلك الصفحة ما نصه: منقولا عن نسختين: "فيهما: ذيت وذيت كناية" عن الأفعال، وفي "الصحاح" "ذيت" عن أبي عبيدة: يقولون كان من الأمر ذيت وذيت

وكيت كيت". ا. هـ.

2 والمفهوم المتبادر من كلامهم أن هذه الواو مهملة جاءت وجوبا لمجرد الفصل بين جزأي المركب المزجي، فلا عمل لها ولا أثر إلا هذا الفصل المحض.

3 راجع الصبان.

ص: 583

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- يقول اللغوين: إن أصل: "كيت وكيت" و"ذيت وذيت" هو: "كية وكية" و"ذية وذية" بتشديد الياء في كل لفظة، وبعدها تاء التأنيث المربوطة. ثم حصل تخفيف بحدف التاء المربوطة، وبقلب الياء الثانية "من كل ياء مشددة" تاء واسعة "أي: غير مربوطة"، فهذه التاء ليست للتأنيث وإنما هي منقلبة عن حرف أصلي. ولا مانع عندهم من استعمال -الأصل وهو: كية وذية- بدون تخفيفة. ويتعين عند استعماله تركيب كل جزأين تركيبا مزجيا مع بنائهما على الفتح دائما في كل المواقع الإعرابية.

ب- ويقول الصبان: "إذا قيل: كان من الأمر "كيت وكيت" -ومثلها: "ذيت وذيت"- "فكأن للشأن، خبرها: كيت وكيت1، لأن هذا المركب المزجي نائب هنا عن الجملة، ولا يكون اسما لكان؛ إذ لا يكون اسمها جملة. قاله الفارسي، واستحسنه ابن هشام. لكن يلزم عليه تفسير ضمير الشأن2، بغير جملة مصرح بجزأيها؛ والظاهر أن:"من الأمر" تبيين يتعلق بفعل مقدر؛ هو: "أعنى". وهذا كلامه مع تيسير قليل في بعض كلماته.

وفيه حذف وتقدير لا داعي لهما. ولو جعلنا "كيت وكيت" -في هذا الأسلوب وحده- اسما لكان الناسخة غير الثانية، وخبرها شبه الجملة مع اعتبار المركب المزجي الحالي ليس جملة هنا في ظاهره الحقيقي، لاستغنينا عن الحذف والتقدير، ولسايرنا الأيسر الواضح بغير ضرر، ولا خروج على الأصول العامة.

1 اسمها ضمير الشأن: مستتر. والأصل أن يكون خبرها جملة، طرقاها مذكوران صراحة.

2 تفصيل الكلام عليه في ج1 ص177 م20.

ص: 584

المسألة 169: التأنيث 1

الاسم المعرب 2 نوعان:

1-

مذكر "مثل: حاتم، قيس، جعفر، نهر، قمر، كتاب

" ولا يحتاج إلى علامة لفظية تزاد على صيغته لتدل على تذكيرها صاحبها؛ لأن الذي الذي يدل على تذكيرهما هو الشهرة، وشيوع الاستعمال، ولا سيما الاستعمال الوارد في أكثر الأساليب المأثورة عن العرب.

2-

مؤنث؛ "مثل: سنية، عزيز، ليلى، لمياء، أرض، أذن

" ويحتاج إلى علامة لفظية ظاهرة؛ أو: مقدر "أي: ملحوظة" تزاد على صيغته؛ لتدل على تأنيها، وتأنيث صاحبها، فالعلامة الظاهرة في الأسماء المعربة هي: "تاء التأنيث" المتحركة3، أو: "ألف التأنيث" بنوعيها؛ المقصورة والممدودة؛ مثل: عزيز، ليلى، لمياء،

أما العلامة المقدرة:

أ- فقد تكون خاصة بالأسماء المعربة الثلاثية، وهي تاء التأنيث الملحوظة -"طبقا للسماع الوارد عن العرب" في مثل: أرض، أذن، عين، قدم،

1 المراد من هذا العنوان الشائع في أكثر المراجع النحوية هو: بيان العلامة الدالة على تأنيث الاسم المتمكن؛ وليس المراد ذكر الأحكام المترتبة على التأنيث كثيرة متغلغلة في الأبواب النحوية المختلفة، لا يكاد باب يخلو منها.

2 أما علامة التأنيث في الكلمات المبنية أصالة فتأتي في رقم 1 من هامش ص590.

3 وهي بكل أسمائها علامة التأنيث اللفظي؛ إذ يسميها بعض النحاة: "تاء التأنيث" ويسميها غيرهم: "تاء النقل" من حالة إلى أخرى؛ كنقلها المذكر إلى المؤنث والوصفية "المشتق" إلى الاسمية المحضة؛ كالراوية للمزادة، وكالخالبية للبئر الصغيرة، و

كما جاء في مجلة المجمع اللغوي، ج1 ص14 حيث يقول عن المصدر الصناعي ما نصه على لسان أحد الأعضاء:"إن هذا المصدر مكون من اللفظ المزيد عليه ياء النسب، وتاء النقل على رأي أبي البقاء في: "الكليات".

وكذلك في ص26 من كتابه: "أصول اللغة" الذي أصدره في سنة 1969 -وانظر رقم 3 من هامش ص590- والأمران سيان. ولكن التسمية الأولى أشهر وأوضح. وقد أشرنا لهذا في ج3 م98 ص182 باب: "أبنية المصادر".

ص: 585

كشف. والذي يدل على أنه هذه الكلمات الثلاثية -وأشباهها-1 مؤنثة سماعا بتاء مقدرة "أي: ملحوظة" ظهور هذه التاء في أغلب كلام العرب عند التصغير؛ إذ يقال: أريضة، أذينة، عيينة، قديمة، كتيفة2.

ب- وقد تكون عامة في الأسماء بنوعيها "الثلاثي وغير الثلاثي"؛ كعود الضمير عليها في المسموع مؤنثا. كأرض. وعرب، في مثل: الأرض زرعتها، والعقرب قتلتها. ومثل: نعتها، أو الإشارة إليها بالمؤنث؛ سماعا في الحالتين، مثل: الأرض المتحركة واحدة من أرضين كثيرة، هذه الأرض واحدة من

: العقرب السامة قتالة، هذه العقرب

، ولا تكون ألف التأنيث مقدرة3.

معنى: "مؤنث":

هذه الكلمة إحدى "المصطلحات" التي يتردد ذكرها كثيرا في الاستعمال

1 المراد بالأشباه ما كان أصله ثلاثيا ولكن حذف بعض أصوله، مثل يد، أصلها:"يدي".

2 بمناسبة الكلام على أعضاء الإنسان يقول اللغويون بحق: إن تذكيرها وتأنيثها موقوف على السماع وحده، لكن الأعضاء المزدوجة مؤنثة في الغالب، تبعا للسماع الوارد فيها؛ كعين، وأذن، ورجل، وغير المزدوجة مذكر في الغالب، نحو: رأس، أنف، ظهر

ومن المزدوج المذكر: الحاجب، الصدغ، الخد، اللحى "عظم الفك"، المرفق، الزند، الكوع، الكرسوع

ومن المزدوج الذي يذكر ويؤنث: العضد، الإبط، الضرس. ومن المنفرد المؤنث: الكرش، ومن المنفرد الذي يصح تذكيره وتأنيثه: العنق، اللسان، القفا، المتن، المعى

؛ فالقاعدة أغلبية.

3 وفي هذا يقول ابن مالك في باب عنوان: "التأنيث":

علامة التأنيث تاء أو ألف

وفي أسام قدروا "التا"؛ كالكتف

"أسام: جمع جمع، مفرده: أسماء. ومفرد الأسماء: اسم" ويلاحظ أنه سمى علامة التأنيث هنا: "تاء" لا "هاء" كما يسميها فريق آخر من النحاة. والتسميتان شائعتان في المراجع المختلفة. وقد سبق عنهما بيان مفيد -في رقم 3 من هامش ص236، ومن أظهر آثارها في "النقل" عند وجودها في آخر المصدر الصناعي "مثل: وطنية، وحشة

" أن تصير الكلمة بسبب ياء النسب ملحقة بالمشتق قبل مجيء هذه التاء؛ فإذا جاءت التاء نقلت الكلمة إلى المعنى الخالص "الحدث" الخالي من الدلالة على الاشتقاق.

ثم قال بعد ذلك في بيان التأنيث المقدر:

ويعرف التقدير بالضمير

ونحوه؛ كالرد في التصغير

ص: 586

اللغوي: ويختلف معناها باختلاف ما تدل عليه من أنواع تقضي الفائدة بالإشارة إليها هنا؛ لأن هذا الباب هو الأنسب لذكرها1: وأشهرها:

1-

المؤنث الحقيقي: وهو الذي يلد، ويتناسل، ولو كان تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ ولا بد من لفظ المؤنث الحقيقي من علامة تأنيث ظاهرة، أو مقدرة، مثل: ولادة، سعدى، هند، عصفورة، عقاب2.

وله أحكام مختلفة؛ يتصل منها بموضوعنا: وجوب تأنيث فعله، ونعته، وخبره، وإشارته، وضميره

بالشروط والتفصيلات الخاصة بكل واحد من هذه الأمور في بابه؛ نحو: كانت ولادة أديبة أندلسية ذائعة الصيت. وقد نقل التاريخ الأدبي إلينا كثيرا من أخبار هذه الأديبة، ومجالسها، وفنونها

2-

المؤنث المجازي: وهو الذي لا يلد ولا يتناسل؛ سواء أكان لفظه مختوما بعلامة تأنيث ظاهرة؛ كورقة، وسفينة

، أم مقدرة؛ مثل: دار، وشمس. ولا سبيل لمعرفة المؤنث المجازي إلا من طريق السماع الوارد عن العرب، ولا يمكن الحكم على كلمة مؤنثة بأنها تدل على التأنيث مجازا إلا من طرييق اللغوي الذي يوضح أمر ذلك السماع ويبينه.

وهذا النوع المجازي يخضع في استعماله لكثير من أحكام المؤنث الحقيقي؛ خضوعا واجبا في مواضع، وجائزا في أخرى؛ كوجوب تأنيث الضمير العائد عليه في مثل: الدار اتسعت. وجوازه في مثل اتسعة الدار، أو اتسع الدار

3-

المؤنث اللفظي فقط: وهو الذي تشتمل صيغته على علامة تأنيث ظاهرة، مع أن مدلوله "أي: معناه" مذكر؛ نحو: حمزة، أسامة، زكرياء. أعلام رجال. وله أحكام مختلفة مدونة في الأبواب المناسبة لها؛ فقد يراعى معناه في حالات فلا يؤنث له الفعل، ولا يعود عليه الضمير مؤنثا

، فلا يقال: اشتهرت حمزة بالشجاعة والإقدام، ولا حمزة اشتهرت بالإقدام

ولا يجمع "في

1 سبقت الإشارة إليها في ج2 ص66 م66 باب: "الفاعل".

2 إحدى الطيور الجارحة.

ص: 587

الأرجح" جمع مذكر سالما

وقد يراعى لفظه -وهو الأغلب في كثير من حالاته الأخرى- فيمنع من الصرف، ويذكر له اسم العدد1؛ فيقال ثلاث حمزات

4-

المؤنث المعنوي فقط: وهو ما كان مدلوه مؤنثا حقيقيا أو مجازيا ولفظه خاليا من علامة تأنيث ظاهرة؛ فيشمل المؤنث الحقيقي الخالي من علامة تأنيث، مثل: زينب، سعاد، عقاب

كما يشمل المؤنث المجازي الخالي منها؛ مثل: عين، رجل، بئر

ويجري عليه كثير من أحكام المؤنث الحقيقي والمجازي، كتأنيث الفعل له، وتأنيث ضميره، ونعته، والإشارة إليه

وكمنعه من الصرف أو عدم منعه على حسب حالته.

5-

المؤنث اللفظي المعنوي: وهو ما كانت صيغته مشتملة على علامة تأنيث ظاهرة، ومدلوله مؤنثا؛ مثل: فاطمة، علية، ريا، سعدى، حسناء، هيفاء، نحلة، أسدة، شجرة، دنيا

ويخضع لكل أحكام المؤنث اللفظي والمعنوي.

والأنواع الخمسة السابقة قد يجتمع منها نوعان أو أكثر، ويسميان باسم يشمل النوعين، كأن يقال: لفظي مجازي؛ مثل: دنيا

6-

المؤنث التأويلي: وهو ما كانت صيغته مذكرة في أصلها اللغوي، ولكن يراد -لسبب بلاغي- تأويلها بكلمة مؤنثة معناها؛ فقد كان العرب يقولون: "أتتني كتاب أسر بها

، يريدون: رسالة2" "خذ الكتاب واقرأ ما فيها. يريدون: الأوراق". وكذلك: "الحرف في مثل قولهم: هذه الحرف: نعت؛ يريدون به: الكلمة"

وأمثال هذا كثير في كلامهم

1 وهذا في الرأي الأحسن، كما سبق ص541 حيث البيان الخاص بهذا.

2 وكقول الشاعر:

يأيها الراكب المزجي مطيته

سائل بني أسد: ما هذه الصوت؟

يريد: الضجة، أو الصرخات

ص: 588

وحكم هذا النوع: أنه يصح مراعاة صيغته اللفظية، من ناحة عدم تأنيث فعلها المسندة إليه، وكذلك مراعاة تذكيرها اللفظي عند نعتها، والإشارة إليها

و

كما يصح مراعاة معناها الذي تؤول به بشرط قيام قرينة جلية تمنع اللبس؛ نحو: "امتلأت الكتاب السطور؛ تريد: الورقة التي في يدك، مثلا""هذه الكتاب نافعة، تريد: هذه الورقة"

ولكن من الخير الاقتصار على مراعاة صيغة اللفظ؛ قدر الاستطاعة منعا للالتباس، فإن هذا المنع غرض من أهم الأغراض اللغوية، يجب الحرص عليه هنا، وفي كل موضع آخر1

7-

المؤنث الحكمي: وهو ما كانت صيغته مذكرة ولكنها أضيفة إلى مؤنث فاكتسبت التأنيث؛ بسبب الإضافة؛ كقوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} . فكلمة "كل" مذكرة في أصلها، ولكنها في الآية اكتسبت التأنيث من المضاف إليه المؤنث؛ وهو "نفس"2.

تلك أشهر أنواع المؤنث. ويعنينا منها، النوعان الأساسيان؛ وهما الأول والثاني "أي: المؤنث الحقيقي، والمجازي" أما سواهما فمتفرع منهما، راجع إليهما في أكثر أحكامه

والنوعان الأساسيان "أي: الحقيقي والمجازي" لا بد من اشتمالهما على علامة تأنيث ظاهرة أو مقدرة "أي: ملحوظة"، كما في بعض الأمثلة الأولى.

1 وإلا صارت اللغة فوضى، مضطربة الدلالات، غامضة المعاني والمرامي. ومما يساعد على إيجاد هذه العيوب فتح باب "التأنيث التأويلي" بغير قيد، وإباحته إباحة مطلقة، مع علمنا أن كل لفظ مذكر لا يكاد يعدم ضدا له مؤنثا على التأويل. فلو استبحنا استعمال المؤنث التأويلي استباحة عامة لكان من ورائها فساد لغوي كبير. لكن لا مانع منها إذا اشتهر اللفظ المذكر في عصره وشاع المراد منه شيوعا لا خفاء فيه، ولا لبس معه، كالذي يجري في أيامنا من تسمية بعض الصحف، المجلات بأسماء مذكرة؛ مثل: الهلال، والعربي، والمنبر

من أسماء المجلات الأدبية، ومثل: المقطم، والمساء، والبلاغ

من أسماء الصحف اليومية؛ فينطبق عليها الأمران السالفان، فيقال: ظهر الهلال، أو ظهرت الهلال. وكذا الباقي حيث يلاحظ التذكير أو التأنيث في كل.

ولعل هذا الرأي أنسب وأنفع من الآراء القديمة الأخرى، التي منها الحكم المطلق بالخطأ على تذكير المؤنث -كما يفهم من "الموشح" ص279 منسوبا للكسائي زعيم الكوفيين- ومنها رأي ابن جني في كتابه "الخصائص" -ج2 ص415- حيث يقول: "تذكير المؤنث واسع جدا

" وحيث يفهم من بحثه أن تأنيث المذكر قليل..

2 إيضاح هذا مدون في موضعه من باب الإضافة "ج3 ص51 م92".

ص: 589

وقد تبين مما تقدم أن علامات التأنيث الظاهرة الدالة على تأنيث الأسماء المعربة1 ثلاث زوائد، وكل واحدة منها فارقة بين المؤنث والمذكر، ولا يصح أن يوجد منها في الاسم إلا علامة واحدة2 ظاهرة لتأنيثه. والثلاث هي: تاء التأنيث المتحركة المربوطة3، وألف التأنيث المقصورة، وألف التأنيث الممدودة، وفيما يلي تفصيل الكلام على كل علامة:

"العلامة الأولى": فأما تاء التأنيث3 المتحركة المربوطة فمختصة بالدخول -قياسا- على أكثر الأسماء المشتقة4؛ لتكون فارقة بين مذكرها ومؤنثها؛ نحو: عابد وعابدة، عراف وعرافة، فرح وفرحة، مأمون ومأمونة ولا تدخل على أسماء الأجناس الجامدة إلا سماعا؛ وقد سمعت في بعض ألفاظه قليلة لا يقاس عليها؛ مثل: أسد وأسدة، رجل ورجلة، فتى وفتاة، غلاء وغلامة، امرأ وامرأة، إنسان وإنسانة، في لغة

ونظائرها مما تنص عليه الراجع اللغوية، ويجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد5.

وإنما كانت تاء التأنيث مختصة بالدخول على أكثر الأسماء المشتقة دون

1 أما الأسماء المبنية أصالة فلا تكون علامة تأنيثها التاء المربوطة، ولا الألف، وإنما لها علامات أخرى، منها: كسر التاء في مثل: أنت. والنون المشددة في مثل: هين. وأما بعض الحروف فقد تدخلها التاء المفتوحة سماعا، نحو: ربت.

وأما الأفعال فتؤنث ألفاظها بالتاء لتأنيث فاعلها؛ فتدخل تاء التأنيث الساكنة على آخر الماضي، نحو: برعت طبيباتنا، وتدخل التاء المتحركة على أول المضارع، نحو تبرع الطبيبة

2 وأما: علقاة، اسم نبت، وأرطاة، اسم شجر، فألفهما مع وجود التاء معها ألف إلحاق، ليست للتأنيث.

3، 3 ويسميها بعض النحاة، "هاء التأنيث"؛ لأنها تصير "هاء" عند الوقف عليها، بالسكون أما في غير الوقف فمتحركة. وللتسمية بيان مفيد عرضناه في رقم 3 من هامش ص236. وقد يسميها بعضهم:"تاء النقل"؛ للسبب المبين في رقم 3 من هامش ص585.

4 يطلق -غالبا- على الاسم المشتق: "الوصف". أو: "الصفة"، وهو غير النعت، -كما عرفنا. وكما يجيء البيان في رقم 3 من هامش ص595.

5 وقد صرح الصبان بهذا حيث قال: "إن زيادتها في الأسماء الجامدة قليل، ولا يقاس عليه". ا. هـ.

ص: 590

جميعها؛ لأن بعض المشتقات لا تدخله مطلقا -في رأي أكثر النحاة1، وبعضها تدخله قليلا، فلها مع المشتق ثلاث حالات، واشهر الأوزان التي لا تدخلها1 أربعة:

1-

فعول1 بمعنى: "فاعل2 "وهو الدال على الذي فعل الفعل"، نحو: صبور، نفور، حقود

بمعنى: صابر، نافر، حاقد، مثل: رجل أو امرأة صبور، ونفور، وحقود

أما المسموع2 من قولهم: امرأة ملولة، وفروقة؛ بمعنى: خوافة -وكذا بضع كلمات أخرى-3 فالتاء فيه للمبالغة مع التأنيث وليست لمحض التأنيث وحده4 وأما "عدوة" مؤنث: "عدو" فمقصورة هي وأشباهها القليلة على

1 و1 و1 انظر الزيادة في ص597 لأهميتها، واشتمالها على بيان مفيد.

2 و2 انظر "الملحوظة" الهامة التي في رقم 1 من هامش الصفحة التالية.

3 أشهرها: "صرورة: لمن لم يتزوج، أو لم يحج"، "لجوجة: لكثير اللجاجة، وهي: الخصومة"، "عروقة: لكثير من العلم والمعرفة"، "شنوءة، لكثير التقزز، أو العداوة"، "منونة: لكثير الامتنان"، "سروقة: لكثير السرقة"، راجع النوادر، ذيل الأمالي، للقالي ص173 -وجاء في المزهر "ج2 ص86- باب ما جاء على "فعولة" ألفاظ منها سلولة: من المتن. وفورقه: من الفرق، وهو الخوف

تنوفة: للمفازة. ورجل عروفة. بالأمر ولجوجة، من المعرفة واللجاج، والعمولة: التي تحمل أهل الحي، بعيرا كانت أو حمارا، نسولة وهي التي يتخذ نسلها، يوم العروبة، وهو:"الجمعة"، وسبوحة: البلد الحرام. والرضوعة: للشاة التي ترضع.

4 ذلك أن تاء التأنيث قد تكون دالة على التأنيث المجرد، وقد تفيد معنى آخر من المعاني دون أن تفيد الفصل بين مذكر ومؤنث، بالرغم من أن الكلمة المشتملة عليها تعتبر مؤنثة لفظيا مجازيا، وتجري عليها أحكامه. فمن تلك المعاني: أنها تكون لفصل الواحد من جنسه الجامد؛ فتكون داخلة على الواحد كتمرة وتمر، ولبنة ولبن، ونملة ونمل، وللعكس، أي: فصل الجنس الجامد من واحده فتكون داخلة على الجنس؛ كجبأة وكمأة "بفتح أولهما وسكون ثانيهما وهما اسمان لنوع واحد من النبات. يقال لمفرده: جبء، كمء". وأنها تكون عوضا عن فاء الكلمة؛ مثل: عدة، مصدر، وعد، أو عوضا من لام الكلمة، مثل: سنة، وأصلها فيما يقال: سنو، أو سنه بدليل. الجمع: سنوات وسنهات. أو عوضا من حرف زائد لمعنى؛ كياء النسب في قولهم: هو أشعثي، وهم أشاعثة، وهو أزرقي، وهم أزارقه، وهو مهلبي وهم مهالبة. يقولون هذا في جموع التكسير المنسوب مفردها إلى: أشعث، وأزرق، ومهذب

ويدل على هذا قولهم: أشعثيون وأشاعثة، وأزرقيون، وأزارقة، ومهلبيون ومهالبة. فلا يجمعون بين الياء والتاء -وسيجيء البيان في ص673- أو عوضا من حرف زائد لغير معنى؛ كزنديق وزنادقة. فالتاء عوض عن الياء في المفردة؛ إذ كان الأصل في تكسيرها: زناديق، ولا يجتمعان، أو عوضا عن ياء التفعيل في مثل: زكي تزكية. وقد تأتي للدلالة على التعريب. أي: للدلالة على أن الكلمة في أصلها غير عربية، وعربها للعرب =

ص: 591

السماع1.

فإن كان "فعول" بمعنى: "مفعول""وهو الدال على الذي وقع عليه الفعل"

= أنفسهم بإدخال بعض الأحرف على صيغتها، واستعمالها بعد ذلك. مثل: كيالجة "جمع: كيلجة، لمكيال". والقياس: كيالج؛ فجاءت التاء بدلا من الياء للدلالة على تعريبه. ومثل موازجه "جمع: موزج، بفتح الميم، وسكون الواو، وفتح الزاي، للجورب، أو: الخف" والقياس. سوازج؛ فدخلت "التاء هنا وهناك للدلالة على أن الأصل أعجمي فعرب

والفرق بين المعرب وغيره: أن العرب إذا استعملت الأعجمي فإن خالفت بين ألفاظه -بأن أدخلت عليها من نوع تغيير- فقد عربته -كما سبقت الإشارة في "ب" هامش ص245. وإلا فلا؛ وهو الباقي على أعجميته.

وقد تأتي للمبالغة في الوصف كرجل راوية؛ لكثير الرواية. وقد تأتي لتأكيد المبالغة؛ نحو: رجل "نسابة" لكثير العلم بالأنساب؛ ذلك أن الكلمة "نساب" صيغة مبالغة بنفسها، فإذا زيدت عليها التاء أفادت توكيد المبالغة..

وقد تكون التاء ثابتة في بعض أسماء لا يمكن تمييز مذكرها من مؤنثها، نحو: نملة. فيجب اعتبار الاسم مؤنثا دائما. وبعض ما لا يمكن تمييزه يتجرد منها دائما فيجب اعتباره مذكرا في كل استعمالاته، نحو: برغوث. "راجع التصريح، والأشموني، والصبان".

وراجع ما يتصل بها في ج1 م1 ص21 عند الكلام على اسم الجنس الجمعي وحكم تذكيره وتأنيثه.

1 "ملحوظة هامة": ما تقدم من الحكم الخاص بصيغة "فعول" بمعنى: "فاعل" هو الرأي الشائع بين النحاة الأقدمين. وقد نظر فيه مجمع اللغة العربية بالقاهرة طويلا، وتناوله هو ومؤتمره بالبحث والدراسة، واستقر رأيهما على حكم آخر يخالف ما سبق "طبقا لما جاء في الكتاب الذي أصدره المجمع في سنة 1969 باسم كتاب:"في أصول اللغة ص74" ونص الحكم المجمعي يشمل أمرين حت عنوان: "لحوق تاء التأنيث لفعول، صفة، بمعنى: "فاعل".

أ- يجوز أن تلحق تاء التأنيث صيغة: "فعول" بمعنى: "فاعل"؛ لما ذكره سيبويه، من أن ذلك جاء في شيء منه، وما ذكره ابن مالك في التسهيل من أن امتناع التاء هو الغالب. وما ذكره السيوطي في الهمع من أن الغالب ألا تلحق التاء هذه الصفات، وما ذكره الرضي من قوله:"ومما لا يلحقه تاء التأنيث غالبا مع كونه صفة فيستوي فيه المذكر والمؤنث: "فعول". ا. هـ.

ويمكن الاستئناس في إجازة دخول التاء في "فعول" بأن صيغ المبالغة كاسم الفاعل؛ يمكن أن تتحول إلى صفات مشبهة. وعلى ذلك في حالة دلالتها على الصفة المشبهة يمكن أن نلمح المعنى الأصلي لها وهو المبالغة؛ فتدخل عليها التاء؛ جريا على قاعدة دخول التاء في اسم الفاعل، وفي صيغ المبالغة للتأنيث.

ب- وعلى هذا يجري على تلك الصيغة -بعد جواز تأنيثها بالتاء- ما يجري على غيرها من الصفات التي يفرق بينها وبين مذكرها بالتاء؛ فتجمع جمع تصحيح للمذكر والمؤنث. ا. هـ.

وقد صدر قرار الموافقة على الحكم السالف في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968.

"انظر بعض الألفاظ الواردة منه في رقم 3 من هامش ص159".

ص: 592

جاز تأنيثه بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وعدم تأنيثه بها؛ نحو: قطار ركوب أو ركوبة، وسيارة ركوب أو ركوبة؛ بمعنى مركوب ومركوبة فيهما، ونحو: فاكهة أكول أو أكولة، وبقرة حلوب أو حلوبة، بمعنى مأكولة ومحلوبة1

2-

مفعال، نحو: مفتاح؛ لكثير الفتح ولكثيره، معلام؛ لكثيرة العلم وكثيره، مفراح؛ لكثيرة الفرح وكثيره

فهذه الصيغة -بغير تاء- صالحة للمذكر والمؤنث. ومن الشاذ2: ميقان وميقانة. لمن يكثر اليقين والتصديق بما يسمعه -فهو بمعنى: فاعل.

3-

مفعيل3، نحو: منطيق للرجل البلغ، والمرأة البليغة. ومعطير؛ لكثير العطر وكثيرته. ومن الشاذ مسكينة، بتاء التأنيث.

4-

مفعل3، كمغشم، للمذكر والمؤنث، بمعنى: جريء، وشجاع: لا ينثني عن إدراك ما يريده. يقال رجل أو امرأة مغشم.

ومما سبق يتبين أن التاء الفارقة لا تدخل -في رأي الكثرة- على الصيغ الأربع السالفة إلا شذوذا3 يراعى فيه المسموع وحده.

أما أشهر المشتقات التي تدخلها قليلا فنوعان؛ ودخولها فيهما -مع قلته- مقيس. ولكنه الأحسن عدم إدخالها:

أحدهما: المشتقات الدالة على معنى خاص بالأنثى، يناسب طبيعتها3

1 ومن أمثلة التأنيث بالتاء والنص عليه ما جاء في كتاب: "النوادر" نقلا عن أبي مسحل بن حريش -وهو أعرابي من بني ربيعة، وكان زمن المأمون معاصرا للكسائي، ومدرسته الكوفية، وقد أخذ عنه وعن أضرابه- ما نصه:"يقال: ما لفلان حلوبة، ولا ركوبة، ولا قتوبة، ولا نسولة، ولا جزوزة. ومعناه: ليست له ناقة تحلب، ولا تركب، ولا تقتب، ولا ذات نسل من الإبل والغنم، ولا جزوزة من الضأن يجز صوفها". ا. هـ.

2 وجاء في كتاب النوادر. لأبي مسحل الأعرابي ج1 ص24 ما نصه: "ثلاث أحرف -أي: كلمات- حكاها الكسائي عنهم. قال: يقال: رجل مطرب ومطرابة، ومجذام ومجذامة، وممطار وممطارة". وزاد "المزهر" ج2 ص133 مغرابة، في مدح الرجل بأنه: ذكي داهية.

3 و3 انظر الزيادة الآتية في ص597، حيث البيان المفيد.

ص: 593

ويلائم فطرة النساء وحدها، وليس أمرا مؤقتا طارئا عليها، وإنما هو من خصائصها وغرائزها الثابتة الملازمة لتكوينها دائما، وتنفرد به دون المذكر؛ كالحمل، والولادة، والإرضاع، والحيض

وغيره مما هو من خصائص الأنثى؛ نحو: امرأة حامل أو حاملة "ومعناهما: حبلى" ومرضع ومرضعة.. فدخول التاء وعدمه سيان، والأمران قياسيان، كما أسلفنا، ولكن الحذف أحسن1.

والآخر: ما كان على وزن "فعيل" بمعنى: مفعول؛ بشرط أن يعرف من الكلام أو غيره نوع المنصف بمعناه؛ "أي: بشرط ألا يستعمل استعمالا الأسماء غير

1 راجع الصبان. إنما يجوز الأمران والحذف أحسن إذا كان معنى الاسم المشتق خاصا بالأنثى، يلائم طبيعتها النسوية وحدها، ووصفا ثابتا لها -كما قلنا، وليس مقيدا بحالة طارئة كوصف المرأة بأنها:"مرضع"؛ أي: بأن طبيعتها، وأهليتها التي خلقت معها، هي: الإرضاع، ولو لم تكن وقت الكلام ترضع طفلا، أو تضع ثديها في فمه، ومثل وصفها بأنها:"حامل"؛ في نحو: المرأة الحامل لا العاقر مرغوبة؛ أي: المرأة التي من النوع الحامل، والتي من شأنها ومن طبيعتها أن تحبل. ولو لم تكن وقت الكلام حبلى. بل يقال هذا ولو لم تكن قد تزوجت.

وهذا الحكم العام يشمل الصورة التي صدر فيها قرار مجمع اللغة العربية ومؤتمره. ونص القرار -كما جاء في ص106 من الكتاب المعجمي الصادر في سنة1969 بالجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الثلاثين لسنة1964- هو:

"يجوز تأنيث ما جاء على صيغة: "فاعل" من الصفات المختصة بالمؤنث بالتاء وإن لم يقصد الحدوث". ا. هـ.

فإن كانت الصفة طارئة، والقصد منها الحدوث لا الثبوت، وجب الإتيان بالتاء؛ نحو: هذه مرضعة الآن أو غدا، وحاملة اليوم أو غدا. ومن هذا قوله تعالى: في هول القيامة: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} ، أي: التي هي في حالة إرضاع طارئ، تلقم صبيها ثديها "انظر "ب" من الزيادة في ص 597". ولو قل:"مرضع" بحذف التاء لكان المراد: التي من شأنها ومن غرائزها الإرضاع، لا أنها تمارسه وقت التكلم فعلا أو في وقت محدد معين.

ومما سبق يفهم المراد من قول اللغويين: إن الصفات المختصة بالمؤنث -كمرضع- إن قصد بها الحدوث "أي: الوصف المؤقت الطارئ في أحد الأزمنة" لحقها التاء؛ فيقال: مرضعة، وإن لم يقصد بها هذا لم تلحقها؛ فإن كان المعنى ليس خاصا بطبيعة المرأة وجب إثبات التاء؛ كقولنا: شاهدت حاملة؛ تريد: امرأة تحمل على رأسها أو كتفيها شيئا؛ لأن الحمل على الرأس أو على الكتف ليس من خصائصها وحدها، وإنما يشاركها فيه الرجل ومن ثم كان حذف التاء ممنوعا إذا أوقع في لبس؛ فلا يقال: في الحقل ضامر، وتحت الشجرة عانس؛ لأن الضامر والعانس يقال للمذكر وللمؤنث؛ فإذا حذفت التاء عند إرادة المؤنث، لم يتبين المراد.

ص: 594

المشتقة"1. ومن أمثلته: قتيل وجريح في مثل: انجلت المصادمة عن فتاة قتيل وفتاة جريح؛ بحذف التاء جوازا2 لعدم الحاجة إليها؛ إذ اللبس مأمون في هذه الصورة، فإن شاع استعماله استعمال الأسماء المجردة -بأن لم يعرف نوع الموصوف-3 وجب ذكرها لمنع اللبس، نحو: حزنت لقتيلة المصادمة. ومثل: رأيت في المجزر ذبيحة، أو نطيحة، أو أكيلة الذئب، بمعنى؛ مذبوحة، ومنطوحة، ومأكولة.

فإن كان "فعيل" بمعنى: "فاعل" فالأكثر مجيئها؛ كقول شوقي:

قطتي جد أليفه

وهي للبيت حليفه

هي ما لم تتحرك

دمية البيت الظريفه

ومن حذفها قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} وقول العرب حلة خصيف "أي: ذات لونين، بياض وسوادا"، وملحفة جديد. وريح خريق "شديدة البرد، كثيرة الهبوب"، وقول شاعرهم:

فديتك!! أعدائي كثير وشقتي4

بعيد وأشياعي لديك قليل

ومما تقدم يتبين أن للتاء الفارقة مع المشتق ثلاثة أحوال؛ فتارة تكون ممنوعة

1 يراد بها هنا: الأسماء المتجردة للاسمية المحضة؛ فلا تتبع موصوفا، لا في اللفظ ولا في المعنى؛ إذ لا تجري على موصوف ظاهر؛ ولا ملحوظ لدليل -كما في الأشموني والخضري.

2 نصوا على أن الحذف هو الغالب، ويقول "الصبان":"يؤخذ من صنيعهم أن لحوق التاء "فعيلا" بمعنى: "مفعول" خلاف الغالب لا شاذ". ا. هـ. ثم انظر: "ب" الآتية في ص597.

3 ليس المراد بالموصوف هنا الموصوف الصناعي -الاصطلاحي- المعروف بالمنعوت، وإنما المراد الموصوف المعنوي الذي يتصل به معنى المشتق. فيشمل: الفتاة قتيل، بحذف التاء، مع أن الفتاة مبتدأ، وليست موصوفا صناعيا "أي: ليست: منعوتا" ولا فرق في الموصوف المعنوي بين الملفوظ والملحوظ في الكلام؛ وهو المحذوف اكتفاء بقرينة تدل عليه؛ كإشارة إليه، أو ضمير يعود عليه؛ ويبين نوعه، أو شيء آخر يوضح أمره، نحو: قتيل من النساء؛ فلا تجيء التاء في هذه الحالات. مجاراة للأحسن. فالمعول عليه في الموصوف هو العلم بنوعه وإن لم يكن المشتق نعتا تابعا له حقيقة. أذكر موصوف أم لا.

4 من معاني الشقة "بضم الشين المشددة وكسرها": الناحية التي يقصدها المسافر.

ص: 595

الدخول عليه، وتارية تكون قليلة الدخول، وهي مع قلتها مقيسة1، وفي غير النوعين السالفين منيرة وقياسية.

أما ما غير المشتق -وهو الأجناس الجامدة- فمقصورة على السماع الوارد في بعض الألفاظ، ولا يصح القياس عليها2..

1 لأنها قلة نسبية لا تمنع القياس، وليست ذاتية تمنعه -كما عرفنا.

2 طبقا للنص الصريح الذي نقلناه عن "الصبان" -في رقم 5 من هامش ص590- وقد عرض ابن مالك المشتقات التي لا تدخلها التاء؛ فقال:

ولا تلي، فارقة، فعولا

أصلا. ولا المفعال، والمفعيلا

كذاك: مفعل. وما تليه

"تا" الفرق من ذي، فشذوذ فيه

"ذي: هذه. يريد: ما تلحقه التاء الفارقة من هذه الأوزان ففيه شذوذ. أي: أنه شاذ". ثم انتقل إلى حكم فعيل، فقال:

ومن "فعيل" كقتيل إن تبع

موصوفه -غالبا- "التا" تمتنع

"تبع موصوفه"، أي: جاء بعده تابعا له. والغرض أن يكون له موصوف معروف، سواء أكان الموصوف منعوتا، صناعيا أم غير منعوت، مذكورا أم غير مذكور على الوجه السابق في الرقم الثالث من هامش الصفحة السابقة. وقالوا إن بيت ابن مالك يخلو من التقصير لو كان:

ومن "فعيل" كقتيل إن عرف

موصوفه -غالبا- "التا" تمتنع

ص: 596

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- صرح بعض أئمة النحاة الأقدمين "كصاحب المفصل وشارحه ابن يعيش، في ص102 ج5" بأن الأربعة الأولى السالفة1 يشترط لحذف التاء منها ما يشترط في "فعيل"2، ونصوا على أنك تقول: صبورة، ومعطارة، إذا لم يعرف الموصوف؛ فيقول ابن يعيش: "إن هذا الأسماء إذا جرت على موصوفها3 لم يأتوا فيها بالهاء، وإذا لم يذكروا الموصوف أثبتوا الهاء خوف اللبس؛ نحو: رأيت صبورة، ومعطارة، وقتيلة بني فلان

".

وهذا تصريح واضح لا يدع مجالا للتردد في الأخذ به. وتجب ملاحظة الحكم الخاص بصيغة: "فعول" بمعنى: "فاعل"، وقد سبق في رقم 1 من ص591 وما بعدها، وفي هوامشها.

ب- وفي الكلام على: "فعيل" يقول سيبويه في كتابه "ج2 ص213" ما نصه: "وأما "فعيل" إذا كان في معنى مفعول فهو في المؤنث والمذكر سواء، وهو بمنزلة: "فعول" ولا تجمعه بالواو والنون كما لا تجمع صيغة: "فعول4

و

"وتقول: شاة ذبيح، كما تقول: ناقة كسير، وتقول: هذه ذبيحة فلان وذبيحتك. ذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حية؟ فإنما هي بمنزلة ضحية. وتقول: شاة رمي، إذا أردت أن تخبر أنها قد رميت. وقالوا: بئس الرمية الأرنب، إنما تريد: بئس الشيء مما يرمي، فهذه بمنزلة: الذبيحة. وقالوا: نعجة نطيح، ويقال -أيضا: نطيحة. شبهوها بسمين وسمينة

و.... وقالوا: رجل حميد، وامرأة حميدة. يشبه بسعيد وسعيدة، ورشيد ورشيدة حيث كان نحوهما في المعنى، واتفق في البناء5

". ا. هـ.

قال شارحه أبو سعيد السيرافي تعليقا على المثال: "هذه ذبيحة فلان وذبيحتك"

1 في ص591، وما بعدها.

2 سبق في ص594.

3 سبق شرح المراد من الموصوف في هذا الباب رقم 3 هامش ص595.

4 انظر "الملحوظة الهامة" التي في رقم 1 من هامش ص592 وتختص بصيغة فعول" من حيث تأنيثها، وتذكيرها، وإفرادها، وعدم الإفراد

5 الصيغة.

ص: 597

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما نصه: "لم أر أحدا علل في كتاب إلحاق التاء. والعلة فيه عندي أن ما قد حصل فيه الفعل يذهب به مذهب الأسماء، وما لم يحصل فيه ذهب به مذهب الفعل، لأنه كالفعل المستقبل؛ ألا ترى أنك تقول: امرأة حائض. فإذا قلت حائضة غدا لم يحسن فيه غير الهاء "التاء المربوطة". وتقول: فلان ميت إذا حصل فيه الموت. ولا تقل: مائت. وإذا أردت المستقبل قلت: مائت غدا، فتجعل فاعلا جاريا على فعله".

وجاء في "تاج العروس شرح القاموس" -مادة: قتل- ما نصبه: "قال الرضي: ومما يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا تلحقه "التاء" فعيل، بمعنى: مفعول: إلا أن يحذف موصوفه: نحو: هذه قتيلة فلان وجريحته. ولشبهه لفظا بفعيل بمعنى "فاعل" قد يحمل عليه فتلحقه التاء مع ذكر الموصوف أيضا؛ نحو: امرأة قتيلة؛ كما يحمل "فعيل"، بمعنى: "فاعل" عليه فتحذف التاء، نحو: ملحفة جديدة". ا. هـ.

من كل ما سبق يتبين تأويلهم لما ورد من "فعيل" بمعنى "مفعول" مختوما بالتاء وفي بعض هذه التأويلات تكلف واضح. ومن اليسير كشف ما فيها من الخطأ الذي يمنع قبولها. هذا إلى أن كتب اللغة ومعاجمها تحوي أمثلة أخرى معتددة مختومة بالتاء، ولا تحتمل تأويلا سائغا. فالخبر في الاقتصار على ما نقلناه1 عن بعض المحققين من أن الأكثر هو حذف التاء عند أمن اللبس؛ بسبب وجود الموصوف، وعدم استعمالها استعمال الأسماء غير المشتقة، وهذا رأي سديد يحسن الأخذ به، بالرغم من أن أكثر النحاة لم يذكروه مع جواز استعمال الرأي الآخر.

ج- لأسماء الجموع حكم خاص ورد في بعض المراجع اللغوية2، ونصه: "القوم: يذكر ويؤنث؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا

1 في ص594 وما بعدها.

2 هو: تاج العروس، شرح القاموس. مادة: قام. وقد سبق في الجزء الثاني م66 باب: أحكام الفاعل، في الحكم السادس -ما له صلة قوية بما نحن فيه.

ص: 598

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانت للآدميين -تذكر وتؤنث: مثل: رهط1، ونفر1، وقوم

قال الله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ، فذكر. وقال:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} فأنث. قال الجوهري: فإن صغرت لم تدخل فيها الهاء "التاء"، وقلت: قويم، ورهيط، ونفير

، وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء2 فيما يكون لغير الآدميين؛ مثل: الإبل، والغنم

لأن التأنيث لازم لهذا النوع3

ثم قال: حكى ثعلب أن العرب تقول: يا أيها القوم كفوا عنا. وكف عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع". ا. هـ.

1 و1 يرى بعض النحاة أن كلمتي: "رهط" و"قوم" مذكرتان ليس غير. ورأيه مرفوض بهذا النص. وبزيادة التاء وحذفها من الفعل في الآيتين التاليتين، والفاعل فيهما هو كلمة: قوم.

2 يريد: تاء التأنيث المربوطة.

3 الحكم بدخول هذه التاء لزوما إنما هو في حالة التصغير وحدها، وهذه الجملة مكملة لما قبلها من كلام الجوهري. وقد نقل "المصباح المنير" كلامه هذا في مادة؛ "غنم" فقال ما نصه:"قال الجوهري: الغنم اسم مؤنث موضوع لجنس الشاء، يقع على الذكور، والإناث وعليهما. ويصغر فتدخل الهاء، ويقال: غنيمة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، وصغرت، فالتأنيث لازم لها". ا. هـ.

ص: 599

"العلامة الثانية"1:

وأما ألف التأنيث المقصورة فقد زيدت سماعا في آخر الأسماء المعربة، سواء أكانت جامدة أم مشقة؛ تبعا للمسموع عن العرب، ولا تدخل في غير الوارد عنهم؛ فما أدخلوها على آخره صار وحده مؤنثا بها.

وللأسماء التي تدخلها أوزان مختلفة؛ بعضها نادر مبعثر في المراجع اللغوية؛ يصعب معرفته والاهتداء إلى أنه مؤنث إلا بمعونة تلك المراجع، وإرشادها. وبعضها شائع في الكلام الفصيح، مشهور الصيغة بالتأنيث؛ فمتى عرفت صيغته دلت -في الأعم الأغلب- على أنها لمؤنث، دون حاجة إلى مرشد أو معين. وصيغ هذا النوع تكاد تنحصر في الأوزان الآتية التي يدل كل وزن منها على أن الكلمة مؤنثة؛ وهي أوزان سماعية لا يجوز زيادة وزن على الوارد المسموع منها عن العرب -كما تقدم:

1-

فعلى "بضم ففتح، ففتح" كشعبى، وأدمى

اسمين لموضعين، وأربى، اسم للداهية.

2-

فعلى "بضم فسكون ففتح مع مد". مثل: بهمي: اسم نبت، وطولى، أنثى للوصف: أطول، وحللى، وصف للحامل، ورجعى، مصدر للفعل: رجع "ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ".

3-

فعلى "بفتحات"، مثل: بردى، اسم نهر بالشام2 وحيدي وصف في مثل: ناقة حيدى، أي: تحيد عن ظلها وتحاول الفرار منه3 ومرطى، وبشكى، وجمزى

والثلاثة مصادر، ومعناها واحد؛ هو

1 سبق الكلام على العلامة الأولى في ص590. أما الثالثة ففي ص603.

2 يخترق دمشق.

3 جاء في الصبان في هذا الموضع ما نصه: "يقال: حمار حيدي -بحاء مهملة، فتحتية، فدال مهملة- أي: يحيد عن ظله لنشاطه ولم يجئ نعت مذكر على: "فعلى" غيره، كما في الصحاح والقاموس". ا. هـ.

لكن جاء أيضا في لسان العرب وفي التاج -مادة: "بشك"- أنه يقال: "رجل بشكى الأمر"، أي: يعجل صريمة أمره.

ص: 600

المشية السريعة. وأفعالها: مرط، وبشك، وجمز، ثلاثية مفتونة بها.

4-

فعلى -بفتح فسكون- "جمعا؛ كقتلى، وجرحى، وصرعى"، أو: مصدرا؛ كدعوى، مصدر: دعا"، أو: "وصفا1؛ كسكرى، وسيفى، وشبعى، وكسلى

مؤنث سكران، وسيفان، -بمعنى: طويل- وشبعان، وكسلان". فإن كان "فعلى" اسما "كأرطى2 وعلقى3" فقيل ألفه للتأنيث فيمنع للصرف، وقيل للإلحاق فلا يمنع.

5-

فعالى "بضم أوله، وفتح ثانيه بغير تشديد"، مثل: حبارى وسمانى اسمين لطائرين، وسكارى جمع سكران، وعلادى، وصفا، بمعننى: شديد، يقال: جمل علادى: أي: قوي شديد.

6-

فعلى "بضم أوله، وفتح ثانية مع تشديده". مثل: سمهي، اسم للباطل والكذب، واسم الهواء المرتفع.

7-

فعلى "بكسر أوله، وفتح ثانيه، وسكون ثالثه المدغم في مثله"، مثل:"سبطرى؛ اسم لمشية فيها تبختر"، "ودفقى، اسم لمشية فيها تدفق وإسراع".

8-

فعلى "بكسر. فسكون، ففتح" جمعا، كحجلى الذي مفرده: حجل "بفتحتين" اسم طائر، أو مصدرا كذكرى؛ "مصدر الفعل في ذكر، يذكر، ذكرا، وذكرى".

9-

فعلى "بكسر أوله، فكسر ثانيه مع تشديده"، مثل:"حثيثي اسم مصدر للفعل: حث على الشيء إذا حض عليه"، "وخلفي، اسم بمعنى: الخلافة".

10-

فعلى "بضمتين، فتشديد ثالثه مع فتحه"، مثل: "كفرى،

1 ويعبر عن المشتق من الأسماء بالوصف أو الصفة -كما قلنا في رقم 3 من هامش ص595، وهو غير الوصف أو الصلة بمعنى: النعت.

2 شجر. "المفرد: أرطاة".

3 نبت. "للمفرد والجمع".

ص: 601

اسم لوعاء يوضع فيه طلع النخل، واسم للطلع نفسه". و"بذرى وحذرى، اسمين بمعنى: التبذير والحذر".

11-

فعيلى "بضم أوله، وفتح ثانيه المشدد"، مثل: خليطي، اسم للاختلاط، يقال: اختلف القوم ووقعوا في خليطي. أي: اختلط عليهم أمرهم، ومثل: ومثل: قبيطي، اسم لنوع من الحلوى، ولغيزى، اسم اللغز.

12-

فعالى "بضم أوله وتشديد ثانيه"، مثل شقارى، وخبازى اسم نبتين، وخضارى اسم طائر

1.

"ملحوظة": من الأوزان النادرة:

فعيلى: مثل خيسرى، للخسارة فعلوى: مثل: هرنوى، اسم نبت، فعولى: اسم نوع من المثنى، فيعولى؛ مثل: فيضوضى، اسم للمفاوضة، أي: الاشتراك فيا لشيء، فوعولى: مثل: فوضوضى: اسم بمعنى المفاوضة، فعلايا، مثل: برحايا، كلمة تقال عند التعجب من شيء.

.... و.... و......

1 يقول ابن مالك في قسمي ألف التأنيث:

وألف التأنيث ذات قصر

وذات مد، نحو: أنثى الغر

"الغر" جمع، مفرده المذكر: أغر، والمؤنث: غراء. ثم انتقل بعد هذا إلى سرد الأوزان المشهورة للألف المقصورة فقال:

والاشتهار في مباني الأولى

يبديه وزن: أربى، والطولى

ومرطى، ووزن فعلى جمعا

أو: مصدرا، أو: صفة، كشبعى

وكحبارى. سمهى، سبطرى

ذكرى، وحثيثى مع الكفرى

كذاك: خليطى مع الشقارى

واعز لغير هذه استندارا

"أعز: انسب، استندارا، ندرة" أي: انسب كل صيغة خلفت هذه الأوزان إلى القلة القليلة الذاتية، والندرة.

ص: 602

"العلامة الثالثة"1:

وأما ألف التأنيث الممدودة2، فكأختها المقصورة في أنها سماعية محضة، لا تدخل في غير الوارد عن العرب، وقد زادها العرب في آخر بعض الأسماء المعربة الجامدة، أو المشتقة للدلالة على التأنيث. وأوزان الأسماء السماعية التي تحتويها مختلفة؛ بعضها نادر مفرق في المظان اللغوية، وهي التي ترشد إليه؛ وبعضها شائع مشهور يعرف بمجرد سماع صيغته. ومنه الأوزان الآتية:

1-

فعلاء -بفتح فسكون، "كصحراء، اسم للبقعة القفرة". و"رغباء، مصدر للفعل: رغب" و"حمراء مؤنث: أحمر،

" و"طرفاء، اسم جنس جمعي3، مفردة: مفرده: طرفاءة، في الأكثر، وهي نوع من شجر الأثل".

2، 3، 4 أفعلا، بفتح الهمزة، مع كسر العين، أو مع فتحها، أو ضمها، كأربعاء، اسم لليوم المعروف. ومن معانيه إذا كان مفتوح الهمزة مضموم الباء: عمود الخيمة".

5-

فعلاء "بفتح، فسكون، ففتح"، مثل: عقرباء اسم لمكان، واسم لأنثى العقرب.

6-

فعالاء "بكسر، ففتح"، مثل: قصاصاء، اسم للقصاص.

7-

فعللاء "بضم فسكون، فضم"، مثل: قرفصاء، اسم لنوع من القعود.

8-

فاعولاء، مثل: عاشوراء، اسم لليوم العاشر من المحرم.

9-

فاعلاء، بكسر العين، بعدها لام مفتوحة غير مشددة"، نحو: قاصعاء، وغائباء، ونافقاء، وكلها اسم لجحور اليربوع4

1 سبق الكلام على العلامة الأولى في ص590 وعلى الثانية في ص600.

2 يرى البصريون: أن ألف التأنيث الممدودة هي ألف في آخر الاسم، زائدة للتأنيث، وقبلها ألف زائدة أخرى؛ فتنقلب الثانية الدالة على التأنيث همزة، كما في الأوزان التي سنذكرها.

3 الأرجح أن "طرفة" ليس جمع تكسير؛ لعدم وجود هذه الصيغة بين أبنيته -صبان.

4 حيوان أكبر قليلا من الفأر، يداه أقصر من رجليه.

ص: 603

10-

فعلياء "بكسر، فسكون، فكسر، فياء مفتوحة مخففة

"، نحو: كبرياء، اسم للتكبر.

11-

مفعولاء "بفتح، فسكون، فضم"، نحو: مشيوخاء، اسم لجماعة الشيوخة، واسم للأمر الختلط.

12-

فعالاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو: براساء؛ اسم للناس، وبراكاء: اسم لمعظم الشيء وشدته، ومنه قول الشاعر:

ولا ينجي من الغمرات إلا

براكاء القتال، أو الفرار

يقال؛ وقعوا في براكاء الأمر، أو القتال أي: في شدته وأكثره.

13-

فعيلاء "بفتح، فكسر"، نحو: فريثاء. وكريثاء، اسمين لنوعين من التمر.

14-

فعولاء "بفتح فضم"، نحو: جلولاء1.

15-

فعولاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو:"جنباء، اسم لموضع"، "وقرماء، اسم لموضع أيضا".

16-

فعلاء "بكسر أوله، وفتح ثانيه، نحو: سيراء، اسم لثوب مخطط مخلوط بالحرير، واسم لبنت، وللذهب.

17-

فعلاء "بضم، ففتح، فلام مفتوحة"؛ نحو: خيلاء، اسم للكبر والاختيال2

1 بلدة بالعراق

2 سراد ابن مالك الأوزان السماعية المشهورة لألف التأنيث الممدودة في ثلاثة أبيات ختم بها الباب، هي:

لمدها: فعلاء، أفعلاء

مثلث العين، وفعللاء

ثم فعالا، فعللا، فاعولا

وفاعلاء، فعليا، مفعولا

ومطلق العين: "فعالا". وكذا

مطلق. "فاء" فعلاء أخذا

ومما تجدر ملاحظته أن كل وزن مسموع مما سبق لا بد أن يكون مختوما "بالهمزة" وإنما تركها ابن مالك لوزن الشعر، وأن المراد بمطلق العين "فعالا"، هو ما كان على وزن:"فعالاء" مطلق العين مختوما بالهمزة؛ بأن يصح ضمها عن العرب نحو: جلولاء، أو فتحها نحو: براساء، أو كسرها نحو: قريثاء، يعني إطلاق العين أنها غير مقيدة بحركة من الثلاث، وكذا مطلق "الفاء" أن أوله غير مقيد بحركة، فقد يكون مفتوحا، أو مضموما، أو مكسورا، في نحو: جنفاء، وسيراء وخيلاء، وهي الأوزان الثلاثة الأخيرة فيما عرضناه.

ص: 604