الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع
وهي: لولا، لو ما، هلا، ألا، ألا
…
1:
صيغها، معانيها، أحكامها النحوية:
أ- أما صيغها فالشائع أن كل أداة مركبة في الأصل من كلمتين: "لو، ولا". ولا يعنينا هنا البحث في أصلها وتاريخها القديم، وإنما يعنينا أمرها الآن، وما انتهت إليه كل أداة منها، بعد أن توحد جزاءها، وصارا كلة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا، وتختص بأحكام جديدة لم تكن لها قبل التوحد، ولو زال عنها هذا التوحد لتغيرت معانيها وأحكامها تغيرا أصيلا واسعا.
ب- معانيها: هذه الحروف الخمسة تشترك جميعا في أنها تدل على التحضيض2 تارة، وعلى التوبيخ تارة أخرى. ولذا يسميها اللغويون:"حروف التحضيض، والتوبيخ".
وتمتاز "ألا" - من الخمسة - بأنها تكون أحيانا أداة للعرض3. كما تمتاز "لولا، ولو ما" بأنهما ينفردان بالدلالة على امتناع شيء بسبب وجود شيء آخر،
1 يزاد على هذه الخمسة: "لو" فإنها تكون أحيانا للعرض أو التحضيض؛ "طبقا لما تقدم في رقمي 5 و6 من ص369 ورقمي 4 و5 من ص503".
2 ومثلها "لو" في الدلالة على التحضيض دون التوبيخ كما أشرنا في رقم 1 والتحضيض هو: الترغيب القوي في فعل شيء أو تركه. وتظهر القوة في اختيار الكلمات الجزلة القوية، وفي نبرات الصوت.
3 ومثلها: "لو" -كما أشرنا في رقم 1- والعرض هو: الترغيب في فعل شيء أو تركه ترغيبا مقرونا بالعطف والملاينة. ويظهر هذا في اختيار الكلمات، وفي نغم الصوت.
وتمتاز "ألا" كذلك بأن تقع أداة "استفتاح للتنبيه"؛ فتكون في أول الكلام بقصد التنبيه إلى ما يليها، والاهتمام بما يجيء بعدها. ومثلها في هذا "أما" كقوله تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، وقول الشاعر:
أما والله إن الظلم لؤم
…
وما زال المسيء هو الظلوم
ويسميان لهذا: أداتي شرط امتناعي1.
فالمعاني التي تؤديها هذه الحروف ثلاثة أنواع:
1-
التحضيض والتوبيخ، تؤديهما الحروف الخمسة.
2-
العرض. وتكاد وتنفرد به: "ألا"، وهو الأكثر في استعمالها.
3-
الامتناع. وتكاد تنفرد به "لولا، ولو ما"2.
ج- أحكامها النحوية: -وكلها حروف.
1-
إذا كانت الأداة للتحضيض أو للعرض وجب أن يليها المضارع إما ظاهرا، وإما مقدرا يفسره ما بعده؛ بشرط استقبال زمنه في حالتي ظهوره وتقديره"؛ لأن أداة الحض والعرض تخلص زمن المضارع للمستقبل؛ إذ معناها لا يتحقق إلا فيه". فمثال المضارع الظاهر المباشر لها "أي: غير المفصول منها مطلقا": لولا تؤدي الشهادة على وجهها -لو ما تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك- هلا تحمي الضعيف ألا تصاحب النبيل الوديع، أو ألا
…
ومثال المضارع الظاهر المفصول منها بمعموله المتقدم عليه: لولا الشهادة تؤدي على وجهها لو ما المنكر تغير بيدك. هلا الضعيف تحمي
…
وكذا الباقي..
ومثال المضارع المقدر: دولها على اسم ظاهر يكون معمولا لمضارع مقدر يفصل بين هذا الاسم الظاهر والأداة؛ نحو: لولا الشهادة تؤديها على وجهها، لوما المنكر تغيره، هلا الضعيف تحميه، ألا، أو: ألا النبيل الوديع تصاحبه. والتقدير:
1 المراد بالشرط هنا: الدلالة على ربط أمر بآخر ربطا معينا، وتعليق الثاني على الأول، مع التقيد بنوع خاص من التعليق -طبقا لما سيجيء في رقم 1 من هامش ص515.
ومن الأمثلة: لوما الهواء لمات الأحياء، لوما حرارة الشمس لهلك الأحياء بردا، لولا الساعة لم نعرف الوقت، لولا التعلم لم تنهض الأمة.
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
…
أدنى إلى شرف من الإنسان
فقد امتنع موت الأحياء بسبب وجود الهواء، وبسبب وجود الشمس، وامتنع عدم معرفتنا الوقت بسبب وجود الساعة، وامتنع عدم نهضة الأمة يسبب وجود التعلم وامتنعت شدة قرب الضيغم إلى الشرف بسبب وجود العقول
…
2 قد تدل الشرطية على الامتناع ولكنه يختلف عما هنا، طبقا لما تقدم في بابها -ص400، وقد أشرنا لهذا في رقم 1 من هامش ص492، وفي رقم 1 من هامش ص515.
لولا تؤدي الشهادة تؤديها
…
لوما تغير المنكر تغيره، هلا تحمي الضعيف تحميه، ألا تصاحب النبيل
…
ويدخل في المضارع المقدر كلمة: "تكون" الشانية؛ "أي: الدلالة على الحال والشأن؛ كماضيها: "كان" الشانية" -إذا كانت أداة التحضيض داخلة على جملة اسمية؛ كقول الشاعر:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة
…
إلي، فهلا نفس ليلى شفيعها
التقدير: فهلا تكون
…
"نفس ليلى شفيعها" فالجملة الاسمية خبر: "تكون المقدرة". أما اسمها فضمير الشان، أي: هلا تكون الحالة والهيئة والشان1: نفس ليلى شفيعها.
وقد قلنا إن الأدوات السالفة لا يليها إلا المضارع ظاهرا أو مقدرا، فإن دخلت على ماض خلصت زمنه للمستقبل، بشرط أن تكون للمعنى الذي ذكرناه2؛ كقوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} أي: فلولا ينفر3
…
وأداة التحضيض والعرض قد تحتاج إلى جواب، أو لا تحتاج، على حسب ما يقتضيه المقام؛ فمجيئه جائز. فإنا جاء بعدها جواب وجب أن يكون مضارعا إما مقرونا بفاء السببية، وإما خاليا منها. وفي الحالتين تجري عليه الأحكام الخاصة بكل حالة. وقد عرفناها عند الكلام على فاء السببية المذكورة في الجملة أو التي لم تذكر4.
2-
إن كانت الأداة للتوبيخ وجب أن يليها الماضي لفظا ومعنى معا، ظاهرا، أو مقدرا يدل عليه دليل؛ فمثال الظاهر غير المفصول من الأداة:"هلا دافع الجبان عن وطنه فانتصر، أو استشهد"5، "ألا قاومت بالأمس بغي الطاغي"
1 سبق الكلام على ضمير الشأن تفصيلا في ج1 ص177 م20.
2 التحضيض، أو العرض.
3 وكذلك قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: لولا تؤخرني. أما إعراب: "أصدق وأكن" فقد سبق في رقم 3 من هامش ص369.
4 في ص352 و387.
5 لأن التوبيخ لا يكون إلا على شيء حصل.
ومثال الظاهر المفصول: "هلا الطائر رحمت""ألا الضيف صافحت""والأصل: هلا رحمت الطائر، هلا صافحت الضيف". ومثال المقدر قول الشاعر:
أتيت بعبد الله في القيد موثقا
…
فهلا سعيدا الخيانة والغدر
والأصل: فهلا أحضرت سعيدا
…
وكذا الباقي.
3-
إن كانت الأداة دالة على امتناع1 شيء بسبب وجود شيء آخر -ويتعين أن يكون كل منهما في الزمن الماضي -فلا بد من أمرين في هذه الحالة التي يمتنع فيها شيء لوجود آخر "وتشتهر بأنها: حالة امتناع لوجود".
أولهما: دخولهما على مبتدأ، محذوف الخبر وجوبا2.
وثانيهما: مصدر بفعل ماض لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف:"لم"، وقد سبقت الأمثلة للحالتين3. ويجوز في هذا الماضي يكون مقترنا باللام4 أو مجردا؛ سواء أكان مثبتا أم منفيا "بما" دون سواها. غير أن الأكثر هو اقتران المثبت، وخلو المنفي. فمثال المثبت المقترن بها "غير ما تقدم"3 قوله تعالى:{يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ، وقول الشاعر:
لولا الإصاخة للوشاة لكان لي
…
من بعد سخطك في الرضاء رجاء
1 هذه الدلالة خاصة بالحرفين: "لولا، ولوما" -دون بقية الخمسة- وبسببها يعتبران الأداتين الخاصتين "بالشرط الامتناعي" وقد سبق في رقم 1 من هامش ص513 أنه هو الدال على ربط أمر بآخر ربطا معينا، وتعليق الثاني على الأول مع التقيد بنوع خاص من التعليق.
وتعرب كل منهما حرف امتناع لوجود، أي: امتناع شيء بسبب وجود غيره. أما "لو" فتدل على امتناع أيضا، ولكن من نوع آخر تقدم في بابها -ص491.
2 تقدم تفصيل هذه المسألة "في ج1 -باب المبتدأ والخبر- م39".
3 و3 في رقم 1 من هامش ص513.
4 هذه "اللام" للتأكيد، وفائدتها موضحة تفصيلا في ص497 وهامشها. وقد ورد في المسموع النادر اقتران جوابها "باللام وقد" معا؛ كالذي في قول الكميت:
يقولون: لم يورث؛ ولولا تراثه
…
لقد شركت فيهم بكيل وأرحب
بكيل، وأرحب: علمان.
ومثال المثبت المجرد منها:
لولا المشقة ساد الناس كلهمو
…
الجود يفقر، والإقدام قتال
وقول الآخر يرد على من عابه بالقصر:
لولا الحياة، ولولا الدين عبتكما
…
ببعض ما فيكما؛ إذا عبتما قصري
ومثال المنفي "بما" المجرد من اللام قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ، وقول الشاعر:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت
…
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
ومثال المنفي المقرون بها قول الشاعر:
لولا رجاء لقاء الظاعنين لما
…
أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا
ويصح حذف الجواب إذا دل عليه دليل؛ كقوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} . التقدير: ولولا فضل الله ورحمته لهلكتم1
…
1 في تأدية "لولا ولوما" معنى الامتناع ودخولهما على المبتدأ لزوما، يقول ابن مالك في هذا الباب الذي عنوانه:"أسا، ولولا، ولوما".
لولا ولوما يلزمان الابتدا
…
إذا امتناعا بوجود عقدا
يريد: أنهما يلزمان الدخول على المبتدأ إذا عقدا الامتناع بالوجود، أي: ربطا الامتناع بالوجود؛ بحيث يمتنع شيء بسبب وجود آخر. فإذا وجد هذا الآخر تحتم امتناع ذاك.
ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان معناهما الآخر؛ وهو: الدلالة على التحضيض؛ فنص عليه، وأشرك معهما فيه حروفا أخرى؛ هي: هلا، ألّا، ألا. وصرح بأن هذه الأدوات التحضيضية مختصة بالدخول على الفعل -ولم يبين نوعه المحتوم؛ وهو المضارع- وأن الاسم قد يقع بعدها في الظاهر، ولكنه في الحقيقة يكون معلقا -أي: متعلقا ومعمولا- بفعل مقدر بعد الأداة مباشرة، أو بفعل متأخر عن هذا الاسم. يقول:
وبهما التحضيض مز. وهلا
…
ألّا، ألا، وأولينها الفعلا
وقد يليها اسم بفعل مضمعر
…
علق، أو بظاهر مؤخر
"مز: ميز: أولينها، أتبعها واذكر بعدها
…
".