المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هو معلوم في علم المصطلح-، مع أنَّ بعض الأئمَّة يحتجون - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: هو معلوم في علم المصطلح-، مع أنَّ بعض الأئمَّة يحتجون

هو معلوم في علم المصطلح-، مع أنَّ بعض الأئمَّة يحتجون بالمرسل، ولو لم يكن له شاهدٌ موصول، كما هو معروفٌ في علم الأصول.

ثم رأيت حديث سفيان المرسل في "زهد الإمام أحمد"، قال (ص 28):

حدثنا يحيى، عن سفيان

به، كما ذكره أبو حاتم رحمه الله، ويحيى هو ابن سعيد القطان، الإمام الثقة الثبت، وهذا يرجِّح أنَّه من مرسل محمد بن المنكدر، وليس من مرسل أبيه المنكدر -كما وقع لابن الجوزي-، وخلط بينهما (الهدَّام) فجعلهما واحدًا، والمعصوم من عصمه الله؛ وهو -سبحانه- ولي التوفيق.

ثم رأيت في "فتاوى النووي" أنَّه سئل عن الحديث؟ فأجاب (ص 13):

"حديث حسن، رواه التِّرمذي وغيره".

‌9

- قال ابن القيِّم رحمه الله: "وجماع هذا أن تعلم: "أنَّ الخلق

كلّهم، لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله

لك، ولو اجتمعوا كلّهم

":

قال (الهدَّام)(1/ 60): "حديث حسن، أخرجه التِّرمذي (2516)، وأحمد (1/ 293) من حديث ابن عبّاس".

قلت: أخرجاه من طرق، عن ليث بن سعد: حدّثني قيس بن الحجّاج، عن حَنَش الصنعاني، عنه

في حديث طويل، أوَّله: "يا غلام! إنّي أُعَلِّمك كلمات؛ احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجدْه تجاهك

" الحديث، وفيه: "واعلم أنَّ الأمّة لو اجتمعت

" الحديث، وهو مخرَّج في "الظلال" (138/ 316 - 318).

إِذا عُرف هذا، فلي على التخريج المذكور مؤاخذاتٌ:

ص: 52

الأولى: كتمانه -كعادته - تصحيح التِّرمذي إيّاه، فقد قال عَقِبه:"حديث حسن صحيح"(1).

والسبب في ذلك: أنَّه يريد أن يُظهر رأيه -وليته كان عن علم! - علىِ أحكام الأئمة السابقين، وما رأيته في هذا الكتاب أباح بتصحيح التِّرمذي، إلَاّ مرةً واحدةً، حين وافق ما عنده؛ فانظره -إن شئت- في المجلد الثاني -منه- (ص 121).

الثانية: قوله: "حديث حسن"؛ فإِنَّه لم يبيِّن هل يعني: أنَّه حسن لذاته؟ !

وحينئذٍ ينبغي أن يفصح عن ذلك ولايتكتَّم، فيقول كما قال في غيره:"إسناد حسن"، وإن كان يعني أنَّه حسن لغيره، فحينئذٍ يجب أن يذكر علَّته، والمتابعات أو الشواهد التي من أجلها حَسَّنَه، وهذا ما لم يفعله هنا ولا في أمثاله! فمن المشاهد فيما يحسِّنه أنَّه يعبِّر عنه بتعبيراتٍ مختلفة: الأوَّل: "حديث حسن" -كما هنا -.

الثاني: مثله، إلاّ أنَّه يشكِّك فيه، فيقول (70، 130): "إن شاء الله تعالى".

الثالث: "إِسناده حسن"(ص 77، 212، 224، 272، 514).

الرّابع: مثله، إلاّ أنَّه يشكِّك فيه أيضًا، فقال مَرَّةً (1/ 224):"أرجو أن يكون حسن الإسناد"! ومرَّةً قال (2/ 275): "هذا إسنادٌ حسن -إن شاء الله تعالى-"! فما هو السبب -يا ترى- في هذه التعابير الأربعة التي أحدثها هذا (الهدَّام)؟ ! والتي لا يعرف الفرق بينها مبتدِعُها نفسه، فضلًا عن القرّاء، وإنَّما

(1) وأقرَّه المزي في "التهذيب"(24/ 20 - 21).

ص: 53

هي من باب التكلُّف والتنطُّع المنهيِّ عنه؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون" رواه مسلم.

ولماذا أعرض عن الاصطلاح العامِّ المعروف عند علماء الإسلام؛ أنَّ الحديث الحسن: حسن لذاته وحسن لغيره؟ !

لا لشيء سوى حبِّ المخالفةِ والمشاكسة الذي حَادَ به عن سبيلهم غايةً وأسلوبًا!

لقد زعم هذا (الهدَّام) في آخر مقدِّمته لهذا الكتاب (ص 5) -الذي أفسده بتعليقاته وتخريجاته -أنَّه قام بخدمة الكتاب: "ليتيَسَّر لقارئه فهمه"! وأنا مع اعتقادي الجازم بأنَّه لم يفعل شيئًا من ذلك، فهو على العكس من ذلك تمامًا، فقد عسَّر عليهم فَهْمَ كثير من بحوثه وفصوله؛ بما ضعّف من أحاديثه الصحيحة التي أقام المؤلف عليها بحوثه وفصوله، ولو أنَّه كان صادقًا في التيسير المذكور، ليَسَّر لهم فهم ما يقول هو ويكتب! وكم له من مثل هذه (المُعَمَّيَات)! التي سيأتي بيانها في مواضعها -إن شاء الله تعالى-.

ولا أدَلّ على أنَّه يقول ما لايفعل: من تلك الإحالات العجيبة في التخريج، فهو كثيرًا ما يقول في بعض الأحاديث المتكرِّرة:"تقدَّمَ تخريجه"! فيبخل على قرّائِه أن يعيِّن لهم المكان بالجزء والصفحة تيسيرًا للمراجعة! حتى إنَّه ليفعل ذلك في المجلّد الثاني؛ قال (ص 374): "تقدم تخريجه"؛ الأمر الذي يكلِّف القرّاء أن يقلِّبوا مئات الصفحات بحثًا عن تخريج الحديث الذي أحال إليه، وقد يكون في أوَّله أو في آخره وما بينهما، وقد يكون قريبًا جدًا، كمثل إحالته في المجلد الثاني (ص 163) والتخريج في الصفحة التي قبلها!

وإنَّ من طرائفِهِ (! ) أنَّه في بعض المواضع تفضّل على القرّاء فعَيَّن لهم الصفحة، لأنَّه لم يكلِّفه ذلك شيئًا من البحث والوقت، لأنَّ بينها وبين

ص: 54

الصفحة التي فيها التخريج: تخريجًا لحديثين فقط! فانظر (ص 31)، ومَرَّة أخرى كان الفاصل تخريجَ حديثٍ واحد! (ص 51).

وأغرب من كلِّ ذلك أنَّه علَّق على حديث: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم

" بقوله (ص 171): "حديث منكر، وقد تقدّم"!

والواقع أنَّه لم يتقدّم له ذكرٌ في الكتاب، ولا منه في التعليق، وإنَّما ذلك من أوهامِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ إن لم يكن ذلك من باب:(وراء الأكَمَة ما وراءها)!

وإِنَّ مما يؤكد ما قلت؛ أنَّه لما ذكره في فهرس الأحاديث (ص 437) لم يعزهُ إلاّ إلى المكان الذي أشرت إليه!

وهكذا فليكن التحقيق والتيسير {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَاتَفْعَلُونَ} .

المؤاخذة الثالثة: أنَّه مهما كان قصدُه من قوله: "حديث حسن"، فذلك من جَنَفِهِ على السنة، وجنايته على الأحاديث الصحيحة ورواتها، فإِن حقَّ إسناده المتقدِّم -مني- أن يقول فيه:"إسناده صحيح"، أو على الأقل:"حديث صحيح" أي: لغيره، وذلك لأنَّ رجاله ثقات، رجال مسلم، غير (قيس ابن الحجاج)، فقد ذكره ابن حبّان في "الثقات" وروى عنه جمع كثيرٌ من الثقات (1)، وحسبك منهم: الليث بن سعد -راويه هنا -، وإنْ قال فيه أبو حاتم:"صالح"، فإِنَّه -على تشدُّدِه المعروف - إِنَّما يعني أنَّه حسن الحديث، وأَظنّ أنَّه مقلَّد (الهدَّام) هنا، فلا أقلَّ من تصحيحه لغيره؛ لأنَّ له طرقًا كثيرة أشار إليها الحافظ ابن رجب في "شرح الأربعين"(ص 133)، وكنت خرَّجت بعضها في "الظلال".

(1) وقال فيه ابن حجر في "التقريب": "صدوق".

ص: 55