المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهذا - منه - على ما جرى عليه في كل - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: وهذا - منه - على ما جرى عليه في كل

وهذا - منه - على ما جرى عليه في كل تخريجاته من إعراضه عن تقوية الضعيف بكثرة طرقه - كما نبَّهت عليه في المقدِّمة -؛ ولذلك سكت عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 578)، واحتج به شيخ الإسلام ابن تيميّة، وجزم - أيضاً - بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في "الفتاوى"(20/ 122) و (28/ 135)، وأورده عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الشرعية الصغرى"(2/ 818) التي خصها بالأحاديث الصحيحة.

والحديث مخرّج في "الصحيحة"(1040)، و"الإرواء"(1178).

‌6

- "في "صحيح مسلم" عن صُهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"إذا دخل أهل الجنة الجنّة، نادى منادٍ: يا أهل الجنّة! إنَّ لكم موعداً

فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه"":

قلت: هو من رواية حماد بن سلمة: ثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب.

وقد قال ابن المديني وغيره: "لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة"؛ كما في "السير" للذهبي، وقال (7/ 446):

"ومسلم روى له في الأصول عن ثابت وحميد، لكونه خبيراً بهما".

ولذلك قال الحافظ في "التقريب": "ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت".

قلت: من أجل ذلك كنت صحَّحته في "الظلال"(472) وغيره، ولا سيّما تَتَابَعَ حفاظُ الأمّة، وأئمَّةُ الإسلام على تخريج حديثه هذا - مع الإمام مسلم - في كتب الصحاح، والاحتجاج به في كتب السّنة وأصولها، منهم أبو عَوانة، وابن خُزيمة، وابن حِبان في "صِحاحهم"، وصحَّحه البغوي في "شرح السنة"، واحتج به ابن خزيمة في "التوحيد"، واللالَكائي في "أصول الاعتقاد"،

ص: 42

والبيهقي في "الأسماء والصفات"، و"الاعتقاد"، وابن تيميّة في "الفتاوى"(8/ 356)، وابن القيم - كما ترى -، وابن أبي العزّ في "شرح العقيدة الطّحاوية"، والحافظ ابن حَجَر في "الفتح"(13/ 432) - وغيرهم مِمّن يصعب استقصاؤهم، دون أي خلاف سالف من غيرهم -.

ورغم هذا تطاول هذا (الفَسْل القميء) عليهم، وخالف سبيلَهم، زاعماً أنَّ:"إسناد هذا الحديث إلى صهيب غلط، مَنْشَأُهُ من حماد بن سلمة، فقد خالف جمعاً من الثقات بزيادته صحابيَّ الحديث صهيباً، ورفعِه، ولا تحتمل زيادته الصحة".

ثم خرّجه من رواية الطبري من طريق حماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، ومَعْمَر، عن ثابت

به دون ذكر صهيب؛ موقوفاً على ابن أبي ليلى، وقال.

"وهو الصواب".

فأقول: هذا مُنتهى الصَّفَاقةِ من هذا الأفِين، فإِنَّه - فوق تجرُّئه على تخطئته لأولئك الفحول - يستدل على ذلك برواية الثلاثة الذي خالفوا حماد ابن سلمة، فأوقفوه على ابن أبي ليلى - وهم دون ابن سلمة في ثابت خاصة - كما تقدم عن ابن المديني وغيره -، ومنهم الإمام أحمد.

وإن مما لا شك فيه أنّ الحفاظ الذين جاؤوا من بعد مسلم - والذين أخرجوا الحديث وصحّحوه أو احتجّوا به - قد وقفوا على رواية هؤلاء المخالفين، فلم يرفعوا إليها رأساً؛ لعلمهم بأرجحيَّه رواية ابن سلمة عن ثابت على روايتهم، ومنهم الإمام الطبري نفسه، فإنَّه أَتبع روايتهم برواية ابن سلمة؛ مشيراً بذلك إلى أنَّها هي الصحيحة المعتمدة؛ ولعله - لذلك - كَتَمَ هذا (الهدَّام) ذِكْرَ الطبريِّ عن القراء؛ فلم يذكره في جملة المخرِّجين لها، كما كتم عزوَها إلى هؤلاء الحفّاظ الذين أخرجوه في "صِحاحهم": أبي عَوانة، وابن

ص: 43

خزيمة، وابن حبان، والبغوي - كما تقدم -.

وهناك حقيقةٌ أخرى كتمها - مدلِّساً بذلك على القُرّاءِ -؛ وهي أن رواية الثلاثة، وإن كانت متفقة وقفاً، فهي مختلفةٌ اختلافاً ظاهراً متناً، فلو أنَّه ساقها: لتبيّن للقراء جهلُه بهذا العلم الشريف، وأنَّه فارغ منه كالطبل، وهاك البيان:

أولاً: رواية مَعْمَر وسليمان بن المغيرة، أخرجها الطبري من رواية ابن المبارك عنهما، عن ثابت، عن ابن أبي ليلى - مختصرة جداً -، بلفظ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: النظر إلى وجه ربهم".

ثانياً: رواية حماد بن زيد عنه، روايتان:

إحداهما: كهذه، رواها عنه عبد الرحمن - وهو ابن مهدي -، قال: ثنا

حمّاد بن زيد

به، مختصراً.

والأخرى: يرويها ثقتان عنه - مطولاً -، نحو رواية ابن سلمة.

وإذا عُرف هذا؛ فما هو الراجح من هذا الاختلاف؟

إن من الواضح أن ما اتفق ثقتان عليه أرجحُ مما رواه ثقة واحد، ولا سيّما إذا كانت روايته أنقصَ متناً من روايتهما، فرواية عبد الرحمن بن مهدي مرجوحة من هذه الحيثيّة، لكننا نرى أنَّه قد تابعه الثقتان الآخران: مَعْمَر وسُلَيمان بن المغيرة، فهي بهذا الاعتبار راجحة، ورواية الثقتين مرجوحة؛ هذا إذا جرينا - لا قدَّر الله! - على ما جرى عليه (الهدَّام) من الترجيح بالكثرة!

وههنا حقيقةٌ أخرى يجهلها من لم يمارس هذا العلم ممارسة طويلة، ولم يتفقّه بأساليب الحفاظ النقادين في معالجة الاختلاف بين الروايات، وهي أنَّهم يلاحظون - أحياناً - أن الخلاف إنَّما سببه الاختصار - لسبب أو آخر -؛ فقد يقتطع الثقة من الحديث قطعة تناسب المقام، وقد لا يرفعه لاعتقاده أنَّه

ص: 44

معروف عند الحاضرين، إلى غير ذلك من الأسباب التي تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالرواة، وإنَّ مما يؤيِّد هذا هنا ما رواه الإمام الطبري بالسند الصحيح - جداً - عن عبد الرحمن بن مهدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية:

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قال: "إذا دخل أهل الجنّة الجنة

"

الحديث، نحو حديث حمّاد بن سلمة، وفيه: "

فوالله ما أعطاهم شيئاً أحَبَّ إليهم من النظر إليه".

فهل يقولُ عالمٌ: أخطأ ابن مهدي في رفعه - وبهذا التمام - مخالفاً لروايته المتقدمة المختصرة الموقوفة؟ !

ومن هذا القبيل ما رواه البيهقي في "الأسماء"(ص 307) من طريق قَبِيصة بن عُقبة أبي عامر: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب - مرفوعاً - في قوله عز وجل:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قال:"النظر إلى وجه ربّنا عز وجل".

فهذا - كما ترى - قطعة من حديث حمّاد بن سلمة المرفوع، فهل يقال: أخطأ قَبيصة على حمّاد؟ أو: أخطأ حماد على ثابت؟ ! كلاّ ثم كلاّ، وقد عرفتَ السبب فيما قدّمنا.

وإذا عرفتَ هذا؛ فالحقُّ أنَّ كل هذه الروايات - من أولئك الثقات - الدائرةِ على ثابت، كلّها ثابتة صحيحة عنه، فالاختلاف الذي بينها ليسَ اختلافَ تعارضٍ، وإنّما اختلاف تنوعّ، وقد يكون ذلك من ثابت نفسه، فحفظ كلٌّ منهم ما سمع منه، وقد يكون منهم أنفسهم، وهذا أرجحُ عندي؛ لما تقدم بيانه.

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فرواية حمّاد بن سلمة عنه صحيحة؛ لما معه من الزيادة سنداً ومتناً، ولأنَّه أثبتهم عن ثابت - كما تقدم عن الحفّاظ -.

ص: 45