الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"ظلال الجنّة"(2/ 525 - 526).
وإذا عرفتَ هذا؛ تبيّن بطلانُ وسقوطُ تمامِ كلامه في تخريج الحديث: "قلت: وشواهده كلها لا تصحُّ. . . " إلخ، ولا سيّما وهو كلامٌ مُضَلَّلٌ مُعَمًّى، فما هي الشواهدُ التي يعنيها؟ ! إنَّه -كعادتهِ- يُعَمِّي ولا يُبَيِّن، وهو شأن المُضلِّل -المُضَلَّل - دَوْمًا-! !
108
- حديث "أطعموها الأُسارى":
قال (الهدَّام)(1/ 514): "أخرجه أبو داود (3332) بإسناد حسن".
كذا قال! ولم يُبَيّن لماذا هو حسن فقط، وليس بصحيح؟ ! كما هي عادتُهُ في كلّ ما حَسَّنَه -فيما تقدم-، ولو أنَّه فعل لانكشفَ أنَّه لا ضوابطَ عنده ولا قواعد؛ إلَّا أن تكون من وضعِه هو -بهواهُ-؛ مخالفًا لعلماء المسلمين تأصيلًا وتفريعًا؛ يدلُّ على ذلك كثرةُ مخالفالِّه لهم -فيما تقدم ويأتي-؛ ومِن ذلك هذا الحديثُ؛ فقد صحّحه الإِمام النووي، والحافظ العسقلاني، وهو قطعةٌ من حديثٍ عند أبي داود وغيره، وهو مخرّج في "أحكام الجنائز"(ص 182).
109
- "وقال الزُّهْري، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أمّه أُم كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعَيط -وكانت من المهاجرات الأول-: لم أسمع رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يرخِّص في شيء مما يقول الناس: إنَّه كَذِبٌ؛ إلَّا فى ثلاث: الرجل يُصلح بين الناس، والرجل يكذب لامرأته، والكذب في الحرب":
قال (الهدَّام)(1/ 524): "أخرجه مسلم (2605)، والصواب أنَّه من كلام الزهري، كما في وواية يونُس، عن الزهري؛ ويونُس من أوثق الناس في
الزهري .. . . ". إلخ.
وأقولُ: بل الصوابُ أنَّه مرفوعٌ من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رواه أربعةٌ من الثقات عن الزهري بسنده الصحيح -الذي ساقه ابن القيم رحمه الله محتجًّا به-.
ويُونس الذي اتَّكَأَ عليه (المضعِّف) في وَقْفِه على الزهري؛ قد رواه بعضُهم عنه عن الزهري. . . مرفوعًا.
وبيانُ ذلك من وجوه:
الأَوَّل: أنَّ (الأوثقّيةَ) التي ذكرها؛ مما اختلف الحُفَّاظ فيها، فهو -كعادتِه- يأخذ من أقوالهم ما يشاءُ؛ ممّا يوافق هواه:
فقد قال الحافظُ ابنُ رَجب في "شرح علل الترمذي" -وهو من مراجع المضعِّف! - بعد أن حكى بعضَ الأقوالِ في (الأوثقيّة) -المذكورة (ص 342) -: "وكان الإِمام أحمد سيِّئَ الرأي في يونُس بن يزيد. . . ".
وفي "التهذيب": "وقال الميموني: سئل أحمد: مَنْ أثبتُ في الزُّهري؟ قال: مَعْمَر، قيل: فيونُس؟ قال: روى أحاديث منكرة".
وقال في روايةٍ أخرى: "هو كثيرُ الخطإ عن الزهري"!
الثاني: سَلّمنا (بالأوثقيَّة) المدَّعاة، ولكنْ ليس على إطلاقها، وإنَّما في كتابهِ، فقد قيَّدَه بذلك بعضُ الحفّاظ كابن المبارك -وغيره-؛ فقالوا:"كتابه صحيح".
ولما ذكره عليُّ بن المَدِيني في "أثبت الناس"؛ قَدّم عليه جماعةً، وقال بعدهم:"ويونُس من كتابه".
وروى ابنُ أبي حاتم بِسندٍ صحيح عن وَكِيعٌ، قال:"لقيت يونُس بن يزيدَ الأيْلي، وذاكرتُه بأحاديث الزهري المعروفةِ، وجهدتُ أن يُقيم لي حديثًا، فما أقامه".
وهذا الحديثُ لم يذكر أَحَدٌ -فيما علمتُ- بأنَّه حدَّث به من كتابهِ، فسقط التصويبُ القائمُ عليها.
الثالث: سَلَّمنا (بالأوثقيّة) المزعومة على إطلاقها، ولكنّ ذلك لا يعني أكثرَ من ترجيحِ روايته على رواية مَنْ هو دونه في (الأوثقيّة)؛ كأن يخالفه ابنُ جُريج -مثلًا-، والأمرُ ليس حصذلك هنا! فقد خالفه أيضًا عبدُ الوهّاب بن أبي بكر، وصالح بن كَيْسان، ورواياتهم مخرَّجة بالأسانيد الصحيحة عنهم في "الصحيحة" برقم (545).
ثم وجدتُ لهم متابعًا رابعًا؛ هو أوثقُ منهم ومن يونُس جميعًا، ألا وهو (الزُّبَيدي: محمد بن الوليد): أخرج حديثَه النسائي في "السنن الكبرى"(5/ 351/ 9123): أخبرنا كَثِير بن عُبيد الحِمْصي، قال: ثنا محمد بن حرب، عنه، عن الزُّهري. . . به.
وقال الحافظ في (الزُّبيدي): "ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري".
وفضّله الجُوزَجاني على يونُس؛ كما في "شرح العلل"(340).
وَلعِلْمِ (الهدَّام) بهذا -واللَّه أعلم! - كابرَ -كعادته-، وأجاب عنه بجواب تضحك منه الثَّكلى؛ فقال (ص 406 - "رياضه"):
"لم يتعيَّن القائلُ في رواية الزُّبيدي عند النسائي"!
وليتَ شِعري؛ هل يقولُ مثلَ هذا الكلامِ عاقلٌ يدري ما يخرج من رَأْسهِ؛ في حديث كهذا، صحَّ إسناده -كما تقدّم- إلى الزبيدي، وليس بينه وبين النسائي غيرُ ثقتين، كَثير بن عُبيد ومحمد بن حرب؟ !
نعم، قد يقولُ -هذا- المجادلُ بالباطل فيغمزُ من أحدهما، ويزعم أنَّه أخطأ على الزبيدي، ولكنّه لم يتعَيَّن!
فإن كان يريدُ هذا! ! فهو من أباطيلهِ الكثيرِة التي لا تحصي، والتي لا يعجزُ عنها أجهلُ الناس، وأشَدُّ الناس عِداءً للسنة، ولأنَّها مبنيّة {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} ، ألا وهي تخطئةُ الثقات بغير حُجّةٍ أو قاعدةٍ علميةٍ.
ويا تُرى! ما الفرقُ بينه وبين ما لو عارضه معارضٌ مثله، فقال: أخطأ يونُس في إيقافه لهذا الحديث على الزهري، كما أخطأتَ أنت في تصويبك لوقفه، أو خَطّأك في كل تصحيحاتك وتحسيناتك، التي تُطلقها -دون بيانٍ-، مخالفًا أسلوب العلماء في تخريجاتهم وتضعيفاتهم؟ ! يَرِدُ ذلك عليه دون أيِّ بحثٍ أو تحقيق، اليس هذا هو الهَدْمَ للسنّة -الذي يقومُ به هذا (الهدَّام) -؟ !
وإنَّ من دعاويه الباطلةِ والكاذبةِ في تعليقه المشار إليه في "الرياض"؛ قولَه في الثقات الثلاثة الذين سبق ذكرُهُم -ابن جُريج، وعبد الوهّاب، وصالح-، قال:
"ليسوا بالأثبات في حديث الزُّهري -كما في "شرح علل الترمذي"-".
فأقولُ: هذا الكلام -على قلَّته- فيه كذبٌ وتدليسٌ:
أمّا الكذبُ؛ فقد ذكر الحافظُ ابنُ رَجَب في الشرح المذكور بحثًا علميًّا رائعًا، تحت عنوان:(أصحاب الزهري)، وطبقاتهم، ومراتبهم في الرّواية عنهم، تُساعد الباحثَ العالم على ترجيح رواية على أُخرى عند التعارض - (ص 338 - 344) -؛ جاوز عددُهم العشرةَ، ليس فيهم عبد الوهاب!
وأمّا التدليسُ، فهو أنَّه أوهم قُرّاءه أنَّ الحافظ ابن رجب نفى أن يكونَ صالحٌ من الأثبات، والواقع أنَّه لم يفعل ذلك، وإنَّما ذكر عن ابن مَعِين أنَّه قال:"مَعْمَرٌ أحبُّ إليَّ من صالح بن كَيْسان"؛ وهذا لا يعني -بأيِّ وجهٍ من الوجوه- ما نسبه إلى ابن رجب في "شرحه"! ألا تَرَى أنَّه ذكر (ص 339) عن يحيى بن سَعِيد أنَّه قال: "ابن عُيَينة أحبُّ إلي في الزهري من مَعْمَر".
فهل يقولُ (الهدَّام) في (مَعْمَر) ما قاله في (صالح)؟ !
وهل الذي قاله -أو نَسَبه- إلى الحافظ ابن رجب، هو من جهلهِ، أو سوءِ فهمه، حتى وقع في مثل هذا التناقض؟ ! أحلاهما مرٌّ!
والوجه الرّابع: ما رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد"(رقم 385): حدّثنا عبد اللَّه بن صالح، قال: حدّثني الليث، قال: حدّثني يونُس، عن ابن شِهَاب. . . به، مثل حديث الأربعة.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، غير (عبد اللَّه بن صالح) -وهو كاتب الليث-، والخلافُ فيه معروفٌ، وقد أورده الحافظ في "مقدمة الفتح"(ص 414)، وذكر فيه طائفةً من أقوال الأئمة، ما بين موثّق ومضعِّف، ثم عقّب على ذلك بقوله:
"قلتُ: ظاهرُ كلامِ هؤلاء الأئمة؛ أنَّ حديثَه في الأوّل كان مستقيمًا، ثم طَرَأَ عليه فيه تخليطٌ، فمقتضى ذلك: أنّ ما يجيءُ من روايته عن أهل الحِذْق -كيحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم-، فهو من صحيحِ حديثهِ، وما يجيءُ من رواية الشيوخ عنه، فَيُتَوَقَّفُ فيه".
قلتُ: وعلى هذا التفصيلِ يكونُ حديثُ عبد اللَّه بن صالح -هنا- عن الليث من صحيح حديثه، لرواية البخاري، وإن مما يؤكّد ذلك أنَّه قد تابعه أَبُو بكرٍ وهو ثقةٌ محتجٌّ به في "الصحيحين"-:
فقال أَبُو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 88): حدثنا يونُس، قال: أخبرنا يحيى بن عبد اللَّه بن بُكَير. وحدثنا محمد بن خُزَيمة، وفَهْدٌ، قالا: ثنا عبد اللَّه بن صالح -قال كلٌّ منهما-. حدّثني الليث. . . به.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(7/ 490 - 491) من طريق أخرى عن ابنِ بُكَير .. به.
قلتُ: فإِذا صحَّ هذا، فيكون الليث متابعًا خامسًا، وهو ثقةٌ حجّةٌ في كل شيوخه، ومنهم يزيدُ بن الْهَاد، فقد رواه عنه، عن عبد الوهّاب، عن ابن شِهَاب -عند أحمد وغيرهِ-، وهو مخرّجٌ في "الصحيحة" -كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك-.
وجملةُ القولِ: فهذه خمسةُ طرقٍ عامّتها صحيحةٌ عن الزُّهْري، لا تَدَعُ أيَّ شكٍّ أو ريبٍ في ثبوت رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند كل مسلم مُنْصِف يغارُ على حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُنتقصَ منه، ويُنسب إلى غيره، كما يغار أن يُنسب إليه ما لم يقُلْه من حديثِ غيره؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
وبعد هذ! كله؛ فإِنِّي أقول:
إنَّه لا تلازُمَ -عند أهل الحق والعلم- بين كون حديثٍ -ما- ضعيفَ الإسنادِ، وبين أن لا يكونَ له -أو لبعضهِ- أسانيدُ أُخرى تُقَوِّيه، فالباحثُ الناصحُ -حقًا- لا يقفُ عند هذا الإسناد، بل إنَّه يتوسّع في بحثه، ويوسّع أُفُقَ نظرهِ لعلّه يجدُ ما يقوِّيه أو يقوِّي بعضَه على الأقل، وهذا مما لا يفعلُه (الهدَّام) - وقد تقدّمت له أمثلةٌ كثيرةٌ، ومنها هذا الحديثُ؛ فقد كنت ذكرتُ له بعضَ الشواهد في "الصحيحة"، فَأَعْرَضَ عنها -قصدًا وكتمانًا للحق! -.
بل إنَّه تعامى عمّا هو أصحُّ منها، وهو قولُه صلى الله عليه وسلم:"الحرب خدعة"؛ الذي أخرجه الشيخانِ -وغيرهما- عن جمعٍ من الصحابة، حتى بلغ -أو كادَ يبلُغُ- التواتر، وهو مخرّج في "الروض النضير"(770)، و"صحيح أبي داود"(2369) -وغيرهما-.
فيا تُرى! ألم يكن من الواجبِ على هذا (الهدَّام) -لو كان بنَّاءً ناصِحًا- أن يُنبَّهَ قُرّاءه بأنَّ تضعيفه لهذا الحديث لا يشملُ هذه الفِقرةَ منه؛ لصحّتها
عنده أيضًا؛ فقد أثبتها في "رياضه" رقم (1029)؟ !
وبهذه المناسبةِ أقولُ -مذكِّرًا بتخريبِ هذا (الهدَّام) -: إنَّ رقم هذا الحديث في "رياض الصالحين"(1359) -الأصل-؛ فليتأمّل القراء الكرام الفرقَ الشاسعَ بين "رياضه"، و"رياض الصالحين"!
ثم إنَّ حديثَ -"الحرب خدعة"- ذكره ابن القيِّم بعد صفحات (530)، فلم يُخَرِّجه (الهدَّام)، وإنَّما أحال به على حديث الزُّهري -الذي أعلّه بالوقف-، فقال:"تقدّم تخريجه"؛ فهل كان هذا عن غفلةٍ أو تغافُل؟ ! الثاني هو الأقربُ إلى هدمهِ!
ولابُدّ لي بهذه المناسبةِ من التنبيه على ما يأتي:
أوّلًا: لقد كان يكفي هذا (الهدَّامَ) -رادعًا له عن إصراره على تضعيفِ الحديث هنا وهنا-؛ علمُهُ بِجَرَيان عملِ العلماء عليه، واحتجاجِهم في كتبهم، مع اطِّلاعِهم على العلّة المزعومة، كالإمام النووي في "الرياض"، و"شرح مسلم" -وغيرهما-، والشيخين: ابن القيِّم هنا، وشيخه في "الفتاوى"(28/ 244)، والحافظ العراقي في مواطن من كتابه "تخريج الإحياء"، وابنه أبي زُرعة في "طرح التثريب"(7/ 215)، والحافظ ابن كثير في "التفسير"؛ وغيرهم كثير وكثير -مما لا يمكن إحصاؤه-.
ثانيًا: بمناسبة ذكر ابن كثير؛ لقد قال في تخريج هذا الحديث - مِن "تفسيره"(1/ 554) -بعد أن مماقه بإسناد أحمد، من طريق صالح بن كَيْسان-:
"رواه الجماعةُ سوى ابن ماجة من طُرُق عن الزهري. . . به".
قلت: فيه تساهُلٌ؛ لأنَّ البخاري والترمذي ليس عندهما إلَّا قولُهُ -قبل هذا الحديث-: "ليس الكذّابُ الذي يُصلح بين الناس، فَيَنْمي خيرًا أو يقول